الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم الإجباري / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / دور التحكيم في فض المنازعات الإدارية ( دراسة مقارنة ) / موقف الفقه والمشرع من التحكيم الإجباري

  • الاسم

    محمد عبدالتواب عبدالحسيب
  • تاريخ النشر

    2021-01-01
  • عدد الصفحات

    732
  • رقم الصفحة

    403

التفاصيل طباعة نسخ

موقف الفقه والمشرع من التحكيم الإجباري

أولاً : موقف الفقه الفرنسي، والمصري

   يرى البعض أن التحكيم الإجباري مهما كانت صوره؛ فإنه لا يعتبر تحكيماً بالمعني الفني الدقيق لتخلف أهم عناصر التحكيم، وهو إرادة الأطراف، وعبروا عن التحكيم الإجباري، بأنه بمثابة قضاء استثنائي ليس له من التحكيم سوى اسمه. في حين يرى آخرون أن التحكيم الإجباري، يعتبر تحكيماً بالمعنى الفني الدقيق. بينما يتخذ البعض الآخر موقفاً وسطاً، فيرى أن التحكيم الإجباري لا ينطبق عليه وصف التحكيم بمعناه الفني الدقيق في حالة عدم ترك المشرع أي مساحة الحرية الأفراد سواء في اللجوء إلى التحكيم أم في الإجراءات المتبعة أمام هيئة التحكيم، والتي تكون محدده تشريعاً مسبقاً، فهذا النوع يبعد عن واقعية التحكيم، ويخرج عن مفهومه الفني؛ لأن التحكيم ولو كان إجبارياً، فهو يقوم على مبدأ سلطان الإرادة، بحيث إذا انتفت هذه الإرادة، فلا نكون بصدد تحكيم، وإنما نكون أمام قضاء دولة عادي، ويكون المحكم كالقاضي العادي تماماً لا نفرقه عنه إلا طبيعة وظيفة القاضي، أما إذا فرض المشرع التحكيم على الخصوم وترك لهم الحرية في الاتفاق على تحديد الإجراءات المتبعة أمام هيئة التحكيم وإمكانية اختيارهم للمحكمين، فيكون التحكيم الإجباري متفقا والتحكيم بمفهومه المتعارف عليه في هذا الشأن، ويمكن تناول موقف كل من المشرعين الفرنسي والمصري على النحو التالي: ثانياً : موقف المشرع الفرنسي، والمصري

   عرفت فرنسا التحكيم الإجباري قديماً وسط القرن الرابع عشر تقريباً فكان التحكيم إجبارياً في المنازعات القائمة بين التجار وطلبات تقسيم التركة في بعض منازعات الأسرة .

   واستمر الأخذ بالتحكيم الإجباري لفترة زمنية محدودة، وفي نزاعات معينة؛ فقد أخذ به المشرع الفرنسي في منازعات العمل الجماعية، وكانت بسبب ظروف استثنائية، واستمر العمل به لفترة غير طويلة، حيث امتد لما يقرب من ثلاث سنوات في الفترة من 1936 بموجب قانون 31 ديسمبر 1936 بالمادة 29 حتي عام 1939 بموجب القانون الصادر في 4 مارس 1938 .

   وقد كان للتحكيم الإجباري فاعليته في هذا الوقت، وبالنسبة لهذا النوع من المنازعات سواء لتسويته له سلمياً أم للحد من الاضطرابات التي كان يقوم بها العمال في ذلك الوقت، وعلى الرغم من نجاح التحكيم الإجباري، إلا أن المشرع عدل عنه، ولجأ إلى الأخذ بالتحكيم الإختياري في هذه المنازعات. وفي مصر نجد أن نصوص التحكيم الإجباري كانت متناثرة في كثير من التشريعات فعادة ما يرد التحكيم الإجباري في قانون خاص، يحدد فيه المشرع بعض الإجراءات مثل هيئة التحكيم التي لها ولاية نظر المنازعات الناشئة عن روابط قانونية معينة، فيلتزم الأفراد باللجوء إليها بدلا من القضاء.

