إن كانت عملية التحكيم تتم تحت مظلة النظام القانوني الذي تضعه التشريعات الحديثة وقوانين التحكيم الوطنية ولوائح نظام التحكيم إلى جانب الإتفاقيات الدولية ووحتى تستكمل هذه العملية التحكيمية فاعليتها تحتاج إلى تدخل القضاء, ويتضح دوره جلية في دعم التحكيم سواء كان تحكيما وطنيا أو دوليا في مراحل سير الدعوى التحكيمية وحتی نهايتها. هذا الدور الرقابي للقضاء يتجسد في توافر الضمانات الإجرائية والموضوعية التي تكفل صحة أعمال الهيئة التحكيمية ونتائجها المنهية الدعوى التحكيم وحماية الأطراف المتخاصمة.
Résumé:
Le processus d'arbitrage est mené dans le cadre du régime juridique établi par la législation moderne, les lois nationales d'arbitrage, les règlements du système d'arbitrage et conventions internationales, et pour que ce processus arbitral soit efficace, exigent une intervention judicaire dont le rôle est évident pour appuyer l'arbitrage, qu'il soit national ou international, dans les étapes et jusqu'à la fin d'une procédure arbitrale.
Ce rôle de contrôle du pouvoir judicaire se reflète dans la disponibilité de garanties procédurales et objectives pour assurer la validité des actes des arbitres et leurs conséquences finales pour l'arbitrage et la protection des parties accusatoires. Mots clés:
Arbitrage, régime juridique, intervention judicaire, procédure arbitrale, des parties accusatoires.
مقدمة عامة:
التحكيم وسيلة للتقاضي يستند في المقام الأول على مبدأ سلطة الإرادة وحسن نوايا الأطراف المتخاصمة بشأن الإجراءات الواجب اتخاذها، حسب العقد.
ومجال التحكيم كنظام بديل سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي شأنه شأن القضاء الوطني قد يحدث تعارض في المصالح بين الخصوم تؤدي إلى إستنفاذ مهمة المحكم وسلطته وهذا الإشكال يطرح في حالة عدم وجود شرط في إتفاقية التحكيم يؤدي إلى إستمرار الخلاف بين الأطراف.
وفي هذا الإطار سایرت الاتجاهات التشريعية الحديثة بمنح القضاء دورا إيجابيا مزدوجا يسهم في خلاله في تحقيق فاعلية التحكيم وذلك من خلال إفساحها المجال لتدخل قضاء الدولة لمساعدة التحكيم منذ ميلاد الاتفاق حتى صدور الحكم والتدخل القضائي في مجال التحكيم يكون عن طريق منح إجازة للطرف المتضرر إلى اللجوء للسلطة القضائية الحل المشاكل المتعلقة برد المحكم أن يفصل القاضي المختص في النزاع في ذلك بأمر منه بناء على طلب الطرف المتضرر.
ونظرا لشاسعة الموضوع وإرتباطه بالعديد من المسائل التي تفرزها طبيعة التحكيم كوسيلة من الوسائل البديلة لحل النزاعات. سترتكز الدراسة على الإجابة على الإشكالية المطروحة حول مدى دور القاضي المختص في العملية التحكيمية من خلال التصميم التالي: المحور الأول يتعلق بمفهوم الرقابة القضائية, والمحور الثاني نعالج الإختصاص القضائي في هذه المسألة. ا. مفهوم الرقابة القضائية على محكمة التحكيم.
1- تعريف الرقابة القضائية.
2- أنواع الرقابة القضائية.
||. الإختصاص القضائي.
1- الإختصاص النوعي.
2- الإختصاص الإقليمي.
1 - مفهوم الرقابة القضائية على محكمة التحكيم
إنسجاما مع البيئة التجارية بعد التحكيم كضمانة لوجستية لإنهاء المنازعات نهاية طبيعية بصدور الحكم النهائي بموجب إتفاق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم كوسيلة من الوسائل البديلة لحل النزاع لكن الواقع العملي يبين حالات قد تنتاب الدعوى التحكيمية أثناء سيرها تؤدي إلى خلق صعوبات ونزاعات تثار حول أعمال المحكم.
لذلك سعت التشريعات الحديثة إلى مسايرة سمة تطور الثقافة التحكيمية من خلال الصياغة القانونية التي تحمل في نصوصها ضمانات كوسيلة حماية ذاتية للدعوى التحكيمية من بينها التشريع الجزائري اذ سعى الى اصدار القانون 09-08 المؤرخ في 25 فبراير 2008 المتضمن قانون الاجراءات المدنية والادارية ومن هذا المنطلق نستعرض في هذا المحور الأول نقطتين: النقطة الأولى تعريف الرقابة القضائية والنقطة الثانية إلى أنواعها.
