الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / الأنظمة التحكيمية الدولية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 11 / نبذة عن منظومة فض النزاعات الرياضية (أنموذج كرة القدم)

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 11
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    195

التفاصيل طباعة نسخ

ملخص:

    قبل سنة 1992 كانت الرياضة خاضعة لجملة من القواعد غير الواضحة مع تأثير محدود للمؤسسات الدولية، التي كانت تقتصر على تدخلات جزئية ومشتتة. ومنذ الحكم التحكيمي الصادر عن محكمة التحكيم الرياضي سنة 1992 في قضية "غونـديل" ثـم الحكم الصادر عن محكمة العدل للإتحاد الأوروبي في قضية "بوسـمان" سـنة 1995 ولجت المبادئ القانونية عالم القانون وخاصة منها المبادئ التي تقـر للرياضـي صورة النزاع بالحق في محاكمة عادلة بواسطة مؤسسات تحكيم ومحكمـيـن مـستقلين إزاء الخصوم، وباحترام حقوق الإنسان الأساسية. وقد كرس فقه قضاء ما بعد قـرار "بوسمان" رؤية مقتضاها انكار استقلالية القانون الرياضـي، بـل يخـضع للمبـادئ المشتركة بين مختلف الأنظمة القانونية، بما نشأ معه "قانون مادي رياضي" تأسس على أساسيات قانون الشغل والقانون المدني وحقوق الإنسان بوجه عام، ونظل خـصوصية الرياضة مع ذلك معترفا بها، لكن مع قصرها على دلالتها الدنيا.

 

Abstract

Prior to 1992, sport was governed by a corpus of imprecise rules, with a limited influence of international organisms, whose activities were dispersed and widespread. Since the CAS award in the Gundel case (1992) and the ECJ judgment in the Bosman case (1995), the world of sport was penetrated by legal principles, especially those recognizing the right of the sportsmen, in case of dispute, to a due process of law by independent arbitrators and arbitral institutions, and the application of the rules of basic Human rights. The case law of the post- Bosmanian era consecrated a view according to which the sports law is not autonomous, but governed by the basic principles common to most legal systems, which creates, yet, a certain lex sportiva, founded on basic principles of labor law, civil law and human rights in general. The specificity of sport remains nonetheless recognized but limited to its minimal significance.

Abstract

Avant 1992, le sport était régi par un corpus de règles imprécises, avec une influence limitée des organismes internationaux, dont l'action était fragmentaire et diffuse. Depuis la sentence rendue par le TAS en 1992 dans l'affaire Gundel, puis l'arrêt de la CJCE dans l'affaire Bosman (1195), le monde du sport a été pénétré par les principes juridiques, notamment ceux consacrant le droit du sportif, en cas de litige, à un procès équitable par des institutions d'arbitrage et des arbitres indépendants à l'égard des parties, et au respect des droits humains fondamentaux. La jurisprudence sportive de l'époque post-bosmanienne a consacré une vision selon laquelle le droit du sport n'est pas autonome et qu'il est régi par les principes de base communs à l'ensemble des différents systèmes juridiques, créant ainsi une lex sportiva fondée sur les fondamentaux du droit du travail, du droit civil et des droits de l'Homme en général. La spécificité du sport demeure cependant reconnue, mais cantonnée à sa portée minimale.

[Type a quote from the document or the summary of an interesting point. You can position the text box anywhere in the document. Use the Drawing Tools tab to change the formatting of the pull quote text box.]

 

 

 مقدمة:

1. ظل النشاط الرياضي زمناً طويلاً بعيداً عن كل تأطير قانوني، فترسخ في الأذهان أنه مجال لا دخل للقانون فيه. وربما كان من أسباب ذلك أن الرياضة ظهرت في البداية كمجرد نشاط فردي ترفيهي، وقد كانت في زمن ما حكراً على الملوك والأشراف، وخاصة رياضة الصيد والرماية ونحوها، حيث ارتبطت أيضاً بالترفيه من جهة وبالحياة الحربية من جهة أخرى. كما أن قيام الرياضة الحديثة على مبادئ الهواية، كما أعلنها "بيار دي كوبرتان" عند إحداث اللجنة الأولمبية الدولية CIO في القرن التاسع عشر ساهم بدوره في وجود هذا الإعتقاد. غير أن إحداث محكمة رياضية من قبل اللجنة الأولمبية الدولية سنة 1984 على يدي "خوان أنطونيو سامارنش" – رئيس اللجنة الأولمبية الدولية آنذاك- والمحكم الدولي الشهير القاضي السينغالي "كيبا مباي" Kéba Mbaye وضع لبنة أولى على طريق إخراج الرياضة من عالم اللا قانون le non-droit على حد تعبير Jean Carbonnier في كتابه الشهير Flexible droit إلى عالم القانون. فالمحكمة هيئة محايدة تفصل النزاعات الفردية بالإستناد إلى قواعد عامة سابقة الوضع ميزتها التجريد والعمومية والدوام.

