الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / الأنظمة التحكيمية الدولية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 14 / اتفاقية تسوية منازعات الإستثمار في الدول العربية لسنة 2000 دراسة مقارنة

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 14
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    97

التفاصيل طباعة نسخ

   حضرة رئيس الجلسة،

   حضرة السادة الأعزاء والسيدات الكريمات،

    يسعدني ويشرفني، إثر تبوئي مهماتي الجديدة في مركز دبي للتحكيم الدولي، أن تكون محطتي الأولى في مصر العزيزة ومن هذا الصرح الشامخ، ألا وهو مقر جامعة الدول العربية لتي نحتفي وإياها بوصول سعادة الدكتور نبيل العربي الديبلوماسي المخضرم ورجل الدولة والقاضي والمحكم الدولي إلى قمة الهرم فيها. ولئن افتقدنا في عملنا اليومي حضوره المميز ومساهماته البناءة في مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي وفي مجالات التحكيم كافة، فإن ما يثلج صدورنا هو أننا وفقنا إلى خير خلف لخير سلف، وذلك بتعيين العلامة والأستاذ في القانون الدولي الدكتور محمد عبد الرؤوف مديراً جديداً لمركز القاهرة، وإنه لمن حق اليقين أن الدكتور محمد عبد الرؤوف سيواصل مسيرة سلفه المعطاء فيغنيها بعلمه وخبرته وقيمه وأخلاقه وأسلوبه وتفانيه. تلك قصة مصر المتجددة أبداً والتائقة على الدوام إلى التقدم والرفاهية والكمال.

    تتناول مشاركتي بشكل أساسي إتفاقية تسوية منازعات الإستثمار في الدول العربية التي وافق عليها مجلس الوحدة الإقتصادية العربية سنة 2000 وصدقت عليها حتى الآن خمس دول عربية، وهي الأردن وسوريا والعراق وليبيا ومصر. وسوف أشير إليها في ما بعد بإتفاقية سنة 2000. وإتفاقية سنة 2000 دخلت فعلاً حيز التنفيذ، إذ أنه بحسب أحكامها تعتبر نافذة بعد ثلاثين يوماً من تاريخ إيداع وثائق تصديق ثلاث من الدول الأعضاء في مجلس الوحدة الإقتصادية العربية عليها.

    واتفاقية سنة 2000 صيغت على غرار إتفاقية أخرى سبق لبعض الدول الأعضاء في مجلس الوحدة الإقتصادية العربية أن وقعتها سنة 1974، ألا وهي إتفاقية تسوية منازعات الإستثمار بين الدول المضيفة للإستثمارات العربية وبين مواطني الدول العربية الأخرى. ويبدو أن إتفاقية سنة 2000 حلت محل إتفاقية سنة 1974، العلم أنه لا وجود لنص صريح يدل على ذلك. ومهما يكن من أمر، فكلتا الإتفاقيتين اقتبستا عن إتفاقية دولية معروفة جداً، عنيت بذلك الإتفاقية بشأن تسوية منازعات الإستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى أو إتفاقية الـ ICSID الموقعة مع سنة 1965.  

    وتجمع الإتفاقيات الثلاث على ضرورة التعاون الدولي (في حالة إتفاقية الـ ICSID) والعربي (في حالة إتفاقيتي سنة 1974 وسنة 2000) من أجل التنمية الإقتصادية. وتقدر الإتفاقيات الثلاث الدور الذي تلعبه في الدول المضيفة الإستثمارات الدولية الخاصة (في حالة إتفاقية الـ ICSID) والإستثمارات العربية الخاصة (في حالتي إتفاقية سنة 1974 وإتفاقية سنة 2000 ).

    وتنشئ كل من الإتفاقيات الثلاث نظاماً للتوفيق والتحكيم الدولي بغية فض منازعات الإستثمار. وبينما لا تخول إتفاقية سنة 1974 طرفي النزاع اللجوء إلى التحكيم قبل ولوجهما طريق التوفيق، وهي بذلك تذكر بالدور الريادي الذي توليه العادات والتقاليد الإجتماعية والمبادئ القانونية العربية للتوفيق كوسيلة لحل النزاعات، تجيز إتفاقية الـ ICSID، كما إتفاقية سنة 2000، لأي طرف من أطراف النزاع أن يلجأ إلى التحكيم دون أن يقوم بأية محاولة مسبقة بفض النزاع عن طريق التوفيق. لكن لا شيء يحول طبعا في إتفاقية الـ ICSID كما في إتفاقية سنة 2000 دون أن يتفق طرفا النزاع على إحالته إلى التوفيق بداية، ثم إلى التحكيم إذا لم تنجح المساعي التوفيقية في إيجاد حل للنزاع، وغني عن البيان أن إتفاقية الـ ICSID كما إتفاقيتا سنة 1974 وسنة 2000، لا تجيز لأي طرف أن يستند أمام هيئة التحكيم إلى أي إعتراف أو عروض تسوية أبداها الطرف الآخر أثناء إجراءات التوفيق ما لم يتفق طرفا النزاع مسبقاً على خلاف ذلك .

