الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / اللجوء للتحكيم الإداري في العقود الإدارية في القانون / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / التحكيم في المنازعات التي تكون الدولة طرفا فيها (في النظامين السعودي والمصري) / مدى قابلية العقود الإدارية للتحكيم في النظام السعودي

  • الاسم

    محمود احمد عبدالسلام احمد نقي الدين
  • تاريخ النشر

    2019-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    466
  • رقم الصفحة

    277

التفاصيل طباعة نسخ

مدى قابلية العقود الإدارية للتحكيم في النظام السعودي:

التحكيم في عقد التوريد:

   ويتميز عقد التوريد بعدة خصائص منها من حيث محل عقد التوريد ينصب دائماً على منقولات فقط، منتجات أو معدات كالبضائع أو مواد التموين أو المواد الحربية، فلا يرد على العقارات، وهذا ما يميزه عن عقد الأشغال العامة حيث ينصب العقد على العقارات.

   أيضاً عقد التوريد من العقود الرضائية، فالمورد يقوم بتسليم المنقولات المتفق عليها برضائه دون أن يكون مضطراً لذلك.

   وقد عرفت محكمة القضاء الإداري في مصر عقد التوريد بأنه: "اتفاق بين شخص معنوي يتعهد بمقتضاه هذا الفرد أو تلك الشركة بتوريد أشياء معينة للشخص المعنوي لازمة لمرفق عام مقابل ثمن معين".

أولا: التعريف بعقود التوريد في النظام السعودي:

    لعقد التوريد في النظام السعودي عدة تعريفات، عرفه البعض: (اتفاق بين الإدارة وأحد الأفراد أو الشركات يلتزم بموجبه المتعاقد بتوريد منقولات معينة للإدارة لاستخدامها في تشغيل مرفق معين مقابل ثمن يحدد في العقد).

  وعرفه البعض أيضاً: (أن يتعهد شخص بتسليم كميات معينة من السلع بصفة دورية لشخص آخر نظیر مبلغ معين).

وعرفه البعض أيضاً: (عقد يلتزم بمقتضاه شخص "مقاول التوريد" بتسليم أشياء معينة بصفة دورية، ومنتظمة لشخص آخر، خلال فترة زمنية محددة سلفاً نظير حصوله على مقابل).

   ونميل للأخذ بالتعريف الأول، لأنه يتفق مع البحث من حيث طبيعة العقد الإداري حيث لابد أن يكون أحد أطراف العقد جهة إدارية.

   وبعد هذا العرض يمكن ملاحظة ما يلي:

   وقد عرف التعريف الأول عقد التوريد باعتباره عقداً إدارياً، أي لابد يكون أحد أطرافه شخصاً معنوياً من اشخاص النظام، وفي التعريف الثاني والثالث عرف عقد التوريد باعتباره عقداً تجارياً، وبهذا يمكن أن يكون عقد التوريد عقداً إدارياً، أو يكون عقداً تجارياً ينطبق عليه قواعد النظام التجاري وفقاً لنص المادة الثانية فقرة (ب) من نظام المحكمة التجارية السعودي" التي تنص على: (يعتبر من الأعمال التجارية كل هو آت: (ب): كل مقاولة أو تعهد بتوريد أشياء أو عمل يتعلق بالتجارة بالعمولة أو النقل برأ أو بحراً أو يتعلق بالمحلات والمكاتب التجاري ومحلات البيع بالمزايدة يعني الحراج).

ثانياً: التحكيم في عقود التوريد في النظام السعودي:

    لم أجد عقد توريد إداري ثم الفصل فيه عن طريق التحكيم وتمت المصادقة عليه من قبل ديوان المظالم، وهذا دليل على ندرة نظر الديوان في العقود الإدارية.

    إلا أنه بعد البحث والتقصي وجدت نظام صدر عن وزارة الشئون البلدية والقروية بالمملكة يضم نموذج عقد توريد مياه الشرب بواسطة الناقلات لسقيا أهل المدن بين الزوارة ومؤسسات نقل المياه، وتضمن عدة مواد منظمة لهذا العقد منها المادة السابعة عشر من قسم الشروط العامة والخاصة والتي تنص على أن: (كل خلاف ينشأ عن تطبيق هذا العقد ولا يتوصل إلى تسوية بين الطرفين يحال إلى ديوان المظالم للفصل فيه بشكل نهائي).

