تنص المادة 10 مـن قـانون مجلـس الدولـة علـى اختصـاص الدولة بالمنازعات الخاصة بالعقود الإدارية.
ويتضح من هذا النص أن مجلـس الدولـة يختص بالمنازعـات المتعلقة بالعقود الإدارية.
ويتضح من هذا النص أن المشرع المصري أجـاز التحكــم فـي العقود الإدارية بنص قاطع وحاسم لا اجتهاد معـه حيـث أوضـح بمـا لا يدع مجالا للشك أنه يسرى على كل تحكيم بـين أطـراف مـن أشـخاص القانون العام أو الخاص أيا كانـت طبيعـة العلاقـة التـي يـدور حلهـا النزاع وهذا يشمل بالتأكيد العقود الإدارية.
كما أن المادة الثالثة من إصـدار قـانون التحكيم 27 لسـنة 94 نصت صراحة على إلغاء المواد من 501 إلـى 513 مـن القـانون رقـم 13 سنة 1968 بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجاريـة كمـا يلغـى أي حكم مخالف أحكام هذا القانون.
وهذا يعني أنه إذا كان هناك قـانون يخـالف هـذا القـانـون فـلا يعتد به وهذا ينطبق بكل تأكيد على المادة العاشـرة مـن قـانون مجلـس الدولة المشار إليها أنفا.
يسمى بقانون التحكيم المتعلق بالمرافعات المدنيـة والتجاريـة ولا يشـمل بالتالي المرافعات الإداريـة ويستشـهـد بـبعض الأحكـام الصـادرة مـن مجلس الدولة. وينتهى إلى وجوب أن يكون هناك نـص قـانوني صـريح في جواز التحكيم أو عدم جوازه أو في المنازعـات ذات الطـابـع الـدولي وحدها.
وهذا الرأي نعتقد أنه أخذ نصيب المخطئ فـي الاجتهـاد، نظـراً لأنه لا اجتهاد مع وضوح وصـراحة النص، كمـا أنـه يـخـالف الإرادة الحقيقية للمشرع، بالإضافة لتأثيره الضار علـى الاستثمار فـي مصـر. وهذا ما سنلاحظه من بعض القضايا العملية التي سنشير إليها.
تطبيقاً لذلك حكم مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، القضية رقم 4 لسنة 95، وحكم محكمة استئناف القاهرة الدائرة 8 تجاري بجلسة الأربعاء الموافق 12/20/1995، غیر منشورين.
حيث تتعلق هذه القضية بالنزاع بين مجموعة الشركات الأوربية المنفذة لمشروع قناطر أسنا الجديدة المسماة الكونسورتيوم يوروسيب والذي يتكون من الشركات الآتية امبجيلو، كوجيفار، جي – أي – أي إيطاليا - رومنرجو - رومانيا، الممثل القانوني لشركة أمبجيلو الإيطالية عن نفسه وبصفته الممثل والقائد لمجموعة الشركات السالفة في الكونسورتيوم يوروسيب (محتكمين) وبين السيد المهندس وزير الأشغال العامة والموارد المائية بصفته (محتكم ضده).
وعرض النزاع بين هذه الأطراف أمام مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي وإبان ذلك أقام الممثل القانوني للشركات الأوربية دعوى أمام محكمة استئناف القاهرة لإلزام وزارة الري بتقديم مستندات تحت يديها وأثناء نظر النزاع دفعت وزارة الأشغال العامة والموارد المائية باعتبار أن العقد المبرم بين الطرفين عقد إداري والنزاع بشأنه منوط بمحكمة القضاء الإداري دون غيرها طبقاً لنص المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة فضلاً عن عدم جواز التحكيم في العقود الإدارية طبقاً للمادة 11 من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة 94 حيث أنه لا يجوز فيها الصلح ولكن هذا الدفع غير مجدي نظراً لأن المادة الأولى من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 94/27 على أن «... تسرى أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعة العلاقات القانونية التي يدور حولها النزاع إذا كان هذا التحكيم يجرى في مصر، أو كان تحكيماً تجارياً دولياً يجرى في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون» والقاعدة أنه لا اجتهاد مع وضوح النص ودلالة عبارة هذا النص واضحة وقاطعة في إجازة المشرع للاتفاق على التحكيم حتى ولو كان أحد أطرافه من أشخاص القانون العام وأيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع – وقد رددت المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور نفس المعنى بقولها: «... تحديد نطاق تطبيق أحكام المشروع، الذي عينته المادة الأولى بعد أن رجحت أحكام الاتفاقيات المعمول بها في مصر تلك الأحكام على كل تحكيم تجاري دولي يجرى في مصر سواء كان أحد أطرافه من أشخاص القانون العام أم أشخاص القانون الخاص، فحسم المشروع بذلك الشكوك التي دارت حول مدى خضوع بعض أنواع العقود التي يكون أحد أطرافها من أشخاص القانون العام للتحكيم، فنص على خضوع المنازعات الناشئة عن هذه العقود لأحكام هذا المشروع أيا كانت طبيعة العلاقة القانون التي يدور حولها النزاع...».
