الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / الإتجاه الفقهي من عدم جواز اللجوء للتحكيم في العقود الإدارية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / التحكيم في المنازعات التي تكون الدولة طرفا فيها (في النظامين السعودي والمصري) / الموقف الفقهي من التحكيم في منازعات العقود الإدارية في ظل القانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ :

  • الاسم

    محمود احمد عبدالسلام احمد نقي الدين
  • تاريخ النشر

    2019-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    466
  • رقم الصفحة

    331

التفاصيل طباعة نسخ

الموقف الفقهي من التحكيم في منازعات العقود الإدارية في ظل القانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ :

أختلف موقف الفقه إلى ثلاثة اتجاهات وذلك على النحو التالي : من عدم

أـ الرأي الفقهي الرافض لإجازة التحكيم في منازعات العقود الإدارية :

    نصت المادة 11 من القانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤، على أنه : " لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه، ولا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح، ولما كان ممثل الشخص الاعتباري العام لا يملك التصرف حقوق هذا الشخص، إلا تبعاً لقواعد مقررة قانوناً، كما أن الصلح في الذي يجريه أحد القانون العام، يثور في شأن جوازه بعض المشاكل ولا يوجد رأي قاطع في شأنه.

   كذلك في مقام الرد على ما ذهب إليه أنصار الاتجاه الرافض، من أن الولاية العامة، لا يجوز العهود بها إلى هيئة خاصة ( مثل هيئة التحكيم) خصوصاً، وأن الدولة وهيئاتها في العقود الإدارية تظهر بمظهر السلطة العامة (وهو الأساس الذي بنيت عليه الفتوى الأخيرة في ۱۹۹۷ من الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع)، هو قول يعوزه الأساس القانوني، لأن التلازم ليس حتماً بين الولاية العامة، وجواز العهود بها إلى جهات خاصة.

رأي الباحث :

    نرى أنه غير قانوني لجعل التحكيم في منازعات العقود الإدارية قاصراً على العقود ذات الطابع الدولي حيث أن دولية العقد لا تغير من طبيعته الإدارية وذلك تشجيعاً للاستثمارات الأجنبية في مصر وبث الثقة لدى طرف العقد الإداري الدولي من تحقيق سرعة الفصل في النزاع، حسب الآليات التي يضعها الطرف المتعاقد الأجنبي.

 ثانياً : موقف القضاء الإداري من التحكيم في منازعات العقود الإدارية في ظل قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ :

أ. موقف الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع :

   أتجه رأي الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع إلى عدم صحة شرط التحكيم في العقود الإدارية وكان اتجاهها عكس موقف المحكمة الإدارية العليا كما نرى.

 

    عرض على اللجنة الثانية لقسم الفتوى بمجلس الدولة بجلستها المنعقدة بتاريخ 30 من أكتوبر سنة 1996، مراجعة مشروع عقد مزمع إبرامه بين كل من المجلس الأعلى للآثار، وشركة جلتسير سلفر نايت الإنجليزية بخصوص استكمال أعمال بمتحف آثار النوبة بأسوان (1)، وبذات الجلسة للمتحف عرض عليها مراجعة مشروع عقد مزمع إبرامه بين الطرفين المذكورين سالفاً، بخصوص الأعمال التكميلية لأعمال تنسيق الموقع الخارجي المذكور، وقد بدأ للجنة الثانية في أثناء المراجعة حذف البند (الثاني والعشرين) من العقد الأول، والبند (السادس عشر) من العقد الثاني، حيث تضمنا فض ما قد ينشأ عن العقدين من منازعات بطريق التحكيم أمام مركز القاهرة الإقليمي التجاري الدولي، وذلك على سند أن الاختصاص ينعقد لمحاكم مجلس الدولة دون غيرها في فض منازعات العقود الإدارية، ويتضح مما سبق أن اللجنة الثانية اتجهت إلى ترجيح عدم جواز الاتفاق على التحكيم في العقود الإدارية وذلك خلافاً لما انتهت إليه الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع في إفتاء سابق.

