الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم الإداري / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / التحكيم في المنازعات التي تكون الدولة طرفا فيها (في النظامين السعودي والمصري) / دور التحكيم في العقود الإدارية

  • الاسم

    محمود احمد عبدالسلام احمد نقي الدين
  • تاريخ النشر

    2019-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    466
  • رقم الصفحة

    349

التفاصيل طباعة نسخ

دور التحكيم في العقود الإدارية

   فمن المبادئ الأساسية في عقد التحكيم ضرورة تطابق إرادة الخصوم ومن ثم فإن له نطاق لا يجب أن يتجاوزه، وهو ما اتفق الأطراف عليه من منازعات، بمعنى أنه إذا حصل اتفاق في العقد الإداري على عرض جميع المنازعات التي تنشأ عن تنفيذه أو تفسيره على محكمين، فإن هذا الاتفاق يشمل كل المنازعات التي تقع بين المتعاقدين بشأن التنفيذ أو التفسير، سواء وقت قيام العقد الإداري أو بعد انتهائه.

تعريف العقد الإداري ومعيار تمييزه في القانون المصري

   الإدارة تبرم عقوداً إدارية وليس كل عقد تبرمه الإدارة عقداً إدارياً يخضع لأحكام القانون الإداري ويختص بالفصل في منازعاته القضاء الإداري. وإنما يقتصر على فئة خاصة من العقود الإدارية يطلق عليها "العقود الإدارية" ولا توجد نصوص تشريعية سواء في فرنسا أو مصر تعرضت لتحديد مفهوم العقود الإدارية.

فكرة العقد الإداري بتحديد القانون المصري والفرنسي

   يثور التساؤل دائماً حول ماهية العقد الإداري وكيفية تحديده وفقاً للقانون المصري والفرنسي.

    عندما ينص المشرع على اعتبار عقد ما عقداً إدارياً، أو نص على اختصاص القضاء الإداري بنظر المنازعات التي تنشأ عنه، أو خضوعه لأحكام القانون الإداري؛ أن يصبح العقد إدارياً بنص القانون، ومن ثم فلا مجال للاجتهاد من جانب القضاء للبحث عن طبيعة العقد. ويطلق الفقه على هذه الطائفة من العقود تسمية "العقود الإدارية" بتحديد القانون"، نظراً لكون اختصاص القضاء الإداري بتلك العقود لم يكن يستند إلى خصائص ذاتية، وهي إحدى مراحل التطور التي مرت بها

نظرية العقود الإدارية في فرنسا.

ومن أمثلة العقود الإدارية بنص القانون في فرنسا:

1- قانون ۲۸ بليفوز ، السنة الثامنة، الذي جعل من اختصاص مجالس الأقاليم "المحاكم الإدارية منذ ١٩٥٣ النظر في المنازعات المتعلقة بعقود الاشغال العامة Les marches des travaux publish)، وعقود بيع أملاك الدولة، طبقاً لنص المادة الرابعة منه.

2- قانون ۱۷ يوليو سنة ۱۹۷۰ و ٢٦ سبتمبر سنة ۱۷۹۳، الخاص بعقود القروض العامة التي تبرمها الدولة les contrats d'emprunt"d'Etat واستثنى من تلك القاعدة العامة قروض المحليات، فتلك القروض يختلف تكييفها بحسب ظروف كل حالة على حدة، فأحياناً تكون إدارية، وأخرى تكون عقوداً خاصة، بحسب شروط العقد، وما اتجهت إليه إرادة الطرفين، ويتم تحديد طبيعتها بواسطة القضاء.

3 - مرسوم  من يونيه سنة ۱۸۰٦ بشأن عقود التوريد، حيث نصت  المادة (١٤) منه على اختصاص القضاء الإداري بنظر تلك المنازعات المتعلقة بعقود التوريد التي تبرمها الدولة .

