الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم التجاري / المجلات العلمية / المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي العدد 39 / التحكيم التجاري الدولي في ضوء مبادئ الاونسترال وقواعد الشريعة الإسلامية  

  • الاسم

    المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي العدد 39
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    8

التفاصيل طباعة نسخ

إعترف لهم ببعض الحقوق، إذ أن الأجنبي قبل الاعتراف له بعض الحقوق كان يعتبر عدواً يباح قتله وسلبه ،وإسترقاقه، ولا يملك التقاضي ولا المخاصمة، إذ أن ذلك كان حقاً مقصوراً على الوطنيين دون. الأجانب.

ويتولى بريتور الأجانب سماع إدعاءات الخصوم ثم يرفع النزاع إلى هيئة التحكيم  ولم تكن لقرارات التحكيم أية سلطة أو قوة تنفيذية ولم يعد قرار الحكم عن كونه فكرة أو إقتراحاً، بدون صفة، وكل ما كان يترتب على عدم تنفيذه إختيارياً ملاحقة الممتنع عن تنفيذ قرار التحكيم بدعوى لدفع غرامة أو عقوبة مالية بمقتضى شرط إتفاق التحكيم .

التحكيم عند الأشوريين والبابليين: نظام التحكيم معروف في الدول الأوروبية قديماً، كان معروفاً في الدول الشرقية عند البابليين والآشوريين، فكان فصل الخصومات في آشور يعهد به إلى الكهنة والتحكيم للآلهة، وعثر في القرن الحالي على لوح حجري كتبت عليه باللغة السومرية نصوص معاهدة صلح أبرمت في القرن الحادي والثلاثين قبل الميلاد أي منذ خمسة آلاف سنة بين دولتي مدينة (لحبش) ومدينة (أوما) السومريتين في جنوب العراق، ونصت تلك المعاهدة على إحترام خندق الحدود بين الطرفين، وعلى شرط التحكيم لفض أي نزاع ينشأ  .

التحكيم عند الفراعنة قدماء المصريين: الملك عند الفراعنة قدماء المصريين هو القاضي، وإن كان لا يباشر القضاء بنفسه إلا في حالات نادرة، إذ كان مخصصاً للفصل في الخصومات بين الأفراد، موظفون من الكهنة، يتلقون التشريع من المعابد، ثم تعين لمحاكم الأقاليم قضاة بالإنتخاب، ثم إنفرد أمراء الإقليم بالفصل في الخصومات بحكم نهائي لا يقبل الطعن فيه، ومع هذا فقد كان للأفراد حق اللجوء إلى التحكيم لفض ما ينشأ فيما بينهم من منازعات، وإتفاق التحكيم هو الذي يحدد أعضاء هيئة التحكيم والإجراءات المتبعة أمامها والجزاء الذي يوقع وحكم هيئة التحكيم نهائي وقابل للتنفيذ دون حاجة  عرضه على القضاء والتحكيم على هذا النحو يسمى بالقضاء الخاص

المبحث الثاني: مبدأ شرعية التحكيم في ظل قواعد الشريعة الإسلامية.

تمهید

تعرضنا فيما سبق للمدلول اللغوي والشرعي للتحكيم، والجوانب التاريخية ما قبل الإسلام ونتعرض هنا إلى مشروعية التحكيم وحكمه التحكيم.

الشرعي والحكمة التي قصدها التشريع الإسلامي .

أدلة مشروعية التحكيم

مشروعية التحكيم في القرآن الكريم: يدل على مشروعية التحكيم الكتاب والسنة والإجماع:

وحكماً من أهلها إن بريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما". أما الكتاب فقوله تعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فأنخوا حكماً من أهله وجه الدلالة تبين الآية مشروعية التحكيم وإستحسابه الإصلاح ذات البين بين الزوجين فسبحانه خبير أمر بالحكمين، حكما من أهل الروح وحكماً من أهل الزوجة إذا ما حيف وقوع الشقاق بينهما، فكان ذلك نها منه تبارك على جواز التحكيم وقال القاضي إبن العربي (وهي من الآيات الأصول في (الشريعة ثم ذكر أقوال العلماء في المخاطب به فقال سعيد بن المخاطب هو السلطان، وقال مالك: قد يكون السلطان وقد يكون الوليين إذا كان الزوجان محجورين، ثم قال القاضي فاما من قال: إن المخاطب  الزوجان فلا يفهم كتاب الله ، وأما من قال: إنه السلطان قهر الحق، وأما قول مالك: إنه قد يكون الوليين فصحيح ويفيد لفظ الجمع فيقعت السلطان مرة ويفعله الوصي أخرى، وإذا أنفذ الوصيان حكمين فهما عنهما، فما أنفذاه نفذ كما لو أنفذه الوصيان.

وإذا كان الله قد شرع التحكيم لرأب الصدع في كيان الأسرة حفاظاً على تماسكها وعلى المودة والرحمة بين ركنيها وهي النواة الأولى لكيان المجتمع المسلم، كان جوازه أولى فيما يقع بين أفراد المجتمع من خصومات ومنازعات، حفاظاً على كيان المجتمع المسلم وتماسكه والوحدة بين أفراده وقطع دابر الشر فيه، وكان ذلك أدعى إلى إستقراره، ويقول الجصاصي: (هذه الآية أصل جواز التحكيم بين الخصمين). ويقول القاضي عبد الجبار المعتزلي: (والأصل في التحكيم ما ورد به الكتاب في شقاق الزوجين). ولا خلاف بين الفقهاء على جواز بعث الحكمين إذا ما وقع الشقاق بين الزوجين أو خيف وقوعه .

وقوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً . وجه الدلالة: أقسم الله على نفي الإيمان عنهم إلا بالترافع إليه " وطلب الحكم فيه بقوله تعالى : (حتى يحكموك) أي يجعلونك حكماً فيما بينهم من خصومات ومنازعات، وما التحكيم إلا ذاك.

ويقول الإمام الطبري حتى يحكموك أي حتى يجعلونك حكماً بينهم فيما إختلط بينهم من أمور،( والحكم عند أهل اللغة هو من يختار للفصل المتنازعين) وهذا هو التحكيم، فلا ولاية للحكم برضا خصم دون الآخر، بل لا بد من رضا كلا الخصمين بشخص الحكم.

والحاكم هو الذي ينصب ويعين من له ولاية تعيينه للفصل بين المتخاصمين، حيث تنعقد ولايته لنظر النزاع دون الحاجة لرضا أي من الخصمين، وكان الرسول يتولى الفصل في الخصومات باعتباره حاكماً ومحكماً.

هذا وقد قبل أن الآية قد نزلت في شأن يهودي ومنافق في خصومة بينهما فترافعا إلى الرسول "" فقضى لليهودي على المسلم، فلم يرض المنافق، فقدما إلى أبي بكر رضي الله عنه فقضى بما قضى " ، فلم يرض الله عنه فقتل المنافق عندما علم أنه لم يرض وهذا ما إختاره الفخر الرازي وهو قول عطاء المنافق، فقدما إلى بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجاهد والشعبي. وقوله تعالى: (فإن جاءوك فأحكم بينهم أو أعرض عنهم وأن تعرض عنهم فلن يضروك شيئاً) 

وجه الدلالة الله سبحانه وتعالى خير النبي " " إذا ما جاءه أهل الكتاب محتكمين إليه، طالبين منه الحكم في خصوماتهم، خيره بين الحكم أو الإعراض عنهم، وأخبره جل شأنه أن الإعراض عن المحتكمين إليه لا يترتب عليه ضرر لا في الدين ولا في الدنيا وهذا هو التحكيم فللحكم مطلق الخيار بين الحكم أو الإعراض عن المحتكمين إليه، فإذا ما إختار الإعراض عنهم فلا سبيل الإلزامه ولا جزاء عليه، خلافاً للحاكم المنصب للفصل في الخصومات بين الناس فلا خيار له بين الحكم أو الإعراض بين الخصوم إذا ما ترافعوا أو أحدهما

إليه. وهذه من بين الفروق التي ذكرناها سابقاً بين التحكيم والخبرة. وقد نزلت هذه الآية في أصح الأقوال إلى ما ذكره القرطبي) في زنا اليهوديين وقصة الرجم، إذ قدموا إلى رسول الله " ، فقالوا له أن رجلاً منا وإمرأة زنيا، فقال لهم رسول الله " ما تجدون في التوارة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون قال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها آية الرجم، فأتوا بالتوراة، فأتوا بها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام إرفع يدك فرفع يده إذا آية الرجم تلوح، فقالوا: صدقت يا محمد فيها آية الرجم، فأمر " " برجمهما فرجما . وقد اختلف أهل السلف في بقاء حكم الآية، وهو تخيير الحاكم إذا ما ترافع إليه أهل الكتاب بين الحكم أو الإعراض عنهم وأن ما ثبت لرسول الله ما زال قائما؟

وذهب البعض إلى أن الآية المحكمة، وأن الحكم الوارد فيها ثابت لم نسخ، فالحاكم مخبر إذا ما ترافع أهل الكتاب إليه بين الحكم أو الإعراض عنهم، واختلفوا في مدى هذا التمييز حيث الموضوع والأشخاص فالبعض منهم قال إن التخيير ثابت للمحاكم في كل وقت وزمان فله الحكم بينهم أو الإعراض عنهم، ذميين اللفظ لا بخصوص فالعبرة بعموم والشعبي والنخعي الأحكام السبب، وروي دلك من الحسن الطبري.

