الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم الإجباري / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية العدد 29 / تحكيم إجباري - دعوى الطعن فيه ومقتضيات بطلان حكـم التحكـيم الإتفـاقي تمتد إلى التحكـيم الإجباري - النزاع يصطبغ بصبغة اقتصادية ولا شأن لـه بتسيير الشؤون العامة وإدارتها – اختصاص المحكمة ولائيا - دلالة حيدة المحكم تختلف عن دلالة القاضي - قاضـي الـبطلان يتقيـد بالكـشـف عـن دلالـة هـذا المصطلح - شرط استقلال القاضي ليس أمـرا لـصيقا في تشكيل هيئة التحكيم - غياب حيدة المحكم تهـدر حكـم التحكيم برمته - المحكـم لا يتصرف علـى أنـه موظـف أو وكيـل أحـد الخـصوم - في الإجباري المشرع يسمح لكل خصم بتعيين موظفيـه أو مستخدمين كمحكمين - لا مانع أن تكـون مهمـة محـكـم كـل طـرف كـعـمـل المـحـامـي ودعوى البطلان لا تقبل إلا لميل المحكم الرئيس - عـدم حصول توافق أو تراض على اعتبار المحكم الذي اختاره كل طرف محاميا عنه - المحكمة لا تستنتج التراضي والتوافـق عـلـى ذلـك - مـحـامـي المـدعى عليهـا تـصرف كمحام دون تـراض - عـوار إجـرائـي يجـافي العدالة - المحكمة تقضي ببطلان الحكم التحكيمي.

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية العدد 29
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    607

التفاصيل طباعة نسخ

ان دعوى الطعن في حكم التحكيم ومقتضيات بطلانه الواردة في قانون التحكيم الإنفـاقي تمتد إلى أحكام التحكيم الإجباري للقطاع العام الذي ينظمه القانون رقم 97 لسنة 1983، مـع ضرورة مراعاة المواد الملزمة في هذا القانون الإجباري للقطاع العام الذي ينظمه القانون رقم 97 لسنة 1983.

 

موضوع النزاع المثار في الدعوى التحكيمية المطعون في حكمها يصطبغ بصبغة اقتصادية

 

محضة، ولا شأن له بتسيير الشؤون العامة وإدارتها، ومن ثم يصير الدفع المثـار مـن هيئـة

 

قضايا الدولة بعدم اختصاص هذه المحكمة ولانيا بنظر الدعوى، مفتقرا إلى سـنده القانوني،

 

جديرا بالرفض.

 

تختلف دلالة حيدة المحكم عن دلالة حيدة القاضي، فالحيدة في التحكيم يتحـدد مـضمونها من منظور التحكيم وجوهره الاتفاقي ومعطياته التي تغاير أمس النظام القضائي وضروراته. هذا التغاير لا يمكن إنكاره أو إغفاله أو إهدار مقاصده التشريعية، على قاضي البطلان أن يتقيد يكشف دلالة المصطلح ومعناها- من أجل تطبيقه - كما أراده المشرع التحكيمي أي في إطـار

 

فكرة التحكيم واستصحابا على أصله الاتفاقي. شرط الاستقلال، بالمفهوم المعمول به في الشأن القضائي والمطلوب دائما في القاضـي الناظر في الخصومة القضائية، ليس أمرا لصيقا أو حتميا في تشكيل هيئة التحكيم. الذي يمكن قبوله في التحكيم – بمقاييسه- أن يتفق الأطراف، ولو ضمنيا على أن يقتصر الاستقلال أو تقتصر الحيدة والموضوعية على المحكم الفرد، إذا كانت هيئة التحكيم تتشكل من هذا الفرد وحده، أو على المحكم الرئيس، عند تعدد هيئة التحكيم، فالأمر الجوهري هنا لتكـون الدعوى التحكيمية منصفة أي بالحياد المطلوب هو أن يكون هـذا المحكـم الفـرد أو المحكـم الرئيس (أو المرجح) غير منحاز، وإلا فقد التحكيم مغزاه وخرج عن حدوده، ومن ثـم يبطـل حكماء - بدون جدال - لعدم اكتمال مقوماته. فالحيدة بالمعنى المتقدم لا يمكن التفريط فيهـا وغير مسموح بخرقها، لأنها تعد من مبادئ العدالة الإجرائية الضامنة لحقـوق الأطراف فـي التحكيم، ومن شأن غياب هذه الحيدة إهدار حكم التحكيم برمته.

