الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم المؤسسي / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية العدد 20 / التحكيم في نزاعات المؤسسات المالية الإسلامية دراسة فقهية مقارنة مع قانون التحكيم السوري

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية العدد 20
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    215

التفاصيل طباعة نسخ

    استهدفت الدراسة دور التحكيم، كآلية لفض نزاعات المؤسسات المالية الإسلامية، التي مرجعيتها الأساسية أحكام الشريعة الإسلامية، في ظل النظم الوضعية المتجلية بالتشريعات المقننة، وبالقواعد القانونية، والأعراف التجارية السائدة، التي يطبقها القضاء الرسمي. 

   وتم عرض الأدلة على مشروعية التحكيم في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية الشريفة، وفي إجماع الصحابة والتابعين، وفي قرارات وفتاوى المجامع الفقهية، وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، والمزايا التي يتمتع بها التحكيم بشكل عام، وبالنسبة للمؤسسات المالية الإسلامية بوجه خاص. 

   فتم تعريف الصناعة المالية الإسلامية وطبيعة وخصائص هذه الصناعة، التي تستمد من فقه المعاملات الإسلامي، وتوسع هذه الصناعة والعوامل التي ساعدت على نموها وازدهارها، وأهم التحديات التي واجهتها، وبيان أهم الأدوات والصيغ الاستثمارية التي تتعامل بها هذه الصناعة، ودليل مشروعيتها. 

   وطبيعة وأنواع النزاعات التي تنشأ بين المؤسسات المالية الإسلامية فيما بينها، أو بينها وبين أخرى تقليدية، أو بينها وبين عملائها. 

وخلصت إلى:

   إن الإسلام أقر التحكيم، بل حبذه وفضله دون رفع التخاصم إلى القضاء، وسبقت الشريعة الإسلامية القانون الوضعي في كثير من قواعد التحكيم ومميزاته، فالتحكيم لو طبق وخاصة في فض نزاعات المؤسسات المالية الإسلامية، لكان باب خير عظيم حين ينص نظامه على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. إن لصناعة الخدمات المالية الإسلامية، خصائص من حيث الضوابط والممارسة والمصطلحات، تميزها عن الصناعة المالية التقليدية، مما أدى الى بروز الحاجة الى إيجاد آلية لفض النزاعات على أساس الشريعة الإسلامية، وذلك بسبب تعاظم دور المؤسسات المالية الإسلامية. 

    ونعرض لأهم المسائل والمواضيع التي سلط عليها الضوء في هذا البحث:

 مقدمة:

    الإسلام ديناً وأخلاقاً، إضافة إلى كونه نظاماً ودولة، لا يجعل حل المنازعات عن طريق القضاء الحل الأول، بل يجعل حلها عن طريق التراضي، والصلح هو الحل، قال تعالى: (والصلح خير)، أي خير مطلق. 

   وفي السنة روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي (ص) قال: (الصلح جائز بين المسلمين)، وفي رواية: (إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً)، و الحديث واضح الدلالة على مشروعية الصلح.

    فبالإضافة إلى هذه الوسائل الأخلاقية، والقضائية، والاتفاقية فإن الإسلام شرع أمراً آخر يسهل عملية التقاضي ويختصرها، وهي وسيلة التحكيم، وهي وسيلة أولاها الفقه الإسلامي عناية قصوى، فنظمها تنظيماً جيداً، ووضع لها ضوابطاً وقواعد.

    وقوله تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}. 

   وقوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}. 

   وبرزت الحاجة في السنوات الأخيرة، إلى فض النزاعات الخاصة بالمعاملات التجارية عموماً والمتعلقة بالصناعة المالية الإسلامية خصوصاً، إلى إيجاد آليات تعتمد على الشريعة الإسلامية، في فض نزاعاتها، وذلك لتعاظم دور المؤسسات المالية الإسلامية على الساحة الدولية، وعدم قدرة القوانين الوضعية على استيعاب بعض خصائص العمل المصرفي الإسلامي، وتكمن أهمية الموضوع أنه في ظلال الانتشار الكبير للاستثمارات المالية الإسلامية في العالم والتي تستقي مبادئها وتطبيقاتها من الشريعة الإسلامية – بالرغم من كثرة عددها وقوة وزنها المالي تندرج المؤسسات المالية الإسلامية تحت أنظمة قانونية وضعية متعددة، وضعت الأساس لتنظيم أعمال البنوك التقليدية، حيث ما تخشاه هذه الاستثمارات، عند وجود منازعات هو البعد القضائي والتحكيمي، حيث عند اختيار التحكيم وسيلة لحل النزاع، يمكن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية- قانون واجب التطبيق- والتي يجب أن تعتبر قواعد قانونية قابلة للتطبيق، أسوة بالقواعد والأعراف السائدة المطبقة دوليا، وليست تعاليم دينية سماوية، غير قابلة للتطبيق في حل النزاعات، ومن أهداف البحث:

    1- بيان أهمية التحكيم كقضاء مواز لفض النزاعات، من خلال دراسة مقارنة بين قواعد الشريعة الإسلامية، وقانون التحكيم السوري رقم/4/ لعام 2008.

     2- بيان أسباب اللجوء الى التحكيم في فض نزاعات المؤسسات المالية الإسلامية.

    3- تعميق الوعي في معرفة دور التحكيم في فض نزاعات المؤسسات المالية الإسلامية، وذلك للجوء إليه لإمكانية اختيار مبادئ الشريعة الإسلامية كقانون واجب التطبيق على ء النزاع بدلاً من القانون الوضعي.

 4- اختيار المحكم المتخصص في ماهية كل نزاع.

  5 - إغناء المكتبات العلمية، ليستفيد منها الباحثون وطلاب العلم. 

- ومن أسباب اختيار البحث:

 1- تنامي العمليات المصرفية الإسلامية، وحدوث النزاعات في المؤسسات الماليـة الإسلامية واللجوء الى التحكيم لفض هذه النزعات وفق مبادئ الشريعة الإسلامية.

 2- لتبيان أن قواعد الشريعة الإسلامية، هي قواعد قانونية تستوعب أغلبية المعاملات المالية التي تجريها المؤسسات المالية الإسلامية، والتي يمكن تطبيقها لفض النزاعات الناتجة من معاملاتها. 

   فتم تقسيم هذا البحث إلى تمهيد، ثم خمسة فصول، تناولت بالفصل الأول: مفهوم التحكيم تم التعرف الى طبيعة التحكيم، وتم التطرق الى مشروعية التحكيم في القرآن الكريم وفي السنة النبوية والإجماع، ثم تمت المقارنة بين مزايا وعيوب التحكيم، وتناولنا الوسائل البديلة لفض النزاعات.

  وفي الفصل الثاني: بحثنا في مفهوم الصناعة المالية الإسلامية، فتم تعريف الصناعة المالية الإسلامية ودرسنا طبيعتها وخصائصها، ونشأة وتوسع وانتشار تلك المؤسسات، والمشكلات والتحديات التي تواجه الصناعة المالية الإسلامية، وتناولنا شرعية عمل المؤسسات المالية الإسلامية، وتم تحديد الأدوات الاستثمارية الإسلامية، وعرضنا أدلة مشروعية الأدوات الاستثمارية الإسلامية.

