الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم التجاري / المجلات العلمية / مجلة الملتقى - غرفة قطر - العدد 89 / مستجدات قانون التحكيم القطري لسنة 2017 ومدى ملائمتها لقانون الأونيسترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي

  • الاسم

    مجلة الملتقى - غرفة قطر - العدد 89
  • تاريخ النشر

    2021-03-01
  • عدد الصفحات

    186
  • رقم الصفحة

    32

التفاصيل طباعة نسخ

إن إنشاء لجنة الأمم المتحدة للقانـون التجـاري الـدولي سنة 1966 جـاء رغبة في تكريس طابـع التوحيد والتنسيق للقواعد التي تحكم المعاملات التجارية الدولية ، والذي شكل خيـارا استراتيجيا جسدته الجهود التـي تبـذل على المستوى الدولي منذ زمن بعيد وذلك لتفـادي مـا عـانتـه الـدول مـن نزاعـات فـي هـذا المـجـال نتاجا لتفـاوت وعدم استقرار قوانينهـا الوطنيـة المنظمة لـه مـما شكل عائقا أمام تدفق التجارة الدولية وازدهارهـا لهـذا كانت مختلف الاتفاقيات والقوانين النموذجية والصكوك الصادرة عن اللجنـة تهدف إلى جعـل القواعـد المتعلقة بالأعمال التجارية الدولية موحدة مع عصرنتها وملائمتها للمستجدات التـي تعرفهـا الساحة الدوليـة.

والتحكيم كأحد أهـم الأليات القانونيـة والمبادرات التشريعية المهمـة التـي أضحى الرهان عليه قائما بغية توفير المناخ القانـوني السليم للاستثمار باعتبـاره الأسلوب المفضـل للمستثمرين الأجانب الذين لطالمـا أبدوا تخوفاتهـم مـن محاكم قضائيـة لا يعرفونها ويجهلون إجراءات التقاضي أمامها، وكذا خشية تأثـر القـاضي الوطني بالإيديولوجية السائدة في الدولـة المضيفـة للاستثمار وتحيـزه لمصلحة دولته ، دفع لجنـة الأمم المتحدة للقانـون التجاري الدولي إلى تجنيد أفرقتهـا العاملـة عبر أساليبها التشريعية إلى إعداد نصوص تشريعيـة دوليـة في مجـال التحكيـم تشكل مرجعـا أساسيا للدول كي تستخدمها في تحديث وموائمـة قوانينهـا الوطنية في هذا الميدان، وقد شكلت في هذا الإطار اتفاقية نيويورك للاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبيـة أحد أهم الاتفاقيات الدولية المتعـددة الأطراف في مجـال التحكيم التجـاري الدولي ، وذلك بسـنها أحكامـا ملزمة للدول المصادقة عليهـا مـن أجـل تجـاوز مشكل الاعتراف والتنفيـذ الـذي كانت تشيره مسألة الأحكام الأجنبيـة أمـام قضاء الدولـة المطلوب منـه اعـتـراف وتنفيذ هذه الأحكام ، وسـيـرا عـلى هـذا النهج سلكت الأونيسترال أسلوبا تشريعيـا مغايرا باعتمادهـا القانـون النموذجـي للتحكيـم التجاري الدولي سنة ١٩٨٥، والذي صمم لمساعدة الدول في إصلاح وتحديت قوانينهـا المتعلقة بإجراءات التحكيـم لمراعـاة السمات والاحتياجات الخاصة للتحكيم التجـاري الدولي .

وقد حاولت مختلف تشريعات التحكيـم الداخلية مواكبة ما أكدته الاتفاقيـات الدوليـة مـن قواعد قانونيـة فـي ميـدان التحكيم، ولم تكن قطر للتخلـف عـن هـذه المسايرة، إذ قامت بمجهودات ملحوظة لخلـق نـوع مـن الانسجام بين تشريعهـا ومـا تـم إقـراره مـن قـواعـد في الاتفاقيات الدولية تماشيا مـع روح الدستور القطـري الـذي نصـت مقتضيـات المـادة 6 منـه، عـلـى أنـه :( تحترم الدولة المواثيق والعهود الدولية وتعمـل عـلى تنفيذ كافة الاتفاقيـات والمواثيق والعهود الدوليـة التـي تكـون طرفـا فيهـا). 

وكـذا مقتضيـات المـادة 68 منـه، والتـي تنـص عـلـى أنـه . (... تكون المعاهـدة أو الاتفاقيـة قـوة القانـون بعـد التصديـق عليهـا ونشرهـا بالجريدة الرسمية..»، حيـث انضمـت وصادقت بذلـك دولـة قـطـر عـلى العديـد مـن الاتفاقيات الدوليـة والإقليميـة  في مجـال التحكيـم التجـاري الـدولي، في مقدمتهـا اتفاقيـة نيويورك لسـنة ١٩٥٨ بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبيـة، والتـي انضمـت إليهـا بموجـب المرسـوم الأمـيري رقـم ٢٩ سـنة ٢٠٠٣ المعمـول بـه اعتبـارا مـن ۲۰۰۳/۰۳/۳۰ .

ومواصـلـة لـحـرص قطـر عـلى تسـجيل انخراطهـا الفعـلي والدائـم في المنتظـم الـدولي كأحـد المحددات الأساسية لسياسته الخارجيـة، وكـذا تزامنـا مع الاهتمام التشريعـي الـذي أولـتـه الأونيسترال للتحكيـم مـن خلال الأساليب التـي تسـتخدمها للاضطلاع بولايتهـا في تحديث القانـون التجـاري الـدولي ومناسـقته، والذي شكل معهـا اعتمادهـا للقانـون النموذجـي للتحكيـم التجـاري الـدولـي أحـد أهـم الأساليب التشريعيـة التي حظيت بإقبال العديـد مـن الـدول التـي اعتمـدت عليـه وهـي بصدد إدخـال تعديلات على قوانينهـا الوطنيـة، كـما هو الشـأن بالنسـبة للتشريـع القطـري الـذي ظـل وفـيـا للمبـدأ الدستوري القـاضي بضرورة احترام المواثيـق والعهـود الدوليـة المصـادق عليهـا، بحيـث شـكل مـعـه القـانـون النموذجـي للتحكيـم التجـاري الـدولي أحـد أهـم المرجعيـات الأساسية للتعديـل التشريعـي الـذي هـم إلغـاء الـبـاب الـخـاص بالتحكيـم مـن قانون المرافعـات المدنيـة والتجاريـة رقـم ((۱۳ لسنة 1990، وتعويضـه بموجب القانـون رقـم (۲) لسـنة ٢٠١٧ بإصـدار قـانـون التحكيـم فـي المـواد المدنيـة والتجاريـة.

وفي هـذا الصـدد، فـإن الإشكالية المحوريـة التـي ينبغـي أن ينطلـق منهـا هـذا البحـث هـي :

-إلى أي حـد تمـكـن المـشـرع القطـري مـن توفير أرضيـة قـانونيـة مـن خلال قانـون التحكيـم لسـنة ٢٠١٧ قـادرة عـلى كـسـب رهـان الملائمـة لـقـانـون الأونيسترال النموذجـي للتحكيـم التجـاري الـدولي؟

وللإجابـة عـن هـذه الإشكالية، سنعتمد على التصميـم التـالي:

-المحـور الأول: أهـم المستجدات التشريعيـة للتحكيـم القطـري فـي ظـل القانـون رقـم (۲) لسنة ٢٠١٧ .

-المحـور الثـاني: أهـم مظاهـر الملائمـة لقانـون الأونيسترال النموذجـي للتحكيـم التجاري الدولي .

 المحـور الأول: أهـم المستجدات التشريعية للتحكيـم الـقـطـري فـي ظـل القانـون رقـم (۲) لسـنة ٢٠١٧

إذا كان المشرع القطـري قـد تـطـرق إلى التحكيـم لأول مـرة بموجـب المـادة ١٤ مـن المرسـوم رقـم ١ لسنة ١٩٥٤ بشـأن ضريبـة دخـل قـطـر، والـذي صـدربموجب المـادة ٨٢ مـن دسـتـور ١٩٥٣، فإن مجيء قانون المرافعات المدنية والتجارية لسـنة 1990 قـد شـكل الوجهة التشريعيـة الأولى التـي نظمـت بكيفية مفصلـة نظـام التحكيـم، مخصصـة لـه البـاب الثالـث عـشر في الفصـول مـن ١٩۰ إلى ٢١٠، إلا أنه لغاية هذا التنظيـم القانـوني فـإن المشرع اهتـم فقـط بتنظيـم التحكيـم الداخـلي، وأغفـل بـشـكل كلي تنظيـم التحكيـم التجـاري الـدولي، بحيث اكتفـي بالاتفاقيـات الدوليـة الصـادرة بهـذا الخصـوص.

ونظـرا للأهميـة التـي يكتسيها التحكيـم التجـاري الـدولي في الوقـت الراهـن باعتبـاره وسيلة ناجعـة تستجيب لرغبات التجار في حل النزاعات بشكل فعال، فإن المشرع القطري قام بإلغاء مقتضيـات البـاب الثالـث عـشـر مـن قانون المرافعـات المدنيـة والتجاريـة الخاصـة بالتحكيم وتعويضها بموجب قانـون التحكيم في المواد المدنية والتجاريـة رقـم (۲) لسنة ٢٠١٧، حيـث أبـان مـن خـلالـه عـن العديد من المستجدات التشريعية المهمـة انطلاقـا مـن إعادتـه للنظـر في المقتضيـات القانونيـة المنظمـة للتحكيـم الداخلي (أولا) مرورا بتعزيز النظـام القانـوني للمحكـم والـدور القضـائي في المادة التحكيمية (ثانيا).