 

لا يمكن للمحكم أن يتصرف على أساس أنه موظف أو مستخدم أو وكيل من قبل أحد، ولا

 

يعد المحكم خلال الخصومة التحكيمية واحد من هؤلاء أو تابعا لأي من أطراف التحكيم أو باقي

 

المحكمين عند تعدد هم.يمكن القول إن المشرع في التحكيم الإجباري قصد السماح لكل خصم أن يعين موظفيه أو مستخدميه كمحكمين لتأمين مصالح جهة عمله، بعلة أن المنازعات التي تندرج في نطاق ذلـك القانون لا تعتبر منازعات بين مصالح متعارضة، وإنما يعود الأمر في النهاية إلى أن الدولـة التي هي في واقع الحال صاحبة جميع الهيئات والمؤسسات العامة، وأيضا هي المالكة لشركات

 

القطاع العام (مصالح سيادية عليا تتعلق بذمة الدولة).

 

كذلك لا يوجد ما يمنع أن تتجه نية أطـراف التحكيم وبإرادتهم الحـرة أن تكـون مهمة محكم كل طرف هي كعمل المحامي، بحيث يتحـول محكـم الطـرف إلـى مـحـام يتولى بمجرد تعيينه عرض النزاع والدفاع عـن طلبـات الطـرف الـذي اختاره أمـام المحكم المرجح، فقد يكون تعدد وجهات النظر أمرا مطلوبا، بحيث يكون الرئيس الهيئـة التحكيمية تفهم هذه الوجهات المختلفة على نحو يؤدي إلى إدارة الخصومة بطريقة مرضية للأطراف

 

في الحالتين السابقتين، لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم، إلا لميل عن الحيدة من المحكم الرئيس، أما المحكمان الآخران فلا حرج أن أظهر كل منهما كل الميل أو بعضه نحـو تـرجيح مصلحة الخصم الذي اختاره، فبحسبان أن التحكيم هو نتاج مبدأ سلطان الإرادة، فإرادة الأطراف تؤدي دورا حيويا في بيان مسوغات الحيدة المتطلبة في النزاع الجاري بشأنه التحكيم، ومن ثم وجب إعطاء الأولوية لهذه الإرادة.

 

بناء على ما سبق، وبالنظر في ملف التحكيم المعروض، فإن مسألة حـصول تـراض أو توافق طرفي تحكيم النزاع على اعتبار المحكم الذي اختاره كل طرف محاميا عنه هو افتراض غير واضح أي أن هذا التراضي لا تظاهره ظروف الحال، فالمحكمة لا يمكنها استنتاج توافر ذلك التراضي، خاصة أن مذكرة الدفاع التي تقدم بها محكم المحتكم ضدها حـصـل فـي جـلـسة المرافعة التحكيمية الأخيرة،

 

لكل ما تقدم، يكون الفعل الذي أناه محكم المحتكم ضدها منافيا لواجباته التحكيميـة، بـل يشينها، وتكون هيئة التحكيم قد أهدرت بشكل واضح وفعلي ما يقع على عاتقها احترامه مـن ضوابط إجرائية لا يجيز القانون التفريط فيها. لذلك يكون قد تبين للمحكمة انطواء حكم التحكيم المطلوب إبطاله على عوار إجرائي يجافي العدالة بصورة ملموسة، عوار لا يكتمل بوجـوده بنيان الخصومة التحكيمية.بعد أن تحققت المحكمة من توافر سبب الإبطال المبني على التشكيل المعيب لهيئة التحكيم، وأن حكم التحكيم لم تتوافر فيه المفترضات الضرورية لإقامة العدالة في الخصومة التحكيمية غير المسموح بخرقها، فإنه يصير لذلك باطلا، وتقضي المحكمة ببطلانه.