  ويستفاد من نص المادة السابقة ما يلي:

1- عقد التوريد الذي تكون الحكومة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة طرفاً فيه يعتبر عقد توريد إداري ينظر من قبل ديوان المظالم، والذي يعتبر الجهة المختصة في الفصل في منازعات العقود الإدارية.

2- يمكن تسوية الخلافات في هذا العقد بأحد وسائل فض المنازعات مصل الصلح والتحكيم قبل عرض الموضوع إلى ديوان المظالم، وهذا فيه دليل على جواز التحكيم في هذه العقود.

   كما نصت المادة السابعة من قسم وثيقة العقد الأساسية على أن: (يخضع هذا العقد للأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية، بما فيها نظام تأمین مشتريات الحكومة وتنفيذ مشروعاتها وأعمالها الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/14 وتاريخ 1397/4/7هـ الموافق 1977/3/26م ولائحته التنفيذية، ويجري تفسيره وتنفيذه والفصل فيما ينشأ من عن دعاوى بموجبها).

   ولأن هذا العقد عقداً إدارياً فلا يجوز اللجوء إلى التحكيم في هذا العقد إلا بعد أخذ موافقة رئيس مجلس الوزراء كما هو مقرر في المادة الثالثة من نظام التحكيم في المملكة.

التحكيم في عقد الاشغال العامة

   عقد الأشغال العامة هو عقد إداري تبرمه الإدارة مع أحد المتعهدين سواء أكان فرد أو شركة ويكون القصد من هذا العقد قيام المتعهد ببناء عقارات لحساب شخص معنوي عام أو صيانتها بهدف تحقيق المصلحة العامة نظیر مقابل يتم الاتفاق عليه.

   ومن خلال هذا التعريف نجد أن عقد الأشغال العامة يتميز عن غيره بعدة خصائص، منها أن عقد الأشغال العامة ينصب فيه موضوع العقد على عقار، فيتم استبعاد العقود التي ينصب موضوعها على منقولات تكملها الإدارة من نطاق عقود الأشغال العامة مهما بلغت ضخامة المنقول.

   وتكون الأعمال التي ينفذها المتعهد لحساب شخص معنوي عام وهذا يعني أنه ليس من الضروري أن تعود ملكية العقار المقصود للشخص المعنوي  العام، فقد يكون العقار الذي تقام عليه الأشغال عقاراً خاصاً لكن الأشغال المنفذة عليه عائدة لحساب شخص معنوي عام.

أولا: تعريف عقد الأشغال العامة في النظام السعودي:

   النظام السعودي خص عقد الأشغال العامة بالعقد الذي يبرم بين جهة الإدارة والمتعاقد معها، ولابد أن يكون محل العقد عقار ويهدف المصلحة العامة.

  واستناداً إلى المادة (10) من نظام تأمين مشتريات الحكومة السعودي فقد صدر قرار مجلس الوزراء رقم (136) في 1408/6/13هـ الموافق 1988/2/1م بالموافقة على عقد الأشغال العامة الموحد تسهيلاً للإجراءات وضبطاً للأحكام والنصوص التي يجب مراعاتها والتقيد بها في مثل هذه العقود.

   وقد تضمن العقد أهم الشروط والضوابط الواجب اتباعها عند تنفيذ عقد الأشغال العامة.

ثانياً: التحكيم في عقود الاشغال العامة في النظام السعودي:

نظر ديوان المظالم القضية رقم 1995/2/235م المقدمة من شركة (O. GEM.B. V) الهولندية ضد جامعة الملك عبد العزيز.

   وتتلخص وقائعها في أن شركة (GEM.B V .0) الهولندية تعاقدات مع جامعة الملك عبد العزيز على تصميم وتنفيذ المرافق المؤقتة جاهزة التركيب.

   وقد نص العقد المبرم بينهما أنه في حالة حدوث نزاع أو خلاف بينهما، فإنه يحل عن طريق التحكيم، وفي أثناء تنفيذ العقد وقع خلاف بينهما، فاتفق الطرفان على حله عن طريق التحكيم، وتم اختيار هيئة تحكيمية للفصل في النزاع وانتهت إلى:

أولا: أن تدفع جامعة الملك عبد العزيز لشركة (O. GEM.B. V) كامل المبلغ الذي تم الاتفاق عليه.