   ولما كانت المادة (66) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة ١٩٧٢، تنص على أن " تختص الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بإبداء الرأي في المسائل والموضوعات الآتية.... (ب) المسائل التي ترى فيها إحدى لجان قسم الفتوى رأياً يخالف فتوى صدرت من لجنة أخرى أو من الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع"، وهو اختصاص وجوبي مقرر بالقانون للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع، ومن ثم فلا يجوز لأي من لجان قسم الفتوى والافتئات على هذا الاختصاص، وإعمالاً للنص السابق تم إحالة الموضوع إلى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع للبت فيه.

    وفي معرض تصدي الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع للموضوع، عرضت للخلاف الذي ثار بخصوصه أمام القضاء والإفتاء، وآراء الفقهاء، وسند كل اتجاه، ثم عرضت للنصوص التشريعية التي وردت في القانون رقم ٢٧ لسنة 1994، خاصة المواد : الأولى، والثانية، والثالثة، والرابعة فقرة أولى، المادة العاشرة فقرة أولى، والمادة الحادي عشر من القانون، كما تبين لها أن سوابق إفتاء الجمعية العمومية، وأحكام الإدارية العليا، جاءت متعاصرة ومتداخلة، ففتويا الجمعية العمومية صارتان في مايو ۱۹۸۹، وفبراير ١٩٩٣، وحكما الإدارية العليا صادران في فبراير سنة 1990 ومارس سنة 1990، والأولى استندت في إجازتها للتحكيم على الاختصاص الإفتائي لمجلس الدولة الذي يشمل عقود التحكيم طبقاً للمادة (58) من قانون المجلس الحالي، واستندت الإدارية العليا في حظرها التحكيم إلى اختصاصها القضائي طبقاً للمادة (١٠) من قانون المجلس أيضاً.

    ومن ثم فإن كل من جهتي الافتاء والقضاء قد عرض للأمر من زاوية الاختصاص فقط، كما أن الفتويين لم تميزا بين العقود المدنية والإدارية، ثم بينت منهجها في بحث المسألة منهج الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع في بحث مسألة التحكيم في العقود الإدارية : تبين للجمعية العمومية أن جهتي الافتاء والقضاء قد عرضت كلتيهما للمسألة من زاوية الاختصاص فقط، كما أن الفتويين لم يميزا بين العقود المدنية والإدارية، ثم شرعت الجمعية العمومية في بيان منهجها في بحث المسألة، فقالت "......... ومن حيث أن الجمعية العمومية في نظرها الموضوع الماثل، ومن أجل الوصول لكلمة سواء في أمر العقود الإدارية والتحكيم، ترى وجوب النظر إلى هذا الأمر لا من منظور الاختصاص الافتائي أو القضائي لمجلس الدولة، ولكن من منظور الطبيعية القانونية للعقد الإداري ومدى تلاؤمها مع نظام التحكيم أو تنافرها معه، وما هي الشروط والأوضاع التي يمكن بها إقامة هذا التلاؤم، وما هي شرائط الأهلية وأوضاع الولاية التي تمكن من إقامة هذا التلاؤم أو لا تمكن منه ".

    قررت الجمعية العمومية في فتواها المبدأ الآتي : "... إن شمول نظام التحكيم، أو عدم شموله لمنازعات العقود الإدارية، لا يتعلق فقط بما إذا كان قانون التحكيم يسع هذه العقود أو لا يسعها، إنما يتعلق أيضاً بصحة شرط التحكيم من حيث توافر كمال أهلية إبرامه لمن يبرمه في شأن نفسه، وماله وتوافر كمال ولاية إبرامه لمن يبرمه في شأن غيره أو مال غيره، والأصل عند عدم النص صحة ما يجريه الشخص في شأن غيره وماله وإذا كان شرط التحكيم في منازعات العقود الخاصة لا يصح لناقص الأهلية إلا باكتمال أهليته وصياً ومحكمه، فإنه في منازعات العقود الإدارية، لا يصح هذا الشرط إلا باكتمال الإرادة المعبرة عن كمال الولاية في إجرائه ولا تكتمل الولاية هنا إلا بعمل تشريعي يجيز شرط التحكيم في العقد الإداري بضوابط محددة وقواعد منظمة، أو بتفويض جهة عامة ذات شأن للإذن به في أية حالة مخصوصة، وذلك بمراعاة خطر هذا الشرط فلا تقوم مطلق الإباحة لأي هيئة عامة أو وحدة إدارية أو غير ذلك من أشخاص القانون العام.