 

(محكمة استئناف القاهرة، الدائرة السابعة التجارية، الدعوى رقم 25 لسنة 131 قضائية،

 

جلسة 2015/1/5)

 

(5) وحيث أنه على نحو ما تجري عليه أحكام القضاء، فأحكام التحكيم الصادرة عن هيئـات التحكيم الإجباري للقطاع العام (بافتراض دستوريته رغم إنه مفروض قسرا على أطـراف النزاع) تقبل الطعن فيها، وفقا للقواعد العامة المقررة في قانون التحكيم الاتفاقي رقـم 27 لسنة 1994، فهذا القانون يعد بمثابة قانون المرافعات بالنسبة لشؤون التحكيم عامة قـانون الإجراءات التحكيمية" ما لم يرد به نص خاص (6) لذلك فإن دعوى الطعن في حكم التحكيم ومقتضيات بطلانه الواردة فـي قـانون التحكـيم

 

الاتفاقي تمتد إلى أحكام التحكيم الإجباري للقطاع العام الذي ينظمه القانون رقم 97 لسنة

 

1983، مع ضرورة مراعاة المواد الملزمة في هذا القانون الأخير. (7) وعلى ذلك، فإن رفع دعوى بطلان حكم التحكيم الإجباري (التابع لمكتـب تحكـيم وزارة العدل) يكون أمام المحكمة المنصوص عليها في المادة التاسعة من القانون رقم 27 لسنة 1994، لأنها المحكمة المختصة دون سواها بمسائل وشؤون التحكيم – ولو كـان تحكيمـاً إجباريا بما في ذلك دعوى بطلان حكمه، وقانون هيئات القطاع العام وشركاته – وهـو قانون خاص وسابق لقانون التحكيم - لا يتضمن نصوصا استثنائية، خاصة في هذا الشأن. (8) لما كان ذلك، وكان موضوع النزاع المثار في الدعوى التحكيمية المطعـون فـي حكمها يصطبغ بصبغة اقتصادية محضة، ولا شأن له بتسيير وإدارة الشؤون العامـة، ومـن ثـم يصير الدفع المثار من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص هذه المحكمـة ولائيـا بنظـر الدعوى، مفتقرا إلى سنده القانوني، جديرا بالرفض.(9) ولئن كان المحكم يفصـل في المنازعة التحكيمية المعروضة عليه، فهو ليس بقـاض ولا يقوم بوظيفة قضائية، ولأنه ليس قاضياً ولا تكون له صفته، فلا يخضع (المحكم) للقواعـد العامة المتعلقة بقضاء الدولة، فهو مجرد فرد عادي (ولو كان قاضيا بالفعل) محل ثقة أنيط به نظر نزاع بين أطراف التحكيم وإصدار حكمه فيه، ومع ذلك يشارك المحكم بصورة واضحة - قاضي الدولة في الكثير من مظاهر صلاحياته لنظر الدعاوى المطروحة عليه أو ما يماثل أو يشابه هذه المظاهر.

 

(10) من ذلك يلزم المحكم بممارسة مهمته التحكيمية بعلم وضمير مهني، فمن أجل الحصول على محاكمة تحكيمية عادلة وتأمين الحقوق الأساسية لأطراف التحكيم، يعد مبـدأ الحيـدة أمـراً مطلوبا ولازما في المحكم، شأنه في ذلك شأن القاضي. بيد أن مفهوم حيدة المحكم يختلـف - في مدلوله أو مضمونه أو حدوده – عن المفهوم ذاته المعتد به في العمل القضائي. (11) فهناك ضرورة مبررة للتأكيد على أن القواعد الإجرائية التي يخضع لها التحكيم هي قواعد

 

قانونية تحكيمية مستمدة من متطلبات البيئة الاتفاقية المرنة التي تهيمن علـى خصومته ويترتب على ذلك أن المصطلحات القانونية المشتركة بين الـشأن التحكيمـي والـشأن القضائي، قد لا تخضع للفهم نفسه. 