1- تعريف الرقابة القضائية.
2- أنواع الرقابة القضائية.
1- تعريف الرقابة القضائية:
الأصل أن القضاء الوطني لا يتدخل في الدعوى التحكيمية، طبقا لإرادة الأطراف التي إرتضت أن تعهد الفصل في النزاع إلى جهة أخرى غير الجهة النظامية للدولة. وقد أخذت المحكمة العليا بهذا المنطق حيث جاء في قرار لها: " يدرج الإختصاص بالفصل في النزاعات الناجمة عن العقود إلى التحكيم , في حالة ما إذا إتفق الأطراف على إحالة النزاعات عليه, کشرط تحكيم في بند العقد ذاته."
إلا أن هذا لا يعني حتما قطع الصلة بينهما ذلك أن حرية الأشخاص في الإتفاق على اللجوء إلى التحكيم قد تنقلب مضارة كبيرة إذا تركت دون رقابة. ويتجه رأي المحكمة العليا نحو هذا الحل في التحكيم الوطني حين أكدت في قرارها :" الجمعية العامة لشركة المساهمة مستقلة في معاملاتها التجارية ,عن مجلس مساهمات الدولة. لا يؤثر طلب مجلس مساهمات الدولة التحكيم على صحة التحكيم الحاصل بين شركتين خاضعتين للقانون التجاري.
ويبدو أن محكمة العليا قد ساندت بصفة قطعية هذه الحماية عند تعهدها بقضية إبطال قرار تحكيمي دولي صادر عن محكمة التحكيم الدولي بباريس ( فرنسا) بتاريخ 2007/10/25. فقد رفضت المحكمة العليا الأخذ بالدفع المذكور متعللة في ذلك أن : "قرار التحكيم الدولي , الصادر خارج التراب الوطني غير قابل للطعن فيه بالإلغاء والتعديل أمام الجهات القضائية الجزائرية حتى ولو تعلق الأمر بالنفاذ المعجل.
يقصد بالرقابة القضائية على المحكم التحقق من صحة عمله أثناء إدارته للدعوى التحكيمية وحثه على بذل العناية للوصول إلى النتيجة التي يهدف إليها الخصوم من اللجوء إلى التحكيم, فهي تؤدي دورا مزدوجا أحدهما وقائي متمثلا
في حرص المحكم على تطبيق السليم للقانون والآخر علاجي يتمثل في إلغاء الحكم أو رفض تنفيذه عند تحقق أحد أسباب رفض التنفيذ.
بهدف ضمان صحة الحكم والحفاظ على الجوهر القضائي السليم لخصومة التحكيم.
تتم هذه الرقابة القضائية أثناء سير إجراءات العملية التحكيمية بمناسبة طلب من صاحب المصلحة سواء عند إعتراض صعوبات لدى هيئة التحكيم، كحالة الرد أو عزل المحكمين وإستبدالهم أو بمناسبة دعوى المسؤولية التي تقع على المحكمين. الفرع الأول: المعنى اللغوي والإصطلاحي للرقابة القضائية.
نتعرض تباعا إلى التعريف اللغوي ثم إلى التعريف الإصطلاحي .ولمعرفة مختلف هذه التعاريف الواردة بخصوصها نستعرضها كالآتي:
أولا : الرقابة لغة :
إن لفظ الرقابة في اللغة العربية هو مصدر فعل رقب بفتح الراء, كما جاء في رائد الطلاب لجبران مسعود : يقال مراقبة ورقابا بكسر الراء أي لاحظ ضميره في العمل.
وقد جاء مصطلح الرقابة القضائية في اللغة الفرنسية بمعنى المراجعة القضائية.
ثانيا: الرقابة إصطلاحا:
تتميز الدراسات القانونية والفقهية التي تناولت بالبحث موضوع الرقابة القضائية على مسائل التحكيم بإفتقارها إلى إي إشارة إلى تعريف لهذا المصطلح القانوني يعطي مفهومه ودلالته الواضحة التي يتميز بها سوى ما أورده الفقه في مجال الرقابة الإدارية والدستورية.
تعد الرقابة القضائية, عملا قانونيا تقوم به هيئة قضائية تتسم بالكفاءة القانونية والخبرة الواسعة إلى جانب المؤهلات العلمية تجعلهم قادرين على التصدي لأي عمل قضائي يواجههم.
