التحكيم / التحكيم الاختياري / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / فاعلية القضار المصري في مسائل التحكيم التجاري الدولي ( دراسة مقارنة ) / الضوابط الدستورية للتحكيم الاختياري في فرنسا
كان المبدأ والأصل العام في فرنسا هو حظر لجوء الدولة وأشخاص القانون العام الأخرى إلى التحكيم لحسم المنازعات المدنية أو الإدارية التي تكون طرفا فيها، وكان هذا الحظر بمقتضى نصوص صريحة في بعض القوانين، كما أن القضاء الإداري الفرنسي - كما رأينا سابقاً - اعتبر أن حظر التحكيم في تلك المنازعات يعتبر من المبادئ القانونية العامة التي تلتزم بها الإدارة دون وجود نص تشريعي يحظر على ذلك.
لكن الضرورات والواقع العملي أدت إلى جعل كل من المشرع والقضاء الفرنسي يقر بمشروعية التحكيم فيما يخص عددا من المنازعات الإدارية - كما سبق أن أوضحت - ومن أهم تلك المنازعات تلك الناشئة عن العقود الإدارية، ومما يؤكد ذلك أنه عندما عرض على المجلس الدستوري الفرنسي أمر المرسوم رقم 2004 - 559 الصادر بتاريخ 17 يونيو 2004 الخاص بعقود الشراكة العامة الخاصة، والذي تم التصديق عليه بمقتضی القانون رقم 2004 - 1343 الصادر بتاريخ 9 ديسمبر 2009 حكم المجلس بدستوريته، خصوصاً أن المادة (11) منه كانت تنص على أن: "عقد الشراكة باعتباره عقدا إدارياً لابد أن يتضمن بالضرورة شروطاً تتعلق بوسائل تفادي النزاعات وحسمها، فضلاً عن الشروط التي يمكن بمقتضاها اللجوء إلى التحكيم عند الاقتضاء مع تطبيق القانون الفرنسي"، وهو ما جعل الطاعن يذهب إلى تعارض النص السابق مع المادة 14 من إعلان 1789 التي تنص على أن: "لكل المواطنين الحق في أن يراقبوا أموال الضريبة سواء كانت المراقبة بأنفسهم أم بواسطة نوابهم، ولهم أيضا البحث عن الوجوه التي تنفق فيها وتعيين مدة جبايتها ".
ختاما : رأي الباحث:
يذهب الباحث إلى ضرورة وضع بعض الضوابط الدستورية للتحكيم الاختياري في المنازعات الإدارية تتناسب مع طبيعة تلك المنازعات وتبعد عن قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 شبهة عدم دستورية بعض قوانينه، وإلا سوف يكون مصير تلك النصوص كمصير النصوص التي فرضت التحكيم قسراً على الأطراف، كبعض نصوص قوانين القطاع العام والجمارك والضريبة العامة على المبيعات - والتي سبق تناولها بالتفصيل، الأمر الذي قد يؤدي إلى زعزعة الثقة في نظام التحكيم، ويؤثر عليه بشكل سلبي، ويهدم هدف الدولة الأساسي من إقرار نظام التحكيم عموماً، والخاص بجلب استثمارات أجنبية إلى البلاد، والحكم بعدم دستورية نص أو قانون يمثل عاملاً طارداً لهذه الاستثمارات؛ لذا يجب الاهتمام بوضع هذه الضوابط الدستورية، والتي من أهمها الحفاظ على الطابع الاختياري للتحكيم، وكذلك المحافظة على الضمانات والمبادئ الأساسية للتقاضي.
تلك هي الضوابط التي يجب على هيئات التحكيم الالتزام بها وعدم مخالفتها لاسيما أن التحكيم لا يستند إلى نص صريح في الدستور بإقراره، باعتباره باعتباره وسيلة من وسائل حسم المنازعات الإدارية، وهذا لا يعني عدم دستوريته، لأن معظم الموضوعات التي تنظم بقانون سوف ترتبط بشكل أو بأخر بقاعدة دستورية كلية يجب أن تتوافق معه ولا تخالفه، وإلا كان مصيرها في النهاية الحكم بعدم الدستورية.
كما نذهب مع البعض إلى أن هناك بعض الاعتبارات التي يجب أن يقوم عليها التحكيم الاختياري، منها ضرورة وجود اتفاق على التحكيم يفرغ في صورة محرر، هو " وثيقة التحكيم "، كما أن هذا الاتفاق جائز قبل قیام النزاع وبعد قيامه. الأمر الذي يترتب عليه أن اللجوء إلى التحكيم لا يتقيد بميعاد معين؛ فيمكن للأطراف اللجوء إليه حتى لو كان النزاع القائم بينهم معروضاً على القضاء، كما أن الأطراف يملكون في أية لحظة ترك التحكيم واللجوء إلى القضاء لحل النزاع القائم بينهم، كذلك لا يجوز الاتفاق على التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح، وهي المسائل التي نصت عليها المادة 551 من القانون المدني، كالمسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو النظام العام، كما أن هناك بعض الاعتبارات والضوابط الخاصة بعمل المحكم والتي يجب عليه مراعاتها. من أهم هذه الضوابط تلك التي يفرضها أطراف النزاع بإرادتهم بما لديهم من حق مكتسب في تحديد بعض النقاط المرجعية التي يسير على هديها التحكيم، ووفق ما يحدده اتفاقهم، كما يلتزم المحكم بالضوابط القانونية التي يفرضها القانون، بالإضافة إلى ضوابط الصنعة أو المهنة التي تسير صناعة التحكيم وفق هديها.