 

(12) ففي التحكيم، قد يصبح للمصطلح الإجرائي المشترك بينه وبين القـضاء دلالات متميـزة وملائمة أكثر للخصومة التحكيمية، بحيث يتعين فهم المصطلح أو تحديد نطاقـه بمراعـاة أصول واحتياجات نظام التحكيم وروحه الاتفاقية. لذلك فمعنى المصطلح القانوني نفسه قـد يكون في التحكيم مختلفا – قليلا أو نسبيا – عن مثيله المطبق في شأن الخصومة القضائية. هذا الاختلاف يبرره بطبيعة الحال تمايز معطيات فكرة الدعوى التحكيمية المرنة المرتبطة بحرية الإرادة عن مثيلتها القضائية الصلبة التي ينظمها قانون المرافعات القضائية، حيث تعلو فيه القواعد الأمرة على اتفاقات الأطراف أي على القواعد المكملة أو الاتفاقية.

 

(13) وعلى أية حال، توصف "الحيـدة في مفهومها القضائي بأنها حالة ذهنية نفسية تعني عدم التحيز لأي من الخصوم أو التعاطف المسبق مع وجهه نظر أحدهم. هذه الحيدة تفهم ضمنا من المبادئ القانونية العامة وتؤكده المواثيق الدولية، ويفرضها المنطق السديد حتى بغير نص فـي القـالون وذلك بحسبانها أمرا يقتضيه المركز القانوني للقاضي. وبطبيعة الحـال فالحيـلا - بصورة أو أخرى - مطلوب ولازم في المحكم، بل وفي كل شخص يعهد إليه مهمة الفصل في خصومة.(14) وحتى يتاح لهذا المبدأ "الحيدة" أن ينتج آثاره، تحرص التشريعات القضائية (المتصلة بالشأن القضائي) على مبدأ ثان يكمله، وهو ضروري مثله، إذ إن الإخلال به قد يؤدي إلى إفراغ الحيـدة من مضمونها، هذا المبدأ (المكمل لمبدأ الحيدة) يتعلق باستقلال القاضـي، بمعنى أن استقلال القاضي عن الخصوم وعن الغير أصحاب المصلحة في النزاع، ويحيـث لا يخـضع القاضـي - بحسب تكوينه المهني - لغير ضميره وحكم القانون، فكما يملك القاضي أدواته فهو يملك نفسه. (15) في الشأن التحكيمي بوجه عام، فإن عدم حيدة المحكم أو استقلاله يعد فـي الأصـل سـببا لإبطال حكم التحكيم، لأن تشكيل هيئة التحكيم يكون والحال هذه معيبا، هذا العيب يهدر على الأقل مبدأ المساواة بين الأطراف. لذلك فإن الإخلال بالحيدة – من منظـور التحكـيم ووفقا لمقاييسه- بعد أمرا لازما في مختلف النظم القانونية التحكيمية. بيد أن مبدأ الحيـدة (والاستقلال) في مضمار التحكيم يملك طابعه التحكيمي النسبي، بسبب التغاير في المراكز القانونية بين القاضي والمحكم،

 

(16) فعلى الرغم من التشابه بين المهمة التحكيمية وبين جوهر الوظيفة القضائية، فالمحكم كالقاضي يحسم الخصومة المطروحة أمامه بحكم ملزم، فـان حيـدة المحكـم لا تحكمها الضوابط القضائية الصلبة في كل دولة، ويرجع ذلك إلى سبب جوهري هو أن مسألة اختيار المحكم، إنما تستمد في الأساس من إرادة أطراف النزاع، في التحكيم – على خلاف الحال في القضاء" بحق لكل خصم اختيار محكمه، لأن مبدأ سلطان الإرادة هو الذي يهيمن على تشكيل الهيئة التحكيمية (محكم أو أكثر)، لذلك لا يوجد مدلولا واحدا لمبـدأ الحيـدة فالمبدأ له مدلول شامل ومحدد في القضاء، وله مدلول آخر في التحكيم، مدلول تقديري بمعايير تلائم اعتبارات الشأن التحكيمي،

 

