الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / اللجوء للتحكيم الإداري في العقود الإدارية في القانون / المجلات العلمية / المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي العدد 45 / الاثار الايجابية للتحكيم على العقد الإداري

  • الاسم

    المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي العدد 45
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    38

التفاصيل طباعة نسخ

الاثار الايجابية للتحكيم على العقد الإداري 

تمهيد وتقسيم

من الآثار الهامة التي تترتب على اتفاق التحكيم في حالة قيامه صحيح وقانوني، التزام أطراف التحكيم بعرض النزاع موضوع الاتفاق على هيئة التحكيم المكلفة بالفصل في النزاع، فاتفاق التحكيم أيا كانت صورته، سواء أبرم قبل النزاع في صورة شرط تحكيم أو بعد قيام النزاع في صورة مشارطة تحكيم، يسمح الأطرافه عند قيام النزاع بالالتجاء مباشرة إلى تشكيل هيئة تحكيم فيستطيع الطرف الأكثر استعجالا في حالة وقوع النزاع أن يبدأ مباشرة في اتخاذ إجراءات التحكيم وعرض الأمر على المحكم).

وبداية هذه الإجراءات تكمن في تشكيل هيئة التحكيم، حيث أن مسأله تشكيل هيئة تحكيم وهي مسألة دقيقة يترتب عليها نجاح التحكيم أو فشله، فالتوصل إلى المحكم الموضوعي والمحايد هو هدف كل طرف يلجأ إلى التحكيم). لذلك قسمنا هذا المبحث إلى مطلبين على النحو التالي، المطلب الأول الآثار المتعلقة بإجراءات المنازعة، والمطلب الثاني الآثار المتعلقة بأطراف المنازعة.

المطلب الأول: الآثار الإيجابية المتعلقة بإجراءات المنازعة التحكيم في مجال العقود بصفة عامة، وفي مجال العقود الإدارية بصفة خاصة، له الكثير من المزايا أو الآثار الإيجابية المتعلقة بإجراءات خصومة أو منازعة التحكيم المعروضة على الهيئة المشكلة بإرادة طرفي الخصومة، فالتحكيم يعطي للمحكم حرية أكبر في ظل نظام التقاضي وذلك بتحديد القانون الواجب التطبيق على الخصومة ، كما أن التحكيم يحرر الأطراف والمحكم من القيود المفروضة على القاضي العادي، وكذلك لكون المحكم متفرغا وذا دراية فنية فإن ذلك يعطي الأطراف الثقة والإطمئنان فيما يصدر عنه من أحكام . وأيضا للتحكيم أثر إيجابي في توفير الوقت وذلك بالفصل في الدعوى في أقل وقت ممكن، وهذا بعكس الحال إذا ما عرض النزاع على القضاء العادي حيث تستمر الدعوى أمامه عدة سنين. وفي هذا المطلب سنقوم بتفصيل بعض الآثار الإيجابية التي تترتب على اللجوء إلى التحكيم والمتعلقة بخصومة التحكيم وذلك على النحو التالي

أولا : حرية الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق تحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع يعتبر مسألة إجرائية يتم حسمها بالرجوع إلى القواعد الواجبة التطبيق على إجراءات التحكيم والتي تفيد أنه في حالة عدم اتفاق الأطراف على القانون الحاكم الموضوع النزاع، فإن هيئة التحكيم تطبق القانون الأكثر ارتباطا بموضوع النزاع وفق قواعد تنازع القوانين التي تراها مناسبة .

ومن التوجهات الحديثة في مجال التحكيم، موضوع إعطاء حرية للأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق سواء على موضوع النزاع أو على الإجراءات ، ولأطراف النزاع في العقود الإدارية الحق في تحديد القانون الذي يحكم موضوع النزاع ما دام ذلك لا يصطدم بالقواعد الآمره في النظم القانونية ذات الشأن .

حيث أن تحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع يعتبر مسألة إجرائية يتم حسمها بالرجوع إلى القواعد الواجبة التطبيق على إجراءات التحكيم.