وقد جاء تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس الشعب عن مشروع قانون التحكيم أشد وضوحاً وأكثر حسماً في الإفصاح عن قصد المشرع من عبارات المادة الأولى من القانون المذكور إذا تضمن – بحصر اللفظ – أن اللجنة عدلت المادة الأولى «على نحو واسع من نطاق تطبيق أحكام المشرع فبعد أن رجحت أحكام الاتفاقيات المعمول بها في مصر - نظمت سريان أحكام المشروع على كل تحكيم يجرى في مصر سواء أكان بين أطراف من أشخاص القانون العام أم القانون الخاص أيا كانت العلاقة التي يدور حولها النزاع وقد قصد من هذه العبارة سريان هذا القانون على العقود الإدارية كي يصبح حكمها تقنيناً لما انتهى إليه إفتاء مجلس الدولة في هذا الشأن..».
ولا شك أن ذلك يتفق أيضاً مع الحكمة التي شرع من أجلها قانون التحكيم وهي مواكبة الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة من أجل تهيئة مناخ صالح للاستثمار وجذب رءوس الأموال المستثمرة وإعادة الثقة إلى رجال الأعمال والمستثمرين – عرباً أو أجانب بتنظيم أحكام التحكيم على نحو يتلاءم مع طبيعة ومقتضى المنازعات التجارية للدولة ومتطلبات فضها، خصوصاً بعد أن تبين أن القوانين التي وضعت في مجال الاستثمار لا تكفى وحدها لتحقيق هدف زيادة الاستثمارات – ولا يسوغ التحدى بنص المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم 725/47 على أن «تختص محاكم مجلس الدولة وحدها دون غيرها الفصل.... (11) المنازعات الخاصة بعقود الالتزام أو الأشغال العامة أو التوريد أو بأي عقد إداري آخر... «لأن المقصود من هذا النص هو بيان الحد الفاصل بين الاختصاص المقرر لمحاكم مجلس الدولة ومحاكم القضاء العادي وليس القول بحظر الالتجاء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية... وأكثر من ذلك تأكيداً فقد جرت المادة 58 من قانون مجلس الدولة على أنه «لا يجوز لأية وزارة أو هيئة عامة أو مصلحة من مصالح الدولة أن تبرم أو تقبل أو تجيز أي عقد صلح أو تحكيم أو تنفيذ قرار محكمين في مادة تزيد قيمتها عن خمسة آلاف جنيه بغير استفتاء إدارة الفتوى المختصة».
ومفاد ذلك جواز التجاء جهة الإدارة إلى الصلح والتحكيم في منازعاتها العقدية (إدارية ومدنية) وإلا ما كان المشرع قد ألزم تلك الجهة باستفتاء مجلس الدولة بشأن الاتفاق على الصلح والتحكيم وتنفيذ حكم المحكمين في الحالات الواردة بالنص – ومع د ذلك أيا كان وجه الرأي في تفسير المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة فقد نصت المادة الثالثة من مواد إصدار قانون التحكيم بإلغاء أي حكم مخالف لأحكام القانون الأخير - كذلك فإنه لا يجوز التحدي بنص بالمادة 172 من الدستور للقول بعدم جواز التحكيم في منازعات العقود الإدارية لأن تلك المادة نصت على مجلس الدولة لاعتباره إحدى الهيئات التي تتكون منها السلطة القضائية وقصد منها بيان أوجه اختصاصها تمييزاً لها عن المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة والتي نصت عليها المادة 165من الدستور، ولم يقل أحد أن النص على الاختصاص العام للمحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها أو النص على اختصاص إحدى الهيئات القضائية بأنواع معينة من المنازعات والدعاوى يتضمن في ذاته حظراً للتحكيم في المنازعات التي تختص بها أي منها.
