الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم العادي والتحكيم مع التفويض بالصلح / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / التحكيم بالصلح / دور التحكيم بالصلح في الحفاظ على التوازن العقدي

  • الاسم

    رشا أحمد حسين ابراهيم
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    122

التفاصيل طباعة نسخ

دور التحكيم بالصلح في الحفاظ على التوازن العقدي

    من أهم سمات التحكيم بالصلح أنه الأكثر قدرة على الحفاظ - وبشكل مستمر - على التوازن العقد بين أطرافه .

    ويقصد بالتوازن العقدي عدة توازنات اقتصادية مجتمعة كالتوازن الاقتصادي بين التزامات أي طرف والمكاسب المتوقعة له عند إتمام الاتفاق وتنفيذه ، ومنها التوازن بين الأخطار المتوقعة والأرباح المحتملة لكل طرف .

    ولا يقصد بالتوازن العقدي التوازن التام أو المطلق ، وإنما هو التوازن المعقول والذي لا يتعارض مع استقرار المعاملات ، فمثلاً إذا كان العقد في لحظة إبرامه لا يتوافر فيه التوازن العقدي التام من حيث الظاهر إلا أن وجود حرية التعاقد في إبرام العقد قد تعالج الاختلال اليسير في التوازن العقدي .

   " إذا وقع المتعاقد في غلط جوهری جاز له أن يطلب إبطال العقد، إذا كان المتعاقد الآخر قد وقع مثله في هذا الغلط ، أو كان على علم به، أو كان من السهل عليه أن يتبينه".

   ومن هذا يتضح أن التشريعات الوطنية تتعامل مع الالتزامات العقدية جميعها كوحدة واحدة ، إما الإبقاء عليها جميعها ، أو نقضها جميعها ، وذلك حسب جوهرية الغلط وجسامته واتصاله بالمتعاقد الآخر .

   أما حكم التحكيم وفقاً لقواعد العدالة والإنصاف فهو يسلم من نقاط السابق ذكرها ، لأن المحكم بالصلح يملك الحكم بإبطال العقد إذا وجد أن المتعاقد الذي لم يقع في الغلط قد شارك بخطأه في وقوع المتعاقد الآخر في الغلط - وليس مجرد اتصال الغلط به.

   ولكن قد يتم إبرام العقد بشكل يحقق التوازن العقدي بين عاقديه وتحدث بعد إبرامه - وقبل الانتهاء من تنفيذ كل الالتزامات الناشئة عنه - ظروف جديدة تخل بهذا التوازن ، فهنا تكون الحاجة إلى إعادة التوازن العقدي وتكون هذه الإعادة عن طريق نظرية الظروف الطارئة .

    ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي. - وإن لم يصبح مستحيلاً - صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة ، جاز للقاضی تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلی الحد المعقول ، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك ".

    ويلاحظ أن نظرية الظروف الطارئة تجد مجال عملها في العقود التي يتوافر فيها فترة زمنية بين إبرامها و إتمام تنفيذها ، سواء كانت هذه العقود عقود طويلة الأجل مثل التوريد والمقاولة.

   ويشترط لتوافر حالة الظروف الطارئة أن تطرأ هذه الظروف فی الفترة بين إبرام العقد وإتمام تنفيذ الالتزامات الناشئة عنه .

   وكذلك يشترط لتوافر حالة الظروف الطارئة أن تكون هذه الظروف استثنائية نادرة بحسب السير العادي للأمور .

   وكذلك لا يعتبر التحكيم طبقاً لقواعد العدالة والإنصاف سبق حدوث سوابق معروفة من ذات النوع وفي ذات مجال النشاط والتي يتطلب تطبيق نظرية الظروف الطارئة بشأنها مانعاً من تطبيق هذه النظرية مرة أخرى ، على أساس أن هذه السوابق تمثل دليلاً على إمكانية التوقع.