4- المادة الأولى من مرسوم ۱۷ يونيه ۱۹۳۸، ثم صارت المادة (٨٤) من قانون أموال الدولة، وأصبحت حالياً المادة ۱/۲۳۳۱ من قانون الملكية للأشخاص العامة، التي تنص على اختصاص القضاء الإداري بنظر المنازعات المتعلقة بالعقود التي تتضمن شغلاً، أو انتفاعاً بالدومين العام Les contrats comportant occupation du".domaine"

   هناك حالات كثيرة، وهي الغالب يكون العقد الذي نص على اختصاص القضاء الإداري بالفصل في المنازعات المتعلقة به، غير إداري بطبيعته في جميع الأحوال. فهو وفقاً للخصائص الذاتية للعقود الإدارية، وقد يكون إدارياً أو من عقود الإدارة الخاصة بحسب الأحوال. وأهم مثال له، عقود التوريد، وفي هذه الحالة تثور فكرة العقود الإدارية بتحديد القانون. إذ يتحتم الأمر هنا اعتبار العقد في جميع الحالات عقداً إدارياً لمجرد أن المشرع قد جعل الفصل في منازعاته من اختصاص القضاء الإداري. إلا أن مجلس الدولة الفرنسي لا يميل إلى الالتزام بالخطة السابقة في جميع الحالات، بل اعتنق تفسيرا مقتضاه الا ينعقد اختصاصه في هذه الحالة، إلا إذا كان العقد إدارياً بطبيعته.

   قد يكون العقد المنصوص على اختصاص القضاء الإداري بالمنازعات المتعلقة به من عقود القانون الخاص في جميع الحالات. وفي هذا الفرض نكون أمام فكرة العقد الإداري بتحديد القانون كاملة. ومن أوضح الأمثلة عليها المنازعات المتعلقة بعقود بيع

أملاك الدولة الخاصة العقارية "Les ventes s'immeubles de l'Etat"، ومن المسلم به أن إدراج مثل تلك المنازعات في نطاق اختصاص القضاء الإداري، هو أمر منتقد، إلا أن الفقهاء يرون أن ذلك يرجع إلى أسباب تاريخية خاصة بظروف فرنسا الاجتماعية والسياسية. ومن ثم يلاحظون أن مجلس الدولة الفرنسي، يضيق من نطاق اختصاصه بتلك المنازعات إلى أقصى مدى.

   وتجدر الإشارة هنا إلى أنه قد حدث تطور مهم في تطور مهم في فرنسا، بموجب قانون ديسمبر سنة ۲۰۰۱ "La Loi Murcef" الذي وسع من اختصاص مجلس الدولة، ووسع من مجال تطبيق القانون الإداري على العقود الإدارية في ذات الوقت؛ حيث جعل الاختصاص لمجلس الدولة بجميع عقود الإدارة، وهو ما يطلق عليه قانون العقود العامة Cod des marches"publics، وقد صدر هذا القانون بمناسبة الاحتفال بالعيد المئوي لحكم شركة الغاز الجديدة بمدينة (C.E., 10 Jan. 1902 "Deville LesRounen " وبمناسبة مرور سبعين عاماً على صدور حكم شركة ترام .C.E) Ass. 9dec. 1932) Cherbourg. ويجب التنبيه على أن المشرع الفرنسي لم يجعل - بموجب هذا القانون ، جميع عقود الإدارة، من قبيل العقود الإدارية بتحديد القانون، بل جعل الاختصاص بنظر جميع عقود الإدارة من نصيب مجلس الدولة، ثم تتولى غرفة معينة نص عليها القانون، بتحديد طبيعة العقد، ثم تطبيق القواعد الموضوعية الخاصة به على كل عقد (قواعد القانون العام أو قواعد القانون الخاص) بحسب طبيعة كل عقد على حدة.

   ومن أهم النتائج التي تترتب على هذا القانون بالنسبة لمبدأ التلازم بين تكييف العقد بأنه إداري، وبين اختصاص القضاء الإداري به. فمنذ أن أصبح مجلس الدولة الفرنسي والمصري هو المختص بنظر منازعات العقود الإدارية، نشأ مبدأ واستقر قضائياً وهو، أنه بمجرد أن يعلن المجلس أنه هو المختص بنظر النزاع؛ يصبح العقد إدارياً وتطبق عليه مبادئ وقواعد القانون العام، بل كان القضاء الإداري يفسر النصوص التشريعية بما يسمح بوجود هذا التلازم حتى لو استلزم ذلك انحرافا في التفسير أو مخالفة صريحة للنص. إلا أنه بصدور قانون ديسمبر سنة ٢٠٠١ ، لم يعد هناك تلازم بين اختصاص القضاء الإداري بنظر منازعات عقد ما، وبين ضرورة تكييفه بأنه عقد إداري في فرنسا.