 ويتضح لنا ما سبق أن التحكيم في العقود الإدارية بصفة عامة يخول طرفي العقد إمكانية اختيار القانون المطبق على عقدهم، تلك الحرية التي لا تتاح لهم أمام القضاء العادي، في حين يخضع الأطراف أمام القضاء العادي لقانون القاضي، أو لقانون الدولة التي ينتميان لها بجنسيتهما، فالتحكيم في العقود بصفة عامة، وفي العقود الإدارية بصفة خاصة، يخول طرفي العقد إمكانية اختيار القانون، مما يرجع على الطرفين بالاطمئنان عندما يطبق على النزاع القانون الذي يريان أنه الأصلح لحكم عقدهما"). ويرى الباحث أنه يمكن الاستفادة من هذه الميزة في مجال العقود الإدارية حيث يمكن للدولة المتعاقدة اشتراط تطبيق قانونها الوطني على النزاع المتوقع قيامه أو القائم فعلا بينها وبين المتعاقدة معها، وبذلك تضمن تلك الدولة المميزات التي يوفرها لها قانونها الوطني وتحافظ كذلك على مميزات العقد الإداري. وبناء على ما سبق فإن نظام التحكيم يمنح المحكم الحرية في اختيار القانون الذي يراه أصلح من وجهة نظره لتطبيقه على الخصومة المطروحة عليه، بعكس ما إذا رفعت دعوى أمام القضاء الوطني، فالقاضي الوطني مقيدا دائما بتطبيق قانون دولته، أو بتطبيق القانون الواجب التطبيق حسبما تشير قواعد الإسناد الواردة في القانون الدولي الخاص للدولة التابع لها).

ثانيا: توفير الوقت وتفرغ المحكم لنظر النزاع :

إن أهم وأخطر عيب ينسب إلى طريقة الالتجاء إلى القضاء هو إضاعة الجهد والوقت والمال، فمن المعروف أن اللجوء للقضاء يحتاج جهدا كبيرا ويكلف نفقات كثيرة من رسوم قضائية وأتعاب محاماة وغيرها، ويستغرق وقتا طويلا وهذه العيوب لا توجد غالبا في حالة اللجوء إلى التحكيم أو لا توجد على الأقل بنفس الدرجه الموجودة في طريقة اللجوء للقضاء). وبلاشك يعتبر التحكيم وسيلة سريعة لحل النزاعات أسرع من إجراءات التقاضي أمام المحاكم، لذا يعتبر التحكيم الملاذ الأفضل الأطراف النزاع حيث يكون باستطاعة الأطراف التحكم في مسار إجراءات التحكيم، كما يمكن للأطراف تحديد الجدول الزمني الذي يجب أن يستغرقه التحكيم وصولا إلى القرار النهائي الملزم، وعند عرض النزاع على القضاء العادي فإن الحكم في الدعوى قد يستغرق سنين عديدة، وذلك نظرا للإجراءات المتبعة أمام جهات القضاء، والذي أوجب القانون على أطراف الدعوى أن يلتزموا بها وإلا تعرضت الدعوى لعدم القبول.

ولما كانت العقود الإدارية التي تبرمها الدولة مع المستثمرين الأجانب جزءا من عقود التجارة الدولية فإنها تتأثر بالقيود المفروضة على نظام التقاضي أمام المحاكم الوطنية والتي منها مراعاة أشكال وإجراءات معينة لرفع الدعوى ونظرها، تلك القيود التي تضيع الوقت والجهد على كل من طرفي الدعوى.

وهذا ما أكده المشرع الفلسطيني في قانون التحكيم حيث نص على أنه «ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك يجب أن يصدر التحكيم خلال اثني عشر شهرا من تاريخ بدء الإجراءات التحكيم)، وقد اتفق بذلك مع المشرع المصري حين أجاز لهيئة التحكيم مد الميعاد لمدة ستة شهور. وقد على القضاء الفلسطيني جواز اللجوء إلى التحكيم دون القضاء كسبب من عدة أسباب سرعة البت في النزاع حيث نص الحكم على أن التحكيم هو استثناء يتم اللجوء إليه دون القضاء العادي من أجل سرعة البت في النزاع». ومما سبق يتضح لنا مدى المميزات التي يتمتع بها التحكيم مقارنة بالقضاء العادي، حيث تؤدي هذه المميزات بالنفع على العقود التجارية بصفة عامة على المستوى الدولي والمحلي والتي من بينها العقود الإدارية.

