الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / اللجوء للتحكيم الإداري في العقود الإدارية في القانون / المجلات العلمية / المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي العدد 28 / التحكيم في المنازعات المتعلقة بعقود الدولة بين مفهوم العقد الإداري وضرورات الاستثمار

  • الاسم

    المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي العدد 28
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    52

التفاصيل طباعة نسخ

التحكيم في المنازعات المتعلقة بعقود الدولة بين مفهوم العقد الإداري وضرورات الاستثمار

1- يصعب في زمننا الحاضر مقاربة النظام القانوني المطبق في دولة من الدول على العقود التي تجريها هذه الدولة مع شركات أجنبية أو شركات متعددة الجنسية - وهي العقود التي يطلق عليها عادة تسمية «عقود الدولة Contrats d'Etat

- دون أخذ ما تم التوصل إليه على الصعيد الدولي لجهة المبادئ التي ترعى الاستثمار بعين الاعتبار.

فالأهمية المتزايدة التي اكتسبتها الاستثمارات الدولية عبر الحدود، والتي أصبحت محلا للتنافس من جانب الدول أيا كان نظامها السياسي أو الاقتصادي وأيا كانت درجة نموها، قد أدت إلى تطور بارز في الأنظمة القانونية المتعلقة بها على الصعيد الدولي.

ومن هذا المنطلق، يكفي إلقاء نظرة سريعة على قوانين عدد من دول الشرق الأوسط وأحكام قضائها في مجال العقود التي تجريها مع الشركات الأجنبية أو الشركات المتعددة الجنسية لتبين التفاوت في درجات تطورها. ففيما بدأت المبادئ الناتجة عن المعاهدات الدولية الرامية لتشجيع الاستثمار وتلك المتعلقة بالدور المحوري الذي يلعبه المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار.

المنشأ بموجب معاهدة واشنطن تاریخ ۱۸ آذار ۱۹۹۰ تشق طريقها في أنظمة بعض منها، لا يزال المشرع والمحاكم الوطنية في بعضها الآخر يلاقون صعوبات جمة في اعتمادها.

وإذا كانت هذه الصعوبات تجد ما يبررها في التطور التاريخي الذي شهدته الدول المعنية وفي خصوصيات النظام القانوني لكل واحدة منها، إلا أنها تبين بشكل واضح أن جذور الإشكالية التي تطرحها العقود المعروفة با عقود الدولة، مرتبطة في كل دولة من هذه الدول بالتجاذب الحاصل فيها بين ضرورات الاستثمار من جهة أولى والعقبات السياسية والاجتماعية والقانونية التي تحول دون تطوير نظامها القانوني الداخلي، من جهة أخرى.

وفي وسط هذا التجاذب يحتل مفهوم العقد الإداري في الدول التي تأثرت بشكل أو بآخر بالفكر القانوني الفرنسي - كمعظم دول الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية - مكانة محورية.

وإذا كان قد تم الاستناد لهذا المفهوم في بعض المراحل سعيا لمنع الدولة من اللجوء إلى التحكيم، فإنه لا بد من الملاحظة أن هذه الحجة قد فقدت خلال الأعوام الماضية ولا تزال تفقد رويدا رويدا مبرر وجودها في العديد من الدول المشار إليها. ولكن هذا التطور على الرغم من أهميته لم يفقد مفهوم العقد الإداري كل دور في مجال النزاعات المتعلقة بعقود الدولة.. فإذا كان اعتماد مبدأ قابلية العقود الدولة للتحكيم يندرج في إطار توجه عام يشهد في أيامنا هذه انتشارا واسعة ، إلا أنه يلاحظ أن القبول بهذا المبدأ لا يؤدي بالضرورة إلى تحييد التفريق المعتمد على الصعيد الداخلي بين العقود الإدارية والعقود الخاضعة للقانون الخاص.

 في انتشار مبدأ قابلية عقود الدولة للتحكيم:

۲- يشهد مبدأ قابلية عقود الدولة للتحكيم في أيامنا هذه انتشاراً واسعة في مجال الاستثمار الدولي. فمن المعلوم أنه حتى في حال عدم تضمن العقد الموقع بين الدولة والمستثمر الأجنبي أي بند تحكيمي، يمكن لهذا الأخير - مع مراعاة بعض الشروط - أن يلجأ مباشرة إلى التحكيم أمام المركز الدولي التسوية منازعات الاستثمار.

فالقرارات الصادرة عن الهيئات التحكيمية العاملة ضمن إطار هذا المركز في قضية شركة SPP ضد جمهورية مصر العربية وفي قضية شركة AAPL ضد جمهورية سيريلانكا) وبعد ذلك في قضية شركة salini الإيطالية ضد المملكة المغربية تبيين استقرارة واضحة في اعتماد المبدأ المشار إليه.