   وبعد أن استعرضنا فكرة العقود الإدارية بتحديد القانون في فرنسا، يثور التساؤل عما إذا كان هناك مجال لتلك الطائفة من العقود في مصر؟

   كما سلف ذكره، فإن الفكرة الجوهرية التي تقوم عليها العقود الإدارية بتحديد القانون، هي إدراج منازعات عقد ما في نطاق اختصاص القضاء الإداري، بموجب تشريع وبالرجوع إلى قوانين مجلس الدولة المصري منذ أول قانون له رقم ١١٢ لسنة ١٩٤٦ ، نجد أنه لم يتضمن أية إشارة إلى عقود الإدارة، ثم ورد النص فيما بعد ابتداء من القانون رقم 9 لسنة ١٩٤٩ في المادة الخامسة منه، التي كانت تنص على أن تفصل محكمة القضاء الإداري في المنازعات الخاصة بعقود الالتزام والاشغال العامة وعقود التوريد الإدارية...". ثم صدر القانون رقم ١٦٥ لسنة ۱۹٥٥ ، ثم تلاه القانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٥٩، وكلاهما نص في المادة العاشرة على أن: "يفصل مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره في المنازعات الخاصة بعقود الالتزام والأشغال العامة والتوريد، أو بأي عقد إداري آخر وعندما صدر القانون الحالي رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٢، نص في المادة العاشرة منه على قصر محاكم مجلس الدولة بالفصل في: ".... المنازعات الخاصة بعقود الالتزام أو الأشغال العامة أو التوريد أو بأي إداري آخر".

   وثار جدل فقهي حول تلك النصوص القانونية، ومدلولها، هل تفيد أن المشرع بهذه النصوص جعل هناك طائفة من العقود الإدارية بتحديد القانون في مصر أم لا؟

   إلى عدم وجود عقود إدارية بتحديد القانون في مصر. وأن صياغة المادة الخامسة من القانون رقم 9 لسنة ١٩٤٩ ، توحي بأن العقود الثلاثة الواردة هي عقود إدارية بتحديد القانون، إلا أن واجه الرأي يتغير عند فحص النص عن كثب، فالمسلم به فقها وقضاء، أن عقود الالتزام وعقود الأشغال العامة هي عقود إدارية دائماً، وفقاً لخصائصها الذاتية، ولصلتها الوثيقة بمبادئ القانون العام. أما العقد الثالث، وهو عقد التوريد، فهو العقد الذي قد يكون إدارياً أو غير إداري وفقاً لإرادة الإدارة. ولهذا فقد حرص المشرع في المادة الخامسة على أن ينعته صراحة بالصفة "الإدارية"، كي ما يستعيد من اختصاص المجلس المنازعات المتعلقة بعقود التوريد غير الإدارية، ويذهب سيادته إلى أن هذا هو المستفاد من الأعمال التحضيرية التي صاحبت صياغة المادة الخامسة السابقة. بينما يؤكد سيادته أن صياغة المادة العاشرة من القانون رقم 165 لسنة ١٩٥٥، والقانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٥٩، وكذلك الفقرة الحادية عشرة من المادة العاشرة من ق ٤٧ لسنة ۱۹۷۲، قاطعة في عدم وجود طائفة عقود إدارية بتحديد القانون في مصر، إذ جاء فيها ذكر العقود الإدارية الثلاثة على سبيل التمثيل. ويؤكد ذلك نهاية المادة بقولها: ".... أو بأي عقد إداري آخر".

الفرع الثاني

تعريف العقد الإداري في الفقه والقضاء

   هناك عدة تعريفات للفقه والقضاء للعقد الإداري؛ نتيجة تطور قضائي طويل خاصة في فرنسا منذ نشأة نظرية العقد الإداري سواء في فرنسا أو مصر. وسنلقي الضوء على أهم تلك التعريفات في الفقه والقضاء المصري والفرنسي.