   وتهدف كل من إتفاقية الـ ICSID وإتفاقية سنة 1974 إلى حل نزاعات الإستثمار التي تنشأ قد حصراً بين دولة متعاقدة أو إحدى هيئاتها أو مؤسساتها العامة وبين أحد رعايا دولة متعاقدة أخرى. أما إتفاقية سنة 2000، فإنه يبدو أن اختصاصها أوسع إذ أنه يمتد ليشمل نزاعات الإستثمار بين دولة متعاقدة مضيفة للإستثمار أو إحدى هيئاتها أو مؤسساتها العامة أو الشركات التابعة لها أو مواطنيها وبين دولة أخرى متعاقدة أو إحدى هيئاتها أو مؤسساتها العامة أو الشركات التابعة لها أو مواطنيها.

    وعلى أي حال، فإنه يتوجب على الأمين العام لمجلس الوحدة الإقتصادية العربية، عملاً بأحكام إتفاقية سنة 2000، أن يسجل طلب التوفيق أو التحكيم المقدم من أحد طرفي النزاع إلا إذا تبين له بعد دراسة الطلب أن النزاع يخرج عن إختصاص مجلس الوحدة الاقتصادية العربية وفق الإتفاقية. أما إتفاقيتا سنة 1974 والـ ICSID، فإنهما قد قلصتا بشكل ملحوظ صلاحية الأمين العام في عدم تسجيل طلب التوفيق أو التحكيم إلى الحالات التي يتبين له فيها أن النزاع يخرج بشكل ظاهر أو جلي عن إختصاص المركز.

    لقد أشرت إلى إنشاء إتفاقيات تسوية منازعات الإستثمار الثلاث (أي إتفاقية الـ ICSID وإتفاقيتا سنة 1974 وسنة 2000 العربيتان) نظامي توفيق وتحكيم. غير أن نظام التوفيق الذي أنشأته الإتفاقيات الثلاث يختلف عن التوفيق المتعارف عليه تقليداً والذي نصت عليه، على سبيل المثال، قواعد التوفيق التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (UNCITRAL). ففي التوفيق المتعارف عليه تقليداً، يستطيع أحد طرفي النزاع أن يعترض على اللجوء إلى التوفيق، وإن كان قد وافق عليه مسبقاً، فينهي بذلك إجراءات التوفيق قبل أن تبدأ. أما إتفاقيات تسوية منازعات الإستثمار الثلاث، فإنها تعطي فرصة للتوفيق لكي يؤتي ثماره إذ لا يسع أحد طرفي النزاع أن يوقف اللجوء إلى التوفيق الذي كان قد وافق عليه مسبقاً. لذا يقوم الأمين العام (في حالة إتفاقيتي سنة 1974 وسنة 2000) ورئيس المجلس الإداري (في حالة إتفاقية الــ ICSID) بتعيين الموفقين بما فيهم رئيس اللجنة إذا لم يتم تشكيل اللجنة خلال المهلة المحددة. وكذلك تبت لجنة التوفيق في أي اعتراض أو دفع بعدم اختصاصها يبديه أحد طرفي النزاع، وتلك كلها إجراءات شبيهة بالإجراءات التي تتخذ عادة عندما يكون النزاع محالاً على التحكيم. غير أن إجراءات التوفيق التي تتم وفقاً لإتفاقيات تسوية منازعات الإستثمار الثلاث سرعان ما تعود إلى المفهوم التقليدي للتوفيق بعد ذلك. فإذا تبين للجنة التوفيق في أية مرحلة من  مراحل الإجراءات أنه لا يحتمل وصول الطرفين إلى اتفاق، أو إذا تخلف أحـد الطـرفين عـن الحضور أو عن المشاركة في الإجراءات، تقوم لجنة التوفيق بقفل باب الإجراءات. أخيراً، تنص الإتفاقيات الثلاث على أنه بينما، في حالة التحكيم، تقرر الهيئة التحكيمية كيفية دفع المـصاريف المتعلقة بالإجراءات ورسوم خدمات الأمانة العامة والطرف المكلف بذلك، يتحمـل فـي حالـة التوفيق طرفا النزاع بالتساوي أتعاب ومصاريف أعضاء اللجنة وخدمات الأمانة العامة ويتحمـل كل طرف المصاريف التي ينفقها.