هذا وقد قال المالكية إذا كان موضوع التحاكم مما هو موضع خلاف الشرائع كالطلاق والزواج بغير شهود أو الحقيقة، فإن الحاكم مخير بين الحكم أو الإعراض عنهم وجاء في المبدع: "وإن تحاكم إليه أهل الكتاب بعضهم مع بعض أو إستعدى بعضهم على بعض خير بين الحكم بينهم وبين تركهم هذه إحدى الروايات.. أعني الخيرة في الحكم وعدمه، وقال في المحرر والفروع، وهو الأشهر عنه، قال الزركشي وهو المشهور، وجزم به ).

أحكامنا، فجاء المتنازعون معاً وجاء في الأم للشافعي: وإن تدعو إلى متراضين فالحاكم بالخيار، إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم، وأحب إلينا أن لا يحكم قال الشافعي: سمعت من أرضي عامة يقول: وأن أحكم حكمت على معنى قوله فأحكم بينهم . أو أعرض عنهم ذلك مفسدة، أما إذا ترافع أهل الذمة فيما لا خلاف فيه بين الشرائع، إنه ظلم كالعصب والقتل، حكم بينهم ومنعهم بلا خلاف

القول الراجح:

ويبدو أن القول الراجح هو عدم نسخ التخيير، لما في للنص، وإعمال النص أولى من إهماله، ولعدم وجود تعاره فقوله تعالى: "فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم"، يعتبر يخير فيه الحق سبحانه وتعالى نبيه " " بين الحكم والإعراض ، وقوله تعالى " وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم، إذا ما إختار الحكم فالأمر في قوله تعالى وأن أحكم" أمر بصفة الحكم، لا بأصله ) كقوله تعالى "وإن حكمت فأحكم بينهم بالقسط" أي بالعدل الذي أنزل الله، وهو الحكم الذي جاءت به الآية الناسخة. إذا أمكن الجمع بين الآيتين على النحو السابق، فلا يكون هناك نسخ، إذ لا نسخ مع الاحتمال، ومن شروط النص الناسخ أن يكون الحكم الذي شرع به متعارضاً مع الحكم المنسوخ بحيث لا يمكن الجمع بينهما، وإعمالهما بوجه من الوجوه"، وهذا الذي إختاره الطبري حيث يقول: "وإذا لم يكن ظاهر التنزيل دليل نسخ إحدى الآيتين الأخرى، ولا نفي أحد الأمرين حكم الآخر، ولم يكن عن رسول الله يصلح بأن أحدهما ناسخ صاحبه، ولا المسلمين على ذلك إجماع صحيح في أحدهما للآخر ) وأيضاً صوبه ابن تيمية .

إن نظام التخيير ومداه يتحدد في قوله تعالى: "يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤثوه فأحذروه  حيث يكونون مخيرين بين الأمل بأحكامنا وعدمه، وبين المجيء وعدمه يكون الحاكم مخيراً . بين الحكم بينهم أو الإعراض عنهم حيث يكونون ملزمين بأحكامنا وبالمجيء إلينا، يكون الحاكم ملزماً بالحكم بينهم وعدم الإعراض عنهم وقوله تعالى: "بأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم ،حرم، ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل . به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً ليذوق وبال أمره، عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو إنتقام 

وجه الدلالة نهى الله عباده المؤمنين عن قتل الصيد ماداموا حرماً، وجعل على من قتله الجزاء، يحكم به عدلان وعموم الآية أعطى قاتل الصيد. إقامة عدلين للحكم عليه بالجزاء وبغير إذن الإمام، و يجزى إخراج الجزاء بناءً على حكمها، فدل ذلك على أن الآية تنص على جواز التحكيم، وإلا لما أجزاً القاتل للصيد ما أخرجه بناء على حكم غير المولين من قبل الإمام ولزمه رفع الأمر ثانية إلى حكمين موليين من قبل الإمام، وإخراج الجزاء ثانية بناءً على حكمهما وهذا ما لم يجربه عمل الصحابة، فلقد روى ابن جرير عبد الله البجلي أنه قال: أصبت صيداً وأنا حرم، فأتيت عمر بن الخطاب فأخبرته، فقال انت رجلين من أصحابك فليحكما عليك، فأتيت عبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن مالك، فحكما على بتيس أعفر وجاء في المدونة: (أنه يجوز أن يكون الحكمان غير الإمام وإذا ما حكما عليه (جاز) وقال إبن العزي: قال علماؤنا : يقيم المتلف رجلين عدلين فقيهين بما يحتاج إليه ذلك فينظران فيما أصاب، ويحكمان بما رأياه في ذلك، فما حكما عليه لزمه، ثم قال: والذي عندي أنه إن كان الإمام حاضراً أو نائبه أنه يكون الحكم إليه، وإن لم يكن حاضراً أقام حينئذ المتلف من يحكم عليه وهذا دليل على جواز التحكيم .

وإذا كانت الآية قد أجازت التحكيم في حق من حقوق الله سبحانه وتعالى، وهي حقوق لا تسقط بالإسقاط إذ لا يملك الأفراد أو الجماعة الإتفاق على الإعفاء منه أو إسقاطه فدل ذلك على أن ما يملك الأفراد الأفراد، وليس حق القاضي، منه يجوز فيه التحكيم، فإن القاضي حق أماماً في جواز التحكيم، والقد إستدل به ابن عباس على جواز التحكيم في مخاصمته للخوارج بعدما خرجوا على أمير المؤمنين علي رضى الله عنه بعد قبوله التحكيم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان فقال: (فشدكم الله أحكم الرجال في أرانب ونحوه أفضل أم حكمهم في دمائهم و إصلاح ذات بينهم ولو شاء الله لم يجعل الحكم في ذلك للرجال)) والآية السابقة تحتوي أحكاماً عدة فيما يتعلق بصيد الحرم والجزاء المترتب عليه.

(أ) لا يجزئ إخراج الجزاء إلا بناء على حكم: توجب الآية الكريمة أن يكون الجزاء قد خرج بناءً على حكم وذلك في قوله تعالى (يحكم به، أي الجزاء، فلا يجزئ القائل إخراج الجزاء بناء فتوى وإذا أخرج الجزاء قبل الحكم فإن فعل الزمه وإخراج الجزاء ثانية بعد الحكم ويجب أن يصدر الحكم ممن هو أهل من فقيهين عدلين.

(ب) ما يحكم به الحاكمان في جزاء الصيد:

أو جبت الآية الكريمة الحكم بالمثل جزءاً للصيد، بقوله تعالى: (ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم) وقد إختلف الفقهاء حول المقصود بالمثل الوارد في الآية الكريمة هو المثل في الشبه والصورة لا المثل في القيمة، فما له مثل يضمن بالمثل فمثل النعامة بدنة ومثل الغزال والضبع والثعلب، شاة، ومثل حمار الوحش بقرة، بقرة النسبية، فمن قتل شيئاً من ذلك

وهو حرم فعليه مثله وما لا مثل له فالواجب قيمته بلا خلاف. وما جرى به عمل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، إذ حكموا في وقائع عديدة وأماكن كثيرة، وأزمان متغايرة تختلف معها قيم المتلفات، ولم يخالفهم أحد فكان إجماعاً.

وذهب آخرون إلى أن المقصود بالمثل في الآية، هو المثل في القيمة لا الشبه والصورة، فمن قتل صيداً قومه بالدراهم وإشترى بقيمته هدياً، وإذا بلغت قيمته الهدي، قال أبو حنيفة أبو يوسف  وإستدل أصحاب هذا الرأي بالآتي: بقوله تعالى "يأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، فمن قتله منكم فجزاء مثل ما قتل من النعم .

والواقع أن القاعدة أن المثل في المثليات وما لا مثل له، فالواجب قيمته، وإذا كانت النعامة ليست مثلاً للنعامة فكيف تكون مثلاً للبدنة، وإذا لم يكن الغزال مثلاً للغزال فكيف يكون مثلاً للشاة، فالمثل يحمل على أحد المعنيين، أما المثل في الصورة وأما المثل في القيمة فإذا تعذر حمله على الشبه والصورة تعين حمله على المثل في القيمة ، وما وقع من الصحابة رضوان الله عليهم فمحمول على الإيجاب من حيث القيمة.

أدلة مشروعة التحكيم . السنة: 

عن معاذ رضي الله عنه في أن الرسول " " قد رضي بتحكيم سعد بن أمر اليهود من بني قريظة حينما رضوا بالنزول على حكمه. وجاء في الأدب المفرد : لما وفد إلى النبي " " مع قومه فسمعهم وهم هانئ بن يزيد يكنونه بأبي الحكم فدعاه النبي " " فقال: إن الله هو الحكم وإليه الحكم، فلم تكنيت بأبي الحكم؟ قال. لا، ولكن قومي إذا إختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، قال ما أحسن هذا ثم قال: مالك من الولد؟ قلت: لي شريح وعبد الله ومسلم بنو هانئ قال: فمن أكبرهم؟ قلت شريح، قال: فأنت أبو شريح، ودعا له وولده )

وجه الدلالة: أن رسول الله " " إستحسن ما كان يقع من أبي شريح وبصيغة التعجب مبالغة في إستحسان ما كان يقع منه وما كان يقع من أبي شريح إلا التحكيم، فلم يكن له سلطة جبر قومه على الترافع إليه، وكل ما الأمر أن قومه إذا أتوه محتكمين إليه، راضين بحكمه فحكم بينهم، التحكيم بعينه. فدل إستحسان رسول الله " على ما كان يقع من شريح على جواز التحكيم.

