الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم الإداري / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد السابع / عقد اداري - اختصاص هيئة التحكيم بنظر الطلب الـعـارض – نظريـة الظــروف الطارئـة - اختلال التوازن الاقتصادي للعقد

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد السابع
  • تاريخ النشر

    2010-10-20
  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    522

التفاصيل طباعة نسخ

إضطلاع هيئة التحكيم بولاية الفصل في المنازعات الناشئة عن تنفيذ العقد، يخولهـا فـي الاساس الحق في الاطلاع على مدى صحة نص العقد الذي سيجري تطبيقه على النزاع - العقد الاداري يتم على مرحلتين :

الاولى الاعمال التمهيدية، والثانية ابرام العقد

- يصير العقـد بمـا تضمنه من أحكام ملزماً لطرفيه، باعتباره القانون الحاكم للعلاقة بينهما

- لا يجوز كأصل عـام تعديل العقد او تغييره التزاماً بالشروط المعلن عنها

- استحداث شرط أو حكم لم يرد في كراسة الشروط والمواصفات المعلن ع نها وتوقيعه من الطرفين تجعله جزءا من العقد، وتعتبر الجهـة الادارية بالتالي ملزمة به قانوناً

- العقد شريعة المتعاقدين

- اذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها ان تنفيذ الالتزام التعاقدي، وان لم يصبح مستحيلاً، صار مرهقاً للمدين ب حيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي تبعاً للظروف وبعد الموازنة بـين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق الى الحد المعقول ويقع باطلاً كل اتفاق علـى خـلاف ذلك

- نظرية الظروف الطارئة، تقوم على فكرة العدالة المجردة التي هي قوام القانون الاداري، كما ان هدفها تحقيق المصلحة العامة- من حق الطرف المتعاقد المضار ان يطلب من الطـرف الآخر مشاركته في الخسارة التي تحملها

- لا تنطبق هذه النظرية اذا كان خطأ المتعاقد قد وقـع في أمور متوقعة قبل تنفيذ العقد، وفقاً للسير الطبيعي للأمور، وللنظام المعتاد للعمل في الادارة العامة.

(القضية التحكيمية رقم 536 لسنة 2007 -حكم نهائي بتاريخ 3/3/2008 -مركز القاهرة الاقليمي للتحكيم التجاري الدولي) .

.................

.................

هيئة التحكيم رأت هيئة التحكيم عن الدفع المبدى من المحتكمة بعدم اختصاص هيئة التحكيم بنظر الطلب العارض للمحتكم ضدها وبطلان بعض مواد العقد المشار إليه وبصفة خاصة المادة(24 (منـه، فإن هذا الدفع لا يقوم على صحيح سنده قانوناً، لأن اضطلاع الهيئة بولاية الفصل في المنازعات الناشئة عن تنفيذ العقد، يخولها في الأساس الحق في الوقوف على مدى صحة نص العقد الـذي سيجرى تطبيقه على النزاع، ومدى مشروعيته، ابتداء، ثم الانتقال بعد ذلك إلى تحديد مـضمونه ونطاق تطبيقه فمن غير المتصور قانوناً أن تقوم الهيئة بتطبيق نص في العقد لم تتأكد من توافق إرادة طرفي العقد عليه، كما أنه من غير المتصور أن تقوم بتنفيذ نص في العقديتعارض والنظام العام. ومن ثم، فإن الهيئة تقرر رفض الدفع بعدم الاختصاص. وفيما يخص الطلب العارض آنف الذكر المقدم من المحـتكم ضـدها، فـإن الثابـت مـن استعراض أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات في الدولة الأفريقية، والذي تسر ي أحكامـه على وحدات الإدارة المحلية، أن المشرع حدد السبل التي يتعين على جهة الإدارة سـلوكها قبـل التعاقد على ما يلزمها من أعمال أو توريدات، وهي المناقصات والممارسات بأنواعها والاتفـاق المباشر. وفصل حالات وإجراءات كل سبيل، على نحو يكفل حرية المنافـسة والمـساواة بـين المتناقصين أو المتمارسين. وقد أفصح المشرع عن الغاية التي يرم ي إليها من كل ما تضم نه ذلك القانون من قواعد وإجراءات، وهي التعاقد على أفضل الشروط وأقل الأسعار ، ومن ثم فإن هـذه القواعد والإجراءات ما هي إلاّ وسائل لتحقيق هذه الغاية، وليست إلاّ سبيلاً لحفظ المال العام الذي تبذله الدولة من موازنتها مقابل تعاقداتها. 

وبحسب تلك القواعد والإجراءات، طبقاً للمستقر عليه فقهاً وقـضاء فـي مجـال القـانون الإداري، فإن العقد الإداري يتم على مرحلتين : الأولى تتم فيها الأعمال التمهيدية، والثانية يتم فيها إبرام العقد. والأعمال التمهيدية تشمل الطرح على أساس مواصفات كافية، مما يتعين معه إعـداد كراسة خاصة بمستندات الطرح بحيث تتضمن الشروط العامة والخاصة والشروط والمواصـفات الفنية وقوائم الأصناف أو الأعمال وملحقاتها . وتشمل أيضاً الإعلان عن المناقصة أو الممارسة، وتلقي العطاءات المقدمة لاختيار أفضلها شروطاً وأقلها سعراً، ثم إرساء المناقصة أو الممارسـة بقرار إداري تتخذه جهة الإدارة للإفصاح عن إرادتها هي وحدها دون غيرها .

وبصدور ذلك القرار، متوافقاً مع إيجاب مقدم العطاء، واتصال علمه به، ينعقد العقد الإداري بينه وبين الجهة الإدارية على أساس الشروط المعلن عنها والشروط التي تقدم بها ويصير هـذا العقد بما تضمنه من أحكام ملزماً لطرفيه، باعتباره القانون الحاكم للعلاقة بينهما، على نحو يمتنع معه على أي منهما التحلل منه بإرادته المنفردة، التزاماً بما هو مقرر قانوناً من أن العقد شـريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه أو تعديله إلاّ باتفاقهما أو للأسباب التي يقررها القانون .

