يتسم موضوع اتخاذ الإجراءات المؤقتة والتحفظية في مجال التحكيم التجاري بصعوبة كبيرة فليس من اليسير تغطية هذا الموضوع في محاضرة واحدة، ولكنني سأحاول قدر استطاعتي القاء الضوء على أهم النقاط التي تثيرها هذه المسألة.
المقصود بالإجراءات المؤقتة والتحفظية:
تشكل هذه الإجراءات نوعا من الوسائل المطلوبة لمواجهة حاجة معينة تقتضيها مناسبة عاجلة لمواجهة ضرورة معينة، خاصة أن الدعوى الموضوعية التي يقيمها المدعي قد يستلزم نظرها والفصل فيها وقتا طويلا، يترتب عليه الحاق ابلغ الأضرار بمصالحه، يتعذر تداركها بعد الفصل في موضوع النزاع.
ومن حيث الإجراءات مثلا إصدار أمر بالحجز التحفظي أو تعيين حارس على اموال معينة اليديرها لمصلحة المتنازعين كالشركاء في شركة او الشركاء على الشيوع او الورثة، وذلك حتى يصدر حكم فاصل في النزاع.
وفي مجال المعاملات التجارية تشمل هذه الإجراءات الأمر بإيداع البضائع المتنازع عليها بين طرفي عقد بيع في أحد المخازن العامة أو الأمر ببيع بضائع قابلة للتلف، أو الأمر الذي يوجه الى المدعى عليه بناء على طلب المدعي بالإمتناع عن صرف قيمة خطاب ضمان في عقود المقاولات حتى يبت النزاع، لأنه قد يترتب على تسييل قيمة الخطاب بزعم عدم تنفيذ المقاول الإلتزاماته التعاقدية وقوع أضرار جسيمة يتعذر تداركها لهذا الأخير، وهذا الطلب يتكرر كثيرا في المنازعات الناشئة عن عقود المقاولات الدولية.
ومما يثير التساؤل: كيف يمكن فرض مثل هذه الإجراءات؟ وكيف يمكن تنفيذها، إذا تعلق الأمر بدعوى تحكيم واثناء قيام اجراءات التحكيم؟ وما هي السلطة التي يمكنها فرض هذه الإجراءات؟
والإجابة عن التساؤلات السابقة ليست بالأمر اليسير، او يمكن تغطيتها ببعض الكلمات.
وعلى اية حال فإنه يتعين التفرقة بين ما اذا كان الأمر يتعلق بتحكيم مؤسسي اي يتم عن طريق احدى مؤسسات التحكيم المعروفة Institutional، او تحكيم خاص ad hoc.
وبداية نقول ان التحكيم الخاص يمكن أن يسير وفقا لقواعد معينة، اتفاقية او قانونية يحيل اليها اتفاق الطرفين.
كما يمكن للأطراف ان يتفقوا على قواعد جاهزة ومعدة سلفا من جهة معينة لتبنيها، مثل قواعد اليونسترال او قواعد غرفة التجارة الدولية، دون أن يكون التحكيم ذاته خاضعا لمنظمة تحكيمية معينة قائمة او معروفة. كذلك يمكن أن يسير التحكيم وفقا لقواعد قانون اجرائي وطني معين، وهو عادة قانون مكان اجراء التحكيم، وذلك كله ما لم يتفق طرفا التحكيم على قواعد اجرائية معينة بدار التحكيم وفقا لها.
وعلى ذلك، فإنه في التحكيم الخاص ad hoc، يمكن معالجة الوضع، أما على اساس اتفاق طرفي التحكيم على تطبيق قواعد معينة أو تحديدهم لهذه القواعد بالتفصيل فيما بينهم. او بالإشارة إلى تطبيق قانون اجرائي معين، واذا لم يتسن لهيئة التحكيم ان تصل الى ارادة الطرفين في هذا الشأن، فلها أن تحدد القواعد الإجرائية التي يتعين تطبيقها على التحكيم المعروض عليها.