ثانياً: أن تفرج جامعة الملك عبد العزيز عن الضمانات البنكية المقدمة من شركة (O, GEM.B. V).

ثالثاً: أن تقدم الجامعة إلى وزارة المالية طلباً لإعفاء الشركة الهولندية من غرامات التأخير.

   قامت جامعة الملك عبد العزيز بدفع جزء من المبلغ واستلمت من دفع بقية المبلغ، تقدمت الشركة الهولندية بدعوى إلى ديوان المظالم تطالب فيه بدفع كامل المبلغ الذي حكمت به الهيئة التحكيمية، استناداً إلى أن قرارات هيئة التحكيم قضائية واجبة التنفيذ.

   احال ديوان المظالم دعوى الشركة الهولندية إلى الدائرة التاسعة، وقامت باستدعاء جامعة الملك عبد العزيز للجواب على دعوى الشركة الهولندية، وردت الجامعة على الدعوى بعدة أجوبة ما يعنينا منها ما دفعت به بما قررته:

"أنه على التسليم بما قررته لجنة التحكيم فإن اللجوء إلى التحكيم في منازعة هذا العقد أمر غير نظامي؛ لأن المختص بنظر هذه المنازعة بعد أن نفذت الحكم جزئيا. هو ديوان المظالم بمقتضى قرار مجلس الوزراء رقم (58) وتاریخ ۱۳۸۳/۱/۱۷هـ الموافق 196/6/9م الذي نص على أنه: "لا يجوز لأي جهة حكومية أن تقبل التحكيم كوسيلة لفض المنازعات التي تنشب بينها وبين أي فرد أو شركة أو هيئة خاصة"، وكذلك الفقرة (ب) من ذات القرار التي نصت على أنه: "في الحالات التي تتضمن العقود التي تبرمها أي وزارة نصوصاً تخالف نظام المشتريات الحكومية وتنفيذ مشروعاتها وأعمالها، أن يحال العقد إلى ديوان المظالم للبت فيه بما يحقق العدالة".

   بعد دراسة الدعوى من قبل الدائرة رأت أن لجوء الجامعة إلى التحكيم واشتراطه والموافقة عليه في هذا العقد أمر غير نظامي لمخالفته قرار مجلس الوزراء رقم (58) وتاریخ ۱۳۸۳/۱/۱۷هـ.

وانتهت إلى أن الواجب الأخذ بقرار التحكيم؛ لأن الأصل الشرعي الوفاء بالعقود لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم)

   وأن شرط التحكيم الذي بينهما شرط صحيح ويجب الوفاء به، أن للجهة الإدارية الرجوع إلى المتسبب في مخالفة النظام من منسوبيها.

  وأن حكم المحكم ملزم في الأموال ديانة وقضاء، ولا ينقض حكمه إلا بما ينقض به حكم القاضي.

   وأصدرت حكمها بأن على جامعة الملك عبد العزيز دفع كامل المبلغ للشركة الهولندية.

   تم اعتراض جامعة الملك عبد العزيز على حكم الدائرة التاسعة، ورفعت الأوراق إلى هيئة التدقيق (الدائرة الأولى).

   وحكمت بنقض حكم الدائرة التاسعة رقم ١٢ لعام ۲۰۰۰م ورفض دعوى المدعية بجميع طلباتها.

   على أساس أن التحكيم في العقود الإدارية ممنوعاً بناء على قرار مجلس الوزراء رقم (58) وتاريخ ١٣٨۳/۱/۱۷هـ ولا يوجد ما يقيد هذا القرار أو يخصصه.

دراسة القضية وتحليلها على ضوء الدراسة النظرية:

أولاً: يعتبر هذا العقد عقداً من عقود الأشغال العامة الإدارية لاشتماله على عناصر عقد الأشغال العامة على النحو التالي:

 1-ينصب موضوع العقد بين شركة (أو جيم بي في) الهولندية وجامعة الملك عبد العزيز على عقار حيث تضمن العقد تصميم وتنفيذ المرافق المؤقتة جاهزة التركيب لجامعة الملك عبد العزيز.