فالعقد الإداري الذي يتم تحريره بين الطرفين، محض تسجيل لما تم الاتفاق عليـه بينهمـا بموجب رسو العطاء على الطرف الآخر . فلا يجوز، كأصل عام، التعديل أو التغيير فيه، التزاماً بالشروط المعلن عنها واحتراماً للقواعد والإجراءات والتي يقصد بهـا كفالـة حريـة المنافـسة والمساواة بين المتناقصين أو المتمارسين، إلاّ أنه إذا ما قبلت الجهة الإدارية بإرادة حرة واعيـة استحداث شرط أو حكم لم يرد في كراسة الشروط والمواصفات المعلن عنها، والعطاء المقدم من المتناقص أو المتمارس، وقامت بإدراج هذا الشرط أو الحكم ضمن بنود العقد الذي يتم تحريـر ه، والتوقيع عليه من الطرفين، فإنها تجعله جزءاً من العقد، وتعتبر الجهة الإدارية بالتالي ملزمة بـه قانوناً، على نحو يمتنع معه عليها بعد ذلك العودة إلى المجادلة فيه أو السع ي إلى إهداره، بدعوى فقدانه سند وجوده من شروط المناقصة أو الممارسة أو عطاء المتناقص أو ال متمارس الـذي تـم قبوله. إذ أن هذا القول، ولئن كان يصلح سنداً للنظر في مساءلة من أضاف ذلك الشرط أو الحكم إلى العقد بالمخالفة للشروط تأديبياً، إلا أنه يخل بعد إبرام العقد والبدء في تنفيذه بما هـو مقـرر قانوناً من أن العقد شريعة المتعاقدين.

وترتيباً على ذلك، يكون حكم المادة (...) من العقد المبرم بين المحتكمة والمحتكم ضـدها، بتاريخ....، للقيام بأعمال نظافة إقليم ... التي أضيفت إلى العقد بعد صدور قرار ترسية الأعمـال محل العقد على المحتكمة وإخطارها بذلك، فيما يقرره من أن-أ" اتفق الطرفان على أنه في حالة حدوث اختلال في التوازن المالي والاقتصاد ي للعقد وفقاً للتعريف الوارد بالبند ... باب التعريفات والذي قد يؤدي إلى إرهاق أحد طرفي العقد في تنفيذ التزاماته بما يؤثر بالسلب على قدرته فـي تنفيذ الالتزامات الواردة بالعقد فإنه يحق لهذا الطرف اللجوء إلى جهة التحكيم الواردة بالبنـد .... وذلك لتحديد الآتي:

1 -قيمة التغيير الذي حدث في سعر صرف الدولار الأمريك ي والـذي أدى إلى الاختلال في التوازن المال ي والاقتصاد ي للعقد .

2 - قيمة المكون الأمريكي الذي تأثر بالتغيير في سعر الصرف.

3 -تحديد قيمة الضرر الذي لحق بالطرف طالب التحكيم " يكون ذلك الحكـم وقد صار جزءاً من العقد، يجب الالتزام به والنزول على مقتضاه، منظوراً في ذلك إلى أنه ليس به ما يتعارض والنظام العام، كما خلت الأوراق المعروضة، من أن إدراجه في العقد تم بناء على غش أو تواطؤ من جانب المحتكمة.

يؤكد ما سبق، أن حكم المادة المذكورة لا يعدو، في جو هر الأمر، أن يكون ترديداً للقواعـد العامة المقررة قانوناً، والتي تسر ي على العقود المدنية والعقود الإدارية حيـث يـنص القـانون المدني، بعد تقرير مبدأ أن العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلاّ باتفاق الطرفين أو الأسباب التي يقررها القانون . على أنه "ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقد ي، وإن لم يـصبح مـستحيلاً، صـار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاض ي تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى ا لحد المعقول. ويقع باطلاً كل اتفاق علـى خـلاف ذلـك ". فالمقصود من المادة... من العقد، ليس تعويض المضرور عن كل تغيير يحدث في سعر صرف الدولار الأمريكي، وإنما فقط عن التغيير الذي يؤد ي إلى اختلال في التوازن المال ي والاقتصاد ي للعقد، مما يؤدى إلى إرهاق أحد طرفي العقد في تنفيذ التزاماته.

ولا حجة في الاستناد إلى ما تنص عليه المادة ... من اللائحـة التنفيذيـة لقـانون تنظـيم المناقصات والمزايدات، من أن"الفئات التي حددها مقدم العطاء بجدول الفئات تـشمل وتغطـ ي جميع المصروفات والالتزامات أياً كان نوعها التي يتكبدها بالنسبة إلى كلبند من البنود... وتتم المحاسبة النهائية بالتطبيق لهذه الفئات بصرف النظر عن تقلبـات الـسوق والعملـة والتعريفـة الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم الأخرى "، كأحد الشروط الحاكمة للمناقصة التي أبـرم على اثرها العقد المذكور، اذ لا حجة في الاستناد إلى هذا النص للقول ب أنه يجب إعمـال حكـم القانون المدني على ذلك العقد إزاء اختلاف مجال كل من الحكمين، على أساس أن تقلبات العملة التي تشير إليها المادة... من اللائحة التنفيذية تجد مداها في التقلبات العادية التي ليس من شـأنها أن تجعل تنفيذ المدين للالتزام التعاقد ي مرهقاً، فضلاً عنأن العقد ذاته جعل الأولوية في الإتباع، عند ظهور اختلاف بين مستندين أو أكثر للمستند الأسبق في ترتيب مـستندات العقـد، والتـي تضمنت المادة... ترتيبها على النحو الآتي :

1 -عقد إدارة الخدمة الماثل وملحقاتـه .

2 -كراسـة الشروط والمواصفات والرد على الاستفسارات .

3 -عرض المقاول.

4 -جداول الأسعار، من ثم فإنه بافتراض أن ثمة تعارضاً بين حكم المادة(...) من العقد وما تنص عليه كراسـة الـشروط والمواصفات من سريان حكم المادة ... من اللائحة التنفيذية للقانون على المناقـصة المـذكورة، وذلك فرض جدلي لا أساس له، حسبما سبق بيانه، بافتراض قيامهذا التعارض، فإن الأولويـة، تكون للعقد بما في ذلك المادة... منه (الخاصة بالتوازن المالي والإقتصادي).

يضاف إلى ذلك، أنه سبق للجمعية العمومية لقسم ي الفتوى والتشريع، بجلستها المنعقدة فـي إذا بأنـه أفتـت أن، 19/2/78 رقم ملف – 1991/5/25 في 384 رقم فتوى – 1990/12/19 تضمن العقد مخالفة لأحكام اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات، تكون العبـرة بأحكام العقد نفسه الذي استبعد سريان حكم اللائحة.