   فقد أصدر المشرع بعض التشريعات لكي تبين عملية تنظيم التحكيم الإجباري في بعض المجالات، منها التحكيم الإجباري المنصوص عليه بمقتضى القانون رقم 48 لسنة 1977 والخاص بإنشاء بنك فيصل الإسلامي، والذي كان يفرض التحكيم الإجباري بالنسبة للمنازعات التي تنشأ بين البنك وعملائه، والتحكيم الإجباري في منازعات العمل الجماعية بمقتضي القانون رقم 137 لسنة 1981، حيث كانت تحال إلى التحكيم إجبارياً أية منازعة جماعية بصرف النظر عن نوع المنازعة وأهميتها.

   كما أدخل هذا القانون قواعد أخرى للتحكيم الإجباري تخص منازعات العمل الجماعية يتم اللجوء إليها إجبارياً، حيث أفرد هذا القانون فصلاً كاملاً، وهو "الفصل الثالث من الباب الرابع منه، والذي جاء تحت عنوان: "التسوية الودية والتحكيم في منازعات العمل الجماعية"، وهو يشتمل في المواد 93 وحتي 106، وطبقا للمادة 93 تسري أحكام هذا الفصل على كل خلاف أو نزاع خاص بالعمل أو بشروطه، والذي يقع بين واحد أو أكثر من أصحاب العمل وجميع عمالهم أو فريق منهم، وتستفاد إجبارية التحكيم من نصوص المادة 94 التي تحدد أولى مراحل تسوية النزاع بكونها الحل الودي عن طريق المفاوضات الجماعية، والمادة 95 التي تحدد ثانية مراحل التسوية إذا تعذرت التسوية الودية بكونها تعرض النزاع علي اللجان المحلية أو المجلس المركزي التسوية المنازعات التي يصدر بتشكيلها وبيان اختصاصها وإجراءاتها قرار من وزير العمل، وثالثة المراحل - إذا تعذر علي اللجان المحلية أو المجلس المركزي تسوية النزاع خلال ستين يوماً من تاريخ تقديم طلب التسوية - فيجب إحالة الأوراق إلى هيئة التحكيم المختصة خلال أسبوع من تاريخ تعذر التسوية ولا دخل لإرادة أطراف التحكيم في الموافقة على عرض المنازعة على التحكيم ولا في اختيار المحكمين، ويتم اللجوء إلى التحكيم الإجباري عند فشل أي محاولات تسوية المنازعة ودياً.

   كما أن قانون العمل رقم ۱۲ لسنة ۲۰۰۳ تضمن نصوصا للتحكيم الإجباري، ولكنه اختلف عن نصوص التحكيم الإجباري الواردة في منازعات العمل الجماعية السابقة له في أنه قصر التحكيم الإجباري على المنازعات التي تتعلق بالمنشآت الاستراتيجية والحيوية، وذلك في حالة عدم تسوية النزاع ودنيا، حيث أجاز لطرفي النزاع في حالة عدم قبول أي منهما لرأي من توسط في حل النزاع ودنيا الاتفاق على اللجوء إلى التحكيم الخاص بطلب من أحد طرفي النزاع يقدم إلى الجهة الإدارية المختصة هيئة التحكيم العمالية مثلاً - بإحالة النزاع مباشرة إلى هيئة التحكيم.

   كما توجد صورة للتحكيم الإجباري في بعض المنازعات الأخري مثل: التحكيم الإجباري في مجال القطاع العام والمؤسسات العامة منذ القانون رقم 32 لسنة 1966، مروراً بالقانون رقم 97 لسنة 1983 بشأن هيئات القطاع العام – المعدل بالقانون رقم 4 لسنة 2020 ، وكذلك التحكيم الإجباري الذي كان منصوصاً عليه في القانون رقم 66 لسنة 1963 في النزاع الذي ينشأ بين الجمارك وصاحب البضاعة حول نوعها أو قيمتها، والذي حل محله القانون رقم 207 لسنة 2020-، والقانون رقم 11 لسنة 1991 بشأن الضريبة العامة على المبيعات - والذي حل محله القانون رقم 67 لسنة 2016-، والخاص بقانون القيمة المضافة، وسوف نتناول بتفصيل أكثر تلك المنازعات الخاصة بهذه الأنواع الثلاثة، بوصفها أحد تطبيقات التحكيم الإجباري والتعديلات التشريعية التي طرأت على كل تطبيق.