أمثلة عملية لتحكيم الرسول " "

1- تحكيمه في بني قريظة وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري أنه قال: "نزل بنو القريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل النبي " " إليه فأتى على حمار، فلما دنا من المسجد قال رسول الله ": "هؤلاء نزلوا على حكمك، فقال يقتل مقاتلوهم وتسبى زراريهم قال " ": قضيت بحكم الله، وربما قال بحكم الملك وفي رواية إبن إسحاق: "لقد حكمت فيهم الله فوق سبعة أرقعة ".

يلاحظ أن رسول الله " " قبل تحكيم بني قريظة له لما نزلت على حكمه ثم جعل الحكم فيهم إلى سعد. بن معاذ برضاهم، فكان الحديث نصاً في جواز التحكيم، وإلا لما حكم فيهم سعداً برضاهم، ولما عمل بحكم سعد فيهم، إذ أن التحكيم لو لم يكن مشروعاً لما صح حكم سعد، ولما وجب تنفيذه، وأن المجمع عليه بين الفقهاء أن رسول الله " " قد عمل بحكم سعد فيها ، فهذا تحكيم حيث جاء في البحر" التحكيم هو تولية الخصمين حاكماً يحكم بينهما وركنه اللفظ الدال عليه مع قبول الآخر). 

٢-  ما فعل رسول الله " " مع أمراء الجيوش عن بريدة أن رسول الله " كان إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى المسلمين خيراً قال: "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا. أن رسول الله " " لا يأمر ولا يوصي إلا بما هو مشروع فكان الحديث دليلاً على جواز التحكيم. 

3- التحكيم بين المسلمين كأمة واليهود كأمة: هاجر النبي " " إلى المدينة، وأخى المهاجرين والأنصار ، ثم أخذ يضع أسس ومبادئ الدولة الإسلامية بالمدينة، وبدأ ينظم العلاقات الأمة الإسلامية بالمدينة المنورة بین والأمم، فأبرم مع اليهود معاهدة أقرهم فيها على معتقداتهم وأموالهم لا يجبرون على الإسلام، وتضمنت هذه المعاهدة تنظيماً دقيقاً للعلاقات الداخلية والخارجية وإتفق النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود على التحكيم وإختياره الطرفين فيما سيقع من نزاع مستقبلاً، فقد جاء في العهد: أنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حديث أو إشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله، وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره .

4- تحكيمه "" في الأعور بن بشامة: أصابت بنو العنبر دماً قومهم، فإرتحلوا، فنزلوا بأخوالهم في خزاعة، فبعث رسول الله " " مصدقاً الخزاعة، فصدقهم، ثم صدق بني العنبر فلما رأت بنو العنبر الصدقة قد أحرزها، وثبوا فانتزعوها، فقدم على رسول الله " " فقال يا رسول الله : إن بني العنبر منعوا الصدقة، فبعث عبينة بن حصين في سبعين ومائة، فوجد القوم خلوقاً، فاستاق تسعة رجال وإحدى عشرة امرأة، وصبياناً، فبلغ ذلك إبن الأفرع بن العنبر، فركب إلى رسول الله " " منهم سبعون حابس، ومنهم الأعور بن بشاعة العنبري، وهو أحدثهم سناً، فلما قدموا المدينة بهش إليه النساء والصبيان فوثبوا على حجر رسول الله " " وهو في قائلته، فصاحوا به با محمد علام تسب نساءنا ولم ننزع يداً من طاعتك؟ فخرج إليهم فقال: أجعلوا بيني وبينكم حكماً، فقالوا يا رسول الله الأعور من بشامة فقال: بل أسيركم إبن عمرو، قالوا يا رسول الله: الأعور بن بشامة، فحكمه رسول الله " " فحكم أن يغدي شطر وأن يعتق شطر، وهكذا جعل الرسول الكريم " " يعرض التحكيم بنفسه على بني العنبر وبينكم حكماً "فدل ذلك على جواز التحكيم، لما بقوله " " أجعلوا . يني رضي به الرسول " " لفض النزاع بينه وبين بني العنبر.

أدلة مشروعية التحكيم بالإجماع:

ثبت الإجماع منذ عهد الصحابة الكرام من خلال عدة قضايا تنازع فيها بعضهم فالتجؤوا إلى التحكيم فقبلوه منها أنه كان بين عمر وأبي بن الله كعب منازعة في نخل فحكما بينهما زيد بن ثابت رضي ! عنهم جميعاً . وإختلف مع عمر رجل فتحاكما إلى شريح . فالتحكيم جائز بالإجماع، ويظهر من عبارات الفقهاء أن الإجماع منعقد على جواز التحكيم، فقد جاء في المبسوط والصحابة رضوان الله عليهم كانوا مجمعين على جواز التحكيم . وفي البناية والتحكيم مشروع بالكتاب والسنة والإجماع ). وأما الإجماع فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا مجمعين على جوازه لما رواه البيهقي وأن عثمان بن عفان وأهله تحاكموا إلى حبير بن مطعم ولم يخالفه أحد، فإعتبر ذلك إجماعاً .

وفي وجوب الغسل من الختانين دون نزول الماء فحكموا علياً فقضى بالغسل ()، ومنها تحكيم أهل الشورى عبد الرحمن بن عوف وتحكيم علي أبا موسى الأشعري وتحكيم معاوية عمرو بن العاص رضي الله عنهم جميعاً والآثار تدل على تكرار ذلك أكثر من مرة أمام جمع كبير من كبار الصحابة ولم يسمع بمخالفة أحدهم ذلك، ولا إنكارهم ذلك فكان ذلك إجماعاً ) ويقول الرباعي: (وهو جائز أي التحكيم بالكتاب والسنة وإجماع الأعمال وم الحكام: (إن الخصمين إذا حكما بينهما رجلا في ضياء أن يحكم بينهما فإن ذلك جائز بالكتاب والسنة وإجماع الأمة (وفي نهاية المحتاج شرح المناهج الجزء الثامن الصفحة مائتان واثنان وأربعو ن غير خصومة في نكاح أو حكم أكثر من اثنين رجلا من غير حمد الله تعالى، جائز مطلقاً لأن ذلك وقع لجمع من الصحابة ولم ينكر مع إستشارة فكان إجماعاً) قول جواز التحكيم مطلقا جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية و الشافعية مع جواز القاضي أو عدمه، والحنابلة، والزيدية وبعض الإمامية وروي أو إثنان من عن الشعبي وإبن سيرين، وعبد الله عشية 

وقد خالفهم في ذلك إبن حزم الظاهري، والشافعية في قول حيث قيدوا جواز التحكيم بعدم وجود قاض في البلدة في حين منع مطلقاً الشافعية ) في قول آخر لهم والإمامية وأمام أدلة الجمهور التي ذكرنا بعضها يصبح هذال القولان ضعيفين لا ينهضان للوقوف أمامهما.

بعض أشكال تحكيمات الصحابة (رضوان الله عليهم): روي البيهقي عن الشعبي قال: "بأنه كانت بين عمر وأبي بن كعب خصومة في شيء فحكما زيد بن ثابت، فأتياه، فخرج زيد فقال لعمر: هلا بعثت إلي فأتيك يا أمير المؤمنين. فقال عمر رضي الله عنه في بيته يؤتى الحكم، فدخلا بيته وكانت اليمين على عمر رضي ! الله عنه، فقال زيد لأبي بن كعب: لو أعفيت أمير المؤمنين، فقال عمر ر يمين لزمتني ) وفي رواية عن الشعبي قال: قال أبي بن كعب لعمر: (يا أمير المؤمنين أنصفني من نا أجعل بيني وبينك حكماً، فقال: بيني وبينك زيد بن ثابت)).

ذكر عن أبي البحتري أن أعرابياً أتى عثمان بن عفان رضي عمك عدوا على إبلي فقطعوا ألبانها وأكلوا فصلاتها فقال: إن بني رضي الله عنه: إذن تنقطع ألبانها ويموت فصلاتها حتى تبلغ وادي، وقال بيني رضي وبينك عبد الله بن مسعود فقال عثمان نعم فقال عبد الله بن مسعود وأرى أن يؤني هذا واديه فيعطى شحه إبلاً مثل إبله و فصلاناً مثل فصلانه فرضي عثمان بذلك وأعطاه  ويقول السرخسي وفي الحديث دليل على جواز التحكيم، وأن الإمام إذا كان يخاصمه غيره فله أن يحكم برضي الخصم من ينظر بينهما كما فعل عثمان رضي الله عنه روي عن شريح أنه قال: (لما رجع علي رضي الله عنه من قتال معاوية وجد درعاً له إفتقده بيد يهودي يبيعها، فقال علي رضي الله عنه: درعي ولم أبع، فقال اليهودي: درعي وفي يدي، فإختصما إلى شريح، فقال شريح لعلي هل لك بينة؟ قال نعم قنير و الحسن إبني، قال شريح لا يجوز للأب، وقضى لليهودي بالدرع . وروي عن الشعبي أن عمر بن الخطاب أخذ فرساً على سوم فحمل عليه رجلاً ليشوره فعطب الفرس، فقال الرجل: بيني وبينك شريحاً العراقي، فأتياه، فقال: يا أمير المؤمنين أخذته صحيحاً سليماً على سوم، فعليك أن ترده سليماً كما أخذته . حكم الصحابة في الشقاق بين الزوجين، وفي جزاء الصيد في وقائع لا تحصى فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن عثمان إبن عفان رضي الله عنه بعث هو ومعاوية حكمين بين عقيل بن أبي طالب وإمرأته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة وبعث علي حكمين إلى رجل وإمرأته، وقال لهما أندريان ما عليكما؟ إن رأيتما أن تجمعا جمعتها، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما  بالحديث أخذ الشافعي وقال حديث علي ثبات عندنا .