أولا: إعـادة النظـر في المقتضيـات القانونيـة المنظمـة للتحكيـم الداخلي كأحـد أهـم المستجدات :

يعد قانون التحكيم في المـواد المدنية والتجارية في الفترة الراهنة أحد أهـم الدعائـم الأساسية للاقتصـاد بقطـر خصوصـا فـي مجـال جـذب الاسـتثمار الأجنبـي وتشجيعه، حيـث حـاول مـن خلاله المشرع استدراك مجمـل النواقـص والشوائب التـي تخللـت ثنايـا فـصـول قانـون المرافعـات المدنية والتجاريـة لسـنة ۱۹۹۰، وانفتاحـه بالمقابـل عـلى رؤيـة جديـدة وفـق منظـور جـديـد، تظهـر معالمهـا للوهلة الأولى مـن خـلال المقاربة الشكلية للقانـون باعتبارهـا جـزءا لا يتجـزأ مـن التوجـه الـذي حـداه مـن خـلال تبنـي سياسـة تعزيـز النصـوص القانونيـة المنظمـة للتحكيـم الداخـلـي والتـي اتخـذت العديـد مـن المظاهـر تجسـدت في النقـاط القانونيـة التالية:

أ. تبني مقاربة شكلية جديدة للقانون

تأتي في مقدمـة الملاحظـات الشـكلية التـي يمكـن إبدائهـا بخصـوص هـذا القانـون هـو انفصال المقتضيات القانونية المنظمـة للتحكيـم مـن قـانـون المرافعات المدنية والتجارية، وهو ما يشكل بدوره استجابة والتفاتة تشريعية للنقـاش الفقهـي الـذي لطالمـا حـث على ضرورة تنظيم وتجميع النصوص القانونية لنظام التحكيـم سـواء التحكيم الوطنــي أو الـدولي في قانـون مـوحـد شـامل وجامـع.

وفي إطـار الملاحظـات الشـكلية أيضـا، ينبغـي الإشـارة إلى تضخـم عـدد المـواد مـن ٢٠ مـادة في ظـل البـاب الثالـث عـشـر مـن قـانـون المرافعـات المدنيـة والتجاريـة الملغى إلى 38 مـادة في ظـل القانـون الحـالي، وهـو بالمقابـل تضخـم أتى ليراعـي خصوصيـة الفصـول الثمانيـة التـي حملهـا القـانـون في طياتـه بـين فصل احـتـل العتبـات الأولى ليخصـه واضعيـه للإطـار المفاهيمي والأحـكـام العامـة، وآخـر لاتفـاق التحكيـم، بالإضافـة إلى فصـول أخـرى راعــى في تقسيمها خصوصيـات العمليـة التحكيميـة بـدءا مـن مسـألة تشكيل الهيئـة التحكيميـة إلى حـيـن صـدور الحكـم التحكيمـي، والـذي تثـار بـشـأنه الإشكالات المرتبطـة بالاعتراف والتنفيـذ وكـذا الطعـون.

ب. إرسـاء قواعـد عامـة للتحكيـم مـفتـاح لتجـاوز بعـض الإشكاليات: 

كثـيـرة هـي التعديـلات التـي جـاء بـهـا قانون التحكيـم القطـري حيـث شـملت التحكيـم الداخـلـي والـدولي، لكـن شـأننا في هـذه الفقـرة الاقتصـار عـلى البعـض مـن تجليـات ومظاهـر القـواعـد العـامـة التي أراد مـن خلالهـا المـشـرع تجـاوز معيقـات تـطـور التحكيـم فـي قـطـر، ولعـل أهمهـا:

1. إعادة تحديد المفاهيم

يقـال أن التعريـف مـن مـهـام الفقـه وليـس القـانـون، لكـن نـظـرا لأن تحديـد المفاهيـم فـي مـادة التحكيـم لمـا قـد يـثـور مـن إشـكـال حـول تفسـيرها وتأويلهـا مـما ينعكـس سـلـبـا عـلى التعاطي مـع تلـك المصطلحـات، فـإن المـشرع القطـري حـاول تـدارك مجموعـة مـن العيـوب الـتـي كـانـت تـعـتري المقتضيـات القانونيـة المنظمـة للتحكيـم فـي ظـل قانون المرافعات المدنية والتجارية في مقدمتها مسألة عدم إبـراد أي تعريف سواء بالنسبة للتحكيم أو غيرها من المصطلحـات ولـو فـي نصـوص متفرقـة منـه ، الـشـيء الـذي دفعـه فـي ظـل القانـون الحـالي إلى تخصيص مقتضيات المـادة الأولى منـه إلى إيراد تعريفـات لمجموعـة مـن المصطلحـات تماشـيـا مـع التوجـه الـذي حـدثـه بعـض التشريعـات العربيـة كـمـا هـو الحـال بالنسبة للتشريع المغربي، الـذي خـصـص بـدوره مقتضیات المادة الأولى من مشروع القانون رقـم 95,17 المتعلـق بالتحكيـم والوسـاطة الاتفاقيـة للتعريـف بمجموعـة مـن المفاهيـم التـي لا زالت إلى غايـة هـذا التعديـل تشغل حيزا مـهـمـا مـن الاجتهـاد القضائي الصادر في المادة التحكيمية وذلك في أفق تجاوز إشكال التأويل والتفسير الخاطـي الـذي كان ينتج عنها، والأمـر الجدير بالذكر، أن المشرع في ظل قانون التحكيـم الـحـالي قد تدارك اللبس الذي كان يكتنف مسألة الجهـة القضائيـة المختصـة بمسـائل التحكيـم حيـث لأول مـرة في التشريعـات العربيـة يفتـح المجـال لأطـراف التحكيـم في اختيار المحكمـة المختصـة، والتـي قـد تكون دائرة منازعات التحكيـم المـدني والتجاري بمحكمة الاستئناف، أو الدائرة الابتدائية بالمحكمة المدنية والتجارية مركز قطر للمال .

۲. لجوء الدولة إلى التحكيم

في العصر الحديـث لم تعـد وظيفـة الدولـة كـمـا فـي المـاضـي قـاصـرة عـلى الأمر والدفاع، بل امتدت إلى مجـالات متعـددة، فقـد نـزلـت الدولـة إلى الأسـواق التجارية لبيـع وتشتري تقـرض وتقترض، تصدر وتستورد.... شـأنها في ذلـك شـأن الأفراد، فالمشاركة المتزايدة للـدول بغـض النظـر عـن فلسـفتها ومفاهيمهـا السياسية والاقتصاديـة في التجـارة الدوليـة بـات أمـر مـعـهـودا. ونظـرا لأن التحكيـم أصبـح الوسـيلة المعتـادة لتسـوية منازعـات التجـارة الدولية، فإن لجوء الدولـة إليـه أثـار العديـد مـن التسـاؤلات حـول أهليـة أشخاص القانـون الـعـام في اللجوء إلى التحكيـم؟

وإن الإجابـة عـن هـذه التساؤلات اتخذت بشـأنها غالبيـة تشريعـات التحكيـم موقفـا وسـطـا ينطلـق مـن مـبـدأ عـام أساسـه حـظـر اللجوء إلى التحكيـم مـن طـرف الدولـة لـكـن مـع مراعـاة بعـض الاستثناءات الواردة عليـه، ولـعـل التشريع الفرنسي يأتي في ، مقدمـة هـذه التشريعـات حيـث أن الأصـل فـي حظـره هـذا يرجـع إلى القضـاء الإداري الـذي كان يرفض بشكل قاطـع إمكانيـة اتفـاق أشخاص القانـون الـعـام عـلـى اللـجـوء إلى التحكيـم لـحـل أي نـزاع ينشـأعـن عقـد إداري تكـون طـرفـا فيـه، ثـم سـمـح باستثناء هـو وجـود نـص يرخص للشـخص العـام بالاتفـاق عـلى التحكيـم مسـألة محـدة بالـذات. وفي هـذا الصـدد نستحضر الـرأي المشـهـور الـذي كرسـه مجلـس الدولـة الفرنسي في 06 مـارس ١٩٨٦ بخصـوص التحكيم الـدولي، حيـث جـاء في مضمونـه مـا يلي:

«أنـه لا يجـوز للأشخاص الاعتباريـة الفرنسية العامـة أن تلجـأ إلى التحكيـم الـدولي إلا بشرط أن يرخـص لـهـا بذلـك اتفـاق دولي أو قانـون تشريعـي»، وأن مجلــــس الدولـة بهـذا الـرأي لا يغلـق الطريـق أمـام تـطـور محتمـل لموقفـه .