 الفصل الثالث: تم فيه دراسة اتفاق التحكيم بين الشريعة والقانون، وشروط اتفاق التحكيم والمسائل التي لا يجوز فيها التحكيم قانوناً وشرعاً، وتناول عناصر اتفاق التحكيم، وأثار اتفاق التحكيم، وتم تعريف المحكم، والشروط والصفات التي يجب أن يتحلى بها ومسؤوليته وحصانته. 

 وبالفصل الرابع: نتطرق للتحكيم في نزاعات المؤسسات المالية الإسلامية، فبحثنا في طبيعة وأنواع النزاعات التي تنشب بين المؤسسات المالية الإسلامية، وبينها وبين الغير، وحالات اللجوء إلى التحكيم، وتم التعليق على سوابق تحكيمية، في بعض عقود التمويل الإسلامية، عقد المرابحة وعقد المضاربة.

 وبالفصل الخامس: تم البحث في إجراءات التحكيم وإصدار حكم التحكيم، بحثنا في تشكيل هيئة التحكيم، ودرسنا تعيين المحكم ورده وعزله، وإجراءات سير خصومة التحكيم، وحالات وقف وانتهاء إجراءات التحكيم، وتم تبيان الأحكام التي تصدرها هيئة التحكيم، تم تناول الأحكام التي تصدرها الهيئة أثناء سير إجراءات التحكيم، وفي المطلب الثاني: تم تناول الأحكام النهائية، وتنفيذ حكم التحكيم، وأسباب بطلان حكم التحكيم.

 تعريف التحكيم:

 (لغة): التحكيم في اللغة هو تفويض الأمر وجعله إلى الغير ليحكم.

 قال ابن منظور”: وحكموه بينهم، أمروه أن يحكم، ويقال: حكمنا فلانا فيما بيننا أي أجزنا حكمه بيننا.

 (اصطلاحاً): في الاصطلاح: لا يخرج عن المعنى اللغوي، فالتحكيم في اصطلاح الفقهاء، هو تراضي الخصمان بواحد من الرعية، والترافع إليه ليحكم بينهما.

   وقد تكررت هذه اللفظة بصيغ مختلفة، ووردت بصيغة يحكموك، في قوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم . 

   كما وردت بصيغة يحكمونك في قوله تعالى: {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله}.

عرفه العلماء بأنه "تولية خصمين حكماً يحكم بينهما"

  وقد عرف مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة في قراره رقم (91/8/9) التحكيم كالتالي: التحكيم اتفاق طرفي خصومة معينة، على تولية من يفصل في منازعة بينهما، بحكم ملزم، يطبق التشريع، وهو مشروع سواء أكان بين الأفراد، أم في مجال المنازعات الدولية.

    "وعرفه المعيار الشرعي رقم /32/ الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية على أنه: (اتفاق طرفين أو أكثر على تولية من يفصل في منازعة بينهم بحكم ملزم)" الفقرة 1/ من المادة الثانية.

- (قانوناً):

 التحكيم: أسلوب اتفاقي قانوني لحل النزاع بدلاً من القضاء، سواء أكانت الجهة التي ستتولى إجراءات التحكيم بمقتضى اتفاق الطرفين، منظمة أو مركزاً دائماً للتحكيم، أم لم تكن كذلك

   التحكيم: يقصد به اتفاق الأطراف في المنازعات ذات الطبيعة المدنية، على إحالة ما ينشأ بينهم من نزاع، بخصوص تنفيذ عقد معين، أو على إحالة أي نزاع قائم بينهم، ليحل عن طريق هيئات أو أفراد، يتم اختيارهم بإرادتهم واتفاقهم.

    وعرفته مجلة الأحكام العدلية في المادة /1790/ ونصها: (التحكيم هو عبارة عن اتخاذ الخصمين آخر حاكماً برضاهما لفصل خصومتهما، ودعواهما).

 - طبيعة التحكيم: 

    الطبيعة الحقوقية للتحكيم تتجلى بأنه ذو طبيعة مختلطة، فهو ذو طبيعة عقدية تنشأ بإتفاق إرادة الخصوم على اللجوء إلى التحكيم عند إبرام اتفاق التحكيم، وذو طبيعة قضائية، حيث أن المحكم بمجرد تسميته، يصبح كالقاضي من حيث الصلاحيات والحصانة، والرقابة ودور المحكمة المختصة في العملية التحكيمية.

    واختلف فقهاء المسلمين في تكييف نظام التحكيم وطبيعته، فمنهم رأى أنه ذو طبيعة تعاقدية، ووصفه بالوكالة، ومنهم وصفه بأنه قضاء، ومنهم من رأى أنه ذو طبيعة مختلطة فقيام التحكيم على عقد وانتهاؤه بحكم أدى إلى اختلاف الرأي حول طبيعة التحكيم. 

   فذهب البعض من فقهاء المالكية والزيدية15، إلى أن نظام التحكيم له طبيعة تعاقدية، فهو من باب الوكالة.

- أنواع التحكيم:

 إن للتحكيم عدة أنواع وفقاً لما يلي:

 أ- وفقاً للإرادة في إنشائه:

   1- تحكيم اختياري: هو التحكيم الذي يكون مصدره اتفاق التحكيم.

  2- تحكيـم إجبـاري: هو التحكيم الذي يجبر فيه الأشخاص قانونـا علـى اللجـوء الـى التحكيم.

 ب- وفقاً لطريقة اختيار المحكم وإجراءات التحكيم :

1- تحكيم حر: هو التحكيم الذي يتم فيه اختيار المحكمين مباشرة من قبل الخصوم، في اتفاق التحكيم، ويحددون المواعيد والمهل والقانون الواجب التطبيق من حيث الموضوع والاجراء.

 2- تحكيم مؤسسي: هو التحكيم الذي يتم فيه اختيار المحكمين بواسطة هيئة أو منظمة، من خلال إحالة الأمر إليها من قبل الخصوم في اتفاق التحكيم، وتتم الإجراءات وفق قواعد هذه المؤسسة.

 ج- وفقاً لسلطة المحكم:

 1- تحكيم بالقانون (مقيد): عندما يكون المحكم ملزماً بتطبيق قواعد القانون الموضوعي (القانون المدني السوري).

 2- تحكيم بالصلح (مطلق): عندما يكون المحكم غير ملزم بتطبيق قواعد أي قانون موضوعي على النزاع، إنما يفصل في النزاع وفق قواعد العدالة والإنصاف.

 د- وفقاً لمكان صدوره:

 1- تحكيم وطني: عندما تكون كافة عناصره وطنية من (أطراف- المكان- إجراءات التحكيم أو تنفيذه – القانون).

2- تحكيم أجنبي: عندما يكون أحد عناصره غير وطني من (أطراف – المكان- إجراءات التحكيم أو تنفيذه- القانون).

3- التحكيم الدولي الخاص: هو التحكيم الذي ينصب على علاقات تجارية تكون بين أشخاص منتمين لدول مختلفة (تجارة دولية).

4- التحكيم الدولي العام: هو التحكيم الذي ينصب على المنازعات بين الدول أو المنظمات أو الهيئات الدولية. 

- مشروعية التحكيم:

    حين نتحدث عن الصلح والتحكيم، فنحن نتحدث عن أمرين سبقتهما الشريعة بمئات السنين، وتكلم عنهما الفقهاء منذ القدم، فوضعوا لهما الضوابط والشروط استنتاجا من آيات الله العظيمة، وأقوال رسوله الكريم (ص). 