وبناء على كل ما تقدم، يغدو الطلب العارض الذي تتمسك به المحتكم ضدها فـي التحكـيم الماثل، من بطلان حكم المادة ... من العقد المبرم مع المحتكمة، غير قائم علـى سـند صـحيح، جديراً بالرفض.

ومن حيث إنه من المقرر، طبقاً لمااستقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليـا، إن تطبيـق نظرية الظروف الطارئة يستلزم أن تطرأ خلال مدة تنفيذ العقـد الإداري حـوادث أو ظـروف طبيعية أو اقتصادية أو من عمل جهةإدارية غير الجهة المتعاقدة أو من عمل إنسان آخر، لم تكن في حسبان المتعاقد عند إبرام العقد، ولا يملك لها دفعاً، ومن شأنها أن تنزل به خـسائر فادحـة تختل معها اقتصاديات العقد اختلالاً جسيماً . فإذا ما توافرت هذه الشروط مجتمعة التزمت جهـة الإدارة المتعاقدة بمشاركة المتعاقد معها في تحمل نصيب من الخسائر، ضماناً لتنفيذ العقد علـى الوجه الذي يكفل حسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد .

فنظرية الظروف الطارئة، تقوم على فكرة العدالة المجردة التي هي قوام القـانون الإداري، كما أن هدفها تحقيق المصلحة العامة . فرائد الجهة الإدارية هو كفالة حسن سير المرافق العامـة باستمرار وانتظام، وحسن أداء الأعمال والخدمات المطلوبة، وسرعة إنجازها، كمـا أن هـدف المتعاقد مع الإدارة هو المعاونة في سبيل المصلحة العامة، وذلك بأن يؤد ي التزامه بأمانة وكفاية، لقاء ربح أو أجر عادل، وهذا يقتض ي من الطرفين التساند والمشاركة للتغلب على مـا يعتـرض تنفيذ العقد من صعوبات وما يصادفه من عقبات . ويكون من حق المتعاقد المضار أن يطلب مـن الطرف الآخر مشاركته في الخسارة التي تحملها، فيعوضه عنها تعويضاً جزئياً . وهذا التعويض لا يشمل الخسارة كلها ولا يغطى إلاّ جزءاً من الأضرار التي تصيب المتعاقـد، ولـيس لـه أن يطالب بالتعويض بدعوى أن أرباحه قد نقصت أو لفوات كسب ضاع، كما أنه يجـب أن تكـون الخسارة واضحة ومتميزة، ومن ثم يجب لتقدير انقلاب اقتصاديات العقد واعتبارهـا قائمـة، أن يدخل في الحساب جميع عناصر العقد التي تؤثر في اقتصادياته، واعتبار الع قد في ذلـك وحـدة واحدة، ويفحص في مجموعه لا أن ينظر إلى أحد عناصره فقط ، بل يكون ذلك بمراعـاة جميـع العناصر التي يتألف منها. ولا تنطبق هذه النظرية إذا كان خطأ المتعاقد قد وقع في أمور متوقعة قبل تنفيذ العقد، وفقاً للسير الطبيع ي للأمور، وللنظام المعتاد للعمل في الإ دارة العامة. (الطعن رقم 1590 لسنة 45 ق – جلسة 15/1/2002 (وبإعمال ما تقدم على الط لـب الأول مـن طلبـات المحتكمة، وهو الحكم لها بمبلغ ... مليون قيمة الزيادة في سعر صـرف الـدولار وغيـره مـن العملات الحرة وما ترتب على ذلك خلال الفترة من بدء تنفيذ العقد، شاملة المعاملات خلال الفترة التحضيرية حتى نهاية الفترة الثلاثية الأولى له في تاريخ ... فلما كان الثابـت مـن اسـتعراض المادة... من العقد المشار إليه، أن الفترة الثلاثية الأولى له تبدأ مـن تـاريخ انتهـاء المرحلـة التحضيرية، ومدتها طبقاً للعقد ستة أشهر، والتي بدأت بدورها اعتباراًمن تاريخ توقيعه فـي .... ومن ثم تنتهي تلك الفترة، ومقدارها ثلاث سنوات في ... ويعد هذا التاريخ، دون غيره، هو الحـد الفاصل للمرحلة التي تجري عليها المطالبة عن المرحلة التالية لها، مما يتعين معه الالتفات عـن تاريخ... الذي أشارت إليه المحتكمة، إذ أن التاريخ الأخير، حسبما يبين من الأوراق هو تـاريخ بداية نشاط المحتكمة في معالجة النفايات. 

وكان الثابت كذلك، على ما يبين من الأوراق، وهو ما لم تجحده المحتكم ضدها، أن تغييراً تدريجياً بالزيادة بدأ يحدث في سعر صرف الدولار الأمريك ي، مقارناً بسعر الصرف الذي كـان سائداً عند توقيع العقد . وكانت هذه الزيادة خلال المرحلة التحضيرية والسنة الأولى مـن الفتـرة الثلاثية للعقد لا تتجاوز20 ،%وهي زيادة تدخل في نطاق تقلبات العملة وليس من شأنها إحداث اختلال في التوازن المالي والاقتصاد ي للعقد، في ضوء من أن الأعمال محل هذا العقد لا تقتصر على توريد المعدات والأدوات والآلات والسيارات المستوردة من الخارج، وإنما يمثل ذلك أحـد الأعمال محل العقد بالإضافة إلى ما يتضمنه من أعمال أخرى تحصل المحتكمة على مقابل كبير لها من قيمة العقد بالعملة المحلية ، فضلاً عن أن اسـتعمال هـذه المعـدات والأدوات والآلات والسيارات لن يقتصر على الفترة الثلاثية الأولى للعقد، وإنما سوف تستعملها المحتكمـة خـلال الفترتين التاليتين وفي تنفيذ العقود الأخرى التي أبرمتها خارج نطاق العقد الماثل، وهو مـا لـم تشكك فيه المحتكمة أو تقدم ما يدحضه.

وبحسبان أن الزيادة التي طرأت على سعر صرف الدولار الأمري يك في الـسنتين الثانيـة والثالثة من الفترة الثلاثية الأولى المشار إليها تجاوزت الحدود المعتادة لتقلبـات العملـة حيـث وصلت خلال السنة الثانية إلى ما يجاوز50 ،%وجاوزت في السنة الثالثة نسبة 70 %إلـى أن بلغت في نهاية الفترة الثلاثية الأولى أكثر من80 %من سعر الصرف السائد عند إبرام العقـد، وتلك الزيادة لها أثرها الواضح على التوازن المال ي والاقتصاد ي للعقد، الأمر الـذي مـن شـأنه إحداث اختلال في هذا التوازن، بالنظر إلى جملة ما يتحقق عن العقد من دخل باعتباره وحـدة واحدة.