وبالرجـوع إلى التشريـع القطـري نـجـده قدسـكت بموجـب المقتضيـات القانونيـة للتحكيـم الملغـاة عـن هـذه المسألة بحيث لم يجـز أو يمنـع إمكانيـة لـجـوء الدولة إلى التحكيـم، إلا أنـه تماشـيـا مـع التطـور المهم لمعظـم التشريعـات وخلافـا للنصـوص القديمـة قـام المـشرع بتـدارك هـذا الـفـراغ والانحـراف عـن التوجـه السـائد في معظم الـدول وذلـك بتوسـيـع مـجـال اللجـوء إلى التحكيـم ليشمل النزاعـات التـي يـكـون أحـد أطـراف شـخصـا مـن أشخاص القانـون الـعـام، ونستحضر في هـذا الصـدد مـا نـصـت عليـه مقتضيـات الفقـرة الأولى مـن المـادة الثانيـة مـن القانـون رقـم (۲) لسـنة ٢٠١٧ بشـأن التحكيـم فـي المـواد المدنيـة والتجاريـة حيـث جـاء فيهـا: ( مـع عـدم الإخـلال بأحـكام الاتفاقيات الدولية النافـذة في الدولة، تسري أحكام هـذا القانـون عـلـى كل تحكيـم بـيـن أطـراف مـن أشـخاص القانـون الـعـام أو القانـون الخـاص، أيـا كانت طبيعـة العلاقـة القانونيـة موضـوع النـزاع، إذا كان هـذا التحكيـم ويـجـري في الدولة، أو كان تحكيـمـا تجاريا دوليا يجـري في الخـارج واتفـق أطرافـه عـلى إخضاعـه لأحـكام هـذا القانـون). وباستقراء مقتضيـات الفقـرة أعـلاه يتبين أن المشرع القطـري قـد اعـترف بشكل صريح وواضـح بأهليـة الدولـة في اللجوء إلى التحكيـم لـكـن بـشـروط حددتهـا مقتضيات الفقـرة الثانيـة مـن نفـس المـادة، والتـي جـاء فيهـا: « يكـون الاتفـاق عـلى التحكيـم في منازعـات العقـود الإداريـة بموافقـة رئيس مجلـس الـوزراء أو مـن يفـوضـه ».

وهكــذا فالمشرع القطـري إلى حـدود مقتضيـات الفقرتين أعلاه، قـد اعـترف بأهليـة الدولـة للـجـوء إلى التحكيـم مـما يتماشى مـع مـا أصبـحـت تعرفـه التجـارة الدوليـة مـن تـطـور مـهـم ومـمـا يـسـاهم حتــما في إنعاش الاقتصـاد الوطنـي وجلـب رؤوس الأموال لدعم الاستثمار بقطـر، لكن للأسـف مـا أعـطـاه المشرع بيده اليمنـي قـد سـحبه بيـده اليسرى فبعد مـا اعـتـرف بشكل صريـح بأهليـة أشخاص القانـون الـعـام باللجـوء إلى التحكيـم جـاء أيضـا ليتبنـي بمقتضى الفقـرة الثالثـة مـن نـفـس المـادة موقفـا صريحـا وواضحـا نـص مـن خـلالـه عـلـى أنـه: «ولا يجـوز بـأي حـال مـن الأحـوال لأشخاص القانـون الـعـام اللـجـوء إلى التحكيـم لـحـل مـا ينشأ بينهـم مـن منازعات»، وبالتالي فهـذا المنـع سـيؤدي حـتـمـا إلى انغـلاق الدولـة، مـمـا سـيؤثر عـلى الاستثمار الداخـلي والخارجـي لكـون أن هنـاك العديـد مـن العقـود الإداريـة تطبعهـا الصـفـة التجاريـة رغـم خضوعهـا للقانـون الـعـام، كما تتعـارض مع الاتفاقيات والمعاهدات الدوليـة التي صادقـت وانضمـت إليهـا دولـة قطـر والـتـي تلـزم الدولـة عـلـى اللـجـوء إلى التحكيـم الـشـيء الـذي يـفـسـر حـجـم الارتبـاك والتضـارب الـذي عرفتـه هـذه المسألة منذ عقـود خـلـت ولا زالت ترمـي بظلالهـا عـلى التشريع، ليثور معهـا مـن جديـد نـفـس التسـاؤل الـذي لا ربمـا كانـت مقتضيات الفقرتين الأولى والثانية كافيتين لتقديـم إجابـة واضحـة لـه. وفي نفـس الإطـار، وبمراجعـة حيثيـات الفقرة الأولى أعـلاه يتبين أن المشرع وإن لم يشر بصريـح الـعبـارة عندمـا أجـاز إمكانيـة لجـوء أشخاص القانـون الـعـام للتحكيـم بـشـقيه الداخـلـي أو الـدولي إلى العـقـد الإداري الـدولي، إلا أنـه يستشـف مـن خـلال القـراءة المتأنيـة لـهـا وبعيـدا عـن الطـرح الـذي تناولتـه مقتضيـات الفقـرة الثالثـة أن النزاعـات الناشئة عـن العقـود الإداريـة الدوليـة تدخـل فـي مجـال تطبيـق أحـكام القانـون القطـري للتحكيـم، التـي تتماشى والـشروط الأساسـيـة الثـلاث التـي تبـقـى إمكانيـة تطبيـق أحكامـه رهينـة بتحققهـا وهـي: - أن يكـون التحكيـم بـيـن أطـراف مـن أشخاص القانـون الـعـام أو القـانـون الخـاص - أيا كانت طبيعـة العلاقة القانونية موضوع النزاع؛ - إما أن يكون التحكيـم جـاريـا داخـل الدولـة أو تحكيـمـا تجاريا دوليـا يجـري في الخـارج واتفـق أطرافـه على إخضاعـه لأحـكـام هـذا الـقـانـون. 3. إعادة مأسسة اتفاق التحكيم:

خلافا لمقتضيـات المـادة 190الملغـاة (19)، عمـل المـشـرع عـلـى تـدارك الفـراغ التشريعـي الـكـبـيـر الـذي طـال النظـام القانـوني لاتفـاق التحكيـم كـأحـد أهـم المستجدات التـي حملهـا قـانـون التحكيـم رقـم (۲) لسـنة ٢٠١٧، وذلـك بإعـادة مأسسته استجابة منـه للعديـد مـن الانتقادات والدعـوات التـي طالبـت بتحديـث أحـكام التحكيـم .

وعليـه فـقـد سـعـي المـشرع القطـري إلى تجـاوز مناقـب القـانـون الملغـى بوضعـه لإطـار قـانـوني جديـد لاتفـاق التحكيـم حيث نصـت مـن خـلالـه مقتضيـات المـادة السابعة مـن القـانـون المذكـور عـلى مـا يلي: «1- اتفـاق التحكيـم هـو اتفـاق الأطـراف سـواء كانـوا مـن الأشخاص المعنوية أو الأشـخاص الطبيعيين الذيـن يتمتعـون بالأهليـة القانونيـة للتعاقـد على الالتجـاء إلى التحكيـم، للفصـل في كل أو بعـض المنازعـات التـي نشـأت أو التـي قـد تنشـأ بينهـم بشـأن علاقـة قانونيـة محـددة، تعاقديـة كانـت أو غير تعاقدية ويجوز أن يـكـون اتـفـاق التحكيـم منفصـلاً أو في صـورة شرط تحكيم وارد في عقد.

2-لا يجـوز التحكيـم فـي المسـائل الـتـي لا يجـوز فيهـا الصلـح.

3- يجب أن يكون اتفاق التحكيـم مكتوباً وإلا كان باطـلاً، ويعتـبر اتفـاق التحكيـم مكتوبـا إذا ورد في وثيقـة موقعـة مـن الأطراف، أو كان في صـورة رسـائل ورقية أوإلكترونيـة ، أو في أي صـورة أخـرى تتـم بوسائل الاتصـال التـي تتيـح إثبـات الاستلام كتابـة.

4- يعتبر اتفـاق التحكيـم مسـتوفياً شرط الكتابة، إذا أدعـى أحـد الأطـراف بوجـود

الاتفـاق في مذكـرة الدعـوى أو مذكـرة الـرد دون أن ينكـر الطـرف الآخـر ذلـك في دفاعه.

5 - تعبر الإشارة في عقـد مـا إلى وثيقة تتضمـن شرط التحكيـم بمثابـة اتفـاق تحكيـم بـشرط أن تكـون تلـك الإشـارة واضحـة في اعتبـار هـذا الـشـرط جـزءاً مـن العـقـد.

6-مـع عـدم الإخلال بـأي نص تشريعـي يقضي بانتهاء الحلول الموضوعية أو الالتزامـات بسـبب الوفـاة ومـا لم يتفـق الأطـراف عـلى خلاف ذلـك، لا ينقـضي اتفـاق التحكيـم بمـوت أحـد الأطـراف ويجـوز المضي في تنفيـذه بواسـطة أو ضـد الأشخاص الذيـن يمثلـون ذلـك الطـرف بحسـب الأحـوال.

وباسـتقراء مقتضيـات المـادة أعلاه، يتبين أن المشرع قـد تـدارك الأمـر وخـرج عـن العديـد مـن الأحـكام المتشـددة فأوجـب تحريـر اتفـاق التحكيـم كتابـة سـواء في وثيقـة موقعـة مـن الأطـراف، أو كان في صـورة رسـائل ورقيـة أو إلكترونية، أو في أي صـورة أخـرى تـتـم بوسائل الاتصـال التـي تتيح إثبـات الاستلام كتابـة، وذلـك عـلـى خـلاف الأحـكام السـابقة التـي لم تنفـرد عـن غيرهـا مـن التشريعـات المقارنة التى ذهبـت في اعتبـار الكتابـة شرطـا لإثبـات عقـد التحكيـم فقط.

