الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / اللجوء للتحكيم الإداري في العقود الإدارية في القانون / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 8 / مدى اختصاص القضاء الاداري بالنظر في دعـاوى بطلان القرارات التحكيمية المتعلقة بالعقود الادارية

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 8
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    115

التفاصيل طباعة نسخ

1- كان التحكيم في العقود الادارية- ولا يزال الى حد ما- موضوع جدال واسـع فـي الفقـه والاجتهاد المقارن كالجزء المركزي من موضوع أعم وأشمل وهـو مـدى حـق الدولـة واشخاص القانون العام في اللجوء الى التحكيم في العلاقات التعاقدية مع الغير، سواء كـان ذلك في العقود الداخلية أم في العقود الدولية، وسواء كانت تلك العقـود تخ ضع للقـانـون الخاص أم للقانون الاداري.

 2- ولا بد من التذكير هنا بأن قوانين البلاد العربية التي خضعت للانتداب او للتأثير الفرنسي كمصر وسوريا ولبنان اعتمدت النظام القانوني الفرنسي الذي يصنف العقود التـي توقعهـا الدولة في قسمين:

   - العقود الخاضعة للقانون الخاص المدني والتجاري حيث تتصرف الدولة كفريـق عـادي متساو في الحقوق والواجبات مع الفريق المتعاقد معها،

 -   والعقود التي تتمتع فيها الدولة بامتيازات السلطة العامة والتي تضعها في وضـع أقـوى وغير متساو مع الفريق التعاقدي الآخر، وهذه العقود تصنف كعقـود اداريـة وتخـضع لأحكام نظام قانونی خاص هو القانون الاداري.

وبموجب هذا النظام القانوني، فإن المنازعات المتعلقة بالعقود الادارية هي من صلاحية محاكم ادارية خاصة، ولاسيما مجلس شورى الدولة، في حين أن المنازعات الناشئة عن العقود الخاضعة للقانون الخاص تبقى من صلاحية المحاكم العدلية.

غير انه في الحالتين، كان التحكيم دوماً موضع حذر شديد لا بل كان من حيـث المبـدأ محظرا في جميع المنازعات المتعلقة بالدولة، دون أي تمييـز بـين التحكـيم الـداخلي والتحكيم الدولي، وذلك لأسباب متعددة تتصل في غالبيتهـا بمقتضيات سـيادة الدولـة واعتبارات النظام العام التي تفرض ان تقاضى الدولة امام قضاتها الطبيعيين، أي قضاة محاكم الدولة، دون جواز التنازل عن ذلك .

3- ولكن تطور وانتشار الاستثمار والتجارة الدوليين وما اديا اليه من نمو العقود الدوليـة بـين الدول والمستثمرين أبرز الحاجة الملحة إلى الاعتراف بالتحكيم الدولي كحل أمثل للمنازعات الناشئة عن تلك العقود. وهذا ما حدا العديد من البلدان الى بدء قبول تحكيم الدولة في العقود الدولية كمرحلة أولى تفرضها الضرورات، بعيداً عن التفريق بين العقود الادارية والعقـود الخاصة، ومع الاستمـرار في الحـذر والتشدد بالنسبة إلى حظر التحكيم الـداخلي علـى الدولة.

4- ودون الدخول في تفاصيل التطور التشريعي والقضائي الذي أصاب القانون الفرنسي ومن ثم قوانين البلاد العربية المتأثرة به لجهة تحكيم الدولة، (مما لا يتسع المجـال لـه فـي هـذه العجالة)، نشير الى أن القانون الوضعي اللبناني الحالي (قانون اصول المحاكمات المدنيـة المعدل بقانون 29/7/2002 ولا سيما المادتان 762 و809 منه) يجيز للدولة ولاشخاص القانون العام اللجوء الى التحكيم أيا كانت طبيعة العقد موضوع النزاع وفقا لما يلي:

 -بالنسبة الى العقود الخاضعة للقانون الخاص، يجوز التحكيم دون أي قيد أو شرط، ويمكن ان يتناول جميع المنازعات المتعلقة بتفسير العقد أو تنفيذه أو المتعلقة بـصحته، وذلـك دون تمييز بين مجالي التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي.

