الأصل في التحكيم أن يكون تحكيماً بسيطاً أو بالقانون ، ويكون فيه المحكم مقيداً بتطبيق قواعد القانون ( سواء كانت الموضوعية أو الإجرائية أو الموضوعية والإجرائية معاً ) على النزاع الذي يحكم فيه، فالمحكم بالقانون مثل القاضي التابع للدولة ، فهو يطبق القانون الذي يستجيب لقواعد النزاع في أي فرع من فروع القانون ويوجد فيه ، سواء كانت قواعد آمرة أو مكملة.
وأساس التزام المحكم بذلك يختلف عن أساس التزام القاضي ، فهذا الأخير يلتزم بذلك إعمالاً لطبيعة وظيفته القضائية في فض المنازعات فهو قد تلقى تفويضاً من الدولة بتطبيق القانون . أما التزام المحكم بتطبيق القانون فلا ينبع من طبيعة وظيفته أو مهمته ، وإنما ينبع من إرادة الخصوم ، وهذه السلطة هي أقل اتساعاً من سلطة القاضي بالنسبة للنصوص التشريعية ، وفي كل الأحوال يلتزم المحكم بأن يبحث من تلقاء نفسه عن النص القانونی أو الأساس القانوني الذي سيبني عليه حكمه .
والجزاء على مخالفة التزام المحكم بإعمال القانون هو بطلان الحكم الصادر بناءاً على هذه المخالفة ، فالمحكم بالقانون في مثل هذه الحالة يكون قد تعمد عدم احترام القانون ويتحقق ذلك بتعمده أن يؤسس حكمه على أسباب أخرى غير تلك الأسباب المستمدة من نصوص القانون .
والمحكم يجب أن يتوافر فيه خبرة معينة خاصة ودراية بالأعراف والعادات الجارية في مجال تجارة أو صناعة أو مهنة معينة فيستجيب حكمه لها ولا يكون مجرد تطبيق لنصوص قانونية جامدة فهي عدالة مرنة تجامل مصالح أطراف النزاع قبل أن تجامل الاعتبارات القانونية المحضة .
والتحكيم بالقانون لا يعني إطلاقاً أن هناك قانون واحد يحكم النزاع منذ لحظة ميلاده وحتى نهايته ، بل قد تتعد تلك القوانين على مختلف مراحل التحكيم ، فقد يكون القانون المطبق على اتفاق التحكيم مغاير للقانون الذي يطبق على إجراءات التحكيم ، ومختلف تماماً عن القانون الذي يطبق على موضوع النزاع .
والتحكيم بالقانون هو الأصل أما التحكيم بالصلح فهو الاستثناء ، ولذا يلزم المحكم لممارسته تفويضاً صريحاً من الأطراف حتى يتمكن من الفصل في النزاع بموجب قواعد العدالة والإنصاف.
التحكيم بالصلح :
محكمة التحكيم قد تؤسس قرارها على قواعد العدالة والإنصاف ، ويلزم لذلك القرار وجود اتفاق صريح وواضح بين الأطراف ( كما سبق وأوضحت ) ، فالتحكيم بالصلح لا يتقيد فيه المحكم بالقانون بل يفصل في النزاع وفقاً لما يراه حلاً عادلاً ، فالمحكم المفوض بالصلح يزن طلبات الأطراف بميزان العدالة وما تقتضيه ظروف النزاع ، فهو يحقق الوقائع ويستعرض أبلة الإثبات المقدمة من الطرفين ولكن إذا استشعر المحكم أن ما توصل إليه من نتائج تتجافى مع قواعد العدالة والإنصاف.
- أنه بالرغم من أن أطراف التحكيم بالصلح يستطيعون الاتفاق معاً على الإجراءات التي تتبع أمام المحكم أو المحكمين .
والحكم الصادر من المحكم بالصلح يكون قد صدر في حدود سلطته ، ولو قضى لأحد الطرفين بكل طلباته ، سواء بإعمال القواعد القانونية التي رأي المحكم أنها تتفق مع العدالة أو باستبعادها كلها أو بعضها ، فلا يفقد حكم التحكيم صفته هذه لمجرد أن المحكم لم يطبق قاعدة الصلح التي ينص عليها القانون المدني ، فلم يحكم لكل من الطرفين ببعض ادعاءاته ، وإنما حكم كلية لمصلحة أحد الطرفين.
وعلى المحكم المفوض بالصلح أن يبحث عن الإرادة الضمنية الأطراف التي يجب أن تتألف مع حل وسط حتى يبقى علاقة التعاون بين۔ الخصوم لحل ما نشأ بينهم من نزاع ، فهو يطبق العدالة المبصرة التي تراعی مصالح الطرفين بعيداً عن عدالة القانون التي لا تعني إلا تطبيق القانون .
الصلح لا يتجزأ ، فبطلان جزء منه يقضي بطلان العقد كله .
على أن هذا الحكم لا يسرى إذا تبين من عبارات العقد أو من الظروف ، أن المتعاقدين قد اتفقوا على أن أجزاء العقد مستقلة بعضها عن بعض ."
ومن ثم فإذا أصدرت هيئة التحكيم بالصلح حكمها في شق من الموضوع قبل انتهاء اتفاق التحكيم ، فإن انتهاء ميعاد التحكيم يترتب عليه زوال أثر هذا الحكم في جميع الأحوال ، لأن الخصومة من ناحية الصلح وحده لا تتجزأ ولو كانت بطبيعتها تقبل التجزئة، ذلك أن المحكم بالصلح قد يكون قد راعي أحد الخصوم في بعض الطلبات على أن يراعى خصمه فی الطلبات الأخرى ، والاستثناء من هذه القاعدة هو الاعتداد بما قضى به المحكم وتجزئة الصلح إذا ارتضى الخصوم ذلك عملا بنص المادة ( 557/ 2 مدني ) .
وبعد البحث في التمييز بين التحكيم بالصلح والنظم التي قد تختلط به ، بداية ببحث التفرقة بين التحكيم بالصلح والوسائل الأخرى لفض المنازعات ،ثم بحث التمييز بين التحكيم بالصلح وأنواع التحكيم الأخرى ، يكون البحث في سمات التحكيم بالصلح وطبيعته القانونية.