وهكذا، يعتبر التوسع في مفهـوم الكتابة في اتفـاق التحكيـم أحـد أهـم المستجدات التـي . جـاء بـهـا المـشرع القطـري الا أن التسـاؤل المطـروح هنـا يبـقـى عـن الجـهـة المخـول لـهـا إثبـات صـحـة اتفـاق التحكيم، فهـل يرجـع إلى الهيئـة التحكيميـة أم يعـود إلى الجهـة القضائيـة المختصـة ترابيـا (التابـع لـهـا مـكان إبـرام اتفـاق التحكيـم)؟

وهكــذا فـقـد نـص المـشرع في المـادة الثامنـة عـلى أن المحكمـة التـي يرفـع إليهـا نـزاع يوجـد بشـأنه اتفـاق التحكيـم تبقـى لـهـا الإمكانيـة بـأن تقـضـي بعـدم قبـول الدعـوى إلى حـيـن بـث الهيئـة التحكيميـة في النـزاع، وذلـك إذا مـا تـم الدفـع بـوجـود اتفـاق التحكيـم مـن طـرف المدعـى عليـه قـبـل إبدائـه أي طلـب أو دفـاع في موضـوع الدعـوى. وبالرجوع إلى موقف المشرع القطـري من استقلالية شرط التحكيم، فنجد أنـه على مستوى مقتضيات التحكيـم الملغـاة ليس هنـاك مـا يشير إلى ما إذا كان الشرط التحكيمـي يتميز باستقلالية عـن العـقـد الأصـلي أم لا، إلا بعـد مـجـيء المناسبات القانونية للتحكيـم الـعـالي الـذي نصـت بشكل صريـح عـلى استقلالية هـذا الـشرط ، وذلـك بصريـح مقتضيـات البنـد الأول مـن المـادة السادسـة عـشـر منـه، حيـث جـاء فيهـا ما يلي: : «..، ويعتبر شرط التحكيـم اتفاقـا مستقلا عـن شروط العقـد الأخـرى، ولا يترتب على بطلان العقد أو نسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيـم الـذي تضمنـه طـالمـا كـان هـذا الـشرط صحيحـا في ذاتـه».

ثانيـا: تعزيـز النظـام القـانـوني للمحكـم والـدور القضائي في المـادة التحكيميـة

يعتبر النظام القانوني للمحكـم مـن بين المسائل القانونيـة في مجـال التحكيـم التـي طـالـهـا التعديل والتغييربموجـب المقتضيـات القانونيـة رقـم (۲) السنة ٢٠١٧، والتـي حـاولـت تـدارك الفراغ التشريعي الذي سجلته الأحكام السـابقة مـن خـلال تعزيـز الـشـروط الواجب توفرهـا في المحكـم ضمانا لحياده واستقلاليته، كي يمكن الاطمئنان إلى قراره في حسـم النـزاع.

وهكذا، فإن المشرع القطري اتـجـه إلى إعطاء الحرية لأطراف خصومة التحكيم في اختبار المحـكـم أسـوة بالعديد من التشريعات المقارنة ، واكتفى بوضع الضوابـط العـامـة التـي تضمـن صلاحيـة المحكـم لأداء المهمـة التحكيميـة انطلاقـا مـن بعـض المستجدات التـي حملتهـا مقتضيـات المـادة (11) مقارنة بالأحـكام السـابقة الملغـاة، والتـي ميـز في إطارهـا المشرع بين فئتين من المحكمين الذين تبقـى للأطـراف أو السلطة المختصـة إمكانيـة تعيينهـم، وهـمـا كالتالي:

الفئة الأولى: وهـي المعتمـدة والمقيـدة بســجل قيـد المحكمـيـن بـوزارة العـدل، حيـث يتـم قيدهـم بنـاء عـلى شروط وقواعـد يـتـم تحديدهـا بنـاء عـلـى قـرار لوزيـر الـعـدل .

الفئة الثانية: تبقى إمكانية تعيينهـا واكتسابها لصفـة محـكـم رهينـة بتوافرهـا على شروط محـددة قانونـا بموجـب المـادة ١١ .

والملاحظ هنا، أن المشرع القطـري وعلى غـرار العديـد مـن التشريعـات لم يشترط في المحكـم الخـبرة أو المؤهـل العلمي الأمـر الـذي يـجـوز مـعـه أن يكـون المحـكـم خبـــيرا أو غير ذي خـبرة في النـزاع المطـروح عليـه، وملـمـا بأحـكام القانـون أو عـلـى غـيـر علـم بـه، أو عـلى عـلـم بلغـة الخصـوم أو يجهلهـا كـمـا يجـوز أن يكـون أميـا طـالمـا أن الـشـروط التـي نـص عليهـا القانـون جـاءت محصـورة في نقـاط محددة .

وتجـدر الإشـارة إلى مقتـضـى جـد مـهـم جـاءت بـه مقتضيـات التحكيـم القطـري الحـالي ، وهـو نـصـه عـلى إمكانيـة مسـائلة المحكـم عـن ممارسـته لمهامـه إذا كانـت عـن سـوء نيـة أو تواطـؤ أوإهمال جسيم ويعتـبـر هـذا المقتضى ضمانـة كافية للمحتكمـين وتشجيعا لهـم عـلـى اللـجـوء إلى التحكيـم.

وبعيدا عن الضبابيـة والغـمـوض الذي كان يكتنف المقتضيـات القانونيـة الملغـاة، عمل المشرع القطـري على إعـادة تحويـر الدور القضـائي في المـادة التحكيميـة مـن خـلال رسـم تدخلاتـه بشـكـل واضـح وبمعـزل عـن السلطات المخولـة للهيئـة التحكيميـة، وكمثـال عـلـى ذلـك مسـألة السلطة المختصـة باتخاذ الإجـراءات الوقتيـة أو التحفظيـة هـل الهيئـة التحكيميـة أم السلطة القضائيـة المختصـة؟، والـذي أضحـت معـالم الإجابة عنهـا واضحـة في ظـل المقتضيـات القانونيـة الحاليـة مـن خـلال المـادة (١٧) منهـا، حيـث يسـتفاد مـن خلالهـا أن المـشـرع قـد اعـترف بمبـدأ الاختصـاص المشترك في اتخـاذ هذه الإجـراءات عـلـى غـرار العديـد مـن التشريعـات المقارنة مع الإشارة أن اتجاهـا واضحـا يهيمـن عـلى الأنظمـة والقوانين الوضعية الجديدة، يتجلى في أن الاعتراف لقضـاء الدولـة بالاختصـاص في مسألة اتخاذ الإجـراءات الوقتيـة والتحفظيـة رغـم وجـود اتفـاق التحكيـم لا يعني انكار شرط التحكيم، بل أن هنـاك اتجاهـا فقهيـا مـقـبـولا يتجـه إلى القـول بامتداد قيـام قضـاء مستعجلات الدولـة حـتـى ولـو اتفـق الأطـراف عـلى استبعاده، وذلك لمجابهـة حـالـة الـضـرورة القصـوى المتمثلـة في حـدوث خطـر عاجـل أو حـالـة اعتـداء مـادي تتطلـب تدخـلا عـاجـلا لا يمكـن للقـاضي أن يرفض الأمـر بـه حتـى لا ينعـت بارتكابـه لإنكار العدالـة .

 وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن قانون التحكيـم القطـري الـحـالـي قـد اسـتجاب مـن خـلالـه المـشرع لمجمـل النواقص التي كانـت تـعـتري الأحـكام السـابقة، بحيـث نظـم بـشـكـل واضـح ومفصـل معـظـم الإجـراءات والأجـال التـي تستدعيها المهمة التحكيمية بدء مـن كيفية تشكيل الهيئة التحكيمية مرروا بالمصاعب التي يمكن أن تعترض تشكيلها وكـذا الإجـراءات التـي يجـب عليهـا اتخاذهـا كإجـراءات التحقيـق، ولغـة التحكيـم، ومسطرة وأجـال تقديـم المستندات والدفـوع مـن قبـل المحتكمـين، نهايـة بأجـال وكيفيـة انتهـاء المهمـة التحكيميـة سـواء بالصلـح أو بإصـدار الحكـم التحكيمـي.