المبحث الثالث - الضوابط الشرعية للتحكيم

المقصود بالضوابط الشرعية هنا حكم التحكيم التكليفي فهل هو واجب أم مندوب أم مباح أم محرم أم مكروه؟

إن التحكيم يكون واجباً إذا ورد به نص يدل على الوجوب كما جاء في الآية "فأبعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها  وقد ذهب الأصوليون إلى أنه إذا تجرد الأمر من القرائن يدل على الوجوب حقيقة، ولا يصرف عن إيجابه إلا بقرينة، وإلا بقي على إيجابه (۷) وقوله تعالى: "فأبعثوا" دال على الوجوب في البعث ولم تقترن به قرينة تصرفه عن هذا الوجوب فيبقى على جوابه. وكذلك الأمر في قوله تعالى في جزاء الصيد "يحكم به ذوا عدل منكم".

ويكون التحكيم واجباً كذلك إذا أمر السلطان به، ورأى أن المصلحة تحقق فيه في فض خصومة معينة القاعدة أن تصرف الإمام منوط بالمصلحة في ذلك  وللإمام جعل المباح واجباً أو محظوراً إذا رأى المصلحة في ذلك ما لم يخالف قاعدة ولا نصاً قطعياً ولا إجماعاً فيكون التحكيم واجباً في حالتين إذا ورد به النص دالاً على الوجوب، أو إذا أمر به السلطان.

وخلافاً للحالتين المذكورتين يكون التحكيم جائزاً قبل صدور الحكم واللزوم بعده ويقصد بالجواز رفع الحرج وهو أعم من أن يكون واجباً أو مندوباً أو مكروهاً حيث يطلق الثاني على مستوى الطرفين وهو التخيير والترك، والثالث يطلق على ما ليس بلازم وهو إصطلاح الفقهاء فيقولون: الوكالة والشركة عقدان جائزان ويعنون به ما للعاقد نسخه فالأمر بالنسبة للخصوم جواز سلوك سبيل التحكيم في فض خصوماتهم أو اللجوء إلى الفضاء المختص ويقول الإمام القرافي: عقود الولايات المقصود بما يحصل بعد العقد وهذا القسم لا تتلزم مصلحته مع اللزوم بل مع الجواز وعدم اللزوم وهو خمسه تحكيم الحاكم مالم يشرع في حكم).

مقصود الشارع من التحكيم: إن حكمة مشروعية التحكيم هي الباعث على التشريع والآثار المترتبة عليه فهي الغرض من التشريع والهدف الذي يرمي إليه الشارع وهو جلب المصالح ودرء المفاسد وتحقيق غاية معينة يدركها الإنسان أو لم يدركها، تحققت لدى الناس كافة أو لبعضهم، والغرض من تشريع التحكيم يتمثل في الدور الذي يقوم به في الفصل في الخصومات والحد من النزاعات والتي من شأنها أن تشيع العداوة والبغضاء وفساد ذات البين إذا ما تركت دون الفصل فيها بحكم، ويستوي أن يكون حكم قاضي مولى او حكم محكم، وبهذا فالتحكيم يحقق كلا المصلحتين فهو يخفف العبء على القضاء المشقة عن كاهل الأفراد في الإنتظار في طوابير القضاء، فحاجة الناس إلى التحكيم قائمة لسهولة إجراءاته ومسطرته وقلة تكاليفه وسرعة البت في الخصومات ويريد الله اليسر ولا يريد العسر وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما خير رسول الله " " بين أمرين إلا إختار أيسرهما مالم يكن إثماً، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه)  فالتحكيم يؤدي إلى فض المنازعات المشقة عن المتخاصمين فإنه يؤدي إلى إصلاح ذات بین الزوجين في الشقاق بقوله تعالى (إن يريد إصلاحاً يوفق الله بينهما)  وإن فصل القضاء كما قال الفاروق رضي الله عنه: (يورث في القوم الضغائن . إتساع نطاق دائرة التحكيم: إن التحكيم شمل جميع الجوانب الأسرية وجزاء الصيد وإن النبي طبقه في مجال الأسرة والمعاملات والحرب، كما شملت تطبيقات الصحابة مختلف المجالات والقضايا السياسية والمالية والقضايا الكبرى مثل إختبار الإمام كما جاء في تحكيم عبد الرحمن بن عوف وعزله كما في الله تحكيم سيدنا علي ومعاوية الحكمين أيا موسى وعمرو بن العاص رضي عنهم والقضايا الصغرى في مجالات الأموال والحقوق، فدائرة التحكيم في الفقه الإسلامي يتسع نطاقها بشكل كبير بحيث يمكن اللجوء إليها في المسائل المالية والإقتصادية والإجتماعية والدستورية والسياسية الشرعية، لا الحدود واللعان ونحوهما مما هو وارد في حقوق الله تعالى (الحق العام). فدائرة التحكيم تشمل كل التسميات المعاصرة مثل التحكيم التجاري المحلي والدولي، والتحكيم في المنازعات الحدودية والبحرية و التحكيم في القانون الدولي وفي مجال تطبيق قانون العمل بالنسبة إلى العمال ورب العمل وفي المناطق الإقتصادية الخالصة للدول.

أركان التحكيم:

إتفاق التحكيم عقد رضائي، الفقه الإسلامي في يتفق القانون مع وليس شكلياً يتوقف على شكل معين ولكنه يختلف معه في إثبات الإتفاق على التحكيم يتوقف على كونه مكتوباً نظراً لأهميته وخطورته حيث نصت معظم الأنظمة والقوانين على ذلك منها النظام بالمرسوم الملكي السامي بالرقم (۳۲) و الصادر بتاريخ ١٣٥٠/١/١٥هـ (١٩٣١/٦/١) وقد ألغى المرسوم الملكي رقم م /٤٦ وهو النظام الجديد للتحكيم تلك المواد، وكذلك نص مادته القانون الفرنسي في المادة (١٠٠٥) وقانون المرافعات المصري (٥٠١)، وكذلك الأمر بالنسبة إلى جميع شروطه وبنوده في حين الفقه الإسلامي لا يشترط الكتابة فيه، بل يجوز إثباته بها وبالإتفاق لكل الوسائل المتاحة، لو إشترطت الدولة أو الطرفان أن لا يتم التحكيم إلا مكتوباً فإذن لا يخالف الشريعة التي أمرت بالكتابة . في عصر كانت الكتابة فيه نادرة، فقال تعالى: (فأكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل) بعد أن تناولنا فيما مضى مشروعية التحكيم في الكتاب والسنة وإجماع الأمة تعالج الآن بيان شروط التحكيم إنطلاقاً من أ إتفاق بين الطرفين على تولية طرف ثالث ليفصل في خصومتهما بحكم الشرع، حيث يتضح أن أطراف التحكيم هي:

1-  محتكم.

فالمحتكم هو كل من الطرفين المتخاصمين، والحكم أو المحكم حت الشخص الذي إختاره الخصمان ليفصل في خصومتهما، والمحكوم فيه هو الحق موضوع الخصومة، والحكم هو القرار الصادر من الحكم فاصلاً في أن موضوع النزاع.

حيث أنه لا بد من تبيين الشروط المتعلقة بالمحتكم والمحك والمحكوم فيه بمعنى هل يجوز أن يكون كل شخص حكما أم أن هناك صفات معينة يجب ان تتوافر فيه ؟ وهل يصح منحه سلطة الفصل في الموضوع (موضوع النزاع) من كل شخص ام انه لابد من توافر صفات معينة فيه؟ أية خصومة أيا كان موضوعها أم أن هناك وهل يجوز التحكيم في شروط صحته ولزومه ومدى حجيته.

خصومات معينة يجوز فيها التحكيم دون غيرها؟ وما هو يتعلق بالحكم ونظراً لأن أركان العقد معروفة وهي العاقدان والصيغة المعبرة عن العقد. ومحل التحكيم الأمر المتنازع فيه، وعليه سوف نتناول أركان التحكيم تباعاً. الشروط المرتبطة بالأشخاص المحكمين

تمهيد: 

الأشخاص المحكمين هم كل من المحكم والمحتكم إليه ولكل شروطه.

