الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم التجاري / المجلات العلمية / المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي العدد 49 / التحكيم في العقود التجارية 

  • الاسم

    المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي العدد 49
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    35

التفاصيل طباعة نسخ

التحكيم في العقود التجارية 

يعتبر التحكيم أقدم وسيلة لجأ إليها الإنسان لفض ما ينشأ بينه وبين أقرانه من نزاعات، فهو معروف منذ بدء الحضارة الإنسانية حيث اهتدى الانسان إلى أن القوة ليست الطريقة المثلى لحل النزاعات، لذلك لجأ الأفراد إلى شخص ثالث بحكمونه فيما شجر بينهم، بحيث نشأت بذلك فكرة التحكيم بحيث أصبح الأفراد طبقا لهذا النظام الجديد ملزمون بالاحتكام إلى شخص ثالث يختارونه بملء إرادتهم لحل النزاع القائم بينهم.

 وبالتالي أضحى التحكيم ظاهرة انسانية اتخذتها الانسانية منذ القدم وسيلة لفض النزاعات بطرق سلمية، وعرفت المجتمعات القديمة التحكيم ، إذ أكدت الحفريات على ذلك في كل بلاد الشرق القديمة عند الآشوريين والبابليين والسومريين، فالتحكيم كان في هذه المجتمعات كان من اختصاص الكهنة الذين العبوا دور الوساطة. كما عرفت الحضارة الإغريقية التحكيم كوسيلة لفض المنازعات التي كانت تنشأ بين الدويلات اليونانية بشأن الحدود والعلاقات المدنية والتجارية المحلية و الخارجية ، وقد كان الهدف الأساسي من التحكيم تخفيف العبء عن المحاكم الشعبية والتي جعلت محاكم استئناف ضد قرارات المحكمين . أما الرومان فعرفوا التحكيم خاصة في العقود الرضائية.

و بظهور الدولة الحديثة تطور تنظيم القضاء وازداد دوره وتوسع، ورغم ذلك حافظ التحكيم على أهميته كوسيلة لفض المنازعات وتم تطويره وربطه بالقضاء، حيث أضحت أحكام التحكيم الأجنبية تحوز قوة النفاذ بموجب أمر قضائي، فازدهر التحكيم وتطورت أحكامه وأصبح الحل الأنسب لتسوية المنازعات المتعلقة بالتجارة المحلية والدولية، لما له من سمات ومزايا هامة تشجع الخصوم على اللجوء إليه لفض المنازعات ولاسيما التجارية منها.

 وفي وقتنا الحاضر تطورة التقنيات المعتمدة في العملية التحكيمية وتعددة المنازعات التي يعهد فيها إلى التحكيم، والتي تبقى من أهمها المنازعات التجارية حيث أضحى التحكيم الوسيلة الأصيلة في حل المنازعات التجارية وخاصة في عقود التجارة الدولة حيث لا يكون وجود عقد تجاري دولي لا ينص ضمن بنوده على شرط اللجوء إلى التحكيم، ومن الفقه من يسميه بشرط منتصف الليل.

 وبالنسبة للجوء إلى التحكيم في العقود التجارية هناك مجموعة من المصادر القانونية التي تجيز اللجوء إلى التحكيم في لحل المنازعات المترتبة هذه العقود بحيث نجد المادة 5 من القانون المحدث للمحاكم التجارية تنص في فقرتها الأخيرة إلى أنه: "... كما يجوز للأطراف الاتفاق على عرض النزاعات التي تختص بالنظر فيها المحاكم التجارية على مسطرة التحكيم وفقا لأحكام الفصول 306 إلى 327 من ق م م."

المنظم للتحكيم الداخلي والدولي، و تعتبر أغلب أحكام هذا القانون مستمدة من قواعد القانون اليونسترال.

 من خلال كل ذلك سنحاول دراست قواعد التحكيم في مجال العقود التجارية والوقوف عند الخصوصية التي تميز هذا النوع من الوسيلة المعتمدة لفض النزاع عن القضاء الوطني.

معتمدين الإشكالية التالية:

إلى أي حد خص المشرع المغربي التحكيم التجاري الوطني بأحكام ومقتضيات قانونية تتلاءم وخصوصیات منازعات

عقود المعاملات التجارية وتتجاوز بالتالي المعيقات التي يعاني منها القضاء الرسمي؟

 المبحث الأول :الاتفاق التحكيمي في العقود التجارية :

لما كانت المنازعات الناجمة عن العقود التجارية سواء الدولية أو الوطنية تحتاج إلى السرعة والسرية في حلها، كما أن المقتضيات التشريعية الوطنية قد لا تسعف الأطراف في حل نزاعاتهم على الوجه الذي يرتضونه ، ولهذا فإن الأطراف في العقود التجارية وخاصة منها الدولية و كذلك العقود التجارية الوطنية والتي تكتسي قيمة مالية كبيرة فإن الأطراف كثيرا ما يتفقون على اللجوء إلى التحكيم الذي يوفر كل المزايا التي تم ذكرها ، ولهذا فإن إتفاق اللجوء إلى التحكيم ينبغي فيه توافر مجموعة من الشروط حتى يكون صحيحا ومنتجا لأثاره , كما أنه يتخد مجموعة من الصور ، وهذا ما سنعرض إليه في هذا المبحث ،لكن قبل ذلك لابد من التوقف عند مفهوم التحكيم وطبيعته القانونية لتتضح لنا الصورة أكثر حول هذه الوسيلة البديلة لفض المنازعات الناشئة عن العقود التجارية .

المطلب الأول :البناء القانوني لإتفاق التحكيم في العقود التجارية

إن الطبيعة القانونية للتحكيم شهدت تضاربا وتعددا للآراء الفقهية ، حيث أن هناك من اعتبره ذو طبيعة اتفاقية قائمة على إرادة الأطراف في اللجوء إليه، بينما هناك جانب أخر يرى أن التحكيم طبيعة قضائية وخاصة في مرحلة تنفيد الحكم التحكيمي ، وذهب اتجاه أخر إلى أن التحكيم يجمع كلا من الطبيعة الاتفاقية و القاضائية في كل مرحلة من مراحله، وأمام هذا التضارب حول الطبيعة القانونية للتحكيم فإنه من الطبيعي أن يصبح أمر وضع تعریف جامع و مانع للتحكيم أمرا صعبا ومعقدا، ورغم كل ذلك فلقد حاول مجموعو من الفقهاء والتشريعات الوطنية و الإتفاقيات الدولية وضع تعريف للتحكيم ، وهذا ما سنحاول بيانه مع ذكر أبرز شروط التحكيم وطبيعته القانونية.

 الفقرة الأولى: مفهوم التحكيم في العقود التجارية

مع تعدد التعريفات المتعلقة بالتحكيم ارتأينا تقسيمها إلى تعريفات فقهية وقانونية وتشريعية. 

