الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / اللجوء للتحكيم الإداري في العقود الإدارية في القانون / المجلات العلمية / المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي العدد 28 /  محاولات تدويل نظرية العقد الإداري

  • الاسم

    المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي العدد 28
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    36

التفاصيل طباعة نسخ

 محاولات تدويل نظرية العقد الإداري

۱۷- إن تدخل المشرع، سواء في مصر أم في لبنان، بغية الحد من المواقف المتشددة التي أظهرها القضاء الإداري لجهة إمكانية إخضاع العقود التي تجريها الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة للتحكيم، ولا سيما عندما تعتبر هذه العقود عقودة إدارية، لم يقفل أبواب النقاش الفقهي بالنسبة لهذه المسألة.

ويلاحظ بهذا الصدد أن المبادرة التي قام بها المشرع المصري فتح باب التحكيم أمام العقود الإدارية لا زالت حتى اليوم موضع انتقاد من قبل بعض أنصار التطبيق الحرفي لقواعد القانون الإداري المستمدة من الاجتهاد الفرنسي. ويعتبر هؤلاء أن المشرع قد اضطر إلى القبول بمبدأ إجازة التحكيم في العقود الإدارية وأنه ينبغي تبعا لذلك حصر هذه الإجازة ضمن إطار ضيق وتفسير النصوص المتعلقة بها بشكل حصري.

ولكن الإجازة التشريعية الصريحة للتحكيم في ميدان العقود الإدارية قد جعلت النقاش ينتقل إلى ميدان أخر وهو ميدان القانون الواجب التطبيق. فالقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع في التحكيم الدولي هو من حيث المبدأ القانون الذي يختاره أطراف النزاع (المادة ۸۱۳ من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني، المادة 34-1 من قانون التحكيم المصري)، وهذا الأمر يستبع حتما احتمال تطبيق قانون غير القانون الوطني للدولة الطرف في العقد إذا اتفق الأطراف على ذلك. ثم أن القانون الذي قد يختاره الأطراف قد يضم بين طياته قواعد لا تتفق وطبيعة العقد الإداري وأحكامه إذ أن مفهوم العقد الإداري غير معروف في عدد كبير من التشريعات الأجنبية . أما إذا لم يتفق الأطراف على القانون الواجب التطبيق فإن المادة ۸۱۳ من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني تنص على أن يفصل عندها المحكم بالنزاع وفقا للقواعد التي يراها مناسبة على أن يراعي في جميع الأحوال الأعراف التجارية. وبنفس المعنى تنص المادة 34 من القانون المصري على أن يطبق عندها المحكم والقواعد الموضوعية في القانون الذي يرى أنه الأكثر اتصالا بالنزاع، على أن يراعي شروط العقد محل النزاع والأعراف الجارية في نوع المعاملة».

انطلاقا من هنا، فإن جهود مؤيدي تطبيق مفهوم العقد الإداري في مجال وعقود الدولة ينصب اليوم على السعي قدر المستطاع إلى استبعاد تطبيق أي قانون غير قانون الدولة المتعاقدة على العقود التي يمكن أن تجريها هذه الأخيرة والتي تدخل وفقا للتكييف المعتمد داخلية في خانة العقود الإدارية. وفي هذا السياق يعتبر هؤلاء أنه إذا كان التحكيم قد أصبح مكة في مجال العقود الإدارية بفضل إرادة المشرع، فإن هذا لا يعني أن طبيعة هذه العقود قد تغيرت وأنه لم يعد بالإمكان إخضاعها لقواعد القانون الإدارې، فاللجوء للتحكيم التجاري الدولي لا تأثير له على القانون الواجب التطبيق على العقود التي تجريها الدولة ولا يؤدي بالضرورة إلى تطبيق قواعد القانون الخاص .