هذا بالإضافة إلى ملاحظة هامة أيضاً ألا وهي توسع المشرع المصري في مفهوم لفظ التجارية وبعده عن المفهوم الضيق لها في القانون التجاري بحيث أنها تشمل حالات تتدخل الدولة فيها تدخلاً كبيراً ويترتب على ذلك أنها تدخل تحت مظلة العقود الإدارية والقول بعكس ذلك يخالف الإرادة الحقيقية للمشرع.
(2/1) حكم مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي رقم 66 لسنة 95 في 96/8/29 وحكم محكمة استئناف القاهرة، الدائرة 63 تجاري في الاستئناف المقيد بالجدول العمومي تحت رقم 64 لسنة 113ق بجلسة الأربعاء الموافق ۹۷/۳/۱۹ وهو يتعلق بالنزاع بين شركة جلستبير ورئيس المجلس الأعلى للآثار بصفته والمتعلق بالعقد المبرم بين الطرفين على تنفيذ تنسيق الموقع العام لمتحف آثار النوبة بأسوان مقابل سعر نهائي لعملية قدره 14.780.580.56 جنيهاً مصرياً بعد تخفيض أول في المناقصة بلغ 30% وتخفيض ثان بلغ 2% من قيمة المناقصة الأصلية والتي قدرت بمبلغ 21.260.026.72 جنيهاً مصرياً ونظراً لحدوث خلاف سعر المتر المسطح والمتعلق بأعمال العزل الخاصة بالأسطح والأرضيات إذ رأى المجلس أن سعر المتر مبالغ فيه وتمسكت الشركة بالأسعار كما وردت بالمقايسة باعتبارها الأسعار النهائية وللفصل في هذا النزاع تقدمت الشركة الإنجليزية بطلب تحكيم بمقر مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي.
وصدر حكم التحكيم بإلزام المجلس بمحاسبة الشركة وفقاً للعقد المبرم وقام المجلس بالطعن على الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة وأسس طعنه على أن المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة تقضي بأن محاكم مجلس الدولة تختص دون غيرها بالفصل في المنازعات الخاصة بعقود الالتزام أو الأشغال العامة أو التوريد أو بأي عقد إداري آخر ومفاد ذلك أن المشرع قصر ولاية الحكم في منازعات العقود الإدارية على محاكم مجلس الدولة دون غيرها ولا يجوز الاتفاق على ما يخالف ذلك، وعلى ذلك يبطل شرط التحكيم الوارد في العقد الإداري المبرم بين المجلس الأعلى للآثار وبين الشركة الإنجليزية ويبطل معه اتفاق التحكيم وكل ما يترتب عليه وهو حكم التحكيم المطعون عليه وهو بطلان مطلق لتعلقه بالنظام العام.
ومن حيث أن اختصاص مجلس الدولة قد ورد كقاعدة عامة في قانون موضوعي وعلى ذلك فلا يجوز مطلقاً أن يخالف العمل الإداري أحكام هذا القانون.
(المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3049 لسنة 72ق جلسة 1990/2/20)
ومن ثم فلا يحق للجهة الإدارية أن تأتي وتضمن العقد الإداري نصاً باختصاص هيئة التحكيم... (محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 5837 لسنة ق جلسة 1990/12/2) وعلى ذلك يبطل شرط التحكيم الذي تضمنه العقد الإداري المبرم بين المجلس الأعلى للآثار والشركة الإنجليزية ويبطل معه اتفاق التحكيم وكل ما يترتب عليه وهو حكم التحكيم المطعون عليه وذلك عملاً بحكم المادة 53 من القانون 94/27. ثانياً: المادة 11 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية المشار إليه تنص على أن: «لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه ولا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح».
ومن حيث أن الصلح لا يجوز في المسائل المتعلقة بالنظام العام «مادة 551 مدني» ومن ثم فلا يجوز الاتفاق على التحكيم في العقود الإدارية باعتبارها من النظام العام.
