التحكيم / التحكيم العادي والتحكيم مع التفويض بالصلح / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / حكم التحكيم بين الإنعدام والبطلان / التحكم بالقانون و التحكيم بالصلح
أذا أطلقت كلمة التحكيم عامة فإن المقصود منها يكون تحكيماً عادياً أو التحكيم والقضاء، يلتزم فيه المحكمون بتطبيق قواعد القانون الموضوعية الواجبة التطبيق علي موضوع النزاع، ويكون المحكم شانه شان القاضي ملتزماً بتطبيق القانون، فلا يملك أن يقضي بما يراه عادلاً من وجهة نظره بالمخالفة لما يوجبه القانون .
وقد نصت المادة 1/39 من قانون التحكيم علي أنه:"1. تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد التي يتفق عليها الطرفان، وإذا إتفقا على تطبيق قانون دولة معينة إتبعت القواعد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين ما لم يتفق
على غير ذلك".
وتبين هذه المادة القاعدة القانونية التي يجب تطبيقها علي موضوع النزاع، فيلتزم المحكمون بتطبيق القاعدة القانونية التي إتفق عليها الطرفان، ويكون هذا الإتفاق صراحة في نص إتفاق التحكيم، أو ضمنياً من إتفاق الطرفين علي إختيار بلد معين الإجراء التحكيم فيكون قانون هذه البلد هو الواجب التطبيق علي موضوع النزاع.
وتطبيقاً لذلك، قضت محكمة إستئناف القاهرة، بأن مفهوم نص المادة 39 من القانون ٢٧ لسنة ١٩٩٤ إذا لم يتفق الطرفان صراحة على تطبيق قانون دولة معينة فإن إتفاق الطرفين على إختيار بلد معين لإجراء التحكيم هو إتفاق ضمني على تطبيق قانون محل التحكيم وهو هنا القانون المدني المصري وهو ما إلتزمه حكم التحكيم .
ويجب أن يلتزم المحكمون بتطبيق القانون الذي إتفق عليه الطرفان، فإذا لم تحترم هيئة التحكيم القانون المطبق علي النزاع، وإتخذ عدم الإحترام شكل إستبعاد هذا القانون من التطبيق علي موضوع النزاع، عد ذلك تجاوزاً منها لسلطتها، وكان حكمها باطلاً عملا بنص المادة 1/53 د من قانون التحكيم.
وتلتزم هيئة التحكيم بتطبيق القواعد الموضوعية الواردة في قانون الدولة الذي إختاره الطرفان دون القواعد الخاصة المتعلقة بتنازع القوانين وذلك ما لم يتفق الطرفان علي غير ذلك، وفي هذه الحالة يلتزم المحكمون بتطبيق القانون الذي تحدده قاعدة الإسناد بقانون الدولة الذي إتفق الطرفان على تطبيقه.
والمقرر في قضاء محكمة النقض، أنه إذا إقتصر إتفاق طرفي التحكيم على مجرد تحديد قانون الدولة دون فرع معين كان لهيئة التحكيم تطبيق فرع القانون الذي تراه من وجهة نظرها أنه الأكثر إتصالاً بموضوع النزاع، مما مفاده أن خطأها في تحديد ذلك الفرع لا يعد إستبعاداً منها لقانون المحتكمين بل في حقيقته خطأ في تطبيق القانون لا يتسع له نطاق دعوى بطلان حكم التحكيم.
وفي تقديرنا، أن هذا القضاء محل نظر، لأنه يتعين ألا يؤخذ الأمر علي عمومه، ويجب أن تفسر مسألة إستبعاد القاعدة القانونية المتفق علي تطبيقها علي موضوع النزاع، بمراعاة ما نص عليه في المادة 39 فقرة 1، 3 من قانون التحكيم والربط بينهما عند تقدير توافر تلك المسألة من عدمه، حتي لا يترتب علي مخالفة حكمها الخروج عن هدف المشرع وما قصدته إرادة الطرفين وطبيعة المعاملة التي نشأ عنها النزاع الذي فصل فيه حكم التحكيم، وإلا ما كان المشرع في حاجة إلي النص علي وجوب أن تراعي هيئة التحكيم عند الفصل في النزاع شروط العقد والأعراف الجارية في نوع المعاملة (م 3/39 من قانون التحكيم).
كما أن ما تضمنته المادة 1/39 من قانون التحكيم بشأن التزام المحكمين بتطبيق القواعد الموضوعية التي إتفق عليها طرفا التحكيم علي موضوع النزاع، تنص عليه التشريعات القانونية المقارنة المنظمة للتحكيم ، فأوجبت جميعاً على هيئة التحكيم تطبيق القاعدة الموضوعية المتفق عليها ومراعاة شروط التعاقد والأعراف المقررة في نوع المعاملة.
ولكن قد لا يتفق الطرفان علي تحديد القاعدة الموضوعية التي يجب تطبيقها علي موضوع النزاع، ولذلك فقد أعطي المشرع سلطة تحديد تلك القواعد لهيئة التحكيم، فنص في الفقرة الثانية من المادة 39 المشار إليها علي أنه: ٢٠٠.١٠. وإذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية واجبة التطبيق على موضوع النزاع طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي تري أنه الأكثر إتصالاً بالنزاع".
