الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم المؤسسي / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / دور المحكم في خصومة التحكيم / مبررات خضوع قرارات الهيئات المؤسسية للرقابة القضائية

  • الاسم

    د. هدى محمد مجدي عبدالرحمن
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

    464
  • رقم الصفحة

    332

التفاصيل طباعة نسخ

مبررات خضوع قرارات الهيئات المؤسسية للرقابة القضائية

إنتشرت في الآونة الأخيرة فكرة الاستعانة بأنظمة التحكيم المؤسسي لإدارة وتسيير إجراءات التحكيم، وقد دعمت أحكام قانون التحكيم المصري الجديد وجود هذه المؤسسات بأن جعلت المادة 2/3" من معايير دولية التحكيم إتفاق الأطراف على اللجوء إلى منظمة تحكيم دائمة أو مركز للتحكيم يوجد مقره في مصر أو خارجها، كما أجازت المادة الخامسة حلول الهيئات التنظيمية بهذه المؤسسات محل الأطراف في إختيار الإجراءات الواجبة الإتباع إذا رخص لها الأطراف بذلك ، وجاءت المادة السادسة لتثبت دعائم هذه المؤسسات بتقرير أن إتفاق الأطراف على إخضاع العلاقة القانونية لأحكام عقد نموذجي أو إتفاقية دولية أو أية وثيقة أخرى، وجب العمل بأحكام هذه الوثيقة بما تشمله من أحكام.

ونحن نرى أن الرغبة في المماطلة والتعطيل أمر وارد في جميع الحالات، وتجنبها لا يكون باستبعاد الرقابة القضائية على هذه القرارات بما ينطوي عليه من إجحاف بحقوق ومصالح الخصوم، وإهدار للطابع القضائي لخصومة التحكيم. فضلا عن أنه من شأن إستبعاد الرقابة القضائية على هذه المؤسسات الحد من الدور المتنامي لها في إدارة إجراءات خصومة التحكيم ، فصدور قراراتها بعيدا عن القضاء يشكك في صحتها، ويدفع الخصوم إلى مقاومة الحكم الصادر في إطارها والطعن عليه بشتى الطرق.كما ينفع على المدى البعيد إلى العزوف عن اللجوء إلى هذه المؤسسات.

 

 الطبيعة القانونية لقرارات الهيئات التنظيمية

يعترض سبيل الرقابة القضائية على هذه المؤسسات مسألة فنية تتعلق بطبيعتها القانونية، والتي تمتد إلى ما تصدره من قرارات. ومن ثم يثور التساؤل عن إمكانية الطعن على القرارات التي تصدرها الهيئات التنظيمية قبل أو أثناء سير الخصومة بصفتها الإشرافية والرقابية ، وهل تعد أحكام قضائية يجوز الطعن عليها أمام القضاء كأحكام المحكمين أم أنها تعد قرارات تنظيمية داخلية لايجوز الطعن عليها ؟

فالتسليم بالطبيعة التنظيمية لهذه القرارات يحول دون إمكانية الطعن عليها أو إخضاعها اية رقابة قضائية ، و عندئذ تستغلق كافة سبل الإعتراض على هذه القرارات رغم تأثيرها على حكم التحكيم بل وعلى خصومة التحكيم برمتها. فالقرارات التي تصدرها برفض قبول طلب التحكيم بدون مبرر مقبول، أو تعيين محكمين لاتتوافر فيهم الكفاءة المطلوبة ، أورد المحكمين أورفض ردهم دون مقتض ،أو مد ميعاد التحكيم رغم تراخي المحكمين وإهمالهم ثم أخطر هذه القرارات جميعا وهو مراجعة حكم التحكيم وتعديله. تدفعنا إلى التسليم بالطبيعة القضائية لهذه القرارات التي تتصدى لمسائل جوهرية وحاسمة في خصومة التحكيم ، ليس إنطلاقا من التسليم بالصفة القضائية لمصدري هذه القرارات، وإنما بالنظر إلى أنها تتصدى لمسائل ذات طبيعة قضائية في ذاتها يجب أن تكون تحت أعين القضاء ورقابته .و إذا كان الرأي القائل بان قبول هذا الطعن من شأنه منح طريق طعن إضافي لم ينص عليه القانون له وجاهته ، فيمكن الطعن على هذه القرارات مع حكم التحكيم .