۱۸- وخلاصة القول أن هناك نيارة فقهية في مصر يقول بعدم وجود أي تعارض بين أن يكون العقد إدارية وأن يكون دولية في أن واحدا. فلا مانع بحسب مؤيدي هذه الفطرية بأن يدرج عقد دولي في خانة العقود الإدارية عندما تتوفر الشروط التي تسمح بتكيفه على هذا الوجه ، علما أن هذه الشروط هي نفسها المعتمدة لتكيف العقود الإدارية الداخلية. أما بالنسبة للمعايير الواجب اعتمادها لاعتبار العقد دوليا، فهي المعايير بها المعتمدة في القانون الدولي الخاص ولا سيما المعيار الاقتصادي". ولكن وبحسب هذا التيار الفقهي، فإن العقد عندما يعشر إدارية يجب أن يخضع بالنسبة للأساس، وبالرغم من العناصر التي تجعل منه عقدة دولية، للقانون الإداري للدولة المتعاقدة .

19- والواقع أن فكرة إضفاء صفة العقود الإدارية على العقود التي تجريها الدولة على الصعيد الدولي لدى توفر الشروط التي تسمح بذلك ليست بجديدة. فقد سبق أن طرحت في عدد من التحكيمات النفطية المهمة لدى البحث في مسألة القانون الواجب التطبيق على العقود المجراة فيما بين الدول المعنية وعدد من الشركات الأجنبية). ففي قضية أرامكو Aramco الشهيرة مثلا رفضت الهيئة التحكيمية تكييف العقد بأنه عقد إداري مشيرة إلى أن القانون السعودي في ذلك الحين لم يكن يعرف مفهوم القانون الإداري أو القانون العام وأن الشرع الإسلامي بحسب المذهب الحنبلي لا يتضمن أية قاعدة تتعلق مباشرة بعقود الامتياز ولا سيما عقود الامتياز المتعلقة بالثروات المعدنية أو النفطية). أما في قضية تكساکو Texaco الشهيرة أيضا فقد رفض المحكم السيد Dupuy اعتبار العقد الموقع مع الحكومة الليبية بمثابة عقد إداري معتبرة أنه إذا كان مفهوم العقد الإداري معروفة في القانون الليبي إلا أن شروط تكييف العقد موضوع النزاع على هذا الوجه وفقا للشروط التي يعتمدها هذا القانون غير متوفرة في النزاع المعروض عليه.

وقد طرحت المسألة مجددة منذ سنوات قليلة في معرض القضية المعروفة بقضية Eurotunnel إذ أن الهيئة التحكيمية الناظرة بهذه القضية كانت مدعوة للبحث فيما إذا كان اختيار القانون الفرنسي من قبل الأطراف كقانون مطبق على العقد الذي أجروه يؤدي إلى اعتبار العقد بمثابة عقد إداري وذلك طبقا للمعايير المعتمدة في القانون الفرنسي، وقد رفضت في قرارها الصادر بتاريخ 30 تشرين الأول ۱۹۹۰ السير بهذه الوجهة مستندة من جهة أولى إلى كون أحد فريقي العقد مؤسسة عامة بريطانية، ومن جهة ثانية إلى أن مبدأ حرية اختبار القانون الواجب التطبيق المعمول به في مجال العقود الدولية يطبق على العقود الخاضعة للقانون الخاص دون سواها. وبعبارة أخرى، اعتبرت الهيئة التحكيمية أن الطابع الدولي للعقد المبرم بين الطرفين لا يحول دون تكيفه طبقا للقانون الفرنسي كعقد إداري، إلا أنها أضافت أنه لا يمكن الأخذ بهذه الوجهة في النزاع المعروض عليها لأن طرفي العقد شخصان خاضعان للقانون العام وتابعان الدولتين مختلفتين . والواقع أن الطابع الخاص للاتفاقية المجراة بين سكك الحديد البريطانية وسكك الحديد الفرنسية في النزاع المشار إليه لا يمكن تجاهله. وقد عبرت عن ذلك الهيئة التحكيمية بقولها أن هذه الاتفاقية تنتمي إلى فئة لم تتم دراستها بعد دراسة وافية وهي فئة الاتفاقات التي تهم أكثر من دولة دون أن تخضع للقانون الدولي العام مثلها مثل العقود الجارية بين وحدات إدارية محلية تابعة لدول مختلفة بغية القيام بعمل مشترك .