ولكن، وبالرغم من الانتشار الواسع الذي يشهده مبدأ قابلية العقود | الدولة للتحكيم في مجال الاستثمار الدولي، فإنه يبقى أن هذا التوجه لا يمكن أن يصل إلى هدفه الحقيقي إلا إذا ترافق مع مجهود داخلي يرمي إلى رفع كل العوائق من أمام إخضاع هذه العقود للتحكيم في القوانين الداخلية لكل دولة. فهناك بالفعل نوع من التضارب يمكن أن ينتج عن إخضاع دولة ما للتحكيم أمام الهيلات التحكيمية العائدة للمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار في وقت يرفض القانون الداخلي لهذه الدولة إعطاءها الحق باللجوء إلى التحكيم،

هكذا وبالنسبة لمصر مثلا يمكن الملاحظة أنه حتى العام ۱۹۹۷، أي بعد حوالي عشر سنوات على إصدار القرار في قضية SPP عام ۱۹۸۸، ظلت مسألة قابلية عقود الدولة، للتحكيم موضع نقاش في الفقه والاجتهاد، علما أن هذا النقاش لم يخمد كليا بعد.

وبالفعل، وبالرغم من تكون شبكة كثيفة من المعاهدات الدولية المتعلقة بتشجيع الاستثمارات، وبالرغم من اللجوء أكثر وأكثر إلى التحكيم أمام المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار، بقيت مسألة قابلية وعقود الدولة للتحكيم موضع أخذ ورد في الأنظمة الداخلية لعدد من الدول، ولا سيما الدول التي تعتمد كلاسيكية موقفة مناهضة للتحكيم في القضايا الإدارية . وهكذا يمكن القول أن الدول التي يميز نظامها الداخلي بين العقود الخاضعة للقانون الخاص والعقود الإدارية، سواء اعتمدت نظامة ثنائية يفرق بين المحاكم العدلية والمحاكم الإدارية أم لا، هذه الدول تواجه تحديين اثنين: تخطي القواعد الداخلية المقيدة أو المانعة للتحكيم في القضايا الإدارية من جهة أولى (أ)، وأخذ المبادئ التي تنظم حاليا اختصاص المركر الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بعين الاعتبار من جهة ثانية (ب).

ا- انحسار التدابير الحائلة دون اللجوء للتحكيم في القضايا الإدارية

٣- إن مراجعة سريعة للدوريات التي تعنى بشؤون التحكيم تبين أن أكثر من دولة ظلت حتى الأمس القريب تنمسك أمام الهيئات التحكيمية أو المحاكم النظامية بالحجة القائلة أنه لا يعود لها ولا للأجهزة أو للأشخاص الاعتبارية التابعة لها أن تلجأ للتحكيم نظرة لقيود في قوانينها الداخلية تحذ من حريتها في هذا المجال. والواقع أن هذه القيود من أنماط مختلفة ولعل أكثرها شهرة من الناحية التاريخية هو القيد الذي استخرجه القضاء الإداري الفرنسي في مرحلة من المراحل من المادتين ۱۰۰4 و84 من قانون أصول المحاكمات المدنية الفرنسي القديم للقول بعدم جواز التحكيم في القضايا الإدارية ، علما أن كلا من لبنان و تونس وإلى حد ما الجزائر كانوا قد اقتبسوا نصوصا شبيهة بهاتين المادتين كان يتم تفسيرها بالطريقة نفسها. ولكن، وبشكل عام، فإن الدول التي تأثرت مباشرة أو بصورة غير مباشرة بالثقافة القانونية الفرنسية، وبالرغم من خلو تشريعاتها الداخلية من نصوص مشابهة لهاتين المادتين أو للمادة ۲۰۱۰ من القانون المدني الفرنسي، قد وجدت في ثنايا القانون الفرنسي فيدأ مهما آخر لا يستند لنصوص صريحة يمكن التحجج به ضد اللجوء للتحكيم في عقود الدولة، وهو القيد المبني على المبدأ الكلاسيكي المعتمد من قبل القضاء الإداري الفرنسي والقاضي بعدم قبول التحكيم في القضايا الإدارية). فقد تم التحجج بهذا القيد مثلا من قبل الحكومة التونسية في قضية الأخوة BEC) ومن قبل الحكومة الكويتية في قضية ICORI" وأخيرة من قبل الحكومة اللبنانية في قضايا الهاتف الخليوي وفي قضايا أخرى.

ولكن موقف الاجتهاد التحكيمي بالنسبة لهذه الحجة معروف ولا لبس فيه، إذ أن إحدى القواعد الأكثر صلابة في التحكيم الدولي في القاعدة التي تحول دون أن تتلطی دولة من الدول خلف تشريعها الداخلي أو أنظمتها القانونية الداخلية من أجل رفض تطبيق البند التحكيمي الذي وافقت على إدراجه في العقد الموقع من قبلها.

