- إن الإشهار التقليدي لرواج سوق التحكيم مازال يعد من بين المزايا المعروضة، حرية اختيار المحكم ومقومات قانون اللعبة من تخفيف في الإجراءات واقتصاد في الكلف وسرعة في البت.
- وبطول المدة وتحول المفاهيم وتطور السلوك، لم يبق في واقع الأمر من المزايـا المقدمـة إلا القليل النادر في عالم تحول التحكيم فيه إلى تجارة قد فقدت نبلها الأصلي الخلاب.
- يعزى هذا التطور إلى أسباب عدة منها استسلام الأطراف إلى أنظمة التحكـيم التـي غيـرت أهدافها بالتركيز على المتاجرة (Marketing) والرفع من مربوحها المادي كغاية أساسية.
-أما بالنسبة للتحكيم الحر فإن الأطراف كثيراً ما تترك ساحة التحكيم إلى الوكلاء من محـامين ورجال التقاضي، غير مبالية بإحتمال تضارب المصالح، وقد سبق وأن أدان اللورد Mustill منذ عشر سنوات احتكار التحكيم الانكليزي من قبل المحامين البريطانيين الشيء الذي يمكن أن ينطبق على جل أسواق التحكيم الدولي.
- وان اقتصـرنا على بلدان المغرب التي تتابع تحكيماتها، نجد أن الأطراف تحيـل لـمـحـرري العقود وجلهـم من المحاميـن مسؤولية تضمينها شرط التحكيم ونوعيته. ولما ينشب النـزاع فإن التقدم بطلب التحكيم لا يهـم الأطراف عامة إلا في التعرف عن مبلـغ المؤونـة وأسـم المحكم.
- وهكذا تتقلص حرية الاختيار إلى مجرد رأي سلبي ضد مرشح غير مرغوب فيه. ومهما يكن المسؤول عن تعيين المحكم مباشرة فإن الأطراف أو من يمثلها يتمسكون بهذا الحق بصفة صارمة مما أدى بالقوانين والأنظمة إلى تأطير تطبيقه.
- ويكون التعيين صحيحاً وفعالاً إذا وقع الاختيار صراحة ووقع إعلام الطرف المقابل بذلك.
ثم إن اتفاق الأطراف كل على محكمه أو الجميع على محكم فرد أو على المحكم الثالث الـذي سيترأس الهيئة يكون بمثابة شريعة الأطراف الواجب اتباعها.
- يرتكز التعيين عادة على ثقة المحتكم في نزاهة المحكم وعدالته وشخصيته الكراسماتية، وقـد حضينا عشرات المرات بأن نكون محكماً فرداً بدون أي اعتراض مـن الأطـراف العربيـة والإفريقية والأوروبية.
- وتنص أنظمة التحكيم على وجوب تعيين محكم واحد خاصة في القضايا البسيطة وإذا كـان المبلغ المطلوب متواضعاً نسبياً.
- على أن تطور السلوك ومزاج المحتكمين قد عمم اللجوء أولاً إلى حكمين ثم إلى ثلاثة وذلـك لسببين اثنين:
1/ سوء فهم الطرف لمهمة المحكم وتنحصر في قول الحق و لا في تمثيل الطرف داخل هيئة التحكيم .
2/ عمل المحكم على إعانة من عينة لكسب ثقته لتعامل قادم أو التراخي قصد الفوز بـالزبون المقابل لاحقاً3
I- تعيين المحكمين في التحكميات الحرة من قبل الأطراف:
- لقد جرت العادة قديماً أن يقع النص في العقد على اسم المحكم كما كان الشأن بالنسبة للمجلـة العثمانية عند التحكيم بالإنصاف.
كما اعتادت الأطراف قديماً إلى تعيين محكمين كل واحد من قبل طرف اعتماداً على توافـق المحكمين في حل الخلاف.
وقد ألغيت العادة الأولى خاصة لما طالت مدة العقد وتجاوز موضوعه التبادل الفوري للسلع إذ صار من المحتمل أن يفني المسمى مع طول الزمن.
- أما من العادة الثانية فقد فقدت نفعها عند عدم اتفاق المحكمين على الحل مما أوجب اللجوء إلى المحكم الثالث الذي صارت تسميته إيجابية قانوناً منذ خمسينيات القـرن الماضـي ودونتـه اليونسترال والقوانين القومية المتقدمة.
- وان رجعنا إلى الواقع الحديث لاحظنا أن تعيين المحكم من قبل طرف يعد من مقومات اختيار التحكيم لفض النزاع إذ تقاس قيمة التحكيم بالثقة في المحكم.
- ولهذا الحق حدود إذ لا يمكن تسمية الأشخاص المعنوية والقصر ومن لا يتمتعـون بحقـوقهم المدنية خاصة.
ثم لا يمكن لطرف أن يعين محكماً إلا إذا كان هذا الأخير رشيداً وكفئاً ويتمتـع بالإستقلالية والحياد إزاء الأطراف (الفصل 10 من المجلة التونسية مثلاً).
- وان أباح القانون التونسي مثلاً تعيين القاضي أو الموظف كمحكم فإن هذا غير وارد في كثير من القوانين الأخرى بل هنالك من النصوص التي تحجر ذلك أو تقيد التسمية بعـدة شـروط، ويتطلب تعيين القاضي كمحكم بتونس ترخيص وزير العدل أو الـوزير المشرف بالنـسبة للموظف.
- وعلى سبيل المثال أيضاً ينص القانون الانكليزي على أن تسمية القاضي كمحكـم لا تـصلح سوى بترخيص الدائرة التي ينتمي إليها مع الإشارة إلى أن أتعاب المحكم تدفع لصندوق الدائرة قصد تمويل مشاريعها الاجتماعية عوض أن يكون دخلاً إضافياً للقاضي المعين.
- أما من الشروط العادية للتسمية فإنها واضحة بالنسبة للشخص الطبيعـي الرشـيد والمتمتـع بالحقوق المدنية، ويبقى بعض الاشكال في الاستقلالية والحياد والكفاءة. وقبل التعرض لـذلك فلنذكر أن بعض الجهات تحدد التسمية قانوناً أو سلوكاً باعتبار الديانة أو المواطنة أو الجنس إذ قليلاً ما تعين النساء في التحكيمات بالرغم من بروز الكثير منها في العدالة الرسمية والقـانون وإدارة المشاريع.