أولا : التعريف القانوني

في هذا الصدد سنحاول أن نورد بعض التعريفات التي وضعها بعض رجال القانون الأكاديميين حيث عرفه البعض:

• إتفاق على طرح النزاع على محكم أو أكثر ، بشرط أن يكون عددهم وترا ليفصل أو ليفصلوا فيه

بدلا من المحكمة المختصة.

• هو عرض النزاع معين بين الأطراف المحتكمين على هيئة تحكيم تعين باختيارهم أو بتفويض

منهم على ضوء شروط يحددونها، لتفصل هذه الهيئة في النزاع بقرار يكون نائيا عن أي شبهة

محاباة .

• هو الطريق الذي قد يختاره الأطراف لفض المنازعات التي تنشأ عن العقد، عن طريق طرح النزاع على شخص أو أكثر يكون من الغير يطلق عليه المحكم أو المحكمون دون اللجوء إلى القضاء.

 • هو النظر في النزاع بمعرفة شخص أو هيئة يلجأ إليها المتنازعون مع إلتزامهم بتنفيد الحكم الذي يصدر في النزاع.

هو نظام قانوني يتم بواسطته الفصل بحكم ملزم في نزاع قانوني بين طرفين أو أكثر بواسطة شخص أو أشخاص من الغير يستمدون مهمتهم من أطراف النزاع. 

ثانيا : التعريف التشريعي لمصطلح التحكيم

رغم أن التعريف مسألة تحاول جل التشريعات الوطنية تجنبها وتركها للفقه والقضاء فإن العديد من التشريعات قامت بوضع تعريف للتحكيم ، منها المشرع المغربي الذي عرفه من خلال الفصل 306 من ق.م.م بأنه حل للنزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق التحكيم .

كما جاء في القصل 307 من ق.م.م بأن التحكيم هو التزام الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أوقد ينشأ عن علاقة قانونية معينة تعاقدية أو غير تعاقدية. اما المشرع المصري قام بتعريف التحكيم من خلال قانون التحكيم رقم 24 لسنة 1994 قائلا:أن لفظ التحكيم يقصد به اتفاق الأطراف بإرادتهما الحرة على إنهاء الفصل في النزاع الدائر بينهما أو ماقد يثور بينهما من منازعات مستقبلية عن طريق التحكيم بعيدا عن المحكمة المختصة بنظر النزاع سواء كانت الجهة التي تتولى اجرائات التحكيم منظمة وطنية أو دولية أو مرکز دائما للتحكيم أو غيرها.

وما يلاحظ أن أغلب الاتفاقيات الدولية تحاشت وضع تعريف للتحكيم كما هو الشأن بالنسبة لاتفاقية نيويورك لعام 1958 ، وكذلك القانون النموذجي للتحكيم الذي أعدته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي unictral وأيضا غرفة التجار الدولية بباريس . icc 

ثالثا: التعريف الفقهي للتحكيم : 

لقد تعددت تعاريف الفقهاء للتحكيم كل حسب رؤيته الطبيعة التحكيم ، حيث عرفه الأستاذ عبد الكريم الطالب بأن التحكيم يقوم كنظام لفض المنازعات التي تنشأ بين الأفراد بتوافر شروط متعددة ولا يصح إلا بإجرائات وشكليات قد تكون نابعة من إرادة الأطراف أو من القانون نفسه.

• وعرفه جون روبرت بأنه نظام لتحيقيق عدالة خاصة، وهي الية وفقا لها يتم سلب المنازعات في الخضوع لسلطة القضاء لكي يتم فيها الفصل بواسطة أفراد عهد اليهم بهذه المهمة في واقعة الحال.

• عاديين ، واللذين تعتبرهم أطراف كما عرفه موريل بأنه القضاء في منازعة بواسطة أشخاص المنازعة قضاة.

إن الملاحظ من خلال كل هذه التعريفات أنها تتفق في مجموعة من الجوانب والخصائص مفادها أن التحكيم هو وسيلة بديلة لفض المنازعات التي تنشئ بين الأفراد ، كما يتفقون بأن التحكيم يتسم بالمرونة وهو متحرر من القيود والقواعد القانونية الجامدة ، ولكن ورغم ذلك فإن التحكيم حتى ولو كان حرا فلابد للمحكم أن يحترم المبادئ الأساسية لحقوق الدفاع و مبادئ العدالة والإنصاف واحترام مبدأ

التواجهية.

كما يتضح من خلال هذه التعريفات بأن التحكيم هو نظام متميز من حيث طبيعته باعتباره حقا يتمتع به الأطراف ويستمد قوته من إرادتهم في اللجوء إليه فهة نابع من سلطان الإرادة ،ألا أن هذع الإرادة

يجب أن تتقيد بقواعد النظام العام ، كما أن المشرع لم يجعل قواعد التحكيم مستقلة تمتما عن القضاء العادي حيث أوجد شيئا من التبعية بين نظام التحكيم والجهاز القضائي كضرورة تذييل بعض الأحكام التحكيمية بالصيغة التنفيدية ، إضافة إلى إمكانية الطعن في الحكم التحكيمي متى توفرت شروط ذلك.

غير أن هذه التبعية لا يمكنها أن تنفي دور إرادة الأطراف في تأسيس عملية التحكيم ولا أن تضحض الطابع الإراضي لاتفاق التحكيم ، فالتحكيم هو نظام عدالة خاصة وحينما يتفق الأطراف على اللجوء إليه الفض منزعاتهم فإنه ينزع الإختصاص عن المحاكم العادية للنظر في محل اتفاق التحكيم وبالتالي حسم النزاع بعيدا عن دواليب هذه المحاكم ، وأمام هذا التضارب حول الطبيعة القانونية للتحكيم فإننا نقترح الوقوف بشيئ من التفصيل حول هذه النظريات.

الفقرة الثانية : طبيعة التحكيم في العقود التجارية يعتبر اتفاق اللجوء الى التحكيم في المنازعات الناجمة عن العقود التجارية فضاء خاصا وأصيلا لفض هذه المنازعات ، إلا أن الأراء تضاربت حول الطبيعة القانونية لنظام التحكيم ، فإذا كان هذا الأخير ينشأ من تاريخ الاتفاق على اللجوء إلى التحكيم ، فإنه ينتهي بصدور الحكم التحكيمي ، ويمر من مرحلة إجرائية وهي مرحلو وسط بين الاتفاق وصدور الحكم وتنفيده.

وتطبيقا لذلك فإن التحكيم يستمد مشروعيته من خلال اتفاق الأطراف على اللجوء إليه فهو تصرف إرادي بين أطراف العقد ، لكنه ينتقل إلى مرحلة ثانية ويصبح إجراء قضائيا خاصا عند صدور الحكم وتنفيده ، ومن ثم تعددت النضريات حول طبيعة التحكيم التجاري والتي سنحاول الوقوف عندها بشيئ من التفصيل.