المطلب الثاني: الآثار المتعلقة بأطراف المنازعة:

 يعتبر البعض التحكيم بديلا لنظام التقاضي أمام المحاكم ، فاتفاق طرفي الخصومة على اتخاذ التحكيم كوسيلة لفض نزاع معين إنما يعني في حقيقته سلبا لاختصاص القضاء الوطني للدولة، الذي كان يجب عرض النزاع عليه للفصل فيه لولم يوجد اتفاق التحكيم، وهو أمر يترتب عليه بالضرورة إنهاء الخصومة بمجرد صدور قرار من هيئة التحكيم، فهذا القرار يعتبر منهيا للخصومة محل النزاع، إلا أن هذا السلب يعتبر في مصلحة القضاء، والذي يتفرغ بعد نزع اختصاصه بنظر الدعوى الذي عهد بها أطرافها إلى هيئة تحكيم لنظر قضايا أخرى ذات أهمية كبيرة.

وبناء عليه يتضح أن التحكيم يعتبر طريقة استشائية من أصل عام وهو اللجوء إلى القضاء الذي نظمته الدولة ووضعت القواعد الخاصة به، ولكن ذلك لا يعني إهدار كل قيمة للتحكيم، فالتحكيم بالرغم من ذلك لعب دورا بارزا في تخفيف العبء عن كاهل القضاء)، حيث جذب التحكيم إليه العديد من الدعاوی التي كانت سترفع أمام القضاء وتكتظ بها المحاكم وينوء بها القضاة، وتمثل عبئا عليهم من كثرتها، هذه الكثرة التي نتج عنها بطء التقاضي وعدم فاعلية الأحكام، واللتان أصبحتا ظاهرتين خطيرتين تهددان العدالة، بل لا نغالي في القول إذا قلنا أنهما تجردان حق التقاضي الذي نظمته الدولة وكفله الدستور من كل قيمة له.

وبناء على ما تقدم يمكننا القول أن المحاكم أمام هذا الكم الهائل من القضايا المطروحة أمامها حين تحجز الدعوى للحكم لا تنطق بهذا الحكم في الجلسة المحددة للنطق به، وتؤجل أصداره الحكم مرة تلو الأخرى فلا يصدر في بعض الاحيان قبل عدة شهور، وقد يصل الأمر لطرح الدعوى أمام القضاء لعدة سنين، لكل هذا لا يخفي على كل ذي لب مدى ما ينطوي عليه ذلك من مشقة على المتقاضين وكذلك مشقة على القضاة أنفسهم الذين يواجهون بهذا الكم الهائل من القضاء سواء على مستوى محاكم القضاء العادي أم على مستوى محاكم القضاء الإداري . فعلى ضوء ما قدمنا نجد أن التحكيم لعب دور البديل والمخفف العبء القضاء، فاتفاق أطراف الخصومة على اللجوء إلى التحكيم يكشف عن رغبتهم في حسم ما قد يثور بينهم من خلافات، وينزع إلى حد كبير وصف الخصومة ويقضي إلى عدم نظر الدعوى أمام القضاء الإداري مما يقلل من عدد القضايا المطروحة على ساحات القضاء، وهذا يعطي الفرصة للقاضي لنظر عدد محدود من القضايا، مما يؤدي إلى حسن أدائه لوظيفته القضائية.


 

المبحث الثاني: الآثار السلبية للتحكيم على العقد الإداري

تمهيد وتقسيم إذا ما نظرنا إلى الآثار السلبية من اللجوء للتحكيم في العقود الإدارية نجد أن هذه العقود والنزاعات تتسم بطابع خاص يميزها عن عقود ومنازعات القانون الخاص ذلك الطابع الناتج عن وجود الإدارة طرفا في تلك المنازعات، حيث تفقد الإدارة في حالة الجوعها للتحكيم أهم السلطات الممنوحة لها في ظل القانون الإداري، وخاصة إذا ما علمنا أن التحكيم في الغالب الأعم من حالاته يضع الخصومة بين أعضاء هيئة تحكيم التي تكون مكونه من أعضاء ينتمون لجنسية بلد ما لا تعرف التميز بين العقود الإدارية والعقود المدنية وتخضع كلاهما لقواعد قانونية موحده، مما يترتب سلب سلطات الإدارة التي منحها إياها القانون الإداري . لذلك فإنه يترتب على اللجوء إلى التحكيم فقد الإدارة لأهم السلطات الممنوحة لها في ظل القانون الإداري، اضافة إلى خضوع الخصومة لأعضاء هيئة تحكيم ممكن أن يكونوا منتمين لجنسية بلد ما لا تعرف التمييز بين العقود الإدارية والعقود المدنية وتخضع كلاهما لقواعد قانونية موحدة، مما يترتب عليه سلب الإدارة السلطات التي منحها إياها القانون الإداري. ولبيان الآثار السلبية للتحكيم على العقد الإداري سنقوم بتقسيم هذا المبحث إلى مطلبین، نفرد الأول منهما لامتناع القضاء العادي عن نظر المنازعات المتفق بشأنها على التحكيم ، والثاني للآثار السلبية التي تنتج عن لجوء الإدارة والأشخاص الاعتبارية العامة للتحكيم