وترتيباً على ما تقدم.. ينصرف البطلان كذلك إلى مشاركة التحكيم.. وبالتالي إلى حكم التحكيم المطعون على... ولما كان البطلان يعد بطلاناً مطلقاً لتعلقه بالنظام العام.. ويجوز لأي طرف التمسك به في أي حالة تكون عليها الدعوى ويكون للقاضي الحكم به من تلقاء نفسه على نحو ما أظهره البند (12 من المادة 53 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية المشار إليه وعليه فإن الحكم المطعون فيه يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً وتقضى المحكمة بذلك من تلقاء نفسها في ضوء نص المادة 1/53 من قانون التحكيم المشار إليه يضاف إلى ما تقدم أننا نلوح بمدى دستورية قانون التحكيم الذي يسلب ولاية محاكم مجلس الدولة من اختصاصها بنظر المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية وذلك في ضوء المادة ١٧٢ من الدستور والتي تقضي بأن «مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية ويحدد القانون اختصاصات الآخرى» ومفاد هذا النص أن لمجلس الدولة – دون غيره الفصل في المنازعات الإدارية ومن بينها ولا ريب العقود الإدارية ونترك لعدالة المحكمة تقدير مدى ملاءمة اتخاذ إجراءات الطعن بعدم دستورية ذلك القانون الخاص بالتحكيم فيما تضمنه من نزع ولاية مجلس الدولة من نظر المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية.
وللرد على ذلك نحيل إلى القضية المتعلقة بالنزاع بين الشركة الأوربية المنفذة لمشروع قناطر إسنا والسيد المهندس وزير الأشغال العامة والموارد المائية. وهذا ولقد ردت محكمة الاستئناف على هذا الدفع بأنه لا اجتهاد مع نص المادة الأولى من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية والتي يقطع في إجازة المشرع للاتفاق على التحكيم حتى ولو كان أحد أطرافه من أشخاص القانون العام وأيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع.
وقد رددت المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور نفس المعنى بقولها... بأن تحديد نطاق أحكام المشروع التي عينته المادة الأولى بعد أن رجحت أحكام الاتفاقيات المعمول بها في مصر بسريان تلك الأحكام على كل تحكيم تجاري دولي يجرى في مصر سواء كان أحد طرفيه من أشخاص القانون العام أم أشخاص القانون الخاص، فحسم المشروع بذلك الشكوك التي دارت حول مدى خضوع بعض أنواع العقود التي يكون أحد أطرافها من أشخاص القانون العام للتحكيم، فنص على خضوع المنازعات الناشئة عن هذه العقود لأحكام هذا المشروع أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع.
وجاء تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس الشعب عن مشروع التحكيم أشد وضوحاً وأكثر حسماً في الإفصاح عن قصد المشرع من عبارات المادة الأولى من القانون المذكور تضمن- بحصر - اللفظ أن اللجنة عدلت المادة الأولى «على نحو واسع من نطاق تطبيق أحكام المشروع فبعد أن رجحت أحكام الاتفاقيات المعمول بها في مصر- نظمت سريان أحكام المشروع على كل تحكيم يجرى في مصر سواء كان بين أطراف من أشخاص القانون العام أم القانون الخاص وأيا كانت العلاقة التي يدور حولها النزاع وقد قصد من هذه العبارة سريان هذا القانون على العقود الإدارية كي يصبح حكمها تقنيناً لما انتهى إلى إفتاء مجلس الدولة في هذا الشأن... «كذلك فإنه عند أخذ الأصوات بمجلس الشعب على مشروع القانون تمت الموافقة على نص المادة الأولى على النحو الذي صدرت به في القانون 94/27 وكان أحد النواب قد اقترح النص في المادة الأولى على عدم جواز التحكيم في العقود الإدارية بيد أن هذا الاقتراح لم يحظ بموافقة الأغلبية – ومن كل ما تقدم يتبين أن المشرع قصد على وجه القطع – إلى جواز التحكيم في العقود الإدارية – ولا شك أن ذلك يتفق أيضاً مع الحكمة التي شرع من أجلها قانون التحكيم وهي مواكبة الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة من أجل تهيئة مناخ صالح للاستثمار وجذب رءوس الأموال المستثمرة وإعادة الثقة إلى رجال الأعمال والمستثمرين - عرباً كانوا أو أجانب - بتنظيم أحكام التحكيم على نحو يتلاءم مع طبيعة المنازعات التجارية الدولية ومتطلبات فضها، خصوصاً بعد أن تبين أن القوانين التي وضعت في مجال الاستثمار لا تكفي وحدها لتحقيق هدف زيادة الاستثمارات ولا يسوغ التحدى بنص المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم 72/47 على أن «تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل.... -11- المنازعات الخاصة بعقود الالتزام أو الأشغال العامة أو التوريد أو بأي عقد إداري آخر...» لأن المقصود من هذا النص هو بيان الحد الفاصل بين الاختصاص المقرر لمحاكم مجلس الدولة ومحاكم القضاء العادي وليس القول بحظر الالتجاء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية... وأكثر من ذلك تأكيدا فقد جرت المادة 58 من قانون مجلس الدولة على أنه «لا يجوز لأية وزارة أو هيئة عامة أو مصلحة من مصالح الدولة أن تبرم أو تقبل أو تجيز أي عقد صلح أو تحكيم أو تنفيذ قرار محكمين في مادة تزيد قيمتها عن خمسة آلاف جنيه بغير استفتاء إدارة الفتوى المختصة».