4- لا بد من الإشارة في هذا السياق إلى أن الاجتهاد الفرنسي يعتمد بالنسبة لهذا الموضوع قاعدة مادية (Regle matérielle) ذات أبعاد مهمة فهو يعتبر أن الشروط والقيود التي تنص عليها القوانين الداخلية لدولة معينة الجهة إمكانية إخضاع النزاعات المتعلقة بها أو بالأشخاص الاعتبارية العامة التابعة لها للتحكيم لا تطبق في المجال الدولي. هذه القاعدة التي تم استخلاصها بشكل أساسي في القضية المعروفة بقضية Galakis(1) قد سمحت للمحاكم الفرنسية باستبعاد القيود التي نص عليها القانون الداخلي الذي تخضع له الدولة أو الشخص المعنوي العام في القضية المعروفة بقضية Gatoil") وفي قضية الأخوة BEC")، كما سمحت لها بعدم تطبيق القيد المنصوص عنه في القانون الواجب تطبيقه على أساس النزاع في قضية ICORI" المشار إليها أعلاه.

والواقع أن هذه القاعدة التي تجيز إذن تخطي القيود التي تنص عليها القوانين الوطنية تستند إلى مبدأ التفريق بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي. فهي لا تتعارض مع الإبقاء على القيود في ميدان القانون الداخلي ولكنها تعتبر أنه لا يمكن القبول بها للحد من إمكانية إخضاع العقود التي تجريها الدولة للتحكيم على الصعيد الدولي. وبعبارة أخرى يمكن القول أنها تسمح بتحرير العقود الدولية التي تجريها دولة من الدول من القيود التي يعتمدها قانونها الداخلي في مجال التحكيم

وقد أخذت بهذه القاعدة عدة تشريعات حديثة منها التشريع الجرائري والتشريع التونسي والتشريع الموريتاني، فالمشرع الجزائري قد اعتبر مثلا في القانون الجديد المتعلق بالتحكيم الصادر في ۲۰ نیسان 1443 أنه لا يجوز للدولة ولا للأشخاص الاعتباريين العموميين اللجوء إلى التحكيم إلا فيما يتعلق بالعلاقات التجارية الدولية. أما قانون التحكيم التونسي الجديد الصادر منة ۱۹۹۳ فهو يعتبر أنه لا يمكن اللجوء إلى التحكيم في النزاعات المتعلقة بالدولة أو بالمؤسسات العامة ذات الطابع الإداري أو بالوحدات الإدارية المحلية إلا إذا كانت هذه النزاعات تتعلق بالعلاقات الاقتصادية أو المالية الدولية. وقد تبنى المشرع الموريتاني النص الذي تم اعتماده في تونس بحيث أن القانون الموريتاني للتحكيم يتضمن نصة مطابقة للنص الوارد في القانون التونسي .

5- إلا أن مبدأ التفريق بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي الذي تستند إليه القاعدة المشار إليها أعلاه، يمكن أن يصطدم بعض الأحيان بصرامة المبادئ المعتمدة في القانون الإداري. وفي هذا الإطار فإن التجربتين المصرية واللبنانية تستحقان التوقف عندهما بالنظر لما يمكن أن يستخلص منهما من عبر في الدول الأخرى التي تعتمد نظام قضائية ثنائية أو تلك التي يتم التفريق فيها، بمعزل عن اعتماد هكذا نظام، بين العقود الإدارية والعقود الخاضعة للقانون الخاص .

وبالفعل، فإن لبنان ومصر قد اعتمدا أواخر القرن الماضي، كل من جنبه، قانونا حديثة للتحكيم، وكان ذلك بالنسبة للبنان عام ۱۹۸۳ و بالنسبة لمصر عام 1994. وكان بالإمكان تفسير مندرجات كل من هذين القانونين بشكل يفسح في المجال أمام إمكانية القبول بالتحكيم في العقود التي تبرمها الدولة أو الأشخاص الاعتبارية الخاضعة للقانون العام وخاصة على الصعيد الدولي، ولكن المعارضة التي أبداها القضاء الإداري سواء في لبنان أو في مصر حدت بالمشترع في هاتين الدولتين إلى التدخل وذلك لإجازة اللجوء إلى التحكيم بشكل صريح في القضايا الإدارية.  1- قبل دخول القانون المصري رقم 1994/۲۷.

المتعلق بالتحكيم في القضايا المدنية والتجارية حيز التنفيذ كانت مسألة إخضاع العقود الإدارية للتحكيم تثير الكثير من المناقشات الفقهية في مصر كما كان القضاء المصري قد أصدر عدة قرارات متضاربة فيما يتعلق بهذه المسألة. كان من المفترض إذن أن يضع هذا القانون، الذي تم إقراره غداة التطورات التي رافقت القضية المعروفة بقضية هضبة الأهرام، حدا للمناقشات المذكورة. ولكن وخلافا لهذا التوقع، فقد أدى دخول القانون المذكور حيز التطبيق إلى ازدياد ملحوظ في حدتها. وإذا كانت محكمة الاستئناف في القاهرة في قرارها الصادر بتاريخ 19 آذار / مارس ۱۹۹۹ قد ولجأت طريقة محبذا للتحكيم في القضايا الدولية حتى لو كان العقد ذات طبيعة إدارية، فإن الرأي الغالب في الفقه المصري قد اعتبر، مستندة إلى الأعمال التحضيرية وإلى تفسير ضيق لنص القانون الجديد أن هذا الأخير لا يسمح باللجوء إلى التحكيم في القضايا الإدارية. هذا وكانت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع لدى مجلس الدولة المصري قد اعتبرت أيضأ بتاریخ ۲۲ شباط/ فبراير ۱۹۹۷ أن القانون الجديد لا يسمح باللجوء إلى التحكيم في القضايا الإدارية علما أن الهيئة نفسها كانت قد اعتمدت رأية مخالفة قبل ذلك.