الفرع الأول:امتناع القضاء العادي عن نظر المنازعات المتفق بشأنها على التحكيم :

عند لجوء الخصوم إلى حسم النزاع بواسطة المحكمين واستبعاد إمكانية اللجوء إلى القضاء، وذلك الوجود اتفاق التحكيم الذي يلزم أطرافه أن يحيلوا إلى المحكمين أمر حسم النزاعات التي اتفقوا على عرضها للتحكيم).

وإذا كان يترتب على اتفاق التحكيم حرمان الأطراف من الالتجاء إلى القضاء بصدد الموضوع المتفق عليه على التحكيم، فإن هذا ينفي على وجه الإطلاق اختصاص القضاء المستعجل بنظر طلبات اتخاذ الإجراءات الوقتية المتصلة بالموضوع ). وبوجه عام يمكن القول إن القوانين الوطنية التي أجازت للأطراف الاتفاق على اللجوء إلى التحكيم قد أخذت من حيث المبدأ بقاعدة امتناع القضاء العادي عن نظر المنازعات التي أبرم الأطراف بشأنها اتفاق التحكيم(۲۱)، ولقد ترك التحكيم الحرية للأفراد لتحديد هذا القانون انطلاقا من مبدأ سلطان الإرادة، والذي أصبح في وقتنا المعاصر مبدأ مهيمنا على العلاقات الدولية الخاصة، تلك الحرية التي لا تخرج عن أحد احتمالين:

الأول: اتفاق طرفي العقد على تحديد القانون الواجب التطبيق على المنازعات التي تثور بشأنه.

 الثاني: عدم اتفاق الطرفين على تحديد هذا القانون وسنقوم بتفصيل الإحتمالين على النحو التالي:

أولا : القانون الواجب التطبيق على التحكيم في المنازعات الإدارية:

 إن الأصل في التحكيم أن المحكم يجب عليه أن يطبق القانون الذي اختاره الأطراف المتنازعة، فلا يطبق قانون آخر إلا في حالة تعارض هذا القانون مع النظام العام الدولي . ولقد اعترفت غالبية التشريعات الوطنية بأن الاتفاق على القانون الواجب التطبيق بين طرفي النزاع يأخذ أحد شكلين، إما الاتفاق الصريح بين طرفي خصومة التحكيم على إختيار قواعد قانونية معينة، أو اللجوء إلى أحكام قانون وطني بأكمله . وقد يتم اتفاق الأطراف على تطبيق قانون وطني معين يكون له الفصل في النزاع وفقا لما يتضمنه هذا القانون من نصوص، وقد يكون هذا الاتفاق على تطبيق قانون غير القانون الواجب التطبيق، وقد يكون هذا الاتفاق صريحا أو ضمنا، أما الشكل الثاني وهو اتفاق الطرفين بشكل ضمني على تبني قانون أو قواعد معينة، ولا يجوز للمحكم أن يحيد عن هذا الاتفاق ويطرحه جانبا ليطبق قانونا آخر.

ثانيا: عدم الاتفاق على القانون الواجب التطبيق:

 لقد جاءت النصوص واضحة في قانون التحكيم الفلسطيني فيما يتعلق بعدم اتفاق أطراف النزاع على القانون حيث نص قانون التحكيم الفلسطيني على تطبيق القواعد الموضوعية التي تشير إليها قواعد تنازع القوانين في القانون الفلسطيني مع عدم تطبيق قواعد الإحالة إلا إذا أدت إلى تطبيق أحكام القانون الفلسطيني، وفي جميع الأحوال يجب على هيئة التحكيم أن تراعي الأعراف المطبقة على العلاقة بين أطراف النزاع.

وإن الاتفاق على إخضاع تلك العقود والمنازعات الناشئة عن تنفيذها للقانون الخاص يؤدي إلى حرمان الإدارة من السلطات والمزايا التي يكفلها القانون الإداري. وعلى ذلك فإن إخضاع المنازعة المنظورة أمام هيئة تحكيم للقانون الخاص ولنفس القواعد القانونية التي لا تفرق بين العقود الإدارية والعقود المدنية، يمثل خطرا على المبادئ التي أرساها القانون الإداري في نظرية العقود الإدارية، وعلى السلطات الممنوحة لجهة الإدارة، تلك السلطات التي ترتبط بتطبيق القانون الإداري، والخضوع للقضاء الإداري الذي يعمل على تطبيق مبادئ هذا القانون.

