الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / الرأي القائل بعدم جواز اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / التحكيم في العقود الإدارية في الكويت / موقف الفقه من التحكيم في العقود الإدارية في القانون الفرنسي

  • الاسم

    خالد فلاح عواد العنزي
  • تاريخ النشر

    2007-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة القاهرة
  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    149

التفاصيل طباعة نسخ

موقف الفقه من التحكيم في العقود الإدارية في القانون الفرنسي

الاتجاه الفقهي الأول: حظر التحكيم في منازعات العقود الإدارية:

    ذهب أنصار هذا الاتجاه إلى القول بعدم جواز لجوء الدولة وغيرها من أشخاص القانون العام للتحكيم كحل للمنازعات التي تنشأ عن تنفيذ العقود الإدارية، ولقد اختلفت الحجج والأسانيد التي استند إليها فقهاء هذا الاتجاه لتبرير هذا المبدأ. .

   فقد ذهب العلامة " لافريبر" إلى أن مبدأ حظر لجوء الأشخاص القانونية العامة للتحكيم يعتبر من المبادئ القانونية العامة التي لا تحتاج في تطبيقها إلى وجود نص تشريعي يقررها؛ حيث إنه من غير المنطقي أن تقوم الأشخاص القانونية العامة بمنح هيئة تحكيم سلطة الفصل في المنازعات الإدارية في الوقت الذي لا تملك فيه المحاكم العادية ذاتها - التي تعتبر جزءا من السلطة القضائية - صلاحية الفصل في هذه المنازعات. بالإضافة إلى أن القضاء الإداري يكفل للجهات الإدارية ضمانات لا تتحقق لها أمام أية جهة أخرى، كما أن إساءة اختيار المحكمين بواسطة أطراف النزاع يمكن أن تؤدي إلى الإضرار بالمصالح العامة للجماعة.

أما الفقيه " كولانيه " فقد برر مبدأ حظر لجوء الدولة والأشخاص القانونية العامة للتحكيم، بأن جهة القضاء الإداري تتولى مهمة الرقابة على الأعمال الصادرة عن جهات الإدارة العامة بشكل أكثر فعالية من هيئات التحكيم .

  وعليه فقد قدم الفقيه " ريفيرو " حججا أخرى لمبدأ حظر لجوء الدولة وغيرها من أشخاص القانون العام للتحكيم، وتتمثل في اعتبار معنوي، هو أن الدولة يجب أن تكون قدوة للأفراد، فلا يصح أن تتملص الدولة من الخضوع لرقابة القضاة الذين قامت بتعيينهم للفصل في المنازعات، كما لا يصح أن تتنازل الأشخاص القانونية العامة عن مكانتها السامية المتميزة وتقبل الخضوع لهيئة تحكيم خاصة.

الاتجاه الثاني: استثناء بعض العقود الإدارية من مبدأ الحظر:

   أخذ أنصار هذا الاتجاه بمبدأ حظر لجوء الدولة وغيرها من أشخاص القانون العام للتحكيم، إلا أنهم أخرجوا منازعات بعض العقود الإدارية من هذا المبدأ استثناء وأجازوا التحكيم فيها.

فقد ذهب كل من الفقيه " فيدل ومازو "، وكذلك الفقيه أوبي" في هذا الاتجاه، حيث قرروا أن مبدأ حظر لجوء الدولة وأشخاص القانون العام للتحكيم، الذي نصت عليه المادتان 83، 1004 من قانون المرافعات، لا ينطبق على المؤسسات العامة الصناعية والتجارية، مثل مؤسسة الكهرباء ومؤسسة الغاز، فهذه المؤسسات يجوز لها اللجوء للتحكيم استنادا إلى نص المادة 631 من قانون التجارة الصادر عام 1925 الذي اعترف بأهلية جميع الأشخاص القانونية التي تمارس نشاطا تجاريا في خصوص اللجوء التحكيم وأن مصطلح الأشخاص القانونية التي تمارس نشاطا تجاريا يشمل المؤسسات العامة الصناعية والتجارية. وأضاف أنصار هذا الاتجاه أن المادة 631 من قانون التجارة نص

خاص يقيد النص العام الوارد في قانون المرافعات الذي ينطبق على الأشخاص القانونية العامة الأخرى في هذه المسألة.

   إلا أنه رجع وقرر، أن الذي يخرج عن نطاق التحكيم ليس كل النزاعات التي تمس مصالح هذه المؤسسات، بل فقط تلك التي تؤدي تسويتها عن طريق التحكيم إلى إلحاق الضرر بامتيازات السلطة العامة.