-يبدو شرط استقلالية الأطراف واضح وتنص القوانين على وجوب إدلاء المحكم المنتدب بمـا من شأنه أن يثير شكوكاً في استقلاليته قبل قبول المهمة. على أن من أسباب الـشـك مـا هـو إيجابي ينفي مبدأ الاستقلالية كان يسمي المحامي أباه أو أخاه أو أحد المقربين كمحكم.
وكذلك الشأن بالعلاقة المهنية القائمة كأن تعين جهة عمومية موظفاً لها كمحكـم أو أن تعـين شركة محاميها المعتاد للتحكيم.
على أن هنالك أسباب غير موضوعية يختلف تأولها حسب القضايا والأشخاص ومـن بينهـا العلاقة الفجئية الغير المتكررة أو الانتماء المنسوب لجهة أو قبيلة أو قطر أو جنس.
- والخلاصة أن الاستقلالية معنى واضح على أن تقييم حقيقته لا تكون إلا بالنظر في واقع سلوك الحياد ضمن سير اجراءات التحكيم وعند صدور القرار.
- ان الاستقلالية تنبؤ بالحياد على أن هذا الأخير لا ينبثق حتماً عنها خاصة إذا كانـت للمحكـم الهيبة العالية والكاريسماتية المثلى التي مازالت متوفرة في من آمنو بنبل التحكيم وقول الحـق والإنصاف مهما كانت الظروف. وما زلنا في العالم العربي والإسلامي نشاهد بعض القـدامي الذين يرفضون التسميات في القضايا ذات الشبهات.
- ومهما يكن من أمر فلا يعقل أن يكون الحياد شرطاً مسبقاً للتعيين إذ لا يقاس سوى بالـسلوك عند الإجراء وأثناء التحكيم.
ففرض القانون بأن لا يسمى المحكم إلا إذا كان محايداً لا معنى له مبدئياً إذ لا يمكن التكهن بسلوك إلا بعد ظهوره وفي هذا الشأن فكيف يمكن أن يرفض التعيين على عدم الحياد مسبقاً.
- يبقى شرط الكفاءة وهو أغمض الشروط لعدم دقة المفهوم.
- إن تعيين المحكم الكفؤ واجب في التحكيم النوعي " Arbitrage de qualité" المرتكز علـى فض الخلافات في نوعية السلع والأعمال بواسطة خبراء وعارفين بالمواد. ثم تحـول معنـى الكفاءة إلى التفقه في القانون عند تطور التحكيم التجاري العام. ومن هنا أحدث تحكيم الخبيـر "Arbitrage expert" ثم تطور التحكيم نفسه إلى اختصاصات متنوعة كـالتحكيم البحـري وتحكيم الأشغال العامة والبناء حسب قواعد الـ FIDIC مثلاً.
- فإن اتبعنا تأويل الكفاءة بالتضلع في القانون أقررنا بأن لا يمكن للمحكم أن يكون كفئـا إلا إذا كان رجل قانون، وهذا ما لم تجرؤ النصوص على وضعه صراحة إذ قد يؤول لإحتكار فئـة دون غيرها للتحكيمات.
- ومهما يكن من أمر فإن اعتماد شرط الكفاءة يبقى داخل مكاتب تعيين المحكمين من محـامين ومديري المصالح القانونية للمؤسسات والشركات. ولم نسمع بطلب تجريح استناداً على عـدم الكفاءة خاصة وأن شرط التحكيم لا يوضح مقصود الكفاءة والإخلال بعناصرها.
- ثم إن واقع الأمور لا يعطي للكفاءة أي إهتمام إذ كثيراً ما يقتصر طلب التحكيم (كما هو الشأن السائد بتونس مثلاً) على تسمية المحكم قبل إثارة موضوع النزاع وضبط نقط الخلاف الواجب فضها. وهكذا عشنا العديد من التحكيمات في مادة السياحية والنزل قامت على لجـان تحكـيم مكونة من اختصاصيين في المهنة في حين أن جل مواضيع المنازعات تهم عقـود الإيجـار والتصرف ومسؤولية الإخلال بتنفيذها.
- لقد أدى فرض الشروط إلى تضييق حرية الأطراف في التعيين وآل التعقيـد إلـى خـوف الأطراف من أخذ مسؤولية التعيين وإلقاءها على عاتق المحامي المسؤول أكثر فأكثر علـى الدفاع عن الحقوق بربح القضية ولو كان ذلك بوسائل مخالفة لروح التحكيم.
- وتعد استقالة الأطراف في تعيين المحكمين غنماً للوكلاء مما أفضى إلى نتيجتين متضاربتين:
*الأولى ابتعاد الطرف المسؤول على الإجراءات لتعقدها وتراجع إمكانية الفض التصالحي الذي قد يكون أيسر بمجابهة الأطراف بعيداً عن حيل الدفاع خاصة وان المصالح قد تتضارب أحياناً بين الطرف ومحاميه. ففي حين يبغي الطرف السرعة للخوف من ارتفاع الكلف وامكانيـات التخطيط لعدم إنجاز القرار، يبدو من الطبيعي أن يريد المحامي رفع أتعابه خاصة إذا ارتكـز احتسابها على الساعات المقضاة في الإعتناء بالقضية.
* الثانية وهي إيجابية للتحكيم إذ تدور الإجراءات عامة بفضل حسن النية في جـو خـال مـن التشاجر العلني المعهود في المحاكم الرسمية ويكون الفض ممتعاً إذا ما تحلت هيئـة التحكـيم والمحامون بقيم التحكيم وخصوصياته التي يمكن للأطراف أن ترقى لمستواها المهني. وهذا ما يبتغيـه كـل محب خالص للتحكيم ونموه حتى يكون كما قال أحدهم "فـض نـبلاء لقـضايا نبلاء".
أباحة تعيين القضاة كمحكمين:
- تبيح القوانين القليلة (كالمجلة التونسية لسنة 1993) تسمية القاضي المباشر كمحكم في القضايا الدولية والمحلية وتعارض ذلك جل التشريعات على أساس أن اختيار التحكـيم يهـدف إلـى اجتناب العدالة الرسمية واجراءاتها.
وترتكز الإباحة على مبدأ تضلع القاضي بعمليات الفض واعتماد القانون مما يـضمن سـلامة سير الإجراءات بالكفاءة اللازمة والمتوفرة في رجال القضاء.
- ويرتكز التحريم على مبدأ التفرقة بين العدالة والتحكيم إذ لهذا الأخير خاصياته المميزة وأسسه التعاقدية التي تفوق منهجياً صبغته القضائية، مع أن كفاءة القاضي قد تقتصر علـى مباشـرة القانون والسلوك القومي الذي قد لا يشمل الميدان الدولي.