وبالنظر إلى أن مؤدى اعمال حكم المادة ... من العقد بما تنطوى عليه في حقيقة الأمر مـن ترديد للقواعد التي تقوم عليها نظرية الظروف الطارئة وذلك فيما يتعلق بالتغيير الحاصـل فـي سعر صرف الدولار الأمريكي، هو أن تشارك المحتكم ضدها المحتكمة في تحمل جانـب مـن الخسارة التي تعرضت لها نتيجة للزيادة المذكورة في سعر الصرف، وهو ما قد تهر هيئة التحكيم بعد النظر في قيمة التغيير الحاصل في سعر الصرف وأدى إلى الاختلال المشار إليـه، وقيمـة المكون الذي تأثر بهذا التغيير، والضرر الذي لحق بالمحتكمة من جرائه- وبمراعاة الأثر الناجم عن ذلك فيما يتعلق بتدبير الأموال اللازمة لتنفيذ العقد، بمبلغ ... مليون دولار تؤديهـا المحـتكم ضدها للمحتكمة.

وفيما يخص الطلب الثاني للمحتكمة، وهو الحكم بإلزام المحتكم ضدها أداء مبلغ... ألـف دولار، قيمة الزيادة في الأجور المترتبة على صدور قانون العمل ورفع الحـد الأدنـى للزيـادة السنوية للأجور إلى....% من الأجر الأساسي، وذلك عن الفترة من سريان قانون العمل الجديـد وحتى نهاية الفترة الثلاثية الأولى للعقد . فإن الثابت أن مستندات العقد الماثـل، بالترتيـب الـذي تضمنته المادة.... منه، وردت خلواً من نص يخول المحتكمة الحق في تقاضـ ي مـا عـساه أن يحدث من زيادة في أجور العمال، تنفيذاً لما يصدر من تشريعات. ولما كان من المقرر قانونـاً، طبقاً للمادة (658 (من القانون المدني، أنه ليس للمقاول أن يستند إلى ارتفاع أسعار الأيدي العاملة أو غيرها من التكاليف ليطلب زيادة في الأجور، ولو بلغ هذا الارتفاع حدا يجعـل تنفيـذ العقـد عسيراً، على أنه إذا انهار التوازن الاقتصاد ي بين التزامات كل من رب العمل والمقاول بـسبب حوادث استثنائية عامة لم تكن في الحسبان وقت التعاقد، مما ترتب عليه تداع ي الأساس الذي قام عليه التقدير المالي للعقد جاز للقاضي أن يحكم بزيادة الأجر أو فسخ العقد، الأمر غير الحاصل، إذ فضلاً عن أن الزيادة ال تي قررها قانون العمل الجديد في أجور العمال هي زيادة محدودة، ليس من شأنها بحال من الأحوال انهيار التوازن المال ي للعقد الماثل، فإن هذه الزيادة كانـت متوقعـة بالعلم العام، إزاء التعاصر الحاصل بين إبرام ذلك العقد، وبين طرح مـشروع قـانون العمـل للمناقشة على صفحات الجرائد، وفي الجهات المعنية يضاف إلى ذلك أن المحتكمة وقد ارتـضت في العقد استعارة 50 %على الأقل من عمال النظافة العاملين بالإقليم فإنها تلتزم بأداء مستحقاتهم المالية، مع ما يطرأ عليها من زيادات إعمالاً للقانون . والأصل أن هؤلاء العاملين غير مخاطبين بأحكام قانون العمل الجديد وبالزيادة التي قررها، يضاف إلى ذلـك أن عـدم وفـاء المحتكمـة بالتزامها باستعارة هذه النسبة هو الذي كان من شأنه قيامها بالتعاقد مـع غيرهـا مـن العمـال المخاطبين بأحكام قانون العمل، ومن ثم فإن تحمل المحتكمة العبء المال ي الناتج من تطبيق قانون العمل الجديد على هؤلاء العمال، بفرض ثبوته، يكون مرده إلى إخلال المحتكمة بالتزامها في هذا الخصوص. وبناء على ذلك، تقرر هيئة التحكيم رفض ذلك الطلب، لفقدانه الأساس القانون ي الذي يقوم عليه.

وفيما يخص طلب المحتكمة الثالث، وهو الحكم لها بتعويض مقداره ... مليـون دولار عـن الأضرار التي لحقت بها نتيجة الاقتراض من البنوك لتوفير السيولة المالية، فلما كان الثابت على ما سبق تفصيله أن القضاء بأحقية المحتكمة في التعويض عن جانب مما لحق بها مـن خـسائر نتيجة للزيادة التي حدثت في أسعار صرف الدولار الأمريك ي، إنما جاء إعمالاً للمادة ... من العقد المبرم بينها وبين المحتكم ضدها، والذي لا يعدو في حقيقة الأمر أن يكون ترديداً للقواعد التـي تقوم عليها نظرية الظروف الطارئة إذ من المقرر أن تعويض المتعاقد طبقـاً لهـذه النظريـة لا يستغرق كامل الخسائر والأضرار التي لحقت به، وإنما يقتصر فقط على مشاركته فـي تحمـل نصيب منها ضماناً لتنفيذ العقد. وبحسبان أن مقتضيات إعمال تلك النظرية توجب النظر إلى العقد كوحدة واحدة، بحيث يدخل في الحساب جميع عناصر العقد التي تؤثر في اقتصادياته، وهو مـا أخذته هيئة التحكيم في اعتبارها عند تقدير المبلغ الذي الزمت المحتكم ضدها به، ومن ثم ت قـرر الهيئة رفض طلب المحتكمة الماثل. 