بالنسبة الى العقود الادارية، يجوز التحكيم أكان التحكيم داخلياً أو كـان دوليـاً يتعلـق بمصالح التجارة الدولية، ولكن لا يكون البند التحكيمي أو اتفاق التحكيم نافـذا الا بعـد اجازته بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء (المادة 762 فقرتها الاخيرة من قانون اصـول المحاكمات المدنية).

كذلك، يقتصر النزاع القابل للاحالة على التحكيم في العقود الادارية على النزاع الناشيء عن تفسير العقد أو تنفيذه ولا يشمل النزاع المتعلق بصحة العقد وطلبات الابطال بـسبب تجاوز حد السلطة التي تبقى خارج نطاق التحكيم وضمن الصلاحية الحصرية للقـضاء الاداري.

ان هذا القبول التشريعي والقضائي للتحكيم في العقود الادارية يستتبع التساؤل عـن الوضع القانوني الناشىء بعد صدور القرار التحكيمي في المنازعة التي تتناول عقـداً اداريا، وبالاخص عن المرجع القضائي المختص بالنظر في القرار التحكيمي المـذكور وفي المراجعات المقدمة طعنا به.

واننا سنقسم بحثنا الى قسمين:

أولاً- في مدى الاختصاص الوظيفي للقضاء الاداري للنظـر فـي دعـاوي بطـلان القـرارات التحكيمية المتعلقة بالعقود الادارية:

ثانياً- في تحديد المرجع الصالح داخل القضاء الاداري للنظر في دعاوي البطلان المذكورة:

*******

القسم الاول- في مدى الاختصـاص الوظيفـي للقـضـاء الاداري للنظـر فـي دعاوى بطلان القرارات التحكيمية المتعلقة بالعقود الادارية:

5- من مراجعة أحكام القانون اللبناني لهذه الجهة، يتبين ان المشترع قد خصص فقـرة وحيـدة (الفقرة الثانية من المادة 795 محاكمات مدنية) لموضوع القرار التحكيمـي الـصادر فـي نزاعات العقود الادارية فنص على انه:

"اذا كان النزاع موضوع التحكيم من اختصاص القضاء الاداري تعطى الصيغة التنفيذية من قبل رئيس مجلس شورى الدولة، وفي حال رفضها يعترض علـى قـراره لـدى مجلـس القضايا" .

فهذا النص يكتفي بتحديد المرجع الصالح من جهة لاعطاء الـصيغة التنفيذيـة للقـرارات التحكيمية الصادرة في منازعات العقود الادارية (رئيس مجلس شورى الدولة) ومن جهـة أخرى للنظر في الاعتراضات على قرارات رئيس مجلس الشورى برفض الصيغة (مجلس القضايا لدى مجلس الشورى).

6- ولكن، فيما عدا ما تقدم، لم يتضمن القانون اللبناني اي نص يحدد المرجع القضائي الصالح لبت دعاوى الطعن استئنافاً او بطريق الابطال بالقرارات التحكيمية المتعلقة بالنزاعات التي يتناول موضوعها عقودا ادارية.

ولقد أدى هذا السكوت والفراغ الى جدل واسع في الفقه والاجتهاد حول ما اذا كان المرجع الصالح هو محكمة الاستئناف الصادر في نطاقها القرار التحكيمي ام مجلس شورى الدولة ذا الاختصاص في القضايا الادارية، ولا تزال هذه المسألة موضع اخـذ ورد فـي الفقـه والاجتهاد العالميين لعدم صراحة العديد من النصوص، خاصة في فرنسا، دون التوصل الى حل حاسم لها.

وأمام هذا السكوت، انقسمت الآراء الفقهية في لبنان بين رأيين.

7- الرأي الاول يعتبر انه وان كانت الصيغة التنفيذية تعطى للقرار التحكيمي من قبل مجلـس شورى الدولة متى كان موضوع النزاع عقداً إدارياً، الا ان اجراءات الاستئناف والابطـال هي من اختصاص محكمة الاستئناف العدلية الصادر في نطاقها القرار التحكيمي وفقا للمادة 802 محاكمات مدنية التي تنص على أن:

"الاستئناف والطعن بطريق الابطال يقدمان الى محكمة الاستئناف الصادر في نطاقها القرار التحكيمي .

فهذه المادة جاءت شاملة كل حالات الاستئناف والابطال دون أي تمييز أو قيد بحيث تختص محكمة الاستئناف العدلية بالطعن في القرارات التحكيمية استئنافا أو بطريق الابطال مهمـا كان العقد موضوع النزاع التحكيمي، وسواء كان عقداً خاضعاً للقانون الخـاص أو عقـداً ادارياً خاضعاً للقانون الاداري.