2. ويتبين من دراسة مسألة تطبيق القواعد القانونية العامة في المجال الرياضي أن الحديث تحول من تلويح بالإستقلالية إلى إقرار بأن القانون الرياضي مكون من مكونات منظومة قانونية واحدة تقوم على مبادئ جوهرية موحدة (المبحث الأول). وتنبني على نفي استقلالية القانون الرياضي عدة استنباعات تبرز خصوصاً من خلال تطبيق جملة من المبادئ الإجرائية والجوهرية على العلاقات القانونية المشمولة بقانون الرياضة (المبحث الثاني).

المبحث الأول: من الإستقلالية إلى وحدة القانون:

 3. لئن عرفت العشريات الثلاثة الأخيرة زخماً غير متوقع وطوفاناً من الأحكام القضائية والتحكيمية والتراتيب والقوانين الجديدة، إلى درجة أصبح معها من المستحيل الإلمام بها جميعاً، فإن حكمين صادرين في أوروبا (ولا عجب) في حيز زمني لم يتجاوز سنتين قد أديا إلى انقلاب كلي في الوضع، إذ أعلنا نهائياً ورسمياً موت نظرية الرياضة الخارجة عن القانون، وعن اندراج الرياضة في المنظومة القانونية بمكوناتها جميعاً، من قانون عام وقانون خاص:

-الأول هو قرار المحكمة الفيدرالية السويسرية في قضية تتعلق برياضة سباق الخيل تخص المسمى Gundel الذي تعرض لعقوبة تأديبية بعد أن ثبت أن حصانه تناول مادة منشطة، حيث رفع النزاع إلى محكمة التحكيم الرياضي بلوزان فقضت فيه بما رأت، فطعن الرياضي في الحكم التحكيمي أمام المحكمة الفيدرالية السويسرية (التي أقرت دون تردد أنها مختصة بالنظر في مطالب إبطال أحكام تحكيم محكمة التحكيم الرياضي بحكم وجود مقر التحكيم بسويسرا)، فلاحظت المحكمة أن محكمة التحكيم الرياضي لها علاقة وثيقة باللجنة الأولمبية الدولية، وهو ما يجعلها فاقدة للإستقلالية، حال أن مؤسسات التحكيم ينبغي أن تكون بعيدة عن كل تأثير، وخاصة عن تأثير الأطراف التي يمكن أن تكون يوماً ما طرفاً في أحد النزاعات التي قد تعرض عليها، كما هو الشأن بالنسبة الى اللجنة الأولمبية الدولية التي يمكن الطعن في قراراتها وخاصة منها القرارات التأديبية-أمام محكمة التحكيم الرياضي . وهذه الإشارة الذكية، التي وردت في قالب النصيحة أو التحذير لمن شاء أن يفهمها كذلك، تلقتها اللجنة الأولمبية بسرعة فسارعت إلى تعديل مجلة التحكيم الرياضي ونظام المحكمة بحيث تم فصلها عن اللجنة الأولمبية الدولية سواء من حيث الهيكلة أي ما يهم تعيين الأعضاء أو من حيث التمويل. وساهم هذا التعديل الذي أجري سنة 1994 في بروز محكمة التحكيم الرياضي بلوزان TAS/CAS (Tribunal d'Arbitrage du Sport / Court of Arbitration for Sport) كمؤسسة تحكيمية مركزية يمتد إختصاصها ليشمل كافة النزاعات الرياضية البحتة التي تحال إليها بموجب اتفاقية تحكيم مهما كان شكلها، أو حتى النزاعات التجارية المتصلة بالرياضة كالنزاعات المتعلقة بالرعاية التجارية للأنشطة الرياضية وللرياضيين .sponsoring