ويختلف الموقف في حالة التحكيم التنظيمي او المؤسسي، لأنه اذا كان المفروض أن تخضع اجراءات التحكيم بالكامل لقواعد مؤسسة تحكيمية معينة، فإن القواعد الصادرة من هذه المؤسسة هي التي يتعين تطبيقها على الإجراءات التحكيمية، وتتعرض هذه القواعد عادة وبشكل مباشر المسألة حالات وكيفية اصدار الأوامر الوقتية او التحفظية سواء عن طريق محاكم الدولة او عن طريق هيئة التحكيم التي يعهد اليها بنظر النزاع.
الحلول المختلفة في تقرير الإجراءات المؤقتة:
تعتمد الحلول المتعلقة بالأمر بإجراءات تحفظية أو مؤقتة على وجود احدى الحالات الآتية:
1- اذا وجد اتفاق بين اطراف التحكيم على تخويل هيئة التحكيم اصدار مثل هذه الأوامر،
فإنه يجب احترام ارادة الأطراف سواء تجسدت في شرط التحكيم او أبديت أمام هيئة التحكيم، ويجب الأخذ بهذا الحل سواء كان التحكيم خاصة او تنظيمية، ما لم تواجه القواعد الصادرة عن المؤسسة التحكيمية في الحالة الأخيرة هذه المسألة بنص صريح. وتأسيسا على إستناد سلطة هيئة التحكيم في اصدار هذه الأوامر، الى ارادة الأطراف، فإنه مع ذلك، يجب أن نلاحظ أن هيئة التحكيم ليس لها سلطة اصدار أوامر بإجراءات، مما لا تدخل في نطاق جواز الإتفاق عليها بين اطراف التحكيم ولا يمكن ان يكون أساسها ارادة الأطراف مثل الأمر بتوقيع الحجز التحفظي على أموال المدين، لتصبح هذه الأموال خاضعة لإشراف المحكمة حتى يصدر الحكم في موضوع النزاع، لأن الأمر بالحجز طبقا للرأي السائد، لا يجوز أن يتقرر الا من محاكم الدولة ولا يتصور تقريرها من هيئة التحكيم، التي لا تملك سلطة الجبر imperium
2- اذا لم يحدد اتفاق التحكيم الجهة التي تختص بإصدار الأوامر الوقتية او التحفظية، فإن الأمر يتوقف على ما اذا كان التحكيم خاصة او تنظيمية.
أ- اذا كان التحكيم خاصا، فيجب أن نرجع الى القانون الإجرائي الوطني للدولة التي يجري فيها التحكيم. فإذا لم يتضمن هذا القانون نصا يواجه المشكلة، فإن محاكم الدولة هي التي تختص بإصدار هذه الأوامر، وفقا للرأي السائد فقها وقضاء. وفي هذا المجال نذكر المادة 1022 من تقنين المرافعات المدنية الهولندية التي اضيفت عام 1986 مع نصوص تواجه التنظيم الإجرائي للتحكيم، وتقضي هذه المادة بأن اتفاق التحكيم لا يمنع أي طرف من اللجوء الى المحكمة ليحصل على أمر بإجراء وقتي لحماية حقوقه.
كما نص قانون التحكيم المصري الصادر سنة 1994 في المادة 14 منه على انه "يجوز للمحكمة المشار اليها في المادة (9) من هذا القانون أن تأمر، بإتخاذ تدابير مؤقتة او تحفظية سواء قبل بدء اجراءات التحكيم او اثناء سيرها. ومؤدى ذلك أن وجود اتفاق على حل النزاع عن طريق التحكيم، لا يمنع أحد طرفيه من اللجوء الى القضاء اذا كان المطلوب هو اصدار أمر او حكم بإتخاذ اجراءات مؤقتة او تحفظية، وتختص بذلك المحكمة التي اشارت اليها المادة 9 من قانون التحكيم.
ويبين من نص المادة 14 أن التدبير الذي قد يتخذ من قضاء الدولة، قد يكون في شكل حكم بعد خصومة قضائية أو في شكل استصدار أمر على عريضة، وفي الحالة الأولى تختص محكمة الدولة وفقا لقواعد الإختصاص بإصدار التدبير المؤقت او التحفظي في شكل حکم، اما في الحالة الثانية، فإن الأمر على عريضة يجب ان يصدر من رئيس المحكمة الإبتدائية المختصة أصلا بنظر النزاع او من يندبه لذلك من قضاتها الإصدار الأوامر الوقتية، وذلك في التحكيم الداخلي، أما في التحكيم الدولي فيصدر الأمر من رئيس الدائرة بمحكمة الإستئناف المشار اليها في المادة 9 من القانون. ولا يغير من هذا الحكم النص في المادة 14 من قانون التحكيم على أن تختص المحكمة بالتدابير المؤقتة او التحفظية دون تفرقة بين اتخاذها شكل الحكم او شكل الأمر على عريضة، لأن الأوامر على العرائض لا تصدر من هيئة المحكمة بأكملها، ولكنها تصدر من رئيس المحكمة المختصة. ويجب أن يصدر الأمر على عريضة وفقا لقواعد العرائض المقررة في قانون المرافعات.
