الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم المؤسسي / المجلات العلمية / مجلة التحكيم والقانون الخليجي العدد الخمسين / مدى تفعيل الإتفاق على مركز تحكيم مجهول أومغلوط تطبيق لشرط التحكيم المؤسسي المعيب هل إعماله خیر من إهماله؟

  • الاسم

    مجلة التحكيم والقانون الخليجي العدد الخمسين
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    38

التفاصيل طباعة نسخ

مدى تفعيل الإتفاق على مركز تحكيم مجهول أومغلوط تطبيق لشرط التحكيم المؤسسي المعيب هل إعماله خیر من إهماله؟

 

إن نجاح التحكيم يظهر من مرحلة المفاوضات وصياغات الإتفاق عليه، لذلك تثير صياغات إتفاقات التحكيم المعيبة مشاكل عملية تؤثر في الصحة والنفاذ والتنفيذ ليس فقط للإنفاق ذاته بل وحتى في مخرجه النهائي "حكم التحكيم". ومن هذه الصياغات المعيبة أن يتفق طرفا التحكيم على الإلتجاء إلى التحكيم المؤسسي دون الإشارة إلى إسم مركز محدد أو معين (مجهل ) أو الإشارة إلى مركز تحكيم مغلوط بتسمية خاطئة ) تنم عن إسم مركز آخر غير موجود أو الإتفاق على مركز لم يعد موجودة، فما مدى صحة ونفاذ إتفاق التحكيم المؤسسي وحكمه؟

للإجابة عن هذا التساؤل نعرض لقضيتين عبر دولتين، ثم توضح تعليقنا على الوجه الآتي :

القضية الأولى: في قضية (2013) SGHCR 8 HKL Group Co Ltd v Rizq International Holdings Pte Ltd أمام محكمة سنغافورة العليا، والتي تتلخص وقائعها في أن شركة HKL Group Co Ltd (HKL أبرمت إتفاق مع Rizq International Holdings Pte Ltd (Rizq لبيع الرمال، والذي بمقتضى تنفيذه أصدرت شركة HKL فواتيرل Rizq | اللمبالغ المستحقة عليها والتي لم تقم Rizq | بدفعها، ثم بدأت HKL إجراءات محكمة القضاء في سنغافورة ضد Rizq. إحتوى الإتفاق على البند التالي : 

"يجب تسوية أي نزاع من خلال التفاوض الودي بين الطرفين. في حالة فشل كلا الطرفين في التوصل إلى إتفاق ودي، يتم تسوية جميع الأترعة الناشئة عن العقد من قبل لجنة التحكيم  Arbitration Committee في سنغافورة بموجب قواعد غرفة التجارة الدولية [icc] والتي يجب أن تكون الأحكام بموجبها نهائية وملزمة للطرفين.

 وعملا بإدراج هذا البند في الإتفاقية، طالب Rizq الوقف التعليقي الإجراءات التقاضي أمام المحكمة لصالح التحكيم. إلا أن شركة HKL نازعت طلب Rizq بأن شرط التحكيم غير قابل للنفاذ، لأنه لم يكن هناك كیان في سنغافورة إسمه "لجنة التحكيم". ورد Rizq أنه على الرغم من أن شرط التحكيم كان "معيبا "، إلا أن نية الأطراف في الإتجاه إلى التحكيم كانت واضحة. 

وبشأن مدى نفاذ إتفاق التحكيم المتقدم، ذكرت محكمة سنغافورة العليا أن النهج الطبيعي فيما يتعلق ببنود التحكيم المريضة المعيبة) pathological arbitration clauses هو أنه إذا تم إستيفاء المتطلبات التعاقدية لصحة شرط التحكيم ويمكن للمحكمة تفسير معنى البند من خلال تطبيق "المبادئ العامة للتفسير التعاقدي"، سيكون شرط التحكيم قابلا للنفاذ (طالما استوفيت الشروط المحددة في إتفاق التحكيم ). ومع ذلك، إذا لم تتمكن المحكمة من تفسير معنى البند، إما جزئيا أو تماماء فلن يعتد بقابلية البند للنفاذ. وذكرت المحكمة أن النهج العام عند مواجهة شرط التحكيم المريض هو تفعيل الشرط إن أمكن .

 واصلت محكمة الإستئناف أن هذا النهج كان على قدم المساواة مع مبدأ التفسير الفعال في قانون التحكيم الدولي: "عندما يمكن تفسير شرط بطرق مختلفة، ينبغي إعتماد التفسير الذي يمكن من فعالية البند مفضلا عن طرق التفسير الأخرى التي تؤدي إلى نتيجة عكسية"

فما هو قرار المحكمة في النهاية؟ ذكرت المحكمة أن "إشارة غير صحيحة إلى مؤسسة تحكيم لم تمنع المحاكم من إحالة المسألة إلى التحكيم، فشرط التحكيم يكون قابلا قابل للنفاذ للأسباب التالية

 أولا: من الواضح في الشرط نية الأطراف في حل أي نزاع عن طريق التحكيم

 ثانيا: ينص الشرط على عواقب إلزامية في أنه في حالة نشوء نزاع ، يجب إحالة المسألة إلى التحكيم.