والثاني هو قرار محكمة العدل الأوروبية Cour de Justice des Communautés Européennes في قضية اللاعب البلجيكي "جان مارك بوسمان" المتعلقة بلاعب كرة قدم محترف انتهى عقده مع فريقه البلجيكي فأراد الإنتقال إلى نادي دانكرك الفرنسي، فمانع فريقه الأصلي في ذلك على أساس أن اللاعب "على ملكه"، وبالتالي لا يمكنه الإنتقال إلى أي ناد آخر، إلا بموافقته ومقابل تعويض مالي. وقد أكدت المحكمة الأوروبية في هذا القرار مبدأ رئيسياً أصبح يهيمن على المجال الرياضي اليوم مقتضاه أن اللاعب المحترف هو أجير مرتبط مع الفريق بعقد شغل، وأن اللاعب كإنسان لا يمكن أن يكون ملكاً لأي كان ولا يجوز بيعه أو التصرف فيه تصرف المالك في ملكه ولا إخضاعه إلى أي شكل من أشكال العبودية كالعقود الأبدية. وعلى الرغم من أن الأندية المحترفة حاولت الإلتفاف على المبدأ المكرس في هذا القرار باعتماد عدة تقنيات قانونية على غرار ما وقع في الاوروغواي حيث تم إبرام اتفاقية مشتركة convention collective بين نقابة الجمعيات الرياضية ونقابة اللاعبين نصت على منح الجمعية خياراً أحادياً لتجديد عقود لاعبيها option unilaterale de renouvellement، فقد تصدت محكمة التحكيم الرياضي لهذه الخزعبلات عبر استبعاد تطبيق مثل هذه الإتفاقيات باعتبارها مخالفة للنظام العام الدولي السويسري وخاصة ما يقرره من حماية دنيا لحقوق العملة.

4. ويذكرنا القراران السالف ذكرهما بقرارين أصدرتهما محكمة التعقيب التونسية في نزاعات جبائية، حيث كان المنطق السائد لزمن طويل يعتبر أيضاً أن مادة الجباية "لها كيانها الخاص" وأن القانون الجبائي "مستقل" عن مواد القانون الأخرى وخاصة القانون الخاص، باعتبار أنه "قانون يتسم بالواقعية" ولا تهمه البناءات النظرية التي يقوم عليها القانون المدني". فقد أكدت محكمة التعقيب أنه يوجد مبدأ عام هو مبدأ وحدة القانون  principe del'unité ou de l'unicité du droitالذي مقتضاه أن الفصل بين مواد القانون ليس إلا فصلاً منهجياً pédagogique وليست حواجز شاهقة تفصل كل مادة عن الأخرى. فالقانون الجبائي أو القانون الرياضي لا ينفصلان عن القانون المدني أو القانون التجاري أو قانون الشغل أو القانون الإداري أو القانون الجزائي، بل يتكامل كل منها مع الآخر ليشكل مجموعها منظومة قانونية هي النظام القانوني لبلد أو لمجموعة ما un ordre ou systeme .juridique

5. غير أن نفي الإستقلالية لا يتنافى مع الخصوصية، كما كتب ذلك العميد فرانسوا جيني François Gény منذ سنة 1928. وقد أكدت النصوص الدولية المتعلقة بالرياضة هذا التوجه، حيث تحدث العديد منها عن "خصوصية الرياضة la spécificité du sport ونذكر خصوصاً:

   L'art. 25 du Règlement FIFA du Statut et des Transferts de Joueurs (2004, en vigueur depuis 2005) dispose: « 6. La Commission du Statut du Joueur, la Chambre de Résolution des Litiges, le juge unique ou le juge de la CRL (selon le cas) appliqueront, lors de la prise de décisions, le présent règlement tout en tenant compte de tous les arrangements, lois et/ou accords de conventions collectives pertinents existant au niveau national, ainsi que la spécificité du sport ».

6. كما نشير إلى عدد من قرارات محكمة التحكيم الرياضي التي استندت فيها إلى هذه الخصوصية، وكذلك القرار الصادر عن محكمة الإستئناف Court of Appeal في بريطانيا منذ سنة 2007 في قضية تتعلق بالمسمى Paul Stretford وهو وكيل اللاعب "واين روني" الذي سلطت عليه عقوبة تأديبية فطعن فيها أمام القضاء الإنكليزي متمسكاً ببطلان الشرط التحكيمي المدرج بالقاعدة K من نظام الجامعة الإنكليزية لكرة القدم FA الذي تعهد بمقتضاه بعرض كل نزاع تأديبي يهمه على محكمة التحكيم الرياضي حيث رفضت المحكمة اعتبار أن الشروط التحكيمية التي يلتزم بها اللاعبون أو وكلاء اللاعبين منافية للفصل 6 من الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تكفل الحق في محاكمة عادلة، وتبين أن المحاكمة العادلة هي التي تكون علانية وأمام محكمة عمومية محدثة بمقتضى القانون ومحايدة، حيث تمسك الطاعن بأن التحكيم يتنافى مع العلانية، كما أن محكمة التحكيم هي هيئة خاصة وليست محكمة عمومية، فردت عليه المحكمة بما يلي:

 "Arbitration clauses have become standard in the rules of sporting organizations and... to strike down such clauses would have a far-reaching and undesirable effect on the use of arbitration in sport generally"

7. ويترتب على جميع ما تقدم إخضاع النشاط الرياضي لجملة الأحكام القانونية العامة ما لم يرد نص خاص، والإقرار بتطبيق المبادئ الأساسية التالية على المجال الرياضي:

المبحث الثاني: استتباعات نفي استقلالية القانون الرياضي:

8. يترتب على اعتبار الرياضة مجالا ذا خصوصية، تطبيق جملة من المبادئ الإجرائية والأصلية على النزاعات الرياضية.