تمارس الرقابة القضائية على مشروعية أعمال المحكمين التي كفلتها التشريعات الحديثة وقوانين التحكيم الوطنية من طرف القضاء في كل مناسبة يعرض عليه فيها جانب من جوانب خصومة التحكيم إنطلاقا من الحرص على تدعيم سير خصومة التحكيم وتحقيق الهدف الذي يراد تحقيقه. فالقاضي والمحكم يلتقيان حول هدف واحد وهو تقديم تقديم حكم له من عناصر الصحة ما يرشحه للتنفيذ من خلال أفعال وسلوك المحكمين في إدارتهم للدعوي التحكيمية.
وعلى العكس من ذلك فإن الرقابة لا تهدف إلى تعطيل سير عمل المحكم أو تنقص من حرية الخصوم أو خضوع المحكمين لتبعية القضاء، وإنما المغزى يتمثل في الحفاظ على مقتضيات الجوهر القضائي لخصومة التحكيم. تتمثل في منح القضاء دورا رقابيا فعالا إزاء هذه الخصومة لذلك جاء موقف التشريعات الحديثة وقوانين التحكيم الوطنية مسايرا للاتجاه الحديث للثقافة التحكيمية الذي منح القضاء دورا شاملا في نطاق التحكيم برمته.
بعد هذا العرض يتضح أن الرقابة القضائية على أعمال المحكمين تدل على التأكيد مبدأ التعاون فيما بين السلطة القضائية والسلطة التحكيمية لتحقيق أهداف التحكيم وفاعليته الذي وجد من أجلها والدليل على ذلك مشروعية تصرفات أعضاء هذه الأخيرة.
سنقف على أهم صور هذه الرقابة من خلال تتبع سلطة الفصل من خلال تفصح إتفاق التحكيم والنظر في الطعون بشأن مسائل الرد للمحكمين وعزلهم ثم سلطة الرقابة القضائية على الأحكام التحكيمية في الفرع الموالي.
2- أنواع الرقابة القضائية.
أناطت التشريعات الحديثة وقوانين التحكيم الوطنية بالمحكمة المختصة للنظر في النزاع عدة صلاحيات تتعلق بإختصاصها بعد إخطارها من طرف أحد طرفي التحكيم، الذي من له المصلحة للنظر في مسألة التحكيم المنصوص عليها في المنظومة القانونية وطنيا ودوليا. ومن هنا يتضح العمل الرقابي كما يلي:
أولا: الرقابة على الصعوبات التي تعترض محكمة التحكيم.
الأصل في تشكيل هيئة التحكيم أن يتم بإتفاق الأطراف من محكم أو أكثر بعيدا عن تدخل القضاء وذلك إعمالا المبدأ سلطان الإرادة الذي يشكل أساس العمليات التحكيمية, وتكون هيئة التحكيم مشكلة إما من محكم فرد كما تكون مشكلة من ثلاثة محكمين.
ومجال التحكيم مثله مثل القضاء تتعارض المصالح بين الخصوم ومن ثم تتضاءل فكرة تعاونهم مع هيئة التحكيم, مما يتولد عنها أحيانا نشوب خلافات ومنها يبرز فيها دور القضاء في التحكيم.
عالج المشرع الجزائري كغيره من المشرعين حالات التي تسبب في حالة حدوثها شغور منصب المحكم وبالنتيجة تعطيل في سير الإجراءات, حيث نصت المادة 1021 في فقرتها الأولى من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه:" لا يجوز للمحكمين التخلي عن المهمة إذا شرعوا فيها, ولا يجوز ردهم إلا طرأ سبب من أسباب الرد بعد تعيينهم."
يستنتج من هذه المادة قد عالجت حالات تدخل القضاء في إعادة تشكيل هيئة التحكيم أثناء سير في الخصومة التحكيمية مع إبقاء إرادة الأطراف سابقة على تدخل المحكمة هذه الحالات المسببة في نتيجة شغور منصب المحكم بسبب الرد متى تحققت أسبابه أو العزل وبالتالي تعطيل العملية التحكيم كما يعد عدم الإفصاح المحكمين للأطراف عن العلاقات التي تربطه بأحدهم والتي من شأنها التأثير على إستقلاله من الأمور التي تتدخل فيها المحكمة كمظهر هام من مظاهر الرقابة أثناء إجراءات التحكيم".
