الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / الإتجاه القضائي من عدم جواز اللجوء للتحكيم في العقود الإدارية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / التحكيم في عقود الدولة ذات الطابع الدولي وسلطة الادارة في انهاء العقد بإرادة منفردة / الموقف القضائي و الفقهي المؤيد للتحكيم في عقود الإدارة ذات الطابع الدولي

  • الاسم

    صالح شوقي عبدالعال حافظ
  • تاريخ النشر

    2019-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    446
  • رقم الصفحة

    207

التفاصيل طباعة نسخ

الموقف القضائي و الفقهي المؤيد للتحكيم في عقود الإدارة ذات الطابع الدولي

الفرع الأول : موقف مجلس الدولة الفرنسي:

القضاء الإداري الفرنسي كأصل عام يرفض تماما لجوء أشخاص القانون العام للتحكيم لحل أي نزاع ينشأ عن عقد إداري تكون طرفا فيه .

كما انه ـ في القرن الماضي ـ لم يكن باستطاعة الوزراء تفويض سلطتهم إلى المحكمين طبق لنظرية " الوزير - القاضي "  ولا تعديل النظام القضائي .

ثم حدث تطور في هذا المفهـوم بأن جعل إستثناء من هذه القاعدة وجود نص يرخص للشخص بالاتفاق علي التحكيم في مسألة محددة بالذات ، ثم اصدر مجلس الدولة الفرنسي حكمه الشهير في 6 مارس 1986 بمناسبة مشروع "Euradisney- Land" والذي ذهب فيه المجلس الـي انـه لا يجوز للأشخاص الاعتبارية الفرنسية ان تلجأ إلي التحكيم الدوني الا بشرط ان يرخص لها بذلك اتفاق دولي أو قانون تشريعي .

وبذلك يكون مجلس الدولي الفرنسي قد استثني التحكيم الدولي المترتب علي اتفاق دولي أو مبني علي قانون تشريعي من الاصل العام وهو عدم جواز التحكيم في عقود الإدارة .

الفرع الثاني : موقف القضاء العادي في فرنسا :

حاول القضاء العادي في فرنسا في تخفيف وطأة عدم جواز التحكيم في المنازعات الإدارية و الذي يطبقه مجلس الدولة الفرنسي بشكل صارم ، مدافعا بذلك عن اختصاصه الأصيل بنظر المنازعات الإدارية .

فحيث يشترط القضاء الإداري لجواز لجوء الأشخاص الاعتبارية العامة في فرنسا للتحكيم بشرط وجود اتفاق دولي أو قانون تشريعي ، لم يشترط القضاء العادي في فرنسـا ذلك كما سنرى في القضايا التالية .

قضية Mytroon steam Ship' :-

و يتعلق هذا الحكم بصحة شرط التحكيم بشأن عقد استنجار سفن تم ابرامه في 29 فبراير 1940 لمدة عام بين إدارة النقل البحري للدولة الفرنسية و بين سفينة يونانية ، و في حالة النزاع ، خصص شرط التحكيم اختصاص المحكمين الموجودين في لندن ، ثم حدث خلاف بين الطرفين فقررت الشركة مالكة السفينة اللجوء التحكيم ، و امتنعت الحكومة الفرنسية عن يتعين محكم لها و صدر الحكم لصالح الشركة اليونانية و حصلت علي الامر بتنفيذه من رئيس محكمة السين .

الا ان الحكومة الفرنسية طعنت امام محكمة استئناف باريس علي الحكم الصادر ضدها و استندت الي بطلان شرط التحكيم في العقود الإدارية ، الا ان محكمة استئناف باريس قضت بأن الحظر الوارد في القانون الفرنسي لا ينطبق في هذه الحالة لأن الحظر يتعلق بالنظام العام الداخلي الذي يقتصر اعماله علي العقود الداخلية ، بينما هذا الحظر لا ينطبق علي اتفاقات التحكيم ذات الطابع الدولي و المتعلقة بمصالح التجارة الدولية .