 ثالثا: ينص الشرط على مكان التحكيم، وهو سنغافورة.

 رابعا: ينص الشرط على أن التحكيم يجب أن يحكمه مجموعة معينة من القواعد، أي قواعد غرفة التجارة الدولية القضية 

القضية الثانية وفي قضية أخرى وهي قضية Re Shanghai&Building Screenwall Xinan Decoration Co, Ltd [2022] SGHC 58 تتلخص وقائعها في أنه حصلت شركة شينان شنجهاي Shanghai Xinan وهي شركة صينية، على قرار تحكيم من الجنة التحكيم الاقتصادي والتجاري الدولي الصينية China International Economic and Trade Arbitration Commission (CIETAC) ضد شركة Great Wall ، وهي شركة سنغافورية حيث نشأ النزاع عن عقدي تشييد بشرطي تحكيم متطابقين في الصياغة. ولم تشارك شركة Great Wall في إجراءات التحكيم وحصلت Xinan على أمر بالتنفيذ من محكمة سنغافورة، وترتب على ذلك قيام قدمت شركة Great Wall بتقديم طلب الإلغاء أمر التنفيذ إستنادا إلى المادة 31 من قانون سنغافورة للتحكيم الدولي العام International Arbitration Act 1994 IAA)). وكانت أهم حجة إستندت إليها  هي أن إتفاقات التحكيم في باطلة بموجب القانون الصيني (قانون التحكيم واجب التطبيق )، وبالتالي تخضع اللقسم 31 (ب) من قانون سنغافورة التحكيم الدولي الذي ينص على أنه يجوز للمحاكم رفض تنفيذ قرار تحكيم أجنبي إذا أثبت الطرف المنفذ ضده للمحكمة أن إتفاق التحكيم باطل وفقا لقانون التحكيم الذي إتفق الأطراف على تطبيقها أو في حالة عدم وجود إتفاق على ذلك، بموجب قانون البلد الذي صدر فيه قرار التحكيم ".

 وتنص المادة 16 من قانون التحكيم لجمهورية الصين الشعبية على أنه يجب على الأطراف إختيار مؤسسة تحكيم.

 وتنص المادة 18 منه على أنه في حالة عدم إختيار مؤسسة في إتفاق التحكيم الأصلي أو إتفاق تكميلي، يكون إتفاق التحكيم باطة ولاغ .

 وفي القضية المائلة، نصت إتفاقات التحكيم على إحالة النزاع إلى مركز التحكيم الدولي الصيني China International Arbitration Center , ولا توجد مثل هذه المؤسسة على أرض الواقع. وبالتالي جادل Great Wall بأن إتفاقات التحكيم كانت باطلة بموجب القانون الصيني ولا ينبغي تنفيذها في سنغافورة.

 ماذا قررت محكمة سنغافورة في النهاية؟ وجدت المحكمة أن بنود التحكيم أظهرت إتجاه إرادة الطرفين إلى حل نزاعاتهما عن طريق التحكيم في الصين، في المؤسسة التي أطلقوا عليها اسم مركز الصين للتحكيم الدولي China International Arbitration Center".

 وأشارت المحكمة إلى أن الطرفين لم يكونا ليختارا مؤسسة غير موجودة، ولكن يجب أن تكون قد قصدتا إختيار مؤسسة تحكيم قائمة والتي أخطنا في تسميتها. وعليه، كان السؤال المطروح هو ما إذا كانت إتفاقات التحكيم "تدل على نية مشتركة مفادها China International ji CIETAC Arbitration Cente  ستكون تلك مؤسسة التحكيم ، إنتبهت المحكمة إلى أوجه التشابه الوثيق بين الكلمات المستخدمة في شرط التحكيم مركز التحكيم الدولي الصيني China "International Arbitration Center CIETAC (China International puls Economic and Trade Arbitration Commission)، مشيرة إلى أن الكلمتين الأولتين (الصين الدولية china International") متطابقتان، وأن كلمة "التحكيم Arbitration" كانت في الإسمين. ثم نظرت في قائمة من خمس مؤسسات تحكيم رئيسية في الصين قدمها مستشار Great Wall الصيني، من بين مؤسسات التحكيم الأربع الكبرى الأخرى ، تم تسمية ثلاث منها على أسماء المدن بدلا من الدولة. وكانت مؤسسة التحكيم الأخرى تحمل كلمة "البحري" Maritime" في إسمها، وبالتالي من غير المحتمل أن يتم إختيارها من قبل الأطراف المشاركة في نزاعات غير بحرية، كما هو الحال في هذه القضية.