    ذهب رأي في الفقه إلى تعريف العقد الإداري بأنه: "ذلك الذي يبرمه شخص معنوي عام بقصد تسيير مرفق عام أو تنظيمه، وتظهر فيه نية الإدارة في الأخذ بأحكام القانون العام .

   وذهبت محكمة القضاء الإداري في أكثر الأحكام تفصيلاً في بيان المقصود بالعقد الإداري إلى أنه : ".... قد استقر قضاء هذه المحكمة على أن العقد المبرم بين شخص معنوي عام وبين أحد الأفراد لا يستلزم بذاته اعتبار العقد من العقود الإدارية، بل أن المعيار المميز لهذه العقود عما عداها من عقود القانون الخاص، ليس في صفة المتعاقد، بل في موضوع العقد متى اتصل بمرفق عام من حيث تنظيم المرفق أو تسييره أو استغلاله أو المعاونة المساهمة فيه مشتركاً في ذلك وعلى درجة متساوية بظهور نية الشخص المعنوي العام، في أن يأخذ في العقد بأسلوب القانون العام وأحكامه فيضمن العقد شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص….

محكمة القضاء الإداري : القضية رقم ٥٦٤ لسنة ١٨ق ، في ٢٠/١٢/١٩٦٤، مجموعة المبادئ في خمس سنوات من أول أكتوبر ١٩٦١ إلى أخر سبتمبر ١٩٦٦، س ١٩، ص٤٣٦، القضية رقم ٤٣ لسنة ٢٣ ق ، في ،۱۹٦۹/۱۱/۲۰، المجموعة، س٢٤، ص۱۲۹؛ القضية رقم ١٠٦٧ لسنة ٢٥ ، في ۱۹۷۳۳۱۸، المجموعة، س۲۷، ص ۱۸۹؛ القضية رقم ١٥٩٥ لسنة ٢٤ ق ، في ۲/۱۰/۱۹۷۳، المجموعة، س۲۷، ص ٢٥٥.

   وتجدر الإشارة إلى أن قضاء محكمة القضاء الإداري قد مر بمراحل تطور فيها قضاؤها ففي البداية كانت المحكمة تعتبر كل عقد جهة الإدارة طرفاً فيه، هو عقد إداري، دون البحث عن نية الإدارة في إبرام عقدها في إطار روابط القانون العام، أم القانون الخاص. ثم تطور قضاءها فبد أن كانت تكتفي بتحقق ارتباط العقد بسير أو تنظيم مرفق عام وكون الإدارة طرفاً فيه، دون أن تهتم ببحث الشروط التي يتضمنها العقد لمعرفة ما إذا كانت شروطاً عادية، أم شروطاً استثنائية وغير مألوفة في عقود القانون الخاص. ثم استقرت في نهاية المطاف إلى الأخذ بذات المعيار الذي استقر عليه قضاء مجلس الدولة الفرنسي، بشأن النظر في الشروط الاستثنائية، بعد أن أصبحت قاض الشريعة العامة في جميع العقود الإدارية. يراجع في هذا الشأن دكتور / ثروت بدوي: النظرية العامة في العقود الإدارية دار النهضة العربية بمصر ،١٩٩٤

٥٦ وما بعدها؛ ص وبحث سيادته المعيار المميز للعقد الإداري، مجلة القانون والاقتصاد، السنة ٢٧، سبتمبر ١٩٥٧، ص ١١٧ وما بعدها.

وقد تبلور هذا التطور في حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في 9 ديسمبر ١٩٥٦. حيث قضت بأنه: «... ليس كل عقد تبرمه جهة الإدارة بعقد إداري حتماً. فكثيراً ما تلجأ هذه الجهة، وهى في سبيل استغلالها أموالها الخاصة إلى إبرام عقود بينها وبين جهة إدارية أخرى، أو بينها من جهة وبين بعض الأشخاص من جهة أخرى، في ظل قواعد القانون الخاص، فيختص بها قاض القانون الخاص، ولا تعني بأمرها مبادئ القانون الإداري. وليس بكاف أبداً مجرد أن يكون أحد طرفي التصرف شخصاً ادرياً عاماً للقول بأن هذا التصرف، إنما هو عقد إداري يخضع لأحكام القانون العام وتختص حتماً بالفصل في منازعاته هذه المحكمة. فالشخص الإداري العام قد يبرم عقداً مدنياً كما قد يبرم عقداً إدارياً سواء بسواء.