أولا: النظرية التعاقدية وفقا لهذه النظرية فإن نظام التحكيم من حيث طبيعته ليس على صلة بالقضاء ، فهو يستمد قوته القانونية من إتفاق الأطراف طبقا لمبدأ سلطان الإرادة لحل النزاع الناشئ بينهم بعيدا عن الجهاز القضائي، وذلك عن طريق اختيار شخص ثالت يسمى المحكم والذي يكون محل ثقتهم المجموعة من الاعتبارات الفض النزاع بينهم ، لذلك فإن سلطة المحكم يستمدها من إتفاق التحكيم ، وطبقا لهذه النظرية فإن اتفاق اللجوء إلى التحكيم والحكم الذي يصدره المحكم وحدة لا تتجزأ كلها نابعة من إرادة الأطراف، فهؤلاء عن طريق إتفاقهم حول التحكيم فإنهم يحددون القواعد الموضوعية و الإجرائية للتحكيم من قبيل نطاقه والقانون الواجب التطبيق ، إضافة إلى كيفية إختيار المحكم ، فيكون بذلك إتفاق التحكيم كسائر العقود الأخرى التي يبرمها الأفراد. 

 وهكذا فإن عملية التحكيم تستمد أساسها القانوني من القوة الملزمة للعقد الذي أبرمه الخصوم واتفقو فيه على اللجوء إلى التحكيم ، وما حكم المحكم إلا أثر عن هذا العقد.

 وكذلك فإذا كانت الرابطة العقدية هي التي تنشأ أثر التحكيم ، فإن هذا الأثر لا يمكن له أن يتجاوز ويشمل غير أطراف التحكيم تطبيقا لمبدأ نسبية أثار العقد. 

وفي هذا الصدد جاء قرار المحكمة النقض عدد 1205 المؤرخ في 2009/2/25 "للحكم التحكيمي اثر نسي، فلا يمكن الإحتجاج به على من لم يكن طرفا فيه ، ولا ممثلا فيه بصفة قانونية"

 كما يرى أنصار هذه النظرية أن هذف التحكيم يختلف عن هذف القضاء العادي ، ذلك أن مصدر التحكيم هو العقد الذي يسعى إلى تحقيق مصلحة خاصة للأطراف ، عكس القاضاء الذي يسعى دائما إلى تحقيق المصلحة العامة، كما أن القضاء يفترض عدم رضى الأطراف بالخضوع إلى قاعدة قانونية بمحض إرادتهم عكس أطراف التحكيم الذين قد يحددون القانون الواجب التطبيق.

لكن ورغم ذلك فإن هذه النظرية تعرضت لمجموعة من الإنتقادات لكونها قامت بالمبالغة في إضفاء الطابع التاعقدي على التحكيم وعجزت عن تفسير لجوء الخصوم إلى القضاء من أجل الطعن في الحكم التحكيمي لأن الطعن لا يوجه إلا للعمل القضائي ، كما أن الاتفاق التحكيمي لا يعتبر أساس التحكيم الوجود التحكيم الإجباري .

 ثانيا : النظرية القضائية وفقا لهذه النظرية فإن التحكيم لا يعدو أن يكون إلا نوعا من من أنواع القضاء وله نفس سمات القضاء العادي . 

حيث يرى مناصرو هذه النظرية بأن التحكيم يجمع عناصر العمل القضائي كما أن المحكم في إطار أداء مهمته والفصل في النزاع التجاري يعد قاضيا يستمد سلطته من النصوص التشريعية المتعلقة بالتحكيم والتي تجعل لحكمه قوة تنفيدية وجية في مواجهة الأطراف ، كما يرى انصار هذه النظرية أن الحكم التحكيمي يحوز نفس القوة التنفيدية للحكم القضائي بكونه لا ينفد إلا بأمر من الدولة ذات السيادة، كما يحوز الحكم التحكيمي حجية الأمر المقضي به التي تكون مانعة من مناقشة ما قضى به المحكم إلا بالطرق التي تحددها الأنظمة بهذا الشأن.

 غير أن هذه النضرية هي الأهم تلقت انتقادات لادغة كون العمل القضائي هو سلطة من سلطات الدولة تهذف به إلى فرض النظام العام نعكس التحكيم الذي يؤدي وضيفة خاصة وهي التعايش السلمي بين أطراف النزاع وعدم الإضرار بالمصالح الإقتصادية للمحتكرين، كما أن للقاضي سلطة ولائية عكس المحكم الدي تنحصر سلطته في فض النزاع المطروع عليه، كما أن حجية الأمر المقضي به التي يكتسبها الحكم التحكيمي يعود أثرها للقوة الملزمة للعقد ونسبية أثار العقد.

ثالثا : النظرية المستقلة يرى أنصار هذه النظرية أن للتحكيم طبيعة خاصة له قواعده وخصائصه المستقلة الشيئ الذي يجعل منه نظاما فريدا لحل النزاعات التي تنشئ بين الأطراف . 

ووفقا لهذه النظرية فالتحكيم بيرمي لتطبيق العدالة بطرق خاصة لذلك فهو يختلف عن القضاء العادي، كما آن اتفاق التحكيم لا يكون دائما هو جوهر التحكيم لأن المشرع في بعض الحالات يبزم اللجوء إلى التحكيم الإجباري، كما يختلف التحكيم عن القضاء باعتبار هذا الأخير سلطة من سلطات الدولة. وفي ختام هذا النقاش يمكن القول أن التحكيم طبيعة قانونية مختلطة ، فهو في مرحلته الأولى ينشئ عن طريق الاتفاق وإرادة الأطراف ، ثم يصير بعد صدور الحكم التحكيمي أو التذييل بالصيغة التنفيدية من صميم العمل القضائي ، لذلك نقول أن للتحكيم طبيعة قانونية خاصة.

 الفقرة الثالثة :شروط التحكيم في العقود التجارية :

إذا كان اللجوء الى التحكيم في العقود التجارية حقا خوله المشرع للأفراد كما هو الحال في عقد الإتمان الإيجاري مثلا من خلال المادة 433 من مدونة التجارة ، فإن ذلك رهين لاحترام مجموعة من الشروط سواء تلك المتعلقة بالمحتكمين (أولا) أو المحكمين (ثانيا)

 أولا : الشروط المتعلقة بالمحتكمين :

1: الأهلية:بالرجوع إلى الفصل 308 من ق.م.م فإنه يستلزم ويشترط ضرورة توافر الأهلية في الشخص الذي يرغب في اللجوء إلى التحكيم ، غير أن المشرع لم يحدد نوع الأهلية المتطلبة أهي أهلية أداء أم أهلية وجوب؟ لكن مادام التحكيم قد يترتب عنه نقل الحقوق والتأثير على الذمة المالية للمحتكم فإن الأهلية المتطلبة هي أهلية الأداء أي التصرف.