    وقد شمل التحكيم في القرآن الكريم الجوانب الأسرية، وجزاء الصيد، وقد طبقته السنة النبوية في مجال الأسرة، والمال، والحرب، وأما تطبيقات الصحابة الكرام فقد شملت مختلف القضايا السياسية والمالية، والقضايا الكبرى، ومن هنا فدائرة التحكيم في الفقه الإسلامي واسعة جداً، بحيث يمكن اللجوء إليها في المسائل المالية والاقتصادية والاجتماعية والدستورية والسياسة الشرعية، ونحوها إلا في الحدود واللعان، ونحوهما مما هو من حقوق الله تعالى (الحق العام) كما سيأتي، ومن هنا فالتحكيم في الفقه الإسلامي، يسع كل الأنواع والتسميات المعاصرة للتحكيم. 

- مشروعية التحكيم في القرآن الكريم والسنة النبوية:

 1- في القرآن الكريم:

    لقد دل على مشروعية التحكيم في القرآن، قوله تعالى: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما}، وهذه الآية دليل على إثبات التحكيم ومشروعيته، لحل ما ينشأ بين الزوجين من خلاف، ولما جاز التحكيم في حق الزوجين، دل ذلك على جواز التحكيم في سائر الخصومات والدعاوى.

 2- في السنة النبوية:

     فهناك من السنة النبوية الشريفة، القولية والفعلية، ما يكفي للبرهنة على هذه المشروعية، ومن الأدلة على مشروعية التحكيم، أن النبي (ص) عندما وفد قوم أبي شريح، وسمعهم يكنونه أبا الحكم، فدعاه فقال له رسول الله: إن الله هو الحكم وإليه الحكم، فلم تكنى أبا الحكم؟ فقال: إنّ قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين، قال: ما أحسن هذا فما لك من الولـد؟ قـال: لـي شريـح وعبد الله ومسلم، قال: فمن أكبرهم؟ (قال: شريح، قال: فأنت أبو شريح، فدعا له ولولده).

   وورد في الصحاح أن النبي (ص) قبل تحكيم سعد بن معاذ فيما بين المسلمين وبني قريظة، وأنه أنفذ حكم سعد فيهم، وقال له: ((لقد حكمت فيهم بحكم الملك)).

 - مشروعية التحكيم في الإجماع:

   1- أعمال الصحابة:

    الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على جواز التحكيم، لأنه وقع لجمع من الصحابة في مواقع وقصص كثيرة، ولم ينكر مع اشتهاره فكان إجماعاً. 

   فعن أبي ملكية رحمه الله تعالى (أن عثمان(ر) ابتاع من طلحة بن عبيد الله (ر)، أرضاً له بالكوفة، فلما تبايعا ندم عثمان، ثم قال بايعتك ما لم أره، فقال طلحة: إنما النظر لي، إنما ابتعت مغيباً، وأما أنت فقد رأيت ابتعت، فجعلا بينهما حكماً، فحكما جبير بن مطعم رضي عنه الله تعالى، فقضى على عثمان أن البيع جائز، وأن النظر لطلحة أنه ابتاع مغيباً). 

   وحين اشتد القتال في موقعة (صفين) بين جيش علي بن أبي طالب، وجيش معاوية بن أبي سفيان، تم التراضي على تحكيم أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص، وكتب عقد التحكيم، وأعلنت الهدنة ، والتي حملت إلينا ما يشبه إجماع الصحابة في العصر الذي وقعت فيه، على مشروعية التحكيم، ويعتبر أول اتفاق تحكيم مكتوب في الإسلام.

   2- فتاوى المجامع الفقهية:

   إن مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة أصدر القرار رقم: 91 (9/8) [1] بشأن مبدأ التحكيم في الفقه الإسلامي 1415هـ، الموافق 1-6 نيسان (إبريل) 1995م، 

3- المعيار الشرعي رقم/32/ الصادر بخصوص التحكيم:

    المعيار الشرعي رقم /32/ الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بشأن التحكيم: ويهدف هذا المعيار إلى بيان المراد بالتحكيم وشروطه ومجاله وصفات المحكمين وصك التحكيم وقراره، وطرق التحكيم وتنفيذه، وتطبيقاته لدى المؤسسات المالية الإسلامية (المؤسسة / المؤسسات). 

- مزايا التحكيم بالنسبة للمؤسسات المالية الإسلامية:

   1- أصبح الإحتكام للشريعة الإسلامية أمراً واقعاً، سواء من خلال الدراسات القانونية الأكاديمية التي ترى في الشريعة منهجاً عادلاً لفض النزاعات، أو من قناعة رجال الأعمال، بمرونة، وعدالة، وإنصاف قواعد الشريعة الإسلامية، وذلك لقدرة الشريعة الإسلامية على تحقيق التوازن في الحقوق والواجبات، وتشبثها بمبدأ العدل، والإنصاف كأمر ثابت، وهو مبتغى كل الجهات العاملة في الحقل المالي.

 2- بعد أكثر من ثلاثين سنة من ممارسة الصناعة المالية الإسلامية عموماً، والعمل المصرفي الإسلامي المنظم خصوصاً، وبعد صدور مئات الفتاوى في مجالات شتى من فقه المعاملات، توافرت في الوقت نفسه طاقات متمرسة في استيعاب القضايا المصرفية المعاصرة، واقتراح الحلول الشرعية المناسبة لها.

 3- برزت الحاجة في السنوات الأخيرة، إلى فض النزاعات الخاصة بالمعاملات التجارية عموماً، والمالية خصوصاً، إلى إيجاد آليات تعتمد على الشريعة الإسلامية، وذلك لتعاظم دور المؤسسات المالية الإسلامية على الساحة الدولية، وعدم مواكبة القوانين الوضعية لإستيعاب بعض خصائص العمل المصرفي الإسلامي.

 4- تجدر الإشارة بأنه قد صدرت في السنوات الأخيرة عن المحاكم البريطانية، وغيرها من المحاكم، بعض الأحكام تميزت بعدم الدقة في توصيفها للمعاملات المالية الإسلامية، وهذه الأحكام بالرغم من عدم دقتها، فإنها ستشكل مراجعاً وسوابقاً قد تؤثر في فقه القضاء في السنوات المقبلة، ما دعا الى إيجاد بدائل، عملية تأخذ بعين الاعتبار خصائص فقه المعاملات، وتستجيب للطلب المتزايد على الخدمات المالية الإسلامية عبر العالم.

    مزايا التحكيم بالنسبة للمؤسسات المالية التي تحتكم لنظم ولوائح المركز الإسلامي الدولي مصالحة والتحكيم في دبي، إضافة إلى المزايا المذكورة أعلاه، إن احتكام المؤسسات المالية سلامية أمام مركز متخصص له مزايا نوعية:

   أ- مطابقة قرارات هيئة التحكيم لأحكام الشريعة الإسلامية، وذلك بصدور أحكام مطابقة للشريعة الإسلامية، من متخصصين في المعاملات المالية الإسلامية بشقيها الفني والشرعي. 

   ب- قطع الطريق على المماطلين: الأصل إن تكون المؤسسات المالية الإسلامية، أحرص من غيرها من المؤسسات المالية، على اختيار التحكيم، كصيغة لفض النزاعات، لأن الضرر عليها أكبر من المؤسسات التقليدية.