ومن حيث إنه عن طلبات المحتكم ضدها المقابلة، وذلك بعد رفض طلبها العارض بـبطلان المادة.... من العقد فإن طلبها أحقيتها في قيمة المبالغ التي حصلت عليها المحتكمة نتيجة إبـرام عقود لخدمة النظافة في نطاق رقعة الإقليم مع الشركات و الهيئات، لا يقوم على صـحيح سـنده، لوقوع الأعمال محل هذه العقود خارج نطاق الأعمال محل العقد الماثل، حسبما يبين من مستنداته المنصوص عليها في المادة... لأنها عبارة عن نظافة داخلية للمواقـع التـي تـشغلها الهيئـات والشركات المتعاقدة أو المواقع الخاصة بها وليس عموم ال مناطق التي يسري عليها العقد الماثل، كما أن إبرام المحتكمة لهذه العقود تم إعمالاً للمادة ... التي رخّصت لها القيام بأعمال إدارة جمع المخلفات والتخلص النهائي منها بالإقليم والتي لا يشملها نطاق العمل، وذلك لحساب الغير وتحت مسئوليتها الخاصة، وأجازت لها تقاض ي مقابل من الغير لقاء ذلك . يؤيد ذلك أن المحافظة وقعت على العقد الذي أبرمته المحتكمة مع هيئة الميناء، والذي نص صراحةً على أنه لـيس للمحـتكم ضدها المطالبة بأية مبالغ نظير توقيع هذا العقد، إذ لو كان نطاق الأعمال محل هذا العقد، يدخل في نطاق الأعمال المتفق عليها بينالمحتكمة والمحتكم ضدها لاعترضت الأخيرة على إبرام ذلك العقد في حينه، الأمر غير الحاصل. لذلك تقرر هيئة التحكيم رفض هذا الطلب.

وبالنسبة إلى ما تطالب به المحتكم ضدها من إلزام المحتكمة أن تؤد ي لها ... مليـون دولار تعويضاً عن الأضرار المترتبة على عدم تشغيل نسبة50 %من عمال المحتكم ضدها فانه يبـين من مستندات العقد الماثل، إن عدد العمال المشتغلين بالنظافة في تاريخ توقيع العقد بما في ذلـك السائقين والإداريين بلغ... ألف عامل وكان العقد الماثل ينص على تعهد المحتكمة بأن تـستعين عن طريق الإعارة من المحتكم ضدها بما لا يقل عن50 %من عمالها الحاليين والمعينين مـن أجل القيام بنشاط النظافة.

وباعتبار أن المحتكمة لم تقم بالوفاء بهذا الالتزام ، حيث أن أكثر عدد من عمـال المحـتكم ضدها الذي تمت استعارته بلغ.... عاملاً خلال إحدى فترات العقد، ثم ما لبثت المحتكمة أن قامت بتخفيض هذا العدد إلىالربع تقريباً، استناداً إلى الأسباب التي ساقتها في دفاعها وجميعها أسباب لا تصلح مبرراً لإخلالها بالتزامها المنصوص عليه في العقد، الأمر الذي كان من شـأنه تحمـل المحتكم ضدها أجور وبدلات وعلاوات ومكافآت العمال الذين تشملهم النسبة المـذكورة، خـلال مجمل مدة تنفيذ العقد الماثل في فترته الثلاثية الأولى، ومن ثم فإنه يتعين الحكم بإلزام المحتكمـة بتعويض المحتكم ضدها عن ذلك وهو ما ترى هيئة التحكيم تقديره بمبلغ... مليون دولار.

ولا ينال من ذلك تذرع المحتكمة بأن العقد يخولها تحديد فئات المؤهلات التي يتطلبها تنفيذ الخدمة موضوع العقد وعدد العمالة المطلوبة من كل فئة، لأن حكم هذا البند يقتصر على تخويل المحتكمة حرية اختيار العمال بحسب مؤهلاتهم، من بين العاملينلدى المحتكم ضدها، فلا يكون للأخيرة أن تجبرها على اختيار عمال بعينهم أو حامل ي مؤهلات معينة دون غيرها، دون أن يتيح لها ذلك التحلل من أصل التزامها باستعارة النسبة المذكورة من هؤلاء العمال كحد أدنى، كما أنه ليس للمحتكمة أن تتذرع بأن بعض العمال طلب إنهاء إعارته والعودة للعمللدى المحتكم ضدها، إذ أنه لو صح ذلك لكان على المحتكمة أن تبادر إلى استعارة غيرهم من العـاملين فـي مجـال النظافة لدى المحتكم ضدها، وهو ما لم يحدث، ومن حيث إنه عما تطالب به المحتكم ضدها مـن إلزام المحتكمة أداء مبلغ... مليون دولار تعويضاً عن الأضرار المترتبة على عدم أدائها لخدمـة النظافة العامة على الوجه الأكمل طبقاً لكراسة الشروط والمواصفات والعطاء المقدم منها، فلمـا كان الثابت من الأوراق أن المحتكمة قد أخلت بالوفاء ببعض التزاماتها في أداء خدمـة النظافـة المتفق عليها في العقد الماثل، مما ترتب عليه قيام المحتكم ضدها بتوقيع العديد مـن الغرامـات عليها. وذلك إعمالاً للمادة... من العقد. وكانت هذه الغرامات في حقيقة الأمر هي بمثابة تعويض اتفاقي تحصل عليه المحتكم ضدها كأثرللإخلال بالتزاماتها العقديـة، دون حاجـة الـى إثبـات الضرر، ودون إخلال فيذات الوقت بحق المحتكم ضدها في المطالبة بالتعويض عن الأضـرار الناجمة عن ذلك الإخلال ولا يعطيها التعويض الاتفاقي (الغرامات).

ومن ثم فإنه يكون على ال محتكم ضدها إقامة الدليل على أن أضراراً لحقت بها مـن جـراء إخلال المحتكمة بالتزاماتها العقدية، تجاوز حدود التعويض الاتفاق ي الذي تم استئداؤه إعمالاً للعقد (الغرامات)، وإذ قعدت المحتكم ضدها عن إقامة الدليل على ذلك، حيث أن ما ساقته في دفاعها، من استعراض لصور الضرر البيئي والسياح ي وغيرها التي لحقت بها، لا يعدو أن يكون قـولاً مرسلاً لا دليل عليه وباعتبار أن الغرامات المنصوص عليها في البند(...) من العقـد متعـددة بحسب وجه الإخلال بالالتزام، ومحسوبة على أساس كل يوم يحدث فيه الإخـلال، فـإذا بلغـت جملتها 10 %من قيمة التعاقد السنوي، كان للمحتكم ضدها النظر في فسخ العقد، وهو ما لم تصل إليه المحتكم ضدها. وبناء عليه تقرر الهيئة رفض طلب المحتكم ضدها في هذا الخصوص.

ومن حيث أنه عن مصروفات التحكيم، فترى هيئة التحكيم إلزام الطـرفين بهـا مناصـفةً، إعمالاً لأحكام المادتين (184 (و (186 (من قانون المرافعات في المواد المدنية والتجارية، كمـا ترى إلزامهما بأتعاب هيئة التحكيم مناصفةً.