ويضيف أصحاب هذا الرأي بأن المادة 804 محاكمـات مدنيـة تـنـص ايـضـاً علـى ان الاجراءات الواجب اتباعها في الطعن تتم وفق القواعد والاصول المقررة للخـصومة أمـام محكمة الاستئناف.

8- أما الرأي الثاني وهو الرأي الراجح فيعتبر أن المرجع الصالح للنظر في الطعون استئنافاً أو بطريق الابطال للقرارات التحكيمية الصادرة في منازعات العقود الاداريـة هـو القـضاء الاداري ممثلاً بمجلس شورى الدولة.

9- ولقد حسمت الغرفة الثالثة لمحكمة استئناف بيروت هذه المسألة في سلسلة قرارات اعتبرت فيها ان الاختصاص في هذه الحالة هو للقضاء الاداري (قرار رقـم 1998/2004 تـاريخ 25/11/2004، المجلة اللبنانية للتحكيم، العدد 33 ص 61-62؛ قرار رقـم 627 تـاريخ 7/4/2005 المجلة اللبنانية للتحكيم، العدد 34، ص 32).

10- ولقد استندت هذه القرارات لتأييد ما توصلت اليه إلى العناصر التالية:

(أ) نص المادة 801 محاكمات مدنية التي تنص على انه:

  "إذا أبطلت المحكمة المقدم اليها الطعن بطريق الابطال القرار التحكيمي، فأنها تنظـر في الموضوع في حدود المهمة المعينة للمحكم، ما لم يتفق الخصوم على خلاف ذلك".

فهذا النص يفيد انه بعد أبطال القرار التحكيمي، تحل المحكمة النـاظـرة فـي الطـعـن بطريق الابطال محل المحكم للنظر في الموضوع في حدود المهمة المعينة للمحكـم وبالتالي فانه من المنطقي ان تكون هذه المحكمة هي تلك المختصة وظيفياً بالنظر في النزاع، فاذا كان النزاع ذا طابع اداري ومتعلق بعقد اداري، حفظ الاختصاص للقضاء الاداري، وكل قول بعكس ذلك يشكل خروجاً على المبادىء الاولية الراسخة المتعلقـة بالاختصاص الوظيفي.

(ب) لا عبرة للمادة 802 محاكمات مدنية التي تنص على تقديم الطعن بالابطال الى محكمة الاستئناف الصادر في نطاقها القرار التحكيمي، اذ ان قانون اصول المحاكمات المدنية عندما يحدد المحكمة المختصة بالنظر في الطعن والاجراءات الواجب اتباعها لذلك انما يقصد النزاعات الداخلة ضمن اختصاص القضاء العدلي، دون سائر النزاعات التي لا تدخل اصلاً في نطاق تطبيقه والتي لا يعود له ان ينص على قواعد واجراءات اصول المحاكمة المتعلقة بها.

(ج) من قراءة الفقرة الاخيرة من المادة 795 محاكمات مدنية التي تعطي رئيس مجلـسر شورى الدولة الاختصاص لمنح الصيغة التنفيذية في حال كان النزاع من اختصاص القضاء الاداري، وفي حال رفضها يعترض علـى قـراره لـدى مجلـس القـضايا، يستخلص:

ان المشترع اعتبر صراحة ان هناك نزاعات خاضعة للتحكيم تقع في دائرة اختصاص القضاء الاداري، وهذا يعني استنتاجاً ان القضاء الاداري هو الـذي يكـون مختـصاً بصورة حصرية بالنظر في استئناف أو أبطال القرارات التحكيمية الصادرة فيها.

11- من جميع ما تقدم،

يتبين ان الاجتهاد اللبناني قد تبنى بصراحة ووضوح الاختصاص الوظيفي للقضاء الاداري للنظر في دعاوى الطعن بطريق الابطال بالقرارات التحكيمية المتعلقة بالعقود الادارية.