   فالمؤسسات المالية الإسلامية التي يحرم عليها تقاضي غرامات التأخير، تعويضاً عن فرص الاستثمار التي ضاعت بسبب التأخير، تحتاج إلى صدور حكم في وقت وجيز لإسترجاع حقوقها، وهذه الوظيفة يؤديها مركز التحكيم.

    أما المؤسسات المالية التقليدية التي تتقاضی غرامات تأخير، فسرعة بت القضايا ليست لها أهمية بنفس الدرجة، لأن في غرامات التأخير، بالنسبة للمؤسسات المالية التقليدية تعويضاً ولو جزئياً. 

  ت- مدى قدرة المحاكم على معالجة المسائل المستجدة في مجال المعاملات المالية: أثبتت بعض المحاكم التي نظرت في قضايا تخص المعاملات المالية الإسلامية، عدم قدرتها على فهم طبيعة، وأبعاد المعاملات المالية الإسلامية، ونعني هنا المحاكم البريطانية، التي تعرض عليها سنويا نسبة كبيرة من القضايا، ومن أمثلة ذلك مبادرة إحدى المحاكم البريطانية إلى "تعيين خبيرين، لإبداء الرأي حول الصيغة القانونية لعقد المرابحة والشروط الابتدائية التي يجب أن تتوافر فيه"، وتعليقاً على تعيين خبراء للإدلاء برأيهم في مسألة فقهية/قانونية، نرى أن لجوء التحكيم إلى الخبرة، أمر استثنائي وفي مسائل فنية لا يدركها إلا أهل الاختصاص الدقيق، لأن مقياس اختيار المحكمين يشمل خبرتهم العلمية والعملية، أما أن يتم تعيين خبير في مسألة فقهية صدرت بشأنها فتاوى منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، فهو اختيار غير موفق، لأن فيه مضيعة للوقت، وكلفة إضافية غير مبررة.

 ج- الإلمام بالجوانب الشرعية للمعاملة موضوع النزاع: إن الإلمام بالجوانب الشرعية، من المسائل التي يجب توافرها في المحكم، الذي ينظر في قضايا لها علاقة بفقه المعاملات، من المسائل المهمة، وقد لاحظنا في بعض الأحكام الصادرة عن المحاكم البريطانية، التي نظرت في قضايا لها علاقة بالصناعة المالية الإسلامية، سوء فهم لأحكام فقه المعاملات، ما أدى في كثير من الأحيان، إلى الحكم بصحة المعاملة من الناحية القانونية، رغم بطلانها من الناحية الشرعية، أو إلى إعادة تكييفها، لتستجيب لقوالب القانون الوضعي البريطاني، بالرغم من صحتها من الناحية الشرعية.

 ح- التقيد المطلق بالشروط: تقيد المحكمين المطلق بتطبيق أحكام الشريعة، كما هو منصوص عليه في بند التحكيم، لأن المحكم يستمد نفوذه من اتفاق التحكيم، أما المحاكم فحتى مع وجود النص على تطبيق أحكام الشريعة، فقد لا تتقيد بهذا البند. ومن أمثلة ذلك ما ذهبت إليه المحاكم البريطانية، من استبعاد تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، بل طبقت قوانين دولة مقر البنك، الذي لم تتضمن مجلته التجارية ما ينظم المنتجات المالية الإسلامية، وكانت النتيجة تطبيق القانون الوضعي، سواء كان قانون دولة مقر البند، أو القانون البريطاني.

 خ- عدم تأثر المحكم بالمحيط القانوني: المحكم لا سلطان عليه ولا خلفية له إلا التقيد بإتفاقية التحكيم، خوفاً من تعرض حكمه للبطلان، أما المحاكم فهي عادة ما تكون حريصة على عدم التناقض في إصدار أحكامها، ومن أمثلة ذلك إذا كان القانون يأخذ بمبدأ الفائدة أخذا وعطاء، فيتوقع أن يلتزم القاضي بشرط تطبيق أحكام الشريعة، المنصوص عليها في العقد، وهذا ما يفسر الاجتهاد أحيانا في استبعاد أحكام الشريعة، وذلك بالإستناد إلى إعادة التكييف حتى تنصهر في منظومة القانون الوضعي، أو الاحتجاج بالعرف، أو بالنظام العام. 

ر-التأثير على التصنيف: وجود نزاعات عالقة أمام المحاكم لفترة طويلة، دون بتها يؤثر سلبا على برنامج المؤسسات المالية الإسلامية، في استقطاب موارد إضافية عن طريق الصكوك، فبت المعاملة في فترة وجيزة، يؤدي إلى إغلاق ملف النزاع بصفة نهائية، ويعطي المؤسسة المالية الإسلامية، آفاقاً أوسع مما لو كانت مكبلة بحجم كبير من النزاعات العالقة أمام المحاكم.

 ز- التحكيم وجه من أوجه العدالة الصلحية: في المؤسسات المالية الإسلامية، يجب أن لا تكون الخصومة قطيعة بين المؤسستين المتنازعتين، وإنه خلاف عابر يتم طيه بعد صدور الحكم، ليستأنف التعامل إن لم يكن قد استأنف من قبل، وهذا المناخ يوفره التحكيم بسرعته وسريته وثقة أطراف النزاع في المحكمين، وفي المركز الذي يدير التحكيم. 

تعريف الصناعة المالية الإسلامية: 

   تتمثل الصناعة المالية الإسلامية (بشركات الإجارة، والمضاربة، وتشمل شركات التخصيم والمؤسسات المالية الإسلامية المتمثلة بالمصارف الإسلامية، وشركات التمويل والاستثمار وشركات التأمين التكافلي، وشركات التمويل الإسلامي متناهي الصغر).

   وظهر حديثاً ما يعرف بالهندسة المالية الإسلامية وهي: "مجموعة الأنشطة التي تتضمن عمليات التصميم والتطوير والتنفيذ، لكل من الأدوات والعمليات المالية المبتكرة، إضافة إلى صياغة حلول إبداعية لمشاكل التمويل وكل ذلك في إطار توجيهات (الشرع الإسلامي)". 

- طبيعة الصناعة المالية الإسلامية: 

   يستمد العمل المصرفي الإسلامي طبيعته وأحكامه وأدواته من فقه المعاملات الإسلامي، وبما أن فقه المعاملات المالية يتضمن أحكام المشاركات مثل المضاربة، والشركة، والمزارعة، والمساقاة، ويتضمن أحكام البيوع التي تتضمن الأجل، من بيع السلم، والاستصناع، والبيع المؤجل الثمن، كما يتضمن أحكام الإيجارات بأشكالها وأنواعها، إضافة إلى القرض والهبة والوصية، فإن التمويل الإسلامي يقوم على هذه المرتكزات الفقهية ذاتها، مع ما تحتاج اليه من تطوير وإعادة صياغة عند الحاجة وفق اجتهاد فردي أو جماعي. . 

ومن الخصائص التي يتميز بها العمل المصرفي الإسلامي: 

 1- تنوع أدواته فمنها: المرابحة، والإجارة، والسلم، والاستصناع، والمشاركات، والمضاربة الشرعية، وغيرها من الصيغ، خلافاً للاستثمار المصرفي التقليدي المنحصر في الإقراض، وتبعاً لتنوع الصيغ يفترض أن تتنوع علاقة المصرف الإسلامي بعملائه. 2- الأخذ بمبدأ المشاركة في الربح والخسارة: استناداً إلى قاعدة "الخراج بالضمان"، أو "الغنم بالغرم"، بدلاً من القيام على عنصر الفائدة الربوية القائم أساساً على الاقتراض أو الإقراض، كما في التمويل الربوي. 