الفقرة الأولى: أهم المبادئ الإجرائية المنطبقة على النزاع الرياضي:

9. ينبغي على الهيئات والجهات المكلفة بت النزاعات الرياضية احترام المبادئ الإجرائية التالية:

-اختصاص هيئات التحكيم بمقتضى سند تعاقدي (اتفاقية تحكيم): فالهيئات التحكيمية لا تستمد اختصاصها مباشرة من القانون، بل تستمده من العقد أي من اتفاقية التحكيم. فالتحكيم ليس مفروضاً، لا على اللاعب ولا على الجمعية ولا على غيرهما من المتدخلين في المجال الرياضي من مستشهرين ووكلاء لاعبين ومنظمي مباريات أو تظاهرات رياضية... وقد بينت المحكمة الفيدرالية السويسرية في قضية الحارس المصري عصام الحضري ضد النادي الأهلي، أن اتفاقية التحكيم يجوز أن تكون بالإشارة إلى وثيقة مستقلة تقر الإختصاص التحكيمي clause compromissoire par référence وأنه يكفي بالتالي أن يتعهد اللاعب بصفة عامة باحترام التراتيب الرياضية التي تنص من جهتها على منح الإختصاص لمحكمة التحكيم الرياضي TAS. وقد اعتبر الفقه أن الواقع الحالي يكرس تحكيماً دون عقد تحكيم حقيقي. كما أن اللجنة الوطنية للتحكيم الرياضي استندت إلى هذا المبدأ في قضية هيئة الدفاع عن النادي الإفريقي. غير تجدر الإشارة إلى أن إمكانية اللجوء إلى التحكيم تظل مستشكلة في القانون التونسي لعدم وجود نص تشريعي يقرها، مقابل وجود الفصل 7 من مجلة التحكيم الذي يمنع التحكيم في كل مسألة لها مساس بالنظام العام. ومعلوم أن قانون الشغل يعتبر برمته من المواد التي لها مساس بالنظام العام الإجتماعي حسب ما استقر عليه فقه القضاء التونسي على مدى نصف قرن على الأقل، وهو ما يطرح التساؤل عن مدى كفاية أحكام النظام الأساسي للجنة الوطنية الأولمبية التونسية كما نقح بموجب قرارات الجلسة العامة المنعقدة في 5 مارس 142010، في حين أن فقه القضاء التونسي اعتبر في أكثر من قرار أن النزاع لا يقصى من مجال التحكيم بمجرد وجود أحكام تهم النظام العام لها صلة به15، بل ينبغي أن يكون جوهر النزاع خاضعاً لأحكام تهم النظام العام، وهو الأمر المتحقق دون ريب بالنسبة الى المادة الشغلية.

- استقلالية التحكيم كقضاء خاص: ويترتب على ذلك أمران:

أ- استقلالية مؤسسة التحكيم إذا كان التحكيم مؤسساتياً arbitrage  institutionnel:  فالمؤسسة التحكيمية ينبغي أن تكون مستقلة هيكلياً ومالياً ومن حيث كيفية اتخاذ القرارات فيها، عن كل الأشخاص الذين لهم مصالح قد تكون يوماً ما محل نزاع أمامها. ولا تعني الإستقلالية عزل المؤسسة تماماً عن المتعاملين في ميدان تدخلها، بل تعني فقط أن لا تكون محل هيمنة من بعض المتدخلين كاللجنة الأولمبية أو الجامعة الرياضية أو غيرها. وقد اعتبرت المحكمة الفيدرالية السويسرية أن محكمة التحكيم الرياضي أصبحت تستجيب لمعايير الإستقلالية بعد تنقيح سنة 1994 الذي أحدث بموجبه المجلس الدولي للتحكيم الرياضي Arbitrage Sportif -CIAS'1 الذي أصبح هو الهيكل المسير لدواليب المحكمة الرياضية16، على الرغم من أن المجلس المذكور يضم بين أعضائه "ممثلين" عن اللجنة الأولمبية الدولية التي لها الحق في تعيين 4 أعضاء من بين 20 عضواً بالمجلس، علاوة على تعيين 4 أعضاء آخرين من قبل هيئتي تنظيم الألعاب الأولمبية الصيفية [3 أعضاء والشتوية [عضو واحد]. وقد طرح الإشكال المتعلق باستقلالية هيئات فض نزاعات الرياضة على محكمة التحكيم الرياضي باعتبار أن هيئة تحكيم لدى الجامعة البرازيلية لكرة القدم ( Tribunal Supérieur de Justice Sportive du Football)  لا تعد مستقلة (وبالتالي لا يحق لها الطعن في قرارات تحكيمية رياضية بمفردها) طالما تبين أنه يتم تمويلها بصفة كلية من قبل الجامعة المعنية علاوة على أنها تفتقر إلى الشخصية القانونية وليست سوى هيكل من هياكل الجامعة. كما أن توقف نفاذ أحكام التحكيم على المصادقة أو التأشير عليها من قبل إحدى الجهات التي يمكن أن تكون طرفاً في نزاع تحكيمي يعد ماساً باستقلاليتها.