ثم أن تعيين القاضي المباشر كمحكم قد لا يمكنه من التفرع إلى التحكيم إذ هو المكبـل فـي دائرته بتراكم الملفات والقضايا مع احتمال تعرض قراره إلى النقض أو الإبطال من قبل زميل دونه مرتبة ووجاهة (وقد شاهدنا في تونس الطلب من دائرة الاستئناف إبطال قرار تحكيمـي أصدره رئيس النقض السابق).
- على أن المهم قاطن في السلوك البشري إذ كثيراً ما يستعمل القاضي وكذلك المحكم فـي فـض الخلاف، الإجراءات والتقاليد المعتادة التي تعودا بها في المحاكم الرسمية مما يؤول إلى فـرض العادات العدلية على التحكيم. وقد نعت B.OPPETIT هذا الزيغ بالعدليـة "Judiciarisation" وهذا ما لم تتوقعه مبادئ التحكيم وفلسفته من تطور قد يذهب بمزايا التحكيم وأسبابه ومباشرته.
ومع ذلك فإنا نذكر احقاقاً للحق بأن الساحة التحكيمية الدولية قد تشرفت بمساهمة أسماء لامعة ومع من سامي القضاة على صعيدي الممارسة والفقه التحكيمي والتشريع.
- يشير ما سبق إلى اتفاق الأطراف على تسمية المحكمين بنوايا صادقة.
- وفي شأن المحكم الثالث يكون تعيينه من طرف المحكمين الأولين وفي هذا المجال قـد يقـع التساؤل على مدى تداخل الأطراف في تعيين المحكم الثالث الذي عادة ما يترأس الهيئة. فهل أن المحكم مقيد بأن يستشير الطرف الذي عينه أم لا؟ وما هو الحل إذا عارض طـرف فـي تعيين الرئيس، خاصة إذا كان تعيين المحكم الطرف "arbitre partie" قـد وقـع مـن قبـل المحامي الذي قد يتغير أو ينسلخ على التحكيم أثناء البت.
- وهنالك مسألة أخرى شاذة عشناها أخيراً حيث تكونت هيئة التحكيم الحر ثم استقال محكمـاً الطرفين وبقي الرئيس المعين من قبل المستقيلين منتصبا، فكيف إذا ما عمد المحكمان الجـدد على اختيار رئيس ثاني في حين أن القانون المطبق لا ينص على انحلال الهيئة. في مثل تلك الظروف إن أغلب النصوص تشير إلى صورة تبديل محكم واحد. وفي ذلك الحال تبقى أغلبية الهيئة قائمة (اثنين على ثلاثة) ولذا فإن رأي الثالث لا مفعول سلبي له بموجب الأقلية، إلا أن تغيير أغلبية الهئية التي عينت الرئيس قد يضع مشكلة سلامة الإجراءات التـى يقوم بهـا الرئيس إذا ما لم يوافق المحكمان الجدد على إعادة تكليفه بولايته.
- هذا وان تسابقت الأطراف على تعيين المحكم خيفة من فوات الأجل وإضاعة الفرصـة فإن الموافقة على تعيين محكم الخصـم والمحكم الثالث قد تصعب خاصة عنـد نـشوب النزاع حيث تصير الأجواء غير أخوية عامة وتتشنج الأعـصاب وتتـصلب المواقـف المتضاربة.
II- التعيين حسب القانون عند قصور الأطراف:
- إن عـدم الـنص في شرط التحكيم عن كيفية تعيين هيئة التحكيم والإكتفاء بالإشارة إلـى أن فض الخلافات يقع عن طريق التحكيم ليس إلا، من شأنه إبطال الشرط ان لم يقـع تـصحيحه تعاقدياً.
- كما يكون اتفاق التحكم باطلاً إن لم يبين أسماء المحكمين صراحة وبصفة واضحة (الفصل 17 من المجلة التونسية مثلاً).
فإن تقاعس طرف في تعيين محكم أو تباطئ على التعيين في الإبان وقع اللجوء إلى القـانون لتفادي الأمور.
- فبالنسبة للتحكيم المؤسساتي تنص الأنظمة على الحلول الملائمة التي سنتعرض إلـى الـبعض منها لاحقاً.
وإذا كان التحكيم حراً فإن القوانين الحديثة تعالج المسألة وكذلك نظام اليونسترال الموضـوع سنة 1976 والقانون النموذجي الذي بعث سنة 1985 ونسجت على منواله جـل التـشريعات التي ظهرت بعد صدوره أو التي عدلت منذ ذاك التاريخ:
نصوص اليونسترال: القانون النموذجي:
يشير القانون النموذجي في فصله الحادي عشر بأن الأطراف تنفق على إجراءات التسمية وفي عدم توفر ذلك يكون العمل كما يلي:
أ- إذا قام التحكيم على ثلاثة محكمين فإن كل طرف يعين محكماً ويعـين المحكمـان المحكـم الثالث. فإن لم يعين طرف محكماً في ظرف ثلاثين يوماً من تلقيه طلباً في هذا الغرض من الطرف المقابل فإن القاضي يختص بالتسمية أو أي ناحية ثالثة وقع النص عليها. وكذلك الشأن إذا ما لم يتفق المحكمان على تعيين المحكم الثالث في ظرف ثلاثين يوماً مـن تعيينهما.
ب- إذا كان التحكيم من قبل محكم واحد ولم تتفق الأطرف عليه فإن تعيينه يكون بقرار القاضي أو أي جهة أخرى وقع التنصيص عليها.
- وإذا ما حصل أثناء إجراءات التعيين المتفق عليها أن أخل طرف بما اتفق عليه، أو لم يحصل اتفاق الطرفين أو المحكمين فإنه من حق أي طرف الاستعانة بالقاضي أو أي جهة وقع النص عليها لتذليل العقبات. وكذلك الشأن إذا لم تقم مؤسسة تحكيم بما أنيط بعهدتها من مهام التسمية فيجوز انذاك الرجوع إلى قاضي المعاضدة (juge d'appui).
هذا ويهتم القانون النموذجي بتوجيه قاضي المعاضدة عند تعيينه المحكم بإتباع إشارات الأطراف فيما يخص الكفاءة المرجوة وكل المقومات الضامنة في الإستقلالية والإنصاف.
وأخيراً يرجو القانون أن يكون المحكم من جنسية مخالفة لجنسية الأطراف. ولا يصح هذا التوجيه الأخير بصفة آلية بل لا بد من اعتبار معيار التوازن داخل التحكيم بين جنسيات الأطراف والمحكمين والمحامين معا ورجاؤنا اجتناب قدر المستطاع اعتبار الإنتماء إلى العروبة والإسلام على سبيل المثال من جنسية واحدة.