الشروط المرتبطة بالمحتكم

يمثل أحد أطراف عقد التحكيم، ويعتبر رضاه المثبت لولاية الحكم النظر النزاع، لذا يجب أن تكون عبارته معتبرة ومؤيدة شرعاً فيجب أن توافر فيه أهلية التصرف، إلى جانب ذلك فإن المحتكم إما أن يكون مدعياً أو مدعى عليه أو محكوم له أو عليه. الأهلية: إن أي إتفاق تحكيمي بشكل عقداً، وإن الرضا فيه لا يكون صحيحاً إلا بشرطين، أن لا يكون مشوياً بعيب وفقاً لما تم ذكره سابقاً وأن يكون صادراً عن أشخاص متمتعين بالأهلية القانونية المطلوبة لكل نوع من انواع العقود" ويشترط في المحتكم البلوغ والعقل وهذا شرط صحة جميع التصرفات فلا يصح تحكيم الصبي غير المميز والمجنون لإنعدام أهلية التصرف عند كل منهما بإنعدام العقل، وإذا أبرم غير المميز أو المجنون عقد التحكيم فإن تصرفه يكون باطلاً، ولا يرتب أثراً)، وإذا حكم المحكم بناءً على تحكيمه لا يصح حكمه لعدم الولاية. وبصح تحكيم الصبي المميز المأذون له صلحه يصح و خصومته وتصرفاته في حدود الإذن، إلا إذا كان تحكيمه يضر بغرمائه فلا بد من رضاهم لنفوذ حكم المحكم في مواجهتهم". وأن المحكم يقتضي يتطلع بالمزايا نفسها التي يقتضي أن تكون للقاضي وأن يداوم على التحلي بها طيلة الدعوى التحكيمية ويقتضي أ يكون القاضي، وبالتالي المحكم وفقاً لأحكام المجلة ذكراً بالغاً، حكيماً، حراً، مسلماً وعادلاً، كما يقتضي أن تكون له الصفات التي تخوله الشهادة، بالتالي لا يمكن أن يعين حكماً كل من المرأة و القاصر والعبد والمسيء والفاسق، ووفقاً للنظرية السائدة، فإنه ليس بالإمكان تعيين غير المسلمين حكاماً، وهذا التوجه مستوحى من الآية القرآنية الكريمة التي تقول (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) الأمر الذي يعني ؟ أن غير المسلم لا يمكه أن يكون وصياً على مسلم، ويدخل في نطاق ذلك وصاية المحكم على الفرقاء، ووصاية الزوج على زوجته، وهذا التوجه الغالب يعتبر ا أن هذا السبب الذي سمح الإسلام به بزواج مسلم من كتابية دون أن يسمح بزواج مسلمة من کتابی

وعندما يكون المحكم مسلماً يقتضي أن يكون عالماً في الشريعة أو على الأقل له ثقافة إسلامية واسعة وهذا الشرط مفيد لتأمين الصحة والفاعلية للتحكيم، حتى لا يكون القرار التحكيمي مخالفاً للشريعة وللنظام العام الإسلامي ولكنه ليس إلزامياً إذ أن هناك إتجاهاً معاكساً ويرتكز على الآية القرآنية القائلة (وإن خفتم شقاق بينهما فأبعثوا حكماً . أهله وحكماً من أهلها) فهذا الإتجاه يسمح بأن يعهد بالتحكيم إلى محكمين غير مسلمين، حيث يمكن التحكيم في حالة ما إذا كانت الزوجة غير مسلمة، وأن يقع خيارها على محكم غير مسلم، لأنه ليس هناك في النص القرآني الوارد أعلاه أي إستثناء فيما يتعلق بتطبيق هذه القاعدة على غير المسلمين، وبالتالي فإن القرار التحكيمي يصدره في هذه الحالة حكمان مسلم وغير مسلم، وهذه النظرية ترى أنه ليس هناك أي نص يمنع تحكيم غير المسلمين المنتمين إلى دين سماوي كتابي بل هناك نص صريح يجيز لهم ذلك.

وطبقاً لهذه النظرية بخصوص إسلامية الحكم فيما يتعلق بالتحكيم في الخارج أي خارج ديار الإسلام للفرقاء المسلمين المقيمين في الخارج، إذ أن يختاروا محكمين غير مسلمين وهذه النظرية تجيز هذا الإستثناء بالقياس مع الآية القرآنية التي تجيز للمسلم المقيم في الخارج وهو على فراش أن يستعين في وصيته بشاهدين من المسلمين أو من غيرهم، وهذا الإستثناء المعتمد في القرآن الكريم والذي يعتمد على حالة الضرورة الملحة يمكن إعتماده للتحكيم الحاصل في الخارج.

تحكيم الوكيل ذهب الإمام السيوطي في الأشباه والنظائر إلى أنه يصح تحكيم الوكيل إذا أذن له الموكل لأن الوكالة ولاية قاصرة ومستفادة من الإذن وفي حدوده، فإذا أذن الموكل للوكيل بإجراء التحكيم صح ونفذ حكم الحكم في مواجهة الموكل ولا تكفي الوكالة العامة لإجراء التحكيم بل لا بد من النص على توكيل الموكل بإجراء التحكيم، فإذا إختصم الوكيل بالبيع مع المشتري في عيب في المبيع وكان العيب مما يحلان مثله، فقضى المحكم برده على الوكيل لم يلزم الموكل إلا أن يرضى بالتحكيم كما ذكرنا، ولا يشترط في المُحتكم الإسلام حيث يصح تحكيم الذمي والمعاهد والمستأمن للمسلم ولغير المسلم عند الحنفية الأهلية كل الشهادة عليهم ) تحكيم المرتد عند أبي حنيفة موقوف على إسلامه، فإن مات أو قتل على الردة أو قضى الحاكم بالحاقه بدار الحرب بطل تحكيمه وجميع تصرفاته فإن أسلم صحت جمعيها وقد نقل الحموي في شرح الـ ح الأشباه عن الوالجي قوله: (تصرفات المرتد على أربعة أوجه: نافذ بالإتفاق كقبول الهبة والإستيلاء و تسليم الشفعة والطلاق والحجر على عبده المأذون، وباطل بالإتفاق كالنكاح والذبائح والإرث وموقوف بالإتفاق كالمعارضة مع المسلم، وما إختلفوا في تتوقع كالبيع والشراء والعتق والتدبير والكتابة والوصية و قبض الدين، عند الإمام هذه التصرفات موقوفة إن أسلم نفذ حكمه، وإن قتل أو مات على الردة أو قضى القاضي بالحاقه بدار الحرب بطل، و عندهما ينفذ إلا أن عند أبي يوسف ينفذ كما من الصحيح متى تعتبر تبرعاته من جميع المال وعند محمد تنفذ كما تنفذ من المريض حتى تعتبر من الثلث.

الشروط في المحكم (المحتكم إليه):

هو الشخص الذي يمنحه المتخاصمان حق الفصل في نزاعهما، ويشترط فيه بالإضافة إلى أهلية التعاقد شروطاً خاصة منها ما يتعلق بصلاحيته ومنها ما يرتبط بصحة ولايته.

صلاحية المحتكم إليه: إشترط معظم الفقهاء أن يكون المحكم أهلاً لولاية القضاء، لأن المحكم كالقاضي) وذكر عن بعض الحنابلة أن الصفات الواجب توافرها في القاضي المولى لا تشترط في المحكم أساس هذا القول أن التحكيم من باب الوكالة لا الولاية، والوكيل لا يشترط فيه ما يشترط في القاضي المولى أما الشافعية فاشترطوا فيه ما يشترط في القاضي لتعلق عمله بفعل القاضي كما في أمينة.

البلوغ والعقل: يشترط لصحة حكمه أن يكون بالغاً عاقلاً شأن القاضي المولى إذ بإجتماعهما يتعلق التكليف وعليه لا يصح تحكيم الصبي غير المميز ولا المجنون والمعتوه لعدم التمييز، لأنه لا يمكنهم الحكم بالعدل الذي أوجبه الله سبحانه وتعالى وهؤلاء رفع عنهم التكليف فلا ولاية لأحدهما على نفسه، فأولى به أن لا يكون له على غيره، فإذا حكم الخصمان صبياً أو مختل العقل(9) لا يصح تحكيمه وإذا قضى لا ينفذ حكمه وإن أصاب الحق لعدم تحقق شرطه ولا يكتفى بالعقل المشترط في التكليف بل لابد أن يكون صحيح التمييز جيد الفطنة بعيداً عن الشهوة والغفلة، يتوصل بذكائه إلى حل ما أشكل وفصل ما أعضل  وبجانب الشروط التي ذكرناها آنفاً فيشترط أن يكون أهلاً للحكم وقت التحكيم ووقت الحكم بمعنى إذا زالت أهليته أثناء التحكيم زالت عنه صفة المحكم ولا تجوز له متابعة النظر بالتحكيم وإشترط الجمهور أن يكون المحكم معلوماً، قلو حكم الخصمان أول من يدخل المسجد مثلاً لم يجز بالإجماع لما فيه من الجهالة إلا اذا رضوا به بعد العلم فيكون حنيئذ تحكيماً لمعلوم.

العدالة: إختلف العلماء رحمهم الله في رسم حدود صفة الإنسان والعدل، فذهب المالكية والحنابلة إلى أن العدل هو : من لم يرتكب كبيرة ولم يصر على صغيرة وإجتنب ما يخل بمروءة أمثاله  وقد أخرج النووي صفة المروعة من العدالة وجعلها منفردة كما فعل الحنفية (٢) وقيل: العدل: من لم تغلب معاصيه على طاعاته وذهب متأخر و الحنفية إلى أن العدالة ليست إلا كون حسنات الرجل أكثر من سيئاته، فرق الفقهاء : بین تحديد الكبيرة وصنفوا بعض المعاصي في الكبائر وبعضها في الصغائر. العدل من لا يظهر عليه الفسق، فمن كان فاسقاً ظاهر الفسق لا يكون عدلاً، جاء به بعض الفقهاء من تعريف للعدالة لأنهم بنوا تعريفهم على جعل الذنوب كبائر وصغائر ولم يتفقوا على حدودها، لذلك فإنه من غير المتفق عليه أن هناك ذنوباً كبيرة، وذنوباً صغيرة، لأن مخالفة أمر الله تعالى ،كبيرة، أما ما جاء في الأحاديث عن ذنوب بأنها كبائر فإن المراد التشديد على النهي عنها، وإلا فإن هناك ذنوباً كشهادة الزور، جاءت النصوص بأنها كبيرة، ولم ترد النصوص بأن قطاع الطرق مرتكبو كبائر، ولم يرد نص على أن الكذب على رسول الله " " من الكبائر، لذلك فإنه لا . حد للكبائر والصغائر ، لذلك كان الأولى في تعريف العدل أن يقال هو من " منزجراً عما يعتبره الناس خروجاً . عن الإستقامة، ومن كانت هذه حاله كان عدلاً، لأنه ممن ، قام في النفوس أنه مستقيم، أما من عرف بالجرأة على الحرام، والمباهاة بالمعصية، وكان غير مبال بها، أو معروفاً بعدم الإستقامة، كان فاسقاً، فالعدل يقابله الفاسق والعدالة يقابلها الفسق .