 ب- استقلالية المحكم: ويستوي في ذلك أن يكون التحكيم حراً ad hoc أو مؤسساتياً. طرح المشكل بحدة في قضية هزاع بن زايد آل نهيان الذي سلطت عليه عقوبة من الجامعة الفرنسية للفروسية من أجل المنشطات فرفع النزاع إلى محكمة التحكيم الرياضي. وإثر هذه القضية تقرر منع الجمع بين صفة محكم وإمكانية نيابة المتقاضين أمام المحكمة الرياضية TAS خاصة أن عدد المحكمين لدى هذه المحكمة خلافاً لما هو معمول به أمام مؤسسات التحكيم الأخرى مثل غرفة التجارة محدود، الدولية CCI وغيرها.

- ضرورة احترام حق الدفاع ومبدأ المواجهة بين الخصوم خلال الإجراءات: وينطبق هذا المبدأ سواء تعلق الأمر بهيئة تحكيمية أو بأحد الهياكل القضائية التابعة لهيكل من الهياكل الوطنية أو الدولية كـ"الفيفا" والجامعة التونسية لكرة القدم من لجان فض النزاعات أو لجنة شؤون اللاعبين أو لجان الإستئناف... وكل خرق لحق الشخص في أن يتم سماع حججه droit d'être entendu يترتب عليه بطلان الإجراءات، وبالتالي نقض الحكم. وقد أبطلت المحكمة الفيدرالية السويسرية عددا من الأحكام التحكيمية لإهمالها حق الدفاع. وفي قضية لاعب التنس الأرجنتيني "جيلرمو كاناس" Guillermo Canas، تم إبطال حكم التحكيم لإهماله الرد على دفوع احتياطية تمسك بها اللاعب في صورة رفض الدفع الأصلي المثار من قبله .

- تطبيق قواعد الإثبات المألوفة: فعبء الإثبات محمول في كل الأحوال على المدعي. لكن يلاحظ أنه في ما يتعلق بالمنشطات على وجه الخصوص، استقر فقه قضاء محكمة التحكيم الرياضي بلوزان على اعتبار أن اللاعب هو المطالب بإثبات كيفية دخول المادة المنشطة إلى جسمه، وإلا تمت معاقبته تأديبياً.

- بينت المحكمة الفيدرالية في قرار صادر في 2 فيفري 2009 أن هيئة التحكيم يجوز لها أن تثير من تلقاء نفسها الدفوع التي تهم النظام العام، غير أنها مطالبة بأن تحترم حق الدفاع وذلك بأن تعرض المسألة على الأطراف كلما تعلق الأمر بإثارة مسألة أو نص قانوني لم يكن من الممكن للأطراف توقعه. فلا يجوز مباغتتهم بالتمسك تلقائياً ex officio بقاعدة لم يتوقعها منهم أحد.