 2-تضمن العقد العمل لشخص معنوي عام تمثل في جامعة الملك عبد العزيز والتي تعتبر جهة إدارية عامة.

3- المقصود من العقد تحقيق منفعة عامة تمثلت في إنشاء مرافق جاهزة التركيب للجامعة تزيد من قدرتها التعليمية وأداء رسالتها كما ينبغي للمجتمع.

ثانياً: رات الدائرة التاسعة أن لجوء الجامعة إلى التحكيم واشتراطه والموافقة عليه مخالفا لقرار مجلس الوزراء رقم (85) وتاريخ ۱۳۸۳/۱/۱۷هـ، وانتهت بإلزام الطرفين بالأخذ بقرار هيئة التحكيم بناء على الأصل الشرعي الذي يقوم على وجوب الوفاء بالعقود وعلى جواز التحكيم وعلى الإلزام بحكم المحكمين في الأموال ديانة وقضاء.

وبعد عرض ما انتهت إليه الدائرة التاسعة الإدارية يمكن ملاحظة ما يلي:

1- بناء الدائرة التاسعة قرارها على عدم صحة لجوء الجامعة إلى التحكيم واشتراطه والموافقة عليه بناء على قرار مجلس الوزراء رقم (85) وتاریخ ۱۳۸۳/۱/۱۷هـ غير صحيح، لأن هذا القرار قد ألغى بصدور نظام التحكيم الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/46 في ١٩٨٣/٤/٢٤م؛ حيث تضمنت المادة الثالثة منه على أنه: (لا يجوز للجهات الحكومية اللجوء للتحكيم لفض منازعاتها مع الآخرين إلا بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء، ويجوز بقرار من مجلس الوزراء تعديل هذا الحكم).

2- بناء على المادة الثالثة من نظام التحكيم السعودي فإن الأصل في التحكيم في العقود الإدارية هو الجواز كما بينا سابقاً.

3- وجه إلغاء القرار رقم (85) وتاريخ ۱۳۸۳/۱/۱۷هـ بصدور نظام التحكيم الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/46 في ١٩٨٣/٤/٢٥م هو القواعد النظامية المنظمة لمصادر النظام في المملكة والتي تعتبر  الأنظمة الأساسية أعلى مراتب التنظيم، ويليها الأنظمة العادية والمتمثلة في المراسيم الملكية، ويليها الأنظمة الفرعية المتمثلة في اللوائح والتي يصدرها مجلس الوزراء أو الوزير المختص بناء على تفويض من مجلس الوزراء.

   ويقتضي هذا التدرج مراعاة الترتيب بحيث لا يخالف الأدنى الأعلى، فالأنظمة الفرعية لا ينبغي لها أن تخالف الأنظمة العادية، كما لا ينبغي أن تخالف هذه الأنظمة القواعد العامة للأنظمة الأساسية.

ثالثاً: تأكيد ما انتهت إليه الدائرة التاسعة من الإلزام بقرار هيئة التحكيم، لأنها بنت الحكم على الأصول الشرعية وهي مصادر أصلية للأنظمة في المملكة، إلا أنه ينبغي أن تضيف كذا موافقة النظام السعودي لذلك بذكر نص المادة الثالثة من نظام التحكيم السعودي.

    رابعاً: بعد الاعتراض على الحكم السابق رفعت الأوراق إلى هيئة التدقيق وحكمت بعدم صحة التحكيم بناء على القرار رقم (85) وتاريخ ۱۳۸۳/۱/۱هـ .

    وفيما سبق وضحت أن القرار رقم (85) وتاریخ ۱۳۸۳/۱/۱۷هـ يعتبر ملغياً . بصدور نظام التحكيم السعودي رقم م/46 في ١٩٨٣/٤/٢٥م وفقاً للقواعد التنظيمية لأنظمة المملكة، وبهذا لا يصح أن يبنا عليه الحكم لبطلانه.

