الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم الإداري / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / دور التحكيم في فض المنازعات الإدارية ( دراسة مقارنة ) / موقف قضاء التحكيم

  • الاسم

    محمد عبدالتواب عبدالحسيب
  • تاريخ النشر

    2021-01-01
  • عدد الصفحات

    732
  • رقم الصفحة

    239

التفاصيل طباعة نسخ

موقف قضاء التحكيم

    وفيما يتعلق بموقف قضاء التحكيم، فنجد أيضاً أن مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي قد تضاربت أحكامه بخصوص الجزاء المترتب على اتفاق التحكيم دون الحصول على موافقة الوزير أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، فتارة نجده يقرر البطلان كنتيجة لعدم الحصول على هذه الموافقة باعتباره من الإجراءات الجوهرية، وتارة أخرى نجده يرفض تقرير البطلان لعدم وجود نص صريح من المشرع.

   فقد رتب المركز - في أحد أحكامه - البطلان كجزاء على تخلف الصفة في الموافقة على اتفاق التحكيم حيث قضى بأن عدم موافقة الوزير المختص على اتفاق التحكيم أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة يرتب بطلان اتفاق التحكيم، ومن ثم تنحسر ولاية هيئة التحكيم عن نظر هذا النزاع، ولا تكون مختصة بالفصل فيه. 

رأي الباحث. 

     يتفق الباحث مع الرأي القائل بأن يقتصر تقييد المشرع للأشخاص المعنوية في اللجوء إلى التحكيم على موافقة الممثل القانوني للجهة الإدارية بدلا من موافقة الوزير المختص أو من يقوم مقامه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، طالما أن القانون قد أسند صفة النيابة اليه، وهو ما قضت به محكمة النقض في أحد أحكامها الحديثة جدا في جلستها بتاريخ 2021/1/18 حين قررت بأن " الأصل أن الوزير هو الذي يمثل وزارته فيما ترفعه الوزارة والمصالح والإدارات التابعة لها أو يرفع عليها من دعاوى وطعون إلا إذا منح القانون الشخصية الاعتبارية لجهة إدارية معينة أو أسند صفة النيابة إلى غير الوزير فتكون له عندئذ هذه الصفة في الحدود التي يعينها القانون، ولما كان المشرع لم يمنح الشخصية الاعتبارية المصلحة الجمارك فإن وزير المالية يكون هو دون غيره من موظفيها الذي يمثلها فيما ترفعه أو يرفع عليها من دعاوى وطعون، ومن ثم فإن الطعن يكون غير مقبول لرفعه على غير ذي صفة بالنسبة للمطعون ضده الثاني بصفته رئيس مصلحة الجمارك". وهو الأمر الذي يتطلب تعديلاً من المشرع النص القانون فمن المسلم به أن الشخص الاعتباري يستحيل عليه أن يباشر نشاطه بنفسه إلا من خلال أشخاص طبيعيين يقومون بتمثيله والعمل باسمه ولحسابه. كذلك فالممثل القانوني لأي جهة إدارية يكون الأجدر من غيره على حسن اتخاذ قرار اللجوء إلى التحكيم كما أنه لا يمثل السلطة التنفيذية، فلا مجال لاستغلال موافقته لإدخال الدولة طرفاً في التحكيم، مثلما حدث في القضية الشهيرة المعروفة بأسم " قضية هضبة الأهرام " حينما استغل المستثمر الأجنبي توقيع الوزير المصري على العقد باعتباره ممثلا للسلطة التنفيذية للدولة لإدخال الحكومة المصرية طرفا في التحكيم الأمر الذي أدى إلى إدانة مصر في القضية، وإلزام مركز تسوية منازعات الاستثمار في واشنطن بدفع مبلغ تعويض 27.6 مليون دولار أمريكي في 1992/5/20.

    ولكن ليس معنى هذا أن توقيع الوزير المختص أو عدمه أدى إلى خسارة مصر لكل القضايا التحكيمية فعلى النقيض من ذلك، فقد أدى عدم وجود توقيع الوزير المختص - وهو وزير الاستثمار - إلى إلغاء أحد الأحكام الصادرة من هيئات التحكيم وعدم الاعتداد بتوقيع المحافظ في هذا الشأن وهو ما قضت به المحكمة الإدارية العليا في أحد أحكامها الحديثة في الحكم الذي أثار ضجة إعلامية كبيرة فور صدوره عندما قضت بإلغاء حكم هيئة التحكيم بالقاهرة الصادر لصالح إحدى الشركات ضد الدولة ب۲۱ مليون جنيه، وإعادتها للدولة وألزمت الشركة المطعون ضدها المصروفات وأيدت طلب هيئة قضايا الدولة في المطالبة ببطلان التحكيم.

    حيث ذهبت المحكمة إلى: " أن المشرع في القانون رقم 21 لسنة 1994 في شأن التحكيم الاختياري نهج منهجاً ينبئ عن الالتزام بالمبادئ الأساسية لضمانات التقاضي في تنظيمه لأحكام البطلان على حكم التحكيم التي تقتصر فحسب على حالات البطلان التي قد تشوب حكم التحكيم والتي تدور في مجملها حول بطلان الاتفاق على التحكيم أو عدم صحة إعلان الخصوم أو مخالفة تشكيل هيئة التحكيم للقانون أو إذا فصل حكم التحكيم الإجباري في مسألة بخلاف المسألة محل النزاع، أو إذا وقع بطلان في حكم التحكيم أثر فيه كحكم قضائي، أو إذا شاب حكم التحكيم أو إجراءاته عيب جسيم يمثل إهدارا للعدالة يفقد الحكم مقوماته، أو إذا برز من الأوراق ما يقطع بأن حكم التحكيم شابه عوار صارخ نال منه كحكم قضائي ودفعه إلى دائرة البطلان بمدارجه المختلفة ليكون كالعدم سواء بسواء.