ومفاد ذلك، أن المشرع يعطي هيئة التحكيم سلطة تحديد القواعد القانونية في القانون الأكثر صلة بالنزاع المطروح عليها للفصل فيه إذا خلا إتفاق الطرفين علي التحكيم من تحديدها.
ويمكن أن يكون هذا القانون هو قانون الدولة التي يجري فيها التحكيم، أو قانون الدولة التي جرت فيها وقائع النزاع، أو أية قواعد قانونية نافذة في دولة أخري، علي أن هيئة التحكيم ليس لها سلطة مطلقة في هذا الإختيار، فقد ألزمها المشرع إختيار القواعد الموضوعية في القانون الذي تري أنه الأكثر إتصالاً بالنزاع (م39 من قانون التحكيم).
وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض، إذا إتفق المحتكمان علي تطبيق القانون المصري تعين علي تلك الهيئة أن تطبق فرع القانون الأكثر إتصالاً وإنطباقاً علي موضوع التحكيم.
كما قضت محكمة إستئناف القاهرة، بأنه من المقرر عملا بالمادة ٢/٣٩ من قانون التحكيم إنه إذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية واجبة التطبيق على موضوع النزاع طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأكثر
اتصالاً بالنزاع – ولما كان عقد المقاولة موضوع الدعوى حسب الثابت من مطالعته أنه محرر بمناسبة رسو العطاء في المناقصة رقم ٣٩٩٩ بتاريخ ٢٠٠4/1/5 على الشركة المدعى عليها بإعتبار قرار لجنة البت العليا بوزارة الإسكان في ٢٠٠٤/٣/٢٢ وكان الثابت أن موضوع النزاع حسب الطلبات المعدلة للشركة المدعى عليها "المحتكمة" بإعتبارها الطلبات الختامية هي أحقية الشركة في الحصول على فروق أسعار المواد المستخدمة في التنفيذ مع مد مدة العملية لمدة سنة من تاريخ صرف مستحقات الشركة، فإن هيئة التحكيم تكون في تطبيقها أحكام قانون المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة ١٩٩٨ ما يتفق ونص المادة 39 من قانون التحكيم سالفة البيان.
التحكيم مع التفويض بالصلح
التحكيم مع التفويض بالصلح، يعني أن يفصل المحكمون في موضوع النزاع وفقاً لمقتضي قواعد العدالة والإنصاف دون التقيد بأحكام القانون (م 4/39 من قانون التحكيم).
وجدير بالذكر أن تفويض المحكمين بالصلح لا يفترض، ويجب أن ينص عليه صراحة في إتفاق التحكيم .
والمحكمون المفوضون بالصلح غير ملزمين بإجراء الصلح بين الطرفين، والمحكم المصالح وإن كانت سلطاته واسعة في الفصل في موضوع النزاع دون التقيد بقواعد القانون التي لا تتعلق بالنظام العام، إذ يقضي بين الطرفين طبقاً لما يمليه عليه ضميره ومفهومه للعدالة، إلا أنه مع ذلك لا يجري صلحاً ذلك لا يجري وإنما يصدر حكماً ملزماً مع واجب النفاذ وحائزاً لحجية الأمر المقضي، وهو ليس وكيلاً عن طرفي الخصومة لإبرام عقد صلح نيابة عنهما، وإنما هو قاض له وحدة سلطة حسم النزاع بحكم قد يقضي لأحد طرفيه بكامل طلباته.
والقرار الذي يصدره المحكمون المفوضون بالصلح يكون ملزماً للطرفين ويتمتع بحجية الأمر المقضي به المقررة لحكم التحكيم بنص المادة 55 من قانون التحكيم وتطبيقاً لذلك قضت محكمة استئناف القاهرة بأن تفويض هيئة التحكيم بالصلح، لايلزم المحكم بإجراء الصلح بين الطرفين، وهو ليس وكيلاً عن طرفي الخصومة لإبرام عقد صلح نيابة عنهما، وإنما هو قاض له وحده سلطة النزاع بحكم قد يقضي لأحد طرفيه بكامل طلباته .
والقرار الذي يصدره المحكمون المفوضون بالصلح يكون ملزماً للطرفين ويتمتع بحجية الأمر المقضي به المقررة لحكم التحكيم بنص المادة 55 من قانون التحكيم.وتطبيقاً لذلك قضت محكمة استئناف القاهرة بأن تفويض هيئة التحكيم بالصلح، لايلزم المحكم بإجراء الصلح بين الطرفين، وهو ليس وكيلاً عن طرفي الخصومة لإبرام عقد صلح نيابة عنهما، وإنما هو قاض له وحده سلطه حسم النزاع بحكم قد يقضي لأحد طرفيه بكامل طلباته وكل ذلك يختلف عن الصلح المنصوص عليه في المواد (549) وما بعدها من القانون المدني كعقد يبرمه الأطراف (نتيجة حوار مباشر بينهم أو بين ممثليهم) يحسمون به نزاعاً قائماً فعلاً أو يتوقون به نزاعاً محتملاً، وفيه يتنازل كل طرف بإرادته عن بعض مطالبه، ولا يقبل هذا العقد التنفيذ إلا بعد تصديق القضاء وإعتماده بما يجعله صالحاً لإمكانية وضع الصيغة التنفيذية .