- قابلية أحكام التحكيم للطعن بالإبطال أمام المحاكم المختصة بموجب قوانين التحكيم العادية: فقد اعتبرت المحكمة الفيدرالية السويسرية منذ عقود طويلة جداً أنها مختصة بالنظر في مطالب الإبطال رغم خصوصية النزاع الرياضي، وعلى الرغم من كل القيود التي تنص عليها تراتيب الجامعات الرياضية والتي تهدف إلى إبعاد النزاعات الرياضية عن نظر المحاكم المدنية، بل أكثر من ذلك، فإن أحكام التحكيم الرياضي أصبحت تمثل اليوم حوالي 75 في المائة من أحكام التحكيم التي تعرض على المحكمة الفيدرالية في سويسرا. وقد حاولت بعض الجامعات الرياضية تجنب هذه النتيجة فأدرجت الـ ATP (Association of Tennis Professionnals) شرطاً نموذجياً يتعهد بموجبه اللاعب بعدم الطعن في قرارات التحكيم، غير أن المحكمة الفيدرالية السويسرية استبعدت الشرط المذكور، لأنه لا يعبر عن إرادة حرة صادرة عن اللاعب، خاصة أنه ليس أمامه أي خيار عدا الإمضاء (التوقيع) على ذلك الشرط إن شاء المشاركة في دورات الـ ATP. فهذا الشرط يعد من الشروط التعسفية التي ينبغي على القاضي إبطالها لفرض سيادة القانون24. وفي رأيي فإن الفصل 56 من النظام الأساسي للجامعة التونسية لكرة القدم الذي ينص في فقرته الأخيرة على التزام كل الأطراف باحترام قرارات لجنة فض النزاعات ولجنة الإستئناف بالجامعة التونسية لكرة القدم و"الفيفا" ينبغي أن لا يقع تأويله على أنه يتضمن تعهداً بعدم الطعن بالإبطال في أحكام التحكيم أمام محكمة الإستئناف المختصة، وإلا فإن المحكمة ملزمة بالتصريح ببطلانه عملاً بالفصل 42 من مجلة التحكيم الذي ينص صراحة على أنه "يجوز طلب إبطال حكم هيئة التحكيم الصادر نهائياً - ولو اشترط الأطراف خلاف ذلك- في الأحوال التالية: ...". وحتى في صورة اعتبار التحكيم دولياً فإنه ينبغي عرضه على محكمة التحكيم الرياضي بلوزان (سويسرا) عملاً بالفصل 56 السالف الذكر. فإن تم مع ذلك عرضه على هيئة تحكيم مقرها في البلاد التونسية فإن الفصل 78 لا يجيز في فقرته 6 التخلي عن حق الطعن في حكم التحكيم بالإبطال، إلا إذا لم يكن لأي واحد من أطراف التحكيم مقر أو محل عمل بتونس، وهو أمر عذر في كل الحالات تقريباً، إذ أن النزاعات التي تعرض على التحكيم في تونس تهم في كل الأحوال طرفاً مستقراً بتونس وخاصة الجمعيات أو الجامعات الرياضية التونسية. وحتى في صورة وجود هذا الشرط فإن منطق قرار المحكمة الفيدرالية السويسرية في قضية "كاناس" يؤدي إلى إبطاله في مطلق الأحوال لغياب الرضا في جانب اللاعب.

الفقرة الثانية: أهم المبادئ الموضوعية المنطبقة على النزاع الرياضي:

10. لا يتسع المجال لاستعراض مجمل القواعد التي تنطبق على المجال الرياضي. فجميع القوانين والتراتيب الصادرة عن السلطتين الترتيبية والتشريعية بالبلاد التونسية وجميع الإتفاقيات الدولية المصادق عليها تعد منطبقة إن توافرت شروط تطبيقها ما لم يوجد نص خاص. لكن لا بأس من الإشارة إلى أهم القواعد وهي التالية:

1. مبادئ قانون العقود :

11. ونذكر خصوصاً المبادئ المتعلقة باشتراط الأهلية والرضا، وبمبدأي إلزامية العقد pacta sunt servanda وحسن النية. وينتج من إلزامية العقد أن الجمعية مطالبة بدفع الأجور والإمتيازات المنصوص عليها في العقد طالما نفذ اللاعب التزاماته المتمثلة في حضور التمارين والإمتثال إلى التعليمات القطعية الصادرة عن مؤجره. ولا يحق للفريق التنصل من دفع الأجور ولو كان ذلك بعلة أنه يمر بصعوبات اقتصادية أو رياضية. ومن جهة أخرى فإن اللاعب مطالب باحترام مدة العقد، وإلا لزمه غرم الضرر الناجم عن الجمعية إن فسخ العقد قبل حلول الأجل.