كما إن محكمة النقض الفرنسية تسمح للأشخاص الاعتبارية العامة الفرنسية بالاتفاق علي اللجوء للتحكيم لحل منازعاتها في هذه العقود الإدارية مع غياب أي نص يرخص لها بذلك في اتفاق دولي أو تشريع داخلي .

قضية San Carlo :-

وقد نشأ النزاع بسبب عقد استنجار سفن مبرم بين مأمورية النقل البحري ( التابعة لوزارة السفن التجارية ) وبين المجهز اليوناني ( Galakis) وتم الاتفاق على تسوية النزاعات عن طريق هيئة التحكيم بلندن .

ورفضت فرنسا تعيين محكم خاص بها و طالبت محكمة ( Seine) بالغاء قرار التحكيم ( الذي أصدره محكم الخصم في 12 اکتوبر 1953 ) واقرت محكمـة الـسين في حكمها الصادر بتاريخ 25 يونيو 1959 بأستنادها للمادة ( 83)....( 1004) من قانون الإجراءات المدنيـة وعـدم جـواز التحكيم فـي العقود الإدارية ، كما أن المحكمـة رفضت الحجـة المستخلصة من المادة (631) من قانون التجارة التي أقرت " تجهيز المادة (٦٣١) للأطراف في عقد التجارة الخضوع مقدما الي القضاء التحكيمي ...." وما يترتب علي هذه المادة من تمتع الهيئات العامة الفرنسية بأبرام عقود تجارية و الخضوع للتحكيم بناء علي نص في القانون الوطني .

و عندما عرض النزاع لمحكمة استئناف باريس اصدرت حكمها في 21 فبراير1961 و الذي بموجبه الغت حكم محكمة " السين" وايدت خضوع الدولة للتحكيم الإداري الدولي ، وقامت بالرد علي ما استندت اليه محكمة السين ، بأن المادة (83)...(1004) هي تمس النظام العام الداخلي و تطبق علي العقود الإدارية الداخلية ، و لكنها لا تبطق على عقود الإدارة ذات الطابع الدولي ، وعلي العكس من ذلك ، لم تتخذ المحكمة موقفا فيما يتعلق بقابلية تطبيق المـادة (631) من قانون التجارة والمتعلق بشروط التحكيم في العقـود التجارية .

ثم نظرت محكمة النقض الفرنسية القضية و اصدرت حكمها بتأييد حكم محكمة استئناف باريس و ذلك في 2 مايو 1966

. قضية Galais:-

 وتتلخص وقائع هذه القضية في انه تم ابرام عقد ايجار سفينة بين وزارة النقل البحري الفرنسية ومالك السفينة Galakis عام 1940 وقد نص البند 17 من العقد علي ان يتم تسوية أي نزاع ينشأ عن هذا العقد في محكمة التحكيم بلندن .

والتي أصدرت حكمها لصالح مالك السفينة وحاول صاحب السفينة الحصول علي الامر بتنفيذ هذا الحكم من محكمة السين فدفعت وزارة النقل البحري ببطلان شرط التحكيم وذلك لأن التحكيم غير جائز في العقود الإدارية وفقا للقانون الفرنسي وقد استجابت المحكمة لهذا الدفع مما حدا بصاحب السفينة بالطعن أمام محكمة النقض التي انتهت الي جواز التحكيم في العقود الإدارية الدولية وأوضحت أن الحظر المنصوص عليه في العقـود الداخلية لا ينطبق على العقود الإدارية ذات الطابع الدولي .

قضية وزارة المرافق التونسية و شركة اخوان بيك :

و فـي حـكـم حـديث لمحكمة استئناف باريس الصادر في 24 فبراير 1994 بين وزارة المرافق التونسية وشركة اخوان بيك ، وكانت تتعلق بعقد اشغال عامة كان قد ابرم عام 1981 – 1982 بين الحكومة التونسية و مجموعة مشروعات كانت تديرها دولة الكويت الفرنسية اخوان بيك و تتمثل في نقل بعض المواد عبر الحدود و نقل الحرفة و كانت دولة الكويت هي الممولة للمشروع وكان الدفع في جزء منه بالفرنك الفرنسي و في دولة  فرنسا.