وما يثير الإشكال بهذا الخصوص هو أهلية الأشخاص المعنوية في الجوء إلى التحكيم وخاصة منها الأشخاص المعنوية العامة والتي كانت محل نقاش دائم ، فهناك من التشريعات التي تمنع على والجماعات الترابية اللجوء إلى التحكيم ومنها القانون الفرنسي للتحكيم وكذلك التشريع الجزائري والتونسي ، في حين أن هناك تشريعات ذهبت إلى خلاف ذلك كالتشريع الأردني و المصري ، وفي الحقيقة فإنه يجب التمييز بين لجوء الدولة أو الجماعات الترابية إلى التحكيم بخصوص أملاكها العامة وأملاكها الخاصة، ففي الحالة الأولى لايجوز لها اللجوء إلى التحكيم لأنها تمارس أعمال السلطة ، عكس الحالة اثانية والتي تكون بوجبها كطرف خاص عادي، وفي هذا الصدد جاء قرار المحكمة الإستئناف بالدارالبيضاء الغرفة التجارية قرار جاء فيه "إن المكتب الوطني للشاي والسكر يخضع لقواعد القانون الخاص ،التي يخضع لها الأطراف في معاملاتهم التجارية ،إذ أن هذا المكتب وإن كان مؤسسة عمومية فإن أعماله التجارية لا تعتبر أعمالا إدارية.

 2 : ملكية التصرف في الحق موضوع التحكيم: بالرجوع إلى الفصل 308 من ق.م.م فإنه يشترط على من يود اللجوء إلى التحكيم ضرورة ملكية الحق في التصرف في الحقوق موضوع التحكيم ، وهكذا فإنه يثور الإشكال حول ما إذا كان المستعمل في عقد الإيمان الإيجاري سواء للمنقول أو العقار يملك الحق في اللجوء إلى التحكيم رغم أنه لا يملك حق التصرف التصرف في الأشياء محل الإتمان الإيجاري لالات والسيارات إذا وقع نزاع بشأنها ؟ في الحقيقة فإن أغلب عقود الإيمان الإيجاري تتضمن من الشروط مايكفي لسد مثل هذه الثغرات ، كما ذهب بعض الفقه للقول أن المستعمل يتحرك للدفاع عن حقوقه كوكيل لمؤسسة الإتمان حيث أن المادة 433 من مدونة التجارة نبهن الأطراف الى اهمية تضمين مختلف الشروط المتعلقة بالطرق البديلة لتسوية النزاعات الناجمة عن هذا العقد.

كما إستثني المشرع بعض الحقوق من أن تكون محلا للتحكيم وذلك حفاظا على النضام العام المغربي وهذه الإسثتنائات جائت في المواد 309 و 310 من ق.م.م 

ثانيا: الشروط المتعلقة بالمحكمين : إذا الكان القاضي في المحاكم العادية يخضع لمجموعة من الشروط لأداء وظيفته على أحسن وجه، فإن التساءل يثور حول من يحق له مزاولة التحكيم وماهي طبيعة الشروط الواجبة التوفر في المحكم ، حيث أن المشرع من خلال الفصل 320 من ق.م.م تطلب أن يكون المحكم كامل الأهلية ولم يسبق له أن أدين بحكم نهائي من أجل إرتكاب أفعال ماسة بالشرف أو الإستقامة أو حكم عليه بسقوط أهليته .

1:الحياد والإستقلالية: لا يقتصر شرط الحياد و الإستقلالية على القضاء العادي وإنما يطال كذلك الهيئة التحكيمية أو المحكم، وذلك من أجل ضمان حسن سير عملية التحكيم والوصول إلى العدالة المبتغاة. 

ويقصد بالحياد كون المحكم على درجة من الحيادية بين طرفي النزاع مما يجعله بعيدا عن محاباة أي أحد منهما أو التعاطف معه حتى ولو كان هو الذي قام بتعيينه. 

أما الإستقلالية فتعني إستقلال المحكم عن جميع العوامل والمؤثرات فيما يقضي به من حكم في النزاع، فلا يتأثر بأي علاقة سابقة مع أحد الأطراف، ولا يتأثر كذلك بأي مؤثر خارجي سوى بالقانون ومبادئ العدالة والإنصاف، حيث أن شرط إستقلالية المحكم يهدف بالأساس إلى حماية مبدأ المساواة بين الأطراف.

 وقد أكدت أغلب مراكز التحكيم على ضرورة حياد المحكم وإستقلاله حيث أن الجمعية الأمريكية التحكيم تلزم أن يكوم رئيس الهيئة التحكيمية محايدا فيما يحق للمحكمين الأخرين الخضوع الخصوم، أضف إلى ذلك أن غرفة التجارة الدولية بباريس I.C.C تشترط ألا ينتمي المحكم إلى أي طرف من أطراف النزاع، كما يجب عليه الإفصاح عن كل مؤثر قد يخل بحياده أو إستقلاليته ، حيث أ هذا الإفصاح يحنب صدور حكم باطل وكذلك المساهمة في تهيئة أجواء مثالية من أجل تحقيق المراد من عملية التحكيم.

2:الخبرة القانونية :ذهبت بعض التشريعات المقارنة إلى ضرورة كون المحكم رجل قانون ومن هذه التشريعات نجد القانون الإسباني للتحكيم وكذلك نظيره البرتغالي والتشيلي، وفي مقابل ذلك ذهبت تشريعات أخرى ومنها المشرع المغربي أنه ليس من الضروري أن يكون المحكم رجل قانون بقدر ماهو ضروري أن يحوز ثقة المحتكمين.

لكن في الحقيقة إن توفر المحكم على دراية قانونية يجعله يضبط إجرائات عملية التحكيم وخاصة أن المنازعات المتعلقة بالعقود التجارية تتطلب خبرة قانونية نظرا للدقة التي تتميز بها هذه العقود.

3:كيفية إختيار المحكمين: إن إتفاق التحكيم في العقود التجارية ينصرف فيه الأطراف لتحديد مجموعة من الشروط المتعلقة بالتحكيم ، وخاصة كيفية إختيار المحكم أو العيئة التحكيمية وفقا للطرق التي يرونها مناسبة ، كما يحددون عدد المحكمين والشروط الواجبة التوفر في المحكم ، كما قد يتفق الأطراف في الإتفاق التحكيمي على إسناد مهمة تعيين المحكم إلى الغير وخاصة مؤسسات التحكيم يواء الوطنية أو الدولية كغرفة التحكيم الدولي بلندن مثلا ليصير التحكيم مؤسساتيا ، كما قد يكون تعيين المحكم غير خاضع لإرادة الأطراف حينما يكون التحكيم إجباريا، ويفرض القانون على أطراف العقد التجاري إلى اللجوء إلى مركز تحكيمي معين كما هو الحال بالنسبة للمشرع الجزائري الذي أجد بالتحكيم الإجباري في بعض العقود التجارية ، عكس المشرع المغربي الذي سار على نفس خطى نظيره الفرنسي، كما إن القضاء العادي يقوم بتعيين المحكم في حالات خاصة حددها القانون.