• نظام اليونسترال الموافق عليه في 15 ديسمبر 1976:
- ينظم النص المذكور تعيين المحكمين في فصوله من 6 إلى 8.
فإذا كان التحكيم وحداوياً فإن الطرفين يتفقان على اسم بعد تبادل قائمتين من الأسماء. كما يمكن لهما الاتفاق على جهة تعيين المحكم.
فإن لم يحصل الإتفاق في آجاله معينة فإن امين عـام المحكمـة القـارة للتحكـيم بلاهـاي (LaHaye) هو الذي يعين جهة التعيين بطلب من أي طرف.
- تستند جهة التعيين على قائمات المحكمين إذا لم تتفق الأطراف على عكس ذلـك، ولا تعـين المحكم إلا بعد أخذ رأي الأطراف بإرسال ثلاثة أسماء ترقم فيها الأطراف سلم اختيارهم.
- يبدو هذا النظام معقداً حيث لا يعين على التسمية السريعة مباشرة.
أما في صورة التحكيم عن طريق هيئة ثلاثية فإن النظام مماثل بتداخل أمين عـام المحكمـة القارة لتعيين جهة التسمية. وخلاصة القول بالنسبة لنظام 1976 أنه يبدو قديماً تجاوزه القانون النموذجي وكذلك التشريعات القومية.
• القوانين المحلية:
- لقد يسرت في معظمها التصدي إلى تباطؤ الأطراف والمماطلة بإختيار القاضي المختص فـي شؤون التحكيم وخاصة بإعطاءه بعد صلاحيات مراقبة القرارات مهام معاضدة المحكم الخالي من قوة الأمر والنفوذ في تحريك إجراءات الفض. وان تحلى جل القضاة بالإستقامة فـي أداء مهمتهم الجديدة لإعانة نمو التحكيم ناظرين له كمعين على تخفيف كثافة الضغط على المحاكم فإن تضلع البعض في خصوصيات التحكيم وأجوائه غير كافية لإجتناب العثرات.
- ومن بين الأخطاء القليلة التي لوحظت أخيراً رفض قاضي تعيين محكم عوض طرف متقاعس أقر أنه غير معني بالتحكيم لعدم إمضاءه على شرط التحكيم. والخطير ليس في رفض التسمية إذ يمكن التراجع في الرفض بل في اعتقاد القاضي بأن من مشمولاته النظر في الاختصاص وتعيين أطراف النزاع. وقد تمسك الطرف المتقاعس بأن رفض التسمية من قبل القاضي يعني اخراجه من التحكيم شرعاً؟.
- هذا ويبدو اللجوء إلى القاضي لتعيين المحكم كأخف الأضرار اذ هنالك من المتعاملين مـن لا يميل إلى العدالة ويحبذ ادخال المحكمة التحكيمية الدائمة بلاهاي (كتـشريع جـزر مـوريس الصادر في 25 نوفمبر 2008) أو اللجوء إلى غرف التجارة (كما جاء في مجلة تحكيم البيرو الصادر في 25 سبتمبر سنة 2008).
III-تعيين المحكم في النظام المؤسساتي:
- لقد تكاثر عدد مراكز التحكيم ومؤسساته في العشرية السابقة بصفة مرموقة لغرض عاطفي إذ تريد كل جهة التمتع بمؤسسة فض قومية أو اقليمية تتلاءم وطقوسها الخاصة ومناخها المميز.
وبالرغم من النجاح النسبي لبعض المراكز الجديدة فإن أغلبية الأطراف الدولية مازالت تثـق في نجاح خدمات الهياكل الكبرى المعروفة بالرغم من تصاعد الانتقادات المركزة ضدها.
- وبما أن هذه الأخيرة قد خشيت منذ السنوات الأخيرة من ضـياع بعـض الأسـواق الجديـدة المتحفزة فقد سلكت سياسة تسويق شرس خاصة نحو بلدان الخليج وآسيا.
- ومهما يكن من أمر فإن المؤسسات المذكورة تنظم تعيين المحكمين عن طريقه الاختيار ضمن القائمات المهيئة والمزكاة تاركة لحرية الأطراف حق التداخل الكلي أو النسبي. إلا أن هنالـك أنظمة تدين القائمات وتعيين محكميها تعييناً مباشراً بعد استشارة الهياكل المختصة كمـا هـو الشأن بالـICC.
أ- نظام التعيين ضمن القائمات:
- إن وضع قائمات المحكمين راسخ عند كثير من المراكز كمحكمة التحكيم الدولي ومركز البنك الأممي CIRDI كما يوجد في اللندن كورت وكذلك في مراكز دول الخليج، كما توجد قائمـة مصرية للمحكمين الدوليين لمركز القاهرة.
ومن الملاحظ أن القائمات أما مغلقة حيث تضم منخرطي المؤسسة كما هو الشأن في النوعي (كنظام السكر بلندن R.S.A أو ما شابهها) واما مفتوحة لكل من يتقـدم بـدفع قيـد التسجيل.
ويضع نظام القائمة مسألة شروط الانضمام من جهة وأسباب الانسلاخ عنها من جهة أخرى.
- إن ضبط قائمة في محكمين أكفاء على أساس الوجاهة المهنية والاستقامة مـع التـضلع فـي الشؤون النظرية وممارسة التحكيم، فيه مزايا متعددة إذ يعين الأطراف التي تبتغي عدم البطش بحقوقها واثباتها شرعياً، من اعتماد الشخصية الكفيلة بأن تخدم العدل قبل كل شيء.
ولهذا الغرض فإن اختيار المترشح لا يكون صائباً الا إذا توفرت حقا تلك الخصال وبـرزت مصداقية شروط الاختيار. أما إذا كان تسجيل اسم المشرح آلياً بمجرد اداءه معلوم الإنخـراط فإن نظام القائمـة يكون بمثابة الاشهار شبه التجاري الذي لا يليق بنبـل المؤسـسة وقيمـة خدماتها.
- ثم إنه من الواجب متابعة مسيرة المحكم وسلوكه الذي قد ينخرم مع الزمن مما يوجب ابعـادة عن القائمة بدون احتراز بعد سماعه طبعاً.
ان الحضور بالقائمة لا يعني بالضرورة تعيين الشخص في القضايا التحكيمية خاصة وأن بعض المراكز قد تفرض المنافسة بين أعضاء القائمة لنيل أقل الأتعاب كما هو الشأن باللندن كورت.