والواقع أن فكرة استخدام مفهوم العقد الإداري في مجال العقود التي تجريها الدولة على الصعيد الدولي قد لاقت منذ أمد بعيد ولا تزال تلاقي حتى اليوم معارضة قوية. فاستعمال مفهوم العقد الإداري في هذا المجال يؤدي إلى تطبيقه خارج میدانه الطبيعي خاصة وأن القوانين الداخلية لعدد كبير من الدول لا تعرف مبدأ التفريق بين العقود الإدارية والعقود الخاضعة للقانون الخاص. وفي نفس السياق بشير البعض إلى أن القانون الدولي لا يفرق بين العقود الإدارية والعقود الخاضعة للقانون الخاص بحيث أن اعتماد هكذا تفريق في مجال عقود الدولة من شأنه المس بالمبدأ القائل أن العقد هو شريعة المتعاقدين Paeta funt servanda والمعتمد على الصعيد الدولي.

۲۰- ولكن، على الرغم من الانتقادات التي يواجهها استخدام مفهوم العقد الإداري ذا الطابع الدولي أو العابر للحدود، فإن بعض مؤيدي هذه النظرية يسعون اليوم، كما أشرنا أعلاه، لجعلها تتوافق مع ما اعتمده المشرع بإقراره مبدأ جواز التحكيم في قضايا العقود الإدارية والواقع إن استخدام مفهوم العقد الإداري اليوم في مجال تحديد القانون الواجب التطبيق على العقود الدولة» ينطوي على بعدين مهمين: فبالامكان من جهة أولى الاستناد إليه سعية لتطبيق القانون الوطني للدولة المتعاقدة بشكل عام. ولكن، ومن جهة ثانية، بالامكان الاستناد إليه أيضأ بغية تحديد القواعد الداخلية للقانون الوطني الواجبة التطبيق وذلك عندما لا يشتمل هذا القانون على قواعد موحدة، كما في حال القوانين التي تفرق بين العقود الإدارية والعقود الخاضعة للقانون الخاص.

وفي هذا الإطار بشير البعض مثلا أنه إذا كانت الإدارة قد تضطر أحيانة والأسباب اقتصادية أو عملية إلى اللجوء للتحكيم إلا أنه يمكنها التوفيق بين موقفها هذا المخالف للمبادئ المعروفة في القانون الإداري وبين طبيعتها الخاصة كإدارة وذلك عبر إدراج بنود تؤكد على الطبيعة الإدارية للعقد ونشر صراحة إلى خضوعه للقانون الإداري الوطني للدولة المتعاقدة.

وتلاقي هذه النظرية التأبيد في بعض الأحيان من قبل المحاكم الإدارية الوطنية، وعلى سبيل المثال، فقد عرض على مجلس الدولة المصري مشروع عقد من نوع ال BOT أبرمته هيئة الكهرباء المصرية مع إحدى الشركات الأجنبية بغية إنشاء محطة لتوليد الطاقة الكهربائية. وقد نصت المادة 4/18 من المشروع المذكور أن توافق الهيئة على أن تحريرها وتسليمها وتنفيذها هذه الاتفاقية والاتفاقيات التي تدخل ضمن برنامج الضمان والتي هي طرف فيها تعتبر تصرفات خاصة وتجارية». وقد اعتبرت اللجنة الثالثة بمجلس الدولة أن مكونات مشروع الاتفاقات المشار إليها تعتبر في حقيقتها جزءا من عقد امتياز المرافق العامة (...) وأنه من المستقر عليه فقها وقضاء أن عقود امتیاز أو التزام المرافق العامة هي من العقود الإدارية، الأمر الذي يتعارض مع ما ورد بمشروع الاتفاقية من أن ما تضمنته تلك التصرفات تعتبر تصرفات خاصة وتجارية، إذ أن مناط اعتبار العقد تجاريا هو الوقوف على طبيعة النشاط وما يقام من أعمال بحسب الغرض الذي تسعى الشركة إلى تحقيقه، ويترتب على ذلك آثار هامة مجالها القانون التجاري، أما العقد الحالي المعروض فهو من العقود الإدارية الخالصة طبقأ بصریح نص القانون. وقد رأت هيئة اللجنة الثالثة استنادا لتعليلها المذكور حذف عبارة أن تلك التصرفات تعتبر خاصة وتجارية الواردة في مشروع العقد، ولكن الحكومة المصرية رفضت الأخذ بهذا الرأي.