۷- والواقع أن النقاش المتعلق بمدى قابلية خضوع العقود ذات الطبيعة الإدارية للتحكيم يرتبط في مصر ارتباطا وثيقا بظاهرة لجوء السلطات العامة المصرية خلال الأعوام الماضية إلى توقيع عقود من نوع الد Build, Operate and Transfer) BOT ) أو ال Build, Own, BOOT ) (Operate and Transfer مع الشركات الأجنبية ولا بد من الملاحظة بهذا الخصوص أن إدخال هذه التقنيات القان في النظام المصري قد تم عبر الإطار الذي يقدمه عند الالتزام atrat de (concession المعروف في كافة الأنظمة القانونية التي تأثرت بالثقافة القانونية الفرنسية، بحيث أن عقود ال BOT أو ال BOOT تعتبر في مصر، سواء من فا الفقه أو من قبل المشترع، من قبيل عقود الالتزام وخاصة التزام المرفق العام.

هذا وقد تم إصدار عدة قوانين بغية السماح للسلطات العامية توقيع هكذا عقود دون التقيد بنصوص القانون رقم 194۷/۱۲۹ المتعلق بالتزامات المرافق العامة والقانون رقم ۱۹5۸/۱۱ المتعلق بمنح امتيازات استثمار موارد الثروة الطبيعية، وهذه القوانين الخاصة تتعلق بإنشاء وإدارة وتشغيل وصيانة محطات توليد الكهرباء والقانون رقم ۱۹۹۹/۱۰۰ ) وبتنفيذ الطرق السريعة القانون رقم ۱۹۹۹/۲۲۹ ) وبإنشاء وإدارة واستغلال المطارات القانون رقي ۱۹۹۷/۳) وبإنشاء الموانئ العامة أو التخصصية وإدارتها واستغلالها وصيانتها القانون رقم ۱۹۹۸/۲۲.

 ۸- في مطلق الأحوال، وبغية حسم النقاش المتعلق بجواز التحكيم في القضايا الإدارية، اضطر المشترع المصري للتدخل بموجب القانون رقم ۱۹۹۷/۹ مضيفة فقرة ثانية على المادة الأولى من القانون رقم ۱۹۹4/۲۷.

. وقد جاء نص هذه الفقرة المضافة بموجب القانون المذكور كالتالي: 

 في جميع الأحوال يجوز الاتفاق على التحكيم في منازعات العقود الإدارية بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك.

هذه الفقرة تشكل إذن تأكيد صريحة من قبل المشرع المصري على مبدأ القبول بخضوع العقود الإدارية للتحكيم. ولكنها تشترط موافقة الوزير المختص أو من يولی اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة على اتفاقات التحكيم الواردة في هذه العقود حالة بحالة، أي بالنسبة لكل عقد من العقود على حدة.

هذا ومن المفيد التنويه أنه بعد مضي سنة على التعديل الذي طرأ على قانون التحكيم المصري بالقانون رقم ۱۹۹۷/۹ قام المشرع المصري بموجب القانون رقم 199۸/۸۹ المتعلق بعقود الأشغال العامة بتأكيد مبدأ جواز التحكيم في العقود الإدارية.

9- أوجه الشبه بين التطور التشريعي الذي عرفته مصر والتطور التشريعي الذي شهده لبنان كثيرة. فقانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني الذي صدر عام 1983 ودخل حيز التطبيق عام ۱۹۸۰ يتضمن منذ صدوره النص التالي: يحق للدولة ولسائر الأشخاص المعنويين العامين اللجوء إلى التحكيم الدولي، (المادة /۸۰۹/ فقرتها الثانية).

كان بإمكان القضاء اللبناني الاكتفاء بهذا النص الذي اقتبسه المشرع عن الاجتهاد الفرنسي المتمثل بشكل خاص بقرار محكمة النقض الفرنسية في قضيتي San Carlo و Galakis) من أجل القبول بإمكان خضوع العقود التي تجريها الدولة على الصعيد الدولي للتحكيم دون التفريق بين العقود التي تعتبر من وجهة القانون اللبناني الداخلي عقودة إدارية وتلك التي تعتبر وفقا للوجهة نفسها خاضعة للقانون الخاص . ولكن مجلس الشورى اللبناني الذي عرض عليه أمر البت بصحة إدراج بنود تحكيمية في عقود من نوع ال BOT مبرمة بين الدولة وشركات خاصة، قرر بتاريخ 17 تموز ۲۰۰۱ إبطال هذه العقود معتبرة أنه إذا كانت الأشخاص الاعتبارية الخاضعة للقانون العام تستطيع اللجوء وفقا لأحكام المادة 809 من قانون أصول المحاكمات المدنية إلى التحكيم الدولي فإن ذلك لا يجوز إلا فيما يتعلق بالعقود الخاضعة للقانون الخاص، لا فيما يتعلق بالعقود الإدارية.