(17) فالمحكم غير ملزم بنظر دعوى التحكيم أو القيام بمهمته التحكيمية، ذلك أن قبوله أداء مهمة

 

الفصل في النزاع أمرا لازما في كل الأحوال. في خصومة التحكيم، فإن هذا الالتزام يستمد أساساً من مشيئة الأطراف أي اتفاقهم وموافقة المحكم. أما القاضي - بالنظر إلى وظيفته فهو ملزم بالحكم في الدعوى القضائية بأمر القانون، وفي حدود وقيود قانونية مسبقة. (18) في تعبير آخر، فلا يمكن اعتبار المحكم من الناحية الفنية والواقعية قاضياً، ولو على سبيل الاستثناء، كما أنه ليس قاضيا خاصا ولا في مركز قضائي بالمرة، ومن هنا يجب إدراك أن مفهوم ومظاهر حياد المحكم يختلف عن مفهوم ومقتضيات الحياد الواجب في قاضي محاكم

 

الدولة.(19) بالضرورة تختلف دلالة حيدة المحكم عن دلالة حيدة القاضي، فالحيدة في التحكـيم يتحـدد مضمونها من منظور التحكيم وجوهره الاتفاقي ومعطياته التي تغاير أسس النظام القضائي وضروراته، هذا التغاير لا يمكن إنكاره أو إغفاله أو إهدار مقاصده التشريعية، على قاضي البطلان أن يتقيد بكشف دلالة ومعنى المصطلح – من أجل تطبيقه- كمـا أراده المشرع التحكيمي أي في إطار فكرة التحكيم واستصحابا على أصله الاتفاقي.

 

(20) والقانون يكفل حياد القاضي عن طريق إبعاده عن المواقف التي تعرضه لخطر الميل، من

 

خلال الحظر الذي يفرضه على القضاة في تولي أعمال معينة (ضمانات وقائية) أو بمنعـه

 

من النظر في دعاوى أو في أحوال محددة (موانع قانونية أو تقديرية).

 

(21) تميز التحكيم بذاتيته الخاصة (بالنظر إلى العمل القضائي) يجعل له تطبيقاته المستقلة التـي قد تكون مغايرة لمصطلحات أو لتطبيقات القضاء (دلالات تحكيميـة مختلفـة)، فللتحكـيم ضوابطه وتفسيراته المخصوصة التي تفرضها العملية التحكيمية وأغراضها القائمة علـى مفاهيم اتفاقية ليست هي بالضرورة مفاهيم الجبر التي تعرفها قواعد الخصومة القضائية.

 

(22) من المقبول به، وخاصة في التحكيم الحر، أن يسعى كل طرف من أطراف التحكيم لاختيار المحكم الذي يعرفه شخصيا أو الذي يكون مرتبطا معه برابطة ما أو الذي يعلم بخبرته أو كفاءته أو بتوافر صفات معينة في شخصه تكون هي التي تبعث الطمأنينة والثقة فيه ولذلك يقع اختياره عليه، هذا الاختيار قد لا يجعل المحكم - من الناحية الواقعية، ولـو بحسب الظاهر - مستقلا تماما عن الطرف الذي اختاره. أذن فشرط الاستقلال، بالمفهوم المعمـول به في الشأن القضائي والمطلوب دائما في القاضي الناظر في الخصومة القضائية، ليس أمرا لصيقا أو حتميا في تشكيل هيئة التحكيم

 

(23) كل ما في الأمر أنه ينبغي دائما أن يكون عدم استقلال المحكـم أو وجود شبهة عدم الاستقلال خاضعا لواجب الشفافية أو العلائية (ما يعرف بالإفصاح، المادة 3/16 تحكـيم) بحيث يكون معلوما منذ البداية لكل الأطراف ولباقي المحكمين عند تعددهم، أن هناك صلة ما بين المحكم والخصم أو الخصوم، وألا تكون تلك الصلة محـل اعتـراض مـن بـاقي أشخاص الخصومة التحكيمية.