وخلصت المحكمة إلى أن الطرفين إتفقا على أن تكون CIETAC مؤسسة التحكيم. وكررت أن الأمر لا يتعلق باختيار مؤسسة تحکیم غير موجودة، بل يتعلق بإعطاء مؤسسة تحكيم متفق عليها إسما خاطئا وهو الأمر الذي لم يبطل إرادة الأطراف على التحكيم أو إختيارهما للمؤسسة وعلى الرغم من أنه قد صدر من قبل قرار من محكمة صينية، أيدته محكمة الإستئناف هناك في الصين، بطلان إتفاق تحكيم مؤسسي مستندة إلى أن الإشارة إلى مركز التحكيم الدولي الصيني China "International Arbitration Center لم يكن من المقرر قراءتها على أنها تشير إلى CIETAC وبالتالي هذا يعني إتفاق تحكيم مؤسسي ولكن لم يتضمن تسمية أي مؤسسة تحكيم، وبناء عليه قررت المحكمة الصينية إختصاصها بهذه القضية.

 ومع ذلك وفي القضية الماثلة، میزت محكمة سنغافورة القضية هذه عن الأخرى أمام محكمة الصين من خلال الإشارة إلى أنها تضمنت تفسير عقد مختلف بین أطراف مختلفة، وذكرت أنه لا يعني أن أي شرط تحكيم مع هذه الكلمات يعد باط بموجب القانون الصيني، وإذا كانت المحكمة الصينية إنتهت إلى أنه من المستحيل إستنتاج مؤسسة تحكيم محددة impossible to infer a specific arbitration institution من هذا البند في سياق القضية التي عرضت أمامها. إلا أن محكمة سنغافورة قضت بأنها قد قامت بممارسة التفسير التعاقدي في هذه القضية وخلصت إلى أن النية الموضوعية للأطراف هي إحالة النزاعات إلى CIETAC.

تعليق : قد يتنازع في مسألة تفسير إتفاقات التحكيم الغامضة أو المعيبة -من وجهة نظرنا - إتجاهان: إتجاه اول يتبنى " إستثنائية التحكيم" على إعتباره وسيلة تمنع القاضي الطبيعي (قاضي الدولة من الفصل في موضوع المنازعات، وهو اتجاه يميل إليه القضاء العربي غالية وحتى الآن.

 ومن تداعيات ذلك الإتجاه القضائي أنه لن يميل إلى "تفعيل إتفاق التحكيم - وبالتالي التحكيم ذاته - عند وجود ثمة غموض أو شبهة غموض في صحة أو نفاذ إتفاق التحكيم أما الإتجاه الآخر وهو "صديق التحكيم"

والمحافظ على تفعيله طالما أيقن أن إرادة | أطراف النزاع إتجهت إلى التحكيم وهو بديل عن القضاء بصفة عامة. فيقوم هذا الإتجاه بإستخدام اليات تفسير العقود والاتفاقات لينقذ صحته وفعاليته وقبل ذلك إرادة الأطراف، فيكون القضاء حارس "التحكيم وهذا هو دور قاضي الدولة - بصفة عامة - في إحترام إرادة الأطراف سواء من خلال الإلتجاء إليه كوسيلة أصلية لفض النزاع أو من خلال الإلتجاء إليه - عن طريق الإنفاق على وسيلة بديلة كالتحكيم - كمراقب أو مساعد في صحة وفعالية التحكيم كما لا نستطيع أن نضع قاعدة مطلقة في التعامل مع إتفاق التحكيم المؤسسي المعيب محل الدراسة النميل لواحد من الإتجاهين السابقين مطلقا، وإنما لابد أن تنظر في " كل قضية على حدة" بحسب ظروفها وملابساتها ، فلا يصح إتباع النهج "صديق التحكيم" والمنقذ لإرادة الأطراف في إتفاق تحكيم مؤسسي والمركز المتفق عليه غير موجود ولا يمكن إيجاده، كما لا يمكن إتباع النهج القضائي الأول " إستثنائية التحكيم" في إتفاق تحكيم مؤسسي يمكن إصلاحه أو إنقاذه لمجرد خطأ في تسمية يمكن معه إيجاد هذا المركز، سواء بعون من قضاء الدولة أو أطراف التحكيم أو هينة التحكيم أو مركز التحكيم أو بإجتماع بعضهم.