- ولتفادي احتكار بعض المحكمين قبول المهام رغم عدم التفرغ لضمان سرعة الفض، فقد تعمد بعض المؤسسات كاللجنة التونسية للمحكمة الأوروبية على مراقبة مستوى شـغل منخرطيهـا لضمان التعاقب في التعيينات.
ولا بد من الاشارة أخيراً إلى أن بعض المؤسسات التي تنفر من نظام القائمات قد تضع قائمات دون نشر الأسماء وتبقى خفية إلا على أعوان المؤسسة.
ب- تعيين المحكم في نظام الـICC:
ترجع مبادئ التعيين في نظام الـICC إلى قرابة الثمانين سنة ولم يتغير النظام المذكور إلا في بعض الجزئيات خلال التسعينات.
ونص النظام في هذا الشأن إلى أن تعيين المحكم من مهام الأطراف التي تقترح الأسماء إثر بدء التحكيم للجنة الـICC التي تزكي المقترحات ولا ترفض التزكية إلا نادراً.
على أن اللجنة قد تختص بالتعيين المباشر عند عدم تقديم الأطراف أسماء وعند عدم اتفاقها على محكم واحد أو على المحكم الثالث، ويمكن تلخيص المهمة كما يلي:
1- ينص الفصل 7 الفقرة 4 من نظام 1998 بأن لجنة التحكيم تبث نهائياً في تسمية المحكـم وتزكيته وعزله وتعويضه وذلك دون ادلاء بالأسباب ويرى البعض في هذا السكوت المـس من حقوق الدفاع وتوازن عقد التحكيم.
2- ينص الفصل 8 على أنه في صورة عدم اتفاق الأطراف على عدد المحكمين فإن اللجنة تقر تسمية محكم أحادي إذا لم يظهر لها لزوم تسمية ثلاثة محكمين، وفي هذه الصورة لكـل طرف خمسة عشر يوماً لتقديم اسم محكم.
وإذا ما اتفق الأطراف على الفض بواسطة محكم واحد ولم يتفقا على إسم طيلة شهر فـإن لجنة الـ ICC تعين المحكم. كما تسمي اللجنة أي محكم عند تقاعص طرف أو عنـد عـدم الاتفاق على المحكم الثالث.
3- إذا ما عهدت للجنة مهمة التعيين فهي تعتبر الجنسية ومكان الإقامة والعلاقة بأقطار أطراف النزاع والمحكمين. كما تعتبر اللجنة التفرغ والقدرة على إدارة التحكيم.
هذا بالنسبة للتعيين، أما بالنسبة للتزكية فقد أسندت مهامها إلى أمين عام الكتابة منذ تحـوير 1998 لضمان سرعة القرار. وتحال حالات الرفض على اللجنة.
ويكون إتمام التعيين داخل اللجنة كما يلي:
يشير الفصل 9 الفقرة 3 إلى أن على اللجنة إذا ما وجب تعيين المحكم الأوحـد أو رئـيس الهيئة أن تقوم بذلك اعتماداً على اقتراح اللجنة القومية التي اختارتها لذلك. فإن رفضت لجنـة الـICC اقتراحات اللجنة القومية أو لم تقم هذه الأخيرة بالإقتراح في الابـان فبإمكـان اللجنـة المركزية أن تعيد استشارتها أو أن تختار لجنة قومية أخرى كي تقترح أسماء عوض الأولى.
أما في الفقرة الرابعة لنفس الفصل فتمنح للجنة المركزية حرية تعيين المحكم من بلد ليس له لجنة قومية شريطة ألا يعترض طرف على ذلك في الأجل المضروب.
وفي صورة تعيين محكم عوض طرف متقاعس فإن الاقتراح يأتي من لجنة بلد ذلك الطرف إن وجدت وإلا فإن اللجنة المركزية هي التي تعين المحكم بكامل الحرية.
ج- مناقشة نظام الـICC:
لقد وضع النظام المذكور خلال القرن الماضي متوازناً إذ يكرس حرية الأطراف في اختيار المحكم واتفاقهم عند تركيب الهيئة مع التداخل للجنة المركزية "la cour" أو للجان القومية عنـد عدم قيام الأطراف بممارسة حرياتها في الآجال المحددة أو التقاعص المتعمد.
وقد عاش النظام على أساس ثقة اللجان في السهر على حسن اختيار المحكم الكفوء وقدرته على فض النزاع بكل شرف ومسؤولية.
وأن كثرت الانتقادات اليوم في مصداقية السير الحالي للنظام وأنعـدام الـشفافية لأسـباب الاختيار فإن المثل يقول "لا بخار بدون حريق".
سنقتصر على المرور بكل موضوعية حيث واكبنا النظام المذكور أكثر من ربع قرن بكـل نزاهة وتفان.
لقد طرأ في العشر سنوات الأخيرة تغيير في تعيين قمة هيكل لجنة التحكيم إذ صار الرئيس يعين كل ثلاث سنوات من بين المحامين الدوليين الغير القاطنين بمقر الـ ICC خلافاً لما كان من قبل خاصة في عهد الرئيس GAUDET في الثمانينات وأوائل التسعينات.
أما عن المستشارين فعوض أن يبنوا توظيفهم على الاستقرار بالمؤسسة كمثـل الأسـتاذ Arlandez وغيره فقد صار جلهم يقضي حصة معينة قصد الانتماء إلى مكاتب المحاماة الكبرى وخدمة منافعها الخاصة.
وقد أتى تحوير النظام سنة 1998 بتقوية نفوذ الأمانة العامة على حساب الرئاسـة وهـذا معقول خاصة إذ لا يتفرغ الرئيس إلا سوى بعض الوقت للمؤسسة ويتمادي غالب الوقـت فـى عمله كمحامي.
- وهكذا تبدو حرية المركز هشة نوعاً ما أمام تداخل المكاتب الكبرى للمحامين في الهياكل وسير غرفة التجارة الدولية. وما أحسن دليل سوى ربط تعيين المحكمين وتزكيتهم اعتماداً على مبلغ المعاملات أكثر من ذي قبل كما سنراه لاحقاً، مع ارتفاع ابتغاء تضخم الربح المادي بإشراف تنظيم التحكيمات من قبل قسم المتاجرة "Marketing"
- وعلى هذا المنوال نسجت بعض اللجان القومية سلوك ترشيح المحكم بغية المردود والمعاملـة بالمثل. وقد أدى ذلك إلى فرض تعديل في الترشيح اذ لم يقتصر على اسم واحد يزكي آلياً بل على ثلاثة أسماء يختار المركز واحداً منهم كما له الحق في رفض الترشيح بأكمله.