 

وادعيماً لهذه الوجهة من النظر نصت المادة 2/1' من إتفاقية نيويورك على أنه , احكام المحكمين ليس فقط الأحكام الصادرة من محكمين معينين للفصل في حالات محددة بل أيضا الأحكام الصادرة من هيئات تحكيم دائمة يحتكم إليها الأطراف، أي أنها أسبغت الصفة القضائية على هذه القرارات التي تصدرها هيئات التحكيم الدائمة، ورغم أنها أنت من خلال تقرير هذا الحكم إسباغ القوة القضائية على هذه القرارات والاعتراف بها منحها قوة النفاذ المقررة لأحكام التحكيم، إلا أن هذا مقتضاه إخضاعها لذات الرقابة التي تخضع لها الأحكام .

فهذا النص قصد تدعيم موقف المؤسسات التحكيمية وإسباغ المشروعية على الأحكام التي تصدر في ظلها والاعتراف بها . مسايرة للإتجاه نحو تدعيم دور مؤسسات التحكيم والذي جاء إنعكاسا لسيطرة المفهوم المناهض للتحكيم من قبل المحاكم القضائية الذي إستمر لفترات طويلة، وسعيا لتضييق نطاق تدخل المحاكم الوطنية في خصومة التحكيم وتقليص دور القضاء الوطني وبصفة خاصة دورة الرقابي خشية تعسف المحاكم ودرءا لنية المماطلة والتعويق عند الأطراف.

 وقد شهدت الأونة الأخيرة العديد من الأحكام القضائية التي إتجهت إلى الدفاع عن قرارات هذه المؤسسات وإنكار خضوعها للرقابة القضائية إنطلاقا من الرغبة في تشجيع التحكيم ومساندته، إلا أنها في سبيل إقصاء هذه القرارات من رقابة القضاء تبنت آراء متضاربة حول طبيعتها. فقد إنتهت محكمة استئناف باريس إلى إنكار الطبيعة القضائية لهذه المؤسسات ، أو إنتمائها لمرفق القضاء ، وإن إعترفت لها في الوقت ذاته بسلطة حسم النزاع، وفي محاولة للحد من هذا التناقض قررت أن هيئات التحكيم التي تشكلها هذه المؤسسات هي التي تنطق بالأحكام وتقتصر الطبيعة القضائية عليها وحدها لنقطها بالحكم.

كما إنتهت محكمة النقض الفرنسية إلى إنكار الطبيعة القضائية لهذه القرارات المؤسسية . ونحن لاننكر أن الأمر شائك بالنظر إلى أن إنكار الطبيعة القضائية لهذه القرارات المؤسسية يقوض الأساس القانوني لتصديها لمسائل فضائية بطبيعتها وينكر عليها إصدار هذه القرارات، وفي الوقت ذاته يترتب على الإعتراف لهذه القرارات بالطبيعة القضائية خضوعها حتما للرقابة القضائية، وهذا يتعارض مع مصالح هذه المؤسسات، خاصة وأن لوائحها تحدد بذاتها طبيعة نشاطها وتقرر أنها تمارس مهام غير قضائية .

وبمتابعة المواضع التي قررت فيها لوائح هذه المؤسسات أنها تمارس مهام إدارية وتنظيمية نجد أنها لم تخرج في حقيقتها عن كونها ذات طبيعة قضائية ، ومن ذلك مثلا نص المادة 12 من اللائحة الداخلية لنظام تحكيم غرفة التجارة الدولية الذي يقرر الطبيعة الإدارية القرار الهيئة التنظيمية بشأن الرد على الدفع الذي قد يثيره أحد الأطراف بشأن وجود اتفاق التحكيم أوصحته. ومسايرة هذا النص والتسليم بالطبيعة الإدارية لقرارها هذا مؤداه إستغلاق سبل الطعن عليه حتى في الحالات التي يقرر فيها خطأ عدم وجود او عدم صحة إتفاق التحكيم ومن ثم عدم اختصاص هذه المؤسسة بنظر النزاع.

وقد أقرت محكمة استئناف باريس إنكار هذه المؤسسة لإمكانية خضوع قرارها بنفی إختصاصها بنظر النزاع لرقابة القضاء ، وأقرت الطبيعة الإدارية لمثل هذه القرارات . ولعل اللافت للانتباه في هذا الحكم أنه قضى برفض الدعوى وليس بعدم قبولها ، أي أن المحكمة أقرت ضمنياً إختصاصها بنظر الطعن على قرار مؤسسة التحكيم رغم أنها إنكرت طبيعته القضائية، ثم رفضت الدعوى منكرة أحقية المدعى في نعيه على

مسلك مؤسسة التحكيم . .