ويقبل الأمر التظلم منه أمام القاضي الأمر او امام الدائرة التي أصدر رئيسها الأمر. وليس من شأن اللجوء الى محكمة الدولة لإتخاذ تدبير مؤقت او تحفظي، أن يعد تنازلا عن اللجوء الى التحكيم، لأن المشرع منح هذه السلطة القضاء الدولة مع وجود اتفاق تحكيم.
وسنرى لاحقا أن القانون يجيز ايضا لهيئة التحكيم اتخاذ هذا النوع من التدابير اذا اتفق الطرفان على تخويلها هذه السلطة.
وقد يتمثل التدبير المؤقت في دعوى بطلب تعيين حارس قضائي على مال معين او بتوقيع حجز تحفظي، او بأمر ببيع بضاعة قابلة للتلف.
ومن المقرر انه لا تثبت الولاية للقضاء في الأمور المستعجلة رغم الإتفاق على التحكيم، الآ بتوافر الشروط القانونية التي تتطلبها القواعد الإجرائية العامة الإختصاص القضاء المستعجل، واذا كان التحكيم يجري في الخارج، وجب أن يكون الإجراء المطلوب واجب التنفيذ في دولة القاضي.
اما قانون المرافعات الفرنسي الذي يتضمن نصوص قانون التحكيم في المواد من 1442 إلى 1527 والذي تم بموجب تعديلين تشريعيين في عامي 1980 و1981، ولم يتضمن القانون نصا صريحا يتعلق بسلطة القضاء في اصدار اوامر وقتية او تحفظية في مجال التحكيم التجاري، وكان الرأي مستقرة على منح القضاء هذه السلطة طبقا للمادة 818 مرافعات التي تمنع المحكمين من اصدار مثل هذه الأوامر.
وبتاريخ 2011/1/13 تم تعديل نصوص قانون المرافعات الفرنسي فيما يتعلق بقواعد التحكيم، ونصت المادة 1449 صراحة على ان اتفاق التحكيم لا يعد عقبة امام احد اطراف التحكيم للحصول على أمر بفرض اجراءات وقتية او تحفظية من قضاء الدولة، قبل تشكيل هيئة التحكيم.
- اما اذا كان التحكيم مؤسسيا، فقد تواجه القواعد الصادرة عن المنظمة التحكيمية هذا الموضوع وقد لا تواجهه، وفي الحالة الأخيرة يجب الرجوع الى القانون الإجرائي الوطني للدولة التي يجري فيه التحكيم، في الحالة التي لا يستطيع فيها المحكمون أن يصلوا إلى قرار بشأن القاعدة الإجرائية التي تطبق. أما اذا واجهت قواعد المنظمة التحكيمية هذه المشكلة، فإنها قد تنص على أنه من سلطة هيئة التحكيم آن تأمر بإتخاذ اجراءات تحفظية أو مؤقتة، بينما نجد بعض القواعد الأخرى تمنح هذا الإختصاص محاكم الدولة فقط.
وفي الحالة الأولى اي عندما تواجه القواعد مسألة الإجراءات الوقتية او التحفظية، نجد مثلا أن المادة 47 من الإتفاقية الدولية لتسوية منازعات الإستثمار بين الدول ورعايا الدول الأخرى المبرمة سنة 1965 والتي انشأت ما يعرف بإسم المركز الدولي لتسوية منازعات الإستثمار ICSID، تقضي بأنه يجوز لهيئة التحكيم اذا ما قدرت أن الظروف تتطلب ذلك، أن توصي بإتخاذ اي اجراءات مؤقتة للمحافظة على حقوق اي من الطرفين، ما لم يتفقا على غير ذلك.
