الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم التجاري / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 8 / الحكم الصادر عن محكمة حل الخلافات في فرنسا:وجـوب تكريـس إستقلالية التحكيم الدولي التجـاري عـن القوانين الداخلية للدولة 

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 8
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    89

التفاصيل طباعة نسخ

   إن التحكيم الدولي الذي يتعلق بمصالح التجارة الدولية (المادة 809 فقرة 1 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني يقابلها نص المادة 1492 من قـانون أصـول المحاكمـات المدنيـة الفرنسي) قد أصبح في أيامنا الحاضرة الوسيلة المعتمدة لفض النزاعات الناتجـة مـن العقـود التجارية الدولية المبرمة بين أشخاص القانون الخاص أو بينهم وبين الدولة وأشـخاص القـانون العام التابعين لها.

   وتتميز الإتجاهات الحديثة في الفقه والإجتهادين القضائي والتحكيمي باستقلال التحكيم الدولي عن القوانين الداخلية للدول لأن التحكيم الدولي يتمتع بمنطقه وخصائصه وآلياته الذاتية المستقلة عن النظم القانونية الداخلية.

(الدكتـور غالـب محمصاني، التحكيم والإستثمار، المجلة اللبنانية للتحكيم، العـدد 19، صفحة 6).

وبالرغم من هذا الإتجاه الإستقلالي كان موقف الدولة في عدة بلدان ومنها فرنسا ولبنـان يتميز بالحذر من التحكيم بحيث وضعت قوانين تمنع الدولة وأشخاص القانون العام التابعين لهـا من إبرام البنود أو العقود التحكيمية أو تحد من أهليتهم (المادة 2060 من القانون المدني الفرنسي والمادة 762 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني المتعلقة بالتحكيم الداخلي) أو تخـضعه لنظام قانوني يعطل مفاعيله وفعاليته.

    وإذا كنا نتناول مجدداً في هذه الدراسة مسألة إستقلالية التحكيم الدولي التجاري بالرغم مـن الآراء الفقهية والقرارات القضائية والتحكيمية التي كرست هذا المنحى فذلك بسبب صدور قـرار اريخ 17 آيـار 2010 عـن محكمــة حـل الخلافات الفرنسية (Tribunal des conflits) بت قضية نختصر وقائعها بما يلي:

1- بموجب عقد ذي توقيع خاص موقع في 4 آب 1998 بين المعهد الوطني الفرنسي للـصحة والأبحاث الطبية (INSERM) – وهو من أشخاص القانون العـام – ومؤسـسة نروجيـة Letten F. Saugstad إتفقا بموجبه على إنشاء معهد لأبحاث ألـ Neurobiologie تابعاً لجامعة Aix - Marseille في فرنسا على أن تساهم المؤسسة مالياً في هذا المشروع. .

  وقد نص العقد على أنه في حال حصول خلافات في التنفيذ يلجأ الفريقان الى التحكيم.

2- على أثر إقدام المؤسسة النروجية التي دفعت مليوني فرنك فرنسي إلى المعهد الفرنسي على فسخ الإتفاق، أقام المعهد دعوى على المؤسسة أمام المحكمة الإبتدائية فـي بـاريس التـي ألزمت هذه الأخيرة بأن تدفع رصيد المبالغ التي تعهدت بدفعها الى المعهد الفرنسي.

ولكن محكمة استئناف باريس فسخت هذا الحكم لعدم إختصاص المحكمة نظراً لوجود البنـد التحكيمي في الإتفاق.

3- عرض النـزاع على المحكم الفرد الذي أصدر قراره فـي 4 آيـار 2007 رد بموجبـه مطالب المعهد الفرنسي وحكم عليه بإعادة مبلغ /304878/ أورو مع الفائدة الى المؤسـسة النروجية.