   أيضاً فإن التشريعات الوطنية وإن تناولت الأثر السلبي للظروف الطارئة على الالتزامات العقدية ، إلا أنها أغفلت تماماً الأثر الإيجابي لهذه الظروف ، فكما يمكن أن تؤدي هذه الظروف الطارئة إلى إحداث أضرار وخسائر بأحد المتعاقدين دون الآخر وتجعل تنفيذه لالتزاماته مرهقاً له إرهاقاً جسيماً ، فيمكن أيضاً أن تؤدي هذه الظروف الطارئة إلى زيادة أرباح أحد المتعاقدين دون الآخر زيادة مبالغ فيها جدا ، وهذا بخلاف الحال في التحكيم طبقا لقواعد العدالة والإنصاف ، إذ أنه ووفق هذه القواعد التي يطبقها المحكم بالصلح يتسم باقتسام الأرباح غير المتوقعة بين المتعاقدين ، مثلها في ذلك كمثل الخسائر غير المتوقعة.

   ولكن قد تزيد شدة الظروف الطارئة بحيث لا يصبح تنفيذ الالتزام مرهقاً إرهاقاً جسيماً للمدين ويهدد بخسارة فادحة فقط، وإنما يصبح مستحيلاً استحالة مطلقة ، هنا توصف هذه الظروف الطارئة بوصف القوة القاهرة .

  وكذلك يجب حدوث القوة القاهرة قبل الانتهاء من تنفيذ كل الالتزامات التي تنشأ عن العقد ، فإذا حدثت بعد ذلك لم يكن لها أي أثر في استحالة تنفيذ هذه الالتزامات ، وهو ذات الشرط المعمول به في تطبيق نظرية الظروف الطارئة.

   وقد اعتادت التشريعات الوطنية على اشتراط عدة شروط للإقرار بتوافر القوة القاهرة ، أولها أن يكون حدوث الحادث الفجائي بسبب أجنبي عن المدين لا بد له فيه .

   وكذلك تشترط التشريعات الوطنية في الحادث الفجائي أن يؤدي إلى استحالة تنفيذ الالتزام العقدي استحالة دائمة وكلية وكاملة..

    وكذلك ترتب القوانين الوطنية على تحقيق القوة القاهرة مكتملة شروطها ألا يكون هناك محل لمطالبة المدين بالتعويض مهما بلغت الأضرار التي تلحق بالدائن من جراء استحالة التنفيذ .

    نستخلص من كل ما سبق أن القواعد القانونية الموضوعية التي يلتزم بها القاضي أو المحكم بالقانون يجعل من تحقق القوة القاهرة سبباً لانحلال العقد بقوة القانون ، وانقضاء جميع الالتزامات الناشئة عنه ، سواء الالتزامات التي استحال تنفيذها أو الالتزامات المقابلة لها ، وكذلك منع الدائن من مطالبة مدينة الذي استحال تنفيذ التزامه من أي تعويض مهما بلغت خسائره الناتجة عن هذه الاستحالة ، ومن ثم انحلال العقد .

   ولشدة الآثار المترتبة على تحقيق القوة القاهرة تشددت التشريعات الوطنية في شروط توافرها - كما سبق وأوضحت - ولكن هذا التشدد رغم وجاهته القانونية ، إلا أنه لا يسلم من النقد من اتجاهين ، الأول منها أن هذه التشريعات لا تقيم أي اعتبار للأضرار أو الخسائر الناتجة عن استحالة التنفيذ وانحلال العقد ، فالقاضي أو المحكم بالقانون لا ينظر إلا لتوافر شروط القوة القاهرة ، وبالتالي فإن الذي يتحمل آثارها من استحالة التنفيذ وانحلال العقد هو الدائن وحده ، إذ أن القوانين الوطنية تمنعه من مطالبة مدينه بأي تعويض مهما بلغت خسائر هذا الدائن .

   فإذا كان من العدالة عدم مطالبة المدين بتعويض كل الخسائر الناتجة عن القوة القاهرة لأنه لم يكن له يد في تحقيقها ، فإن تحمل الدائن هو الآخر تبعة القوة القاهرة وحده يتنافى مع العدالة لأنه هو أيضاً لم يكن له يد في تحقيق القوة القاهرة .