وهكذا صارت بعض اللجان القومية سوقاً للمساومات والسمسرة أكثر مما كانت ركناً لضمان الكفاءة والإستقلالية والحياد.
وعلى الصعيد المركزي فإن السؤال يبقى قائماً في شأن كيفية اختيار اللجنة التي ستوكل لها مهمة الترشيح وكذلك عن أسباب احتكار بعض اللجان المستقرة وأسباب قبول الترشيح أو تعيـين محكم ليس لبلده لجنة قومية.
وأخيراً فإنه من المدهش أن تستقر بعض اللجان القومية مرة واحدة مدى الحياة ولا تحاسب على عشرات السنين عن شرعية كيانها أو تجدد منخرطيها.
ومن الملاحظ أن التنظيم الحديث للـICC قد ألغى اللجوء إلى اللجان القومية خاصة عنـد تعيين المحكم من قبل رئيس الغرفة أو في نظام الإختبار والتحكيم الإستعجالي والمصالحة وتعيين مكاتيب التحكيم (Dispute board).
فهل تعمد لجنة العمل المنكبة حالياً على مشروع التنقيح إلغاء نظام اللجان القومية وهل هي قادرة على ذلك قصد تعيين واعي لفائدة التحكيم ومستقبله؟
د- التعاون بين الـICC والمحكمين المغاربة:
إن الحكم على نظام ما أو لفائدته لا يكون صحيحاً علمياً إلا إذا أخذ بعين الإعتبار نجاعـة هيكلته وملاءمته للعصر كما قد يصلح النظام بموجب كيفية تطبيقه وينخرم إذا ما وضع بين أيدي قاصرة وفي أجواء غير ملائمة.
وقد نشأت علاقة الغرفة بالأقطار المغاربية وازدهرت منذ أوائل السبعينات مـن القـرن الماضي حيث انخرطت تونس ووضعت لجنة قومية سنة 1974 ولم يسبقها سوى المغرب الـذي كون لجنته سنة 1957 في حين أن الجزائر لم تكون لجنتها سوى سنة 2000 ولم تنخرط ليبيا ولا موریتانيا بعد في الغرفة.
- وبالرغم من قيمة الدراسة المنشورة من قبل الـICC سنة 1992 عن العالم العربي وتحكـيم الغرفة فإن استنتاجاتها ضافية للزمن المدروس وهي قاصرة اذ ترتكز على احصائيات الغت خاصة وقائع السبعينات.
- أما من المقال الوارد بمجلة التحكيم التونسي فإنه يرجع بعلاقات الغرفة بالمحكمين العرب لسنة 1982 عند تسلم أول عربي منصب كاهية مجلس التحكيم "la cour" ماراً مرور الكرام علـى ثمانية سنين من العلاقات الخصبة بين الغرفة والمحكمين المغاربة في زمن كان تعيين المحكم لا يستند سوى على الكفاءة والاحترام والنجاعة دون تدخل سياسي كما اقتصر المقـال علـى عطاء محكمي المشرق لاغياً المغاربة وحضورهم البارز.
- ويمكن تلخيص نصيب المغاربة من التعامل خلال السبعينات مع الـICC إلى الوقائع التاليـة ارتكازاً على أحداث ثابتة يمكن الاطلاع عليها بالنظر في خزائن الغرفة ومحاضـر جلـسات لجنة التشريع.
- في باب التشريع مثلت تونس بصفة فعالة منذ سنة 1974 ضمن اللجنة الخاصة وكانت الممثل الفعال والمواظب للمغرب العربي طيلة أكثر من عشر سنوات.
- في باب ممارسة التحكيم عين كاتب هذه الأسطر رئيساً لمحاكم تحكيمية من قبل الغرفـة لأول مرة في تاريخ التحكيم المغاربي والعربي سنة 1974 وبلغت عدد القضايا التي عين فيها ثلاثة عشر قضية في ظرف سبع سنوات أي بمعدل قضيتين سنوياً حتى 1981 حيث توجد التسميات الموالية ضمن احصائيات مقال القاضي البجاوي واستمر التعيين إلى سنة 2007.
- إن هذه الأرقام لا تخص سوى صاحب المقال ولا بـد مـضاعفتها إذا مـا عـددنا تـسميات شخصيات مغاربية أخرى مما يدل على أهمية الثقة المتبادلة في ذلك العهد بين ساسة الغرفة وهياكلها والتحكيم المغاربي السباق.
كما لا ننسى أن كاتب المقال وثلة من الآخرين قد عينوا في معهد قانون الأعمال منذ نشأته. كما لا ننسى أيضاً أن الغرفة قد زكت العشرات من محكمي الأطراف في نفس الحقبة.
وان أردنا مقارنة الماضي بالحاضر فإن مجرد النظر إلى إحـصائيات الـسنوات الثلاث الأخيرة تشير إلى بعض التمطط في علاقات الـICC بالدول المغاربية ويرجع هذا إلـى تغييـر المقاييس والمعايير سواء في الغرفة نفسها أو فيما جاورها من محيط احتكرتـه قـوى التنـافس والمردودية المادية.
تشيـر احصائيات سنة 2006 الى ان طلبات التحكيم المغاربية قد بلغت 9 قضايا (المغرب 5 - الجزائر 3- تونس 1) أما من عدد القضايا المقدمة ضد أطراف مغاربيـة فقـد بلغـت 10 قضايا (7 الجزائر - المغرب 2- تونس1)
وهكذا قد بلغ عدد القضايا الذي يهم بلدان المغرب العربي 19 قضية فـي حـين أن المحكمين لم يبلغ سوى 5 عينتهم الأطراف و4 عينتهم الغرفة ويعزى الفارق حسب الظن إلى أن المحكمين أوحادي ويتعذر تسميتهم من بين المغاربة عند عدم الاتفاق.
أما بالنسبة لسنة 2007 فإن عدد طلبات التحكيم قد بلغ 8 قضايا (الجزائر 6 – تـونس 1- المغرب 1) فقد بلغ عدد قضايا الادعاء ضد أطراف مغاربية 7 (تونس 3 – الجزائر 2 والمغرب 2) ولم يبلغ عدد المحكمين المسمين من قبل الأطراف سوى واحد وكذلك مسمى واحد من قبـل الغرفة.
وفيما يخص سنة 2008 فإن الطلبات قد بلغت 7 طرف (تونس 4 المغرب 2- ليبي وبلغ المدعى عليهم 18 (تونس7- الجزائر 5- المغرب 4 وليبيا 2) أما من المحكمين فقد عينت تونس 7 والجزائر 1 والمغرب 1 ولم تسم الغرفة سوى محكم واحد من المغرب.