4- طعن المعهد الفرنسي بالقرار التحكيمي بنفس الوقت أمام محكمة الإستئناف الإداريـة مدينة Marseille وأمام محكمة إستئناف باريس المدنية مدعياً بطلان البند التحكيمي علـى أساس أن الإتفاقية خاضعة للقانون العام وليس للقانون الخاص، وبالتالي يعـود إختـصاص النظر في الدعوى الى المحاكم الإدارية وليس إلى المحاكم العدلية، وذلك بالرغم من تعلـق النزاع بمصالح التجارة الدولية.

أصدرت محكمة إستئناف باريس قراراً برد الطعن لإبطال القرار التحكيمي معتبرة أن منـع الدولة من إجراء التحكيم منحصر في العقود الداخلية وأن هذا المنع لا يطبـق فـي مجـال التحكيم الدولي.

أما مجلس شورى الدولة الفرنسي الذي وضع يده على الطعن الإداري فقد أحال الملف الى محكمة حل الخلافات لتقرر من من المحاكم العدلية أو الإدارية مختصة بالنظر في الطعـن المرفوع ضد القرار التحكيمي.

5- بتاريخ 17 آيار 2010 أصدرت محكمة حل الخلافات قرارها معتبرة أن الخلاف الناشـيء عن عقد مبرم بين شخص معنوي فرنسي من القانون العام وشخص معنوي أجنبـي يتعلـق بمصالح التجارة الدولية حتى ولو وصف بأنه عقد إداري حسب معايير القـانـون الـداخلي الفرنسي، يدخل في إختصاص محكمة الإستئناف عملاً بالمادة 1505 من قـانون أصـول المحاكمات المدنية الفرنسي.

ولكن المحكمة استدركت وقضت بأن الحل يختلف عندما يكون الطعن يستلزم البحـث فـي مخالفة القواعد الآمرة للقانون العام الفرنسي المتعلقة بإشغال الأملاك العامة أو بالإلتزامات العامة أو عقود الشراكة أو عقود التفويض في المرافق العامة لأن جميعها تخضع لنظام إداري يتعلـق بالنظام العام وبالتالي يكون الطعن من اختصاص القضاء الإداري.

وخلص القرار الى إعتماد التعليل التالي:

    "Considérant que le protocole d'accord conclu entre l'INSERM, établissement public national à caractère scientifique et technologique, et la fondation Letten F. Saugstad, association de droit privé norvégienne, dont l'objet est la construction en France d'un bâtiment destiné à abriter un institut de recherche juridiquement et institutionnellement intégré à l'INSERM et qui en prévoit le financement partiel par la fondation, met en jeu les intérêts du commerce international; que, dès lors, le recours en annulation formé contre la sentence arbitrale rendue dans le litige opposant les parties quant à l'exécution et à la rupture de ce contrat, lequel n'entre pas au nombre de ceux relevant du régime administratif d'ordre public ci- dessus défini, relève de la compétence de la juridiction judiciaire".

  إننا نسارع إلى القول بأن هذا القرار الصادر عن أعلى هيئة قضائية فرنسية أحـسن تطبيـق القانون في شقه الأول عندما اعتبر أن العقد المتعلق بمصالح التجارة الدولية حتى لو كـان إداريـاً حسب المعايير الداخلية الفرنسية يخضع لإختصاص القضاء العدلي وللقانون العام الذي يطبق على القرارات التحكيمية الدولية ولكنه في الوقت نفسه شكل تراجعاً خطيراً بالنسبة الى شقه الثاني عندما اعتبر أن العقود العائدة إلى النظام الإداري الفرنسي الداخلي المتعلق بالنظام العام التي ذكرها فـي تعليله خارجة عن إختصاص القضاء العدلي والقواعد العامة ويعود بتها الى المحاكم الإدارية التـي ستبحث في أساس النزاع الذي فصل فيه المحكم في معرض ممارسة رقابتها على القرار التحكيمي.

وقبل أن نعلق على ما جاء في قرار محكمة حل الخلافات تشير إلى أنه كان موضوع انتقاد شديد من البروفسورين Emmanuel Gaillard و Thomas Clay وهما من أبرز الفقهاء في حقل التحكيم الدولي.

 وقد عنون البروفسور Gaillard مقاله بالعبارة التالية:

  "Le tribunal des conflits torpille le droit français de l'arbitrage."