والواقع أن النقاش المتعلق بجواز تدويل العقود الإدارية يطرح على بساط البحث العلمي مسألة مهمة تتمحور حول إمكانية قيام الأطراف في العقد الدولي الذي تكون الدولة أحد أطرافه بالإشارة إلى أنه يخضع للقانون الإداري للدولة المتعاقدة. وإذا كانت هذه المسألة، التي لم ندرس بعد بما فيه الكفاية على الصعيد الفقهي، نادرا ما تظهر للعلن في مرحلة إبرام العقود، إلا أنها قد طرحت بشكل غير مباشر أكثر من مرة في مصر في المرحلة اللاحقة الصدور القرارات التحكيمية.

ب- مفهوم العقد الإداري والاعتراف بالقرارات التحكيمية

۲۱- من الطبيعي، عندما يتضمن عقد يمكن إدراجه في خانة العقود الإدارية بند ينص على خضوعه لقانون الدولة الطرف فيه دون أي تفصيل آخر، أن يعود للمحكم أو للهيئة التحكيمية النظر في مسألة ما إذا كان الخيار الذي عبر عنه الأطراف ينصب على قواعد القانون الإداري الداخلي لهذه الدولة أو على قواعد قانونها الخاص. ولكن حتى لو تم بت هذه النقطة سلبية من قبل المحكم أو الهيئة التحكيمية فإنه من الممكن أن يعاد طرحها لدى البحث في مسألة الاعتراف بالقرار التحكيمي أو طلب تنفيذه. ولا شك في أن قضية كرومالوي Chromalloy الشهيرة التي كانت مصر طرفا فيها تعطي صورة واضحة عن المشكلة المطروحة. وإذا كان الفقه في كافة دول العالم قد اهتم بشكل خاص في معرض دراسته لهذه القضية بمسألة المفاعيل التي تنتج عن إبطال قرار تحكيمي صادر في مجال التحكيم الدولي في البلد الذي تم إصداره فيه، إلا أنه لم يهتم إلا لماما بالسبب الذي استند إليه القضاء المصري لإبطال هذا القرار.

۲۲- نتجت هذه القضية عن عقد توريد معدات وخدمات متعلقة بطائرات هليكوبتر تم إبرامه عام ۱۹۸۸ بين شركة كرومالوي الأميركية وهيئة تسليح القوات الجوية التابعة لوزارة الدفاع المصرية. فقد قام الطرف المصري عام ۱۹۹۱ بفسخ العقد المذكور دون إنذار، بحجة أن شركة كرومالوي لم تنفذ التزاماتها ولم تحترم المهل التعاقدية. قامت عندها هذه الشركة بتقديم دعوى تحكيمية ضد الطرف المصري استنادا للبند الوارد في العقد الجاري بينهما والذي كان ينص على وجوب تطبيق القانون المصري. ولتبرير قيامها بفسخ العقد، أدلت الحكومة المصرية أمام الهيئة التحكيمية بما مفاده أن العقد الجاري بين الطرفين ذو طبيعة إدارية لأنه قد أبرم من قبل ساهلة عامة من أجل تسيير مرفق عام وأنه يدفع بالتالي للقانون الإداري الذي يعود بموجبه للإدارة أن تضع بسالتها المنفردة حية للعقود. رفضت الهلة التحكيمية هذه الحجة وأصدرت بتاريخ ۲4 تموز 1994 قرارة بالأكثرية ألرمن بموجبه الطرف المصري بأن يدفع تعويضا للشركة الأميركية. ولكن وفي الوقت الذي طلبت فيه شركة كرومالوي تنفيذ القرار التحكيمي الذي صدر لمصلحتها في الولايات المتحدة الأميركية، تقدمت الحكومة المصرية من القضاء المصري بطلب يرمي لإبطاله، وفي قرار صادر بتاريخ 5 كانون الأول ۱۹۹۰ فروت محكمة الاستئناف في القاهرة إبطال القرار المذكور استنادا للمادة ۱/53 من قانون التحكيم المصري التي تنص على إمكانية الحكم بإبطال الفرار التحكيمي إذا استبعد هذا الأخير أتطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه في موضوع النزاع). وقد أشارت المحكمة فيما أشارت إليه إلى أنه من غير المتنازع فيه أن الطرفين قد اتفقا على أن القانون المصري هو الواجب التطبيق وأن العقد محل التداعي يعتبر عقدة إدارية، وانتهت إلى أنه كان على الهيئة التحكيمية تطبيق قواعد القانون الإداري المصري وأنها بقيامها بتطبيق القانون المدني المصري تكون قد استبعدت القانون المنفق في العقد على إعمال أحكامه بما تتوافر معه حالة من حالات طلب بطلان حكم التحكيم المنصوص عليها في المادة 53 في فقرتها الأولى بند (د) من القانون رقم ۱۱۹۹4/۲۷.