المحـور الثـاني: أهـم مظاهـر الملائمـة لقانـون الأونيسترال النموذجـي للتحكيـم التجـاري الـدولي

إن الانتقـادات التـي طـالـت المقتضيـات القانونيـة للتحكيـم لسنة 1990 مـن قبيل كـون أحكامهـا قـد اسـتمـدت مـن قـانـون عفـا عليـه الزمـن (قانـون الإجـراءات المدنيـة والتجاريـة المـصـري رقـم ١٣ لسـنة ١٩٦٨) مـن جهـة، ولا تتوافـق مع المعايير الدوليـة مـن جهـة ثانيـة مـمـا يـهـدد الاستثمار الأجنبـي والتجـارة الدوليــة في قطـر، دفعـت المـشرع إلى تداركهـا عـن طـريـق سـن مقتضيـات قانونيـة جـديـدة تـروم بالأسـاس مواكبـة التطـور التشريعـي الـذي شهدته التجـارة عـلى المسـتـوى الـدولي، والـذي تـوج بإصـدار لجنـة الأمـم المـتحـدة للقانـون التجاري الدولي لقانـون نموذجــي خاص بالتحكيم التجاري الدولي في سـنة 1985 والمعـدل في سـنة ٢٠٠٦، والـذي كان لـه عـظـيـم الأثـر والأهميـة في إعادة صياغة القواعـد الحاكمـة للتحكيـم القطـري.ولـعـل هـذه المراجعـة التشريعيـة التـي توجـت بإصـدار قـانـون خـاص ومسـتقل لقواعـد التحكيـم كـأحـد أهـم المحطـات التشريعيـة المهمـة فـي حيـاة التحكيـم بقطـر، والتـي كـتـب لـهـا أن يشـكـل قـانـون الأونيسترال النموذجي للتحكيم التجاري الـدولي مرجعـا مـهـمـا سـاهم في تجـاوز العديد مـن نقائص المقتضيات القانونيـة الملغاة، قـد جـاءت بعـد أن بدأت الدولـة ترضـخ شيئا فشيئا تحـت تأثير التغيرات الاقتصاديـة وتطـور العلاقـات التجاريـة الدوليـة عـبر انضمامهـا للعديـد من الاتفاقيات الدوليـة الصـادرة بهذا    الخصوص .

 وبالرغـم مـن الطـابـع غـير الإلزامـي لقواعـد القـانـون النموذجـي للتحكيـم التجاري الدولي إلا أن واضعـو المقتضيات القانونيـة الحاليـة للتحكيـم القطـري قـد تأثروا بشكل كبير بأحكامهـا إلى درجـة أن غالبية المستجدات التي تطرقنا إليهـا سـابقا لا تخـرج عـن كونهـا مسـتمـدة مـن روح قواعد القانون النموذجي المذكور والـذي تتجـلى أهـم تمظهراتـه فـي ظـل المقتضيات القانونيـة الحاليـة في إيجـاد قواعـد موضوعيـة مؤسسـة للتحكيـم التجـاري الـدولي (أولا) وكــذا التوجـه نحو إرساء تحكيـم أكثر ليبراليـة (ثانيا). أولا: إيجـاد قـواعـد مؤسسـة للتحكيـم التجـاري الـدولي كأحـد أهـم مظاهـر الملائمـة 

إن مـن أهـم الانتقادات التـي وجـهـت لنظـام التحكيـم القـديـم أنـه أغفـل تنظيـم التحكيـم فـي شـقـه الـدولي ، فـلـم يـنـص على إمكانيـة اتفـاق الأطـراف عـلى اللجـوء إلى التحكيـم خـارج دولـة قطـر وهـو مـا اسـتجاب لـه النظـام الجـديـد حيـث شـكل أول قانـون يـأتي بمقتضيـات خاصـة بالتحكيـم التجـاري الـدولي، وذلك بعد أن شكلت الاتفاقيات الدوليـة أول تشريـع اتفاقـي إن صح التعبير للتحكيـم التـجـاري الـدولي في قطـر وهو ما أكده مستهل المادة الثانيـة مـن القانـون رقـم (۲) لسـنة ٢٠١٧ بنصـه عـلـى أنـه مـع عـدم الإخلال بأحـكـام الاتفاقيات الدوليـة النـافـذة في الدولـة .

تسري أحـكـام هـذا القانـون..». وعليـه ، فـإن الاعتراف بدوليـة التحكيـم شـكلت أحـد أهـم مستجدات نظـام التحكيـم الـقـطـري الـتـي واكـب مـن خـلال المشرع الحـراك القانـوني الاقتصـادي العالمي، حيث أنـه مـن العبث أن تصـادق قطـر عـلى العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتحكيم التجـاري الـدولي دون أن تستتبعه بمواكبـة تشريعيـة، والتـي ساهمت فيهـا بشـكل كبـير قـواعـد وأحـكام قانـون الأونيسترال النموذجـي للتحكيم التجاري الدولي، ولعل أهـم مظاهرهـا ارتباطـا بالتحكيـم التجـاري الدولي تظهـر جـليـا مـن خـلال النقـاط القانونيـة التاليـة:

أ- دولية التحكيم

فقهيـا يـعـد مـوضـوع تحديـد دوليـة التحكيـم مـن بـين الموضوعـات القانونيـة التي حظيت بنقاش فقهي مستفيض ترتـب عنـه ظهـور اتجاهـات فقهيـة متضاربـة بشـأن الإشكالية المطروحـة حـول مـتـى يـكـون التحكيـم دوليـا؟                              فهنـاك مـن الفـقـه مـن اعتمـد عـلى معايير متنوعـة لمعرفـة صـفـة التحكيـم منهـا مـا ينسـب التحكيـم إلى مـكان صـور القـرار، كـمـا هنـاك مـا يتخـذ جنسية المحكـم ، أو جنسية الخصـوم كمعيار للتفرقـة بـين التحكيـم الـوطـنـي والتحكيـم الأجنبي أو الدولي، ومنها ما يستند إلى الأخـذ بمكان المحكمـة المختصة أصـلا بموضـوع النـزاع، والتـي استبعدت عـن نـظـر الدعـوى بسـبب الاتفـاق عـلى حســـــم النـــــزاع بالتحكيـم فـإذا جـرى التحكيـم فـي غـير الدولـة التـي تـوجـد فيهـا تلـك المحكمـة كان التحكيـم دوليـا .

وبالرجـوع إلى التشريـع نـجـد أن هنـاك ثلاثة اتجاهـات، الأول تبنـت مـن خـلالـه بعـض الـدول المعيار القانـوني لتحديـد دوليــة التحكيـم، في حـين أن الاتجـاه الثـاني اعتمـد عـلى المعيار الاقتصـادي، أمـا أصحـاب الاتجـاه الثالـث فـقـد اتخـذوا موقفـا وسـطـا بين الاتجاهـين مـعـا كـما هـو الشـأن بالنسـبة للتشريـع المغـربـي، الـذي تطلـب أن يكـون العـقـد مـوضـوع النـزاع مرتبطـا بالتجـارة الدوليـة وحـدد قانونـا مجموعـة مـن الـشروط كأن يكـون لأطراف الانفاق مؤسسات بالخارج أو مكان التحكيم بالخارج .

والمشرع القطـري وعلى خلاف مقتضيات التحكيـم الملغاة، سـار عـلى نفـس المنــوال الـذي سلكه التشريع المغربي لاعتبارهـمـا مـن بـين التشريعـات التى تأثـرت إلى  حـد كـبـيـر بأحـكـام قانـون الأونيسترال النموذجـي للتحكيـم التجـاري الـدولي، حيث نصـت بذلـك مقتضيـات البنـد الرابـع مـن المـادة الثانيـة مـن قـانـون التحكيـم لسـنة ٢٠١٧، على ما يلي: يكون التحكيم دوليا في تطبيـق أحـكام هـذا القانـون، إذا كان موضوعـه نـزاع يتعلـق بالتجـارة الدوليـة وذلك في الأحوال التاليـة :

أ. إذا كان المقـر الرئيـسي لعمـل أطـراف اتفـاق التحكيـم، وقـت إبـرام الاتفـاق واقعـا في دول مختلفـة، فـإذا كان لأحـد الأطـراف أكـثر مـن مـقـر للأعـمال تكـون العـبرة بمقر العمـل الأوثـق صـلـة بموضـوع اتفـاق التحكيـم، وإذا لم يكـن لأحـد أطـراف اتفـاق التحكيـم مـقـر أعـمال، تكـون العبرة بمحل إقامتـه المعتـادة؛

ب. إذا كان المقـر الرئيـسي لأعمال كل أطـراف اتفـاق التحكيـم يـقـع في نفـس الدولـة وقـت إبـرام اتفـاق التحكيـم وكان أحـد الأماكـن التاليـة واقعـا خـارج هـذه الدولـة:

- مـكان التحكيـم كـمـا حـدده اتفـاق التحكيـم أو أشـيـر فـيـه إلى كيفية تحديده؛

- المـكـان الـذي ينفـد فيـه جـزء جوهـري مـن الالتزامـات الناشئة عـن علاقـة الإطـراق؛ - المكان الأوثق صلة بموضوع النزاع؛

ج. إذا كان موضـوع النـزاع الـذي يشـمله اتفـاق التحكيـم متعلقـا بأكـثـر مـن دولـة واحـدة؛

د. إذا اتفـق الأطـراف عـلـى اللـجـوء إلى مؤسسـة تحكيميـة دائمـة يوجـد مقرهـا داخـل الدولـة أو خارجهـا .