رأي المذاهب في شرط العدالة:

ذهب المالكية والشافعية والحنابلة والحنفية في رواية، إلى إشتراط العدالة فلا بد أن يكون متولي منصب التحكيم عدلاً ولا يجوز أن يكون فاسقاً، فإن تولى مقاليد التحكيم فاسق أثم ،موليه، وبطلت أحكامه ولا تنفذ لنقصان أهليته والقدح في شخصيته، لعدم تمام عدالته .

وذهب الأحناف في رواية أخرى عنهم أنهم يجيزون تقليد الفاسق ولاية القضاء مع الكراهية وقد حكي عن الأصم من المعتزلة أنه قال: يجوز أن يكون القاضي فاسقاً، لما روي عن النبي " "، أنه قال سيكون بعدي أمراء، يؤخرون الصلاة عن أوقاتها، فصلوها لوقتها وأجعلوا صلاتكم معهم . حسبة  ويلاحظ رأي الأحناف في الرواية التي تقول بأنهم يجيزون تقليد الفاسق القضاء مع الكراهة، بأنهم منعوا كل محدود بحد قذف من تولي القضاء  فإنهم بذلك يتفقون مع قول الجمهور لأن كل من لا تقبل شهادته لا تجوز ولايته جرياً على قولهم: من تقبل شهادته تجوز ولايته، أما أبوبكر الأصم المعتزلي فإن إبن قدامة قد أسقط أي إعتبار لرأيه، و بعد أ بعد أن أورده أي الأسم : ناقشه بقوله: ولنا قول الله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا) فأمر بالتبين عند قول الفاسق، ولا يجوز أن يكون الحاكم. لا يقبل قوله ويجب التبين عند حكمه ولأن الفاسق لا يجوز أن يكون شاهدان فلئلا يكون قاضياً أو حكماً أولى، فأما الخبر، فأخبر بوقوع كونهم أمراء، لا بمشروعية النزاع، في صحة توليه لا في وجودها) وعليه فإن العدالة شرط لازم في صحة تولية الحكم، فلا يكون الحكم إلا من أهل العدالة، لأن الشرع إشترط العدالة في الشهود وأشهدوا ذوي عدل منكم ومن باب أولى أن يشترط فيمن ينظر في أقوال الشهود، وأحوال الدعوى كلها.

الإجتهاد في علوم الشرع:

وقع الخلاف بین العلماء في ضرورة شرط الإجتهاد في المحكم من

۱- درجة الإجتهاد. 

٢- أصل الشرط.

وللعلماء في هذه الجهة قولان:

أن يكون الحكم قد بلغ درجة الإجتهاد المطلق:

القول الأول: ذهب هذا الفريق من العلماء إلى إشتراط أن يكون من يتولى منصب القضاء قد حاز درجة الإجتهاد المطلق بمعنى أن يكون محيطاً بأهلية إستنباط الأحكام من مصادر التشريع وقد تكلم الفقهاء في حدود تحقيق مرتبة الإجتهاد المطلق، وجمعها إبن قدامة في المغني، فقال: (شرط الإجتهاد معرفة ستة أشياء: الكتاب والسنة والإجماع والإختلاف والقياس ولسان العرب ثم فصل القول في بيان المراد فقال: فأما الكتاب: فيحتاج أن يعرف منه عشرة أشياء الخاص والعام، والمطلق والمقيد، والمحكم والمتشابه، والمُجمل والمفسر، والناسخ والمنسوخ في الآيات المتعلقة بالأحكام، وذلك نحو خمسمائة، ولا يلزم معرفة سائر القرآن. أما السنة: فيحتاج إلى معرفة ما يتعلق منها بالأحكام دون سائر الأخبار، من ذكر الجنة والنار، ويحتاج أن يعرف منها ما يعرف من الكتاب، ويزيد معرفة التواتر، والآحاد، والمرسل والمتصل والمسند والمنقطع، والصحيح، والضعيف ويحتاج إلى معرفة ما أجمع عليه وما إختلف عليه ومعرفة القياس وشروطه وأنواعه وكيفية إستنباط الأحكام). أن يكون الحكم عالماً فقيهاً:

القول الثاني: أصحاب هذا القول من العلماء لم يشترط أن يكون القاضي مجتهداً، وإنما لا بد أن يكون عالماً قادراً على إنزال الحكم الشرعي على الواقعة المطروحة في الدعوى القائمة وإلى هذا ذهب بعض العلماء المالكية والشافعية، فقال العلامة الدردي: لا يستحق القضاء شرعاً إلا من كان فقيهاً أي عالماً بالأحكام الشرعية التي ولي القضاء بها، ولو كان مقلداً لمجتهد عند وجود مجتهد مطلق (۲) وليس من شروط الإجتهاد أن يكون مجتهداً في كل المسائل، بل من عرف أدلة مسألة وما يتعلق بها فهو مجتهد فيها، وإن جهل غيرها كمن يعرف "الفرائض" وأصولها، ليس من شروط إجتهاده فيها معرفته بأحكام البيع، ولا بأحكام المعاهدات.

ولذلك ما من إمام إلا وقد توقف في مسائل، وقيل: من يجيب في كل مسألة فهو ،مجنون، وإذا ترك العالم لا أدري صيبت مقالته .

أصل الشرط:

هذا وقد ذهب فريق من العلماء إلى عدم إشتراط العلم أصلاً فلم يشترطوا أن يكون متولي منصب القضاء مجتهداً مطلقاً لا مجتهد مذهب ولا حتى مجتهد مسألة وأجازوا صحة تولي قضاء المقلد، بل والعامي وإلى هذا الحنفية(٤) أما بقية علماء الأمة فقد جعلوا العلم المطلوب أصلاً ذهب جمهور في جواز تولي منصب القضاء وإختلافهم في درجة العلم المطلوب لا يخل بقولهم المستنبط من الشرع عن تولي الجاهل منصب القضاء. والواقع أنه كيف يكون الجاهل الذي لا يعرف في العلم حكماً الناس في الحقوق والدماء والأموال والفروج (۹) فيلاحظ أن الحجج في ذلك جاءت أكثر ضعفاً رأيهم، لأنهم أجازوا ذلك لتوقيف الفصل في من الخصومات على قضائه، وكيف يتصور عقلاً وشرعاً قيام الجاهل بواجبات القضاء فضلاً مخالفة هذا الرأي لنصوص الشرع، فعن بريدة رضي عنه قال: قال رسول الله ": القضاة ثلاثة إثنان في النار وواحد في الجنة

١- رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة.

رجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار. ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار. فالأول هو القاضي الذي يحكم بالشريعة والثاني هو ذاك القاضي

يحكم بالقوانين الوضعية ويترك الحكم بما أنزل الله تعالى، والثالث هو الجاهل العامي، الذي لم يحصل من العلم والإدراك شيئاً والواقع أن تولية عامة، ويحكم قضايا الناس عامة، فإذا لم تقبل منه الشهادة فالقضاء أولى.

 الأحناف: إشترطوا البصر والكلام ولم يشترطوا السمع 

الشافعية: إشترطوا البصر والنطق والسمع

المالكية: قال في بداية المجتهد: (لا خلاف في مذهب مالك: أن السمع والبصر والكلام، مشترطة في إستمرار ولايته، وليس شرطاً في جواز ولايته، وذلك أن من صفات القاضي في المذهب ما هي شرط في الجواز (فهذا إذا ولي عزل وفسخ جميع ما حكم (به ومنها ما هي شرط في الاستمرار وليست شرطاً في الجواز (فهذا إذا ولي القضاء ،عزل، ونفذ ما حكم به إلا أن يكون جوراً) ومن هذا الجنس عندهم هذه الثلاث صفات) (٤) وقال الدردير: ويجب أن يكون سميعاً بصيراً متكلماً ووجب عزل أعمى أو أصم أو أبكم ولو طرأ عليه بعد توليته، ونفذ حكمه، وإن وقع صواباً، والخلاصة ما كان يجب على الفقهاء الأعلام أن يبحثوا المسألة بقياس القضاء على الشهادة، لأنه قياس مع الفارق، هو واضح، لذلك فهم مطالبون بالدليل الشرعي على ما ذهبوا إليه جميعاً، سواء من قالوا بالجواز ام بعدم الجواز والواقع أنه مع توفر الوسائل البصرية والسمعية الحديثة وتطور المنتجات الطبية في هذا المجال تجعل من إشتراطات القضاة القدامي رحمهم الله ، في غير محلها حيث يمكن أن يكون القاضي غير بصير ويستطيع أن يحكم بفضل تطور وسائل الكتابة العصرية وغيرها (كنظام برايت) من وسائل السمع التي تطورت في الحياة العصرية بشكل مذهل بحيث تجعل من الأعمى والأبكم والأصم قادراً على قيادة دفة التحكيم.