12- ولقد تأيد هذا الموقف بالفقه الفرنسي الذي اعتبر ان نظرة واضحة الى الموضـوع تظهـر انعدام الاساس لأي تردد في الاختيار بين القضاء الدولي والقضاء الاداري كمرجع مختص للنظر في دعاوى بطلان القرارت التحكيمية المتعلقة بالعقود الاداريـة، اذ ان اختـصاص القاضي الاداري للنظر في المراجعات ضد القرارات التحكيمية الصادرة فـي المـسائل الادارية يمثل عودة المراجعات المذكورة إلى مرجعها القضائي الطبيعي، وهذا الاختصاص هو من القواعد التي تفرض نفسها والتي يتبناها الفكر بصورة منطقية وطبيعية دون حاجـة الى اي الزام فرضي او تبرير معقد.

 )Dominique FOUSSARD- L'arbitrage en droit administratif, Rev. de l'arbitrage 1990, p. 41(.

يراجع أيضاً:

   (AUBY et DRAGO, Traité de contentieux administratif, 1984, T.1, 54; LAUBADERE-MODERNE_et_DELVOLVE, Traité des contrats administratifs, 1984, T.II, p.962).

  كذلك، اكد الفقه الفرنسي بالنسبة الى القرار التحكيمي الذي يفصل نزاعاً ذا طبيعة اداريـة، ان القاضي الذي يحل محل المحكم لبت الطعن هو القاضي المختص بصورة طبيعية بالنظر في النزاع لو لم يكن هناك تحكيم، وان القرار التحكيمي يعود بعد انتهاء مهمة المحكم الـى النظام القانوني الاداري وبالتالي الى رقابة القاضي الاداري.

13- غير أن نظرة سريعة الى القانون المقارن تظهر ان هذا الحل لا يستحوذ على الاجماع، اذ ان بلداناً كايطاليا واليونان تعطي الاختصاص دوماً للقضاء العدلي، في حين ان بلداناً أخرى كألمانيا والبرتغال تعترف باختصاص القضاء الاداري في النزاعات ذات الطبيعة الادارية.

 )Apostolos Patrikios, L'arbitrage en matière administrative, L.G.D., pp. 288-289(.

14- غير أنه يبقى من الضروري الاشارة والتأكيد على أن الحرص على ترابط وتماسك نظـام التحكيم في المواد الادارية وادخال هذا النظام ضمن نطاق القانون الاداري يتطلبان احترام الفصل بين السلطات الادارية والقضائية على كافة المستويات، وبالتالي اعتبـار القـضاء الاداري هو المرجع المختص بالنظر في مراجعات الطعـن ضـد القـرارات التحكيميـة الصادرة بنزاعات تتناول عقوداً إدارية أو بصورة عامة مسائل ذات طبيعة ادارية.

القسم الثاني- في تحديد المرجع الصالح داخل القضاء الاداري للنظر في دعاوى بطلان القرارات التحكيمية المتعلقة بالعقود الادارية:

15- اذا كان مبدأ اختصاص القضاء الاداري للنظر في دعاوى بطـلان القـرارات التحكيميـة المتعلقة بالعقود الادارية هو مبدأ مستقر بصورة عامة، الا انه تبقـى بعـض الـصعوبات لتحديد الجهة الصالحة داخل نظام القضاء الاداري للنظـر فـي الـدعاوى والمراجعـات المذكورة. وبالفعل، ان تنظيم القضاء الاداري يختلف بين بلد وآخر، ولكنه يعرف في العديد من الحالات أكثر من هيئة قضائية منتمية الى هذا التنظيم.

ففي فرنسا، هناك المحكمة الادارية العادية والاستئنافية كما هناك مجلس شورى الدولـة. وفي لبنان يوجد مجلس شورى الدولة بغرفه المتعددة، ثم هناك مجلس القضايا المؤلف من جميع رؤساء الغرف برئاسة رئيس مجلس الشورى.

16- ومن مراجعة المادة 795 فقرتها الأخيرة من قانون المحاكمات المدنية اللبناني، يتبـيّن أن المشترع قد أعطى مجلس القضايا صراحة الاختصاص بالنظر في الاعتراض على القرار الصادر عن رئيس مجلس شورى الدولة الذي يرفض منح الصيغة التنفيذية، ولقد استنتجت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت، غرفتهـا الثالثـة، فـي قرارهـا المـؤرخ فـي 25/11/2004 المار ذكره ان هذا النص يفيد ويعني، عطفا على المـادة 805 محاكمـات مدنية التي تنص على "ان استئناف القرار التحكيمي أو الطعن بطريق ابطاله يفيد حكماً، في حدود الخصومة المنعقدة أمام محكمة الاستئناف، طعناً بقرار الصيغة التنفيذية أو رفعاً ليـد القاضي المختص لإصداره ،