هذا الموقف المتشدد الذي اعتمده مجلس الشورى جعل المشترع اللبناني يتدخل بموجب القانون رقم 440 تاریخ ۲۰۰۲/۷/۲۹، متبنية الأسلوب نفسه الذي اتبعه من قبله المشترع المصري بغية الاعتراف صراحة امكانية اللجوء للتحكيم في مجال العقود الإدارية). 

۱۰- إن التجربة التي مر بها كل من لبنان ومصر تستحق التوقف عندها لأكثر من سبب. فقد أظهرت هذه التجربة من جهة أولى أن أمام القضاء الوطني في كلا الدولتين حدودة لا يمكنه تجاوزها بالنسبة للمواضيع الحساسة كموضوع قابلية العقود الإدارية للتحكيم. وبالفعل وبالرغم من أنه كان بالإمكان، سواء في مصر أو في لبنان، الوصول إلى الاعتراف صراحة  بجواز التحكيم في العقود الإدارية دون المرور بقانون جديد، إلا أنه تبين في النهاية إلى أنه لا مفر من استصدار قانون الوصول إلى هذه الغاية .

من جهة أخرى، فإن التجربة المصرية اللبنانية فاء بنت عمي تحذر مفهوم العقد الإداري في النظامين القانونيين اللبناني والمصري وتالية صعوبة فك الارتباط بين هذين النظامين من جهة وأسس الثقافة القانونية الفرنسية من جهة أخرى، ولا بد من الملاحظة في هذا الإطار أن المشرع سواء في مصر أم في لبنان، عندما تدخل من أجل الاعتراف بمبدأ جواز التحكم في النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية، إنما عمد في الواقع إلى ملاقاة الاجتهاد الداخلي في الميدان الذي حدده هذا الأخير أي في ميدان القانون الإداري. والواقع أن ذهاب المشرع هذا المذهب ينطوي على أمر بالغ الخطورة إذ أنه يفيد إقرارة ضمنية من قبله أنه لا بد من تكييف العقود التي تجريها الدولة أو أشخاص القانون العام وفقا للأطر المعتمدة في القانون الداخلي حتى ولو كانت هذه العقود ذات طابع دولي. وبعبارة أخرى، فإن المشرع بمجاراته الاجتهاد الداخلي ولحاقه به إلى الميدان الذي حدده هذا الأخير يكون قد وافق سواء في مصر أو في لبنان على ربط مسألة قابلية العقود التي تجريها الدولة وأشخاص القانون العام للتحكيم بالتفريق المعتمد في القانون الداخلي بین العقود الخاضعة للقانون الخاص والعقود الإدارية. ولكن وفي نفس الوقت وباعتماده مبدأ جواز التحكيم في العقود الإدارية سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الدولي فإن المشرع قد اضطر إلى الابتعاد عن المصدر التاريخي لإلهامه أي القانون الفرنسي واجتهاد المحاكم الفرنسية.

۱۱- يبقى أن الشروط التي يخضع لها مبدأ جواز التحكيم في العقود الإدارية سواء في مصر أو في لبنان من شأنها إثارة عدد من الصعوبات. 

ففي كلا الدولتين، اشترط المشرع بأن تم الموافقة على اتفاقية التحكيم من قبل السلطة السياسية وتحديدا من قبل الوزير المختص في مصر ومن قبل مجلس الوزراء أو وزير الوصاية في لبنان ولكن التمييز بين العقود الإدارية والعقود التي تجريها الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة والتي لا تعتبر عقودة إدارية ليس دومة بالأمر الهين.

ففي قضية نظرت بها مؤخرة هيئة تحكيمية مؤلفة وفقا لنظام التحكيم الخاص بمركز القاهرة الإقليمي التجاري الدولي أثارت الدولة المصرية مسألة بطلان البند التحكيمي الوارد في عقد تجاري بين مؤسسة تابعة للقطاع العام | المصري في صندوق التأمين على الماشية وشركة خاصة معتبرة أن هذا البند لم تتم الموافقة عليه من قبل وزير الزراعة واستصلاح الأراضي بصفته الوزير المختص للصندوق. ولكن الهيئة التحكيمية رفضت الأخذ بهذا القول وحكمت على الصندوق المذكور بأن يدفع للشركة الخاصة مبالغ معينة كان قد طالب بها. تقدمت عندها الدولة المصرية من محكمة الاستئناف في القاهرة بطلب يرمي لإبطال القرار التحكيمي مستندة النفس الحجة التي أدلت بها أمام الهيئة التحكيمية. ولكن محكمة الاستئناف ردت بتاريخ 7 حزيران ۲۰۰۰ طلب الإبطال المقدم من الدولة المصرية معتبرة أن العقد موضوع النزاع لا يعد عقدة من العقود الإدارية إذ لا تتوفر فيه شروط العقود الإدارية كونه لا يتعلق بتسيير مرفق عام كما لا يتضمن أية شروط أو بنود تتعدى المألوف.