الذكورة

يوجد خلاف كبير بين الفقهاء، ولايزال إلى الآن في مسألة تولية المرأة القضاء أو التحكيم فهل الذكورة شرط في تولي منصب القضاء أو التحكيم؟ بمعنى أنه لا يجوز شرعاً أن تتولى المرأة القضاء والتحكيم فإن وليت أثم موليها ونقض حكمها وإن ولي الذكر جازت تولیته وجرى حكمه؟ آراء الفقهاء في تحكيم المرأة وقضائها: 

إختلف الفقهاء المتقدمين في شرط الذكورة وجواز تولية المرأة منصب القضاء وأن تكون حكماً وذهبوا في ذلك إلى ثلاثة أقوال هي:

القول الأول: عدم جواز تولي المرأة منصب القضاء أو التحكيم مطلقاً: -

1)

وإليه ذهب جمهور الفقهاء كالمالكية والشافعية والحنابلة، وزفر من الحفيام. القول الثاني: يجوز تحكيم المرأة في غير الحدود والقصاص وذهب

إليه الحنفية (ماعدا زفر) وابن القاسم من المالكية).

القول الثالث: تجوز ولاية المرأة لمناصب القضاء والتحكيم مطلة وذهب إليه الإمام إبن حزم وابن جرير الطبري وابن القاسم من المالكية ومن المتقدمين العلامة الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور إبراهيم عبد عبد الحميد إن الكلام في شرط الذكورة لتولي . الحميد وتقي الدين النبهاني وآخرون من المتاخرين، ويقول الدكتور إبراهيم البسط والإطالة لكثرة اللغط حول هذا الشرط حيث حاول بعض الباحين أن يجعل عدم جواز ولاية المرأة للقضاء شيئاً مجمعاً عليه، زاعما أن خلاف ان حزم فيه واثب على إتفاق الأمة، وأن رأي إبن حزم في نفسه لا ينقض إجمال حتى ولو كان في عصر المجمعين، منصب القضاء، يطلب لأنه ليس من المجتهدين، وإن كلا علم معتبر، فالحق أن الآراء في هذا الموضوع ثلاثة: جواز ولاية المرأة القضاء أو التحكيم وعدم صحة هذه الولاية موضع النزاع

نفي الأمرين (الجواز والصحة بناءً على أن الذكورة شريطة لكل منهما. - إثبات الأمرين بناء على أن الذكورة ليست شريطة لأي منهما. - إثبات الصحة ونفي الجواز بناءً على أن الذكورة شريطة المجوازة دون الصحة.

وأن الذكورة شريطة جواز الصحة أجمع عليها جمهور المالكية والشافعية والحنابلة وزفر من مهور أهل العلم وفيهم الحنفية  ومعنى ذلك أن الذي يولى المرأة القضاء، يكون عند هؤلاء أثماً، وتكون ولاية المرأة عندهم باطلة، وقضاؤها غير نافذ ولو فيما تقبل فيه شهادتها. أما المذهب الذي يقول بأن الذكورة ليست شريطة جواز ولا صحة وعليه إبن جرير الطبري، وإبن القاسم من المالكية وإبن حزم الظاهري المحلي ٩/ (٤۲۹ ومعنى هذا أن الذي يولي المرأة القضاء لا يأتم، وتكون ولايتها صحيحة وأحكامها نافذة، لكن فيما تقبل فيه شهادتها، وهذا يتسع عند إبن جرير الطبري وإبن حزم ليشمل كل شيء حتى الدماء والفروج، ويضيق عند إبن القاسم، حتى لا يتجاوز الأموال وما لا يطلع عليه الرجال كولادة وإستهلال مولود وعيب نساء باطن.

أما مذهب الحنفية عدا زفر فعد الذكورة شريطة جواز لاصحة ومعنى ذلك أن الذي يولي المرأة القضاء يأثم ومع ذلك فولايتها صحيحة وقضاؤها نافذ، ولكن هل ذلك في كل شيء أم في غير الحدود والقصاص؟ روايتان، إلا أن الثاني . ظاهر الراوية وعليه فقضاء المرأة في الحدود والقصاص باطل ولو وافق الحق، لأن الحنفية فيها كالجمهور، على أننا قد علمنا أنفاً أن المرأة لو قضت في الحدود والقصاص ثم رفع قضاؤها إلى قاض آخر فأمضاه، رفع إمضاؤه الخلاف، فليس الأحد بعد أن الواقع أننا نذهب إلى قرار جواز تأييدنا تولي المرأة منصب والتحكيم لخلو أدلة جمهور العلماء الذين منعوها منه وذلك من عدة وجوه

حيث خلو السنة من أدلة التحريم من تولي المرأة منصب القضاء، وما زعمه الجمهور من كون قوله " " لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمراة) دليل على عدم جواز كون المرأة قاضية فزعم غير مستنبط إستنباطاً شرعياً صحيحاً لأن النص الحادثة بعينها وهو قوم کسری قد ولوا بنت كسرى عليهم في الحكم وهي الإمامة الكبرى وهذا النص خاص بموضوع الحكم وليس عاماً في كل ولايات المرأة فلا محل هنا لقاعدة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، فالحديث خاص بالحكم أي رئاسة الدولة ولا يشمل القضاء وإستدلال الجمهور بهذا النص إستدلال غير صحيح، وعليه فإن الدعوى تظل خالية من أي نص . من السنة يدل على تحريم تولية المرأة . القضاء وإن قيل: إذا كانت السنة لم تنص على جواز توليتها بدليل أنه لم يثبت عن النبي " " أنه عين إمرأة لقضاء فلو كان ذلك مباحاً لحدث ذلك وصاحب هذا الرأي. هو العلامة إبن قدامة المقدسي وقد نص عليه  بقوله (ولهذا لم يول النبي " " إمرأة قضاء ولا ولاية فيما بلغنا)، والواقع أن هذا لا يقال لأن الشرع لم ينص على أن ما كان مباحاً وجب فعله، لم يقل أحد بهذا، بل ولا يجوز أن يقال لأن المباح هو: خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال العباد على جهة التخيير، فللدولة الإسلامية أن تعين إمرأة ولها أن لا تعينها في القضاء فترك رسول الله " " لتعيين إمرأة في القضاء لا دلالة فيه على تحريم ذلك، وهناك وجهة نظر أخرى هي أن ولاية القضاء والتحكيم عقد إجارة والأحكام الشرعية المتعلقة بالإجارة أجازت أن يكون الأجير رجلاً وأجازت أن يكون إمرأة قال الله تعالى: (فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن)  والقاضي أجير كباقي الموظفين عينته الدولة ليقوم بعمل حسب الشرع أي ليخبر المتخاصمين بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام وليس معيناً لتنفيذ لأن التنفيذ مهمة جهة أخرى غير القضاء.

أحكام الشرع ولهذا ينطبق على تعريف الإجارة (عقد على منفعة معلومة بعوض) وهذا التعريف لا ينطبق على رئيس الدولة لأنه لم يجر يجر معه تعاقد على منفعة معينة بل جعل له أمر تنفيذ الشرع، فرئيس الدولة الإسلامية ليس أجيراً عند النظام الديمقراطي يجعله الناس متى شاءوا وينهون معه العقد منى أرادوا، وجاز أن يكون القاضي إمرأة لأن القاضي أجير كباقي الموظفين الذين تعينهم الدولة، والإسلام أباح أن يكون الأجير إمرأة، فالمرأة صالحة للتعاقد على القيام بمنصب القضاء شرعاً وإن الفاروق عمر رضي ! عنه وهو رئيس الدولة الإسلامية قد ولى إمرأة للحسبة في إرم السوق وهي الشفاء أم إبن أبي خشيمة الأنصارية والحسبة قضاء إذ هو: الإخبار بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام فيما يضر بحق الجماعة ) ولإنعقاد إجماع الصحابة، وإجماع الصحابة دليل شرعي بعد الكتاب والسنة كما يقول الشوكاني: (إجماع الصحابة صحة بلا خلاف) وأن حضور المرأة محافل الرجال في الحياة العامة مباح شرعاً ولا يؤدي ذلك إلى الفتنة، وليس وسيلة إلى الوقوع في الحرام بخلاف الحياة الخاصة فحرام شرعاً.

موقف المشرع السعودي من تولي المرأة منصب التحكيم: ذهب المرسوم الملكي رقم م//:٤٦ في المادة الرابعة إلى أنه يشترط في المحكم أن يكون من ذوي الخبرة، وحسن السيرة والسلوك، كامل الأهلية وإذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وتراً.

فهل هذه المؤهلات الثلاثة هي كل ما يتطلب في المحكم؟ مع الوضع في الذهن الشروط المطلوبة في الشريعة في القاضي كما في المحكم). وفي الواقع وفيما عدا شرطي الذكورة والإسلام يمكن بسهولة الإبقاء بالبقية ضمن متطلبات المادة  أعلاه حيث لم يعد للرقيق وجود كما أن الذكاء والتعليم خير عوض لمن فقد أحدى الحواس الثلاثة المذكورة، وأعتقد أن هذه المادة قد إستبعدت عن قصد شرطي الذكورة والإسلام ممهدة بذلك الطريق أمام النساء وغير المسلمين ليصبحوا محكمين في المملكة كلما أمكن ذلك. لقد إستبعدت المرأة  من القضاء لنقص أهليتها بسبب الجهل وعدم الخبرة ولم يعد الأمر كذلك حيث أصبح تعليم المرأة وثقافتها كالرجل. واستبعدت غير المسلم لأنه كان حربياً عدواً أو ذمياً محمياً، وما عاد غير المسلمين يقعون ضمن هاتين الفئتين قاطبةً، بل أصبح منهم ! الخلفاء والشركاء في المنافع المشتركة. لقد تبدل مفهوم الدولة والوطن إذ أصبح الرجال والنساء من جميع الأجناس والديانات مواطنون متساوون بموجب . مبدأ المواطنة. وفي المملكة العربية السعودية تجد النساء وغير المسلمين يعملون في ع الحرف والمهن ويتمتعون بأهلية التراخيص المهنية والسجلات التجارية جميع في الحرف والخدمات وهم بهذه الصفة بالفعل أعضاء في الغرفة التجارية. وقد أعطيت النساء وغير المسلمين كل هذه المسئولية والأهلية وذلك يكفي تماماً للإختيار محكما ضمن إطار مجتمعنا وتقاليدنا وأنظمتنا والمادة الرابعة لا تمنع من ذلك.

