الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم الإداري / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / التحكيم في المنازعات التي تكون الدولة طرفا فيها (في النظامين السعودي والمصري) / صور اتصال العقد بالمرفق العام

  • الاسم

    محمود احمد عبدالسلام احمد نقي الدين
  • تاريخ النشر

    2019-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    466
  • رقم الصفحة

    377

التفاصيل طباعة نسخ

صور اتصال العقد بالمرفق العام

   من خلال تتبع القضاء في فرنسا والقضاء الإداري المصري، يتضح أن مسألة اتصال العقد الإداري بالمرفق العام، تتخذ صوراً متعددة في التطبيق العملي، وهي كالآتي:

   (۱) إذا كان العقد يشكل تنفيذاً للمرفق العام ذاته:

   في تلك الصورة يقوم المتعاقد مع الإدارة بتنفيذ المرفق العام ذاته. والمثال الواضح في قضاء مجلس الدولة الفرنسي على تلك الصورة هي قضية Epoux Bertin في ٢٠ أبريل سنة ١٩٥٦ التي اعترف المجلس بالصفة الإدارية للعقد المبرم بين الزوجين Bertin وجهة الإدارة الفرنسية على أساس أن موضوع العقد يشكل تنفيذا للمرفق العام ذاته من جانب المتعاقد مع الإدارة.

   وتخلص وقائع القضية في أنه تم إبرام شفهي Contrat Verbal بين الحكومة الفرنسية والزوجان Bertin ، بمقتضاه يتعهد الزوجان بتقديم الطعام إلى الرعايا السوفيت الفارين إلى الأراضي الفرنسية عام ١٩٤٤ ، في مركز اللاجئين الذي أنشأته الحكومة الفرنسية لهم، في مقابل دفع مبلغ مالي كل يوم عن كل فرد من اللاجئين. وإثر زيادة عدد وجبات الطعام لزيادة عدد الفارين، طالب الزوجان Bertin من المركز بدفع مقابل تنك الزيادة، إلا أن المركز رفض مما اضطر معه الزوجان إلى رفع دعوى أمام مجلس الدولة بمطالبة الحكومة بدفع تلك المبالغ فدفعت الحكومة بعدم اختصاص المجلس بنظر الدعوى، لأنه عقد من عقود القانون الخاص لعدم احتوائه على أية شروط استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص، إلا أن المجلس قرر اختصاصه بالدعوى على أساس أن العقد يمثل أو يشكل تنفيذاً للمرفق العام ذاته من جانب المتعاقد مع الإدارة ، وهذا يكفي لإسباغ الصفة الإدارية على العقد، بغض النظر عن عدم احتوائه لشروط استثنائية.

   وأهم ما يمكن ملاحظته على هذا الحكم هو أنه جعل من هذا الشرط (أي تنفيذ مرفق عام في ذاته، وحده معياراً حاسماً لإسباغ الصفة الإدارية على العقد، دونما البحث عما إذا كان العقد يتضمن شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص.

  وقد أقرت هذا الاتجاه محكمة تنازع الاختصاص ومجلس الدولة الفرنسي

   (۲) إذا كان العقد يشكل طريقة من طرق تنفيذ المرفق العام:

   وقد قرر مجلس الدولة الفرنسي هذا المبدأ في ۲۰ ابريل سنة ١٩٥٦ – ذات تاريخ تقرير المبدأ السابق في قضة Epoux بمناسبة قضية .Grimouard . وتتلخص وقائع القضية في أنه قد تم إنشاء مرفق عام يقوم بمهمة الحفاظ على الغابات الفرنسية وتحسين استغلالها في عام ١٩٤٦، وبناء على هذا القانون، قامت إدارة الماء والغابات الفرنسية بإبرام عدة عقود مع ملاك الأراضي التي يتم فيها عمليات التشجير أو إعادة التشجير، وفي أثناء القيام ببعض عمليات إعداد الأرض، انطلقت شرارة من أحد الجرارات، فحرقت بعض الممتلكات. وعلى الرغم من أن الأمر يتعلق بممتلكات خاصة، فقد اعتبرها المجلس من عقود الأشغال العامة، والتي تتميز بخصائص العقود الإدارية، على أساس أنها تشكل طريقة من طرق تنفيذ المرافق العامة، بقطع النظر عن احتوائها شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص من عدمه .