ومثال ذلك حالة طلب أحد أطراف النزاع رد المحكمين أو عزلهم، وهو حق مكفول في القوانين الوطنية التي تمنح الحق للخصم أن يطلب من القاضي رد المحكم, إذ يتمتع القضاء بسلطة تقديرية لممارسة دورة رقابية هامة من خلال رفض أو قبول الفصل في رد المحكمين أو عزلهم.2 ثانيا: الرقابة القضائية بسبب سلوك المحكم الشخصي.
أن دور المحكمة المختصة لا يقف عند صعوبة تشكيل الهيئة, وإنما يمتد هذا الدور الرقابي أثناء السير في إجراءاته وحتى نهايته وذلك للحفاظ على عدالة وفاعلية نظام التحكيم, ومن بين السلوكيات التي يرتكبها المحكمون الشخصية ما يلي:
- تجاوز الإختصاصات المخولة للمحكمين أو عدم إحترام قواعد الإجراءات الأساسية وفصلوا بما يخالف المهمة المسندة إليهم مما يسبب ضياع وقت الأطراف وجهدهم.
- الانسحاب من الإجراءات دون توافر سبب مشروع لذلك.
- الإخلال بمبدأ أساسي من مبادئ حق الدفاع.
- إذا تسبب في صرف مبالغ كبيرة أثناء سير الإجراءات بما لا يتناسب مطلقا مع قيمة النزاع وظروف التحكيم.4 وبعد هذا العرض فقد حاولنا الوقوف بشكل موجز على بعض الإختصاصات الهامة للمحكمة المختصة التي تبدأ مع الدعوى التحكيمية التي تظهر في صورتين, الأولى هي حماية ضمانات الأطراف إتجاه سلوك المحكمين لما يتمتع به من ضمانات تكفل سلامة العدالة ,أما الثانية تتمثل في مدى إحترام المحكمين للمهمة المسندة إليهم. وعليه يستمد التحكيم جذوره من العدالة والمصلحة.
II. الإختصاص القضائي في العملية التحكيمية.
شكل مجال التحكيم آلية لإستبعاد القضاء الرسمي للفصل في النزاعات كما تم الإشارة إليه في قرار المحكمة العليا الصادر عن الغرفة التجارية و البحرية بتاريخ 2010/06/03 على أن : "لا يمكن التحجج بالحق الدستوري في التقاضي لإستبعاد إعمال شرط اللجوء إلى التحكيم المتفق عليه." ا فإن الرقابة القضائية تبقى ضرورة حتمية في هذا المجال وذلك حماية الإرادة الأطراف وهو ما يتبلور من خلال مراقبة القاضي للعملية التحكيمية برمتها.
ولم يغب عن المشرع الجزائري على غرار التشريعات الحديثة وقوانين التحكيم الوطنية دور القضاء في مساعدة المحكمين والأطراف على حد السواء فإختص الجهاز القضائي بالنظر في مطالب الخصوم منها رد المحكمين وعزلهم واستبدالهم وإلى جانب دور القاضي في تحديد مسؤولية المحكمين.
نتطرق في هذه الدراسة بالحديث إلى المجالات التي يمكن للقاضي أن يتدخل فيها أثناء سير إجراءات العملية التحكيمية التي تقتضي تطبيق القواعد القانونية الوطنية والأجنبية والإتفاقيات والمعاهدات الدولية تحتم على القاضي التمحص والتثبت من الطلبات المقدمة إليه خاصة وأن تطور نظام التحكيم بالجزائر مرتبط بما سيوفره الإجتهاد القضائي من حلول ومواقف قد تدعم هذا المجال القانوني.
إن التطور التاريخي لمجال التحكيم أصبح بجانب القضاء ضرورة لحماية حقوق ومصالح الأطراف بموجب الدساتير منها الدستور الجزائري الذي يحدد وظيفة السلطة القضائية بعد إرتفاع عدد القضايا التحكيمية في السنوات الماضية، وزيادة تعقيداتها بمنح القضاء الوطني إختصاص ذو طبيعة خاصة.
وبهدف إرساء الضوابط التي تكفل حسن سير الدعوى التحكيمية طبقا للقاعدة أن " محكمة البداية هي محكمة النهاية". بمعنى أن تظل المحكمة التي ينعقد لها الإختصاص دون غيرها صاحبة الإختصاص حتى إنتهاء جميع إجراءات التحكيم, وفي ذلك ما يصون منازعة التحكيم تصدى المشرع الجزائري في قانون 08-09 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية بنصوص صريحة تحدد فلسفته بشأن تحقيق فاعلية التحكيم وضمانا لصحة إجراءاته, هذا الدور الإيجابي المزدوج يظهر من خلال منح المحكمة المختصة سلطة رد المحكمين وعزلهم وإستبدالهم, بناء على طلب من يهمه التعجيل.