    تتضمن الإتفاقيات الثلاث أحكاماً مفصلة تتعلق بإجراءات التحكيم وبأحكام المحكمين وأوجه الطعن فيها وتنفيذها. وأود في هذا المجال أن أورد الملاحظات التالية:

    أولاً- تنص إتفاقية الـ ICSID وإتفاقية سنة 1974 على أنه ما لم يتفق طرفا النزاع على خلاف ذلك، يعين كل طرف محكماً ويتم تعيين رئيس الهيئة التحكيمية باتفاق الطرفين. وإذا لم يتم تشكيل هيئة التحكيم خلال المدة المحددة، يقوم الأمين العام (في حالة إتفاقية سنة 1974) ورئيس المجلس الإداري (في حالة إتفاقية الـ ICSID) بتعيين المحكم أو المحكمين الذين لم يتم تعيينهم. أما إتفاقية سنة 2000، فإنها تنص على أن أمين عام مجلس الوحدة الاقتصادية العربية يختار في كل الأحوال رئيس الهيئة التحكيمية من الأشخاص الذين "شغلوا أعلى المناصب القضائية في دولة غير طرف في النزاع". وتلك في نظرنا بدعة جديدة نتساءل عن جدواها. فلا نجد مبرراً يسوغ نزع حق الأطراف في الإتفاق بملء إرادتهم على اختيار رئيس هيئة التحكيم، كما أننا لا نعتقد أن حصر رئاسة هيئات التحكيم بالأشخاص الذين شغلوا أعلى المناصب القضائية دون سائر أرباب الاختصاص حكيماً.

    ثانياً - في القانون الواجب التطبيق: تنص المادة 42 من إتفاقية الـ ICSID أن هيئة التحكيم تحكم وفقاً للقواعد القانونية التي يقرها طرفا النزاع. ويعتبر ذلك طبعاً انتصار لسلطان إرادة الأطراف. وتنص المادة 42 من إتفاقية الـ ICSID بعد ذلك على أنه إذا لم يتفق طرفا النزاع على القواعد القانونية الواجبة التطبيق، تطبق هيئة التحكيم قانون الدولة الطرف في النزاع (بما ذلك القواعد المتعلقة بتنازع القوانين الخاصة بها) وما ينطبق من قواعد القانون الدولي. أما إتفاقية سنة 1974، فإنها تلزم هيئة التحكيم بتطبيق قانون الدولة الطرف في النزاع (بما في ذلك القواعد المتعلقة بتنازع القوانين الخاصة بها) وما ينطبق من قواعد القانون الدولي دون أن تأخذ بعين الاعتبار إرادة الأطراف قبل ذلك. وتتخذ إتفاقية سنة 2000 موقفاً وسطاً إذ إنه بعد أن تذكر بأن هيئة التحكيم تطبق قانون الدولة المضيفة للإستثمار الطرف في النزاع بما في ذلك قواعد تنازع القوانين الخاصة بها وما يصلح للتطبيق من قواعد القانون الدولي، تجيز إتفاقية سنة 2000 لهيئة التحكيم أن تطبق أية قواعد أخرى تراها مناسبة للفصل في النزاع إذا اتفق أطراف النزاع على ذلك. وبعبارة أخرى، عملاً بأحكام إتفاقية سنة 2000، تأتي المبادرة في تطبيق قواعد قانونية مختلفة عن تلك المنصوص عليها من قبل هيئة التحكيم شرط أن تنال موافقة أطراف النزاع.

   ثالثاً خلافاً لأحكام المحكمين العادية التي يمكن الطعن فيها أمام المحاكم الوطنية العادية، لا يمكن الطعن بحكم تحكيمي صادر وفقاً لأي من إتفاقيات تسوية منازعات الاستثمار الثلاث إلا بمقتضى وسائل طعن داخلية منصوص عليها في الإتفاقيات. وأبرز تلك الوسائل هي المطالبة بإبطال حكم التحكيم، وقد وردت بصورة متطابقة في المادة 52 من إتفاقية الـ ICSID والمادة 24 من إتفاقية سنة 1974 والمادة 19 من إتفاقية سنة 2000. وبحسب تلك المواد، يجوز لأي من طرفي النزاع المطالبة بإبطال الحكم التحكيمي استناداً لأحد الأسباب الآتية:

   1- أن تشكيل الهيئة التحكيمية لم يكن بصورة سليمة.