الاتجاه الفقهي الثالث: إمكان اللجوء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية:

    ومن بين الفقهاء الذين أخذوا بهذا الاتجاه الفقيه " فوسار "، حيث قرر بأنه لا يوجد مصدر أو أصل لرفض التحكيم في العقود الإدارية؛ فالبحث عن أصل هذا الحظر ومحاولة معرفة من أين استخلصت القاعدة التي تحرم الدولة أو أشخاص القانون العام اللجوء إلى التحكيم.

   ولقد واجه أنصار هذا الاتجاه الحجج والأسانيد التي قيلت في مبدأ حظر التحكيم في منازعات العقود الإدارية، بالردود والحجج التالية :

1- بالنسبة للحجة المتعلقة بالاعتداء على اختصاص القضاء الإداري، فقد رد على هذه الحجة بأنه لم تعد قواعد الاختصاص المحجوز أو القاصر أو المانع أو المطلق بكافية في ذاتها لاستبعاد التحكيم في منازعات العقود الإدارية، فكثير من هذه القواعد لا تمنع من اللجوء إلى التحكيم، مثال ذلك القواعد التي تحدد الاختصاص المانع بالمنازعات المتعلقة باستغلال براءة الاختراع في بعض محاكم الدرجة العليا أو الابتدائية، فهذه القواعد لا تمثل عقبة أمام الاختصاص التحكيمي، بل إن قواعد الاختصاص المانع بالنسبة لجهات قضاء الدولة ذاتها تقوم بعملية توزيع الاختصاصات.

2- بالنسبة لحجة الضمانات التي يقدمها القضاء الرسمي للدولة دون قضاء التحكيم، فقد انتقد أنصار الاتجاه المؤيد للتحكيم في العقود الإدارية، بأن قضاء التحكيم أيضا يقدم ضمانات لا تختلف على تلك التي يقدمها القضاء الرسمي للدولة. فقضاء التحكيم يفصل في الحق ويتبع المبادئ الحاكمة لسير الدعوى، وكذلك يطبق القواعد الموضوعية الآمرة، وكذلك قرار التحكيم فإنه يمكن أن يكون محلا لرقابة لاحقة لصدوره، فيكون قابلا للإبطال في كل مرة يكون فيها مخالفا للنظام العام. فالعدالة التحكيمية تعتبر اليوم كشريكة تقتسم نفس الأخلاقيات وذات الغاية مع عدالة الدولة، برغم تنوع الطرق والوسائل التي تستخدمها كل منهما.

3- أما بالنسبة للحجة الخاصة بالخوف من النتائج والآثار غیر المضمونة أو المشكوك فيها للتحكيم، فقد ردوا على هذه الحجة من ناحيتين:

فمن ناحية، إن تبين أن اختيار المحكمين كان اختيارا سيئا، فليس على الأطراف إلا لوم أنفسهم؛ لأنهم هم الذين اختاروهم..

ومن ناحية أخرى، إن كانت النتائج غير مضمونة أو غير مؤكدة، فإن ذلك يرجع إلى أن العدالة هي من صنع البشر، وحينئذ فهي تمس كل أنواع الفصل في المنازعات سواء كانت قضاء عاديا أو إداريا أو تحكيما.

 4- بالنسبة للحجة المتعلقة بالنصوص التشريعية التي تحظر على أشخاص القانون العام اللجوء إلى التحكيم، فقد رد عليها أنصار الاتجاه المؤيد للتحكيم بأن هذه النصوص وردت في قانون الإجراءات المدنية والقانون المدني، ولم يكن لها هدف إلا تنظيم مسألة تخص الإجراءات المدنية بشكل دقيق، وحتى بالنسبة للمادة 2060 من القانون المدني، فإنها تعتبر امتدادا لمبدأ التحريم القديم ومرتبطة به، والتبرير الذي يعتمد على النصوص القديمة يختفي ويزول معها.

    لهذا يرى أنصار الاتجاه المؤيد للتحكيم بالعقود الإدارية بأنه لا يوجد تبرير لمبدأ الحظر إلا التبرير النفسي الذي يقوم على فكرتي القدوة وسمو أشخاص القانون العام، فالدولة يجب أن تكون قدوة فلا تتنصل من القضاة الذين عينتهم لرعاياها، ولا يتعين أن ينحدر أشخاص القانون العام فيخضع نفسه لمحكم خاص. وهذا التبرير النفسي لا يصلح أن يكون أساسنا المبدأ الحظر.

وبناء على ما تقدم فإن أنصار هذا الاتجاه يرون بأن مبدأ حظر لجوء أشخاص القانون العام للتحكيم لم يعد له ما يبرره من الناحية القانونية، مما دفع بعض أنصار هذا الاتجاه إلى مناشدة المشرع بإصدار قانون يجيز للدولة وغيرها من أشخاص القانون العام اللجوء للتحكيم لحسم المنازعات المتعلقة بالعقود التي تكون طرفا فيها، سواء كانت عقودا إدارية خاضعة للقانون الإداري أم عقودا عادية خاضعة للقانون الخاص.