ولكن من المعروف أن قيام محكمة الاستئناف في القاهرة بإبطال القرار التحكيمي الصادر بقضية كرومالوي لم يمنع المحاكم الأميركية من الاعتراف بصحته، ولا المحاكم الفرنسية من القبول باعطائه الصيغة التنفيذية عملا بأحكام معاهدة نيويورك. ولتبرير ذلك اعتبرت محكمة الاستئناف في باريس في حكمها الصادر بتاريخ 14 كانون الأول ۱۹۹۷ في هذه القضية أن القرار التحكيمي الذي صدر في مصر هو قرار دولي بطبيعته وهو بالتالي غير مندمج في النظام القانوني للدولة التي صدر فيها أي الدولة التي يقع فيها مقر التحكيم). ومن المعلوم أن محكمة النقض الفرنسية كانت قد اعتمدت نفس الوجهة في قرارها تاریخ ۲۳ آذار 1944 الصادر بقضية .(Hilmarton

۲۳- وهكذا فإن القرار الصادر عن محكمة الاستئناف

في القاهرة والذي قضى بأبطال القرار التحكيمي الصادر بقضية كرومالوي بقي خارج مصر حبرا على ورق ودون أية مفاعيل. وقد اعتقد البعض أن القضاء المصري سوف يستخلص نتائج ما حصل في قضية كرومالوي ويرفض في القضايا المشابهة الاستناد إلى الخصائص الداخلية للقانون المصري أي التفريق الذي يعتمده بین العقود الإدارية والعقود الخاضعة للقانون الخاص بغية إبطال القرارات التحكيمية التي تصدر في مصر في ميدان التحكيم الدولي. ولكن هذا الرأي لم يأخذ بالاعتبار على ما يبدو تجذر مفهوم العقد الإداري في مصر وفي غيرها من الدول التي نهلت من معين الثقافة القانونية الفرنسية. ففي قرار صادر بتاريخ 7 أيلول 1994 في قضية إيتالورك Italore استندت محكمة الاستئناف في القاهرة إلى تعليل مشابه للتعليل الذي اعتمدته في قضية کرومالوي بغية إبطال قرار تحكيمي صادر في مصر").