   وتبقى مسألة؛ وهي عدم أخذ جامعة الملك عبد العزيز الموافقة على التحكيم من رئيس مجلس الوزراء وفقاً للمادة الثالثة من نظام التحكيم السعودي، وهل عدم أخذ الإذن يؤثر في صحة التحكيم؟

   وهذا ما يفهم من نص المادة الثامنة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم في المملكة؛ حيث نصت على أنه: (في المنازعات التي تكون جهات حكومية طرفاً فيها مع آخرين ورأت اللجوء إلى التحكيم يجب على هذه الجهة إعداد مذكرة بشأن التحكيم في هذا النزاع مبيناً فيها موضوعه ومبررات التحكيم واسماء الخصوم لرفعها لرئيس مجلس الوزراء للنظر في الموافقة على التحكيم، ويجوز بقرار مسبق من رئيس مجلس الوزراء أن يرخص لهيئة حكومية عقد معين بإنهاء المنازعات الناشئة عن طريق التحكيم، وفي جميع الحالات يتم إخطار مجلس الوزراء بالأحكام التي تصدر فيها)؛ حيث أوجبت على جهة الإدارة رفع طلب التحكيم، دون المتعاقد معها وبهذا تكون في وحدها المسئولة عن عدم أخذ موافقة رئيس مجلس الوزراء على التحكيم، ويبقى التحكيم على أصله وهو الجواز.

   وبعد دراسة هذه القضية ما انتهت إليه هيئة التدقيق، أرى أن ما انتهت إليه محل نظر حيث كان من الواجب عليها تأييد حكم الدائرة التاسعة لموافقته الأصول الشرعية والأنظمة المرعية في المملكة، والرجوع على الجهة الإدارية المتمثلة في جامعة الملك عبد العزيز فيما ترتب على قرارها من آثار بقبول التحكيم دون أخذ الموافقة الأولية من رئيس مجلس الوزراء، حتى لا يفقد المتعاقد الأجنبي ثقته بالجهات الإدارية بالمملكة مما يؤثر على حجم العلاقات التجارية بين المملكة وغيرها.

   كما يؤخذ على هيئة التدقيق اعتمادها على قرار مجلس الوزراء رقم (85) وتاريخ ۱۳۸۳/۱/۱۷هـ المخالف لنظام التحكيم رقم م/46 في ١٩٨٣/٤/٢٥م كما بينا.

   كما أنه يجب على المنظم السعودي أن يبين وجهة نظره بصورة واضحة في حالة موافقة الجهة الإدارية على التحكيم دون أخذ الموافقة الأولية من رئيس مجلس الوزراء على التحكيم، حتى لا يلتبس الأمر على المتعاقد الأجنبي مع الجهة الإدارية.

أولا: التعريف بعقود البوت B.O.T في النظام السعودي:

     معنى عقد البوت (عقد البناء والتشغيل والإعادة)، وهذا النوع من العقود عادة ما يجري فيها التعاقد على مشاريع البنية التحتية، وبعد الانتهاء منه وإتمامه يحول إلى الحكومة في نهاية العقد، ويصبح ملكاً لها على أن تستفيد الشركة المنفذة للمشروع من عائدات المشروع لمدة طويلة غالباً، تعيد فيها تكلفتها على المشروع لمدة طويلة غالباً، تعيد فيها تكلفتها على المشروح وأرباحاً إضافية.

   على أن اللجوء إليها في إقامة مشروعات البنية التحتية لا يرتبط بالدول النامية فقط بل وسيلة تلجأ إليها الدول الصناعية الكبرى نظراً لمزاياه الاقتصادية الكثيرة .

ثانياً: التحكيم في عقود الامتيازفي النظام السعودي:

   ففي 5 صفر ١٣٥٢هـ الموافق ٢٩ مايو 1933 أبرمت المملكة العربية السعودية مع Standard Oil Of California اتفاقاً باستغلال البترول يخول هذه الأخيرة امتياز مدة ستون عاماً وذلك في المنطقة الشرقية من المملكة. وإعمالا لنص المادة (٣٢) من عقد الامتياز المبرم بين الطرفين، تم إنشاء Casoc) California - Arabian Company) والتي تنازلت لها الشركة الموقعة على العقد عن كافة الحقوق والامتيازات الناجمة عن عقد الامتياز. ووافقت الحكومة السعودية على هذا التنازل. ولقد غيرت هذه الشركة Casoc) في 6 صفر 1436هـ الموافق 31 يناير 1944م اسمها إلى .Arabian American Oil Company (Aramco)

    وبالتالي فإن Aramco تتمتع بكافة الحقوق الناجمة عن العقد الموقع في ١٣٥٢هـ الموافق ١٩٣٣م، وأيضاً تتحمل بكافة الالتزامات الناشئة عنه. ولقد تم تعديل هذا العقد في أكثر من مرة بعد المفاوضات بين طرفيه وباتفاقهما.