   2- أن الهيئة التحكيمية تجاوزت إختصاصها بشكل ظاهر.

   3- أنه قد وقع تأثير غير مشروع على أحد أعضاء الهيئة التحكيمية.

   4- أنه قد وقع تجاوز خطير لقاعدة أساسية من قواعد الإجراءات.

   5- أن الحكم قد أخفق في بيان الأسباب التي بني عليها.

    ويقوم الأمين العام (في حالة إتفاقيتي سنة 1974 وسنة 2000) ورئيس المجلس الإداري (في حالة إتفاقية الـ ICSID) بتعيين لجنة من قائمة المحكمين لدى المركز يكون بمقدورها أن تبطل الحكم التحكيمي أو أي جزء من أجزائه إذا توافر أي سبب من الأسباب التي ذكرتها.

    رابعاً- بينما تنص إتفاقية الـ ICSID على الإعتراف بالأحكام التحكيمية وتنفيذها، تكتفي إتفاقيتا سنة 1974 وسنة 2000 العربيتان بتناول تنفيذ حكم التحكيم دون التطرق إلى الاعتراف به. وتلك ظاهرة نراها في غالبية قوانين البلدان العربية كما في إتفاقية تنفيذ الأحكام لسنة 1952 المعقودة في نطاق جامعة الدول العربية. والجدير بالذكر أن إتفاقية الرياض للتعاون القضائي لسنة 1983 التي حلت بالنسبة إلى البلدان التي صادقت عليها محل اتفاقية تنفيذ الأحكام لسنة 1952، قد نصت على الاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها. وإنه لكان من الأفضل لو أن إتفاقية تسوية منازعات الإستثمار في الدول العربية لسنة 2000 حذت حذو اتفاقية الرياض لسنة 1983 ولم تكتف بالنص على تنفيذ أحكام التحكيم دون التطرق إلى الإعتراف بها.

    خامساً- توجب إتفاقية الـ ICSID على كل دولة متعاقدة – وأكرر كل دولة متعاقدة - أن تعترف بأي حكم تحكيمي يصدر في نطاق الإتفاقية باعتباره حكماً ملزماً وأن تنفذ على أراضيها الإلتزامات المالية التي يقضي بها الحكم التحكيمي كما لو كان حكماً نهائياً صادراً من إحدى محاكم تلك الدولة. أما إتفاقيتا سنتي 1974 و2000 العربيتان، فإنهما تتضمنان نصوصاً مماثلة لتنفيذ الحكم التحكيمي، الصادر عملاً بأحكامهما، في الدولة التي تكون طرفاً في النزاع وفي تلك التي يكون أحد مواطنيها طرفاً في النزاع حصراً. بعبارة أخرى، يتم تنفيذ حكم التحكيم كما لو كان حكماً نهائياً صادراً من إحدى محاكم الدولة في هاتين الدولتين حصراً. أما في سائر الدول المتعاقدة، فعلى الطرف الذي يوث تنفيذ حكم تحكيمي صادر بمقتضى إتفاقيتي سنة 1974 وسنة 2000 أن يستعين بإتفاقية نيوريوك لسنة 1958 المتعلقة بالإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها أو بإتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي لسنة 1983 إذا كانت الدولة المتعاقدة قد انضمت إلى إحدى تلك الإتفاقيتين، أو أن يستعين بالقانون الوطني في الدولة المتعاقدة.

    ختاماً، في وقت تشهد فيه منطقتنا العربية بزوغ فجر جديد لم تتحدد معالمه تماماً بعد، وفي وقت يعاني فيه العالم أجمع من أزمة مالية لم نتبين سوى فصولها الأولى حتى الآن، وفي وقت تغلب على المستقبل في أكثر من قارة وأكثر من بلد وعلى أكثر من صعيد صفة الضبابية، بإمكاننا أن نقوم بجهود متواضعة بغية تفعيل العمل العربي المشترك لكي تخفف عنا وطأة الآثار السلبية للعواصف التي تهب علينا من كل حدب وصوب. وفي هذا السياق، ينبغي لنا أن نقوم بتفعيل المعاهدات العربية المشتركة، سواء في حقل الإستثمار أو في حقل التعاون القضائي، وأن نقوم أيضاً بتصحيح ما يعتريها من خلل وبتشجيع الانضمام إليها وتنفيذها تنفيذاً سليماً، وذلك لتشجيع الإستثمارات العربية والأجنبية.

لست أغلو حين أقول: اليأس عندي إلى حين، والمرتجى فكل حين.