ومفاد ذلك جواز التجاء جهة الإدارة إلى الصلح والتحكيم في منازعاتها العقدية (إدارية ومدنية) وإلا ما كان المشرع قد ألزم تلك الجهة باستفتاء مجلس الدولة بشأن الاتفاق على الصلح والتحكيم وتنفيذ حكم المحكمين في الحالات الواردة بالنص – ومع ذلك أيا كان وجه الرأي في تفسير المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة فقد نصت المادة الثالثة من مواد إصدار قانون التحكيم بإلغاء أي حكم مخالف لأحكام القانون الأخير - كذلك لا يجوز التحدي بنص بالمادة 172 من الدستور للقول بعدم جواز التحكيم في منازعات العقود الإدارية لان تلك المادة نصت على مجلس الدولة باعتباره إحدى الهيئات التي تتكون منها السلطة القضائية وقصد منها بيان أوجه اختصاصها تمييزاً لها عن المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة والتي نصت عليها المادة 162 من الدستور، ولم يقل أحد أن النص على اختصاص عام للمحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها أو النص على اختصاص إحدى الهيئات القضائية بأنواع معينة من المنازعات والدعاوى يتضمن في ذاته حظراً للتحكيم في المنازعات التي تختص بها أي منها.
وحيث أنه قد سبق بيان أن التحكيم في منازعات العقود الإدارية جائز طبقاً لأحكام قانون التحكيم 27 لسنة 94 سواء في ذلك التحكيم الداخلي أم التحكيم الدولي. وحيث أنه من نافلة القول أن الثابت من عبارات العقد المؤرخ 96/11/10 محل النزاع والذي تضمن شرط تحكيم، أن قد روجع باللجنة الثانية لقسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بتاريخ 93/10/20 وأن هذه اللجنة وافقت عليه بالتبليغ رقم 560 في 93/10/25 وأنه عند قيام النزاع بين الطرفين أبرما مشارطة التحكيم المؤرخة 96/3/24 ونظر الموضوع أمام هيئة التحكيم المنصوص عليها في تلك المشارطة ترافع الطرفان دون أن يبدى أحدهما دفعا يمس شرط التحكيم بينما يتربصالمدعى حتى أصدرت هيئة التحكيم المذكورة الحكم فبادر إلى إقامة الدعوى الماثلة على قول ببطلان شرط التحكيم لأن المنازعة تتعلق بعقد إداري ولاشك أن مثل هذا الادعاء فضلاً عن انعدام سنده في القانون كما سبق - سيتنافى مع مبدأ تنفيذ الالتزامات بحسن نية وهو مبدأ عام لا يميز بين عقود مدنية أو إدارية، كما أنه يتناقض مع المستقر عليه في فقه وقضاء التحكيم التجاري الدولي من عدم جواز تنصل الدول أو الأشخاص العامة من شرط التحكيم الذي أدرجته في عقودها – استناداً إلى أية قيود تشريعية حتى وإن كانت حقيقية، كذلك فإن فتح الباب أمام الأشخاص العامة للتحلل من شرط التحكيم الذي أدرجته في العقد المبرم مع طرف أجنبي- قولاً منها بعدم جواز التحكيم في العقود الإدارية- من شأنه أن يهز ثقة المتعاملين مع تلك الجهات في مصداقيتها ويجلب أوخم الأضرار بفرص الاستثمارات الأجنبية ومشروعات التنمية.
وجدير بالذكر أن المادة الأولـى مـن قـانون التحكيم المصـري قد خولـت الـوزير المختص أو مـن يـتـولى اختصاصـه بالنسـبة للأشخاص الاعتبارية العامة سلطة توقيـع اتفـاق التحكــم فـي العقـود الإدارية وإذا لم تتوافر هذه الصفة فإن اتفاق التحكيم يكـون بـاطلاً. كمـا أكدت المادة على عدم التفويض في التوقيـع ومـن ثـم إذا تـم التفويض فإن اتفاق التحكيم يكون باطلاً.