أ: أبإختيار المحكمين بمحض إرادة المحتكين :لقد جرت العادة في إتفاقات التحكيم بمناسبة المنازعات التي قد تنشئ عن العقود التجارية على إختيار الأطراف وتحديدهم للهيئة التحكيمية وفقا لقناعتهم الخاصة، فيختار كل طرف محكما للفصل في النزاع ، ويقوم هؤلاء المحكمين أنفسهم بتعيين المحكم الفيصل أو الرئيس بطريقة غير مباشرة، كمايقوم الأطراف من خلال إتفاق التحكيم على تحديد عدد المحكمين الذي يجب أن يكون وثرا تحت طائلة بطلان الحكم التحكيمي، ويقومون بذكر إسم المحكم ووظيفته تجنبا لأي نزاع بشأن هوية المحكم عند نشوء النزاع، وفي العقود التجارية الوطنية كعقود الوكالة بعمولة والسمسرة وعقد نقل البضائع غالبا ماتم تعييت محكم واحد، لقلة النفقات وتعجيل إجرائات التحكيم التي تتطلبها العملية التحكيمية، غير أن إتفاق التحكيم في العقود التجارية الدولية وكذلك عقود الترخيص و عقد الإتمان الإيجاري فيتم الإتفاق على تعيين هيئة تحكيمية تفصل في النزاع نظرا للقيمة المالية للنزاع. كما يجب على الأطراف إحترام أجل إختيار المحكم ، حيث يبدأ سريان هذا الأجل من يوم إستلام المدعى عليه الإخطار من خصمه حيث يجب عليه أن يبادر بتعيين محكم إن لم يسبق له ذلك، ويختلف هذا الأجل من تشريع لأخر ، فعلى سبيل المثال فالقانون التجاري الدولي UNCITRAL حدده في 15 يوم ، أما الجمعية الأمريكية للتحكيم حددته في 7 أيام ، أما المشرع المغربي فقد تأثر بقواعد اليونيسترال وجعله في 15 يوم ، وقد نصل المشرع في الفصل 327-5 على مجموعة من الإجرائات الواجب إتباعها إذا لم يتم تعيين الهيئة التحكيمية في إتفاق التحكيم، حيث بعد مرور أجل 15 يوم فإن رئيس المحكمة التجارية يقوم بتعيين محكم مع مراعاة الشروط التي يتطلبها القانون لذلك والتي يتفق عليها الأطراف كذلك ، ولا يكون هذا القرار قابلا لأي طريق من طرق الطعن، وفي هذا الصدد جاء حكم صادر عن المحكمة التجارية للدارالبيضاء الحكم عدد 5523 بتاريخ 05/05/2009 في الملف رقم 9444/6/2008 بتاريخ 2009/05/05 "طبقا لأحكام المادة 4- 327 وما يليها من قانون المسطرة المدنية فإن اختصاص تعيين المحكمين أعطي لرئيس المحكمة التجارية مع اعتبار الأمر الذي يصدره غير قابل لأي طريق من طرق الطعن، عکس حكم المحكمة والتي لم يخترها المشرع لمثل هذه المهمة لتنافي أحكامها مع المقتضى الذي ينظم صدور أوامر تعيين المحكمين"

كما أن تعيين المحكم لا يكون إلا بناء على طلب الأطراف . 

باختيار المحكمين في إطار التحكيم المؤسساتي: عرف المشرع التحكيم المؤسساتي من خلال الفصل 319 من ق.م.م بأنه هو حينما يعرض على مؤسسة تحكيمية تتولى تنظيمه وحسن سيره طبقا لنظامها ، حيث أن نظام التحكيم المؤسساتي هو في الغالب الأعم يعتبر نظاما للتحكيم التجاري الدولي لما تقدمه مؤسسات التحكيم الدولية من ضمانات وتسهيلات إدارية وفنية تجعل عملية التحكيم أكثر نجاعة ، ورغم حجم نفاقات التحكيم المؤسساتي فإنه يبقى الأكثر إنتشارا خاصة في النزاعات المتعلقة بالعقود التجارية الدولية كعقود الترخيص الدولية والمنزاعات المرتبطة بشبكة الترخيص، والبيوعات التجارية الدولية، خاصة أن مراكز التحكيم أو المؤسسات التحكيمية لا تشرف بنفسها على الفصل في النزاع بل إنها تشرف على حسن سير مسطرة التحكيم ، وضمان الحياد والإستقلالية إصدرا حکم تحكيمي يرتقي والقيمة المالية للعملات التجارية الدولية، وحينما تقوم المؤسسة التحكيمة بتعيين هيئة التحكيم أو المحكم ، فإنها تراعي مجموعة من الشروط كجنسية المحكم وكفائته وحياده واستقلاله.

المطلب الثاني بالصور التي يتخذها التحكيم في العقود التجارية

تتعدد الصور التي يتخذها التحكيم في الإتفاق التحكيمي المتعلق بالمنزاعات التي قد تنشئ عن العقود التجارية، وتختلف هذه الصور حسب إرادة الأطراف المجسدة في الإتفاق التحكيمي ، لهذا فإن صور التحكيم في العقود التجارية تختلف من حيث النوع (أولا) ومن حيث الشكل . (ثانيا) 

الفقرة الأولى:صور التحكيم في العقود التجارية من حيث النوع

 قد يتفق الأطراف من خلال اتفاق التحكيم على نوع هذا الأخير ، إما أن يكون تحكيما خاصا (1) أو مؤسساتیا (2) تبعا لقناعة الأطراف. 1 :التحكيم الخاص في العقود التجارية عرف المشرع التحكيم الخاص من خلال الفصل 319 من ق 08.05 حيث نص المشرع على أن التحكيم يوكن خاصا حينما تتكفل الهيئة التحكيمية بتنظيم مسطرة التحكيم وتنظيم عملية التحكيم ، إلا إذا إتفق الأطراف في إتفاق التحكيم على إتباع إجرائات معينة أو نظام تحكيم معين ، فالتحكيم الخاص هو الشكل العادي في التحكيم بمناسبة منازعات العقود التجارية ،حيث يختار الأطراف الهيئة التحكيمية أو المحكم ، كما يحددون القواعد الواجبة التطبيق بعيدا عن أية مؤسسة أو مركز للتحكيم .

 ويتميز التحكيم الخاص بكونه يوفر السرية كما أنه للأطراف بعيدا عن دواليب القضاء التي قد تشوه بسمعتهم في السوق، كما انه أقل تكلفة وأكثر سرعة ويتناسب مع العقود التجارية الوطنية التي لا نكون قيمتها كبيرة كعقود الوكالة بعمولة وعقود السمسرة و عقود نقل البضائع.

