الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم الإداري / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / دور التحكيم في فض المنازعات الإدارية ( دراسة مقارنة ) /  قراءة حول نص المادتين 83، 1004 من قانون الإجراءات المدنية القديم الصادر 1706

  • الاسم

    محمد عبدالتواب عبدالحسيب
  • تاريخ النشر

    2021-01-01
  • عدد الصفحات

    732
  • رقم الصفحة

    123

التفاصيل طباعة نسخ

 قراءة حول نص المادتين 83، 1004 من قانون الإجراءات المدنية القديم الصادر 1706

     بتاریخ 24 إبريل سنة 1806 صدر قانون الإجراءات المدنية، ونظم المشرع فيه التحكيم الاختياري فقط في مواده من (1005- 1028)، وبالتأمل تحديداً في نص المادة 1004 من هذا القانون نجد أنها نصت على عدم جواز التحكيم في المنازعات التي يجب إبلاغها إلى النيابة العامة، حيث كانت المادة 83 من ذات القانون قد حددت المنازعات التي يجب إبلاغها للنيابة العامة وهي التي تتعلق بالنظام العام وبالدولة وبالدومين والبلديات والمؤسسات العامة، وحظرت اللجوء إلى التحكيم في المنازعات التي تخص تلك الهيئات ويعتبر هذا النص التشريعي هو أول نص تشريعي صريح يحظر فيه على الأشخاص العامة اللجوء إلى التحكيم. 

   ويستفاد من نص المادتين 83، 1004 أن النص الوارد فيهما، والذي يحظر على الأشخاص العامة اللجوء إلى التحكيم له علاقة مباشرة بالإجراءات الخاصة الواجب اتباعها في تلك الدعاوى وهو إبلاغ النيابة العامة، وكذلك علاقته بأطراف الدعوى، وهما الدولة أو أحد الأشخاص العامة فيها.

    وهنا يثور التساؤل عما إذا كان أحد أطراف النزاع هم أطراف أخرى غير الواردة بنص المادة 83 ، فهل يجوز لهم اللجوء إلى التحكيم ؟. وذلك على اعتبار أن المشرع قد حدد في نص المادة 83 ، الأشخاص المعنوية العامة التي يحظر عليهم اللجوء إلى التحكيم على سبيل الحصر لا المثال حيث لم يستند المشرع إلى تقسيم قانوني معين أو أنواع قانونية معينة سواء كانت تلك الأطراف موجودة بالفعل وقت وضع قانون الإجراءات المدنية القديم أو كانت غير موجودة وقت صدوره. 

   بيد أن بعض الفقهاء انتقد نص المادة 83 سالفة الذكر والتي حددت الأشخاص المعنوية العامة التي لا يجوز لها اللجوء إلى التحكيم على سبيل الحصر، وبالتالي تجاهلت الأشخاص العامة الأخرى التي لم تكن تتمتع بالشخصية المعنوية آنذاك، فالمقاطعات -على سبيل المثال - اكتسبت الشخصية المعنوية بمقتضی فتوی صادرة عن مجلس الدولة بتاريخ 7 أغسطس 1843، أي بعد مرور قرابة الثمانية وعشرين عاماً من صدور قانون الإجراءات المدنية القديم. رغم ذلك قرر مجلس الدولة من سريان الحظر الوارد في نص المادتين سالفتي الذكر إلى المقاطعات تأسيساً على عدم إمكانية مخالفة قواعد الاختصاص المحددة بواسطة القانون.

    أما بالنسبة للقضاء العادي وموقفه من نص المادتين المشار إليهما، نجد أن القضاء العادي الفرنسي اعتمد أيضا على هذه النصوص التشريعية لحظر لجوء الدولة أو أحد أشخاص القانون العام إلى التحكيم، وذلك بالنسبة للتحكيم الداخلي فقط دون التحكيم الدولي . وهو ما أكدت عليه محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر في 10 إبريل 1957 ، بقضية " Myrtoon Steamship " حين قررت أن حظر التحكيم الوارد في نصوص قانون الإجراءات المدنية يشمل التحكيم الداخلي فقط دون التحكيم الدولي وأنه يستفاد من عبارات المادة