- مهما كانت سطحية الاستخلاص وضعف التعمق إذ لا تتسم الأرقام بالشفافية العلمية الدقيقة فإن النظر في اللجوء إلى لجأن قومية كالسويسرية والفرنسية والانكليزية يشير إلى أن لهذه الأخيرة حظ الأسد في اختيار المحكمين من جراء النفوذ الواضح بقطع النظر على مستوى التعامل.
- إن هذه السياسة الضيقة القائمة على لجان قومية ضعيفة أو غير مبالية قد تسيء إلى مـردود نظام الـICC ومصداقيته على مر الزمن لأن الطبيعة تخشى الفراغ كما يقول المثل الفرنسي مما سيبعث على تعويض الدرهم بالدينار وايجاد حلول بديلة ملائمة.
- وقد لاحظنا في العديد من القضايا التخلي عن شرط الـICC واستعمال نظامه كقانون إجرائي ليس إلا.
IV-التجريح في المحكم:
- يتعهد المحكم المعين عند قبوله المهمة بإنجاز عقد التحكيم الذي يمثل شـريعة الأطـراف ولا يمكن الغاؤه إلا بشروط وفي حدود يحكمها قانون العقود والالتزامات. ففي الميـدان الـدولي يشير نظام اليونسترال في فصوله 9 إلى 12 وكذلك القانون النموذجي في فصلية 12 و13 إلى كيفية التجريح.
وقد نسجت جل أنظمة مؤسسات التحكيم وكذلك التشاريع القومية على منوال القانون النموذجي في هذا الباب.
ومما يستخلص أن من واجبات المحكم القابل للمهمة التعهد بالقيام بها وعدم التخلي عنها بدون مبرر، مع احترام الآجال والبت في أقرب الأوقات واقتصاد الكلف.
وفي باب الحقوق لا يمكن التجريح في المحكم أو عزله بعد ختم المرافعة (الفصل 12 مـن المجلة التونسية مثلاً) كما لا يمكن ذلك إذا تأتى من الطرف المعين إلا في ظرف 15 يوماً من علمه بسبب التجريح. وبالنسبة للطرف المقابل يسرى ذلك الأجل عند علمه بتعيين المحكـم المقابل.
ويمكن القانون الدولي الأطراف من الإتفاق على أسباب العـزل أو التجـريح ويمكـن لتلـك الأطراف عزل محكم ان اتفقا على ذلك وإلا فإن اللجنة عند التحكيم المؤسساتي هي التي تنظر في طلب التجريح. فإذا كان التحكيم حرا فللقاضي المعتمد المؤهل لذلك سلطة القرار بـصفة نهائية.
- هذا وتختلف التشاريع في شأن متابعة إجراءات التحكيم عند النظر في التجريح أو ايقافها. وان أوكل القانون النموذجي إلى هيئة التحكيم حرية الاختيار (الفصل 13 السطرين الأخيرين) فإن بعض القوانين الوطنية كالمجلة التونسية تحجر المتابعة وتأذن بإيقاف إجراءات التحكـيم إلـى حين صدور القرار القضائي في الأمر (الفصل 25 من المجلة التونسية بالنسبة للتحكيم الداخلي والفصل 58 الفقرة 3 بالنسبة للدولي).
ونشير إلى أن القانون النموذجي يمنح هيئة التحكيم حق النظر في تجريح أحد أعـضائها فـي حين أن القانون التونسي مثلاً لا يعطيها سوى حق الاطلاع ومحاولة إقناع المحكم بالإستقالة عند الاقتضاء.
وقد أحدث التميز التونسي بعض الصعوبات إذ اختلفت الأراء في شأن استئناف التحكيم إثـر البت في طلب التجريح أم بعد استلام الحكم، وقد يمر زمن لا بأس به بين التصريح بـالحكم وتحريره وتبليغه كما هو الشأن في كافة المحاكم الرسمية.
- وفيما يخص أسباب التجريح فمنها ما هو موضوعي واضح ومنها ما هو اعتباري قد تقییمه ومنها أخيراً ما هو من باب المماطلة السخيفة أحياناً.
فإما من الأسباب الموضوعية التي جاءت عن طريق نصوص اليونسترال فهي تخـص عدم الاستقلالية وعدم الحياد وعدم القدرة على فض النزاع التي تعرضنا لها سابقا.
- وفي صورة تواجد مصالح مشتركة فإنها لا تمس حتماً بالاستقلالية خاصة إذا كـان الإرتبـاط ضئيلاً كما أن يكون المحكم مالكاً لسهم أو أكثر في رأس مال شركة لها آلاف المساهمين، أو
إذا كان له حساب بسيط للإيداع في بنك له آلاف الحسابات اذ ان ارتباط المحكم بالطرف غير وارد في هذا المعنى.
- ولتكون الشفافية واضحة فلا حرج أن يدلي المحكم بأي واقع قد يؤاخذ عليه.
وكذلك في خصوص القرابة البعيدة فلا يخشى عامة من اثرها على الاستقلالية. على أن عـدم الادلاء بأبوية محكم لعضو من مكتب المحامي الذي عينه قد يبعث الشك في الاستقلالية ومـن ثمة في الحياد.
- من بين أسباب العزل عدم توفر المؤهلات التي اتفق عليها الأطراف حسب القـانـون الـدولي والمنعوت بعدم الكفاءة في القوانين المحلية. وقد لاحظنا سابقاً أننا لم نعثر على اتفـاق يحـدد المؤهلات إلا في عقد سوري - ايطالي يشير إلى أن يكون المحكم "ملماً بالقانون السويسري واختصاصي في صنع الخبز العربي". وان وجد النص على اختصاص المحكم فغالباً ما يكون في العقود الفنية للتحكيم النوعي (arbitrage de qualité).
- ثم هنالك من النصوص التي تشير إلى إمكانية عزل المحكم إذا تخلف عن القيام بمهمتـه فـي أجل ثلاثين يوماً (الفصل 21 من المجلة التونسية والفصل 59 بالنسبة للتحكمي الدولي) وذلك ضماناً لتحقيق سرعة البت.
على أن مثل هذا النص كثيراً ما يبقى حبراً على ورق لعدم توفر نية فض القضايا بالـسرعة المرضية من قبل المحامين الذين تعودوا على التباطوء أمام المحاكم.