12. وفي امتداد لقرار "بوسمان" (1995)، اعتبر قرار محكمة التحكيم الرياضي TAS في قضية اللاعب Webster (2008) أن اللاعب يجوز له فسخ عقده بصفة أحادية على أن يؤدي للفريق تعويضاً عن الضرر اللاحق به، وأضاف أن هذا التعويض يعادل قيمة الأجور المستحقة عن المدة المتبقية من عقده. كما قضى الحكم بإلزام النادي القائم بالإنتداب بأداء الغرامة بالتضامن مع اللاعب. وعلى الرغم من أن هذا الحكم كان له صدى مدة في عالم القانون الرياضي حتى سماه البعض "قرار بوسمان II" باعتبار أنه استبعد مقولة خصوصية القانون الرياضي في ما يتعلق بفسخ العقود- فإنه نحأ منحى مجحفاً بحقوق النادي المتعاقد، إذ منحه الحق في تعويض جزافي غير مبني على منطق التعويض المدني. ذلك أن أجور المدة المتبقية من العقد تعادل الضرر الذي يلحق اللاعب عند فسخ عقده أحادياً من قبل النادي دون مبرر شرعي. أما بالنسبة الى النادي فإن الضرر الحقيقي ينبغي أن يعادل القيمة التي يحتاج النادي إلى دفعها لانتداب لاعب بديل بنفس القيمة الرياضية و"التجارية" valeur de remplacement. كما لا نرى مانعاً من تطبيق ما يسمى "الغرامات العقابية" dommages intérêts punitifs إذا ظهر سوء النية الفادح والواضح من جانب اللاعب.

13. والشرط التسريحي clause libératoire الذي أصبح إدراجه في العقود من العادات التعاقدية، إنما هو من قبيل الشرط الجزائي clause penale الذي ينبغي احترامه عملاً بالفصل 242 من مجلة الالتزامات والعقود التونسية. لكن يجدر التنبيه إلى أن محكمة التعقيب التونسية أقرت منذ بضع سنوات أنه يجوز للقاضي أن يراجع الشرط التغريمي وأن يرده إلى الحد المعقول المراعي للإنصاف وحسن النية عملا بالفصل 243 من مجلة الالتزامات والعقود.

2. مبادئ قانون الشغل:

14. ومنها خصوصاً مبدأ احترام العقد إن كان ينص على امتيازات لا تقل عما هو مقرر في القانون لفائدة العامل. ومنها أيضاً القاعدة التي تقر للمؤجر بالسلطة التأديبية على أجرائه وتمنحه الحق في فسخ عقد الشغل، إذا ارتكب الأجير هفوة خطيرة. ومن الهفوات الخطيرة استهلاك اللاعب للمواد المخدرة. وقد قررت محكمة التحكيم الرياضي في قضية لاعب روما وتشلسي السابق، الروماني أدريان موتو، أنه يحق في هذه الحالة للجمعية فسخ العقد ومطالبة اللاعب بتعويض يعادل نسبة ما بقي من قيمة انتقال اللاعب إلى الفريق المتضرر بالنظر إلى مدة العقد، وبالتالي ألزمت اللاعب بدفع غرامة قدرها 17 مليون يورو أي أكثر من 30 مليون دینار لفائدة تشلسي باعتبار أن الفريق كان تحصل على خدمات اللاعب مقابل 22 مليون يورو بموجب عقد يمتد على 5 سنوات وثبتت عليه تهمة تعاطي المخدرات بعد أقل واحدة من بداية العقد29. وقد رفضت المحكمة الفيدرالية السويسرية إبطال هذا الحكم التحكيمي على الرغم من تمسك اللاعب بأن ارتفاع قيمة التعويض المقرر تجعله معادلاً للإنتزاع من سنة équivalent à une expropriation، كما أنه يحد من حرية تنقل العملة ويمس بالكرامة.

15. ويطرح التساؤل بوجه خاص عن مدى صحة الشرط التسريحي clause libératoire في القانون التونسي، خاصة أنه يعتبر شرطاً تغريمياً clause penale. فقد اعتبرت محكمة التعقيب في قرار صادر بتاريخ 6 جوان 2001 أن "إدراج شرط تغريمي في عقد الشغل أمر يتجافي وخصوصية العقد المذكور باعتبار أن طرفيه غير متساويين، لأن المؤجر هو الذي يفرض شروطه وتقتصر إرادة الأجير على الإذعان لتلك الشروط أو رفض العمل". وقد اعتبر الفقه أن هذا التوجه خطير وغير مطابق لروح القانون التونسي ولبعض النصوص الخاصة، خصوصاً أنه توجد أحكام أخرى صادرة عن المحاكم التونسية خالفته الرأي. ولا ندري إن كان القضاء التونسي، مهما كان الإطار الإجرائي لتدخله، سيواصل تطبيق الحل المكرس في قرار سنة 2001 لو تعلق الأمر بنزاع رياضي، أم أنه سيطبق مبدأ خصوصية الرياضة المكرس في النصوص الدولية، ويعتبر أن عقد الشغل الذي يهم الرياضي المحترف هو عقد متوازن، وبالتالي يجوز أن يدرج فيه شرط تغريمي من نوع ما يسمى الشروط التسريحية.