1004 من قانون المرافعات المدنية أن تحريم التحكيم بالنسبة للهيئات العامة يستند فقط على الحصانة الخاصة التي يستفيد منها لدى القضاء الفرنسي، وأن الدولة تستطيع أن تتنازل مقدما عن هذه الحصانة، وذلك بقبول اختصاص القضاء الأجنبي وعليه فإن التحريم المستفاد من نص المادة 1004 لا يتعلق بالنظام العام الدولي، بالإضافة إلى أن نص المادة 1009 من قانون الإجراءات المدنية سالفة الذكر لم تنظم سوى مسألة إجرائية ولا يمكن أن يكون هدفها الفصل في المنازعات الإدارية التابعة للقضاء الإداري". 

    وفي نهاية استعراض نص المادتين 83 ، و 1004 هناك سؤال يطرح نفسه خلال تلك الفترة الزمنية، وهو كيف تمسك مجلس الدولة الفرنسي في ذلك الوقت بتطبيق هذه النصوص التشريعية الخاصة، ويقوم بتطبيقها في مجال القانون العام، ويحظر من خلالها على الدولة وأشخاص القانون العام الأخرى اللجوء إلى التحكيم في حين أن القضاء العادي – الذي هو ملزم أساسا بتطبيق قواعد القانون المدني - حاول الخروج على تلك النصوص بإجازة التحكيم في العقود الدولية ؟

   الواضح أن للعقود الإدارية الدولية دوراً هاماً في اقتصاديات الدول النامية والمتطورة على حد سواء، وذلك لارتباط الدول في كثير من الأحيان باتفاقيات ثنائية أو جماعية تهدف لحماية تنظيمها من خلال إبرام العقود بينهم البعض، أو أحد رعايا الدولة الأخرى. وتعد هذه العقود ذات أهمية قصوى بالنسبة للدول الآخذة في النمو، لأنها تعد في الكثير من الأحيان الركيزة التي من خلالها يتم بناء هياكلها الاقتصادية وتنظيم بنيتها الأساسية وإدارة مرافقها العامة، على نحو يجعل من هذه العقود عاملا حيويا ورئيسيا في تحقيق خطتها الاقتصادية.

  وفي ظل اعتقاد سائد لدى المستثمر الأجنبي بأن الأجهزة القضائية في الدولة لا تتمتع باستقلال كامل في مواجهة السلطة السياسية فيها، فضلا عن جهله بقواعد القانون المطبق بمعرفة هذه الأجهزة، بالإضافة إلى بطء إجراءات التقاضي، وعدم تجاوب الأنظمة القانونية الداخلية مع متطلبات التجارة الدولية، ومن هنا بات التحكيم في المنازعات الإدارية ضرورة ملحة، إذ يشترط المستثمر الأجنبي إدراجه ضمن بنود العقد،حتى يحقق له الطمأنينة في حالة نشوب نزاع مع الدولة المتعاقد معها، وذلك لصعوبة مثول الدولة أمام قضاء أجنبي أو قبول تطبيق قانون أجنبي عليها، هذا بالإضافة إلى أن التحكيم تشارك فيه الدولة في اختيار المحكمين، واختيار القانون الواجب التطبيق، وعليه فهو الوسيلة المثلى لحسم ما يثور من نزاع مع الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية الأخرى.

   ومن الأحكام القضائية الصادرة في هذا الشأن التي تؤكد هذا المسلك نجد أن القضاء العادي الفرنسي سواء في ذلك محكمة الاستئناف أم محكمة النقض قد أجازت التحكيم في مجال العقود الإدارية الدولية، وذلك لاعتبارات الصالح العام ومقتضيات التجارة الدولية ونزولاً على أعراف تلك التجارة، ومن أمثلة ذلك ما أصدرته محكمة النقض الفرنسية في حكمها في 14 ابريل 1994 والذي أكدت فيه أن: " التحريم الناتج عن المادتين 83 ،1004 من قانون المرافعات المدنية يتعلق فقط بالنظام العام الداخلي ولا يتعلق بالنظام العام الدولي، وبالتالي فإن المؤسسات العامة تستطيع كأي متعاقد خاص أن تبرم اتفاق تحكيم عندما يأخذ العقد طابعا دوليا" .