 أي أن محكمة حل الخلافات تنسف قانون التحكيم الفرنسي.

 وأورد في تعليقه ما يلي:

    "Au moment même où diverses commissions se battent les flancs pour chercher les voies et moyens de promouvoir le droit français dans le monde et où les ministres de la République les plus en vue s'efforcent de convaincre les Etats du Golfe de ne pas oublier que leur droit inspiré du droit égyptien est de tradition civiliste, ce que leur personnel juridique, majoritairement anglophone, ne comprend plus, le Tribunal des conflits porte un coup très dur à l'une des rares institutions françaises qui sert encore de modèle dans le monde et qui assure à la place de Paris une fragile prééminence: le droit français de l'arbitrage international. 92 ويتابـع

 En revanche, l'arbitrage sous haute surveillance ou, pire, l'arbitrage tiraillé entre deux pôles de compétence, d'esprit opposé, est aussi anachronique qu'inefficace, compte tenu de la liberté des opérateurs du commerce international de convenir que leurs arbitrages se dérouleront en France... ou ailleurs".

 (La Semaine Juridique – Edition Générale n° 21, 24 Mai 2010, Page 1096).

 أما البروفسور Thomas Clay فقد عنون مقاله بالعبارة التالية:

 "Les contorsions byzantines du Tribunal des conflits en matière d'arbitrage".

وقد أيد البروفسور Clay ما جاء في الشق الأول من القرار لأنه منطبق على القانون وعلى الإجتهاد التحكيمي الدولي بينما أسف لما جاء في الشق الثاني بخصوص العقود الإدارية المتعلقة بالنظام العام الداخلي الفرنسي الذي يعرض للخطر باريس كمركز للتحكيم الدولي ويثير الحـذر والخوف لدى المستثمرين الأجانب عند تعاقدهم مع الدولة الفرنسية أو المؤسسات التابعة لها.

    "D'abord, le Tribunal des conflits a estimé que, en l'espèce, la juridiction judiciaire était bien compétente pour statuer sur le recours formé contre une sentence arbitrale rendue en France dans un litige opposant une personne morale de droit public française et une partie étrangère dans un contrat qui met «en jeu les intérêts du commerce international, fût-il administratif selon les critères du droit interne français». Jusqu'ici la décision était parfaite!

     Malheureusement le Tribunal des conflits ne s'est pas contenté de répondre au cas d'espèce. Il a ajouté un obiter dictum qui ne peut se comprendre que par le contexte déjà rappelé dans lequel cet arrêt a été rendu. Il en va autrement, précise le Tribunal des conflits, lorsqu'une sentence intervenue dans les mêmes conditions concerne des «contrats relevant d'un régime administratif d'ordre public» car alors le recours relève de la juridiction administrative".

ويتابـع

     "Malheur désormais à l'opérateur étranger qui n'a pas la chance de connaître les délices de la dualité juridictionnelle. Comment lui faire admettre que l'arbitrage dans lequel il s'engage avec une personne morale de droit public pourra donner lieu soit à un recours en annulation devant la juridiction judiciaire, soit à un recours au fond devant le Conseil d'Etat selon les critères de répartition abscons qui ressortent du présent arrêt? Sans parler du fait que la seule hypothèse d'un recours au fond devant une juridiction nationale suffit à effrayer définitivement l'opérateur étranger, de la même manière que l'opérateur français engagé dans un arbitrage à l'étranger. Cette solution aura donc assurément un impact sur la pratique de l'arbitrage international à Paris et pas seulement, dans les litiges concernant les personnes morales de droit public en ravivant la méfiance des contractants étrangers".

  (La Semaine Juridique – Edition Générale - n° 21- 24 Mai 2010 Page 1045 à 1049). 94

   وخلص إلى القول بأن ملابسات وخلفيات هذا القرار هي سياسية.