    وقد اسست الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع فتواها إلى عدم صحة شرط التحكيم في منازعات العقود الإدارية في ظل القانون رقم ۲۷ لسنة ١٩٩٤، واستندت إلى ثلاث أسانيد الأولى هي : عدم اتساع نصوص القانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤، لتشمل منازعات العقود الإدارية، الثانية : عدم تلازم الطبيعة القانونية للعقد الإداري وتنافيها مع نظام التحكيم، الثالثة : عدم أهلية أشخاص القانون العام في إبرام اتفاق التحكيم وسنتناول هذه الأسانيد.

أولا : نصوص القانون رقم ٢٧ لسنة 1994، لتشمل منازعات العقود الإدارية:

    بحثت الجمعية العمومية في نصوص قانون التحكيم وبخاصة المواد الأولى والثانية والثالثة والرابعة فقرة أولى، والمادة العاشرة فقرة أولى، والحادية عشر منه، وكان نظر الجمعية على نص المادة الأولى وعلى وجه الخصوص، عبارة " تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع...."، وبحثت عن معناها ومفادها، وما إذا كانت قد وردت والمقصود بها سريان أحكام هذا القانون على العقود الإدارية.

    ثم قالت الجمعية العمومية ".... ومن الجلي في مناهج التفسير أن اللفظ العام يعتبر ظني الدلالة في عمومه، بينما اللفظ الخاص يعتبر قطعي الدلالة في خصوصه، لأنه ما من عام إلا وخصص على ما يقول علماء الأصول في الفقه .

   إذن لابد من مبين، لذلك استعانت الجمعية العمومية بالأعمال التحضيرية للقانون، لأنها مما يلقي الضوء على أحكامه عند إعماله وإدراك التوجهات العامة التي أريد به تحقيقها، إلا أنها قالت في شأن الأعمال التحضيرية والمذكرات الإيضاحية وأقوال المناقشين لمشروع القانون، أنه لا يمكن بحال اعتبارهم بمثابة تفسير لنصوص القانون، وانتهت إلى أنها تعتنق منهجاً معيناً للتفسير هو : أن تستخلص أحكامه من وجوه الإرادة الظاهرة المفصحة عن ذاتها من نص عباراته، وفي إطار التنظيم المتماسك الذي صاغته أحكامه التفصيلية أو من مقاصد تشريعه الهادية التي تستقرأ من مواده وفقراته وعباراته، وذلك كله في إطار صلته بالهيكل التشريعي العام والآثار الموضوعية التي تترتب على المراكز القانونية التي أنشأها، وصلته بسائر المراكز القانونية التي يسفر عنها أعمال الهياكل التشريعية المتداخلة من أحكام القوانين الأخرى وصلاتها المتبادلة.

   واستعرضت الجمعية العمومية ما ورد بالأعمال التحضيرية لقانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة 1994 لاستخلاص الدلالات العامة في شأن صلة (۲) التحكيم بالعقود الإدارية وانتهت إلى أن "..... هذا العرض للأعمال التحضيرية فيما يتعلق بالمسألة المثارة أن مشروع القانون أعد أصلاً لينظم التحكيم في المنازعات الدولية ثم ورد استحسان أن يتضمن تنظيماً عاماً للتحكيم في المنازعات الدولية والداخلية ليحل محل مواد قانون المرافعات التي كانت تنظم التحكيم، فالقانون أساساً صدر ليعالج المسائل المدنية والتجارية، وبالنسبة لخضوع منازعات العقد الإداري للتحكيم المنظم بالقانون رقم ۲۷ لسنة ١٩٩٤، فإن هذا القانون في أي من مراحل إعداده وحتى صدر لم يشمل قط على حكم صريح بخضوع العقود الإدارية لهذا القانون، وعندما قدم أحد الأعضاء اقتراحاً بأن يتضمن القانون عبارة صريحة بهذا المعنى، عرض اقتراحه بنصه على المجلس للتصويت، فرفض الاقتراح، وتبين من المناقشات أن صاحب الاقتراح قد ذكر أنه كان ثمة حرص على تفادي النص صراحة على العقود الإدارية عند إعداد المشروع ولذلك تضمن المشروع أمثلة لعقود هي مما يغلب على العقود الإدارية أن تكون من بينها، كما أن رئيس مجلس الشعب أوضح في المناقشات، ما يخشاه من أن النص على العقود الإدارية في

 

في القانون يشجع المتعاقدين مع الدولة على طلب إدراج شرط التحكيم عقود الدولة معهم، وأن قانون الاستثمار أستبعد النص على التحكيم تفادياً لهذا الأمر.

