الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم الإداري / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / أثر فكرة النظام العام على حكم التحكيم في منازعات العقود الإدارية / موقف المشرع المصري من اللجوء الى التحكيم في منازعات العقود الإدارية الدولية 

  • الاسم

    عبدالرزاق هاني عبدالرزاق المحتسب
  • تاريخ النشر

    2021-01-01
  • عدد الصفحات

    591
  • رقم الصفحة

    216

التفاصيل طباعة نسخ

موقف المشرع المصري من اللجوء الى التحكيم في منازعات العقود الإدارية الدولية 

   أشرنا عند الحديث من موقف المشرع المصري من التحكيم في العقود الإدارية الداخلية أن المادة الأولى من قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 أخضعت اي تحكيم يكون أطرافه من أشخاص القانون العام أو الخاص وأيا كانت العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع، وسواء كان التحكيم داخلي أو خارجي يجري خارج مصر لأحكام قانون التحكيم المصري. 

    وبالتالي يتضح لنا أن المشرع المصري لم يفرق بين التحكيم الداخلي والتحكيم الخارجي، وأخضعها لقانون التحكيم المصري، إلا أنه وضع معياراً لاعتبار التحكيم دولية، حيث أخذ المشرع المصري بالمعيار المختلط وذلك بأن يقع التحكيم خارج مصر وأن يرتبط بالتجارة الدولية، مراعية في ذلك أحدث النماذج المقررة دوليا في التحكيم لغايات جذب الاستثمارات الى مصر، وعلية نستطيع القول أن المشرع المصري يجيز لجوء الأشخاص المعنوية العامة الى التحكيم الدولي من حيث المبدأ، كما أن المشرع المصري أخضع التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي لأحكام قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994  الدولية ولم يخص التحكيم الدولي بتنظيم خاص يتناسب مع طبيعة العقود الدولية بالرغم من بعض الفروق التي تثير الجدل. 

   التقيد السابق أستحدثه المشرع المصري في القانون المعدل رقم 9 لسنة 1997 بالاضافة الى أن المشرع المصري ذكر في بداية المادة الأولى من قانون التحكيم مع عدم الإخلال بأحكام الإتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية..." مما يعني أن المشرع المصري منح الاتفاقيات الدولية قوة أعلى من القوانين العادية، وبالتالي فأن تقدير صحة اللجوء الى التحكيم يخضع أيضا للاتفاقيات الدولية التي يخضع حكم التحكيم لنطاق تطبيقها.

   ومع ذلك كان الأولى بالمشرع المصري وضع تنظيم قانوني خاص بالتحكيم الدولي، نظرا للطبيعة الخاصة للعقود الإدارية الدولية والآثار المترتبة عليها خصوصا عند تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي، حيث أن تطبيق نظام قانوني واحد على التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي مع اختلاف طبيعة كل منها سيؤدي حتما إلى مشكلات قانونية، صحيح أنه لا أهمية للتفرقة بين التحكيم الداخلي والدولي من حيث مشروعية لجوء الأشخاص المعنوية العامة الى التحكيم، ولكن تظهر المشكلة عند تنفيذ حكم التحكيم والآثار التي تترتب عليه. 

   والسؤال الذي يثور هنا: هل يجوز للدولة أن تتمسك بعدم صحة أتفاق التحكيم الدولي أستناداً الى قوانينها الوطنية؟ خصوصاً اذا تضمن نصاً يقيد اللجوء الى التحكيم او يحتوي على شرط مقيد للتحكيم كما فعل المشرع المصري بالقانون رقم 9 لسنة 1997، أو اذا تم التوقيع على شرط التحكيم من جهة غير مختصه بذلك ولا تملك السلطة بإبرام اتفاق التحكيم؟ هل يجوز للدولة أن تتحجج أو تتمسك ببطلان التحكيم استنادا الى الاخلال بقوانينها الوطنية؟ على اعتبار أن القوانين الوطنية هي التي تحدد الجهة صاحبة الاختصاص في توقيع شرط التحكيم وهي المسؤولة ايضا عن فرض حظر او قيد اللجوء الى التحكيم؟

   في البداية لا بد من الإشارة الى أن الأتفاقيات الدولية لم تتضمن نصوص توضح الأثر المترتب على قيام الدولة أو اشخاصها العامة بالتمسك بعد صحة أتفاق التحكيم لتعارضه مع القوانين الداخلية بعد الاتفاق في العقد المبرم مع أحد الأشخاص الأجنبية الخاصة على حل المنازعات الناشئة عن تنفيذ العقد عن طريق التحكيم، كما فعل المشرع المصري الذي أوجد قيدا على اللجوء الى التحكيم يتمثل بموافقة الوزير المختص أو من يقوم مقامه على اتفاق التحكيم.