   فعلى ضوء ما جاء في قرار محكمة حل الخلافات الفرنسية وفـي أول تعليقـين إنتقـاديين صادرين بخصوصه ننتقل بدورنا الى البحث في المسألتين القانونيتين التاليتين:

1- في إستقلالية التحكيم الدولي عن القوانين الداخلية التي تمنع الدولة وأشخاص القانون العام من إجراء التحكيم أو تحد من أهليتهم لإجرائه.

2-في إستقلالية التحكيم الدولي عن القوانين الداخلية التي تنظم الإختصاص القضائي وترعـى موضوع المنازعة حتى ولو تعلقت بالنظام العام الداخلي.

 أولاً- في استقلالية التحكيم الدولي عن القوانين الداخلية التي تمنع الدولة وأشخاص القـانون العام من إجراء التحكيم أو تحد من أهليتهم لإجرائه:

    إننا سنتناول هذه المسألة بإيجاز كلي لأنها لم تكن الموضوع الأساسي المطروح في القضية التي فصل فيها قرار محكمة حل الخلافات بل ذكرها هذا الأخير في تعليله بمعرض تلخيصه مـا قررته محكمة إستئناف باريس عند ردها الطعن ببطلان القرار التحكيمي المقـدم مـن المعهـد الفرنسي المستند الى كون البند التحكيمي لا يصح في العقد الإداري حتى ولـو تعلـق بمـصالح التجارة الدولية.

     "Qu'ayant concomitamment saisi la Cour d'Appel de Paris d'un recours en annulation de la même sentence arbitrale, cette juridiction a par arrêt du 13 Novembre 2008 rejeté son recours en annulation et l'a débouté de ses demandes en retenant sa compétence sur le fondement de l'article 1505 du Code de Procédure Civile et en considérant que la prohibition pour un Etat de compromettre est limitée aux contrats d'ordre interne sous réserve de dispositions législatives contraires mais qu'au vu du principe de validité de la clause d'arbitrage international cette prohibition n'est pas d'ordre public international".

    إن الحل الذي أعطته محكمة إستئناف باريس لهذه الجهة يتوافق مع ما أقره العلم والإجتهاد الفرنسيان والإجتهاد التحكيمي الدولي، معتبرين أنه لا يجوز للدولة التذرع بأحكام قانونها الداخلي للتهرب من تطبيق البند التحكيمي الذي وافقت عليه بكل حرية وهذا المبدأ يشكل قاعـدة ماديـة (Règle matérielle) من قواعد النظام العام الدولي في التحكيم.

  -546. Pas plus que l'arrêt Galakis, les arrêts Gatoil et Bec Frères ne se sont pas prononcés sur la question de savoir si la règle matérielle qu'ils consacrent appartient au seul droit français ou si elle incorpore dans notre droit un principe général du droit transnational de l'arbitrage international. Il n'en est pas moins vrai que la règle qui interdit à l'Etat – et, à fortiori, à son cocontractant de se prévaloir des dispositions de son droit pour contester la validité d'une convention d'arbitrage qu'il a librement acceptée est aujourd'hui si généralement consacrée.

(Fouchard, Gaillard et Goldman Traité de l'arbitrage commercial international 1996 page 338(.

 وبنفس المعنى:

 "   Ce devait être l'œuvre de l'arrêt Galakis (2 mai 1996), universellement salué. Tout l'arrêt tient dans l'affirmation que, pour autoriser L'Etat ou les organismes publics à compromettre, il suffit de constater l'existence d'un contrat international passé pour les besoins et dans les conditions conformes aux usages du commerce international. Si la notion de «contrat international» a une portée assez générale et qui ne suffirait pas à justifier la solution, la caractérisation en est faite par le renvoi à une conformité aux usages du commerce international".

 (Jean Robert L'arbitrage droit interne, droit international privé 6ème edition p. 253).

  - الدكتور هادي سليم التحكيم في المنازعات المتعلقة بعقود الدولة بين مفهوم العقد الإداري وضرورات الإستثمار المجلة اللبنانية للتحكيم العدد 28 صفحة 13 وما يليها.

   - الدكتور سامي بديع منصور نظرة في التحكيم الدولي المجلة اللبنانية للتحكيم العـدد 17 ص 5 وما يليها.