:التحكيم المؤسساتي في العقود التجارية نص المشرع من خلال الفصل 319 من ق.م.م على أن التحكيم يكون نظاميا أو مؤسساتيا عندما يتفق الأطراف على إسناد عملية التحكيم إلى مؤسسة تحكيمية تتولى تنظيم وحسن سير عملية التحكيم ، فالتحكيم المؤسساتي هو الذي يتم من خلال مركز التحكيم له قواعد الحصاة في تدبير النزاع، وهذا النوع شأنه شأن التحكيم الخاص فإنه يستمد إختصاصه من إرادة الأطراف من خلال إتفاق التحكيم ، وفي هذا الصدد جاء قرار صادر عن محكمة الإسئناف التجارية بالدارالبيضاء قرار جاء فيه "مادامت إرادة الطرفين قد ذهبت في الوثيقة المعتبرة بمثابة تعاقد بينهما إلى إعتبار التحكيم بغرفة باريس وتطبيق القانون الفرنسي ، فإن ذلك يكون ملزما لهما.

لكن التحكيم المؤسساتي يختلف عن التحكيم الخاص من حيث الإجرائات المسطرية للتحكيم ، حيت يتولى المركز التحكيمي تدبير النزاع وفق الإجرائات الخاصة به والمتبعة من طرف المؤسسة التحكيمية مع إحترام حقوق الدفاع والمساواة بين الأطراف ، كما أن الأطراف قد يختارون الهيئة التحكيمية لكن المؤسسة التحكيمية هي التي تبقى دائما مشرفة على تدبير النزاع والإشراف على حسن سير مسطرة التحكيم ، وفي حال عدم تحديد الأطراف للهيئة التحكيمية ، فإن المؤسسة التحكيمية تقوم بتعيين الهيئة التحكيمية وفقا لقواعدها الخاصة ، حيث تعد المؤسسة التحكيمية قائمة من المحكمين ويختار الأطراف على مسطرة مايناسبهم من محكمين، فالمركز التحكيمي لا يفصل في النزاع بنفسه بل يقوم بالإشراف التحكيم ومراقبة إجرائاته.

وهناك مجموعة من مؤسسات التحكيم الدولي نذكر أهمها :

• جمعية التحكيم الفرنسية بباريس

 • غرفة التحكيم البحرية بباريس

 • معهد روما لتوحيد القانون الخاص

 . محكمة التحكيم الدولي بلندن 

• هيئة التحكيم التجاري الأمريكية

• المركز التحكيمى للغرفة التجارية الإقتصادية بفيينا.

الفقرة الثانية : صور التحكيم في العقود التجارية من حيث الشكل إن أطراف العقود التجارية غالبا ما يقومون بتضمين هذه العقود مجموعة من الشروط لتحقيق المصلحة المتبادلة بينهم، كما قد يتفق الأطراف على تضمين العقد التجاري شرط اللجوء إلى التحكيم في حال وقوع نزاع (1)، وفي حال لم يتفق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم أثناء إبرام العقد وقبل حدوث نزاع ، فإن الأطراف يمكنهم إبرام عقد التحكيم بعد حدوث نزاع حول العقد التجاري (2)

1:شرط التحكيم في العقود التجارية عرف المشرع شرط التحكيم من خلال الفصل 316 من ق.م.م بأنه الإتفاق الذي يلتزم فيه أطراف العقد بأن يعرضوا على التحكيم كل نزاع قد ينشأ عن العقد المذكور ، و بالتالي فإن أطراف العقد التجاري يمكنهم الإتفاق مسبقا على اللجوء إلى التحكيم من خلال شرط التحكيم وفي هذا الصدد جاء قرار المحكمة الإستئناف التجارية بفاس قرار رقم 640 المؤرخ في 2012/4/5 جاء فيه "ورود شرط التحكيم في العقد الرابط بين الطرفين مقيدا باتفاق طرفيه على مسطرة التحكيم..." كما حدد المشرع المغربي من خلال الفصل 317 البيانات الواجب توافرها في شرط التحكيم تحت طائلة البطلان، حيث يجب أن يضمن شرط التحكيم كتابة في الإتفاق الأصلي ،وفي هذا الصدد جاء قرار المحكمة الإستئناف التجارية بالدار البيضاء قرار حيث جاء فيه " عدم علم الطاعن بوجود شرط التحكيم إلا بمقتضى الدعوى المرفوعة من أجل فسخ الوعد بالبيع ، وعدم إطلاعه عليه بصورة قانونية إلا بعد توصله بنسخة منها موقعة من كلا الطرفين، يعدم علمه بوجود شرط التحكيم عند تقديمه لدعواه أمام القضاء العادي .

كما جاء في قرار أخر صادر عن نفس المحكمة عدد 2009/4567 بتاريخ 2009/9/29 جاء فيه "بالرجوع إلى المقتضيات المحتج بها من قبل الطاعنة يتبين وجوب أن يكون الشرط التحكيمي مكتوب بخط اليد ، وأن يكون موافقا عليه بصفة خاصة من كلى الطرفين

 كما يمكن أن يرد شرط التحكيم في وثيقة تحيل على العقد الأصلي وهو مايسمى بشرط التحكيم بلاحالة ،وفي هذا الصدد جاء قرار المحكمة الإستئناف التجارية بالدارالبيضاء قرار عدد 2008/2203 الصادر بتاريخ 2008/04/29 جاء فيه "المراسلات الصادرة من المستأنف عليها في غياب إقرار صريح من الطاعنة على الإتفاق على شرط التحكيم ، لا ينهض حجة على وجود شرط التحكيم بين الطرفين " حيث أن المحكمة في هذا القرار إعتبرت إمكانية ورود شرط التحكيم في المراسلات بين الطرفين شريطة إقرارهم بهذه المراسلات ووجود شرط التحكيم فيها .حيث يمكن أن يرد شرط التحكيم في رسالة او فاتورة تحيل على شرط التحكيم. 

ويجب أن يتضمن شرط التحكيم تعيين المحكم أو الهيئة التحكيمية أو طريقة تعينه على الأقل وذلك تحت طائلة البطلان، أما الفصل 318 من ق.م.م جاء بأحد أهم خصائص شرط التحكيم وهي إستقلالية شرط التحكيم ، بمعنى أنه بطلان أو فسخ العقد الأصلي لايؤدي إلى بطلان شرط التحكيم ، وفي حالة إخلال أحد الأطراف بهذا الشرط ولجأ مباشرة إلى المحاكم العادية فإن الطرف يمكنه الدفع بعدم القبول ، وفي هذا الصدد جاء قرار المحكمة الإسئناف .