وطبقا للمادة 39 من قواعد الإكسيد ICSID فإن كل طرف من حقه أن يطلب اثناء اجراءات التحكيم، أن توصي الهيئة بإتخاذ اجراءات مؤقتة للمحافظة على حقوقه، كما قد توصي هيئة التحكيم من تلقاء ذاتها بإتخاذ مثل هذه الإجراءات، ويجوز الهيئة التحكيم في اي وقت أن تعدل او تلغي توصيتها بإتخاذ هذه الإجراءات، بعد أن تعطي كل طرف الحق في إبداء ملاحظاته.
وعلى ذلك فإن قواعد الإكسيد تعطي هيئة التحكيم الفرصة أن توصي (لا تأمر) بالإجراءات المؤقتة المناسبة، لذلك فإن الفقرة الخامسة من هذه القاعدة تقضي بأنه لا تمنع قواعد الإكسيد من لجوء طرفي التحكيم الى القضاء، أو أية سلطة اخرى للأمر بالإجراءات المؤقتة، قبل بدء اجراءات التحكيم او اثناء هذه الإجراءات للحفاظ على حقوقهم ومصالحهم، بشرط أن يكون الطرفان قد وافقا على ذلك في الإتفاق الذي ارتضيا بمقتضاه اختصاص الإكسيد بنظر التحكيم بينهما.
كذلك من الأهمية بمكان أن نلاحظ أن المادة 26 من قواعد اليونسترال للتحكيم الصادرة سنة 1976 كانت في فقرتها الأولى نصت بأنه يجوز بناء على طلب اي من طرفي التحكيم أن تتخذ هيئة التحكيم اية اجراءات مؤقتة تعتبرها الازمة فيما يتعلق بموضوع النزاع، بما في ذلك اجراءات المحافظة على البضاعة التي تكون محلا للنزاع مثل الأمر بإيداعها لدى امين او الامر ببيع البضاعة القابلة للتلف، ومع ذلك فإن الفقرة الثانية من ذات المادة تقضي بأن طلب احد الطرفين من القضاء إصدار الأمر بإتخاذ اجراءات مؤقتة لا يتعارض واتفاق التحكيم ولا يعد تنازلا عنه.
بيد انه يلاحظ ان قواعد اليونسترال للتحكيم قد تم تعديلها وتنقيحها بمقتضى القواعد الجديدة الصادرة سنة 2010، وقد عدلت المادة 26 تعديلا جوهريا على نحو ما سنشير اليه فيما بعد، الا انها احتفظت مع ذلك بالنص الذي كان موجودا في قواعد 1976 والذي يقضي بأن أي طلب بإتخاذ اجراء مؤقت يوجه الى السلطة القضائية من احد اطراف التحكيم لا يعد مناقضا لإتفاق التحكيم او تنازلا عن ذلك الإتفاق. وتؤكد القاعدة السابقة أن السلطة القضائية هي صاحبة الإختصاص الأصيل للأمر بالإجراءات التحفظية أو المؤقتة، بينما تستمد هيئة التحكيم سلطتها في هذا الشأن سواء من اتفاق طرفي التحكيم او من نص وارد في القواعد التي تصدر عن المنظمة التحكيمية التي اتفق الأطراف على اختصاصها.
كذلك فإن القانون النموذجي للتحكيم الصادر عن اليونسترال سنة 1985 والمعدل سنة 2006، اكد سلطة هيئة التحكيم في الأمر بإجراءات مؤقتة. وفي هذا الشأن نصت المادة (9) من القانون النموذجي على أنه لا يتعارض مع اتفاق التحكيم ان يطلب احد الطرفين من القضاء، قبل او اثناء اجراءات التحكيم، اصدار الأمر بإجراء مؤقت لحماية حقوقه، وللمحكمة (أي محكمة الدولة أن تأمر بهذا الإجراء. وتؤكد المادة 17 من قواعد القانون النموذجي للتحكيم الصادر عن اليونسترال عام 1985 والمعدل سنة 2006، على سلطة هيئة التحكيم في الأمر بإجراءات مؤقتة، اذ تقضي بأنه ما لم يتفق الطرفان على العكس، يجوز لهيئة التحكيم أن تأمر بناء على طلب احد طرفي النزاع، بأن يلتزم الطرف الآخر بما تصدره من اوامر مؤقتة لحماية حق طالب الإجراء، وفقا لما تراه الهيئة ضروريا لذلك في مجال النزاع. ويجوز للهيئة أن تأمر اي طرف بأن يقدم الضمان المناسب لهذا الإجراء.