 وعلى أية حال، إن إتفاق التحكيم المؤسسي هو من وجهة نظرنا - عقد مرکب بین أطراف النزاع من جانب، وبين أطراف النزاع ومؤسسة التحكيم من جانب آخر، على تفويض الأخيرة تنظيم وإدارة عملية التحكيم والذي يتضمن تفويضها في إختيار قواعد التحكيم، وفي سلطانها على الأطراف في تحديد بعض المسائل الإجرائية؛ بحيث إذا لم يكن إتفاق التحكيم المؤسسي بهذا التركيب الثنائي، كان الإتفاق على التحكيم باطلا بحسب الأصل. 

وإن المعول عليه في إعتبار التحكيم مؤسسية أو حرة هو إرادة الأطراف، وعليه نرتب النتائج الأتية

 أ- أنه لا يجوز لقضاء الدولة تحويل أو تحوير هذه الصياغات المعيبة في إتفاق التحكيم المؤسسي التي ذكرتها لتصبح بقضاء منشئ منه تحكيمة حرة، لأن في ذلك إعتداء على إرادة الأطراف التي إنصرفت صراحة إلى التحكيم المؤسسي، ولكن التحوير يمكن أن يكون مبنية على إرادة الأطراف بشكل مباشر أو غير مباشر عند إلتجائهم إلى القضاء أو المحكم أو المركز.

 ب- أنه لا يجوز للقضاء أن يحل محل إرادة الأطراف في التحكيم عمومأ إلا بنص صريح أمر متعلق بالنظام العام، ذلك أن تدخل القضاء في التحكيم يكون في حدود وفي المسائل التي ينص عليها قانون التحكيم صراحه وحصرة، ولا يجوز التوسع في تفسيرها أو القياس عليها، وإلا كان التدخل عاصفة بفلسفة التحكيم المبني على إحترام مبدأ حرية إرادة الأطراف.

 ت- وعموما إذا كان تدخل المحكمة وحلولها تماما محل الأطراف في تعيين محكم يكون مبررة، لكن حلولها في تعيين مركز للتحكيم يكون ليس مبررا، أما عن تبرير الأول يكمن في أن تعيين المحكم - في معظم قوانین التحكيم الآن - ليس شرطا من شروط صحة إتفاق التحكيم، ولا يتصور الحديث عن تدخل المحكمة في تحکیم ظاهر البطلان، بينما تحديد مركز التحكيم في التحكيم المؤسسي هو شرط أساسي لصحة إتفاق التحكيم المؤسسي، فلا يكون التحكيم المؤسسي صحيحا إذا لم يكن هناك مرکز تحكيم وقواعد إجرائية تمت الموافقة على تطبيقها، فهو- كما أشرنا آنفا - عقد مركب لا يمكن فصل جزئياته عن بعض.

 ث - وعلى فرض صحة جواز تدخل القضاء، قياسا على تدخله في تعيين المحكم رغم أنه قیاس مع الفارق، فما هو المعيار الذي سيتبعه القضاء في تحديد مركز للتحكيم، مع الوضع في الإعتبار أن غالبية هذه المراكز ليست حكومية في العالم كله، وحتى لو كان المركز حكومية أليس في تدخل المحكمة في تعيين مركز هو نوع من التحكيم الإجباري المقضي بعدم دستوريته ؟!. لذلك فإن تدخل القضاء لعلاج تلك الصياغات المعيبة يكون بأن يترك الطرق التحكيم حرية اختيار المركز أو على الأقل من خلال المساعدة في الكشف عن النية الحقيقية الهم من خلال قراءة إتفاقاتهم.

كما نوصي القضاء العربي عند التعرض لمثل تلك الصياغات، علاوة على إتباع آليات التفسير التعاقدي المناسبة، أن يتبع معيار "عدم التجهيل بمؤسسة التحكيم"، حيث أنه من المقرر في قانون المرافعات قاعدة صحة الإجراءات القضائية لتبلغ نهايتها في تحقيق العدالة الناجزة، وإنه من السياسات التشريعية الإجرائية المتبعة لتحقيق ذلك هو وسيلية الشكلية أو الإجراء"، ومن ذلك مثلا ألا يقضى ببطلان الإجراء التخلف أو نقص في أسماء الخصوم طالما لم يكن هناك تجهيل بالشخصية. وهكذا و من باب أولى في التطبيق في نظام التحكيم، لو كانت صياغة إتفاق التحكيم إشتملت على مجرد خطأ في كتابة إسم مركز "قائم"، وتمكنا من الكشف عن إرادة طرفا التحكيم ونيتهما الحقيقة الواضحة، مع عدم تجهيل بمؤسسة التحكيم، فتفعيل إتفاق التحكيم عندئذ يكون واجبا لأن " إعمال إتفاق التحكيم خير من إهماله".