رأينا في المطلبين السابقين أن القاعدة العامة للتحكيم في العقود الإدارية في القانون الفرنسي هي عدم جواز التحكيم في هذه العقود ما لم يوجد نص قانوني يجيز ذلك.
وعليه فإن المشرع الفرنسي ورغبة منه في جذب رءوس الأموال الأجنبية، قد استثنى العقود الإدارية الدولية من هذه القاعدة، وذلك بعد رفض مجلس الدولة الفرنسي في الفتوى الصادرة منه بتاريخ 6 مارس سنة 1986 - الاعتراف بمشروعية شرط التحكيم الوارد في العقد المبرم بين إحدى المحافظات الفرنسية وشركة والت ديزني الأمريكية بهدف إنشاء مدينة ملاهي في هذه المحافظة.
ويلاحظ من هذا النص، أن المشرع لم يقصر مجال التحكيم على نوع معين من العقود الإدارية الدولية، بل وسع من نطاق اللجوء إلى التحكيم بحيث يشمل جميع صور العقود الدولية، وكذلك يشمل كافة المنازعات التي تنشأ عن هذه العقود.
ولقد اشترطت المادة (9) من القانون آنف الذكر عدة شروط للتحكيم في العقود الإدارية الدولية:
1- أن يكون العقد مبرما مع شركة أجنبية، أي يكون عقدا دوليا. ومن ثم لا ينطبق هذا الاستثناء على العقود التي تبرم بين شركات وطنية.
2- أن يكون العقد بخصوص مشروع اقتصادي ذي نفع وطنی بالإضافة لذلك، فقد اشترط المشرع الفرنسي لتطبيق المادة (9) أن يصدر مرسوما من مجلس الوزراء بالموافقة على تضمين العقد شرط التحكيم، وأن تؤخذ هذه الموافقة في كل حالة على حدة.
بالنسبة لاتفاقية جنيف، فإن المادة الثانية منها تجيز لأشخاص القانون العام أن يلجئوا إلى التحكيم، إلا أنها غير قابلة للتطبيق على علاقات الأشخاص العامة الفرنسية والشركات الأمريكية، لأن الولايات المتحدة لم تصدق على هذه الاتفاقية، وبالتالي لا يمكن الاستناد عليها لإدراج شرط التحكيم في عقد شركة "والت ديزني" الأمريكية مع حكومة فرنسا، وأيضا لأن المادة الأولى من الاتفاقية اشترطت أن يكون التحكيم في موضوع يجوز عرضه على التحكيم في القانون الداخلي للدولة.
أما بالنسبة لاتفاقية واشنطن - الخاصة بتسوية النزاعات الناشئة عن الاستثمار بين الدولة ورعايا الدول الأخرى - فإنها لم تقرر صراحة التحكيم في عقد الاستثمار بواسطة
C. I. R. D. I، بالإضافة إلى أن التفسير الذي قرره مجلس الدولة الفرنسي بخصوص هذه الاتفاقية، هو أنها لا أثر لها على الحظر المفروض على الدولة وسائر أشخاص القانون العام في اللجوء إلى التحكيم).
وعلى كل حال، فبصدور القانون رقم 972 الصادر في 6 مارس 1986، فإنه يجوز التحكيم في العقود الإدارية الدولية وفقا للشروط والضوابط التي وضعها هذا القانون، وهذا استثناء من مبدأ حظر التحكيم في العقود الإدارية.
ومن القوانين التي أجازت التحكيم في العقود الإدارية الدولية قانون المرافعات البلجيكي، بمقتضى التعديل الذي ورد عليه في سنة ۱۹۷۲، حيث نصت المادة 2/1676 منه على أنه: «فيما عدا الأشخاص المعنوية العامة فإن كل شخص له أهلية الصلح يمكنه اتفاق تحكيم وتستطيع الدولة إبرام اتفاق تحكيم عندما تجيز لها ذلك معاهدة". بينما الفقرة الثالثة من هذه المادة تنص على أن: "تطبق أحكام هذا القانون مع مراعاة الاستثناءات المنصوص عليها بالقانون».