يؤدي القضاء دورا رقابيا ازاء حكم التحكيم وهي رقابة لضمان فاعلية التحكيم وليس للمساس به قضاء خاص أو استثنائي .
ونقضاء الدولة نوعين من الرقابة علي حكم التحكيم الأولي : الطعن علي حكم التحكيم فهي تراقب الحكم الصادر تحكيما والثانية إن القاضي لا يعطي الصيغة التنفيذية لحكم التحكيم إلا بعد التأكد من تحقق شروط معينة في هذا الحكم .. .. وعلي الرغم من الأهمية القصوى لهذه الأدوار المتباينة التي يلعبها قضاء الدولة في علاقته بالتحكيم ، فان قضاء الدولة أدي وما زال يؤدي وظائف أخري لا تقل أهمية عن الأدوار السابق تعدادها آنفا . إذ أنة لم تقتصر وظيفة قضاء الدولة على كونه يؤدی دورا مكملا ومتكاملا مع قضاء التحكيم بل حرص قضاء الدولة على أن يكون له دور خلاقا ومنئنا في حالات عديدة . ولعل الرجوع إلى القضاء الفرنسي الرائد في مجال التحكيم يبرز الدور المبدع لهذا القضاء في إطار التحكيم سواء كان التحكيم داخليا أو دوليا .. إذ لعب هذا القضاء دورا أساسيا في التعريف بالمعيار الاقتصادي لدولية التحكيم، وهو المعيار اللي اخذ به قانون التحكيم الفرنسي في المادة 14۹۲ ، وتأثر به المشرع المصري ولو بشكل جزئي في قانون التحكيم المصري الجديد رقم ۲۷ لسنة ۱۹۹4 .
شد إلي القضاء الفرنسي لإجازته التحكيم في العقود التي تبرمها الأشخاص العامة - حيث تضي بان الحظر الوارد في المادة 1060 من القانون المدني والتي تحظر قبول شرط ام العقود التي تبرمها الدولة والمؤسسات والهيئات العامة حظر يعمل به في إطار العلاقات الفرنسية البحتة ولا يعمل به في إطار العلاقات الدولية .
ولقد كرس القضاء الفرنسي مبدأ أخر استخلصه من قضائه المتقدم مفاده صحة شرط التي في عقد مبرم لصالح التجارة الدولية حتى لو كان أحد أطراف، هذا العقد شخض عام أكند قانونة اللجوء إلى التحكيم .
ولم يقتصر دور القضاء الفرنسي المنشئ للقواعد القانونية في مجال التحكيم علي إرساء الميدان ا السبالفين بل انه أضاف إليهما مبدأ لا يقل أهمية عنهما وهو مبدأ الصحة الذاتية لاتفاق التي ها در ، وفقا للقواعد المادية منحيا جانبا منهج تنازع القوانين .
حيث قضت محكمة النقض الفريسية في قضية dalico بأنه وفقا لقاعدة مادية من قواعد القانون الدولي للتحكيم يعد شرط التحكيم مستقلا من الناحية القانونية عن العقد الأصلي الذي يتضمن سواء بطريق مباشر أو عن طريق الإشارة ، فوجود اتفاق التحكيم وصخته يتقرر وفقا للإرادة المشتركة
للأطراف ، دون حاجة إلي الإشارة إلي قانون وطني وضعي ، باستثناء التقيد بالقواعد الآمرة في . . القانون الفرنسي والنظام العام الدولي.كذلك فان القضاء الفرنسي في معرض تشجيعه للتحكيم قام بالتوسعة في نطاق المسائل التي يجوز تسويتها من خلال التحكيم سيما التحكيم الدولي فأجاز الاتفاق على التحكيم في عقود الاستهلاك ذات الطابع الدولي وأيضا في مجالات أخري كان التحكيم فيها محظورا کالمنازعات المتعلقة أعمال القواعد القانونية الخاصة بالمنافسة والمسائل المتعلقة بالملكية الفكرية استغلال براءات الاختراع .
واذا كان القضاء الفرنسي هذا الدور المبدع في إطار التحكيم فان القضاء المصري يؤدي دورا مماثلا في إطار التحكيم في مصر حيث حدد قانون التحكيم المصري الجديد رقم ۲۷ لسنة ۱۹۹4 نطاق إعمال أحكامه بمعيارين : المعيار الأول هو معیار مكاني أو إقليمي ، والمعيار الأخر هو . معيار إرادي مستمد من اتفاق الأطراف . فبالنسبة للمعيار الأول. الإقليمي أو الجغرافي أو المكاني ، فإن المادة الأولي في الفقرة الأولى من قانون التحكيم المصري تنص على أنه " تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت . طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع إذا كان هذا التحكيم يجري في مصر " . ونزولا innom 1993 rev. arb. 1994 p116 note t. gavdment talon.