والواقع أن شرط الموافقة من قبل سلطة قضائية أو إدارية أو سياسية على بند التحكيم المدرج في العقود التي تجريها الدولة مفروض في أكثر من دولة من دول الشرق الأوسط. ففي سوريا مثلا وبالنظر لصعوبة تفسير النصوص المرعية، يعتبر الاجتهاد الإداري أن الأشخاص الاعتبارية الخاضعة للقانون العام لا يمكنها اللجوء إلى التحكيم الدولي دون الحصول على إجازة مسبقة لإبرام اتفاق التحكيم، وأنه في حالة عدم الحصول على هكذا إجازة يكون القرار التحكيمي باطلا). وفي المملكة العربية السعودية لا يمكن لأشخاص القانون العام اللجوء إلى التحكيم إلا بعد الحصول على موافقة الجهات المختصة.

۱۲- هذه الصعوبات، على أهميتها، لا يمكن أن تحجب التطور الهام الذي حصل في مجال إخضاع العقود الإدارية للتحكيم في مصر ولبنان. وإذا كان بالإمكان القول أن هذا التطور بشكل خطوة مهمة نحو التقارب بين القوانين الداخلية للدول المذكورة والمبادئ المعتمدة على الصعيد الدولي، فإن هناك إشارات أخرى تنم عن اعتماد نفس التوجه يمكن التوقف عندها وهي تتمحور حول قيام المشترع والمحاكم الداخلية باعتماد عدد من الحلول التي استقر عليها اجتهاد الهيئات التحكيمية العامة ضمن إطار المركز الدولي التسوية منازعات الاستثمار.

ب- أخذ المبادئ التي ترعى اختصاص المركز الدولي لتسوية قوان منازعات الاستثمار بعين الاعتبار ۱۳- إن النقاش

الذي أثارته القرارات الصادرة عن الهيئة التحكيمية موافاة المؤلفة وفقا لنظام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار في الأهرام حول قبول الدولة المصرية بالخضوع للتحكيم معروف لدى المتتبعين للقرارات التحكيمية التي تصدر عن هذا المركز. و في هذه القضية أثارت الحكومة المصرية عدم صلاحية الهيئة المؤلفة وفقا لنظام المركز المذكور للنظر في النزاع العالق فيما ۔ شركة SPP. وقد أدلت بهذا الخصوص أن العقد الذي وقعته من لم يكن يتضمن بندأ تحكيمية وإن المادة /8/ من القانون الم 43 / 1974 والمتعلق بالاستثمار لا تنص إلا على إمكانية اللحی المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار عبر إجراء اتفاقية خامية الخصوص، بحيث أنه لا يمكن الاستناد لهذه المادة للقول أن ال المصرية قد عبرت عن رضاها بالخضوع للتحكيم عملا بأحكام الما /۲۰/ من معاهدة واشنطن.

ولكن الهيئة التحكيمية ردت هذا الدفع معتبرة أن معاهدة واشنط الصادرة عام 1965 لم تنص على شكل معين لإبداء الرضى المتعلق باختصاص المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، وإنما اكتفت بالإشارة إلى أن الرضى يجب أن يتم التعبير عنه بشكل خطي، بحيث أن الدولة يمكنها أن تبدي موافقة مسبقة على الخضوع لاختصاص المركز المشار إليه والتعبير عنها في قوانينها الداخلية المتعلقة بالاستثمار.

ومن المعلوم أن عددا من أرباب الاختصاص قد انتقدوا هذا الاجتهاد معتبرين أنه يمثل توجهأ لدى بعض المحكمين لتوسيع سلطاتهم وربما تخطيها. إلا أن عددا آخر منهم أشار غداة صدور القرار المشار إليه أن من شأنه أن يشجع المشرع الوطني في الدول المعنية على صياغة النصوص المتعلقة بالاستثمار أو بحل المنازعات بشكل متأن بحيث يحدد بوضوح ما إذا كان يبغي إبداء موافقة مسبقة على الخضوع لاختصاص المركز الدولي التسوية منازعات الاستثمار بشكل عام أم الاحتفاظ بإمكانية إبداء الموافقة على صلاحية المركز حالة بحالة.

ومن الواضح أن المشرع المصري قد تأثر بهذا الرأي، فعمد إلى صياغة قوانين الاستثمار الجديدة التي تم إصدارها بعد العام ۱۹۷4 بانتباه شديد بحيث لا يتم تفسير المواد التي تتضمنها والمتعلقة بالتحكيم و كأنها تتضمن موافقة مسبقة من قبل الدولة المصرية على الخضوع للتحكيم أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، وإنما مجرد عرض للمستثمر الأجنبي باللجوء إلى التحكيم.