وقد اتفقا في العقد المبرم بينهما على شرط التحكيم في حالة حدوث منازعات بينهما وعندما قام نزاع بينهما ، أحالته الشركة لمحكمة التحكيم المتفق عليها في العقد فدفعت الحكومة التونسية ببطلان شرط التحكيم ، وبعدم اختصاص محكمة التحكيم استنادا الى مبدأ المعمول به في القانون الداخلي التونسي ، بل و الفرنسي أيضا و القاضي بعدم جواز التحكيم بالنسبة لأشخاص القانون العام في العقود الإدارية .

و تمسكت الحكومة التونسية ببطلان هذا الشرط و عدم اختصاص محكمة التحكيم امـام جميع المحاكم التي عرضت عليها القضية سواء في تونس أو في فرنسا ، سواء مـا صـدر من محكمة أو درجة في تونس في 17 اكتوبر 1987 ، ومحكمة استئناف تونس في أول فبراير 1988 ، أو حتى أمام محكمة التحكيم ذاتها .

وقد اصدرت جميع جهات القضاء العليـا فـي تونس احكامها ببطلان شرط التحكيم في القضية سواء حكم الاستئناف الصادر من المحكمة الإداريـة فـي تونس في أول فبراير 1991 ، وحكم محكمة استئناف تونس الصادر في 3 أبريل 1991 ، وحكم النقض بتاريخ 27 اکتوبر 1993.

 وقد استند كل هذه المحاكم في احكامها علي القانون التونسي و الاحكام التي يقضي بها تقنين التحكيم التونسي و المعدل بالقانون الصادر في 26 ابريل 1993 ، و الذي يقضي بعدم جواز لجوء أشخاص القانون العام الي التحكيم الا بناء علي اتفاق دولي أو نص قانوني .

وكانت محكمة التحكيم قد اصدرت حكمها الاساسي في 8 فبراير 1990 ، ثم اعقبه بحكم تصحيحي في 13 سبتمبر 1990 لتصحيح الاخطاء المادية ،وكان الحكم قد حكم علي الحكومة التونسية بدفع مبلغ للمشروعات المختلفة و بتحمل مصاريف التحكيم .

وبتاريخ 15 أبريل 1991 اعطي المفوض من قبل رئيس المحكمة الابتدائية في باريس الحكمين الصادرين من محكمة التحكيم القوة التنفيذية في فرنسا ، فقام وزير المرافق التونسي بالطعن علي هذين القرارين امام محكمة استئناف باريس ، فأصدرت حكمها في هذا الطعن بقبوله شكلا ، وفي الموضوع برفضه وتأييد القرارين المطعون عليها وقد استندت محكمة استئناف باريس في حكمها علي ان هذا العقد هو عقد دولي يتنـأول مصالح التجارة الدولية و انه يكفي – حتي يكون التحكيم دولي – أن تتضمن العملية الاقتصادية المقصودة حركة احوال أو خدمات أو سداد عبر الحدود وهو ما يخضع للتحكيم الدولي ، و انتهت الي ان الخطر بالنسبة لدولة ما يعدم جواز الاتفاق علي التحكيم مقصور علي العقود المتعلقة بالنظام الداخلي

 أو المحلي و ليس له ادني نتيجة أو أثر علي النظام الدولي العام .

الموقف القضائي في مصر

سوف نتناول في هذا المطلب الموقف القضائي المصري من جواز التحكيم في عقود الإدارة ذات الطابع الدولي والموقف الإفتائي .