فإذا أعقبه قبول من جانب الأطراف إلتزمت المؤسسة بقبول طلب التحكيم من الناحية الإدارية إلى أن تفصل فيه هيئة التحكيم بحكم قابل للطعن عليه إذا ما شابه بطلان.

وقد أقرت المحكمة الفيدرالية السويسرية الطبيعة القضائية لقرارات هذه الهيئات التنظيمية وقبلت الطعن عليها مباشرة، وألغت حكم محكمة جنيف الذي رفض التصدي لها، وذلك بمناسبة الطعن على القرار الصادر بشأن رد المحكمين. فمسألة الرد تخضع لاختصاص القضاء، فإذا تصدت لها هذه الهيئات التي تتولى الإشراف على سير التحكيم، فلايجوز الإدعاء بأنها مسألة تنظيمية تستقل بالبت فيها بلا معقب على حكمها رغم الطبيعة القضائية الخالصة لهذه المسألة ورغم ما تثيره من نصوص قانونية آمرة .

بالإضافة إلى ما يقتضيه حسم هذه المسألة من مراعاة مبادىء التقاضي عند نظرها وهو ما لا يتحقق بالنسبة لهذه الهيئات التنظيمية، ولعل هذا ما دفع المحكمة الفيدرالية السويسرية التقرير إختصاصها بنظرها. وهو ماانكرته محكمة باريس وقررت أنه يكفي للبت في مسألة الرد إيداع الأطراف لوجهات نظرهم أمام الجهاز الإداري المختص، دون ضرورة لتسبيب هذا القرار أو إطلاع الخصوم على مبرراته.

 

مفرقة بين الوظيفة القضائية وهي حسم النزاع والتي يتولاها المحكم ون وبين الوظيفة المؤسسية وهي المحافظة على سير الخصومة ويتولاها الجهاز الإدارى بما فيها مسألة الرد. و إكتفت بمطابقة الإجراءات لما تقضي به اللائحة دون مناقشة صحة هذه النصوص ذاتها من الناحية القانونية .(1)وعند تصدى محكمة الإستئناف (2) للطعن على هذا الحكم لم يأت حكمها بجديد ،ولم تتصد لبحث الطبيعة القانونية للقرارات التي تصدرها هذه الهيئات المؤسسية، ولم تناقش سلطتها في الفصل في هذه المسائل القانونية. هذا برغم أنها قررت في مناسبة سابقة أنها هيئة غير قضائية ولا تلتزم بالمبادىء المخاصمية التي نصت عليها المادة 1460 من قانون المرافعات، ورتبت على ذلك أنها لاتخضع للإلتزام بالتسبيب .

وعلى هذا النحو رفض القضاء الفرنسي تقرير إختصاصه بنظر الطعن على قرارات الهيئات المؤسسية الصادرة في بدء الخصومة أو أثناء سيرها كمبدا في ذاته دون التطرق إلى رقابة هذه القرارات وفحص صحتها ومشروعيتها بالرغم من تأثيرها المباشر على عملية التحكيم وعلى عائد النزاع . وفي تقديرنا أن رفض مراجعة هذه القرارات وإنكار سلطة القضاء في الرقابة عليها لايزيل خطورتها وأوجه الخطأ أوالبطلان فيها.

فموضوع هذه القرارات يجب أن يخضع للاختصاص المحدد للقضاء الوطني، أو لإختصاص المحكم تحت رقابة القضاء كضمانة لصحة الحكم الصادر. ومسايرة الاتجاه الذي تبناه القضاء الفرنسي لايحل المشكلة وإنما فقط يرجئها لحين صدور الحكم.

فإذا تجاوز الأطراف مرحلة سير الخصومة ثم طعن على حكم التحكيم بما يتضمنه من قرارات صدرت قبل أو أثناء سير الخصومة من قبل هذه الهيئات المؤسسية، فهل يقصر القضاء رقابته بمناسبة الطعن على حكم المحكم فقط رغم ما لهذه القرارات من تأثير مباشر على حكمه، أم يتناولها في هذه الحالة بإعتبارها جزء من الحكم مخالفا بذلك قضاءه السابق بأنها مجرد قرارات تنظيمية .