وإنما تتميز العقود الإدارية عن العقود المدنية بطابع معين مناطه احتياجات المرفق العام الذى يستهدف العقد الإداري تسييره، وتغليب وجه المصلحة العامة على مصلحة الأفراد الخاصة. فبينما تكون مصالح الطرفين في العقود المدنية متوازنة ومتساوية، إذ بها في العقود الإدارية غير متكافئة، ويجب أن يعلو الصالح العام على المصلحة الفردية الخاصة. غير أن مجرد صلة العقد بالمرفق العام - وإن كان شرطاً لازماً – فإنها لیست  مع ذلك بكافية. فلم يعد المرفق العام وحده هو المعيار القاطع في التمييز الدقيق بين العقود الإدارية بمعناها القانوني الصحيح التي تبرمها جهة الإدارة، وبين تلك العقود المدنية التي تبرمها أيضاً جهة الإدارة ذاتها تحقيقاً لمصلحة معينة، كالرغبة في الإسراع للحصول على سلعة أو خدمة، أو الخشية من أن تكون الشروط الجديدة التي تنطوي عليها وسائل القانون العام منفرة للأفراد من أن يتعاقدوا معها، فتلوذ جهة الإدارة بأسلوب القانون الخاص. العبرة إذن بما قد تأخذ به جهة الإدارة في عقدها من أسلوب القانون العام ليأخذ الطابع المميز للعقد الإداري وما ينطوي عليه من شروط استثنائية غير مألوفة بالقياس إلى شروط العقود الخاصة بين الأفراد..." القضية رقم ٨٧٠ لسنة ٥ ق، المجموعة، س١١، ص٧٦.

  وقد استقرت أحكام المحكمة الإدارية العليا منذ نشأتها إلى الآن، على ما انتهى إليه قضاء محكمة القضاء الإداري من تطور ومنها على سبيل المثال ما  قررته في حكم حديث لها في ١٥ أبريل سنة ،۲۰۰۸، حيث قالت: «… ومن المقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن العقد يعتبر إدارياً إذا كان أحد طرفيه شخصاً معنوياً عاماً ، وكان إبرامه بشأن نشاط متصل بمرفق عام، وتضمن شروطاً غير مألوفة في نطاق القانون الخاص، ومتى اجتمعت هذه السمات في العقد الذي أبرمته الجهة الإدارية كان الاختصاص بنظر المنازعات التي تثور بشأنه معقوداً لمحاكم القضاء الإداري وحدها دون غيرها إعمالاً لحكم الدستور والقانون، وهو اختصاص مطلق وشامل لأصل النزاع وما يتفرع عنه...» .

الطعن رقم ١٣٨٣٧ لسنة ٥٠ ق. ع ، جلسة ٤/١٥/ ۲۰۰۸ (غير منشور) وقد أطردت أحكام الإدارية العليا على هذا المبدأ، يراجع على سبيل المثال: الطعن رقم ١٨٨٩ لسنة ٦ ق. ع ، في ١٩٦٢/٣/٣١، المجموعة، س۷، ص٥٢٧؛ الطعن رقم ١٠٥٩ لسنة ٧ ق. ع ، في ١٩٦٣/٥/٢٥، س٨، ص ١٢٢٥.