   وأهم ما يمكن ملاحظته مما سبق، أن مجلس الدولة الفرنسي في قضية (Grimouard) قد انتهى إلى ذات النتيجة التي انتهى إليها في قضية (Bertin)، مع خلاف في الصياغة والعبارات التي استخدمها للوصول إلى ذات النتائج من حيث كون العقد إدارياً في قضية Bertin على اعتبار أنه يشكل تنفيذا لمرفق عام في ذاته "L'execution meme du service .public"

  هذا من جانب، ومن جانب آخر أن كلتا القضيتين اعتبرتا أن المعيار السابق وحده يكفي لإسباغ الصفة الإدارية على تلك العقود، دون ثمة حاجة للبحث عما إذا كان العقد يتضمن شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص.

(3) إذا كان العقد يشكل مساهمة أو مشاركة فى تنفيذ مرفق عام:

   ويلاحظ من خلال تتبع القضاء الفرنسي في مسألة تحديد طبيعة عمل المتعاقدين مع الإدارة، نجد أن هناك تبايناً في اتجاهات القضاء، في حيث ذهبت محكمة التنازع إلى أن العقد المبرم بين إحدى الكليات وأحد الأشخاص الخاصة للعمل في مقصفها .

   بل تطور التردد إلى أكثر من ذلك ففي حين ذهبت محكمة التنازع في حكمها الصادر في ٣٠ يوليو سنة ۱۹۹۰ ، إلى اعتبار عقد الطاهي في دار المسنين من عقود القانون العام ، وذهبت في حكم آخر بعد عام تقريباً في ٤ نوفمبر سنة ١٩٩١ إلى اعتبار عقد العمل في المستشفيات العامة من عقود القانون الخاص، على أساس أنه لا يشكل مساهمة في تنفيذ مرفق عام .

   وأخذت محكمة التنازع بالمفهوم السابق وطبقته في حكمها الصادر في ٢٥ مارس سنة ۱۹۹٦ ، وذهبت إلى أنه: "... تعد مجموعة الموظفين غير النظاميين، والذين يعملون لحساب مرفق عام إداري من قبيل الموظفين العموميين مهما تكن طبيعة وظيفتهم .

   وقد تأكد هذا في القضاء من مجلس الدولة في ٢٨ مايو سنة ٢٠٠٣ قضية "Assistance publique hopitaux de paris".

  ونحت محكمة التنازع الفرنسية إلى ذات الاتجاه، بمقتضى حكمها الصادر في ٢٣ نوفمبر سنة ۱۹۹۸، بمناسبة عقد موضوعه عقد توريد دوائر تلفزيونية لمراقبة المحتجزين داخل أماكن الحجز "Fourniture de "televiseurs aux Pensionnaites d'une maison d'arret، وذلك على أساس أن هذا النشاط يشكل مساهمة في تسيير مرفق عام.

   وفي حكم حديث لمحكمة التنازع الفرنسية في ٢١ مايو سنة ٢٠٠٧، نفت الصفة الإدارية عن ذات موضوعات العقود التي سبق وأن استقر قضاء مجلس الدولة وقضائها السابق على اعتبارها عقوداً إدارية. واستندت في حيثيات حكمها إلى أن تلك العقود لا تمثل مساهمة في تسيير مرفق عام، كما أنها أيضاً لا تحتوي شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص.

   وخلاصة القول أن القضاء الإداري يقيم أحكام القانون الإداري على فكرة المرفق العام. ولما كانت العقود الإدارية تقوم في الأساس على أحكام استثنائية، لذلك يجب أن يكون لها مبررها؛ وهو أن تكون تلك العقود ذات صلة وثيقة بأحد المرافق العامة.

ثالثاً: اختيار المتعاقدين لوسائل القانون العام

   فقد أظهر مجلس الدولة هذه الحقيقة في أحكامه العديدة وعلى سبيل المثال ا ذهبت إليه محكمة القضاء الإداري من أن: ".... علاقة العقد بالمرفق العام إذا كانت ضرورية لكي يعتبر العقد إدارياً، فإنها ليست مع ذلك كافية لمنحه تلك الصفة، اعتباراً بأن قواعد القانون العام ليست ذات علاقة حتمية بفكرة المرفق العام، إذ أنه مع اتصال العقد بالمرفق العام، فإن الإدارة قد تلجأ في إبرامه إلى أسلوب القانون العام لما تراه من مصلحتها في العدول عن ذلك إلى أسلوب القانون الخاص، فتتبع في شأنه ما يتبعه الأفراد في تصرفاتهم الخاصة ومن ثم فإن المعيار المميز للعقود الإدارية ليس هو صفة المتعاقد، بل موضوع العقد نفسه متى اتصل بالمرفق العام على أية صورة من الصور ... مشتركاً في ذلك وعلى درجة متساوية مع الشروط الاستثنائية غير المألوفة في العقد.... .

 وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية العليا في جميع أحكامها التي أثير فيها نقاش حول طبيعة العقد الإداري ، حال انطواء العقد على شروط استثنائية للتوصل إلى إثبات الصفة الإدارية للعقد أو نفيها عنه .

   ويبدو أن ذلك كان نتيجة ما لحق القانون الإداري من تطور، منذ عقود زمنية، فهو في أول الأمر كان يقوم على فكرة المرفق العام كلية، فكانت قواعد القانون الإداري ذات علاقة حتمية بفكرة المرفق العام، وقت أن كانت المرافق العامة مقصورة على المرافق الإدارية وحدها. ومن ثم فقد كان يكفي مجرد اتصال العقد بمرفق عام حتى يكون إدارياً. 

محكمة القضاء الإداري، الدعوى رقم ۲۲۳ لسنة ١٠ق، في ١٦ ديسمبر سنة ١٩٥٦،

المجموعة في ١٥ عاماً، سابق الإشارة، ص١٨٥٣.

  يرجع على سبيل المثال أحكام الإدارية العليا: الطعن رقم ۷۳۲ لسنة ٢٨ق. ع، في ١٩٨٨/٥/١٤ ، س ۳۳ ، ص ٦٦؛ الطعن رقم ٤١٠٥ لسنة ٤٣ ق . ع ، في ٢٠٠٠/٣/٢١، غير منشور ؛ الطعن رقم ٣٠٩٦ لسنة ٤٥ ق . ع ، في ۲۰۰/۳/۱۹، غیر منشور؛ الطعن رقم ۱۳۸۳۷ لسنة ٥٠ ق. ع، في ٢٠٠٨/٤/١٥، غير منشور في الحكم الأخير نفت المحكمة عن العقد الصفة الإدارية، لعدم احتوائه على شروط استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص.

ماهية الشروط الاستثنائية غير المألوفة في القانون الخاص

   إلا أنه يلاحظ أن القضاء والفقه لم يقدما تعريفاً جامعاً مانعاً لتلك الشروط. ولعل ذلك يرجع إلى عوامل عديدة منها ما درج عليه قضاء مجلس الدولة الفرنسي من الاختصاص الشديد في صياغة أحكامه كما سبق ذكره وكذا عدم الاستقرار على معيار عام يتحدد على أساسه الشروط الاستثنائية غير المألوفة، ففي حين يذهب القضاء في حالات إلى اعتبارات شروط ما من قبيل الشروط الاستثنائية، يرفضه في أحكام أخرى، ومن أبرز تلك الصور الشروط الإحالة إلى دفتر الشروط العامة.

   ومن جانبه حاول مجلس الدولة الفرنسي تقديم تعريف للشروط الاستثنائية، ولعل أهم تلك الأحكام ما جاء في قضية "Stien" في ۲۵ أكتوبر سنة ١٩٥٠ ، الذي جاء فيه أن تلك الشروط هي التي: تمنح أحد المتعاقدين حقوقاً أو تحمله التزامات غريبة في طبيعتها عن تلك التي يمكن أن يوافق عليها من يبرم اتفاقاً في نطاق القانون المدني أو التجاري"

   ومن جانبها ذهبت محكمة التنازع الفرنسية إلى تعريف الشروط الاستثنائية في قضية "de combustibles في ۱۹ يونيه سنة ١٩٥٢ بأنه: هي تلك الشروط التي لا يمكن مصادفتها عادة في العقود المبرمة وفقاً لأحكام القانون الخاص.

