التحكيم / الرأي القائل بعدم جواز اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / التحكيم في العقود الإدارية في الكويت / الاتجاه المعارض للتحكيم في العقود الإدارية في ظل قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994
الاتجاه المعارض للتحكيم في العقود الإدارية في ظل قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994
ذهب جانب من الفقه إلى أن القانون الجديد لم يحسم مشكلة التحكيم في العقود الإدارية، وذلك راجع إلى خطورة المشكلة وتشعبها وتعدد جوانبها، فرأى عدم جواز التحكيم في منازعات العقود الإدارية حت بعد صدور هذا القانون.
أ-أي أن عموم نص المادة الأولى في شأن وجود علاقات قانونية الأشخاص القانون العام، لا يمكن قبوله إلا في نطاق علاقات القانون الخاص، ولا يمكن تعميمه على كافة ما يبرمه أشخاص القانون العام من عقود، فلا بد من وجود نص صريح يجيز التحكيم في هذه العقود.
ب- أن نص المادة الأولى من القانون رقم 27 لسنة 1994 لم يحسم مشكلة قابلية العقود الإدارية للتحكيم، وذلك لأن هذا لا يفصل فيما هو قابل للتحكيم وما هو غير قابل للتحكيم، حيث إن هذه قضية أخرى، ولا يجب الخلط بين تحديد نطاق القانون والنص على ما يجوز وما لا يجوز فيه التحكيم، وأن هذا النص يحدد فقط نطاق تطبيق هذا القانون، فيقول يطبق هذا القانون على الآتي، فلم يتعرض لما يقبل التحكيم وما لا يقبله؛ حيث إن هناك شرط جوهري لا بد من توافره، هو أن يكون النزاع قابلا للتحكيم، فهل هذا النص قرر أن العقود الإدارية ونزاعاتها قابلة للتحكيم، بالطبع لم يذكر النص ذلك.
ج- إن العقبة الجوهرية أمام التحكيم في العقود الإدارية هي نص المادة (172) من الدستور، والتي تقضي بأن: «مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوی التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى»، فمن هذه المادة قد يتجه القول إلى عدم دستورية نصوص قانون التحكيم التي تجيز التحكيم في العقود الإدارية، وهي نوع خاص من جنس المنازعات الإدارية، وذلك المخالفتها نص الدستور المشار إليه؛ حيث إن نص الدستور فضلا عن أنه عقد الاختصاص بنظر منازعات العقود الإدارية لمحاكم لمجلس الدولة؛ فإنه لم يجز للقانون سلب اختصاص أو تقييد هذا الاختصاص فيما يتعلق۔ بالمنازعات الإدارية. وليس من المستساغ التحدي في هذا الصدد بأن النص الدستوري السابق كان يواجه توزيع الاختصاص بين محاكم القضاء العادي ومحاكم مجلس الدولة، ولم يمنع إحالة جزء أو نوع من المنازعات الإدارية للتحكيم، حيث إن هذا لا ينهض أمام صراحة نص المادة (172) من الدستور على اختصاص مجلس الدولة بالمنازعات الإدارية. ويؤكد ذلك مقارنة صياغة هذا النص بصياغة نص المادة (167) من الدستور الذي أناط بالقانون تحديد اختصاص الهيئات القضائية دون أن يحدد المسائل التي يحددها القانون، وعلى العكس من ذلك فإن نص المادة (172) المحدد لاختصاص مجلس الدولة أدخل في هذا الاختصاص المنازعات الإدارية، الأمر الذي لا يجوز معه للقانون أن ينتزع جزءا من هذه المنازعات، ويجيز فيه التحكيم.
د- أن نص المادة الأولى من قانون التحكيم والمناقشات التي دارت حولها في مجلس الشعب أو ما أوردته المذكرة الإيضاحية لا تقطع برأي نهائي في مسألة التحكيم في العقود الإدارية، كما أن المناقشة البرلمانية لهذه المادة كانت بالغة الضعف، ولم ترق أبدا إلى أهمية النص باعتباره يحدد نطاق تطبيق القانون.
فمن ناحية استندت إلى معلومات خاطئة، فالقول بأن موضوع التي في العقود الإدارية قد حسم بإفتاء مجلس الدولة غير صحيح، فإذا كانت الجمعية العمومية قد ذهبت إلى جواز التحكيم في العقود الإدارية في فتواها الأولى ( 1989/5/17)، فإنها في فتواها الثانية قد قيدت ذلك بعدم استبعاد القواعد الموضوعية التي تحكم العقود الإدارية في القانون المصري، هذا فضلا عن أن المحكمة الإدارية العليا قد رفضت في أحكامها الصادرة بعد هاتين الفتويين التحكيم في العقود الإدارية، ومن ثم يبقى من غير المنطقي الزعم بأن مجلس الدولة قد اتخذ موقفا من التحكيم في العقود الإدارية.
ومن ناحية ثانية، إن المناقشات البرلمانية بخصوص المادة الأولى من القانون لم تنه المشكلة حتى داخل مجلس الشعب، فقد اعترض أحد الأعضاء على أن هذا النص لا يعني أبدا - لا صراحة ولا ضمنا العقود الإدارية؛ لأن أشخاص القانون العام تدخل في منازعات كثيرة، وكثير منها ينطبق عليه القانون المدني.
ومن ناحية ثالثة، فإن إعداد قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 منذ البناته الأولى لم يشترك فيه على طول مراحله المختلفة - والتي بلغت سنين عددا أحد من فقه القانون الإداري أو مجلس الدولة.