    وعند عرض نزاع بخصوص عقد أحد طرفيه جهة الإدارة على دائرة توحيد المبادئ بمجلس الدولة المصري، أكدت على ذات المسلك محكمة القضاء الإداري والإدارية العليا. وقررت أنه: ".... يعتبر العقد إداريا إذا كان أحد طرفيه شخصاً معنوياً عاماً ومتصلاً نشاطه بمرفق عام، ومتضمناً شروطاً غير مألوفة في نطاق القانون الخاص، وأن ما تبرمه الإدارة من عقود لا يعد بذاته عقداً إدارياً، فمنها ما يعد إدارياً تأخذ فيها الإدارة بوسائل القانون العام بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات لا يتمتع بمثلها المتعاقد معها، وقد تنزل منزلة الافراد في تعاقدهم فتبرم عقوداً تستعين فيها بوسائل القانون الخاص. وبناء عليه فإذا فقد شرطاً (شرط) من الشروط التي يتحقق بتوافرها مناط العقد الإداري صار العقد من عقود القانون الخاص".

   الطعن رقم ١٥٤ لسنة ٣٤ ق ، في ٢ يناير سنة ۱۹۹۷ دائرة توحيد المبادئ مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها الدائرة المشكلة طبقاً للمادة (٥٤) مكرراً من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲. منذ إنشائها وحتى أول فبراير سنة ۲۰۰۱، مبدأ (۳۱، ص٣٧٦.

   وقد استقرت المحكمة الدستورية العليا باعتبارها محكمة تنازع - على أن: "... العقود الإدارية، هي التي يكون أحد أطرافها شخصاً من أشخاص القانون العام، يتعاقد بوصفه سلطة عامة في شأن تصل بتسيير أو تنظيم مرفق عام، منتهجاً في ذلك وسائل القانون العام، التي تعتبر الشروط الاستثنائية التي تتضمنها هذه العقود، وهي شروط لا يألفها المتعاقدون في غير القانون الخاص، كاشفة عنها مبلورة لها .

   المحكمة الدستورية العليا، القضية رقم ٦ لسنة ١٥ق "تنازع" في ١٩٩٤/٦/٢٠، المجموعة الجزء السادس ص ٨٧٥ وما بعدها؛ حكمها في القضية رقم 1 لسنة ١٢ق "تنازع" في ۱۹۹۱/۱/۱٥، المجموعة، ج 4، رقم ٢٦، ص٥٣٦؛ حكمها في القضية رقم 13 لسنة ١ق "تنازع" في ۱۹۸۲/۱/۲ ، المجموعة، ج۲، رقم۳، ص۲۳۹؛ حكمها في القضية رقم 7 لسنة اق "تنازع في ۱۹۸۰/۱/۱۹، المجموعة، ج1، رقم (٢)، ص ٢٤٤.

  أما العقد الإداري طبقاً للراجح في الفقه والقضاء الفرنسيين هو: "ذلك العقد الذي يبرمه شخص معنوي عام، أو يبرم لحسابه، ويخضع في منازعته لاختصاص القضاء الإداري، وتطبق عليه أحكام القانون الإداري، سواء أكان بنص صريح في القانون، أو أن يتضمن العقد شروطاً استثنائية وغير مألوفة في القانون الخاص، أو أن يخول المتعاقد مع الإدارة الاشتراك مباشرة في تسيير مرفق عام".

   ومما تجمع من مادة علمية، يمكن القول بأن الراجح فقهاً وقضاء في مصر؛ هو ضرورة توافر الشروط الثلاثة مجتمعة، لإضفاء الصفة الإدارية على عقد ما، وإذا كان ذلك كذلك فإنه ثمة حقيقة أخرى برزت من خلال    التعريف الراجح في فرنسا - وعلى تفصيل لاحق أن هناك تردداً في القضاء والفقه الفرنسي بين أمرين أو معيارين، فيكتفي بتوافر أحدهما فقط لكي يضفي على العقد الصفة الإدارية بأن يكون العقد يخول أو يعهد للمتعاقد مع الإدارة الإسهام أو الاشتراك مباشرة في تسيير مرفق عام Confere a"son titutaire une participation directe a l'execution d'une"activite de service puplic ، أو أن يتضمن العقد شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص. "Clauses exorbitantes du droit commun" ، فضلاً عن كون أحد طرفي العقد شخصاً معنوياً عاماً، أو تم إبرام العقد لحسابه، وهو ما يطلق عليه الفقه العقود الإدارية بطبيعتها "Contrats administratifs par nature" وهناك طائفة أخرى يطلق عليها: العقود الإدارية بتحديد القانون Contrats administratifs par".determination de la Loi"