ثانياً: صور الشروط الاستثنائية غير المألوفة في القانون الخاص

    مما سبق ذكره تبين لنا أن فكرة الشروط الاستثنائية منذ ظهورها في أحكام مجلس الدولة الفرنسي ورددتها أحكام القضاء الإداري المصري، واجتهادات الفقه في كل من فرنسا ومصر لوضع معيار جامع مانع لتلك الشروط، إلا أنها لم تسفر عن وضع فكرة الشروط الاستثنائية في إطار محدد، لذا حاول الفقهاء في كل من فرنسا ومصر ردها إلى أفكار وصور رئيسية، أهمها ما يلي:

1- الشروط التي تتضمن امتيازات للإدارة في مواجهة المتعاقد معها:

ومنها على سبيل المثال: ما تضمنه الإدارة عقودها من حقها في تعديل التزامات المتعاقد معها سواء بالنقص أو الزيادة دون الحصول على موافقة المتعاقد معها، وسلطة التدخل للإشراف على التنفيذ بإعطاء بعض التوجيهات والتعليمات للمتعاقد معها، بما فيها تغيير طريقة التنفيذ، أو وقف التنفيذ مؤقتاً ومن تلك الامتيازات ما يخول جهة الإدارة حق توقيع عقوبات على المتعاقد معها في حالة إخلاله بالتزاماته دون حاجة وقوع ضرر أو الالتجاء إلى القضاء بل تملك أكثر من ذلك وهو حق فسخ العقد أو إنهائه بإرادتها المنفردة دون حاجة لرضا الطرف الآخر أو إعذاره أو اللجوء إلى القضاء .

۲ - الشروط التي تخول المتعاقد مع الإدارة سلطات استثنائية في مواجهة الغير

 كما نجد بعض مظاهر السلطة العامة تظهر في عقد الامتياز، منها على سبيل المثال: تخويل جهة الإدارة الملتزم حق أو سلطة استعمال واستغلال الدومين العام بطريقة تجعله صاحب احتكار فعلي، وتلك الشروط تؤدي بالتبعية إلى تقييد حرية المشروعات المنافسة. فغالباً ما تلتزم جهة الإدارة في تلك العقود، بالامتناع عن منح أو إعطاء تراخيص أو تصاريح للغير لشغل الدومين العام.

3- الإحالة إلى دفاتر شروط معينة:

    من المقرر أن جهة الإدارة تقوم بإعادة شروط موحدة ونمطية لكل نوع من أنواع العقود الإدارية مسبقاً، يطلق عليه دفتر الشروط"، وتضمن عقودها بنداً يشير صراحة إلى الإحالة إلى تلك الدفاتر ، ومن ثم يصبح جزءاً من العقد الإداري بعد إبرامه، إلى جانب الشروط الخاصة التي يتفق عليها المتعاقد مع الإدارة. ويثور التساؤل هنا هل تعد الإحالة إلى تلك الدفاتر بمثابة شرط استثنائي غير مألوف على العقد الصفة الإدارة لاسيما لو لم يرد بالعقد أي شرط غير مألوف؟

   لما كان الأصل هو إضفاء الصفة الإدارية على العقد، إذا كان يتضمن شرطاً أو شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص، وذات القاعدة يمكن تطبيقها على مسألة الإحالة إلى دفتر شروط معينة، فإذا كان الدفتر يحتوي على شروط استثنائية وغير مألوفة، فلا شك في أن العقد يصبح إدارياً، لأن الإحالة إلى دفتر معين يجعل تلك الشروط الواردة به جزءاً لا يتجزأ من العقد، وكأنها قد وردت به صراحة، وإما فلا، وهذا ما استقر عليه الفقه والقضاء في فرنسا ومصر.

  حكم مجلس الدولة في قضية "Roudier de la Brille" في 17 نوفمبر سنة ١٩٦٧،  وقضية Soc. Ateliers de nettoyage de" Fontainebleu في ٢٤ نوفمبر سنة ١٩٧٢.

    ثم عاد مجلس الدولة الفرنسي في عام ۱۹۸۱ إلى المبدأ المستقر قبل الحكمين السابقين وذلك في قضية "Commune de Borce" في ٢ أكتوبر سنة ۱۹۸۱ إلى تقرير أن مجرد الإحالة إلى دفتر الشروط العامة لا يضفي على العقد الصفة ،الإدارية إلا إذا كانت تلك الدفاتر تحتوي على شروط استثنائية.

   وقد تأكد هذا الاتجاه في قضاء حديث لمحكمة التنازع الفرنسية في قضية "Union de groupement d'achats publics" في 5 يوليو سنة 1999

   وخلاصة القول أن ما استقر عليه الفقه والقضاء ،الآن، أن مجرد الإحالة إلى دفتر الشروط العامة بذاته لا يمكن أن يصبغ العقد بالصبغة الإدارية، إلا إذا كان الدفتر المحال إليه يتضمن شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص، لأن الدفتر يعد في تلك الحالة جزءاً لا يتجزأ من العقد.

107