   وإن وزير العدل عندما أكد في المناقشات شمول قانون التحكيم لمنازعات العقود الإدارية بما تضمنته المادة (1) من عبارة " أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع، فقد كان سيادته دائماً في كل مرة يذكر فيها هذا الرأي كان يكرر الإشارة إلى أن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة انتهت إلى جواز التحكيم في هذه العقود، ومن ثم كان قول سيادته مستنداً إلى ما تبنته الجمعية العمومية وقتها، ولم يكن محض استخلاص حتمي من العبارة العامة الواردة بالنص " أياً كانت طبيعته"، بما يعني أن الأمر متروك لما يسفر عنه الترجيح في التفسير من نظر ولما يستقر عليه الأمر من بعد ".

وانتهت الجمعية إلى أن النص لا يشمل منازعات العقود الإدارية.

   ولئن كانت الجمعية العمومية قد أصابت في استنباطها هذا، المستند إلى ظاهر النص ودلالته، وكما سلف ذكره أن النص جاء مجملاً وفيه خفاء، ومن ثم فهو يحتاج إلى مبين، أو الاستعانة بأمر خارجي، ولما كان النص يجب أن يتم تفسيره في إطار النظام القانوني العام ومدى صلته أيضاً بالهيكل التشريعي العام، فلابد من عدم إغفال ما نصت عليه المادة (58) من قانون المجلس، ومن ثم فيمكن أن تكون مبين أو مخصص لهذا النص العام، الذي اعتوره إجمال وخفاء، ومن ثم وجه الرأي يتغير، ويصبح الرأي الراجح أن نص المادة الأولى من قانون التحكيم، بالإضافة إلى نص المادة (58) من قانون المجلس، ترجح شمول واتساع النص لمنازعات العقود الإدارية، وكان يجب على الجمعية العمومية وهي بصدد البت في الموضوع ألا تستبعد نص المادة (58)، ولا ندري ما سبب استبعادها، وهي السند التشريعي لاختصاص الجمعية العمومية بمراجعة عقود التحكيم للدولة وأشخاصها المعنوية العامة.

ب - موقف المحكمة الإدارية العليا عدم جواز الاتفاق على التحكيم في العقود الإدارية :

   اتجهت المحكمة الإدارية العليا، ذات اتجاه الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع إلى عدم جواز الاتفاق على التحكيم في العقود الإدارية، في ظل أحكام القانون رقم ٢٧ لسنة 1994، في حكمها الصادر في ٢٤ إبريل ۲۰۰۱، وكان بمناسبة الطعن بالبطلان على حكم هيئة التحكيم الصادر بتاریخ ۲۰ مايو 1996 في قضية التحكيم المرفوعة من دار النظم والاستشارات الهندسية بشأن مشروع تجميل مدينة الأقصر، ضد المجلس الأعلى لمدينة الأقصر، وقضت المحكمة ببطلان شرط التحكيم في العقد الإداري محل الموضوع ومن ثم بطلان حكم هيئة التحكيم المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، وقد أقامت المحكمة حكمها على عدة حجج هي

    الأولى: اختصاص محاكم مجلس الدولة بجميع منازعات العقود الإدارية طبقاً لنص المادة العاشرة من قانون المجلس الحالي، الحجة الثانية : عدم ملائمة الطبيعة القانونية للعقد الإداري مع نظام التحكيم، الحجة الثالثة : نص المادة الأولى من قانون التحكيم ورد عاماً، وخصصه نص المادة العاشرة من قانون المجلس، الحجة الرابعة : عدم كمال أهلية ممثل جهة الإدارة وقت إبرامه اتفاق التحكيم.