3- استبعاد المعاملات الربوية: فقد حرم الإسلام الربا، بنصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والإجماع، مؤكداً بذلك مواقف الشرائع السماوية السابقة، وحرم كلّ الوسائل المؤدية إليه، خصوصاً ما كان منها بسبيل التحيل. 

4- الكفاءة والمرونة: فهو عمل كفوء، لأن مصدره الوحي، والاجتهاد فيه مطلوب شرعاً، ومستمر في كل زمان.

5- الاطمئنان في التعامل: فإن التعامل مع المصارف التي تمول وتستثمر بالطرق المشروعة، البعيدة عن أساليب الاستغلال والخداع والمعاملات المحرمة، تطمئن إليه نفوس المسلمين، افرادا كانوا أم مؤسسات.

6- الرقابة الشرعية لعمله: إذ المفترض في المنشآت المالية الإسلامية عامة والتمويلية خاصة أن تستقي مبادئها وتطبيقاتها من الشريعة الإسلامية، ولكي يطمئن المساهمون فيها والمتعاملون معها إلى التزامها بأحكام هذه الشريعة لا بد من وجود هيئة للرقابة الشرعية فيها، وهذا ما تتميز به المصارف الإسلامية في مجال الرقابة عن غيرها من البنوك. 

- توسع المؤسسات المالية الإسلامية:

    شهدت سبعينيات القرن العشرين إنشاء المؤسسات المالية الإسلامية، نظراً للدخول الكبيرة التي تحققت في بعض الدول الإسلامية نتيجة ارتفاع أسعار البترول، خصوصاً مع وجود إقبال ملموس من المؤسسات المالية الدولية للتعامل مع هذه المؤسسات الوليدة. 

   وقد تم إنشاء بنك دبي الإسلامي عام 1975، والذي يعتبر أول تجربة للبنوك الإسلامية التجارية، كما تم تأسيس بنك فيصل الإسلامي، وكذلك بيت التمويل الكويتي عام 1977، وتلا ذلك تأسيس البنوك والمؤسسات الإسلامية في سائر الدول.

   كما أن دولة الإمارات كانت أول من سن قانوناً خاصاً بالبنوك الإسلامية عام 1985، وبلغة الأرقام والإحصاءات يشير أحد التقارير الاقتصادية الى أن 80% من المتعاملين في الصيرفة الإسلامية حول العالم هم من غير المسلمين، ولا بد من التوقف كثيراً عند دلالات هذا الرقم. 

   فالصناعة المالية الإسلامية بشكل عام، تعتبر نسبياً حديثة فعمرها لا يتجاوز 35 عاماً، وبدأت الآن تدخل في أوروبا وأمريكا، وتجاوزت الأصول الإسلامية التريليون دولار على مستوى العالم، وهي مرشحة للزيادة، ومنطقة الخليج تقود الصيرفة الإسلامية في المنطقة العربية كون الثقل المالي وعدد المؤسسات في منطقة الخليج هو الأكبر في العالم، وهناك أكثر من 400 مؤسسة مالية إسلامية على مستوى العالم ما بين بنوك وشركات تأمين وشركات تأجير وصناديق والخليج يحتل نصفها. 

   وهنا ينبغي الإشارة إلى ماليزيا التي أصبحت مقراً مهماً للصيرفة الإسلامية بحكم ثقلها الاقتصادي. 

   وأن الصيرفة الإسلامية جاءت لتلبي رغبات المسلمين في تعامل بنكي آمن من الربا وأخذت في الانتشار والتوسع السريع.

 - العوامل التي ساعدت على انتشار وتوسع المؤسسات المالية الإسلامية:

  1- العمل المالي الإسلامي المستند إلى مفهوم إباحة كل أنواع التجارة الحلال، حيث أن الأصل في المعاملات الحل إلا ما ورد في الشرع بتحريمه.

  2- النمو الكبير الذي أظهرته مؤشرات العمل المالي الإسلامي، كان بمنزلة الدافع القوي نحو قيام الكثير بتأسيس المؤسسات المالية الإسلامية أو تحويل أنشطة مؤسساتهم للعمل وفق الشريعة الإسلامية. 

 3- إدراك المؤسسات المالية العالمية النمو الهائل للمؤسسات المالية الإسلامية، جعلها تسعى للتعاون الاقتصادي مع تلك المؤسسات، وإعداد البيئة القانونية المناسبة لها، وتعديل تشريعاتها بما يناسب المعاملات المالية الإسلامية.

- أدلة مشروعية الأدوات الاستثمارية الإسلامية:

 1- دليل مشروعية: (بيع الأجل):

  استدل فقهاء الشريعة الإسلامية في جواز بيع الأجل قوله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا) ، فشمل ما بيع بثمن حال وما بيع بثمن مؤجل، وما أجمعت الأمة على جواز بيع الأجل إذا كان الأجل معلوماً.

2- دليل مشروعية: (بيع المرابحة):

   تتضح مشروعية المرابحة من قوله تعالى: "ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم"، ذلك أن المرابحة تمثل ابتغاء للفضل أي الزيادة كما أنها تدخل في عموم عقود البيع المشروع.

 3- دليل مشروعية: (بيع السلم):

   استدل الفقهاء بمشروعية بيع السلم، بقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمی فاکتبوه والسلم هو نوع من الديون لأن المسلم فيه ثابت في الذمة إلى أجل معين، فتدخل إباحته تحت عموم هذه الآية الكريمة. وقول الرسول (ص): "من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم 3" رواه البخاري في صحيحه.

 4- دليل مشروعية: (بيـع الاستصنـاع):

 أجاز مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي عقد بيع الاستصناع حيث جاء أجاز في قراره ما يلي: 

1- عقد الاستصناع ملزم للمؤسسة المالية الإسلامية، والعميل إذا توافرت فيه أركان الشروط المحددة مسبقا من حيث المواصفات ومواعيد التسليم. 

2- يشترط فيه بيان جنس السلعة المطلوبة من قبل العميل. 

يجوز في عقد الاستصناع تأجيل الثمن كله أو تقسيطه.

 5- دليل مشروعية: (الإجارة التشغيلية): 

   الأدلة المتفق عليها عند الفقهاء في مشروعية الإجارة التشغيلية، قوله تعالى "فان أرضعن لكم فأتوهن أجورهن" وقوله عز وجل "قالت أحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين"، وكذا قول الرسول الكريم(ص)، قال: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه"35 أخرجه ابن ماجة في سننه. 

6- دليل مشروعية: الإجارة التمليكية ( الإجارة المنتهية بالتمليك): 

   وقد جـاء فـي الفتوى الصادرة عـن الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويـل الكويتي (1981م) بشأن التأجير المنتهي بالتمليك، بأنه إذا وقع التعاقد بين مالك ومستأجر على أن ينتفع المستأجر بمحل العقد بأجرة محددة بأقساط موزعة على مدة معلومة على أن ينتهي هذا العقد بملك المستأجر للمحل، فإن هذا العقد يصح إذا روعي فيه ما يأتي:

    أ- ضبط مدة الإجارة، وتطبيق أحكامها طيلة تلك المدة. 

   ب- تحديد مبلغ كل قسط من أقساط الأجرة. 

   ج- نقل الملكية إلى المستأجر في نهاية المدة بواسطة هبتها إليه، تنفيذا لوعد سابق بذلك بين المالك والمستأجر. 