   وفي 15 جمادي الأول ١٣٧٣هـ الموافق ٢٠ يناير 1954م أبرمت الحكومة السعودية عقداً ، مع المليونير أوناسيس منحت فيه لهذا الأخير الحق في أن يؤسس في السعودية شركة خاصة تحمل اسم شركة ناقلات البحرية السعودية ويطلق عليها Saudi Arabian Maritime Tankers Company Ltd (Satco وتمتلك هذه الشركة ناقلات بترول تحمل العلم السعودي وتحمل ناقلاها ٥٠.٠٠٠.  طناً من بترول المملكة ومنتجاتها من موانئ السعودية في الخليج العربي لأي من موانهيا على البحر الأحمر.

   كما التزمت ساتكو بأن تدفع للحكومة السعودية مبلغاً معيناً عن كل طن يشحن للخارج على ناقلات هذه الشركة علاوة على دفع كافة الرسوم التي تقررها موانئ المملكة، ولقد تضمن العقد الموقع بين السعودية وأوناسيس نصاً يقضي بأن الشركة Satco حق الأفضلية في شحن البترول ومنتجاته المصدرة عن طريق البحر من السعودية إلى الدول الأجنبية، سواء تم الشحن من موانئ السعودية أو من نهاية خط الأنابيب خارج إقليمها، وسواء تم الشحن بواسطة الشركات صاحبة الامتياز ذاتها، أو الشركات التي تمتلك أصولها، أو المشترين منها".

    ولقد رأت شركة أرامكو أن هذا النص الذي طالبت الحكومة السعودية منها احترامه والالتزام به يتعارض مع اتفاق الامتياز الممنوح لها ١٣٥٢هـ / ۱۹۳۳م، والذي يخولها الحق المطلق في اختيار وسائل النقل الضرورية بما في لك النقل على ناقلات بترول أجنبية.

   ولحل الخلاف الناشئ بين Aramco والمملكة العربية السعودية اقترحت الحكومة السعودية عرض النزاع على التحكيم. وفعلاً تم إبرام اتفاق التحكيم في 30 جمادي الآخرة 1374هـ الموافق ٢٣ فبراير ١٩٥٥م. ولقد نص في المادة الرابعة من اتفاق التحكيم على أن تتولى محكمة التحكيم الفصل في النزاع طبقاً للنظام في المملكة العربية السعودية. وذلك فيما يتعلق بالمسائل الداخلية في اختصاص المملكة العربية السعودية، وطبقاً للقانون الذي ترى محكمة التحكيم تطبيقه، وذلك بالنسبة للمسائل التي لا تقع داخل إطار اختصاص المملكة العربية السعودية.

   وينصرف اصطلاح النظام السعودي المستخدم في هذه المادة إلى القانون الإسلامي تبعاً لتفسير مدرسة الإمام أحمد بن حنبل، المطبق في المملكة العربية فعلاً.

    ولقد ذهبت محكمة التحكيم إلى أن تحديد القانون الواجب التطبيق يقضي تحديد الطبيعة القانونية للعلاقة القانونية محل المنازعة، وأنها وفقاً لمبادئ المستقرة في القانون الدولي الخاص فإن هذه العملية التي تعرف باسم عملية التكييف، يتم الفصل فيها طبقاً لقانون القاضي المطروح أمامه المنازعة. ولما كان المحكم لا يملك تطبيق نظام المحكمة ونظراً للاستثناء المتفق إيراده على خضوع التكييف لقانون القاضي؛ فإن التكييف يخضع لقانون محل وجود المال إذ كانت العلاقة القانونية موضوع المنازعة تتعلق بأموال عقارية. وإعمالاً لذلك فإن محكمة التحكيم لجأت إلى النظام السعودي من أجل تحديد الطبيعة النظامية لامتياز البترول بواسطة الحكومة السعودية لتحديد ما إذا كان هذا الامتياز يعد تصرفاً صادراً بالإدارة المنفردة أو عقد عام أو عقد إداري أو عقد من عقود القانون الخاص، وإعمالاً لقواعد النظام السعودي وطبقا لنص المادة الرابعة من اتفاق التحكيم؛ التي تقتضي تطبيق أحكام النظام الإسلامي وفقا لتفسير مدرسة الإمام أحمد بن حنبل.