    وقد اعتمد الفقه والإجتهاد الفرنسيان هذا الحل في التحكيم الدولي بالرغم من نـص المـادة النزاعـات المتعلقـة 2060 من القانون المدني الفرنسي التي تمنع بصورة عامة التحكـيم فى بأشخاص القانون العام الفرنسي.

   أما في لبنان فقد حسم المشترع الموضوع وكرس بالمادة 809 أصول مدنية الحلول المبينـة أعلاه إذ نص في الفقرة الثانية منها على أنه:

"يحق للدولة ولسائر الأشخاص المعنويين العامين اللجوء الى التحكيم الدولي".

ثانياً- في استقلالية التحكيم الدولي عن القوانين الداخلية التي تنظم الإختصاص القضائي والتي ترعى موضوع المنازعة حتى ولو تعلقت بالنظام العام الداخلي:

    كما أوضحنا أعلاه إن قرار محكمة حل الخلافات بعد أن اعتبر أن العقد المبرم بين شخص من القانون العام الفرنسي وشخص معنوي أجنبي والمتعلق بمصالح التجارة الدولية أكـان عقـداً خاضعاً للقانون الخاص أو عقداً إدارياً وفقاً للمعايير الداخلية الفرنسية يخضع للقواعد العامة ومنها إختصاص محكمة الإستئناف التي تنظر في الطعون المرفوعة ضد القرار التحكيمي والتي تشكل في فرنسا القضاء الطبيعي (Le juge naturel) في مجال مراقبة القرارات التحكيمية الداخليـة والدولية.

   ولسوء الحظ لم يكتف القرار بما سبق، بل اعتبر كما أسلفنا أن القرارات التحكيمية الدوليـة التي تبت العقود الإدارية التي يعتبرها القانون الداخلي الفرنسي متعلقة بالنظام العام الإداري تنظر في صحتها المحاكم الإدارية.

 وبذلك يكون القرار قد أوجد ثنائية (Dualité) لجهة الإختصاص القضائي ولجهـة طبيعـة العقود موضوع التحكيم الدولي.

    إن تعليل القرار لهذه الجهة الأخيرة مخالف للقواعد العامة التي ترعى التحكـيم الـدولي والتي لا تميز بين طبيعة العقود موضوع التحكيم أكانت خاضعة للقانون الخـاص أو للقـانون العام والتي تمنح المحكم الدولي الحق في بت كافة المسائل المطروحة أمامه حتى التي بالنظام العام الداخلي لدولة ما، إذ أن عليه الاعتداد فقط بالنظام العام الدولي دون سواه على أن يخضع قراره سواء عند الاعتراف به ومنحه الصيغة التنفيذية أو بمعـرض الطعـن ببطلانـه اقبة القضاء الطبيعي المختص وهو يتمثل في فرنسا وفي لبنان بمحكمة الإستئناف المدنية.

   وقد تكرس هذا الحل بموجب قرار محكمة استئناف باريس تاريخ 29 آذار 1991 بقـضية "Ganz" بحيث اعتبرت أنه في التحكيم الدولي يتمتع المحكم بصلاحية تطبيق القواعد والمبادىء المتعلقة بالنظام العام الدولي وبت أمر مخالفتها تحت مراقبة قاضي الإبطال.

     "Cette étape décisive a été franchie par la Cour d'appel de Paris le 29 mars 1991 dans l'affaire Ganz dans laquelle elle privilégie sans ambiguïté la troisième méthode de contrôle du respect des valeurs fondamentales de la société. A l'exception de certaines matières, jugées non arbitrables par principe, la Cour admet en effet que des arbitres puissent être appelés, au moins dans un premier temps, à se prononcer non seulement sur l'inexécution mais également sur la validité de contrats contraires à l'ordre public et plus généralement sur la licéité des comportements qui leur sont soumis. Par des formules excellentes la Cour affirme qu' «en matière internationale, l'arbitre [...] dispose du pouvoir d'appliquer les principes et règles relevant de [l']_ordre_public [international] ainsi que de sanctionner leur méconnaissance éventuelle, sous le contrôle du juge de l'annulation» et que  

    « dès lors, hors les cas où la non-arbitrabilité relève de la matière en ce qu'elle intéresse au plus près l'ordre public international et exclut de manière absolue la compétence arbitrale du fait de la nullité de la convention d'arbitrage – l'arbitre international, dont la mission consiste aussi à assurer le respect de l'ordre public international, a le pouvoir de sanctionner les comportements contraires à la bonne foi qui doit présider aux relations entre partenaires du commerce international» - "}

(Fouchard, Gaillard et Goldman op. cit, page 352).