7- دليل مشروعية: (المشاركة الدائمة):

 تتضح مشروعية المشاركة في قوله تعالى: "فهم شركاء في الثلث".

 8- دليل مشروعيـة: (المضاربـة): 

   ورد في الكتاب الكريم آيات تدل على جواز المضاربة، منها قوله تعالى "وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله"، كما ثبت في سيرة النبي (ص)، أنه سافر قبل النبوة إلى الشام مضارباً بمال خديجة رضي الله عنها.

- المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم:

    من 

   على أنه إذا طرق الحكم والمحتكمون موضوعاً لا يجوز التحكيم فيه، فقضى الحكم فيما ليس شأنه، فإن حكمه لا ينفذ في رأي الجمهور، بينما يرى المالكية أنه إذا قضى فيما لا يجوز له الحكم فيه، فإن حكمه يمضي إن كان صواباً، وليس لأحد الخصمين أو الحاكم نقضه، وإن خالف رأيه، لأن حكم المحتكم إليه يرفع الخلاف عندهم، وإن كان حكمه خطأ وترتب عليه إتلاف عضو، فالدية على عاقلته، وإن ترتب عليه إتلاف مال كان الضمان عليه في ماله ،وفي ذلك يقول ابن فرحون في التبصرة: (وحيث قلنا لا يحكم في هذه المسائل، فلو حكم فيها بغير الجور نفذ حكمه، وينهى عن العود لمثله، ولو أقام ذلك بنفسه فقتل أو اقتص أو ضرب الحد، أدب وزجر، ومضى ما كان صواباً من حكمه، وصار المحدود بالقذف محدوداً، والتلاعن ماضياً).

    ولا ريب أن رأي الجمهور في عدم نفاذ الحكم الصادر في موضوع محظور على التحكيم، هو الرأي الأولى بالإتباع لقوة سنده، وهو ما اختارته أغلب نظم التحكيم العربية والإسلامية، أما عن معيار المنع، فقد اختار كثير منها في أنظمتها الحديثة أن يجعل هذا المعيار هو: أن يكون الموضوع من المسائل التي لا يجوز فيها الصلح.

  - إن حقوق الله تعالى لا يصح فيها التحكيم سواء أكانت حقوقا خالصة كالحد في السرقة أو الزنا أو الشرب، وكذلك إذا كانت تجمع بين الحقين، وحق الله غالب كحد القذف، وذلك لأن هذه الحقوق ليس لها مطالب معينة من الأفراد، ولا مدخل للصلح فيها بينهم، وهي لا تسقط بإسقاطهم ولا تقبل المعاوضة عليها بالمال، ومن ثم فإن المتعين لإستيفائها هو الإمام أو نائبه ممن له ولاية عامة، وإذا كان الأفراد محرومين من هذه الولاية، فإنهم لا يملكون تفويض المحتكم إليه فيها، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

    ومثل حقوق الله في ذلك، حقوق المحتكمين إذا تعلق بها حق لغيرهم، كاللعان فإنه يتعلق به حق الولد في نفي النسب، وهو غير المحتكمين، ولا ولاية للحكم عليه. 

   وكذلك الحكم إذا حظر ولي الأمر التحكيم في شأن من الشؤون، فإنه لا يصح التحكيم فيه، لأن حظر ولي الأمر داخل في سلطته، إذ هو نوع من تنظيم التحكيم الذي يملكه ما دام لم يحظر نظر المنازعة حظراً مطلقاً، وإنما حظرها على التحكيم لينظرها القضاء بما يتمتع به من ضمانات أوفى. 

   هذا ما تمليه القواعد الكلية في تحديد ما يصح أن يكون موضوعاً للتحكيم الرضائي، وهو لا يكاد يختلف كثيرا عما خلص إليه رأي جمهور العلماء في الفقه الإسلامي: فهؤلاء يمنعون التحكيم في الحدود والقصاص واللعان.

 يقول السرخسي من الحنفية: (وليس ينبغي للمحكم أن يقضي في إقامة حد أو تلاعن بين زوجين، لأن اصطلاح الخصمين على ذلك غير معتبر، وما يحكم به بمنزلة اصطلاح الخصمين عليه .

    وقد لخص الماوردي رأي الشافعية في موضوع التحكيم فقسم آراءهم إلى ثلاثة أقسام: قسم يجوز فيه التحكيم وهو حقوق الأموال وعقود المعاوضات وما يصح فيه العفو والإبراء، وقسم لا يجوز فيه التحكيم، وهو ما اختص القضاء بالإجبار عليه من حقوق الله تعالى، والولايات على الأيتام، وإيقاع الحجر على مستحقيه، وقسم مختلف فيه وهي أربعة أحكام هي: النكاح، واللعان، والقذف، والقصاص، وذكر أن في هذه الأحكام الأربعة وجهين، أحدهما: جواز التحكيم لوقوفها على رضا المختصمين، والثاني:عدم جوازه فيها، لأنها حقوق وحدود يختص بها الولاة.

    وقد نخلص مما تقدم أن ما رآه الجمهور من منع التحكيم في الحدود جميعها وفي القصاص واللعان قد قام على أسس قوية، وأن ما قاله المالكية من معيار المنع جدير بالتبني لمنطقه العقلي، ولعدم معارضة الكثير من الفقهاء الآخرين له صراحة، وهو يحمل في منع التحكيم في كل ما هو حق الله تعالى، وما استلزم الحكم فيه إثبات حكم أو نفيه من غير المتحاكمين ممن لا ولاية للحكم عليهم، أو ما اقتضى عظم قدره وخطره أن يعهد به إلى القضاء المولى دون غيره .

- طبيعة وأنواع نزاعات المؤسسات المالية الإسلامية:

    أصبح للصيرفة الإسلامية كيان مستقل، له سمات وخصائص تختلف في مضمونها عن الصيرفة التقليدية، فالمعاملات المالية الإسلامية، كما تمارس اليوم مقارنة بما ورد في الفقه القديم، تتميز بإختلاط الأموال، وتعدد أطراف المعاملة الواحدة ودخول الوكالة فيها وغيرها. 

    وبناء على ذلك أصبحت معرفة طبيعة عقود الصناعة المالية الإسلامية معرفة جيدة ودقيقة مسألة اختصاص، فحتى في عالمنا العربي والإسلامي هناك كثير من النصوص القانونية، تحيل على أحكام الشريعة الإسلامية صراحة أو دلالة، يمكن أن تفسر لصالح تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية استنادا إلى إرادة واضع القانون، الذي يريد أن يخضع التصرفات القانونية إلى الشريعة كمبدأ عام، إلا ما استثناه بنص قانوني صريح. 