   وانتهت محكمة التحكيم بعد نظرها لوجهة نظر كل من طرفي النزاع ومن نظر الحجج المقدمة من كليهما إلى أن النظام السعودي لا يعرف فكرة القانون العام أو القانون الإداري على النحو السائد في القانون الفرنسي. وأن فقه الإمام أحمد بن حنبل لا يتضمن أي قاعدة محددة تتعلق بالامتيازات المتعلقة بالمعادن ومن باب أولى تلك المتعلقة بالبترول.

   وبعد أن نظرت هيئة التحكيم في موضوع المنازعة أصدرت قرارها في أغسطس ١٩٥٨م بأن اتفاق الحكومة السعودية مع شركة أوناسيس لا يخل بأي حق مكتسب لشركة أرامكو؛ لأن عقد الامتياز بين المملكة العربية السعودية وشركة أرامكو ليس فيه تقييد لحرية السعودية في اختيار كيفية نقل صادرات النفط.

الدراسة التحليلية على ضوء الدراسة النظرية:

أولا: يعتبر عقد شركة أرامكو مع المملكة العربية السعودية صورة من عقد الامتياز؛ وذلك أن شركة أرامكو تعاقدت مع المملكة على التنقيب عن النفط وإنشاء المصانع لتكريره ومن ثم تصديره وبيعه على أن تقوم بهذه الأعمال لصالحها لمدة ستين سنة ثم بعد ذلك تسلم المشاريع صالحة للملكة لتقوم باستثمارها لصالحها.

   تتوفر فيه خصائص العقد الإداري في النظام السعودي؛ حيث أن أحد أطرافه شخصاً من أشخاص النظام العام ويتصل خدمة مرفق عام.

   أن موضوع عقد البوت (B.OT) وأهدافه، تتمثل في خدمة مرفق عام، وضمان سيره بانتظام واطراد، وبالتالي يستحيل أن يطبق عليه قواعد النظام الخاص، وذلك لأن المصلحة العامة مقدمة ومغلبة على المصلحة الفردية.

   ثانيا: انتهت محكمة التحكيم في قضية الحكومة السعودية مع أرامكو إلى رفض اعتبار عقد الامتياز الذي يعرف في العصر الحديث بعقد البوت (B.T) المبرم بين الحكومة السعودية وأرامكو عقداً إدارياً نظراً لأن النظام السعودي لا يعرف هذه الطائفة من العقود وأن مذهب الإمام أحمد يساوي في المعادلة والآثار بين الاتفاقيات المبرمة بين الدولة وبين العقود الإدارية الي تكون الدولة طرفاً فيها باعتبارها سلطة عامة وبين العقود المدنية والتجارية حيث تخضع جميعها لقاعدة (أن العقد شريعة المتعاقدين)، واعتبرت هذا العقد عقداً غير مسمى لا يمكن إدراجه في الطوائف القانونية المعتادة للعقود.

   وبذلك يكون من حق الحكومة السعودية المطالبة بإجراء العقد وفق قواعد العقود الإدارية، وكان على المحكمة إجابة طلب الحكومة السعودية لإجراء عملية التحكيم باعتبار المملكة صاحبة سيادة وسلطة وفقاً لقواعد العقود الإدارية التي قررتها الشريعة الإسلامية.

  ثالثاً: يستفاد كذلك من هذه القضية إقرار الحكومة السعودية لجواز التحكيم في منازعات العقود الإدارية، ولكن النظام السعودي لم ينص عليه في النظام قبل عام ١٣٨٣هـ، ثم في هذا العام صدر قرار مجلس الوزراء رقم (85) وتاريخ ۱۳۸۳/۱/۱۷هـ، والذي تضمن منع التحكيم في العقود الإدارية إلا إذا منحت الدولة امتيازاً يظهر لها فيه مصلحة قصوى.

   واستقر الأمر في الوقت الحاضر على جواز اللجوء إلى التحكيم في مثل هذه العقود بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء عليه.