 أنه لمجلس القضايا، أسوة بمحكمة الاستئناف بالنسبة الى النزاعات الداخلة ضمن اختصاص القضاء العدلي، ان ينظر في الاعتراض انطلاقاً من الأسباب التي كان بامكـان الخـصوم التذرع بها ضد القرار التحكيمي بطريق الاستئناف أو الابطال، وهذا يعني، ولـو بطريقـة غير مباشرة، أن المشترع حدد بوضوح الجهة المختصة، وهي مجلس القضايا، للنظر فـي أسباب استئناف أو أبطال قرار تحكيمي يتعلق بنزاع موضوعه عقـد اداري، فـلا يجـوز بالتالي ان يكون هناك مرجعان للنظر في الاسباب المذكورة، احدهما اداري وآخر عدلي.

اذن، يتبين ان الاجتهاد اللبناني قد اعتبر مجلس القضايا، وليس مجلس الشورى بأحـدى غرفه المختصة، هو صاحب الاختصاص بالنظر في دعاوى بطلان القرارات التحكيميـة المتعلقة بالعقود الادارية.

17- ولقد لاقى هذا الاجتهاد بعض الانتقاد من قبل بعض الآراء التي اعتبرت أنه لا يعود الـى محكمة الاستئناف العدلية ان تحدد اختصاص هيئة قضائية ادارية، وان توزيع الاختصاص داخل النظام القضائي الاداري هو موضوع تشريعي يعود تحديده الى المشترع، وبكل حال يخرج عن اختصاص القضاء العدلي.

كذلك ان النص التشريعي المتعلق بمجلس القضايا يحدد اختصاصات هذا المجلس وشروط احالة النزاعات اليه. ولا يتضمن هذا النص أي بند يعطي مجلس القضايا اختصاص النظر بالمراجعات ضد القرارات التحكيمية الا في الحالات التي يقوم رئيس الغرفة المختصة لدى مجلس الشورى أو مفوض الحكومة باحالة مراجعة ما من هذا النوع اليـه، كمـا انـه لا يتضمن أي بند يجيز مراجعة مجلس القضايا مباشرة من قبل الفرقاء (قرار مجلس شـوری الدولة اللبناني رقم 34 تاريخ 17/10/1996، مجلة القانون الاداري 1998 رقـم 12 ص 45؛ فادي نمور - قانون التحكيم الداخلي والدولي، (بالفرنسية) الطبعة الثانيـة ص 517- 518 ).

18- وبالتالي،

 وبغياب أي نص يحدد الاختصاص بالنظر في المراجعة ضد القرارات التحكيمية، تخلـ الاراء الانتقادية الى القول بأن الاختصاص يعود الى مجلس شورى الدولة بغرفته المختصة حسب توزيع الاعمال، بصفته المحكمة الطبيعية للنظر في منازعات القانون الاداري، هـذا فضلاً عن انه يعتبر أيضاً المحكمة الاستئنافية في المواد الادارية الخاضعة بداية بموجـب القانون لاختصاص محكمة خاصة، ولا ريب أن المحكمة التحكيمية يمكن اعتبارها بمثابـة هذه المحكمة الخاصة.

اما في فرنسا، فان الرأي الراجح يميل الى اعطاء الاختصاص لمجلس الشورى بدلا مـن محكمة الاستئناف الادارية ضماناً للفعالية ولتوحيد قواعد التحكيم في المجال الاداري مـن خلال رقابة مجلس الشورى.

******

19- أن تحديـد اختصاص القضاء الاداري بالنظر في مراجعـات الـبطلان ضـد القـرارا التحكيمية المتعلقة بالعقود الادارية يثير تساؤلاً حول مدى تطبيق هذا التحديد بالنسبة الـى القرارات التحكيمية ذات الطابع الدولي. فهل يجب تطبيق القانون الاداري وادخال القـرار التحكيمي الدولي ضمن النظام القانوني الفرنسي عن طريق اخضاع هذا الادخال للقـانون الاداري ام ان استقلالية العلاقات الدولية وطبيعتها التجارية تفرض استبعاد تطبيق القـانون الاداري.