   ومن خلال البحث بطبيعة هذه النزاعات تستوقفنا عدة قضايا منها: 

 - التعامل معمسألة تحكيم غير المسلم":

    إن المعاملات المالية الإسلامية هي ثقافة وليست نصوصاً فقط، فلا يمكن أن نطلب من المحكم على سبيل المثال: تطبيق بنود عقد الإجارة والتأمينات التي تحيط به، والعلاقة بين المضاربين بالمال، وعقود المشاركات إذا كان لا يملك دراية واسعة بالقواعد الكلية كقاعدة الغنم بالغرم، ومقولة أن العقد شريعة المتعاقدين – وهي قاعدة راسخة – لا يمكن أن تشكل وحدها مفتاحاً لتفسير كل المسائل القانونية والشرعية التي تطرحها المعاملة، فلا بد أن يعزز ويفسر العقد بقواعد أخرى مساندة، وبناء عليه، وعلى المحكم المسلم أن تكون له ذهنية أوسع من قانون بلده أو المدرسة القانونية التي نشأ فيها، كما يتعين على المحكم غير المسلم أن يستجيب لهذه الشروط، فإستبعاده من التحكيم في المعاملات المالية الإسلامية، إذا تم ليس بسبب دينه، وإنما بسبب ما يحمله من ثقافة قانونية تعتبر الفائدة جزءاً أساسياً في المعاملات المالية (مقابل إجارة العملة)، وترى في غرامات التأخير لمعاملة عادلة لما فات الدائن من كسب دون النظر في عسر المدين. 

- القانون الذي يجب على المحكمين تطبيقه على موضوع النزاع:

    إن المؤسسات المالية الإسلامية، وإن كانت مرجعيتها الأساسية هي أحكام الشريعة الإسلامية، إلا أنها تخضع في الوقت نفسه لضوابط أخرى، فهي بذلك تنشط تحت تعدد الأنظمة، ونقصد بذلك:

- القوانين والنظم السارية في البلدان التي تنشط فيها (نظم المصارف، وشركات التأمين، وشركات التأجير، وشركات التمويل، والصناديق وغيرها). 

- رقابة الهيئات الشرعية التي تتبعها. 

- المعايير والمبادئ الإرشادية التي تصدرها مؤسسات البنية التحتيـة (المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة، ومجلس الخدمات المالية الإسلامية). 

- المعاييـر الدوليـة التي تنظـم كفايـة رأس المـال ومخـاطر الإدارة، والتدقيق وغيرها. 

    وفي جميع الأحوال يتوجب على هيئة التحكيم استبعاد الأحكام التي تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية في القانون واجب التطبيق، ولهيئة التحكيم أن تختار من المذاهب الإسلامية، وآراء المجامع الفقهية، واجتهادات هيئات الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية، ما تراه مناسباً لموضوع النزاع. 

- حالات اللجوء الى التحكيم: 

   تم رصد الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم في مجال المنتجات المالية الإسلامية المعاصرة، للنظر في كيفية معالجة المحاكم هذه المنتجات المستجدة. وقد تمت دراسة هذه الأحكام والتعليق عليها للنظر في مدى وجاهة التكييف الذي اتخذه القاضي ومدى استيعاب الضوابط الشرعية لهذه المنتجات من قبل القضاء:

الحالة الأولى: عدم فهم عمليات المصارف الإسلامية:

     نذكر حالتين على عدم قدرة القضاء على فهم عمليات المصارف الإسلامية: 

  الأول: عندما حاول أحد المصارف الإسلامية الخليجية توريق الدين الممنوح لأحد السوريين، فعمد القاضي إلى عرض المشكلة أمامه بطريقتين: 

    - الطريقة الأولى: الربط بين الدين الأصلي قبل توريقه وبين الدين بعد توريقه دون فهم سبب التوريق بالمصرف الإسلامي. 

   -الطريقة الثانية: عدم الربط بينهما، ومن ثم مضاعفة مقدار الدين، إذ يمكن للمصرف الإسلامي المطالبة بالدين وبالسندات الصادرة به. 

    الثاني: كان عندما مول أحد المصارف الإسلامية اعتماداً لاستيراد السيارات، حيث ترد البوالص والمستندات باسم المصرف الذي يظهرها للعميل، وفقاً لقواعد عمل المصارف الإسلامية، وقد استلم العميل السيارات وامتنع عن سداد الدين، فرفع المصرف الإسلامي الدعوى وطلب إلقاء الحجز الاحتياطي على أموال العميل، فرفض القاضي ذلك بحجة أن السيارات وصلت إلى سورية بإسم المصرف الإسلامي، وفقا للمستندات التي سلمها للعميل بالتظهير، ومن ثم فالمستورد لم يكن العميل والاعتماد لم يفتح بإسمه، لكن شرح عملية تمويل التجارة الدولية للقاضي الناظر في النزاع أخذت بعض الوقت، إذ استطاع العميل بيع السيارات إلى العراق قبل إلقاء الحجز عليها، إذا التطبيق العملي يظهر صعوبة حماية العمليات المصرفية الإسلامية أمام القضاء مما يستدعي البحث عن حلول بديلة. 

   الحالة الثانية: حدث في بريطانيا أن إحدى المحاكم نظرت في قضية نزاع مالي تضمنت عقد مرابحة بين مؤسسة وعميل :

    واعتبرت المحكمة هذا العقد الشرعي على أنه عقد قرض، فصدرت منها بعض الأحكام تعارض مبادئ عقد المرابحة، وبطبيعة الحال، القانون الانكليزي ليست لديه خبرة بنظام المرابحة، فحاول تقريب هذا العقد إلى أقرب عقد تقليدي فوجد أنه أقرب للقرض، وبالتالي عامله معاملة القرض.

الحالة الثالثة: عقود الإجارة المنتهية بالتمليك :

    أحد عقود الإجارة المنتهية بالتمليك، الذي نفذته إحدى الشركات الإسلامية في الكويت، نشأ عنه نزاع بين الشركة والعميل، عندما رفع الأمر للقضاء، حكم القاضي بأن هذه المعاملة في حقيقتها بيع وفاء، الذي يمنعه القانون، وأنها أقرب إلى أن تكون قرضاً موثقاً برهن حيازي، وبناء عليه، فصل في القضية طبقاً لهذا التأصيل، فخرج الحكم منافياً لأحكام الشريعة الإسلامية، مما يجعل المؤسسات المالية الإسلامية أمام خطر أنها تتعاقد وفق قوانين لا تعرفها.

 الحالة الرابعة المتأخرات. 

    أكثر النزاعات نشوباً بين المؤسسات المالية الإسلامية، سواء كانت بين مؤسستين إسلاميتين أو بين مؤسسة إسلامية وأخرى تقليدية أو بين شركة ومصرف، مشكلة المتأخرات أو (عدم السداد) من قبل جهة إلى أخرى، وهي أخطر المشاكل لأن المتأخرات عبارة عن ديون، والأخيرة حسب القوانين تترتب عليها فوائد من ناحية أخرى.

   الحالة الخامسة: الاستبعاد بسبب عدم تقنين أحكام الشريعة. 

    في القضية المعروفة بقضية بنك الشامل - البحرين أشار القاضي البريطاني إلى أن التفسير الحرفي لعبارة (الشريعة الغراء) الواردة في النص المتعلق بالقانون واجب التطبيق تعني ذلك القانون السماوي المنصوص عليه في القرآن والسنة. 

   وأضاف: بيد أن معظم القانون الإسلامي للمعاملات التجارية والمالية، لم يقنن في قانون أو أحكام محددة المعالم، وإنما أسس القانون الإسلامي على الآراء المتباينة للمدارس الفقهية المختلفة التي نشأت ما بين 700 و850 هـ.

   الحالة السادسة: تفسير الشرط المزدوجك

    الاستبعاد بسبب تفسير الشرط المزدوج على أنه اختياري: كثيراً ما تلجأ المؤسسات المالية الإسلامية إلى الشرط المزدوج، كأن يصاغ الشرط كالتالي (يتم تطبيق القانون البريطاني بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية). 