2:عقد أو مشارطة التحكيم لفض المنزاعات الناشئة عن العقود التجارية نظم المشرع الإجرائي أحكام عقد التحكيم من خلال الفصول 314 و315 من خلال القانون 08.05 حيث عرفه المشرع بأنه الإتفاق الذي يلتزم فيه أطراف نزاع نشأ بينهم بعرض هذا النزاع على هيئة تحكيمية ، فمن خلال هذا التعريف يتضح لنا أن شرط التحكيم يختلف عن عقد التحكيم ، حيث أن الأول يتم الإتفاق عليه من خلال شرط في العقد نفسه أو بالإحالة عليه ، ويتم الإتفاق على التحكيم قبل نشوء النزاع ، عكس عقد التحكيم الذي لايرى النور إلا بعد نشوء النزاع بين أطراف العقد التجاري ويكون عقدا مستقلا بذاته ، وفي هذا الصدد جاء قرار المحكمة الإستئناف التجارية قرار حيث جاء فيه "يختلف شرط التحكيم الذي يقع قبل حدوث النزاع وقد يكون باتفاق مستقل لاحق للعقد ، وبين مشارطة التحكيم أو سند التحكيم والذي يتم تحريره بعد حدوث النزاع .

 وخول المشرع للأطراف اللجوء إلى التحكيم عن طريق عقد التحكيم ولو كان النزاع معروضا على أنظار القضاء العادي ولكن وفي نظرنا أنه لا يمكن اللجوء إلى التحكيم إذا كانت القضية جاهزة وتم قفل باب المناقشة من أجل المداولة أو التأمل ، وإذا إتفق الأطراف على إحالة النزاع على التحكيم أثناء نظر المحكمة في القضية فإنها تحيل الأطراف إلى هيئة تحكيمية ، وبعد ذلك بمثابة إتفاق مكتوب .

 وحدد الفصل 315 من ق.م.م البيانات أو العناصر الواجب توافرها في عقد التحكيم وهي :

• تحديد موضوع النزاع وهو يعد منطلقا لتحديد نطاق عقد التحكيم

 • تعيين الهئية التحكيمية أو التنصيص على طريقة تعيينها ، وفي نظرنا أن هذه الفقر تتسم بنوع من

الغموض فهل يقصد المشرع أن التحكيم عندما يكون بموجب عقد ضروري أن تختص فيه هيئة يكون عددها وثرا ، أم أنه تغافل على ذكر مصطلح الحكم ، ويكون عقد التحكيم لاغيا في حالة رفض المحكم أو أحدهم مهمة التحكيم .

المبحث الثاني: تدبير الإجراءات المسطرية للتحكيم في العقود التجارية:

 في هذا المبحث سنتحدث عن المبادئ المنظمة للإجراءات التحكيم في العقود التجارية والتي تنفرد بها عن القضاء العادي المطلب الأول، وللأن التحكيم إجراءات مسطرية تهدف إلى حل النزاع فلابد له من نهاية وبالتالي تنتهي هذه الإجراءات بصدور الحكم التحكيم وما يستتبعه من طرق الطعن و تذييل بالصيغة التنفيذية المطلب الثاني. 

المطلب الأول: مبادئ إجراءات التحكيم في العقود التجارية الفقرة الأولى: مبدأ الإختصاص بالإختصاص يعتبر مبدأ الاختصاص بالاختصاص من أهم المبادئ المنظمة للتحكيم والتي تمتاز بها الإجراءات المسطرية له، بحيث يقع أن ترفع الدعوى إلى الهيئة التحكيمية ويتمسك المطلوب في التحكيم بكون النزاع المعروض على التحكيم خارج نطاق الشرط التحكيمي مما يوجب إعمال قاعدة الإختصاص بالإختصاص.

ويقصد بها سلطة المحكم في الفصل في المنازعات التي تثور بشأن إختصاصه، بما في ذلك المنازعات المبنية على عدم وجود إتفاق تحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله لموضوع النزاع.

ويعتبر هذا المبدأ المتعلق بالإختصاص مبدأ ألمانية النشأة، وتبناه أغلب فقهاء التحكيم التجاري و الأنظمة القانونية المنظمة للتحكيم.

مدلول الإختصاص بالاختصاص يتجلى في سلطة هيئة التحكيم في أن تفصل في المنازعات التي تثور أمامها بشأن إختصاصها دون حاجة إلى وقف الدعوى التحكيمية لحين صدور قرار في هذا الشأن من القضاء.

 وهذا المبدأ المتعلق بالإجراءات المسطرية للتحكيم ينسجم وطبيعة العقود التجارية التي تحتاج في حلها إلى السرعة والمرونة دون حاجة لطول الإجراءات المسطرية، و إعتبار أن أطراف هذه العقود لا بريدون الخضوع أو الرجوع إلى المساطر القضائية الطويلة والمعقدة، وبالتالي فالهيئة التحكيمية تتصدی المسألة الدفع بعدم إختصاصها للنظر في النزاع إذا دفع أحد الأطراف بذلك، وهذا ما جعل التحكيم يجد تطبيقه أكثر في البيئة التجارية للإنسجام قواعده مع خصائص هذه البيئة.

مما جعل أغلب النظم القانونية الوطنية والدولية تتبنى هذا المبدأ في قوانينها، بحيث نجد المشرع المغربي نص على هذا المبدأ من خلال أحكام القانون رقم 05-08 في الفصل 327.9 ، الذي أعطى لهيئة التحكيم قبل النظر في الموضوع أن تبث إما تلقائيا أو بطلب من أحد الأطراف، في صحة أو حدود اختصاصاتها أو في صحة اتفاق التحكيم وذلك بأمر غير قابل للطعن. 

كما تبني هذا المبدأ القانون النموذجي للأونسترال الذي يعتبر المرجع الأساسي للتحكيم التجاري من خلال تضمينه في المادة 16 صلاحية الهيئة التحكيمية في النظر في حدود إختصاصها. وكذلك إتفاقية نيويورك لسنة 1958 المتعلقة بتنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية، والاتفاقية الأوروبية للتحكيم المعروفة بإتفاقية جنيف لسنة 1961 قد تعرضت لمندأ إختصاص المحكم بالفصل في مسألة اختصاصه. كما تم تبنيها من خلال بعض لوائح غرف التحكيم من بينها ما جاء في قواعد غرفة التجارة الدولية لسنة 2012

ويهدف هذا المبدأ في إصدار الأحكام التحكيمية في أقرب الآجال والحيلولة دون المناورات التي يقوم بها الأطراف للتشويش على العملية التحكيمية. بحيث مثلا إذا تصورنا وجود عقد إتمان إيجاري جاء ضمن بنوده شرط اللجوء إلى التحكيم، وحدث النزاع مستقبلا خلال تنفيذ إلتزامات الاطراف المترتبة عن العقد، وقامت مؤسسة الائتمان باللجوء إلى التحكيم من خلال عرض النزاع على الهيئة التحكيمية إلا أن الزبون قد يدفع للتهرب من صدور حكم ضده بكون الهيئة التحكيمية غير مختصة للنظر في النزاع مثلا لكون إتفاق اللجوء إلى التحكيم لا يتضمن عدم أداء الأقساط وبالتالي حسب هذا المبدأ فإن للهيئة التحكيمية الصلاحية في تحديد كونها مختصة للنظر في النزاع أم هي غير ذلك. | وكتطبيق لهذا المبدأ هناك بعض المقررات التحكيمية التي طبقته منها المقرر التحكيمي الصادر عن مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي في القضية رقم 474 بتاريخ 7 نوفمبر 2006: قررت هيئة التحكيم أن اتفاق التحكيم هو اتفاق صحيح وأن لها الاختصاص في تسوية النزاع الذي يتعلق بتعاقد المدعي من الباطن مع شركة إنشاءات التشييد مبان، وذلك عملا باتفاق التحكيم المنصوص عليه في العقد من الباطن.