وإن الملاحـظ مـن خـلال اسـتقراء المقتضيـات أعلاه، أن المشرع القطـري كان وفيـا لأحـكام قانـون الأونيسـترال النموذجـي للتحكيـم التجـاري الـدولي من خلال تبنيـه نـفـس معايير تحديد دولية التحكيـم التـي اعتمدتهـا مقتضيـات المـادة الأولى من القانون النموذجي المذكور، إلا أن الإشكال المطروح هنـا هـو مـا الحـاجـة إلى تعـداد حـالات مـحـددة يعتـبـر فيهـا التحكيـم دوليـا ما دام أن القاسـم المشـترك بينهـمـا هـو المصالـح التجارية الدوليـة؟ الشيء كان ينبغـي عـلى المشرع لزامـا أن يكتفـي فـقـط بضرورة تحقق شرط تعلـق مـوضـوع النزاع بمصالح التجـارة الدوليـة كمعيار موضوعي ومحدد أساسي لدوليـة التحكيم

ب. القانـون الواجـب التطبيـق عـلى موضـوع النـزاع

إن نصـوص مـواد التحكيـم في قانـون المرافعات المدنية والتجاريـة رقـم (۱۳) لسـنة 1990 كانـت مقتضبـة لدرجـة إهمالهـا الكـثـيـر مـن المواضيـع التـي كانت في حاجـة إلى تنظيـم، والتـي شـكل في الشـق الغالب منهـا التحكيـم الـدولي أحـد هـذه الموضوعـات التـي لم تسـلم منـه بـدوره المسألة المرتبطـة بالقانـون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، بحيث لم يكن له أن يـكـون ثمـرة القانـون المذكـور.

وفي ظـل هـذا القصور التشريعي عمـل المـشـرع بعـد اعترافه بالتحكيـم الدولي على تنظيم جوانبه القانونية بشكل مفصل، بحيث أضحـت الاجابــة عن إشكالية القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع واضحة بموجب مقتضيـات المـادة (٢٨) مـن نـظـام التحكيـم القطـري الحالي، والتـي تنـص عـلـى أنـه (1- تفصـل هيئـة التحكيـم في النزاع وفقا للقواعد القانونيـة التـي يتفـق عليهـا الأطـراف. وإذا اتفقـوا عـلى تطبيـق قـانـون أو نظـام قانـوني لدولـة معينـة، اتبعـت القـواعـد الموضوعيـة فـيـه دون القواعـد الخاصـة بتنـازع القوانين، مـا لم يتفـق الأطـراف صراحـة عـلـى غـير ذلك.

2. إذا لم يتفـق الأطـراف عـلى القواعـد القانونية واجبة التطبيق، طبقت هيئة التحكيـم القـانـون الـذي تقرره قواعد تنـازع القوانين.

3. لا يجوز لهيئـة التحكيـم الفصـل في النـزاع عـلـى أسـاس مـادي العدالة والإنصاف دون التقيـد بأحكام القانـون، إلا إذا أجـاز لـهـا الأطـراف ذلـك صراحـة. ٤. في جميـع الأحـوال، تفصـل هيئـة التحكيـم فـي النـزاع، وفقا لشروط العقد، وتأخـذ في اعتبارهـا الأعـراف والعـادات التجاريـة المتبعـة في ذلـك النـوع مـن المعاملات».

وحيـث أن الملاحـظ مـن خـلال اسـتقراء مقتضيـات هـذه المـادة أن المشرع قـد كرس كأصل دور إرادة الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيـق عـلى موضـوع النزاع، وأنه في حالـة تعـذر إعمالهـا تبقـى إمكانيـة اللـجـوء إلى قواعـد أخـرى مـن قبـيـل القواعـد الخاصـة بتنازع القوانين، ليكون بذلك المشرع القطري قـد تمـاشـی شـكلا ومضمونـا مـع روح مقتضيـات المـادة (۲۸) مـن قانـون الأونيسترال النموذجـي للتحكيـم التجاري الـدولي .

وتجدر الإشـارة أن نفـس التوجـه قـد سلكته تشريعـات مقارنـة مـن بينهـا التشـريـع المـصري، الـذي تبنـي هـو الأخـر مبـدأ سـلطان الإرادة صراحـة بمنحـه المحتكمين الحرية في اختيار القواعـد التـي تطبـق عـلى موضـوع الـنـزاع وقـد نـصـت بذلـك مقتضيـات المـادة ۱/۳۹ مـن قـانـون التحكيـم المـصري، على أنـه: «تطبـق هيئـة التحكيـم عـلى موضـوع النـزاع القواعـد التـي يتفـق عليهـا الطـرفـان، وإذا اتفـق عـلى تطبيـق قانـون دولـة معينـة، اتبعـت القواعـد الموضوعيـة فيـه دون القواعـد الخاصـة بتنـازع القوانين، مـا لـم يتـفـق عـلـى غـير ذلـك» .

وبالرغـم مـن الاعـتـراف لإرادة الأطـراف بسلطة تحديـد القـانـون الـذي يرونـه مناســـبـــا ليحكــم مـوضـوع الـنـزاع، إلا أن عدم إعـمـال هـذه الإرادة تسـنـد معهـا الحرية في اختيار وتحديد قواعـد القانون الواجبـة التطبيـق إلى المحكـم وهـذا مـا ، أكـده القضـاء الفرنـسـي حيـث اعـترف بحريـة محكمـة التحكيـم في تطبيـق العـادات والأعـراف التجاريـة الواقعـة تحـت مظلـة قـانـون التجـارة الدوليـة التى تراهـا مناسـبة لتحكـم موضـوع الدعـوى التحكيميـة .

ج-التكريس التشريعـي لمسألة الاعتراف بقـرارات التحكيـم الأجنبيـة وتنفيذهـا تعتـبر إشكالية الاعتراف بقـرارات التحكيـم الأجنبيـة مـن بـين الموضوعـات القانونيـة في مجـال التحكيـم التـي كان السـبق في إرسـاء قواعدهـا للاتفاقيـات الدوليـة الصـادرة بهـذا الخصـوص ، وفي مقدمتهـا اتفاقيـة نيويورك للاعـتـراف بقـرارات التحكيـم الأجنبيـة وتنفيـذه السـنة ١٩٥٨، والتي انضمـت إليهـا قطـر بموجـب المرسـوم الأمـيري رقـم ۲۹ سـنة ٢٠٠٣ المعمـول بـه اعتبـارا مـن ۲۰۰۳/۰۳/۳۰، وهكـذا فـإن التشريـع الاتفاقـي سـبق تطبيقـه التشريـع القانـوني بخصـوص هـذه المسألة إلى حـين مـجـيء التعديـل التشريعـي لسـنة ۲۰۱۷، حيـث شـكل أول قانـون تطـرق إلى مسألة الاعتراف بقـرارات التحكيـم الأجنبيـة وتنفيذهـا مخصصـا لـهـا بذلـك مقتضيات الفصـل الثامـن منـه.

إن المراجعـة المتأنيـة لحيثيـات هـذا الفصـل يتبين معهـا أن المشرع القطـري مـن بين التشريعـات التـي تبنـت أسـلـوب الأمـر بالتنفيـذ ، حيـث أعطـى القـاضي المختـص بموجـب المـادة (٣٤) صلاحيـة البـت في طلبات الاعتراف أو تفيــذ أحكام التحكيم الأجنبية وفق إجـراءات مطابقـة لتلـك المذكـورة في كل مـن اتفاقيـة نيويورك والقانـون النموذجـي للتحكيـم التجـاري الـدولي، بحيـث اشترطت عـلـى طـالـب التنفيـذ ضرورة إرفاقـه طلبـه بمجموعـة مـن الوثائـق التالية:

- صورة من اتفاق التحكيم؛

- أصـل الـحـكـم التحكيمـي أو صـورة موقعـة منـه باللغـة التـي صـدر بـهـا - ترجمـة الحـكـم إلى اللغـة العربيـة مـن جهـة معتمـدة إذا كان صادرا بلغـة أجنبية . ومـن مظاهـر التوافـق أيضـا مسـألة رفـض الاعتراف أو التنفيذ، حيث نصـت مقتضيـات المـادة (36) مـن القانـون النموذجـي للتحكيـم التجـاري الـدولي عـلـى أنـه: «1. لا يجـوز رفـض الاعـتـراف بـأي قـرار تحكيــــم أو رفـض تنفيـذه، بصرف النظـر عـن البـلـد الـذي صـدر فيـه، إلا:

(أ)-بنـاء عـلـى طـلـب الطـرف المطلـوب تنفيـذ الـقـرار ضـده، إذا قـدم هـذا الـطـرف إلى المحكمـة المختصـة المقـدم إليهـا طـلـب الاعتراف أو التنفيـذ دليـلا يثبـت: ...

(ب)-إذا قررت المحكمة:

1-  أن موضوع النزاع لا يقبل التسوية بالتحكيـم وفـقـا لقانـون هـذه الدولـة .       

2- أن الاعتراف بقرار التحكيم أو تنفيذه يتعارض مع السياسة العامة للدولة. والتـي يسـتفـاد مـن خـلال استقراءها أن تتضمـن عـدة نـقـط متشابهة مـع مـا ورد في قانون التحكيم القطـري الـحـالي لاسيما مقتضيـات المـادة (35) منـه مع الإشارة أن الأسباب، التي يجوز أن يرفض على اساسها الاعتراف أو التنفيذ بمقتضى القانـون النموذجـي مطابقـة لتلـك المذكورة في المـادة الخامسـة مـن اتفاقيـة نيويورك.

