تجنب التحكيم بالصلح للعيوب المصاحبة لتطبيق القوانين الوطنية على النزاع التحكيمي
إن المشرع الوطني عند صياغته للقانون الوطني يأخذ بعدة معايير وأهداف متشابكة ، منها معيار العدالة ، ولكن هذا المعيار ليس هو المعيار الوحيد لديه ، بل توجد عدة معايير أخرى يجب عليه الأخذ بها ورعايتها بشكل أو بآخر ، فهو يهدف إلى قدر من الاستقرار في المجتمع، فالقانون لايعني بتحقيق العدل وحده وإنما يعني إلى جانبه بتحقيق الاستقرار .
والمشرع لا يهتم إلا باعتبارات التجارة الداخلية في دولته ولا ينظر إلى غيرها من اعتبارات التجارة الدولية ، ولذلك فإن القوانين التجارية توضع أساسا لتتفق مع معطيات التجارة الداخلية. وللوفاء بمتطلباتها فقط والتي تختلف - بالطبع - عن معطيات التجارة الدولية.
كما أن المشرع الوطني عند صياغته لقانونه الوطني يتعمد ص ياغة أحكام جامدة محددة يسهل على القاضي الوطني الرجوع إليها وتطبيقها علی
أي نزاع يعرض عليه ، وهو في ذلك لا ينظر إلا لهدف واحد وهو تنظيم : التجارة الداخلية في المجتمع.
وعلى ذلك فكلاً من القاضي الوطني والمحكم في تحكيم القانون عند تطبيق القانون الوطني واجب التطبيق ، يجد نفسه أمام قواعد موضوعية قد لا تكون مناسبة للتطبيق على النزاع ، ولأن التحكيم بالصلح يقوم على قواعد العدالة والإنصاف ، فإن هذه القواعد تكون مناسبة دائما الحكم المنازعات .
كذلك يمكن القول بأن تطبيق القوانين الوطنية لا يوفر الثقة والأمان الكل أو بعض أطراف النزاع التحكيمي ، وذلك لأنهم ينتمون في الغالب إلی جنسيات مختلفة وأنظمة قانونية متباينة ، تجعل من العسير خضوع طرف القانون بلد الطرف الآخر ، الذي هو ثمرة ثقافة وحضارة وتقاليد مختلفة عنه ، وقد يفقد الخصم في المنازعة التحكيمية الثقة أكثر وأكثر إذا كان المحكم - المعين بغير إرادته المباشرة من نفس جنسية خصمه فى المنازعة والذى كان قانونه الوطنى هو القانون واجب التطبيق على النزاع.
ولأن قواعد العدالة والإنصاف التي يطبقها المحكم بالصلح علی النزاع تشأ بشكل مستقل عن إرادة أي مشرع وطني فإنها لا تتصف بالصفة الوطنية ، وبالتالي فإن تطبيقها على أي نزاع يوفر الثقة والأمان لجميع أطراف النزاع التحكيمی وبدون تمييز بينهم ، بعكس تطبيق القوانين الوطنية المختلفة التي لا تستطيع أن توفر الثقة والأمان للخصوم من غير مواطنيها .
وأيضا من عيوب تطبيق القوانين الوطنية على منازعات التجارة الدولية أنه يتم وضعها وصياغتها بمعرفة المشرعين الوطنيين ، وبالتالي فإن هؤلاء المشرعين لهم الحق في تعديل قواعدها ، ولو كان هذا التعديل بشكل مفاجئ لا يتوقعه أطراف النزاع ، ولو كان هذا التعديل يخل بالتوازن الاقتصادي بينهم ، وهذا يعني أن اختيار الأطراف لقانون وطني معين لكی يكون هو القانون واجب التطبيق على النزاع يؤدي إلى المراهنة على عدم قيام مشرع هذا القانون الوطني بأي تعديلات تشريعية تخل بالتوازن العقدی والذي قصدوه عند بداية العلاقة التجارية .
أيضاً فيما يتعلق بالوسيلة المتبعة لتطبيق القوانين الوطنية ، فتطبيق تلك القوانين الوطنية يكون إما إعمالاً لقواعد التنازع الموجودة في قانون دولة القاضي الوطني أو التي يراها المحكم بالقانون أنها قواعد تنازع ملائمة التطبيق على النزاع وإما إعمالا لاختيار أطراف النزاع.