وعلى مستوى العمل القضائي نجده متدبدب بالأخذ بهذا المبدأ ففي قرار صادر عن الرئيس الأول المحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء جاء فيه: "وحيث إن العقد المبرم بين الطرفين والمتضمن الشرط التحكيم محل دعوى البطلان وأنه من المقرر أن التحكيم يزول ويعتبر كأن لم يكن بالحكم ببطلان العقد الذي تضمن شرط التحكيم، كما أنه من المقرر أنه أذا أثار نزاع بين طرفي العقد على أمر لا يدخل في نطاق المسائل المتفق فيها على التحكيم فإن القضاء هو المختص بالبث في صحة العقد ولا يملك المحكم الفصل فيه.

الفقرة الثانية: تحديد القانون واجب التطبيق على العقد التجاري

يقصد بالقانون الواجب التطبيق على التحكيم في العقد التجاري، مجموعة من القواعد القانونية الموضوعية التي تطبق على النزاع منذ حصول الاتفاق على التحكيم وحتى إصدار الحكم بتنفيذه.

ومسألة تحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم على مستوى منازعات العقود التجارية لها أهمية كبيرة، خاصة أن المشرع في الكتاب الرابع المتعلق بالعقود التجارية لم ينظم بعض العقود التجارية والتي تعتبر شائعة التعامل مثل عقد الترخيص التجاري والبيع التجاري، وبالتالي يمكن للأطراف العقد إبرام عقد ترخیص تجاري وإشتراط اللجوء إلى التحكيم وفي حالة وقوع النزاع فإن القانون الأجنبي المنظم لعقد الترخيص التجاري هو الذي يطبق على النزاع. وهذا ما يتميز به التحكيم عن القضاء بإعتبار أن الأطراف في الخصومة القضائية ليس لهم سوى الرضوخ للقانون المطبق على النزاع دون إختيار.

وهذا الأمر يطبق على جميع العقود التجارية خاصة ذات الطابع الدولي حيث تخضع لقاعدة سلطان الإرادة في تحديد القانون الواجب التطبيق. وبالتالي فإن للأطراف في عقود التجارة الدولية أن يتفقوا في العقد ذاته أو في اتفاق لاحق على القانون الواجب التطبيق على العقد والذي يحكم موضوع النزاع.

واختيار القانون الواجب التطبيق يكون أولا للإرادة الأطراف وما تم الإتفاق عليه ضمن شرط اللجوء إلى التحكيم بحيث يتضمن شرط التحكيم في العقد التجاري مثلا أنه في حالة وقوع النزاع بخصوص العقد فإن القانون الواجب التطبيق مثل هو القانون المصري أو المغربي أو الإتفاقيات الدولية المنظمة لذلك العقد أو تطبيق الأعراف المحلية مثل عقد السمسرة بحيث يمكن للأطرافه في حالة النزاع ووجود شرط التحكيم أنهم يلزمون الهيئة التحكيمية بإعطاء الأولوية للأعراف المحلية ثم العادات. وبالتالي تخضع النزاعات التي تثار بشأن هذا العقد للقانون المنصوص عليه.

وهذا ما تبناه المشرع المغربي من خلال القانون 05-08 في الفصل 327-44 الذي جاء فيه: "تحدد في اتفاق التحكيم، بكل حرية، القواعد القانونية التي يتعين على الهيئة التحكيمية تطبيقها على جوهر النزاع، وفي حالة عدم اختيار الأطراف للقواعد المذكورة، فإن الهيئة التحكيمية تفصل في النزاع طبقا للقواعد التي تراها مناسبة".

كما نص الفصل 327-18 على أنه: "تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد القانونية التي يتفق

عليها الطرفان."

وفي هذا السياق جاء المرسوم الفرنسي 48-2011 في الفصل 1511 على أن "هيئة التحكيم تعالج النزاع تطبيقا لقواعد القانون التي يختارها الأطراف".

وفي هذا الشأن خاصة في مجال العقود التجارية البحرية يرى بعض الفقه 31، أن القضاء المغربي يذهب في حالت سکوت الأطراف على تحديد القانون الواجب التطبيق إلى جلب الاختصاص للقانون المغربي، وهذا ما جاء في قرار المحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء: "وحيث يتجلى من وثيقة الشحن في المادة الثالثة، أن كل نزاع يترتب عن وثيقة الشحن يفصل فيه البلد الذي يتوفر فيه الناقل على المركز الرئيسي للأنشطته وتشريع هذا البلد، إلا إذا نصت وثيقة الشحن على خلاف ذلك، وحيث أن وثيقة الشحن، لم تنص على خلافه، وأن مقتضيات الفقرة الثانية المتعلقة بشرط التحكيم لا يمكن اعتباره متعلقا بالفقرة الثالثة التي تحدد القضاء والاختصاص والتشريع الواجب التطبيق هو تشريع البلد الذي يتوفر فيه الناقل على المركز الرئيسي، وبالتالي فإن القانون المغربي هو الواجب التطبيق.

إلا أنه إذا لم يتفق أطراف العقد التجاري على تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، انتقلت مسؤولية هذا الاختيار إلى هيئة التحكيم التي تمنح لها سلطة إحتياطية في تحديد القانون الواجب التطبيق، والتي غالبا ما تعتمد على القواعد القانونية الملائمة للنزاع.

وهذا ما تبناه المشرع المغربي في القانون رقم 05-08 في الفصل 18-327 الذي جاء فيه: "تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد القانونية التي يتفق عليها الطرفان. إذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية الواجبة التطبيق على موضوع النزاع طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأكثر إتصالا بالنزاع، وعليها في جميع الأحوال أن تراعي شروط العقد موضوع النزاع وتأخذ بعين الاعتبار الأعراف التجارية والعادات وما جرى عليه التعامل بين الطرفين، وإذا اتفق طرفا التحكيم صراحة على تفويض هيئة التحكيم صفة وسطاء بالتراضي، تفصل الهيئة في هذه الحالة في موضوع النزاع بناء على قواعد العدالة والانصاف دون التقيد بالقانون ."