الفرع الأول : موقف القضاء المصرى :

الفرع الأول : موقف القضاء المصرى :

يطبق القضاء العادي أساسا قواعد القانون الخاص علي المنازعات التي تعرض عليه وبخصوص التحكيم فأنه يطبق قواعد قانون المرافعات المدنية والتجارية .

وقد سنحت للقضاء العادي فرصة النظر في قضية طرفها شخص من أشخاص القانون العام و كانت تتعلق بالتحكيم .

وقد أصدر هذا القضاء حكمة بصحة شرط التحكيم الوارد في العقد رغم وجود شخص عام كطرف في العقد.

وقد صدر هذا الحكم - بعد صدور قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 وتتلخص وقائع هذه القضية في أن مجلس اللأعلي للآثـار كـان قـد ابرم عقدا مع احدي شركات المقاولات الانجليزية للقيام ببعض الأعمال و الإنشاءات واتفق الطرفان اللجوء الي التحكيم في حالة نشوء أي نزاع حول العقد ، ولما حدث نزاع بينهما ، رفعت الشركة الامر الي هنية التحكيم المتفق عليها في العقد ، و أصدرت هذه الهيئة حكمـا لصالح الشركة ، فطعن المجلس الأعلي للآثار في هذا الحكم بدعوي بطلان أقامها امام المحكمة المختصة و هي محكمة استئناف القاهرة ، و أسس المجلس دعواه علي بطلان شرط التحكيم الوارد في العقد المبرم بين الطرفين لعدم جواز التحكيم في العقود الإدارية .

فأصدرت المحكمة حكمها الشهير الذي آثار جدلا كبيرا برفض دعوي البطلان التي أقامها المجلس الاعلى للآثار ، بل وقد وضعت مبدأ عاما في ذلك وهو صحة شرط التحكيم الذي تدرجه الدولة أو الأشخاص العامة سواء في عقودها المدنية أو الإدارية .

وقد آثار هذا الحكم جدلا و نقاشا كبيرا وردود أفعال حادة ، نظرا لأن محكمة الاستئناف قد سارت في هذا الحكم في إتجاه معاكس لإتجاه القضاء الإداري الذي سبق وشرحناه ، وفتـوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى و التشريع في مجلس الدولة خاصة الفتوى الصادرة عنها في الشهر السابق مباشرة علي صدور هذا الحكم و هي الفتوى الصادرة في 2 فبراير 1997 ، و الذي انتهت فيها الجمعية إلى بطلان شرط التحكيم في العقود الإدارية اتساقا مع قضاء المحكمة الإدارية العليا في هذا الشأن .  

وقد أسست محكمة استئناف القاهرة حكمها على الأسانيد الآتية :

1- أن المادة الأولي من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 تقضي صراحة بجواز التحكيم سواء كان الأطراف من أشخاص القانون العام أو الخاص وايا كانت طبيعة العلاقات القانونية محل النزاع وان ما جاء في المذكرة الأيضاحية للقانون ومذكرة اللجنة المشتركة من الشئون الدستورية و التشريعية و الاقتصادية يقع في الدلالة علي قصد المشرع جواز اشتراط التحكيم في العقود الإدارية وان ذلك يتفق مع حكمة التشريع ، وهي مواكبة الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة من اجل تهيئة مناخ صالح للإستثمار و جذب رؤوس الأموال المستثمرة و إعادة الثقة الـي رجـال الأعمال و المستثمرين العرب والأجانب عن طريق تنظيم قواعد التحكيم علي نحو يتلاءم مع طبيعة المنازعات التجارية الدولية و متطلبات فضها .

 2- أن المادة 58 من قانون مجلس الدولة تعترف ضمنا بشرط التحكيم و الصلح في العقود الإدارية وانه لا يجوز الاستناد إلي نص المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة للقول بغير ذلك لأن هذه المادة لا تقتضي بحظر شرط التحكيم في العقود الإدارية و ان المقصود منها هو بيان الحد الفاصل بين الاختصاص المقرر لمحاكم مجلس الدولة و محاكم القضاء العادي فضلا عن ان المادة الثالثة من مواد إصدار قانون التحكيم قضت بالغاء أي نص يخالف أحكامه.