اما الحالة الثانية، التي تنص فيها القواعد الصادرة عن المنظمة التحكيمية ص راحة بإختصاص محاكم الدولة بالأمر بإتخاذ الإجراءات المؤقتة، فإننا نحيل هنا إلى الفقرة (2) من المادة (28) من قواعد التحكيم الجديدة الصادرة عن غرفة التجارة الدولية ICC والمعمول بها من 2012/1/1 على انه يحق لطرفي التحكيم اللجوء إلى السلطة القضائية المختصة، قبل ارسال ملف دعوى التحكيم الى هيئة التحكيم او حتى بعد ذلك في ظروف مناسبة، للحصول على أمر بإتخاذ اجراءات مؤقتة او تحفظية، ولا يعد ذلك مخالفة الإتفاق التحكيم او تنازلا عنه، كما لا يخل بسلطة هيئة التحكيم.
سلطة هيئة التحكيم في اصدار اوامر مؤقتة او تحفظية:
في القانون المصري:
وقد نصت بعض تشريعات التحكيم على حق طرفي النزاع في الإتفاق على منح هيئة التحكيم سلطة إصدار أوامر وقتية او تحفظية، وعلى وجه الخصوص التشريعات التي تبنت قانون التحكيم النموذجي الصادر عن منظمة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية (اليونسترال) سنة 1985 والذي تم تنقيحه عام 2006.
وتطبيقا لما تقدم، نصت المادة 24 من قانون التحكيم المصري وهو القانون رقم 27 لسنة 1994 المسمى قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية على انه:
1- يجوز لطرفي التحكيم الإتفاق على أن يكون لهيئة التحكيم بناء على طلب احدهما أن تأمر أيا منهما بإتخاذ ما تراه من تدابير مؤقتة او تحفظية تقتضيها طبيعة النزاع، وان تطلب تقديم ضمان كاف لتغطية نفقات التدبير الذي تأمر به.
2- واذا تخلف من صدر عليه الأمر عن تنفيذه، جاز لهيئة التحكيم، بناء على طلب الطرف الآخر أن تأذن لهذا الطرف في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه، وذلك من دون اخلال بحقه في أن يطلب من رئيس المحكمة المشار اليها في المادة 9 من هذا القانون الأمر بالتنفيذ. ويختلف هذا الحكم الوارد في القانون النموذجي الذي منح هيئة التحكيم سلطة اصدار الأوامر الوقتية أو التنفيذية، دون حاجة الى اتفاق الأطراف.
في القانون الفرنسي:
لم يتضمن قانون المرافعات الفرنسي في نصوصه المتعلقة بالتحكيم سواء الداخلي او الدولي، قبل تعديله سنة 2011، أي نص يمنح هيئة التحكيم سلطة اصدار أوامر تقضي بفرض تدابیر مؤقتة او تحفظية، ولم يجز الفقه الفرنسي منح هيئة التحكيم هذه السلطة ولو بإتفاق طرفي التحكيم".
وعدل المشرع الفرنسي عن هذا الموقف، في تعديل قانون المرافعات عام 2011، ونصت المادة 1468 مرافعات المعدلة على ما يأتي:
"يجوز لهيئة التحكيم أن تأمر الأطراف بكل اجراء تحفظي او وقتي تراه مناسبا بالشروط التي تحددها، ومن بينها عند اللزوم، الغرامة التهديدية.
ومع ذلك فإن قضاء الدولة يختص وحده بالأمر بالحجز التحفظي وتقرير الضمانات القضائية.
ويجوز لهيئة التحكيم ان تعدل او تكمل الإجراء التحفظي او الوقتي الذي أمرت به."