مما يؤكد هذا على أن أن المشرع الجزائري لم يلغ الدور الذي يقوم به القاضي في الطرق العادية لحل النزاعات إذ إحتفظ بسلطة مراقبة الحلول المتوصل إليها بواسطة هذه الوسيلة منذ بدايتها إلى غاية مرحلة نهاية الدعوى التحكيمية.
ويفرض المنطق القانوني أن تلتزم محاكم الدولة التي يجري فيها التحكيم بتفعيل آلية الرقابة للتحقق من نزاهة عملية التحكيم إعمالا لضابط النظام العام في الدولة, بهدف إحباط أعمال التي شابها أفعال تدليس وغش أو تجاوز من طرف المحكمين حرصا منها على توفير الحد الأدنى من الرقابة الذي لا يجوز التنازل عنه بحال من الأحوال.
والإختصاص عموما سواء كان نوعي أو إقليمي يقصد به ولاية جهة قضائية معينة للفصل في الدعوى دون غيرها. وهذا الأخير هو موضوع نقاشنا وهنا يطرح الإشكال فيما يتمثل الإختصاص النوعي والإختصاص الإقليمي.
1- الإختصاص النوعي إن معنى الإختصاص النوعي إذا ما حاولنا تحديده فيمكن القول بأنه سلطة جهة قضائية معينة للفصل دون سواها في دعاوى معينة أي يتم تحديد الإختصاص النوعي بالنظر إلى موضوع الدعوى وطبيعة النزاع والمبدأ العام أن قواعد الإختصاص النوعي متعلقة بالنظام العام, أي لا يجوز الإتفاق على مخالفتها, ويثيرها القاضي من تلقاء نفسه وفي أي مرحلة من مراحل الدعوى.
إن القاعدة العامة لإختصاص النوعي للمحكمة المختصة بالنظر في مسائل التحكيم يتحدد وفق للمعيار النوعي الطبيعة ونوع النزاع المعروض عليها منها:
أولا : رئاسة المحكمة.
تأكيدا لإشراف الدولة على نظام التحكيم, حرصت التشريعات الحديثة وقوانين التحكيم الوطنية على منح لمحاكم الدولة الإختصاص بنظر في بعض مسائل التحكيم, ويختلف الإختصاص حسب نوع التحكيم سواء على المستوى الوطني أو الدولي .
ويكون إختصاص رئاسة المحكمة بهذه المسائل إختصاصا نوعيا متعلق بالنظام العام, فلا يجوز رفع أية مسألة من هذه المسائل إلى محكمة من محاكم أخرى بإعتبارها هي غير مختصة نوعيا بها, إذا كان النزاع المطروح يدخل في ولاية القضاء الإداري, فإن محكمة القضاء الإداري تكون هي صاحبة الولاية. وإذا كان النزاع يندرج ضمن ولاية القضاء المدني تحدد إختصاص المحكمة وفقا لقواعد الإختصاص النوعي والإقليمي التي تطبق على طبيعة النزاع و منصوص عليها قانونا.
من هنا كان إعتراف المشرع الجزائري لقضاء التحكيم بصلاحية الفصل في بعض النزاعات إلى جانب قضاء الدولة خطوة مهمة في مجال تدعيم الوسائل البديلة لحل المنازعات في الجزائر إلا أن هذا الإعتراف لا يعني تخلي القضاء الرسمي للدولة على سلطة الرقابة عن أعمال المحكمين والأحكام التي يصدرونها, بل تبقى العلاقة قائمة بينهما فيما يخص الإشراف والرقابة على أعمال الهيئة التحكيمية. أما بخصوص موقف قانون التحكيم السعودي, وقانون التحكيم المصري, فقد إعتبرا المحكمة المختصة هي صاحبة الولاية في التحكيم.
في هذا الصدد فصلت محكمة الإستئناف الأمريكية ( الدائرة التاسعة) في حكمها الصادر بتاريخ 2019/01/28 على أن:" لقد أصبحنا دولة تحكيم, وأصبح المحكمون ينظرون في عدد متزايد من النزاعات بدلا عن القضاء, وعلى الرغم من أن للقضاء والمحاكم دور محدود في مراجعة أحكام التحكيم فإن الواجب الملقى على عاتق القضاء يبقى مهما.
فعندما يقوم أحد المحكمين بتجاهل نص الإتفاق المبرم بين الأطراف والاستخفاف به دون مبرر قانوني لمجرد الوصول إلى نتيجة يعتقد أنها عادلة, عندها يجب على القضاء التدخل.