    إن مثل هذه الصياغة كانت سبباً في استبعاد تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وذلك بتأويل الشرط على أنه شرط اختياري بين أحكام الشريعة الإسلامية والقانون البريطاني، وبما أن القاضي يفترض أن يكون ملما بقانونها لوطن يقبل أي قانون آخر وهو ما فعله القاضي البريطاني، حيث قام بتطبيق القانون البريطاني واستبعد غيره. 

    وخلاصة القول في هذا الموضوع أن الأحكام الصادرة عن المحاكم الغربية تفتقر إلى فهم المنتج المالي الإسلامي بأبعاده وفقهه وشروطه. وما لجوء القاضي الغربي لتعيين خبير للتعريف بالمرابحة أو لمعرفة شروط وآثار الوكالة بالإستثمار إلا دليل على هذا الافتقار.  

    واعتبر الأمين العام للمركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم، الدكتور عبد الستار الخويلدي، أن الفرصة سانحة لتعزيز دور التحكيم الإسلامي، الذي سيسهم بفضل دعم المؤسسات المالية الإسلامية وبفضل الأحكام التي ستصدر عنه في بلورة قواعد أساسية في مجال فقه المعاملات المالية، التي ستسهم بدورها في إعادة صياغة بعض القوانين بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية، وإلى أن يتم تحديث القوانين الوضعية لتستوعب خصوصيات ومبادئ الصناعة المالية الإسلامية.

- الخاتمة: 

    اتضح من خلال هذا البحث أن التحكيم مشروع، تدل عليه الأدلة من الكتاب والسنة، وفي غیاب تقنين واف لفقه المعاملات المالية من شأنه تسهيل عمل القضاة والمحكمين، فعلى المؤسسات المالية الإسلامية أن تقدم المعايير الشرعية، وفتاوى المجامع الفقهية على أنها مبادئ وأحكـام تحكم المعاملات المالية الإسلامية، تؤدي وظيفة تقنين جزئي لفقه المعاملات، ترجع لها الجهات القضائية والتحكيمية، ولو على سبيل الاسترشاد. 

    كما أنه من الواجب التأكيد على أن الكثير من قواعد التحكيم الإسلامي في حاجة إلى إزالة ركام الزمن وصقلها لتكون أكثر وضوحاً ورؤية، ولا يتأتى ذلك إلا بمزيد من البحث والدراسة، وهي دعوة مفتوحة لكل الباحثين والدارسين بإستغراق الوقت والجهد بالبحث والتقصي لقواعد التحكيم في الشريعة الإسلامية، كونها واحة مليئة بالقواعد والأحكام التي تستحق البحث والدراسة، وإزالة ما علق بها من رواسب ومعتقدات موروثة ليس أكثر.

 أولاً- أهم النتائج التي توصلت إليها:

 1- أقر الإسلام التحكيم، بل حبذه وفضله دون رفع التخاصم إلى القضاء، فما تم بالتراضي خير مما يتم بعد الشحناء والخصومة، وقد أجمع فقهاء الشريعة الإسلامية على مشروعية التحكيم، مستندين في ذلك إلى كتاب الله الكريم وسنة نبيه المطهرة وإجماع الصحابة والقياس. 

2- التحكيم لو طبق وخاصة في فض نزاعات المؤسسات المالية الإسلامية، لكان باب خير عظيم حين ينص نظامه على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. 

3- للتحكيم الكثير من المميزات التي تجذب المتخاصمين إليه، كقضاء بديل من القضاء الرسمي، وخاصة في فض نزاعات المؤسسات المالية الإسلامية. 

4- بإختيار التحكيم وسيلة لفض نزاعات المؤسسات المالية الاسـلامية، يـضمن مطابقـة قرارات هيئة التحكيم لأحكام الشريعة الاسلامية، وذلك بصدور أحكام مطابقة للـشريعة الإسلاميـة، من متخصصين في المعاملات الماليـة الإسـلامية بشقيها الفنـي والشرعي. 

5- أثبتت بعض المحاكم التي نظرت في قضايا تخص المعاملات المالية الإسلامية، عدم قدرتها على فهم طبيعة وأبعاد المعاملات المالية الإسلامية. 

ثانياً- أهم التوصيات: 

    على الرغم من التحديات التي تواجهها الصناعة المالية الإسلامية منذ نشأتها، وحتى الآن، مثلها كمثل كافة الصناعات الوليدة، إلا أنها استطاعت خلال فترة نشأتها الوجيزة – مقارنة بتاريخ الصناعة المالية التقليدية – جذب جزء لا بأس به من حجم الصناعة المالية، إلا أننا نرى أن الصناعة المالية الإسلامية في أشد الحاجة الى يد العون في الفترة القادمة، لكي تصبح قادرة على ظل عولمة النظام المالي، ومن أهم التوصيات التي نرى ضرورة تفعيلها خلال الفترة المنافسة في القادمة ما يلي: 

1- على الهيئات الشرعية داخل المؤسسات المالية أن تبذل جهدها في تحري العقود التي تعرض عليها، فلها دور استباقي ووقائي في عدم وقوع هذه المؤسسات في الخطأ الذي يوصل للنزاع. 

2- اتخاذ موقف موحد من المصارف الإسلامية على حذف فقرة التحاكم إلى القوانين الوضعية، والاستغناء عنه بالتحكيم، ووجوب الرجوع إلى التحكيم الإسلامي في الاتفاقيات التي لا يمكن تقييد الرجوع فيها للقوانين بعدم التعارض مع الشريعة الإسلامية. 

3- على البنوك الإسلامية أن تحرص على ضبط عقودها وصياغتها صياغة متقنة، مع التفصيل الجيد في العقود إلى الحد الذي يغطي جميع أحكام وشروط العقد، وأن تتضمن هذه العقود الإشارة الصريحة إلى التزام أحكام الشريعة الإسلامية، والاهتمام بصياغة عقود المعاملات المالية الإسلامية يحميها من سوء التفسير ولتفادي النزاع، واعتماد التفصيل الوافي في صياغة الشروط، ولا سيما تلك التي تختلف فيها أحكام الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي اختلافا بينا. 

4- نظراً لوجود مركز تحكيم إسلامي دولي متخصص في فض النزاعات في مجال الصناعة المالية الإسلامية وذلك بصيغتي الصلح والتحكيم، على المؤسسات المالية الإسلامية أن تفعل دور المركز بعرض نزاعاتها عليه، ولا سيما المنازعات الدولية، وذلك بفضل حرص نظم ولوائح المركز التي – تمثل الاجراءات – على إصدار قرارات تحكيمية لا تخالف أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية مهما كان مضمون القانون الذي تخضع له المعاملة موضوع النزاع، وهو المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم في دبي. 

5- إن الاسترشاد بمقاصد التشريع وفقه المصالح والأولويات، يضعنا في دائرة المسؤولية لرسم معالم الطريق المستقبلي، والتحفيز على البناء المتكامل للقواعد التي من شأنها أن توجه الصناعة بما يحفظ انجازاتها ويؤهلها للمرحلة القادمة، من خلال العمل على تقنين قواعد فقه المعاملات في الشريعة الإسلامية، وتوافق دول منظمة المؤتمر الإسلامي عليه وإصداره كقانون معترف به كباقي قوانين العالم.

 6- نوصي بالإهتمام بالتحكيم الالكتروني كون المؤسسات المالية تعاملاتها الالكترونية هي الغالبة.