في القانون الإنجليزي: نظم القانون الإنجليزي للتحكيم الصادر سنة 1996، سلطة هيئة التحكيم في اصدار أوامر وقتية. وقد نصت المادة 39 من هذا القانون على أنه يجوز لأطراف التحكيم، الإتفاق على أن تكون لهيئة التحكيم سلطة اصدار اوامر وقتية في طلب مما يكون لها سلطة الفصل فيه بحكم نهائي. ويشمل ذلك على سبيل المثال، اصدار امر مؤقت بدفع مبلغ نقدي، او الأمر بنقل حيازة مال بين الأطراف، او الأمر بسداد دفعة مؤقتة من مصاريف دعوى التحكيم. وتخضع هذه الأوامر، لما تقضي به الهيئة نهائيا في موضوع النزاع، بحيث تأخذها الهيئة في اعتبارها عند الفصل بحكم نهائي في الموضوع. ولا تتمتع هيئة التحكيم بهذه السلطة، ما لم يتفق طرفا النزاع على منحها لهاة.
وتنظم المادة 5/41 من قانون التحكيم الإنجليزي، سلطة هيئة التحكيم، عندما يتخلف طرف، بدون ان يبدي سببا كافيا لذلك، عن تنفيذ أمر أصدرته الهيئة، فإنها يمكن أن تصدر أمرا ملزما Peremptory order بموضوع الأمر ذاته الصادر منها قبل ذلك، مع تحديد موعد لتنفيذه والإستجابة له. ويترتب على عدم امتثال الطرف الموجه اليه الأمر لتنفيذه، أنه يجوز طبقا للمادة 4/42 من القانون، أن يلجأ إلى المحكمة (قضاء الدولة للحصول على امر تنفيذ الأوامر الملزمة الصادرة من هيئة التحكيم".
واذا كان من حق هيئة التحكيم أن تصدر اوامر مؤقتة او تحفظية متى منحها طرفا النزاع هذه السلطة، فإن لها أن تصدر اكثر من حكم تحكيم في أوقات مختلفة وفي موضوعات مختلفة تتعلق بموضوع النزاع الذي ستفصل فيه، ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك (المادة 1/47 من قانون التحكيم).
في قواعد بعض المنظمات التحكيمية:
تضمنت المادة 28 من قواعد غرفة التجارة الدولية ICC الجديدة والمعمول بها من 2012/1/1 فقرتين، نصت الأولى على انه ما لم يتفق الأطراف على العكس، يجوز لهيئة التحكيم بمجرد ارسال ملف الدعوى اليها، أن تصدر، بناء على طلب احد الأطراف، أمرا بإجراء مؤقت او تحفظي تعده الهيئة مناسبة، ويجوز لها أن تطلب من طالب الأمر أن يدفع ضمانا مقابل اصدار هذا الأمر. ويجوز أن يصدر هذا الإجراء بمقتضى أمر مسبب او حكم من هيئة التحكيم، حسبما تراه هيئة التحكيم مناسبا. أما الفقرة الثانية من النص المشار اليه، فقد أجازت للأطراف قبل ارسال ملف الدعوى الى هيئة التحكيم، اللجوء الى قضاء الدولة للحصول على امر بإجراء مؤقت او تحفظي. ويمكن ايضا للطرف الذي حصل على أمر هيئة التحكيم أن يلجأ إلى قضاء الدولة ليحصل على قرار بتنفيذه. ونلاحظ أن المادة 28 من قواعد غرفة التجارة الدولية لم تتطلب أن يكون الأمر المطلوب بمقتضاه من هيئة التحكيم اتخاذ اجراء وقتي او تحفظي، متعلقا بموضوع النزاع، مثل ما قضی به نص المادة 17 من القانون النموذجي او المادة 26 من قواعد اليونسترال، كما سنرى لاحقا، وعلى ذلك فإن نص المادة 28 من قواعد الغرفة يخضع للتفسير الواسع، فلا تتقيد هيئة التحكيم عندما تصدر أمرا بإجراء وقتي او تحفظي، أن يتعلق هذا الأمر بموضوع النزاع، بل يمكن اصدار الأمر لمجرد تعلقه بالدعوى التحكيمية. كما يمكن لهيئة التحكيم ان تصدر مثل هذه الأوامر بمجرد تسلمها ملف الدعوى، ودون انتظار الإعداد وثيقة شروط الإحالة Terms of Reference.