وتتلخص القضية في إبرام شركة خاصة بالبناء والإنشاءات عقدا مع مقاول من الباطن لتنفيذ أعمال إنشائية في قواعد للجيش الأمريكي في أفغانستان.
بعد إنتهاء الأعمال قام المقاول من الباطن باللجوء للتحكيم مطالبا الشركة بتعويضات إضافية غير منصوص عليها في العقد المبرم بين الطرفين وفي النهاية حكم المحكم لصالح المقاول من الباطن ... وبرر المحكم قراره بأنه:" من غير المعقول أن يكون المتعاقدون من الباطن العاملين في أفغانستان قادرين على الإلتزام بالمتطلبات الصارمة والتفصيلية للمتعاقدين العمومين على المشاريع الفيدرالية داخل الولايات المتحدة .
" لجأت الشركة للقضاء الأمريكي مطالبة بإبطال حكم التحكيم. ووجدت محكمة الإستئناف الأمريكية ( الدائرة التاسعة - كاليفورنيا) أن قرار المحكم قابل للبطلان لأن المحكم قد أصدر قرارا غير عقلاني بشكل كامل. وأن المحكم لم يطبق الأحكام الجوهرية في الإنفاق الموقع بين الطرفين, وأن المحكم تجاوز سلطاته وفشل في إستخلاصة حكمه من العقد المبرم بين الطرفين والحكم الصادر عنه غير منطقي بتاتا .
يمكن القول إن الوظيفة الأساسية للمحكمة المختصة بالنظر في مسائل التحكيم هي تحقيق وحدة القضاء وإتفاق التحكيم وحمل الأطراف والمحكمين على إحترام مقتضيات القانون. فمهمة المحكمة المختصة هي مهمة قانونية تتمثل في تدعيم العملية التحكيمية برقابة شرعية ومدى التطبيق السليم للمحكمين لأعمالهم إذ كل خطأ في عمل المحكم يمثل إعتداء على التطبيق السليم للإتفاقية والذي يعرقل بالضرورة طريق المحاكمة العادلة.
ثانيا : قاضي الموضوع.
أكد المشرع الجزائري في قانون رقم 08-09 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية على ترتيب المسؤولية المدنية للمحكم بإعتبارها مدخلا لرقابة قضاء الموضوع وإذ شدد المشرع نوعا ما في مسؤولية الهيئة التحكيمية وجعلها تثور بمجرد قبول المهمة التحكيمية لا من تاريخ الشروع في إجراءات الدعوى التحكيمية القصد منه منع وقوع تصرفات تعسفية تسويفية التي تلحق أضرار في حق الخصوم.
ويعد إهدار الضمانات الجوهرية الممنوحة للأطراف عند تخلي المحكمين عن المهمة المسندة إليهم بعد الشروع فيها و قبل إنتهائها, دون مبرر شرعي يسمح بذلك , فالنص جاء بصيغة العموم وبالتالي فسواء تم البدء في الإجراءات أو قبل ذلك، لكن المشرع لم يجعل هذا الشرط كافيا إلا إذا إقترن بإخطار الأطراف بأي طريقة من طرق التبليغ المعتد بها قانونا. فكل هذه المعايير تؤخذ بعين الإعتبار في تقدير التعويض مع قدر الخطأ والضرر الناتج عنه.
أما بخصوص الجهة القضائية المخول لها النظر في هذا الإطار هو القضاء المدني وفق قواعد المسؤولية العقدية نظرا لكون العقد الذي يربط بين المحكم و الأطراف وهو إتفاق أو وثيقة الشروع في المهمة التحكيمية فهو ملزم الجانبين ولا يمكنه إنهائه بإرادة منفردة من قبل المحكم بدون سبب مشروع وعلى هذا الأساس تشدد المشرع الجزائري في مسؤولية المحكم المدنية.
إضافة للتدخل القضائي بموجب المسؤولية المدنية المحددة لصلاحية قبول مهمة التحكيم وقواعد صحتها فقد أسس المشرع الجزائري لرقابة القضاء الجزائي على إلتزام المحكم بواجب إحترام السر المهني الناشئ في نص المادة 1025 من قانون رقم 08-09 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية. وفي هذا السياق تعرض المشرع الجزائري إلى مسؤولية المحكم الذي يفشي سره المهني بصورة ضمنية بإحالة ذلك إلى المادة 301 من قانون العقوبات من الناحية الجزائية'. ومع ذلك فلا يوجد ما يمنع من ترتيبها حتى على المستوى المدني تطبيقا للقواعد العامة المنظمة للمسؤولية.