وبالرجوع إلى التشريع القطري تجد أن المشرع لم ينظـم بشكل مفصـل إجـراءات الاعتراف أو التنفيـذ، بحيث تبقـى مـن بين المسـائل المثـارة مسـألة وظيفـة القـاضي الوطنـي المطلـوب مـنـه التنفيـذ أو الاعتراف هـل تقـتـصـر عـلى المراقبـة الشكلية للحكـم التحكيمـي أم تطـال الجانب الموضوعـي أيضـا؟

وللإجابـة عـن هـذا التساؤل وانطلاقـا مـن مـفـهـوم الاستنتاج للمادتين(٣٤) و (۳۵) مـن قـانـون التحكيم القطـرية .

يتبين أن المـشـرع مـن بـين التشريعـات التـي تبنـت أسـلـوب المراقبـة بحيـث أناطـت بالـقـاضي الوطنـي المطلـوب مـنـه الاعتراف أو التنفيـذ مراقبـة تحـقـق تـوافـر شروط معينـة في دعـوى الأمـر بتنفيـذ حكـم التحكيـم الأجنبـي، وهـي في الغالـب شروط شـكلية خارجيـة بحيـث لا يحـق له التطـرق إلى الـشروط الموضوعيـة للحكـم التحكيمـي، عـلى اعتبار أن مهمتـه تنحصر في الرقابـة الشـكلية والخارجيـة متمثله في النقـاط التاليـة : -

- التحقـق مـن وجـود اتفـاق التحكيـم وتوفـر أهليـة الخصـوم؛

- قابليـة النـزاع للتحكيـم ودخولـه فـي نطـاق اتفـاق التحكيـم وعـدم تجـاوز المحكمـين لمهمتهـم .

- ضدورالحكـم ضـمـن المهلـة المحـددة قانونـا أو اتفاقـا؛

- مراعـاة الـشروط الإلزاميـة الأساسـية التـي يجـب تحققهـا في الحكـم التحكيمـي ؛ 

-مراعـاة المحكمـين للمبـادئ الأساسـية للتقاضي .

- عدم مخالفة النظام العام.

والملاحـظ مـن خـلال مـا سـبق، أن المشرع قـد تـوفـق إلى حـد كـبـيـر مـن خـلال قانـون التحكيـم القطـري الـحـالي في مطابقـة أحكامـه مع القانـون النموذجـي للتحكيـم التجـاري الـدولي سـواء مـن ناحيـة الوثائـق الواجـب إرفاقهـا مـع طلب الاعتراف بقـرارات التحكيـم الأجنبيـة وتنفيذهـا أو تعـداد الحـالات التـي يـتـم فيهـا رفـض الاعـتـراف أو التنفيـذ.

ثانيا: إرسـاء تحكيـم أكـثر ليبراليـة كأحـد أهـم مظاهـر التوافـق مـع مقتضيـات القانـون النموذجـي

يعـد مـبـدأ سـلطان الإرادة مـن بـين المبادئ المستقرة في مجـال التحكيـم ، حيـث أن اتفـاق التحكيـم بـمـا يحظـى بـه مـن مـكانـة عـلى مستوى الاتفاقيـات الدوليـة والقوانين الوطنيـة وباعتبـاره المحـرك الـذي يقـود النظـام القضـائي الخـاص لجعلـه الوسيلة المثلى لإيجـاد الحلـول للنزاعـات التجارية، فـإن قـوام وجـوده مرهـون بـإرادة الأطـراف الـتـي تلعب دورا رئيسيا في إنشـاءه، حيـث أن الأصـل في اللجـوء إلى التحكيـم يـكـون حتـما بتصريـح عـن هـذه الإرادة في شـكـل اتفـاق .

إن المشرع القطـري مـن خـلال مقتضيـات التحكيـم الملغـاة كان عـلى سـوء تفاهـم مـع سـلطان الإرادة، حيث ظـلـت أحكامـه عاجـزة عـلى استيعاب هـذا المبـدأ إلى حـين مـجـيء قانـون التحكيـم الـحـالي والـذي تـدارك مـن خـلالـه المـشـرع الأمـر بإعـادة مأسسة دور إرادة الأطـراف منـذ الاتفـاق عـلى التحكيـم مـرورا بإنشـائه وبـدء العمليـة التحكيميـة إلى حـين صـدور الحكـم وتنفيـذه أو رفضـه.

ولعـل مرجعيـة القانـون النموذجـي للتحكيـم التجـاري الـدولي التـي اعتمـد عليهـا المـشرع في التعديـل الأخـيرهي السبب وراء التأثـر الكبـير الـذي شهدته نصـوص التحكيـم الحاليـة بمبـدأ سلطان الإرادة، والتـي يمكـن إجـمال أهـم تجليـات هـذا التأثـر فـي النقـاط القانونيـة التاليـة: 

أ- مظاهـر سيادة إرادة الأطـرف عـلى سـير الإجـراءات التحكيمية

يعتبر مجال التحكيم مـن المجـالات الأكثر خصبـة لإعـمـال مـبـدأ سلطان الإرادة، والدليـل عـلـى ذلـك أن المشرع القطـري قـد اسـتهل أولى المـواد المنظمـة للتحكيـم بتكريـس تشريعـي لإرادة الأطـراف عـلى نحـو لا تكاد تخلـو أغلـب التعريفـات التـي أوردتهـا المـادة الأولى منـه مـن البنـاء عـلى اتفـاق الأطراف، ونستحضر كمثـال عـلـى ذلـك، تعريـف السـلطة الأخـرى بأنـه: « الجهـة التـي يختارهـا الأطراف في اتفاقـهـم، وفقـا لمـا يـجيـزه هـذا القانـون، لتختـص بـأداء وظائـف معينـة تتعلـق بالمساعدة والإشراف عـلى التحكيـم، سـواء كانـت مـركـزا أو مؤسسـة دائمـة للتحكيـم»، وهـذا مـا يتوافـق تمـامـا مـع مـا كـرســته مقتضيـات القانـون النموذجـي فـي هـذا الإطـار.

وإذا كانت القاعدة الدوليـة المعمـول بـهـا في حقـل التحكيـم الـدولـي فـهـي وبصـورة عامـة لا تضع شروطـا خـاصـة لمـن يمكـن اختيـــــاره مـحـكـــما، ذلـك أن القاعـدة في هذه الحالـة تركـت الحريـة للطرفين في اختيـار الشـخص أو الأشخاص الذيـن يثقون فيهـم وفي نزاهتهـم والاطمئنان إلى عدالتهـم في اتخـاذ الـقـرار الخـاص بحســم النـزاع ، وبالرجـوع إلى التشريـع القطـري نجـد أن الأصـل في تعيين المحكمـين مـرده إلى اتفـاق الأطـراف بصفة تلقائيـة، وهـو مـا أكدتـه مقتضيات الفقـرة الأولى مـن المـادة (10) مـن قـانـون التحكيـم، حيـث جـاء فيهـا أنـه: «تشكل هيئـة التحكيـم مـن مـحـكـم واحـد أو أكـثر، حسـب اتفـاق الأطـراف فـإذا لم يتفقـوا كان العـدد ثلاثـة».

وهـذا مـا يتلاءم مع مقتضيـات البنـد الأول مـن المـادة (١٠) مـن القانـون النموذجـي، والـذي نصـت عـلى أنـه «للطرفين حريـة تحـديـد عـدد المحكمين).

وأمـا في حالـة لجـوء الأطـراف إلى التحكيـم المؤسسـاتي فإنهـم يخضعـون لمبادئ وقواعـد مـحـددة سـلـفـا مـن قبـل المؤسسات والهيئـات التحكيميـة، إلا أن مثـل هـذا الاختيـار لا يسـلب الأطـراف حريتهـم في اختيار هيئـة التحكيـم، بـل يأخـذ طابعـا احتياطيـا وذلـك فـي حالـة فشـل الأطـراف في الاختيـار تـتـولـى هـذه المؤسسـات أو الهيئـات التحكيميـة مهمـة التعيين، أمـا فـي حالـة اختيارهـم للتحكيم الحر فـإن الأطـراف - كـمـا سـبق ذكـره - هـم الذيـن يتولـون بأنفسـهم تـسـيـير وتشكيل هيئـة التحكيـم أو الاتفـاق عـلى طريقـة أخـرى لتعيينهـا.

وفي نفـس الإطـار، يعـد اسـتبدال وعـزل ورد المحكمين مظهـر مـن مظاهـر سـيادة إرادة الأطــراف في التحكيــــم، إذا نجـد أن مختلـف التشريعـات الوطنيـة والاتفاقيـات الدوليـة قـد اعترفـت لأطـراف الخصومة التحكيميـة بذلـك، ومـن بينهـا التشريـع القطـري، حيـث ذهـب إلى أن تعيـين محكـم بـديـل يخضـع لنفـس الإجـراءات الواجبـة التطبيـق في تعيين المحكـم الـذي انتهـت مهمتـه، ومـن المعـلـوم أن هـذه الإجـراءات خاضعـة بالأسـاس لمبـدأ سلطان الإرادة بصريـح مقتضيـات البنـد الرابع من المـادة (۱۱) مـن قـانـون التحكيم في المـواد المدنيـة والتجاريـة، حيـث جـاء فيهـا مـايلي: «مـع عـدم الإخـلال بأحـكام البنديـن (6)، (۷) مـن هـذه المـادة، يجـوز للأطـراف الاتفـاق على الإجـراء الـواجـب إتباعـه في تعيين الحكم أو الحكمين.