ومن أسباب المماطلة التي عاشها كاتب المقال الوقائع الآتية:
طلب التجريح في محكم بسبب شهرة أخ له في ميدان السياحة. فكلما عين في قضايا النـزل والسياحة إلا وطلب بالتنحي بسبب تأثير محتمل لأخيه عليه.
- رفض المرات العديدة التعيين في قضايا أورو-عربية لوجود محكم طرف عربي بسبب احتمال وجود أغلبية عربية في هيئة التحكيم وترجيحها كفة الطرف العربي. –
- طلب طرف أوربي عزل المذكور وهو رئيس الهيئة لتسميته من قبل محام شهير ومحكم ممتاز عربي كان يمثل الطالبة الأوروبية لما تنحى عن تمثيلها، مع الإشارة أن العروبة في الميـدان تعد جنسية واحدة.
- طلب طرف ابطال قرار التحكيم لإختلال تركيب الهيئة حيث أن الرئيس المسمي ضمن قائمـة رسمية لا يحمل إجازة في الحقوق حسب علم المبطل في حين أن المحكم حامل للدكتوراه قبل ولادة المحامي الطالب الذي تتلمذ عليه بالجامعة أثناء الدراسة.
ومن الأسباب التي لوحظت أيضاً طلب عزل الرئيس أمام مؤسسة أورو - عربيـة " للسرعة المشبوه فيها في النظر" وقد توصل بعد سنة من الأخذ والرد بوضع مهمة التحكيم.
وتشير بعض الوقائع في النشريات الدولية إلى أحوال مضحكة أحياناً، كطلب عـزل المحكـم الذي قبل بأن يأخذه المحامي إلى نزله في سيارته أو في حالة تناول غذاء نفرين مـن هيئـة التحكيم دون اشعار الثالث.
وأخيراً نسوق تجربة تشير إلى مدى هيمنة مكاتب المحاماة الكبرى على مؤسسات التحكـيم حيث عمد مركز مرموق تعويض هيئة تحكيم بأكملها إثر تقرير قدمه محكم عـيـن مـن قبـل طرف عربي إلى المركز اثر مخالفات العضوين الآخرين لنظام الإجراءات بصفة صـارخة. ونظراً لخطورة المخالفات فقد عمدت المؤسسة إلى تعويض العضوين الراجعين إلـى أكبـر مكاتب محاماة بأوروبا وبما أن المحكم العربي لا يمثل أي مكتب محاماة فقد عـوض ضـمن الجماعة مع تسميته حالاً كمحكم فرد في قضية مستقلة حتى لا يعكر صفو جو المناخ العام بأي رد قد يحرج المركز.
الإمتناع على تعيين المحكم:
يبدو الامتناع عن تعيين المحكم شاذ وبالعكس فإن الأطراف تتسارع في التعيين خوفاً من أن يقع من قبل الغير وان تختار اسماء قد لا يرتاح لها.
فإن تخلي طرف عن التعيين فبنية مقاطعة التحكيم خاصـة وان تعيين المحكـم لا بالضرورة قبول التحكيم والاعتراف بمزاعم الطرف المقابل.
- ونذكر أن سياسة "الكرسي الشاغر" غير مجدية اذ بإمكان التحكـيم تعـويض المتقـاعس والبت غيابياً.
فالإمتناع عن الدفاع مخطئ إذ ان سياسة المقاطعة لا توقف البث ولا تجدي نفعاً بـل تعقـد الاجراءات ويكون ذلك غالبا على حساب الغائب.
وبالنسبة لمراكز التحكيم فهي حريصة على التعيين عند التقـاعص أو عنـد عـدم اتفـاق الأطراف. وفي القليل النادر لا تخلو مواقف بعض المراكز من الشذوذ عند التراخي في تعيـين المحكم أو رئيس الهيئة لثقل التداخل مما يخل بالثقة التي ترتكز عليها شهرة تلك المؤسسات.
ونشاهد أخيراً حالات امتناع القضاء على تعيين محكم عوض أطراف واضـحة التقـاعص والامتناع لعلمها بحق الآخرين ويقينها من وجاهته مما يميلها إلى العمل على عرقلة ســر قـول الحق .
الخاتمـة:
ان تعيين المحكم أساسي لتركيب هيئة تؤهل لفض الخلاف حسب ما تصبو إليـه أطـراف صادقة العزم من احتكام عادل وشريف ومقتصد. وترتكز قيمة التحكيم على كفاءة المحكم المحايد والقاضي بالقسطاس.
فمهمة التعيين اسمى من أن تبقى في أياد مركنتيلية لا تؤتمن إلا بالرفع من الأربـاح علـى حساب الانصاف ومواصلة علاقات التعامل في أجواء ودية يسودها الاحترام.
إننا نميل إلى تقنين مهمة المحكم اذ تبدو المهمة القضائية الوحيدة التـي لا تتطلـب ثبـوت الكفاءة والقدرة على فض النزاعات ولذا لا بد من اعتماد التكوين المهني الصحيح بكلف معقولـة ووضع قائمات في المحكمين الشبان وفي رؤساء الهيئات والمحكمين الأواحد لتكون قـدوة لمـن أراد اللجوء إلى التحكيم.
أما من التعيين الرسمي فلا بد أن تتداخل فيه جمعيات المحكمين التي تعمل علـى إرسـاء الثقافة التحكيمية خاصة بالأقطار العربية وكذلك غرف التجارة والصناعة.
وأخيراً لا بد أن يكون المحكم مسؤولاً بصفة صارمة على ما مـن شـأنه ان يكلـف مـن الخسارات في الوقت والمتاع من جراء أخطائه الواضحة أو الإخلال بالمبادئ النبيلة التي عليهـا يرتكز اختياره عوض القضاء الرسمي.
ان نظام اليونسترال الذي تحسن عند وضع القانون النموذجي لا بد من مراجعته وتعـصيره مع الأخذ بعين الإعتبار مستقبل التحكيم خاصة في بلدان الجنوب لكي يسترجع ما فطر عليه كطريقة فض ودي متوفرة لكل محتكم لا ان تكون حكراً على الوحدات الكبرى واداة اثراء فئة من المحكمين.
وقد خطت لجنة محكمة التحكيم الأوروبي بتونس خطوة جريئة في وضع شرط تحكيمـي متحفز وقائمة محكمين اختيروا على قاعدة الكفاءة والحياد. ومن علامات المجازفة أن تقر اللجنة مجانية المصالحة وإجراءات التحكيم وتكثيف التكوين المستمر بأرخص الكلف قصد نشر الثقافـة التحكيمية وإلغاء الزيغ والروتينيات.