اما قواعد محكمة لندن للتحكيم الدولي LCIA، فقد تضمنت المادة 25 منها، النص على ان الهيئة التحكيم سلطة اصدار اوامر بإجراءات وقتية او تحفظية، ما لم يتفق الأطراف كتابة على غير ذلك، وقد تضمنت المادة 25 من قواعد محكمة لندن هذه المسألة بنص أكثر تفصيلا من نص المادة 28 من قواعد التجارة الدولية: اذ قررت أن لهيئة التحكيم أن تأمر أي طرف في موقع المدعى عليه سواء في طلب أصلي أو في طلب مقابل، بأن يقدم ضمانا عن كل أو جزء من المبلغ موضوع النزاع في شكل وديعة او خطاب ضمان بنكي او اي ضمان آخر. او تصدر أمرة بحفظ او تخزين او بيع او اي تصرف آخر في مال من الأموال، يوجد تحت يد طرف من الأطراف ويتصل بموضوع التحكيم. كما أن لهيئة التحكيم أن تصدر أمرا وقتية، يحسم مصيره بعد ذلك في حكم التحكيم، في أحد الأمور التي تختص هيئة التحكيم بالفصل فيها بحكم يصدر منها، بما في ذلك اصدار أمر وقتي بدفع مبلغ نقدي او بنقل حيازة مال فيما بين الأطراف. ولا تمنع سلطة هيئة التحكيم على نحو ما تقدم، أي طرف في النزاع من أن يطلب أمرا وقتيا او تحفظيا من قضاء الدولة قبل تشكيل هيئة التحكيم او بعد تشكيلها في حالات استثنائية.
اما قواعد مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي المستمدة من قواعد اليونسترال الصادرة سنة 1976 قبل تعديلها سنة 2010، فقد كانت المادة 26، والتي تطابق المادة 26 من قواعد اليونسترال، تنص على أن الهيئة التحكيم أن تتخذ بناء على طلب أحد الطرفين، ما تراه ضروريا من تدابير مؤقتة بشأن الموضوع محل النزاع، بما في ذلك اجراءات المحافظة على البضائع المتنازع عليها، كالأمر بإيداعها لدى الغير او بيع السلع القابلة للتلف. وتجيز هذه المادة أن يصدر التدبير من هيئة التحكيم، أما في شكل امر او في صورة قرار بحكم مؤقت. ولهيئة التحكيم أن تشترط تقديم كفالة لتغطية نفقات التدبير المؤقت. (المادة 2/26). ولا يعد طلب التعبير المؤقت الذي يقدمه أحد الطرفين الى سلطة قضائية، مناقضا لإتفاق التحكيم او نزولا عن الحق في التمسك به (المادة 3/26).
وجدير بالذكر ان قواعد اليونسترال الجديدة للتحكيم الصادرة سنة 2010، قد عدلت المادة 26 المشار اليها آنفا، وضمنتها تفاصيل عديدة بشأن التدابير المؤقتة التي تتخذها هيئة التحكيم بناء على طلب احد الأطراف، وجاء النص الجديد لهذه المادة مكونا من تسع فقرات، تضمنت الفقرة الأولى منها تعريفا للتدبير المؤقت، بأنه اي تدبير وقتي تأمر هيئة التحكيم بمقتضاه أحد الأطراف، في اي وقت يسبق اصدار حكم التحكيم الذي يفصل في النزاع نهائيا، أن يقوم على سبيل المثال الا الحصر، بأنه يبقي الحال على ما هو عليه او ان يعيده إلى ما كان عليه الى حين الفصل في النزاع، أو أن يتخذ اي اجراء يمنع حدوث أي ضرر حال او وشيك او مساس بعملية التحكيم ذاتها، أو أن يمتنع عن اتخاذ اجراء يسبب ضررة او مساسا بعملية التحكيم بعد ذلك، من ذلك مثلا الأمر بوقف صرف خطاب ضمان قدم لهذا الطرف من خصمه. وكذلك يمكن أن يتضمن الإجراء الزام الطرف الموجه اليه بتوفير وسيلة لصيانة اموال يمكن أن يصدر بشأنها، لاحقا، حكم تحكيم، او ان يحافظ على الأدلة المهمة او الجوهرية في حسم النزاع.
ثم تضمنت باقي فقرات المادة 26 الجديدة تنظيم اجراءات طلب الإجراء الوقتي او التحفظي وكيفية إصداره، و امكان تعديله او وقفه او انهائه من قبل هيئة التحكيم.