 

(24) فوجود صلة أيا كانت بين المحكم والخصوم أو بينه وبين أحدهم لا يؤثر في صحة اختياره

 

طالما كانت هذه الصلة معلومة لكل أطراف العملية التحكيمية عند حصول الاختيـار أو خلال الإجراءات التحكيمية، عدم استقلال المحكم عن الطرف الذي اختاره لا يؤدي دائمـا إلى إهدار ضمانة الحيدة الواجب توافرها في المحكم. (25) هذا الأمر المسموح به في التحكيم لا يمكن قبوله بالنسبة لقاضي المحاكم، فوجود سبب من أسباب عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى القضائية بجعل عمله أو قضاؤه باطلا، ولو تم باتفاق الخصوم (المادتان 146 و147 مرافعات). خاصية الاستقلال هذه مقررة لمصلحة الأطراف في خصومة التحكيم، وعلى صاحب المصلحة منهم إثارة المخالفة التي يعترض عليها في حينه أو في الوقت الملائم (المادة 8 تحكيم) .

 

(26) الذي يمكن قبوله في التحكيم – بمقاييسه - أن يتفق الأطراف ولو ضمنياً على أن يقتصر الاستقلال أو تقتصر الحيدة والموضوعية على المحكم الفرد، إذا كانـت هيئـة التحكـيم تتشكل من هذا الفرد وحده، أو على المحكم الرئيس، عند تعدد هيئـة التحكـيم، فـالأمر الجوهري هنا لتكون الدعوى التحكيمية متصفة أي بالحياد المطلوب هو أن يكـون هـذا المحكم الفرد أو المحكم الرئيس (أو المرجح) غير منحاز، وإلا فقد التحكيم مغزاه وخـرج عن حدوده، ومن ثم يبطل حكمه - بدون جدال- لعدم اكتمال مقوماته. فالحيـدة بـالمعنى المتقدم لا يمكن التفريط فيها وغير مسموح بخرقها، لأنها تعد من مبادئ العدالة الإجرائيـة الضامنة لحقوق الأطراف في التحكيم، ومن شأن غياب هذه الحيدة إهـدار حكـم التحكـيم

 

برمته.

 

(27) يتضح مما تقدم، إنه على خلاف الحال في الخصومة القضائية التي يتعين فيها الالتزام دائماً بالحدود الضيقة لمعنى الحيدة والاستقلال وضوابطهما الدقيقة التي عينها القانون بالنسبة للقاضي، فإن تجسيد ضمانة الحيدة في التحكيم أو تقويضها – بالنظر إلى طبيعته وآلياتـه الرضائية- يختلف حسب كل حالة على حدة، ووفقا لظروف الحال التي أحاطت بـالتحكيم والنية المشتركة للأطراف تجاه تشكيل هيئة التحكيم، وهذا الأمر يخضع لتقـدير محكمـة الإبطال في ضوء اقتناعها.

 

(28) وإذا كان المحكم - أيا كان - يتلقى أتعاباً من أطراف التحكيم، فإن هذا يجب أن لا يتنـافي مع استقلاله، فهو لا يمثلهم أو يمثل أحدا منهم، فالأصل وحسب طبيعة المهمـة التحكيميـة الموكولة إليه ولو من الناحية الفنية المجردة وبمجرد قبوله التحكيم، فإنه يباشـر مهمتـه التحكيمية بالحرية الممنوحة للقاضي في الاقتناع والاستخلاص المنطقي للأدلة.(29) بمعنى أنه لا يمكن للمحكم أن يتصرف على أساس أنه موظف أو مستخدم أو وكيل من قبل أحد، ولا بعد المحكم خلال الخصومة التحكيمية واحدا من هؤلاء أو تابعاً لأي من أطراف التحكيم أو باقي المحكمين عند تعددهم. هذا الأصل المتعلق بمهمة المحكم لا تتهاون فيـه غالبا القواعد اللائحية في التحكيم المؤسسي. فمراكز التحكيم ذات النقل لا تغفـل الـروح القضائية التي تطل على التحكيم، وأن هذه الروح تعني إحساس المحكم بمتطلبات الحيـدة وأن هذا الإحساس هو الذي يحكم ممارسته لعمله بتوخي تأمين حقوق الأطراف الإجرائية، كتحديد نطاق سلطته، وخلال تسيير إجراءات التحكيم، وفـي نقيـده بمراعاة مقتضيات