   وقد استندت المحكمة الإدارية العليا في حكمها إلى عدة أسانيد :

الأول : مجلس الدولة صاحب الولاية العامة بنظر المنازعات الإدارية : بدأت المحكمة، حكمها بإثبات الصفة الإدارية للعقد محل النزاع، لتوافر شروط العقد الإداري فيه، وبذلك تصبح هي جهة الاختصاص للفصل في النزاع طبقاً لنص المادة العاشرة فقرة حادي عشر من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة ١٩٧٢، وقالت أنه : ".... جرى قضاء نهذه المحكمة على أن الأصل الدستوري والقانوني العام يقضي بأن المنازعات الإدارية يتعين أن تكون ولاية القضاء فيها لمحاكم مجلس الدولة على اختلاف مستوياتها واختصاصاتها وفقاً لما يحدده وينظمه قانون مجلس الدولة.

   ومن حيث إنه بناء على المبادئ والأصول الحاكمة لولاية مجلس الدولة في نصوص الدستور والقانون وأمام نص المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الذي جعل الاختصاص لمحاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في المنازعات الخاصة بعقود الالتزام والأشغال العامة أو التوريد أو بأي عقد إداري آخر، فقد جرى قضاء هذه المحكمة على عدم جواز الاتفاق على التحكيم في العقود الإدارية لمخالفة ذلك لأحكام الاختصاص القضائي لمحاكم مجلس الدولة وعلى وجه الخصوص نص المادة العاشرة.

الثاني : عدم ملائمة الطبيعة القانونية للعقد الإداري وتعارضها مع نظام التحكيم :

   ذكرت المحكمة ما يلي : ".... العقد الإداري يتضمن شروطاً استثنائية، تقيم لجهة الإدارة المتعاقدة وجه سلطة ونفوذ في العلاقة العقدية القائمة مع الطرف الآخر، وبما يتلائم مع موضوع عقد يتعلق بسير المرافق العامة، وأنه مما يتعارض مع هذه الطبيعة أن يرد شرط التحكيم في المنازعات التي تقوم بين أطراف هذه العقود وما تفرضه من مشاركة طرفي العقد في تشكيل هيئة التحكيم تشكيلاً اتفاقياً، وإذا كان المشرع لم يشأ أن يخضع المنازعات الناشئة عن العقود الإدارية لاختصاص جهات القضاء المدني وحصر منازعاتها بالقضاء الإداري بحسبانه اختصاصاً حاجزاً لمنازعات هذا النوع من العقود لما تتميز به من أوضاع تتعلق بسلطات الهيئات العامة وبشئون المرافق العامة وتسييرها إذا كان هذا هكذا فإن منازعات العقود الإدارية تكون أكثر نأياً عن طبيعة التحكيم وهيئاته وليصير (يصير) شرط التحكيم متنافياً مع إدارية العقد.

    ومن حيث إنه لما كان ما تقدم وكان الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية الطاعنة قد أبرمت عقدها محل النزاع الماثل بتاريخ 1994/7/17، وضمنته في المادة 13 منه نصاً، يجيز عرض أية منازعات بينها وبين المطعون ضده على هيئة التحكيم، وقامت بتوقيع مشارطة تحكيم فيث ۱/۳۰/١٩٩٦، فإنه يتعين والحالة هذه الحكم ببطلان هذا الشرط وما ترتب عليه من آثار ".

الثالث : نص المادة الأولى من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ جاء عاماً وخصصه نص المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة ١٩٧٢ :

   دفعت الشركة المطعون ضدها، بصحة شرط التحكيم الوارد بالعقد، طبقاً لنص المادة الأولى من قانون التحكيم رقم ۲۷ لسنة 1994، التي أبرم العقد في ظل سريان أحكامه، وأن نص المادة الأولى ورد عاماً ليشمل منازعات العقود الإدارية أيضاً، إلا أن المحكمة ذهبت إلى أنه : "..... لا ينال من ذلك ما ذهب إليه المطعون ضده من أن قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ قد أجاز التحكيم طبقاً لنص المادة الأولى منه التي وردت عامة تسرى على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أياً كانت طبيعة العلاقة التي يدور حولها النزاع إذ التحكيم كما سبق القول هو طريق استثنائي لفض المنازعات وعموم هذه المادة يخصصه النص الوارد بالمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة التي قصرت الاختصاص وحجزته بالنسبة للعقود الإدارية على مجلس الدولة دون غيره "