   أما الثاني منها أن القوانين الوطنية تتشدد في شروط القوة القاهرة الخطورة الآثار التي تترتب عليها ، إلا أن هذا التشديد يؤدي إلى قصر نطاق عمل نظرية القوة القاهرة إلى أضيق نطاق ممكن ، فيندر عملاً أن يوجد حادث مفاجئ خارج عن يد المدين و غير متوقع ولا يمكن تجنبه أو تفاديه وأن يكون المعيار في هذا معياراً موضوعياً لا يتوقف على شخص المدين فقط، وكذلك يجب أن تكون استحالة التنفيذ الناتجة عن هذا الحادث الفجائي استحالة دائمة كلية كاملة ولا تتوقف هي الأخرى على شخص المدين فقط وإنما يجب أن تكون الاستحالة مطلقة .

    فالتشدد في اشتراط كون الحادث الفجائي خارج عن يد المدين غير مبرر ، خاصة في حالة خطأ المدين اليسير ، ولكن زادت الآثار الناتجة عن هذا الخطأ بفعل القوة القاهرة ، هنا يلتزم المدين وفق القوانين الوطنية بتعويض كل الخسائر التي تلحق بالدائن لعدم تحقق نظرية القوة القاهرة مكتملة شروطها والتي تعفيه وحدها من هذا التعويض ، رغم أن أثر القوة القاهرة في قيمة هذه الخسائر أكبر بكثير من أثر خطأ المدين اليسير في هذا الشأن .

    كذلك التشدد في اشتراط استحالة توقع الحادث الفجائي فالعبرة ليست بتوقع أو علم توقع الحادث الفجائي ، ولكن العبرة في أثر هذا التوقع على تقدير الالتزامات العقدية عند إبرام العقد .

    والخلاصة من هذا النقد أن القوانين الوطنية في تنظيمها لنظرية القوة القاهرة تكون في صالح أحد الأطراف دون الآخر ، فهي تكون في صالح الدائن لأنها تتشدد على المدين في اشتراط شروط القوة القاهرة لإمكان تطبيقها ، أما إذا استطاع المدين إثبات توافر شروطها فإن النظرية تكون في صالحه دون الدائن ، ولا تنظر إلي أي أضرار أو خسائر تكون قد لحقت به نتيجة إعفاء المدين من التزامه وانحلال العقد .

    ولا يستثنى من هذا المبدأ السابق إلا حالة الاتفاق الصريح بین الأطراف على تحمل أحدهم تبعة حدوث القوة القاهرة ودون مشاركة الآخر الله في تحمل الخسائر والأضرار الناتجة عنها .

   وعلى ذلك فإن كان الأصل في القوانين الوطنية التي يطبقها القاضي أو المحكم بالقانون هو تحمل الدائن وحده لتبعة حدوث القوة القاهرة وعدم السماح له بمطالبة المدين بأي تعويضات نتيجة الأضرار التي تحدث له بسبب انحلال العقد - وذلك ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك - فإن الأصل في التحكيم بالصلح هو التوزيع المتساوي لهذه التبعية ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك .

   كذلك يلاحظ تجنب التحكيم وفقا لقواعد العدالة والإنصاف للتشدد في الشروط التي أوجبت القوانين الوطنية توافرها للإقرار بتحقق القوة القاهرة ، إذ أن المحكم في التحكيم بالصلح لا يمتنع عن الإقرار بوجود القوة القاهرة بسبب عدم تحقيق شروط القوة القاهرة بقدر يسير ، وتكون له سلطة تقديرية أوسع في تقدير هذه الشروط ، وخاصة في تقدير عدم توقع الحدث الفجائي وعدم إمكانية دفعه أو تفاديه .

  والخلاصة أن تعامل التحكيم طبقاً لقواعد العدالة والإنصاف في الحفاظ على التوازن العقدي يكون بشكل أكثر مناسبة من تعامل القوانين الوطنية في هذا الشأن ، لأن المحكم المفوض بالصلح يحكم في النزاع طبقا لما يتفق مع قواعد العدالة والإنصاف دون التقيد بأي قاعدة قانونية معينة ، وذلك بعكس القاضي أو المحكم بالقانون الذي لا يهتم إلا بالتطبيق الدقيق للقواعد القانونية الموضوعية حتى ولو لم تحقق العدالة والإنصاف بين أطراف النزاع.