وقائع هذه القضية تتلخص بأن شركة ايتالورك الإيطالية أجرت عام ۱۹۸۹ عقدة مع هيئة النقل العام بالقاهرة تعهدت بموجبه بتوريد عدد يدوية وقطع غيار لها. وقد تضمن العقد المذكور بندة تحكيمية ينص على أنه في حال حصول خلاف بين المشتري والمورد يتم حله وفقا لنظام التوفيق والتحكيم العائد لغرفة التجارة الدولية على أن يتم تطبيق القانون المصري وعلى أن يكون مقر التحكيم في مصر. وبالنظر لحصول خلاف بين طرفي العقد قامت الشركة الإيطالية بتقديم دعوى تحكيمية ضد الطرف المصري. وقد انتهى المحكم التناظر بالقضية إلى إصدار قرار ألزم بموجبه هيئة النقل العام بالقاهرة بدفع مبالغ مختلفة للشركة الإيطالية. عندها تقدمت هيئة النقل العام من محكمة الاستئناف في القاهرة بطلب يرمي لإبطال القرار التحكيمي بحجة أن المحكم لم يطبق القانون الواجب التطبيق أي القانون الإداري المصري، ذلك أن العقد الجاري بين الطرفين يعتبر عقد إدارية لا عقدة مدنية وفي قرارها الصادر بتاريخ 7 أيلول ۱۹۹۹ قضت محكمة الاستئناف في القاهرة يابطال القرار التحكيمي مستعيذة الأسباب التي استندت إليها في قضية کرومالوي. وقد اعتبرت في سبيل ذلك أن العقد محل المنازعة هو عقد إداري مبرم بين مرفق عام لتوريد عدد يدوية وقطع غيار لازمة لتسييره وتنظيمها وأنه طالما أن العقد قد نص على أن القانون الواجب التطبيق هو القانون المصري فإن مفاد ذلك أن المقصود هو القانون الإداري المصري، وانتهت إلى أن القرار التحكيمي باعماله القانون المدني المصري دون القانون الإداري المصري يكون قد استبعد القانون المتفق في العقد على إعمال أحكامه بما يتوافر معه حالة من حالات بطلان القرار التحكيمي المنصوص عليها في المادة 53 في فقرتها الأولى بند (د) من القانون رقم ۱۹۹۹/۲۷ وإذا كان من المحتمل أن لا يكون قرار محكمة الاستئناف في القار قد أدى إلى تعطيل مفاعيل القرار التحكيمي الصادر بقضية ايتالورك  مصر، على غرار ما حصل في قضية كرومالوي، فإنه يبقى أن ثبات التي المصري على اجتهاده بالنسبة للنقطة التي طرحت عليه يطرح جملة تساؤلات لا يمكن تجاهلها.

والواقع أنه إذا كان القضاء المصري قد قضى بإبطال القرار التحكيميين الصادرين في قضية كرومالوي وفي قضية ايتالورك، فلأنه أن على المحكمين إعمال المعايير المعتمدة في القانون الداخلي لتكيف العقد الجاري بين الأطراف توصلا لتحديد القواعد الواجبة التطبيق عليه وبمقاربة الحكمين الذين صدرا عن محكمة الاستئناف في القاهرة من زاوي القواعد المعروفة في مجال القانون الدولي الخاص في مجال التكيف وفي مجال تحديد القانون الواجب التطبيق، يمكن القول إن القضاء المصري في اعتمد الرأي القائل أن قيام الأطراف باختبار قانون معين لحكم علاقاتهم إنم يرمي في الواقع إلى اختيار هذا القانون بكليته بما في ذلك قواعد التكيف الداخلية التي يعتمدها. ولكن إذا لم يكن من حائل دون إجراء مقارنة بير قواعد القانون الدولي الخاص والموقف الذي اعتمده القضاء المصري في القضيئين المشار إليهما أعلاه، فإنه يبقى أن الاستعانة بهذه القواعد للوصول إلى أبعد من ذلك أمر يحتمل الجدل...

الخاتمة

۲۶- في الوقت الذي أصبح التحكيم بشكل الوسيلة العادية لتسوي المنازعات المتعلقة بعقود الدولة على الصعيد الدولي، لا بد من الملاحظ أن هناك توجها واضحة لدى العديد من الدول لإلغاء القيود التي تنطوي عليه قوانينها الداخلية للحؤول دون اللجوء إليه. ولكن إجازة التحكيم لا تلغي الصعوبات الناتجة عن تحديد الطبيعة القانونية لهذه العقود وتالية القانون الواجب التطبيق عليها. فتطور التشريعات الداخلية واجتهاد المحاكم في مص ولبنان قد أظهر مثلا أن مقاربة موضوع عقود الدولة بمعزل عن التفري المعتمد في هاتين الدولتين بين العقود الإدارية والعقود الخاضعة للقانون الخاص، وحتى بعد إجازة التحكيم في مجال العقود الإدارية، ليس بالامر السهل، يمكن بالطبع تفهم هذه الصعوبة بالنظر للمعطيات القانونية الداخل الخاصة لكل من مصر ولبنان وتأثرهما بالثقافة القانونية الفرنسية.

ولكن يجب تفاديه هو محاولة الاستناد إلى هذا الإرث الثقافي المبني على التمييز بین العقود الإدارية والعقود الخاضعة للقانون الخاص بغية الحد من مبدأ إجاز التحكيم في العقود الإدارية وتفريغه من مضمونه.