 

تحكيمية معينة، حتى تتوافر عناصر الصحة في الحكم الذي يصدره. (30) فإذا ما جرى التحكيم في نطاق أحد مراكز التحكيم المؤسسي أو تحت مظلتها. فمع تفـاوت هذه المراكز في قدر الحرية التي تعترف بها للأطراف في تنظيم سير الإجـراءات، فـان لوائحها توفر للخصوم الثقة في كفاءة المحكمين وخبرتهم في مجال تخصص كل منهم، بحيث يستطيع المحتكمون الاختيار منهم، أي من القوائم التي يعدها المركز التحكيمي، ومن ثم الاطمئنان إلى أن الحكم الذي يصدرونه لن يصدر عن هوي يجمح بهم كلهم أو بعضهم، لذلك تتمتع الأحكام الصادرة عن المراكز التحكيمية - ذات النقل المهنـي - بثقـة معنويـة

 

وقانونية لا يمكن إغفالها. (31) يبقى التحكيم المؤسس على الالتزام بالحيدة بتقاليدها الدقيقة، والقائم تعيين المحكمــن فيـه على اعتبارات موضوعية قوامها الكفاءة والنزاهة، والبعد عن الاعتبارات الشخصية البحتة، هو المطلوب لكي توصف المحاكمة التحكيمية – بشكل أولي- بأنها عادلة غير متحيـزة أو منحرفة، وحتى لا يفقد التحكيم مقوماته المنطقية.

 

(32) في التحكيم الإجباري الخاضع للقانون رقم 97 لسنة 1983 الخاص بهيئات القطاع العـام وشركاته، فالمشرع يسمح للخصوم في النزاع التحكيمي باختيار المحكمين الذين يمثلونهم، على أن تكون رئاسة الهيئة التحكيمية لأحد مستشاري المحاكم القضائية أو مجلس الدولة (المادة 57 من القانون)، لم يحرص المشرع على تحديد أي شروط خاصة في اختيار كل خصم لمحكمه، فكل خصم يعين المحكم الذي يراه أكثر مراعاة لمصالحه (33) لم يتطلب القانون أن يكون محكم الخصم من مهنة أو وظيفة معينة أو أن يكـون علـى رابطة ما به. بل يمكن القول إن المشرع في التحكيم الإجباري قصد السماح لكل خصم أن يعين موظفيه أو مستخدميه كمحكمين لتأمين مصالح جهة عمله، بعلة أن المنازعـات التي تندرج في نطاق ذلك القانون لا تعتبر منازعات بين مصالح متعارضة، وإنما يعود الأمر في النهاية إلى أن الدولة التي هي في واقـع الحـال صـاحبة جميـع الهيئات والمؤسسات العامة، وأيضاً هي المالكة لشركات القطاع العام (مصالح سيادية عليا تتعلق بذمة الدولة).

 

(34) بالعودة إلى الحكم محل الدعوى الراهنة، تجد المحكمة من إطلاعها علـى أسـبـاب حـكـم التحكيم المطلوب إبطاله أن الحكم أثبت في أسبابه أنه، وبآخر جلسات نظـر الـدعوى التحكيمية، قدم محكم مصلحة الجمارك (المحتكم ضدها) الأستاذ محمد سلیم سلمان وهـو مدير إدارة الإبداعات التابعة للجمارك المحتكم ضدها مذكرة موقعة منه تبنـى فيهـا رأي الجمارك مؤيدا دفاعها طالبا رفض الدعوى التحكيمية.

 

(35) يتضح من ذلك أن محكم جهة الجمارك المحتكم ضدها قام بمهمته التحكيمية -حسب تخصصه- بحسبانه محاميا عن تلك الجهة التي يتبعها وظيفيا وتيني مواقفها وحرص فقـط على الدفاع عن وجهة نظرها ومصالحها باعتبارها الطرف المتبوع الذي عينه كمحكم، أي بحسبانه في مقام المبعوث الشخصي لهذا الطرف في الخصومة التحكيمية.