3- ان الوضع في التشريع المصري الذي يبيح التحكيم في العقود الإدارية يختلف عن الحال في دول أخري كفرنسا مثلا حيث يوجد نص تشريعي في قانونها المدني يحظر التحكيم الداخلي في بعض العقود الإدارية ، بينما يقضي قانون فرنسي أخر صدر في 19 أغسطس 1986 بأجازة التحكيم إذا تعلق الأمر بعلاقة الأشخاص العامة بشركات أجنبية بشأن مشروعات قومية

4 - ان الدفع ببطلان شرط التحكيم بعد الاتفاق عليه في احد العقود الإدارية فضلا عن اندام سنده القانوني يتنافي مع مبدأ وجوب تنفيذ الالتزامات بحسن نية الذي لا يميز بين عقود مدنية و إدارية ، كما يخالف المستقر في فقه و قضاء التحكيم التجاري الدولي من عدم جواز تحلل الدول أو الأشخاص العامة من شرط التحكيم الذي أدرجته في عقودها استنادا الي اية قيود تشريعية حتي وان كانت حقيقية .

 فكرد فعلي فوري و حـاد أصدرت اللجنة الثانية لقسم الفتوى بمجلس الدولة في الشهر التالي للشهر الذي صدر فيه هذا الحكم أي في شهر ابريل من عام 1997 أصدرت فتوى أكدت بمقتضاها ان محاكم مجلس الدولة هي المختصة بنظر أي نزاع ينشأ عن تنفيذ العقود الإدارية وانه لا يسوغ الاحتكام الي محكمة غير مختصة بنظر المنازعات التي تنشب في مجال العقود الإدارية حيث ان هذا الاختصاص يعد اختصاصا أصيلا لمجلس الدولة دون غيره ، وليست هناك جهة قضائية اخري لها الفصل في شيء من هذه المنازعات كما انه من المقرر قانونا ان حجية الأمر المقضي لا تثبت الا أن يكون لجهة القضاء الولاية في الحكم الذي تصدره فأن انتفت ولايتها لم يحجز حكمها تلك الحجية.

 وانتهت اللجنة الـي وجـوب تبصير الجهات الإداريـة بفتوى الجمعية لقسمي الفتوى و التشريع الذي صدر مؤخرا بعدم صحة اشتراط التحكيم الاختياري في العقود أو الالتجاء إلي جهات غير مختصة لفض المنازعات التي تنشب عن العقود الإدارية .

وعلي النقيض من ذلك فقد اتجهت بعض الآراء الي تأييد حكم محكمة الاستئناف ومدحه لدرجة ان احد المحامين الفرنسيين استند الي هذا الحكم في مقال له نشره في مجلة التحكيم في فرنسا وطلب بضرورة تعديل التشريع الفرنسي ليصبح علي غرار القانون المصري (بعد صدور القانون رقم 9 لسنة 1997 و الذي نص صراحة علي جواز التحكيم في العقود الإدارية ) الذي يسمح باللجوء الي التحكيم في هذه العقود سواء كان داخليا أو خارجيا

الفرع الثاني :الموقف الافتائى :