   صحيح ان هذا قيد أجرائي لدخول الدولة أو أحد أشخاص القانون العام طرفا في اتفاق التحكيم له قيمته بالنسبة للعقود الإدارية الداخلية ويترتب عليه عدم صحة التحكيم أو إبطال حكم التحكيم، ولا يثير هذا القيد اي خلاف بالنسبة للتحكيم الداخلي، إلا أن الأمر مختلفا تماما فيما يتعلق بالعقود الإدارية الدولية على اعتبار أن عقود الدولة الإدارية تكون مستنده في الغالب الى إتفاقيات دولية تتضمن نصوصاً لتسوية المنازعات الناشئة عن تلك العقود عن طريق التحكيم دون أن تمتلك الدولة الحق بقبول التحكيم من عدمه، حتى مع تخلف شرط الموافقة الأجرائية المسبقة.

   ويرى بعض الفقه وتأسيساً على قاعدة انه لا يجوز للشخص السعي في نقض ما قبله وإلا كان سعيه مردودة عليه، أن التمسك ببطلان شرط التحكيم الذي قبلته سلفاً لمخالفته شرط إجرائية في القانون الداخلي يعد أمرا غير مقبول، ويخالف ما أستقر عليه قضاء التحكيم الدولي من عدم جواز تحجج الدولة بمخالفة التشريعات الداخلية للأنسحاب من اتفاق التحكيم، حيث لا يجوز التحايل على اتفاق التحكيم بإثارة دفوع مستمده من القانون الوطني للطرف المتعاقد، ويترتب على ذلك بأن يبقى أتفاق التحكيم المتعلق بالعقود الإدارية صحيحاً حتى ولو لم يتم الحصول على موافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصة بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة.

   ولكن ما هو الأثر المترتب في حال عدم الحصول على الموافقة من الوزير المختص أو من يقوم مقامه في اللجوء الى التحكيم في العقود الإدارية الدولية؟ وما مدى ذلك على صحة التحكيم؟

   المتتبع لأحكام التحكيم الدولية يستطيع ملاحظة أن قرارات هيئات التحكيم تتجه الى عدم قبول الدفع ببطلان التحكيم بسبب مخالفتها للقوانين الوطنية، حيث أن هذا الأمر لا يتوافق مع متطلبات النظام العام الدولي، وأتفق عدد من الفقه على هذا التوجه خصوصا أن العقود الإدارية الدولية تكون مستنده بالعادة الى إتفاقيات دولية نصت على اللجوء الى التحكيم لحل المنازعات الناشئة عن هذه العقود، كما وان اللجوء الى التحكيم في مثل هذه المنازعات من مصلحة الدولة خصوصاً ان حل النزاعات بالتحكيم يسهم في تطوير الاقتصاد وجلب الأستثمارات للدولة، بالاضافة الى ذلك أوجب المشرع المصري في المادة الأولى منه مراعاة الأحكام والاتفاقيات الدولية في هذا المجال.

   وتطبيقا لذلك أقرت محكمة القضاء الإداري المصري ببطلان شرط التحكيم ووقف إجراءات التحكيم أمام مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري، حيث جاء في حيثيات الحكم "بأن أشتراط أن يكون الوزير المختص هو من يوافق على اتفاق التحكيم في العقود الإدارية حسبما ذكرت الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون، هو تحديد قانوني لمن تتوافر فيه صفة التصرف بإمضاء اتفاق التحكيم في الحالة المخصوصة المتعلقة بهذا الجنس من العقود، وإن جزاء عدم توافر الصفة القانونية المشروطة هو عدم جواز الاتفاق، ومن المتعارف عليه أن الاتفاق يغدو باطلا لا أثر له اذا تخلف شكل أوجبه القانون، أو انعدم احد أركانه الثلاثة وهي الرضا والمحل والسبب، أو إذا تخلف احد الشروط التي اعتبرها المشرع لأي من هذه الأركان الثلاثة، ومن ذلك ما أوردته الفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون التحكيم متعلقة بوجود موافقة الوزير المختص، وحيث انه تطبيقا لما تقدم كان ثابت بالأوراق أن الوزير المختص يوافق على شرط التحكيم الذي تضمنه العقد محل المنازعة الماثلة، بما يعني أن هذا الشرط وقع باطلاً بطلاناً مطلقاً، وبما يعيد لهذه المحكمة ولايتها بالفصل في موضوع الدعوى باعتبارها من منازعات العقود الأدارية".

   وبناءاً على ما سبق لابد للمشرع المصري من التدخل بنص صريح يحسم فيه الخلاف حول مسألة بطلان أتفاق التحكيم في منازعات العقود الإدارية الدولية في حال عدم تحقق الشروط القانونية المنصوص عليها في القوانين الوطنية، كما لا يفوتنا الإشارة الى ان هذه المشكلة لا تظهر إلا في الحالات التي يطبق فيها قانون التحكيم المصري على القضايا التحكيمية والتي حددتها المادة الأولى من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994، أما اذا خضع التحكيم لقانون آخر غير القانون المصري فلا مجال لإثارة هذه القضية.