وبكلمة أوضح، عندما يتم توقيع عقد دولي يتمتع بمعايير العقد الاداري بين شخص اجنبـي وشخص معنوي من القانون الفرنسي العام فهل يكون هذا الاخير قد تعاقد كادارة عامـة أو كمشغل للتجارة الخارجية؟ واذا كان التحكيم بفعل الواقع المذكور هو تحكيم دولـي واداري في آن، فهل ان الطابع الدولي هو الذي يطغـى علـى الطـابع الاداري بحيـث يكـون الاختصاص بالنظر في الطعن بالقرار التحكيمي الصادر بالمنازعة التـي تتنـاول العقـد المذكور، عائداً إلى القضاء العدني، ام ان الطـابع الاداري هـو الـذي يطغـى فيكـون الاختصاص للقضاء الاداري؟

إن هذا الاختلاف في الرأي والمقاربة الناتج في الدرجة الاولى من ازدواجية النظام القضائي الفرنسي بين قضاء عدلي وقضاء اداري قد جعل الصراع بين منطقين: من جهـة المنطـق الاداري الذي يعتبر موضوع العقد هو معيار توزيـع الاختصاص بحيـث اذا كـان هـذا الموضوع هو ادارياً فيكون الاختصاص للقضاء الاداري، لان العقد الاداري لا تتغير طبيعته اذا كان دولياً، ومن جهة أخرى المنطق التحكيمي الذي يعتبر أن موضوع العقد هو غير ذي أهمية، لأن التحكيم هو قبل اي شيء اصول محاكمة وان قضاء الدولة لا يتدخل الا بالنـسبة الى أصول المحاكمة ولا يجب ان يتطرق الى اساس النزاع، وبالتالي وبما ان قاضي التحكيم هو القاضي العدلي فلا حاجة الى فرض قاض ثان لأسباب، الا طبيعة موضوع العقد.

ولقد عرض هذا الاختلاف مؤخراً على محكمة حل الخلافات في فرنسا التي أصدرت منذ أيام معدودة بتاريخ 17 أيار 2010 قراراً مهماً أجرت بموجبه تمييزاً اساسياً اذ اعتبـرت المحكمة:

1- ان اختصاص النظر في المراجعة المقدمة ضد قرار تحكيمي صادر في فرنسا بنـزاع يتناول عقداً موقعاً بين شخص معنوي من القانون العام الفرنسي وشخص خاص اجنبي يعود مبدئياً إلى محكمة الاستئناف العدلية باعتبار أن العقد موضـوع النـزاع يتنــاول مصالح التجارة الخارجية، وان كان هذا العقد يعتبر عقداً إدارياً بحسب معايير القانون الداخلي الفرنسي.

2- أن الاختصاص يصبح عائداً الى القضاء الاداري اذا كان القـرار التحكيمـي متعلقـاً بعقود خاضعة لنظام قانوني اداري يتعلق بالنظام العام، واذا كانت المراجعة تفتـرض بالتالي مراقبة انطباق القرار التحكيمي على الأحكام الالزامية فـي القـانون الاداري الفرنسي المتعلقة بأشغال الأملاك العامة أو المتعلقة بصفقات اللوازم العامة أو المطبقة على الصفقات العمومية وعقود المشاركة المتعلقة بالمرافق العامة،

ولقد آثار هذا القرار فور صدوره تعليقات انتقادية سريعة من قبل بعض كبار رجـال التحكيم الفرنسيين.

Mai 2010 (يراجع نص القرار في 24 ,21 .La Semaine Juridique, Edition Générale N تعليق عليه للبروفسور توماس كلاي ص 1045 – 1049، وتعليـق للبروفسور امانويل غايار ص 1096).

ولا ريب أن هذا الاجتهاد الفرنسي الجديد سوف يثير المزيد من التعليقات القانونية فـي الاشهر المقبلة لما يتضمنه من مواقف جديدة بالنسبة إلى التحكيم الدولي في القضايا ذات الطابع الاداري.

وبالنتيجة،

تبدو الحاجة ملحة إلى توحيد القواعد التي ترعي رقابة القرارات التحكيمية الدوليـة التـ تتعلق بعقود وقعها الاشخاص المعنويون من القانون العام، ولاسيما تلك الصادرة في قضايا الاستثمار حفاظاً على الاستقرار القانوني وعلى الثقة بالتحكيم، والى ضرورة توحيد النظـر الى هذه الرقابة واخضاعها لمواصفات موحدة، سواء كانت المراجعـة مـن اختـصاص القاضي العدلي، او من اختصاص القاضي الاداري.