ذهبت بعض فتاوي مجلس الدولة الي جواز الاتفاق علي التحكيم في العقود الإدارية حتى قبل صدور قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 وتعديلة بالقانون 9 لسنة 1997، ومنها فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع الصادرة في 17مايو 1989  في هذه الفتوي استعرضت الجمعية العمومية النصوص التي تتعلق باختصاص مجلس الدولة في الدستور وبالتحديد المادتين 167 ،172  أو في قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 و بالتحديد الماديتين 10 ،58 و المادة العاشرة تنص في البند حادي عشر منها علي اختصاص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في المنازعات الخاصة بعقود الالتزام أو الاشغال العامة أو التوريد أو بأي عقد إداري آخر و المادة 58 في الفقرة الثالثة منها تنص علي انه " ولا يجوز لأي وزارة أو هيئة عامة أو مصلحة من مصالح الدولة ان تبرم أو تقبل أو تجيز أي عقد أو صلح أو تنفيذ أو تحكيم أو تنفيذ قرار محكمين في مادة تزيد قيمتها علي خمسة الاف جنيه بغير استفتاء الإدارة المختصة " وبعض استعراض هذه المواد انتهت الجمعية العمومية الي القول بأن الفقرة الثالثة من المادة 58 تقطع صراحة بجواز التجاء الإدارة الي التحكيم في المنازعات التي تنشأ عن العقود التي تبرمها سواء كانت إدارية أو مدنية لأنه لو كان التحكيم و تنفيذ قرار محكمين ...

بل وذهبت هذه الفتوى إلي ابعد من ذلك وهو انه ازاء عدم وجود تشريع خاص ينظم التحكيم في منازعات العقود الإدارية فأنه يتعين في ذلك الرجوع الى الشروط العامة للتحكيم وإجراءاته الواردة بقانون المرافعات و التي لا تتعارض مع الروابط الإدارية.

 وإذا كانت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع قررت في الفتوى المتقدمـة جواز التحكيم في منازعـات العقـود الإداريـة ، فأنـهـا ذهـبـت فـي فتواهـا الصادرة بتاريخ 1993/2/27 الی جواز التحكيم في العقود الإدارية بشرط اعمال القواعد القانونية الموضوعية التي تطبق على العقود الإدارية . تأسيسا على ان نص المادة(10) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة1972 قضى بأختصاص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالمنازعات الخاصة بالعقود قصد به التأكيد على استبعاد ای اختصاص لمحاكم القضاء العادي بمثل هذه المنازعات، ولكنه لم ينكر حق الأطراف عرض مثل هذه المنازعات على هيئة التحكيم، خاصة إذا كان العرض هلي هذه الهيئة على مثل الحالة المعروضة لايستبعد عند نظر المنازعة اعمال القواعد الموضوعية التي تطبق على العقود الإدارية .

وإذا كانت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع قررت جـواز التحكيم في فتواها الصادرة بجلسة١٩٨٩/٥/١٧، بينما قررت في فتواها الصادرة بجلسة۱۹۹۳/۲/۷ تضییق نطاق التحكيم في منازعات العقود الإدارية، بأن اشترطت اعمـال القواعد القانونيـة الموضوعية التي تطبق على العقود الإدارية ، الاانها تراجعت عن ذلك في فتواها الصادرة بتاریخ ١٩٩٦/۱۲/۱۸ حيث قررت عدم صحة شرط التحكيم في منازعات العقود الإدارية بجلستها بتاريخ ۱۸ ديسمبر١٩٩٦، ای بعد صدورقانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤، حيث رأت الجمعية ان هذا القانون في اي من مراحل اعداده وحتى صدوره لم يشتمل قط على حكم صريح بخضوع العقود الإدارية لهذا القانون ، وانه إذا كان شرط التحكيم في منازعات العقود الخاصة لايصح لناقص الاهلية الا بأكتمال اهليته، فأنه في منازعات العقود الإدارية لايصح هذا الشرط الا بأكتمال الإرادة المعبرة عن كمال الولاية العامة في اجرائه، ولاتكتمل الولاية هنا الابعمل تشريعي يجيزشرط التحكيم في العقد الإداري بضوابط محددة ولقواعد منظمة، أو بتفويض جهة عامة ذات شأن للاذن به في اية حالة مخصوصة وذلك بمراعاة خطرهذا الشرط فلا تقوم مطلق الاباحة لاى هيئة عامة أووحدة ادراية أوغيرذلك من أشخاص القانون العام .

وبذلك انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع الى عدم صحة شرط التحكيم في منازعات العقود الإدارية