    بناء عليه لا يجوز نزع صلاحية المحكم الدولي في بت المسائل والعقود المتعلقـة بالنظـام العام الداخلي أو تعطيل القرارات التحكيمية التي يصدرها، إذ لا تطبق مبـادىء القـانون العـام الداخلي في المجال الدولي.

     "La thèse suivant laquelle l'arbitrage international n'est plus ni de droit public, ni de droit privé est assez répandue de nos jours. On dit que l'arbitrage international a une problématique et une logique qui lui sont propres. On peut en déduire que ses mécanismes sont autonomes par rapport aux ordres juridiques internes et qu'il n'y a pas de raison d'appliquer au domaine international un principe tiré du droit public français.

 (Yves Gaudemet, Arbitrage: Aspect de droit public Etat de la question, Rev. Arbitrage. 1992, 225).

 "Répudiation de l'ordre public interne. La répudiation de l'ordre public interne constitue le troisième élément spécifique de la convention d'arbitrage en matière internationale. Ce principe est directement celui qui fonde le droit à l'arbitrage, en matière internationale, de l'Etat et des organismes de puissance publique.

    Mais le principe a, en fait, une portée plus générale. Dès lors que l'arbitrage revêt un caractère international, c'est-à-dire qu'il répond aux  nj98 ب caractéristiques de l'art. 1492 (82), l'ordre public national le cède nécessairement à l'ordre public international".

 (Jean Robert, op. cit, page 254)

وقد استقر الإجتهاد التحكيمي الدولي على الحل نفسه.

    "L'examen de la pratique arbitrale montre que la conception selon laquelle il appartient à l'arbitre saisi d'un litige mettant en cause des principes d'ordre public de faire respecter lui-même les exigences qui en découlent (426) correspond à une réalité. De fait, les arbitres manifestent très généralement ce souci, qu'ils apprécient, faute de for, au regard de ce qu'ils estiment être les exigences d'un ordre public véritablement international.

    On le constatera en examinant, à titre d'exemples, les sentences relatives à l'arbitrabilité du droit de la concurrence (1°), du droit de la propriété industrielle (2°), des litiges mettant en cause des pratiques de corruption (30), du droit des procédures collectives (4°), des litiges relatifs aux concessions exclusives de vente (5°) et aux questions d'embargo (6 °)."

 (Fouchard, Gaillard et Goldman op. cit, page 363).

   ومما يؤكد إستقلالية التحكيم الدولي عن كل القوانين والأنظمة الداخلية ما نصت عليه المادة 1496 من قانون أصول المحاكمات المدنية الفرنسي والمادة 813 من قانون أصول المحاكمـات المدنية اللبناني بأن المحكم يفصل في النزاع وفقاً للقواعد القانونية التي اختارها الخصوم أو التي يراها مناسبة وهو يعتد في جميع الأحـوال بـالأعراف التجاريـة، أو مـا يعـرف بـ Lex .Mercatoria

   ومن المسلم به أن الفرقاء يمكن أن يتفقوا على تطبيق أي قانون يختارونـه وأن يستبعدوا قانونهم الوطني حتى عندما تكون الدولة أو أحد الأشخاص من القانون العام التابعين لها فريقاً في العقد.