 

(36) وبحسب مقاييس التحكيم، على نحو ما سبق ذكره وترتيبا عليه، فلا عصاصة -عند تعـدد المحكمين- في أن يتبنى محكم الطرف وجهة نظر هذا الأخير الذي عينه، ولو على الأقـل في مرحلة بداية المرافعات أو المداولات، للتأكد من استيعاب وجهة نظر هذا الطرف على نحو عادل، وأنه يتبناها للإقتناع بها، وليس لتحيزه الصريح له

 

(37) كذلك لا يوجد ما يمنع أن تتجه نية أطراف التحكيم وبإرادتهم الحرة أن تكون مهمة محكـم كل طرف هي كعمل المحامي، بحيث يتحول محكم الطرف إلى محام يتولى بمجرد تعيينـه عرض النزاع والدفاع عن طلبات الطرف الذي اختاره أمام المحكم المرجح، فقد يكون تعدد وجهات النظر أمرا مطلوبا، بحيث يكون لرئيس الهيئة التحكيمية تفهـم هـذه الوجهـات

 

المختلفة على نحو يؤدي إلى إدارة الخصومة بطريقة مرضية للأطراف. (38) في الحالتين السابقتين، لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم، إلا لميل عن الحيدة من المحكم الرئيس، أما المحكمان الآخران فلا حرج إن أظهر كل منهما كل الميـل أو بعـضـه نـحـو ترجيح مصلحة الخصم الذي اختاره، فبحسيان أن التحكيم هو نتاج مبـدأ سلطان الإرادة،فإرادة الأطراف تلعب دورا حيويا في بيان مسوغات الحيدة المتطلبة في النزاع الجـاري

 

بشأنه التحكيم، ومن ثم وجب إعطاء الأولوية لهذه الإرادة، (39) بناء على ما سبق، وبالنظر في ملف التحكيم المعروض، فإن مسألة حـصول تـراض أو توافق طرفي تحكيم النزاع على اعتبار المحكم الذي اختاره كل طرف محاميا عنـه هـو افتراض غير واضح أي أن هذا التراضي لا تظاهره ظروف الحال، فالمحكمة لا يمكنهـا استنتاج توافر ذلك التراضي، خاصة أن مذكرة الدفاع التي تقدم بها محكم المحتكم ضدها حصل في جلسة المرافعة التحكيمية الأخيرة.

 

(40) لكل ما تقدم، يكون الفعل الذي أتاه محكم المحتكم ضدها منافيا لواجباته التحكيميـة، بـل يشينها، وتكون هيئة التحكيم قد أهدرت بشكل واضح وفعلي ما يقع على عاتقها احترامه من ضوابط إجرائية لا يجيز القانون التفريط فيها، لذلك يكون قد تبين للمحكمة الطـواء حكـم التحكيم المطلوب إبطاله على عوار إجرائي يجافي العدالة بصورة ملموسة، عوار لا يكتمل بوجوده بنيان الخصومة التحكيمية.

 

(41) بعد أن تحققت المحكمة من توافر سبب الإبطال المبني على التشكيل المعيب لهيئة التحكيم، وأن حكم التحكيم لم تتوافر فيه المفترضات الضرورية لإقامة العدالـة فـي الخصومة التحكيمية، غير المسموح بخرقها، فإنه يصير لذلك باطلا، وتقضي المحكمة ببطلانه.

 

فلهـ

 

ذه الأسبـاب

 

حكمت المحكمة ببطلان حكم التحكيم الإجباري، المقيد بوزارة العدل تحت رقم 22 لسنة 2012، وألزمت المدعى عليهما خاسري الدعوى المصاريف القضائية ومئة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

 

رئيس المحكمة (الدائرة السابعة) القاضي/ إسماعيل إبراهيم الزيادي القاضي / عمرو ريان، عضو يمين الدائرة القاضي / مدحت شرف، عضو يسار الدائرة

 

أمين السر، الأستاذ رجب عبد المقصود

 

صدر هذا الحكم وتلي علناً بجلسة يوم الاثنين الموافق 2015/1/5