وقد صدرت القواعد الجديدة لمركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، وأصبح معمولا بها من 2011/3/1 ، وتضمنت المادة 26 من القواعد الجديدة، نص المادة 26 من قواعد اليونسترال المعدلة سنة 2010 بفقراتها التسع، وتكاد لا تختلف المادة 26 من قواعد المركز الجديدة عن المادة 26 من قواعد اليونسترال 2010.
تنفيذ الأوامر الوقتية او التحفظية:
لا تثور أية مشكلة في شأن تنفيذ هذه الأوامر، اذا أمرت بها محاكم الدولة التي سيتم فيها تنفيذها لأنها أوامر صادرة من السلطة القضائية المختصة في الدولة وتكون ملزمة على هذا الأساس.
اما اذا صدرت الأوامر من احدى محاكم دولة أخرى غير الدولة التي سيتم فيها التنفيذ، فإن هذه الأوامر لن تنفذ الآ بإستيفاء الشروط المقررة في القانون الإجرائي لهذه الدولة الأخيرة، وغالبا ما يشترط هذا القانون الحصول على أمر التنفيذ من محاكم الدولة التي سيتم التنفيذ فيها بشرط المعاملة بالمثل في قانون الدولة التي يصدر فيها الأمر.
وعلى ذلك، يقضي قانون المرافعات المصري في المادة 296 بأن الأحكام والأوامر الصادرة في بلد اجنبي يجوز الأمر بتنفيذها بنفس الشروط المقررة في قانون ذلك البلد لتنفيذ الأحكام والأوامر المصرية فيه.
ثم نظمت المواد من 297 الى 301 من قانون المرافعات المصري شروط وأحكام تنفيذ الأوامر الأجنبية مع مراعاة ما تقضي به المادة 299 مرافعات من انه تسري أحكام المواد السابقة على احكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي، ويجب أن يكون صادرا في مسألة يجوز التحكيم فيها طبقا لقانون الجمهورية.
وبناء على ما تقدم، فإنه اذا كانت الأوامر الوقتية او التحفظية قد صدرت من هيئة تحكيم، فإنه اذا كانت تلك الهيئة قد صدرت أمرها في الدولة التي يتم فيها تنفيذ الأمر، فلا بد أن يحصل الطرف الذي يطلب تنفيذ الأمر على الصيغة التنفيذية من المحكمة المختصة وفقا للقانون الإجرائي لهذه الدولة.
وقد رأينا انه يجوز طبقا للقانون المصري للتحكيم، اتفاق طرفي التحكيم على أن يكون لهيئة التحكيم سلطة اصدار أوامر تقرر تدابیر مؤقتة او تحفظية تقتضيها طبيعة النزاع. وتقرر المادة 24 (2) من قانون التحكيم المصري، بأنه اذا تخلف من صدر اليه الأمر عن تنفيذه، جاز لهيئة التحكيم بناء على طلب الطرف الآخر، أن تأذن لهذا الطرف في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه، وذلك من دون اخلال بحق هذا الطرف في أن يطلب من رئيس المحكمة المشار اليها في المادة (9) من هذا القانون الأمر بالتنفيذ.
اما اذا كان الأمر صادرة عن هيئة تحكيم اجنبية، فإن الأمر لا يقبل التنفيذ في دولة معينة، ما لم يستوف الأمر الشروط التي يجب توافرها لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في تلك الدولة. وتلعب اتفاقية نيويورك سنة 1958 بشأن الإعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية دورا مهما في هذا المجال.
وحتى عام 2012 انضمت إلى الإتفاقية 147 دولة منها خمس عشرة دولة عربية، من بينها مصر حيث صدقت عليها عام 1959.
اما اذا كانت الإجراءات الصادرة عن هيئة التحكيم الأجنبية تتمثل في شكل توصية وليست أمرا، كما تقضي قواعد الإكسيد على نحو ما عرضنا لها آنفا، فإنه لا يتصور الحصول على الصيغة التنفيذية لمثل هذه التوصية من محاكم الدولة التي يجري فيها التنفيذ، ما لم يكن هناك اتفاق مسبق بين طرفي التحكيم على جواز اللجوء إلى المحاكم لهذا الغرض سواء تم هذا الإتفاق قبل اجراءات التحكيم او في اثنائها.