ومن هذا المنطلق شدد المشرع الجزائري إلى حد ما في الرقابة على صلاحية الهيئة التحكيمية, وذلك بمساءلة المحكم أو المحكمين إذا قصر بأي من الواجبات الملقاة على عاتقه, ويكون لمن تضرر من طرفي النزاع جراء ذلك
حق مقاضاته لمطالبته بالتعويض وفقا للإجراءات المعتادة لرفع الدعاوى العادية وأمام المحكمة المختصة بنظرها طبقا للقواعد العامة.
وعليه يعهد لقضاء الموضوع بسط رقابته بالنظر في دعوى مسؤولية المحكمين, لأن مضمون الدعوى هو المطالبة بحق مدني وفي حالة إرتكابه جنحة غش أو حصول على رشوة أو تزوير في الوثائق المتحصل عليها أو تحريفها حينها يتعرض المحكم إلى المساءلة الجزائية.
2 2- الإختصاص الإقليمي.
بعد أن عرفنا كيفية توزيع الدعاوی بین رئاسة المحكمة وقاضي الموضوع يبقى لنا تحديد ماهي الجهة القضائية المختصة محليا للنظر في المسائل التحكيم.
يفرق المشرع الجزائري على غرار التشريعات الحديثة وقوانين التحكيم الوطنية بين نوعين من التحكيم الداخلي والتحكيم التجاري الدولي من حيث الإختصاص الإقليمي حسب المادة 1041 من قانون 08-09 المتضمن قانون الاجراءات المدنية والادارية.
أولا : التحكيم الداخلي.
يكون التحكيم وطنيا, ويتم إستنادا على شرط التحكيم الذي يتضمنه العقد المبرم بين الطرفين من جنسية واحدة يعرضان بمقتضاه النزاع التي تثار حول الحقوق التي أجازها المشرع الجزائريه , فإن الإختصاص يكون للمحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع مكان التنفيذ. أي للمحكمة المختصة وفقا لقواعد الإختصاص التي ينص عليها القانون. ويعد المعيار الترابي أساسيا لتكييف التحكيم الداخلي
ويستوي أن يكون هذا التحكيم تجاريا دوليا قد جرى أو كان جاريا أو سيجري في الجزائر حسب المادة 1041 في البند الأول من قانون الإجراءات المدنية والإدارية. على غرار المشرع الفرنسي في المادة 1505 من أمر عدد 48 لسنة 2011 المتعلق بإصلاح التحكيم على أن:
- في مسائل التحكيم الدولي, يكون قاضي الدعم في إجراءات التحكيم ما لم ينص على خلاف ذلك, رئيس محكمة باريس الكبرى عندما:
-1- يتم التحكيم في فرنسا أو
-2- إتفق الطرفان على عرض التحكيم على قانون الإجراءات الفرنسي أو
-3- أعطى الأطراف صراحة الولاية القضائية لمحاكم الدولة الفرنسية للنظر في النزاعات المتعلقة بإجراءات التحكيم أو يتعرض أحد الطرفين لخطر الحرمان من العدالة.
نفس الموقف إتخذته قوانين التحكيم الوطنية العربية منها قانون التحكيم الفلسطيني وقانون التحكيم المصري من خلال ما تقدم يمكن بيان الإختصاص الإقليمي على مستوى التحكيم التجاري الدولي كما يلي: ثانيا : التحكيم التجاري الدولي.
يكون التحكيم التجاري الدولي حسب قواعد اليونسترال والتشريعات الحديثة وقوانين التحكيم الوطنية إذا كان موضوعه نزاعا يتعلق بالتجارة الدولية وذلك في الأحوال التالية :
: أولا : إذا كان المركز الرئيسي لأعمال كل طرفي التحكيم يقع في دولتين مخلفتين وقت إبرام إتفاق التحكيم
فإذا كان أحد الطرفين عدة مراكز للأعمال فالعبرة بالمركز الأكثر إرتباطا بموضوع إتفاق التحكيم, و إذا لم
يكن لأحد طرفي التحكيم مركز أعمال فالعبرة بمحل إقامته المعتاد.
ثانيا : إذا كان موضوع النزاع الذي يشمله إتفاق التحكيم يرتبط بأكثر من دولة واحدة.