لذلك قضت هيئة التحكيم بالآت :ي أولاً- إلزام المحتكم ضدها بأداء مبلغ.... مليون دولار للمحتكمة تعويضاً عن جانب مـن الخسائر التي لحقت بها من ارتفاع أسعار صرف الدولار الأ مريكي ومـا تحملتـه مـن فوائـد الاقتراض من البنوك بسبب ذلك. ثانياً - إلزام المحتكمة بأداء مبلغ.... مليون للمحتكم ضدها تعويضاً عن الأضـرار التـي لحقت بها من جراء عدم استعارة 50 %على الأقل من عمال النظافة العاملين لديها. ثالثاً- رفض ماعدا ذلك من طلبات للطرفين. رابعاً - إلزام طرفي التحكيم بمصروفات التحكيم وأتعاب هيئة التحكيم مناصفةً. 

هيئة التحكيم                                                        ثلاثة محكمين مصريين

 

                                                             تعليـق القاضي الدكتور غسان رباح (لبنان)

بتاريخ 3/3/2008 أصدرت الهيئة التحكيمية المؤلّفة من ثلاثة محكّمين مصريين، في مقر مركز القاهرة الاقليمي للتحكيم التجاري الدولي القرار التحكيمي المتعلق بالنزاع القائم ما بين: - الشركة الأوروبية للخدمات المتكاملة.

- محافظـة الاسكندرية.

ويدور النزاع حول عقد خدمات تنظيفية ما بين المتداعين يتعلق بمنح الجهة المدعى عليها (محافظة الاسكندرية) للجهة المدعية (الشركة الاوروبية للخدمات المتكاملة) القيام بأعمال النظافة العامة للمناطق المحددة في المحافظة المذكورة أعلاه؛ علماً أن القانون الإجرائي هو قانون التحكيم المصري رقم 27/1994 والقانون الموضوعي هو القانون المصري.

وعلى أثر مباشرة الجهة المدعية بتنفيذ مضمون العقد بالشكل المطلوب منها والمتفق عليه تفصيلاً بين الطرفين، برزت صعوبات ومعوقات مالية مفاجئة، لم تكن بالحسبان، اعتبرتها الجهة المتعاقدة المدعية مؤثرة على توازن اقتصاديات العقد لجهة الأثقال المالية التي زادت من معدل المصاريف المتوقعة والتي التزمت بتأديتها بإنفاذ العقد وبشكل لم يعد مقبولاً على حد زعمها، وملخص ما أبدته في ادعائها أمام الهيئة التحكيمية من أسباب كانت كالتالي:

إن الجهة المحتكمة استندت عند إعدادها للدراسة اللازمة لتحديد تكلفة المشروع والتي على اساسها تم تحديد سعر البيع الخاص بعقد مشروع النظافة العامة للمحتكم ضدها إلى أن الدولار الاميركي الواحد يعادل قدراً معيناً من وحدات العملة المحلية، وهو السعر السائد آنذاك طبقاً للخطابات المتبادلة في هذا الشأن بين الطرفين.

إلا أنه قد طرأ خلال فترة التنفيذ عدد من المستجدات الاقتصادية أحدثت خللاً في التوازن الاقتصادي للعقد المبرم نتيجة للإنخفاض الحاد للعملة المحلية مقابل الدولار الاميركي، واليورو الاوروبي بالتبعية، ونتيجة لذلك فقد ارتفعت التكلفة الفعلية للاستثمارات في المعدات والشاحنات والآلات ومتابعة جمع القمامة اللازمة لمزاولة نشاط المحتكمة بالمقارنة لتكلفتها المقدرة طبقاً لسعر العملة السابق الذي كان سائداً وقت إعداد الدراسة؛ فضلاً عن ان قيمة معدل التضخم الذي بّني عليه عرض المحتكمة كان 4 %سنوياً، إلاّ أن معدل التضخّم قد تجاوز هذه النسبة بكثير، الأمر الذي أدى الى إحداث خلل في التوازن الاقتصادي للعقد المبرم بين المحتكمة والمحتكم ضدها.

ولما كان هذا التوازن على هدى ما أفصح عنه البند (....) من العقد المشار اليه هو مجموعة الظروف الاقتصادية والقانونية والمالية وغيرها من الظروف التي أبرم في ظلها العقد في تاريخ توقيعه، والتي على أساسها اتفق طرفا العقد على تنفيذ التزاماتهما وتحديد حقوقهما بالعقد الماثل، وكان العقد قد أورد نماذج لهذا الاختلال أُشير فيها إلى التغيير في سعر صرف الدولار الاميركي، وغيره من العملات الأجنبية المتأثر به، بما يؤثر بالسلب على قدرة الشركة على تنفيذ التزاماتها الواردة بالعقد، وما يترتب على ذلك من تغيير قيمة المكون الأجنبي اللازمة للتنفيذ. من جهتها، رفضت الجهة المحتكم ضدها مطالب الجهة المحتكمة؛ طالبة إلزام هذه الاخيرة بأن تؤدي للمحافظة مبلغ 20 مليون وحدة محلية تعويضاً عن الاضرار المترتبة على عدم أدائها لخدمة النظافة العامة على الوجه الأكمل وطبقاً لكراسة الشروط والعطاء المقدم منها؛ وبغض النظر عن أية تغييرات لاحقة لظروف العقد وتداعياته...

فماذا كانـت عليه حلول الهيئة التحكيمية، ومواقفها أمام هذه الادعاءات والادعاءات المقابلة؟؟

يلاحظ أن القرار التحكيمي موضوع التعليق يعالج أكثر من نقطة قانونية أثار البعض منها عدة تساؤلات لم يزل البعض منها موضوع جدل ومناقشة؛ وأهم تلك النقاط مسألة الظروف الطارئة التي تؤثر في مجرى استمرار فاعلية وتنفيذ مضمون العقود ومنها العقد الإداري، أي عندما يكون أحد طرفي العقد جهـة حكومية أو مؤسسة رسمية ذات منفعة عامة.