    وأكبر دليل على أن المحكم الدولي عليه احترام النظام العام الدولي عند فصله في القضية دون الإعتداد بالقوانين الداخلية حتى المتعلقة بالنظام العامإلا إذا كانت هذه الأخيرة تعتبر أيضاً متعلقة بالنظام العام الدوليما جاء في المادتين 814 و 817 من قانون أصـول المحاكمـات المدنية اللبناني المرادفتين للمادتين 1498 و 1502 من قانون أصول المحاكمات المدنية الفرنسي اللتين تنصان من جهة على الإعتراف بالقرارات التحكيمية وإعطائها الصيغة التنفيذية ما لم تكن مخالفة بصورة واضحة للنظام العام الدولي، ومن جهة أخرى على جواز استئناف القرار الـذي و يمنح الاعتراف أو الصيغة التنفيذية في حال مخالفة القرار لقاعدة تتعلق بالنظام العام الدولي.

الخلاصـة :

   بناء على كل ما تقدم نعتبر مع العلامتين الفرنسيين اللذين علقا على قـرار محكمـة حـلّ الخلافات أن هذا الأخير قد أخطأ في فرض نظام قضائي وقانوني شاذ عن القانون العـام فيمـا يتعلق ببعض العقود التي وصفها بأنها تتعلق بالقواعد الإدارية الداخليـة الأمـرة، كمـا خـالف الإتجاهات الحديثة التي تجعل التحكيم الدولي التجاري خارجاً تماماً عـن التـصنيفات التقليديـة والبالية بين قانون خاص وقانون عام وبين اختصاص عدلي وآخر إداري يخضع لنظام قـانوني عالمي قائم بذاته (sui generis) متحرر من كل القيود والضوابط الداخلية الضيقة التي تحـول دون تطوره وإعتماده أكثر فأكثر كالوسيلة الفضلي والأكثر فعالية لبت الخلافات التجارية الدولية ويعود الى المحاكم العدلية – دون سواها – مراقبة ما قرره المحكمون عند الإعتراف بقـرارهم أو إعطائه الصيغة التنفيذية أو في معرض الطعن ببطلانه بحيث تعامل الدولة أو التابعين لها في التحكيم الدولي أسوة بأشخاص القانون الخاص بدون أي إمتياز لجهة الإختصاص القضائي أو لجهة القوانين التي ترعى الموضوع.

   وكما قال الدكتور سامي منصور (المرجع السابق صفحة 18):

   "إن النظرة في التحكيم الدولي في ضوء ما سبق تفرض طرح سؤال هو الآتي: أليس فـي ذلك نظام قانوني عالمي جديد على غرار ما يطرح من نظام عالمي اقتصادي وسياسي جديد؟".

   وعدم إعتماد هذه القواعد المادية والمبادىء الراسخة علماً واجتهاداً المبينة أعلاه في التحكيم الدولي يؤدي من جهة أولى الى مفاعيل سلبية جداً بالنسبة الى فرص الإستثمار في دولة مـا لأن المستثمرين الأجانب يرغبون قبل تنفيذ مشاريعهم وتوظيفاتهم معرفة النظام القضائي والقـانوني الواضح الذي يرعى التحكيم الدولي في الدولة المعنية وإلا سيحجمون عن الإستثمار في حال تبين لهم أن هذه الدولة تعتمد في قوانينها معيارين مختلفين فيما يتعلق بالتحكيم الدولي عندما تكون هي أو أحد الأشخاص من القانون العام التابعين لها فريقا فيه.

كما يؤدي من جهة ثانية رفض المتعاقدين الأجانب إخضاع العقود التي يجرونها مع دولة ما 100 ي الفق لقانونها ورفضهم أن يكون محل التحكيم واقعاً فيها لعدم إخضاع القرار التحكيمي لمراقبة قـضاء الدولة المذكورة خاصة متى كانت تفرق بين الأختصاصيين العدلي والإداري علماً أن هذه التفرقة لا يعتمدها النظام الأنكلوسكسوني (Common Law).

   وهذا ما سيحصل تأكيداً بالنسبة الى فرنسا ومدينة باريس كمركز دولي للتحكيم، كما لاحـظ عن حق البروفسوران Gaillard و Clay في تعليقهما على قرار محكمة حـل الخلافـات كمـا أشرنا في مستهل هذه الدراسة.