علي حكم هذا النص فان التحكيم الذي يتم في مصر ، سواء أكان تحكيما دوليا أو تحكيما داخليا ، . يخضع لأحكام القانون المصري .
وهذا المعيار الجغرافي والإقليمي استوحاه المشرع المصري من القانون النموذجي للتحكيم . حيث نصت المادة الأولي من هذا القانون في فقرتها الثانية لي أن لا تسري نصوص القانون النموذجي باستثناء المواد ۹,۸ ، ۳۵ ، ۳۹ ، إلا إذا كان مكان التحكيم يقع في إقليم الدولة التي تبنت أحكام هذا القانون. أما المعيار الآخر الذي تبناه المشرع المصري من اجل تحديد نطاق إعمال أحكامه فهو إرادي مستمد من اتفاق الأطراف علي إخضاع التحكيم الدولي الذي يجري فيها والمتمثلة في إنكار العدالة في بعض الأحوال .
إذ أن قصر أعمال قواعد القانون النموذجي للتحكيم علي التحكيم الذي يجري في الدولة وعدم إعمال هذه القواعد على التحكيم الذي جري خارجها ، قد يؤدي في بعض الأحيان التي يتم فيها تركيز التحكيم فيها في الخارج ، إلي عدم إمكانية تدخل قاضي الدولة التي لا يجري التحكيم علي ارضها في المساعدة في تشكيل هيئة التحكيم ، وهو التشكيل الذي تقاعست أيضا محاكم الدولة التي يجري التحكيم على أرضها عن المساهمة فيه. وقد حدد القانون المصري للتحكيم بأنه لا يسري إلا علي التحكيم الإرادي أي الاتفاقي ، حيث نصت المادة الرابعة من القانون على انه " ينصرف لفظ التحكيم في حكم هذا القانون إلى التحكيم الذي يتفق عليه طرفا النزاع بإرادتهما الحرة سواء كانت الجهة التي تتولي إجراءات التحكيم بمقتضي اتفاق الطرفين منظمة أو مركزا دائما للتحكيم أو لم يكن كذلك".
وبهذه المثابة تكون المادة الرابعة فقرة (1) من قانون التحكيم قد أخرجت التحكيم الإجباري من نطاق أعمال القواعد الواردة في قانون التحكيم المصري . ومن المعروف أن التحكيم الإجباري هو ذلك التحكيم الذي يكون مفروضا من الدولة على الأفراد في حالات معينة يلتزمون فيها باللجوء إلى هذا الطريق دون إمكانية اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي ولقد انتهج القضاء المصري نهجا مماثلا لذلك الذي اتبعه القضاء الإيطالي ، من حيث اعتباره التحكيم الإجباري تحكيما يعارض نصوص الدستور المصري ، والذي تنص المادة 68 منه علي حق كل فرد في الالتجاء إلي قاضيه الطبيعي .
واعمالا لنص المادة 68 المتقدم فان المحكمة الدستورية العليا في مصر قد قضت ف مناسبات متتاليات بعدم دستورية التحكيم الإجباري الذي كانت بعض القوانين المصرية مثل تان الجمارك وقانون ضريبة المبيعات وأيضا قانون سوق المال.، تفرضه كوسيلة لحل المنازعات بین الأطراف .
وعلي الرغم من أن القانون المصري للتحكيم يستبعد التحكيم الإجباري) من نطاق أعمال القواعد القانونية الواردة فيه ، فان القضاء الصادر عن محكمة استئناف القاهرة قد طبق تلك القواعد على التحكيم الإجباري في بعض القضايا بقبوله الطعن بالبطلان علي أحكام التحكيم الصادرة عن هيئات التحكيم المشكلة وفقا لقانون سوق المال في بعض الحالات ، بينما في حالات أخرى رفضت محكمة استئناف القاهرة قبول الطعن بالبطلان ذاكرة أن قانون التحكيم المصري الجديد لا يتعلق بتنظيم التحكيم الإجباري وإنما بالتحكيم الاتفاقي ، وبهذه المثابة لا يجوز. الطعن بالبطلان علي أحكام التحكيم الإجباري الذي لم يعن هذا القانون بتنظيمه.