يراجع أحكام القضاء الإداري والإدارية العليا والدستورية العليا السابق ذكرها، وغالبية الفقهاء الإداريين في مصر منهم دكتور سليمان الطماوي: الأسس العامة... سابق الإشارة إليه، ص ٥٩؛ دكتور / يحيى الجمل: القضاء الإداري، دار النهضة العربية بمصر، ١٩٨٦، ص ٢٤٦؛ دكتور / ثروت بدوي: النظرية العامة في العقود الإدارية، سابق الإشارة إليه، ص ٥٨ ؛ وكذلك بحث سيادته المعيار المميز للعقد الإداري"، سابق الإشارة، ص۱۲۰؛ دكتور / محمد سعيد حسين أمين: العقود الإدارية، بدون دار نشر، ۲۰۰۷، ص ٢٤؛ دكتور / سعاد الشرقاوي: العقود الإدارية دار النهضة العربية بمصر، ۲۰۰۳، ص۸؛ دكتور / محمد أنس قاسم جعفر: العقود الإدارية، دار النهضة العربية بمصر، سنة ۲۰۰۰، ص۸؛ دكتور / جابر جاد نصار: العقود الإدارية، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية بمصر، ٢٠٠٥ ، ص ۲۸؛ دكتور / فتحي فكري: محاضرات في العقود الإدارية، دار النهضة العربية بمصر ، ۱۹۹٤، ص ۱۳؛ دكتور / مصطفى عبد المقصود سليم: معيار العقد الإداري وأثره على اختصاص مجلس الدولة.

   وعلى الرغم من شبه الإجماع الفقهي والقضائي في مصر على ضرورة توافر الشروط الثلاثة مجتمعة، وتوافر أحد المعيارين في فرنسا على نحو ما سبق ذكره، إلا أنه لا يزال الاتفاق على معيار موحد لتمييز العقود الإدارية عن عقود الإدارة الخاصة من المسائل التي يحتم بشأنها الجدل الفقهي، سواء في فرنسا أو في مصر، ولم يصل بشأنها إلى حل مرضي يشبع نزعته التأصيلية، ومنهجه القائم على أساس تشييد نظريات ومبادئ ثابتة من أحكام قضائية متغيرة بطبيعتها، نظراً لكونها تنتمي إلى فرع من فروع القضاء يتسم بطبيعته الإنشائية المرنة، والتي تتنافى مع الجمود والثبات .

    وذهب رأي في الفقه إلى أن مفهوم السياسة القضائية في القضاء الإداري الفرنسي، من خلال فهم مهمة القاضي الإداري، التي هي في الأساس تنحصر في البحث عن نقطة التوازن بين احتياجات المرافق العامة، والمصالح الخاصة، وهو في بحثه عن نقطة التوازن هذه، لا يمكنه أن يضحي بالمصلحة العامة، التي هي مصلحة الجميع، ومنهم رافع الدعوى، ونظراً لكون احتياجات المرافق العامة تختلف من وقت إلى آخر، وتتأثر بالظروف العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تسود الدولة. وهذا هو ما يعنيه الفقهاء عندما يتحدثون عن "السياسة القضائية، أي أنه عندما تقوم الإدارة بإجراءات معينة تواجه بها ظروف معينة حتى لو لم يوجد في النصوص سند لتلك السلطات، فإن القضاء الإداري يمد رقابته بقدر، ويجريها بحذر، فإذا ما عادت الظروف العادية سريتها الأولى، بسط رقابته إلى أقصى مدى متصور.

   وعلى أية حال فلا تعارض بين الرأيين، فالأول يتناول صورة من صور السياسة القضائية الفرنسية في مجال توزيع الاختصاص، أما الثاني فهو يتناول مفهوم السياسة القضائية في إطارها العام في ضوء فهم مهمة القضاء الإداري، ومدى تأثره بالظروف العامة السياسية والاقتصادية، والاجتماعية عند الفصل في موضوع النزاع، فالقضاء الإداري هو مرآة المجتمع.