وهذا ما حصل بالنسبة الى موضوع التعاقد الجاري بين محافظة الإسكندرية وإحدى الشركات المتعاقدة معها لتأمين مختلف متطلبات العمل على قيام تلك الشركة... بتنظيف شوارع المحافظة بالشكل المطلوب، مقابل مبالغ مالية كانت ملائمة لاقتصاديات العقد وتوازن أركانه بتاريخ اعتبار هذا العقد نافذاً بين طرفيه، غير أن بعض الظروف الخارجة عن توقع الشركة المعنية لجهة الزيادة غير المقبولة في الأعباء المالية التي طرأت جعلتها تتظلم من نتائج ما حصل، وألزمها اللجوء الى التحكيم – المتفق على اللجوء إليه في العقد عند حصول النزاع لإعادة التوازن المطلوب الأمر الذي رفضته المحافظة، ناكرة على الشركة وقوعها تحت وطأة العجز عن متابعة تنفيذ العقد، متهمة إياها بالسعي للتملص من الالتزامات العقدية المفروضة عليها بحجج غير مقبولة. فهل كان القرار التحكيمي موفقاً بالنسبة الى النتيجة التي توصل اليها أم لا؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد لنا من التوضيح، أن الظروف الطارئة – في مبدئها – تتوافر في كل مرة تطرأ فيها ظروف اقتصادية غير متوقعة، لاحقة لإبرام العقد تجعل التنفيذ في غاية الصعوبة أو أكثر كلفة دون أن يكون مستحيلاً، وتستتبع الظروف الطارئة خللاً في التوازن العقدي يقدر وقت تنفيذ العقد؛ وهذا ما يميز الظروف الطارئة عن الغبن الذي يعتبر عيباً من عيوب الرضى ويقدر وقت إبرام العقد، ما يعني أن الظروف الطارئة تطرد الغبن: .“L’imprévision chasse la lésion” يترتب على ما تقدم، أن الظرف الطارىء يكون متوافراً عندما لا يعود ثمن مال معين أو خدمة معينة، محدداً عقداً، متناسباً مع قيمة هذا المال الحقيقية التي يقدرها القضاء عند تنفيذ العقد (على الأخص اذا كان العقد متتابع التنفيذ)؛ والنظرية غالباً ما ترتبط خاصة بالنقد؛ وقد عبر عن هذه الفكرة العالمان الفرنسيان “Boyer et Roland “بقولهما: "الظروف الطارئة، هي مسألة ذات طابع اقتصادي ومالي"؛ ذلك أن المنفعة الممنوحة للدائن تنفيذاً للعقد لا تتناسب مع القيمة الحقيقية للمنفعة المقابلة". من هذا المنطلق، إن نظرية عدم التوقّع ليست إلاّ إحدى أوجه التدهور الاقتصادي العقدي الناتج من تبدل الظروف، وبما أن النظرية مرتبطة بالنقد يمكن أن تكون الموجبات المتقابلة المحددة في العقد ذات طبيعة تمنع الأخذ في الاعتبار أي خلل او تدهور لاحق. علماً أن الظرف الطارىء لا يستجمع مواصفات القوة القاهرة لأنه لا يجعل التنفيذ مستحيلاً، بل أكثر كلفة وأشد إرهاقاً. فماذا عن موقف الاجتهاد الفرنسي العدلي والإداري: –أ لجهـة القضـاء العدلي: استقرت المحاكم الفرنسية، على الأخص المحكمة العليا على عدم اعتبار نظرية الطوارىء سبباً لإعادة النظر في العقد أو لفسخه، وبعد أن مالت الى اعتماد النظرية في بداية القرن التاسع عشر وذلك عام 1838 ،عادت محكمة التمييز الفرنسية لتستبعدها عام 1858 ولتطلق عام 1876 المبدأ الآتي:

".... في مطلق الأحوال لا يحق لقضاة الأساس مهما بدت لهم قراراتهم عادلة أن يأخذوا في الاعتبار الزمن والظروف لتعديل العقود وتضمينها شروطاً جديدة لم تقبل من الطرفين بالتراضي...". (Les Grand arrêts de la Jurisprudence Civile – Dalloz – 8ème édition 1984 – p. 346) هذا، وتأكيداً منها، استمرت محكمة التمييز الفرنسية على موقفها الرافض للنظرية في قرارات أكثر حداثة، منها مثلاً، القرار الصادر بتاريخ 31/5/1988 : (132. p, 189. No, IV, Civil Bulletin(؛ بصدد دعوى قائمة بين شركة تجارية طلبت كمية من المنسوجات القطنية من أحد التجار، على ان يحدد الثمن على اساس القيمة الرائجة بتاريخ شهر كانون الثاني العام 1982 وتسلّم تلك البضاعة اعتباراً من الشهر نفسه العام 1983؛ إلا أن التاجر حرر فواتيره بالثمن الرائج بتاريخ التسليم غير آبه باعتراض الشركة، وتمكن من ربح الدعوى استئنافاً، غير أن محكمة التمييز نقضت القرار الاستئنافي معتبرة أن محكمة الاستئناف بموقفها هذا (أي قبولها إعادة تقييم الثمن وفقاً للقيمة الرائجة بتاريخ التسليم)، وفي الوقت الذي لا يتضمن فيه العقد أي بند يجيز إعادة النظر في الثمن، أفقدت قرارها الاساس القانوني. هذا يعني أن المحكمة الفرنسية العدلية العليا برفضها أي تدخل مباشر في العقود تكون مطبقة بصورة عمياء نص المادة 1134 من القانون المدني، والتي أكدت على مبدأ القوة الملزمة للعقد. –ب لجهـة القضـاء الإداري: إن تشدد ورصانة المحاكم العدلية الفرنسية في تطبيق مبدأ القوة الملزمة للعقد قابله موقف مؤيد للنظرية من قِبل مجلس شورى الدولة؛ فمنذ العام 1916 ومجلس الشورى الفرنسي يطبق نظرية غير المنظور في العقود الإدارية؛ وترتب هذه النظرية على المتعاقد مع الإدارة موجب الاستمرار في تنفيذ العقد كما ترتب على الإدارة في نفس الوقت موجب المساهمة في تحمل الاضرار التي لحقت بالمتعاقد والتي أدت إلى خلل اقتصادي، ولقد بات مشهوراً ذلك الاجتهاد الصادر عن مجلس الشورى إياه في قضية: “Bordeaux de GAZ “على أثر الظروف الاقتصادية الناتجة من الحرب واختلال التوازن في العقد بين الشركة المذكورة وإدارة مدينة بوردو لغير مصلحة الشركة إياها، ولقد استجاب مجلس الشورى الفرنسي طلبها محملاً هذه الشركة جزءاً بسيطاً فقط من الأعباء المالية التي ترتبت بفعل الظروف غير المتوقعة. وتطبيقاً لما تقدم فإن القاضي الإداري يدعو الاطراف إلى إعادة مناقشة بنود العقد؛ وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق يحدد قيمة التعويض، فهو إذن لا يتدخل مباشرة في العقد بما أنه لا يملك سلطة تعديله؛ ولكن الجدير ذكره هو أن الطوارىء غير الملحوظة لا تجيز للمتعاقد مع الإدارة رفض تنفيذ العقد، بل له الحق فقط في تعويض نقدي، ولا شك أن مبدأ استمرارية المرفق العام هو الذي يحتم هذا المخرج والذي أخذ بمضمونه قرار صادر عن مجلس شورى الدولة اللبناني (مجلس القضايا) رقم 111 تاريخ 16/3/1992 والمنشور في مجلة العدل لعام 1992 ص 129 وما يليها. –ج في القـانون والاجتهاد اللبنانيين: لقد اعتمد المشترع اللبناني ضمن النظرية العامة للعقد المبدأ الذي اعتمدته غالبية التشريعات، وهو مبدأ سلطان الإرادة، مؤكداً على اهمية الرضى كعنصر أساسي في تكوين العقد معتبراً إياه الصلب والركن لكل عقد بل لكل اتفاق على وجه أعم (المادة 176 من قانون الموجبات والعقود)؛ والمبدأ الأهم المستفاد من المادة 221 من نفس القانون هو مبدأ القوة الملزمة للعقد، وعليه استقر الفقه والاجتهاد على القول بأنه ليس للقاضي حق التدخّل في العقد وإنما يكون تدخله فقط لتفسير العقد والوقوف على النية الحقيقية للطرفين؛ ولكن هل أن الأمر يبقى كذلك عند حدوث ظروف طارئة تقلب اقتصاديات العقد؟ القانون اللبناني جاء خلواً من اي نص قانوني يعالج مصير الالتزام، على الأخص الالتزام النقدي؛ فيما لم ير القضاء الاداري نفسه بحاجة للتردد، فقضى منذ البدء باعتماد نظرية الظروف الطارئة، وما زال مجلس الشورى اللبناني على موقفه حتى اليوم، وعلى سبيل المثال نورد ماورد في أحد قراراته رقم 87 تاريخ 13/5/1987) دعوى حرب ضد مصلحة كهرباء لبنان – غير منشور)، حيث جاء في احد حيثياته:

"... بما أن العلم والاجتهاد مجمعان على الأخذ بنظرية الطوارىء غير المنظورة، إذا ظهر أثناء تنفيذ الالتزام ما لم يكن في الحسبان من طوارىء أدت إلى تضعضع جدي في اقتصاديات الالتزام ومن ذلك التغيير الكبير في سعر صرف العملة الوطنية بالمقارنة مع العملات الاجنبية الأمر الذي يؤدي إلى إلحاق الاذى بالجهة المتعاقدة في أمر لم يكن لها دور إيجابي أو سلبي في حصوله... وبالتالي لا بد من إعطاء الفريق الحسن النية تعويضاً عادلاً عن الضرر اللاحق به بسبب تدني قيمة النقد الوطني...". وهذا ما لم يقبل به اجتهاد القضاء المدني؛ وعلى سبيل المثال ما صدر عن محكمة التمييز المدنية اللبنانية، قرار رقم 136/94 تاريخ 10/3/1994 قضية أسطفان/أسطفان، غير منشور... وعن نفس المحكمة، القرار رقم 19/1994 تاريخ 14/6/1994 ،قضية خوري/بوعساف؛ غير منشور. في ضوء كل ما تقدم؛ يقف المراقب لهذه الاتجاهات القضائية المتناقضة، حائراً متسائلاً عن مسوغات عدم لقاء القضاء المدني مع مجريات الاجتهاد الذي كرسه القضاء الإداري، كما ويستغرب هذا الظلم اللاحق بالمتعاقد مدنياً، والحق المعطى لذاك المتعاقد إدارياً؛ بالرغم من أن منطلقات ومبررات حصول ما حصل هو نفسه، والقائمة بنتيجتها على الاختلال في اقتصاديات العقد على أثر ظروف مالية أو نقدية طارئة وغير متوقّعة عند إبرام العقد. إن أهمية هذا القرار التحكيمي موضوع التعليق تكمن في عدة نواحٍ هامة وايجابية، فهو إلى جانب كونه اعتمد الصياغة السلسة والعبارات القانونية المعتمدة علمياً في مثل النقاط المناقش فيها، اتخذ موقفاً اجتهادياً واضحاً غير مكترث بالتفرقة المعتمدة في الحلول التي تصدر عادة عن القضاء المدني أو القضاء الاجرائي، مسجلاً بذلك سبقاً هاماً للعمل التحكيمي بشكل عام، معتمداً على مبادىء الإنصاف والعدالة، أكثر من اعتماده على نصوص القانون بجمودها وقسوتها في بعض الاحيان والتي من شأنها دائماً أن تلحق الأذى بأصحاب الحقوق الواضحة. إن ما توصل إليه هذا القرار التحكيمي من نتيجة يلتقي مع ما سمي صورة من صور التعاون العقدي، وهي صور تجد مصدرها في إرادة المشترع أو في إرادة المتعاقدين الصريحة أو المفترضة في التعاقد، وهي تؤدي في الواقع إلى نتيجتين: الأولى، إن النظرة إلى كل متعاقد على أنه الخصم لمن عاقده هي نظرة تخالف الحقيقة القانونية التي تبرز من خلال النصوص. فالعقد ينبغي أن ينفّذ بحسن نية (المادة 1134 من القانون المدني الفرنسي، تقابلها المادة 221 من قانون الموجبات والعقود اللبناني... والمطابقة لما جاء في القانون المدني المصري) تحقيقاً للنفع الاجتماعي، مما يفرض على كل طرف في التعاقد بأن يكون شريكاً للطرف الآخر؛ يضع أمامه فكرة المساعدة لا فكرة التضحية بمصالح شريكه. والثانية، ان تلك الواجبات المفروضة على الدائن إعمالاً لمبدأ التعاون هي واجبات قانونية، وتختلف في مصدرها عن الواجبات المفروضة في التعامل الإداري بإرادة القضاء وسلطته؛ فمبدأ التعاون يجد مصدره في التعامل العام في إرادة القضاء. فهو في الحالة الأولى، الصورة الاولى لذلك المبدأ، تخطتها العلاقات مع الإدارة إلى صور جديدة تترك للقضاء – كما للتحكيم – مجالاً وسلطة واسعة في فرض التعاون كلما كان ذلك ضرورياً لتأمين حسن سير المصلحة العامة ولو كان ذلك، في بعض الأحيان، على حساب النصوص والمبادىء القانونية.