ثالثا : إذا كان المركز الرئيسي لأعمال كل من طرفي التحكيم يقع في نفس الدولة وقت إبرام إتفاق التحكيم
وكان أحد الأماكن التالية خارج هذه الدولة. أما المشرع الجزائري نص في المادة 1039 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على التحكيم دولي في حالة وجود نزاعات تتعلق بالمصالح الإقتصادية لدولتين, فالأمر هنا حصره في المجال الإقتصادي, دون غيره.نفس موقف نجده لدى المشرع الفرنسي إذ ينص في المادة 1504 من أمر عدد 48 لسنة 2011 المتعلق بإصلاح التحكيم الفرنسي على أن :" هو التحكيم الدولي الذي ينطوي على مصالح الدولية.
وفي حالة نشوء نزاع بين الخصوم, يجوز للطرف المعني بالأمر اللجوء إلى محكمة الجزائر إذا كان التحكيم يجري في الخارج وإختارت الأطراف المتخاصمة تطبيق قواعد الإجراءات المدنية والإدارية هذا ما أقرته المادة 1041 في بندها الثاني.
كما يجدر الإشارة فقد استحدث المشرع الجزائري في قانون رقم 08-09 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية عكس القانون القديم الملغى مادة جديدة تخص في حالة عدم تعيين الجهة القضائية المختصة التي يؤول اليها الإختصاص في إتفاقية التحكيم و تغاضى الأطراف عن ذكرها. هنا يكون الإختصاص إلى المحكمة التي يقع في دائرتها مكان إبرام العقد أو مكان التنفيذ بموجب المادة 1042 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تنص على أنه: " إذا لم تحدد الجهة القضائية المختصة في إتفاقية التحكيم و يؤول الإختصاص إلى المحكمة التي تقع في دائرة إختصاصها مكان إبرام العقد أو مكان التنفيذ." نفس الموقف أخذه المشرع الفرنسي إذ نص في المادة 1459 من أمر عدد 48 لسنة 2011 المتعلق بإصلاح التحكيم الفرنسي على أن :
- القاضي المساعد المختص هو رئيس محكمة الدرجة الأولى.
- ومن ذلك, إذا نص إتفاق التحكيم صراحة على ذلك, يكون لرئيس المحكمة التجارية صلاحية النظر في الطلبات المقدمة تطبيقا للمواد 1451 إلى 1454 , في هذه الحالة, يجوز له تطبيق المادة 1455.
- إن القاضي ذي الإختصاص الإقليمي هو الذي تحدده مقره في هيئة التحكيم, أو إذا لم يكن ذلك هو الذي تم تحديده مقره في هيئة التحكيم في حالة عدم وجود أي نص في إتفاقية التحكيم, يكون القاضي المختص إقليميا هو المكان الذي يعيش فيه المدعى عليه أو أحد المدعى عليهم في الحادث أو إذا لم يكن المدعى عليه يعيش في فرنسا, المكان الذي يقيم فيه مقدم الطلب.
كما تنص المادة 1460 من نفس الأمر على كيفية إستدعاء القاضي المساعد والتي تتم إما عن طريق أحد الأطراف أو من طرف محكمة التحكيم الذي يقدم إليه الطلب مثل ما هو ساري في المواد الإستعجالية. وعلى القاضي المختص إصدار أمر لا يقبل الطعن.
نستخلص في الأخير، أن موقف التشريعات الحديثة في ظل تطور الفكر التحكيمي الحديث جاء مسايرا لإتجاه الحديث الذي منح القضاء دورا شاملا في بعض مسائل التحكيم إذ لا يقتصر على مرحلة إصدار الأمر بالتنفيذ وإنما أصبح حتى عند إعتراض صعوبات في تشكيل الهيئة التحكيمية أثناء سير إجراءات الدعوى التحكيمية.
وهنا يتحدد عمل الإختصاص القضائي بالنظر في مسائل التحكيم بحسب الأصل كهيئة قضائية مقومة لأعمال المحكمين من خلال الطلبات المقدمة من طرف الأطراف, هذا ما يفيد أن المحاكم المختصة تلعب دورا فعالا في ضمان التطبيق السليم للقانون عن طريق إقرار هذه الرقابة دستوريا و قانونيا.
ومجمل القول أن هذه الرقابة القضائية لا تهدف إلى تعطيل سير الدعوى التحكيمية أو عرقلة أعمال المحكمين أو تنقص من حرية الأطراف التي كفلتها التشريعات وقوانين التحكيم الوطنية، بقدر ما هي إلا صورة عاكسة لمدى إحترام المحكمين وإلتزامهم بضمان المحاكمة العادلة ,فالقاضي والمحكم يلتقيان حول هدف واحد هو تحقيق مصلحة عامة تكفل حماية الأطراف ومصالحهم.