الفرع الثاني: اللجوء للتحكيم يؤثر على مستقبل القانون الإداري:

 ويؤدي إلى عدم تطبيق القانون الساري في الدولة اتجهت غالبية الدول لجذب الاستثمارات الأجنبية بهدف التنمية الاقتصادية الداخلية، في حين أن المستثمر يصر على استبعاد القانون الوطني للدولة المتعاقدة، وكذلك يطلب في نصوص العقد نزع الاختصاص للقضاء الوطني، وذلك لخشية المستثمر من الخضوع للقانون الوطني للدولة المضيفة، ظنا منه أن القانون الوطني والقضاء الوطني دائما ما يقفان بجانب الدولة التي سنت تلك القوانين ونظمت هذا القضاء. ولذلك فإن المستثمر يقوم بإدراج شرط تحكيم في العقود التي يبرمها مع هذه الدولة، ويستبعد بهذا الشرط خضوعه لقانون تلك الدولة، السبب في إصرار المستثمر على استبعاد القانون الوطني للدولة المتعاقدة، يرجع إلى عدة مخاوف تجول في نفس المستثمر يمكن ذكر بعضها على النحو التالي:

أولا: خوف المستثمر من انحياز القضاء الوطني للدولة التي هي طرف في المنازعة:

 لا يتوقع المستثمر الأجنبي من الوسائل القضائية في الدولة أن يكون موقفها حياديا بشكل كامل نحو النزاع، اضافة إلى بعض الشك في أن الأحكام التي تصدر من المحاكم الداخلية للدولة المضيفة لا تتسم بالحيدة الواجبة، بسبب كونه أجنبية، ومن ثم تختلف النظرة إليه في مواجهة الطرف الآخر، وهو الطرف الوطني في النزاع .

 وأيا كانت المزايا التي تتمتع بها الدولة المتعاقدة من حياد واستقلال عن الدولة ذاتها، فإنه في نهاية المطاف قضاء تابع للدولة الطرف وأحد أجهزتها، وفي سبيل درء مخاطر انحياز القضاء للدولة الطرف في المنازعة، يلجأ المستثمر إلى سلب اختصاص القضاء الوطني، ومنحه في قضاء آخر محايد هو قضاء التحكيم، وهو الهدف الذي تتمسك به الأطراف الأجنبية المتعاقدة مع الدولة وتصر عليه ولو على حساب عدم إتمام التعاقد .

وبناء على ما تم ذكره نجد أن الكثير من الدول قد ضمنت قوانينها نصوصا تفيد قبول التحكيم كوسيلة لفض المنازعات الناشئة عن تلك العملية، وذلك كضمانة إجرائية لتشجيع الإستثمار على إقليمها، واستهداء بسياسة تشجيع الاستثمار، وهذا ما جاء في قانون التحكيم الفلسطيني رقم 3 لسنة ۲۰۰۰ حين نص على أنه يجوز لأطراف التحكيم الدولي الاتفاق على القانون الواجب التطبيق موضوع النزاع .

ثانيا: خوف المستثمر الأجنبي من تمسك الدولة بالحصانة القضائية:

 الأصل ألا تثير مسألة تقاضي الأجانب أمام محاكم الدولة المضيفة مشكلات تذكر من حيث إمكانية التقاضي ما داموا يسلمون باختصاص تلك المحاكم بنظر سائر المنازعات التي ترتبط بإقليم الدولة إذا كان الأصل في ممارسة سلطة القضاء في الدولة هوسيادتها على إقليمها بكل ما يوجد فيه أو عليه من أشخاص، فالأصل سيادة الدولة على إقليمها بكل ما يوجد فيه أو عليه من أشخاص.

ورغم أن الأصل العام أن تتمتع الدولة بالحصانة إلا أن هذه الحصانة مقيده ولا تستفيد الدولة منها إلا في الأحوال التي يكون التصرف الصادر عنها تصرفا سياديا استخدمت فيه مميزاتها كسلطة عامة أو كان التصرف من تصرفات القانون العام، وذلك لا يعني انتهاء التمتع بالحصانة، بل يظل الأصل العام التمتع بها.