   وأضافت المحكمة أن المشرع في أحكام القانون رقم 12 لسنة 1977 بشأن إصدار نظام المنطقة الحرة لمدينة بورسعيد اتجه صوب غايات سامية مناطها النهوض بالتجارة المحلية وتوفير خدماتها والارتقاء بمستوى الاستثمارات الداخلية وتشجيع الخارجية منها وتسخير سائر الإمكانيات المادية | والمعنوية في سبيل تعزيز فرص الاستثمار وترسيخها كركن أساسي من اهتمامات الدولة ومحوراً جوهرياً لها، وانطلاقاً من هذه الغايات فقد استلزم المشرع أن تحديد سلطة إدارة المنطقة الحرة لمدينة بورسعيد بمجلس إدارة يشكل من محافظ بورسعيد رئيسا وعدد من الأعضاء، ثم أوجب اعتماد قرارات المجلس من الوزير المختص حتى تكون نافذة، والوزير المختص في مفهوم هذه المادة هو وزير الاستثمار.

   واستطردت المحكمة أن موضوع التداعي يتعلق بإنشاء وتنفيذ مشروع القرية المصيفية (رقم 2) وهو يندرج ضمن جملة المشروعات التي تتجه تطلعات المنطقة الحرة إلى تحقيقها والاستفادة منها وتحقيق مآربها في التنمية العمرانية من خلالها، وتستلزم موافقة من الوزير المختص على المشروع ككل حتى تصير صحيحة مكتملة أركانها القانونية ولا مراء في إن شرط اللجوء إلى التحكيم في هذا المشروع يستقيم من المسائل المرتبطة ارتباطا وثيقا بالموافقة على المشروع ككل كارتباط الفرع بالأصل باعتبار إن شرط التحكيم نص عليه في بند من البنود الواردة في صلب التعاقد المنشئ للمشروع، وبالتالي فإن ما يسود الموافقة على المشروع من أحكام يسود ويهيمن أيضا على مسألة اللجوء إلى التحكيم الوارد في عقد هذا المشروع.

    وأشارت المحكمة أنه إذا كانت مسألة اعتماد الوزير المختص لقرارات مجلس الإدارة بالموافقة على المشروع تستقيم أمراً وجوبياً بحكم القانون، فإن هذه المسألة تنسحب أيضا على تضمين العقد الخاص بهذا المشروع شرط اللجوء إلى التحكيم، وتضحى أيضا بحكم اللزوم أمرا وجوبا، وترتيبا على ذلك لا يجوز التعويل على هذا الشرط إذا جاء أجوفا خاليا من اعتماد الوزير متجرداً منه، فلا يستقيم صحيحاً مستوفياً سائر دعائمه وأركانه المختص القانونية إلا إذا كان متوجاً بهذا الاعتماد مستظة بظله، فإذا لم ينصب على شرط التحكيم اعتماد صادر من الوزير، فقد صار مهاجرا موجبات صحته وبات البطلان قرينه.

   وأوضحت المحكمة أن مسألة استئثار الوزير المختص وحده دون مجلس الإدارة بسلطة الموافقة على شرط التحكيم في العقود الإدارية التي تبرمها المنطقة الحرة ببورسعيد أمر مقطوع قانونا، وهذا المنحى يعاضده ويعززه نص الفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون التحكيم التي تنص على أنه: "وبالنسبة إلى العقود الإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك". فالمشرع في هذا النص فطن إلى مبلغ أهمية تضمین العقود الإدارية بنداً يفيد ولوج طريق التحكيم عوضاً عن اللجوء لمحاكم مجلس الدولة في حالة نشوب نزاع مع المتعاقد مع الجهة الإدارية وأدرك عظيم الأثر المترتب على هذا الطريق، فلم يرتض لسلطة أخرى غير الوزير بديلاً الاعتماده، ولم يحرر الجهات الإدارية من ربقة هذا الاعتماد الوزاري إلا في الجهات ذات الشخصيات الاعتبارية العامة التي يتولى اختصاصاتها مسئول يملك اختصاصات الوزير، وهذه المسألة الأخيرة غير متحققة بالنسبة لمجلس إدارة المنطقة الحرة ببورسعيد وتنوء عن حملها اختصاصاته بحسبان أن مجلس الإدارة لا يتولى اختصاصات الوزير على استقلال فقراراته تستلزم اعتماد لاحق من وزير الاستثمار.

   واختتمت المحكمة أنه جفت الأوراق وشحت الدلائل عما يفيد اعتماد الوزير المختص وهو وزير الاستثمار على اتخاذ اللجوء إلى التحكيم سبيلا في فض النزاع الذي ينشأ بين الطرفين قبل انعقاد العقد أو حتى بعده وجاء توقيع محافظ بورسعيد على هذا النحو دونما اعتماد من وزير الاستثمار يظاهره، ومن ثم فإن البند المذكور - دون باقي بنود العقد - جاء باطلا فيما تضمنه من الاتفاق على التحكيم لافتقاده إجراء جوهرياً، وترتيبا على ذلك وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه صادر من هيئة التحكيم نزولا على البند المذكور، فمن ثم أضحى الحكم الطعين باطلاً عملاً بحكم الفقرة (أ) من المادة (53).