وقد أقرت اللائحة التنفيذية الجديدة إختيار المرأة كمحكمة، إلا أنها إشترطت أن يكون المحكم مسلماً وفي ذلك تطور تشريعي كبير بالمملكة وأضافت المادة (٢) اللائحة التنفيذية الجديدة على شروط المحكم، أنه إذا من كان فرداً أو رئيساً لهيئة تحكيم فيلزم أن يكون على دراية بالقواعد الشرعية والأنظمة التجارية في المملكة كما نصت اللائحة على أن تكون اللغة هي العربية والجلسات علنية ويرى بعض الخبراء  وجوب إستثناء تحكيم الغرف من بعض ذلك كله، وكان النظام دائماً متجاوباً.

ويعد المرسوم الملكي رقم م/ ٤٦ طفرة نوعية لنقل روح التحديث في التشريع التحكيمي لمواجهة متطلبات النمو التجاري والصناعي بالمملكة العربية السعودية، وما هي إلا متابعة للخطوات التحديثية الأخرى السابقة لها مثل دمج غير المسلمين الذين تحتاجهم البنية الإقتصادية والاجتماعية مثلاً كالبناء واللائي يحتاج إليهن لتطعيم الأنظمة الحديثة بالنظريات كإمكانية المسؤولية المحدودة للشركات ومثل القبول بالتحكيم بالخارج في منازعات الإستثمار بالتصديق على إتفاق المركز العالمي لتسوية منازعات الإستثمار بواشنطن في بيئة غير إسلامية وحيث يجوز أن يعين محكم قد يكون إمرأة وغير مسلم معاً، لا شك أن السماح للمرأة السعودية أن تكون محكمة نظاماً يسهم في تطوير تجمعات سيدات الأعمال التجارية والصناعية والإستثمارية

وفي ذلك خطوة جريئة تواكب تطلعات المجتمع السعودي المحافظ. صحة ولاية الحكم: الواقع لا يكفي أن يكون الحكم أهلاً للقضاء وقت التحكيم ووقت الحكم، وإنما يشترط كذلك أن تكون توليته صحيحة وهذا يقتضي هنا بيان التولية الصحيحة من غيرها.

تعليق التحكيم وإضافته للمستقبل ومدى جواز تقييده:

يقصد بالتعليق على شرط ربط حصول أمر بحصول أمر آخر في المستقبل وذلك عكس التنجيز والنفاذ الفوري، والذي فيه العقد يرتب حكمه فور إنعقاده، كقول رجل لآخر إذا قدم فلان فأنت وكيلي، فإنعقاد الوكالة قد ربط بتحقق قدوم شخص آخر.

أما الإضافة إلى المستقبل فهي تأخير حكم التصرف القولي المنشأ إلى زمن مستقبل معينا كقولك أنت وكيلي من أول شهر محرم

وأما التقييد بالشرط، فهو التزام في التصرف القولى لا يستلزمه ذلك الأموال دون الفروج او ان يعينه قاضياً للرجال دون النساء او العقود فول التصرف حال إطلاقه (٥) كتولية الإمام رجلاً قضاء بلدة كذا أو أن يقضي في الفسوخ، ففي هذه الحالة يلتزم القاضي بهذه القيود ولا يصح له أن يقضي النطاق المرسوم له وإلا كان حكمه باطلاً لعدم الصلاحية، فهل اصبح خارج تعليق التحكيم وإضافته وتقييده بالشرط؟

التحكيم عقد اطلاق:

التحكيم هو من عقود الإطلاقات، فهو تولية وتقويض كالوكالة والقضاء، وهذان يجوز تعليقهما على شرط أو إضافتهما إلى المستقبل أو تقييدهما بالشرط فكذلك التحكيم يجوز تعليقه على شرط وإضافته إلى المستقبل، وهذا ما ذهب اليه في فتاوى قاضي خان وقال أبو يوسف إن التحكيم لا يجوز تعليقه بالخطر أو مضافاً إلى المستقبل وعليه الفتوى وإستدل بأن التحكيم عقد من عقود التمليكات، وأن فيه تمليك الولاية وعقود التمليكات لايجوز تعليقها أو إضافتها إلى المستقبل، لما في ذلك من منافاة لما قصده الشارع في عقود التمليك من ترتيب حكمها فور إنعقادها. وأن التحكيم تولية إلا أنه صلح معنى لأنه لا يثبت إلا برضا الخصمين، و إنما يصار اليه لقطع الخصومة والنزاع وليس الصلح إلا ذلك، والصلح لا معلقاً ولا مضافاً وكذلك التحكيم مثله.

أشكال التعليق والإضافة

من أشكاله تعليق التحكيم على شرط كأن يقول المحتكمان لعبد أو ذمي إذا اعتنقت أو أسلمت فأحكم بيننا، أو أن يقولا إذا قدم فلان فأحكم بيننا. وصورة الإضافة كأن يقولا لرجل: أحكم بيننا غداً أو بعد غداً أو أول الشهر القادم وهلم جرا.

تقييد التحكيم وتأقيته:

يجوز تقييد التحكيم بالشرط كالقضاء كأن يقول المحتكمون للحكم أحكم بيننا في العقار دون المنقول أو أحكم بيننا في بلدة كذا وجاء في تبيين الحقائق: ولو حكم بينهما في بلد آخر جاز لأن التحكيم قد حصل مطلقاً فكان له الحكومة في الأماكن كلها أو على أن يسأل فلاناً الفقيه أو أحكم بيننا بما أجمع عليه الفقهاء، فإذا قضى بينهما بعدما سأل الفقيه صح حكمه في الأولى، وإن سأل فقيهاً واحداً ثم قضى صح حكمه في الثانية (١) وهذا إذا كان المحكم غير مجتهد، أما إذا كان المحكم مجتهداً فلا يصح حكمه بخلاف رأيه وقد قال إبن تيمية: وإذا تحاكم إليه إثنان في دعوى يدعبها أحدهما، فصل بينهما بأمر الله ورسوله، وألزم المحكوم عليه بما حكم به وليس له أن يقول: أنت حكمت على القول الذي لا أختاره(٢) ويقول في البحر الرائق: إذا كان التحكيم ليحكم على خلاف مايراه المحكم كان الصحيح عدم نفاذ قضائه (۳) وفي التبصرة: (إذا كان المحكم الإجتهاد مالكياً ولم يخرج باجتهاده عن مذهب مالك لزم حكمه، وإن خرج عن ذلك لم يلزم إذا كان الخصام بين ، مالكيين لأنهما لم يحكماه علي أن يخرج عن قول مالك وأصحابه وكذلك إن كانا شافعيين أوحنفيين، وحكماه على مثل ذلك كمن يلزمه حكمه إن حكم بينهما بغير ذلك(1) ويجوز تأقيت التحكيم بوقت معين كأن يقول المحتكمون الرجل حكمناك على أن تحكم في مجلسك هذا أو في يومك هذا أو في شهرك هذا، فإذا مضى الوقت المحدود في التحكيم ولم يصدر حكمه، إنتهت ولايته وإذا قضى بعد ذلك حكمه كما لا : حكم القاضي بعد العزل لعدم الولاية.

التعيين:

يعين المُحكّم بإتفاق الفرقاء، ويقتضي عليه أن يقبل المهمة التي عين لها وفقاً لأحكام المجلة، ويقتضي أن المحكم عند اللجوء إلى يعين التحكيم، أي في الإتفاقية التحكيمية التي تعقب نشوء النزاع، وهو الأمر الذي أوجبه لمدة طويلة في بعض القوانين كالقانون الفرنسي وعدد من القوانين العربية المعاصرة، وذلك بهدف تجنب شل العملية التحكيمية وتدخل السلطة القضائية الأمر الذي يشكل معاكسة للهدف المتوخى من التحكيم. وقد أقرت المجلة لكل من المدعي والمدعى عليه، الحق بتعيين محكم من قبله هذا ولم تتطرق الشريعة الإسلامية إلى إمكانية تعيين المحكم من قبل طرف ثالث ويمكننا القول بأنها لم تمنع كما لم تقر مثل هذا التدبير. فاذا إتفق الخصوم على تحكيم رجل ولم يتم تعيينه لا يجوز ذلك إجماعاً للجهالة، مثل أن يتفقا على تحكيم أول من يدخل عليهما أو من يصادفهما في الطريق، فتعيين شخص المحكم عنصر جوهري في التحكيم، وإنما لا يشترط أن يكون المحكم شخصاً يعرفه الطرفان أو من معارفهما فلو عين المتخاصمان شخصاً لا يعرفانه حكماً فهو جائز فيكفي تعيين الحكم