ويعتـبـر عـزل ورد المحكمين إحـدى الضمانـات المخولـة لأطـراف خصومـة التحكيم في مواجهـة المحكم، والتـي لا يجـوز افتراض تنـازل المحتكمـين عليهـا ، حيـث أن الأصـل في رد المحكـم هـو تعـبـيـر أحـد أطــراف اتفـاق التحكيـم عـن إرادتـه فـي عـدم الامتثــال أمـام محكـم مـعـين في قضيـة معينـة لتوافـر أحـد الأسـبـاب والـشروط التـي حددتهـا مقتضيـات المـادة (١٢) مـن نفـس القانون ، وذلـك عـلـى خـلاف مسـألة العـزل التـي تبقـى إرادة أحـد الأطـراف غـير كافيـة مـن أجـل القـيـام بـهـذا الإجـراء حيـث اشترط المـشرع لصحتـه ضرورة تراضي إرادة الطرفين معا (المادة (١٤) مـن نـفـس القـانـون).

وهـذه المسـائل تتطابـق إلى حـد كـبـيـر مـع مـا جـاء بالمـواد (۱۲)، (۱۳)، (١٤)، (١٥) ومـا يليهـا مـن مـواد قانـون الأونيسـترال النموذجـي للتحكيـم التجـاري الـدولي. وتطبيقا لمبدأ سلطان الإرادة في التحكيـم فـإن للأطـراف أيضـا بعـد تعـيـين المحكمـين وقبولهـم للمهمـة المسـندة اليهم الحرية في اختيار مكان التحكيم وزمانـه وكيفيـة إجرائـه إلى حـيـن صـدور الحكـم التحكيمـي ، الـشـيء الـذي يؤكد الطـرح القائـل بكـون التحكيـم يـقـوم على مبـدأ سـلطان إرادة الأطراف في مختلـف مراحلـه، بدايـة مـن الاتفـاق للـجـوء إليـه مرورا بتنظيـم إجراءاتـه، وذلـك باختيار هيئـة التحكيـم ونوعـه وطبيعتـه واختيار القانون الذي يحكم الدعوى التحكيمية في شقيها الإجرائي والموضوعي مـع الاعتراف في ذات الوقت لهيئة التحكيـم بذلـك كاستثناء، وهـذا لـغـرض تطـويـر وتشجيع المبادلات التجارية الدوليـة .

ب- دور إرادة الأطراف في تفعيـل بعض سلطات الهيئـة التحكيمية

إلى جانب الخيـارات المعترف بهـا لإرادة الأطـراف في التحكيـم، نجـد مسـالة تحريكهـا لمجموعـة مـن السلطات المخولة بالأساس للهيئـة التحكيمية، والتـي يبـقـى تفعيلهـا رهـين بإرادتهـم، ونسـتهل بذلـك سلطة المحكـم في اتخاذ الإجـراءات الوقتيـة والتحفظيـة، حيـث مـن المعـلـوم أنه قد تقتضي طبيعة وظروف النـزاع المطـروح عـلى الهيئـة التحكيميـة ضرورة اتخاذ هـذه الإجـراءات تجنبـا لأي ضرر قـد يلحـق بأحـد الأطراف نتيجـة الانتظار إلى حـيـن صـدور الحكـم التحيكيمـي. والمشرع القطـري عـلـى غـرار العديـد مـن التشريعـات المقارنـة، جعـل الاختصـاص باتخاذ الإجـراءات الوقتيـة والتحفظيـة مـن حيـث الأصـل لهيئة التحكيـم وأجـاز للأطـراف الاتفـاق على اللجوء إلى القضـاء الرسـمي، حيـث نصـت بذلـك مقتضيـات الفـقـرة الأولى مـن المـادة (17) مـن قـانـون التحكيـم القطـري عـلـى مـا يلي:

1. مـا لـم يتـفـق الأطـراف عـلـى خـلاف ذلـك، يجـوز لهيئـة التحكيـم بنـاء عـلى طلـب أي مـن الأطراف، أن تأمـر بتدابير مؤقتة أو تصدر أحكاما وقتية تقتضيهـا طبيـة النـزاع أو بغرض توقـي ضرر قد لا يمكـن جـبـره....

يتضـح لنـا مـن هـذا النـص، أن المشرع قـد جـعـل إرادة الأطـراف بمثابـة المحـرك الأساسي وراء إعمال المحكم لسلطته في اتخاذ الإجـراءات الوقتيـة والتحفظيـة وهـذا مـا يتوافـق ومقتضيـات الفـقـرة الأولى مـن المـادة (١٧) مـن القـانـون النموذجـي للتحكيـم التجـاري الـدولي، والتـي تنـص عـلـى أنـه يـجـوز لهيئة التحكيم أن تأمر أيـا مـن الطرفين بناء عـلـى طـلـب أحدهـما باتخاذ أي تدبـير وقائی مؤقت تراه ضروريا بالنسبة إلى موضـوع النـزاع، مـا لـم يـتـفق الأطـراف على خلاف ذلـك ..

وعـلى اعتبـار أن تدخـل الـقـاضي الوطنـي بشـأن هـذه المسألة تبعـا للبنـد الثالـث مـن المـادة أعـلاه، يتـم بنـاء عـلـى طـلـب الطـرف الـذي صـدر أمـر بتدبير مؤقت أو حـكـم وقتـي لصالحـه، وبعـد حصولـه على إذن كتـابـي مـن هيئـة التحكيـم وذلـك مـن أجـل يأمـر بتنفيـذ الأمـر أو الحكـم الصـادر عـن هيئـة التحكيـم أو أي جزء منه الشيء الذي دفع بعض الفقـه إلى اعتبـار أن تدخـل القـاضي يجـب أن يكـون مـحـددا مـن الأطـراف وذلـك احترامـا لمبـدأ سـلطان الإرادة .

وإن الأصـل فـي السـلطات المخولـة للهيئـة التحكيمية أنهـا تخضـــع لإرادة الأطراف باعتبارهـا المحـرك الأسـاسـي لـهـا، ومـن بينهـا سلطة المحكـم في تحديد القانـون الواجـب التطبيـق، حيث نجـد أن معظـم الاتفاقيات الدوليـة والتشريعـات الوطنيـة تعترف بمبـدأ سـلطان الإرادة في تحديـد قانون دولـة مـا ليـحـكـم مـوضـوع النـزاع، وفي هـذه الحالـة ينعقـد اختصاص الهيئة التحكيميـة مـن أجـل تطبيـق القانـون الـذي انصرفت إليـه إرادة الأطراف، هـذا مـا نـصـت عليـه مقتضيـات المـادة (٢٨) مـن نـظـام التحكيـم القـطـري الـحـالي وذلـك بتوافـق مـع مقتضيـات نـفـس المـادة مـن قـانـون الأونيسترال النموذجـي للتحكيـم التجـاري الـدولي.

مـن خـلال مـا سـبـق نـسـتخلص أن مبـدأ سلطان إرادة الأطراف استطاع أن يفرض نفسـه عـلى مستوى النصـوص القانونيـة للتحكيـم القطـري الحالي، وذلـك بشكل يتماشى والاتفاقيات الدوليـة والقواعـد الخاصـة بالتحكيـم التجـاري الـدولي التـي كرسته في نصوصهـا لاسيما قانون الأونيسترال التحكيم التجاري الدولي والـذي جعلتـه الأسـاس والمصـدر الـذي تعـود إليـه الهيئة التحكيميـة مـن أجـل إعـمال مختلـف السلطات المخولـة لـهـا.

وفي الختـام، ننـوه بالتطـور الـذي حـداه النـص التشريعـي القطـري في مجـال التحكيـم والـذي أظـهـرت المقاربة الشمولية والمتأنيـة لحيثياتـه أنـه قـد تأثر إلى حد كبير بأحكام قانون الأونيسترال النموذجـي للتحكيـم التجـاري باعتبـاره أحـد أهـم المرجعيات الدوليـة والاتجاهـات الحديثـة التـي حـظيـت بقبـول غالبيـة تشريعـات التحكيـم الوطنيـة، والـذي كان الدافـع وراء إعـادة صياغـة القواعـد القانونيـة للتحكيـم بقطـر بـدء مـن الاتفـاق عـلى التحكيـم ومـرورا بـسـيـر الإجـراءات التحكيميـة إلى حـيـن صـدور الحكـم التحكيمـي ومـا تـثـار بـشـأنه مـن مسائل مرتبطـة بتنفيـذه أو رفضـه.

 وعلى اعتبار أن قانـون التحكيـم الـحـالي قـد شـكل قفزة نوعيـة في مجـال الارتقاء بعجلـة الاقتصـاد الوطنـي بدولة قطـر إلى مصـاف العالميـة، وذلـك بـمـا يحملـه مـن استحداثات جديدة طـالـت الاعتراف لجهـات قضائيـة بالاختصـاص للنظر في منازعات التحكيـم تماشـيـا مـع الـدور الـذي تعلبـه كمحاكم متخصصـة بمعنـى الكلمـة كـمـا هـو الشـأن بالنسـبة لمحكمـة مـركـز قـطـر للـمـال، فـإن المشرع القطري أصبـح ملزمـا بـضرورة المراجعـة التشريعيـة للقوانين ذات الصلـة بقانـون التحكيم العالي وذلك في أفق توافقهـا مـع روح هـذا الأخير ومقاصده.