التحكيم / التحكيم الإداري / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / أثر فكرة النظام العام على حكم التحكيم في منازعات العقود الإدارية / التحكيم في منازعات العقود الإدارية
أدى التسارع في تحول وظيفة الدولة من الدولة الحارسة الى الدولة المتدخلة بمختلف جوانب الحياة ومنها الجانب الاقتصادي، الى ضرورة إتباع أساليب جديدة تتمكن الدول من خلالها مواكبة وظيفتها المعاصرة وتأمين متطلبات الحياة العامة وضمان إستمرارية عمل المرافق العامة بانتظام وإظطراد.
وبطبيعة الحال تعتبر العقود الإدارية من اهم الوسائل التي تستخدمها الدولة لتأمين إحتياجاتها المجتمعية، ولتأمين الموارد التي يمكن من خلالها ضمان استمرارية المرافق العامة، ونظراً لاتساع دور الدولة وتطور وظائفها فقد لجأت الدول الى التعاقد مع أشخاص القانون الخاص لتحقيق أهدافها وتوفير احتياجاتها وتوفير مواردها وجلب الاستثمارات وتنمية الأموال.
هذا التطور في دور الدولة ودخولها بعلاقات قانونية سواء داخلية أو خارجية كانت في السابق تقتصر على أشخاص القانون الخاص، أدى الى نشوء مشكلة تتعلق باعتماد التحكيم كأسلوب لفض المنازعات في العقود الإدارية خصوصا في العلاقات الدولية والتي يفضل فيها المستثمر الأجنبي عدم الخضوع للقضاء الوطني للدولة المتعاقد معها نظراً لما لذلك من إجراءات معقده وطويلة، بل انه يفضل اللجوء الى التحكيم لما يمتاز به من سرعة وسرية في حسم الخلافات.
ولقد أضطرت الدول ولغايات إتمام التعاقد مع المستثمرين الأجانب على الموافقة للجوء الى التحكيم كوسيلة لفض المنازعات الإدارية، لابل آن الدول وضعت تشريعات تجييز بشكل أو بآخر اللجوء الى التحكيم كوسيلة لفض المنازعات في العقود الإدارية، بهدف تشجيع المستثمرين على التعاقد معها بمشاريع تحقق النفع الاقتصادي وتضمن تقديم الخدمات العامة لمواطنيها.
إلا أن اللجوء الى التحكيم في منازعات العقود الإدارية والتي تعتبر فيها الإدارة صاحبة سلطة وسيادة خصوصا في تلك الدول التي تأخذ بالنظام القضائي المزدوج، أدى الى نشوء خلاف حول إمكانية اللجوء الى التحكيم في منازعات العقود الإدارية، لما يتمتع به العقد الإداري من طبيعة خاصة وإرتباط القواعد القانونية التي تحكم العقد الإداري بالنظام العام، كما أن القضاء الوطني استشعر خطورة هذه المسألة نظرا لتعلق الأمر بأعتبارات السيادة وارتباطها بقواعد النظام العام.
نتيجة لذلك أتجه الباحثين والمشرعين الى دراسة التحكيم في العقود الإدارية منذ لحظة إبرام اتفاق التحكيم مروراً بإجراءاته ونفاذه وانتهاء بالاعتراف به وتنفيذ الحكم التحكيمي.
وفي محاولة منا لتوضيح أثر فكرة النظام العام على حكم التحكيم في العقود الإدارية كان لازماً علينا البحث في موضوع التحكيم في العقود الإدارية وهو ما سنقوم به في هذا الباب، حيث سنقوم بتوضيح الجوانب النظرية والقانونية العامة للتحكيم، ثم توضیح التنظيم القانوني للتحكيم في العقود الإدارية، وبعدها سنبحث في آثار حكم التحكيم الإداري وكيفية تنفيذها.