 وهكذا فالمادة /۷/ من القانون المصري رقم ۱۹۹۷/۸ والمتعلق بضمانات وحوافز الاستثمار تنص على ما يلي: ايجوز تسوية منازعات الاستثمار المتعلقة بتنفيذ أحكام هذا القانون بالطريقة التي يتم الاتفاق عليها | مع المستثمر، كما يجوز الاتفاق بين الأطراف المعنية على تسوية هذه المنازعات في إطار الاتفاقيات السارية بين جمهورية مصر العربية ودولة المستثمر أو في إطار الاتفاقية الخاصة بتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمارات بين الدول وبين رعايا الدول الأخرى التي انضمت إليها جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 90 لسنة ۱۹۷۱، وذلك بالشروط والأوضاع وفي الأحوال التي تسري فيها تلك الاتفاقيات أو وفقا لأحكام قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم ۲۷ لسنة 1994، كما يجوز الاتفاق على تسوية المنازعات المشار إليها بطريق التحكيم أمام مركز القاهرة الاقليمي للتحكيم التجاري الدولي».

إلا أنه لا بد من الملاحظة أن القوانين المتعلقة بالاستثمار في بعض الدول العربية لا تزال تتضمن نصوصأ يمكن تفسيرها وكأنها تشكل موافقة مسبقة للخضوع لتحكيم المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار").

14- هذا وتجدر الاشارة إلى أن الأخذ بالمبادئ المستقاة من القرارات التحكيمية الصادرة عن الهيئات التحكيمية العاملة في إطار المركز الدولي - التسوية منازعات الاستثمار يحصل في بعض الأحيان بشكل غير مباشر دون تدخل المشرع. وبالفعل، ففي أحد القرارين الصادرين عن مجلس الشورى اللبناني بتاریخ ۱۷ تموز ۲۰۰۱ اعتبر هذا الأخير أنه وبالرغم من وجوب إبطال البند التحكيمي الوارد في العقد بسبب الطابع الإداري له، فإن شركة الاتصالات الهاتفية التي تعاقدت معها الدولة وهي شركة FTML يمكنها اللجوء إلى التحكيم أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار استنادا إلى نصوص المعاهدة اللبنانية - الفرنسية المتعلقة بتشجيع الاستثمار.

وقد توصل مجلس الشورى اللبناني إلى هذه النتيجة بعد أن اعتبر، طبقا للرأي الصادر عن مجلس الشورى الفرنسي في قضية EURO-DISNEY أن من شأن المعاهدات الدولية إدخال استثناءات على مبدأ منع التحكيم في العقود الإدارية. ومهما يكن من أمر هذا التعليل، يبقى أن مجلس الشورى اللبناني، بموافقته على إمكانية اللجوء إلى التحكيم وفقا لنظام المركز الدولي التسوية منازعات الاستثمار استنادا إلى معاهدة دولية، يكون قد أعتمد الحل القاضي بقبول إمكانية قيام الدولة بإبداء موافقة مسبقة بموجب معاهدة دولية على اللجوء إلى التحكيم أمام هذا المركز، وهو الحل الذي سبق أن توصل إليه اجتهاد الهيئات التحكيمية العاملة ضمن إطار المركز المذكور. فمن المعروف مثلا أن الهيئة التحكيمية التي نظرت في قضية شركة AAPL ضد دولة سيريلانكا قد اعتبرت في قرارها الصادر بتاريخ ۲۷ حزيران ۱۹۹۰ أنها مختصة للفصل بالدعوى المقدمة من قبل الشركة المذكورة بوصفها مستثمر أجنبي بالرغم من عدم وجود أي علاقة تعاقدية مسبقة بينها وبين دولة سيريلانكا، وقد استندت الهيئة التحكيمية لتبرير اختصاصها إلى نصوص اتفاق دولي يتعلق بتشجيع الاستثمار بين دولة سيريلانكا والدولة التي تتبع لها الشركة المذكورة ان هذا الاجتهاد المعتمد دوليا، والذي تبناه مجلس الشورى اللبناني ضمنا.

- وربما دون أن يقصد ذلك - عبر استناده إلى مبدأ تسلسل القواعد الذي بموجبه تتقدم المعاهدات الدولية في مجال التطبيق على القواعد الداخلية المانعة للتحكيم في القضايا الإدارية، قد أدى إلى توسيع ميدان التحكيم بشكل ملموس في العقود المجراة من قبل الدول في مجالات الاستثمار. وبالفعل، فبموجبه يعود لأحد أطراف العقد - أي للمستثمر - حي المباشرة بإجراءات التحكيم حتى لو لم يتضمن العقد الجاري بينه وبين الدولة بندة تحكيمية، إذ أن الدولة الموقعة على المعاهدة تعتبر و كأنها قد وافقت مسبقة على الخضوع لتحكيم المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بمواجهة أي مستثمر تابع للدولة الأخرى الموقعة على المعاهدة. وهكذا يمكن القول إن موافقة الطرفين التي تعتبرها المادة 35 من معاهدة واشنطن ضرورية لإخضاع النزاع لتحكيم المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار إنما تعتبر متحققة في هذه الحالة بمجرد أن يقرر المستثمر استخدام حقه بقبول العرض المسبق والعام بالخضوع للتحكيم الصادر عن الدولة.

ولكن هذا الاجتهاد من شأنه أن يؤدي في بعض الأحيان إلى الإخلال في المساواة بين المستثمرين الأجانب في نفس البلد وأحيانا في نفس القطاع وذلك عندما يكون باستطاعة البعض من هؤلاء الإفادة من نصوص معاهدة دولية لتشجيع الاستثمار فيما البعض الآخر غير قادر على ذلك بسبب عدم إبرام معاهدة لتشجيع الاستثمار بين دولتهم والدولة المضيفة. ففي النزاعات المتعلقة بالهاتف المحمول في لبنان مثلا اعتبر مجلس الشورى اللبناني أن بإمكان إحدى الشركتين، بالنظر لتركيبة رأسمالها، اللجوء للتحكيم أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار عملا بأحكام المعاهدة المتعلقة بتشجيع الاستثمار المبرمة بين لبنان وفرنسا، فيما اعتبر الشركة الأخرى غير قادرة على ذلك بسبب عدم إمكانية تطبيق اتفاقية تشجيع الاستثمار المعقودة بين لبنان وفنلندا على حالتها .

15- وإذا كان مجلس الشورى اللبناني قد اعتمد بشكل ضمني اجتهاد الهيئات التحكيمية العاملة ضمن إطار المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار عبر استناده إلى مبدأ تسلسل القواعد المشار إليه أعلاه، فإن بعض القوانين العربية المتعلقة بتشجيع الاستثمار قد اعتمدت صراحة أو ضمنا الحل نفسه عن طريق تضمنها نصوصه تتعلق بإمكانية تسوية النزاعات وفقا المدرجات الاتفاقات الدولية المعقودة بين دولة المستثمر والدولة المضيفة. فهذه الاتفاقات الدولية تتضمن بشكل عام نصا يتعلق باختصاص المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار في حال حصول نزاع بين المستثمر الأجنبي والدولة المضيقة. وهكذا فالمادة 36 من القانون السوري رقم ۱۰، المعدل عام ۲۰۰۰، والتي تنص على وسائل تسوية نزاعات الاستثمار تلحظ إمكانية نسوينها وافق أحكام اتفاقية ضمان وحماية الاستثمار الموقعة بين الجمهورية العربية السورية وبلد المستثمره.

وفي مطلق الأحوال، فإن تضاعف الحالات التي يمكن بصددها أن تضع هيئة تحكيمية بدها على نزاع يتعلق بعقد من العقود الدولة، بمعزل عن وجود اتفاق تحكيمي خاص ومحدد، من شأنه أن يثير بشكل متزايد مسألة القانون الواجب التطبيق على هكذا عقود. فالتقارب على صعيد إمكانية اللجوء إلى التحكيم بين القوانين الوطنية والمبادئ الدولية المعتمدة في مجال الاستثمار لا يلغي المسألة المحورية المتعلقة بالقانون الواجب التطبيق على العقود الجارية بين الدول والشركات الأجنبية أو الشركات المتعددة الجنسية. ولكن وفي هذا المجال أيضا فإن من شأن مفهوم العقد الإداري أن يلعب دورا لا يستهان به.

ثانيا: في صعوبة تحييد التفريق المعتمد داخلية بين العقود الخاضعة للقانون الخاص والعقود الإدارية

16- إن مسألة القانون الواجب التطبيق على العقود الجارية بين الدول والشركات الأجنبية أو الشركات المتعددة الجنسية هي من المسائل التي أثارت نقاشات فقهية حادة ومتعددة خلال سبعينات القرن الماضي، خلال تلك الحقبة، وبالنظر للطروحات والأفكار التي كان يتم التداول بها ومنها الطرح المتعلق بالنظام الاقتصادي العالمي الجديد، وفكرة السيادة الدائمة على الثروات الطبيعية، كانت مقارية الموضوع تتسم بالطابع الإيديولوجي. وإذا كانت النقاشات لم تب كلية حتى الآن فإنها لم تعد تثير الشحنات العاطفية التي كان تثيرها حينذاك). ولا بد في هذا السياق من التنويه أنه مهما كانت الطبيعة القانونية لهذه العقود فانه لا يمكن حالية التغاضي عن المادة ۹۲ فقرة 1 من معاهدة واشنطن المؤرخة في ۱۸ آور أنشأ بموجبها المركز الدولي التسوية نزاعات الاستثمار. فهذه الا أن الهيئة التحكيمية تفصل في النزاع المعروض عليها وفقا للقواعد التي اتفق عليها الأطراف، فإن لم يوجد اتفاق تعليق الهيئة الن الدولة الطرف في النزاع - بما في ذلك قواعد تنازع القوانين الی إضافة إلى مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالموضوع.

ولكن، وفي هذا الإطار أيضا، أي في إطار تحديد القانون التطبيق، فإن التناغم بين خصوصيات الأنظمة الوطنية والمبادئ المعت الصعيد الدولي ليس متكاملا. وبالفعل، و كما أن مفهوم العقد الإدارین التذرع به للقول بعدم إمكانية إخضاع العقود التي تجريها الدول التحكيم فقد تم أيضا استخدام هذا المفهوم في النقاش المتعلق بالقانون الواجب التطبيق على هذه العقود (أ) وفي مجال الطعن بالقرارات التحكيمية المصادر بشأنها (ب).