16. كما أن من مبادئ قانون الشغل التي تنطبق في الميدان الرياضي مبدأ تقييد شروط عدم المنافسة clauses de non-concurrence. فالشرط الذي يلتزم بموجبه اللاعب بعدم اللعب لفائدة فرق أخرى عدا فريقه المتعاقد معه، ينبغي أن تكون محدودة في الزمان والمكان وإلا كانت باطلة من أساسها.

17. وتنطبق على الأجير والمؤجر كافة القوانين المتعلقة بتشغيل الأجانب. ففي الإتحاد الأوروبي مثلاً، تخضع المسألة برمتها إلى الاتفاقيات المنشئة للإتحاد الأوروبي والتي تقوم على مبادئ السوق المشتركة marché commun التي تقتضي رفع كافة القيود التي تحد من حرية تنقل العملة بين بلدان الإتحاد الأوروبي، وهو ما أدى إلى إلغاء كل القواعد التي كانت توجب وجود عدد أقصى من اللاعبين الأجانب في الفرق الأوروبية quotas، ووقع سحب هذا الإلغاء على رعايا كل الدول المرتبطة باتفاقيات شراكة مع الإتحاد الأوروبي مثل تونس، وأيضاً على كل رعايا مجموعة (ACP (Afrique, Caraibes, Pacifique السبعة والسبعين. وبالنسبة إلى تونس، ينبغي أيضاً تطبيق الاتفاقيات الدولية التي ترفع الحواجز أمام تشغيل رعايا دول معينة بتونس، وبالتالي يعتبر اللاعبون القادمون من تلك البلدان بمثابة اللاعبين المحليين ولا يحتسبون ضمن الحد الأقصى للاعبين الأجانب المحددين حالياً بثلاثة. ونقصد بالخصوص اللاعبين القادمين من بلدان المغرب العربي التي أبرمت معها تونس اتفاقيات استيطان متى تم تطبيق هذه الاتفاقيات والعدول عن التمسك بالمعاملة بالمثل.

18. ونذكر أيضاً قواعد قانون الشغل المتعلقة بممارسة حق الإضراب والحق النقابي بوجه عام، والتي تمنع على وجه الخصوص الإضراب الفجائي وتوجب إعلام تفقدية الشغل قبل كل إضراب، وإلا اعتبر ذلك هفوة خطيرة تجيز للمؤجر فسخ عقد الشغل دون أي تعويض للعامل، بل مع إمكانية القيام على المشاركين في الإضراب بدعوى المسؤولية. لكن حق الإضراب يطرح على وجه الخصوص إشكالية تحديد الوضع القانوني للاعب الذي يدعى إلى المنتخب الوطني: فهل يعد أجيراً لدى الجامعة الوطنية أم يظل أجيراً لدى جمعيته مع اعتباره في حالة وضع على الذمة mise a disposition لفائدة المنتخب، وفي هذه الحالة يتجه تحديد الجهة التي يحق لها ممارسة السلطة التأديبية عليه، إن كان ناديه الأصلي أم الجامعة المعنية.

19. كما نشير إلى أن تراتيب الفيفا تشير بوضوح إلى أنه يمكن أن تبرم في مجال كرة القدم اتفاقيات جماعية conventions collectives. ولئن لم يقع هذا الأمر في تونس لغياب نقابة للاعبين، فإنه موجود في عدة بلدان أخرى كفرنسا والاوروغواي وغيرهما كثير.

1. مبادئ قانونية أخرى:

20. لا بد من الحديث على وجه الخصوص عن قانون حماية المعطيات الشخصية الذي يمنع إحالة المعطيات الشخصية للأجراء أو نقلها إلى خارج الحدود، ويمنح حماية خاصة للمعطيات الشخصية الحساسة ومنها المعطيات الصحية. فلا يحق للجمعية أو لأي متدخل في المجال الرياضي إفشاء الأسرار المتعلقة بالحالة الصحية للاعب. غير أنه وقع الإقرار بحق الجمعية في أن تنشر ما يقتضيه الحال من المعطيات حول الإصابات التي يتعرض لها اللاعبون. وفي مطلق الأحوال، ينبغي احترام مبدأ التناسب principe de proportionnalité الذي يقتضي أن الإستثناء يقاس بقدره، فلا يمكن التوسع فيه.

21. ولا شك أن الرياضة، بحكم اعتبارها مرفقاً عاماً طبق ما ينص عليه الفصل 9 من القانون الأساسي عدد 11 لسنة 1995 المؤرخ في 6 فيفري 1995 المتعلق بالهياكل الرياضية، تنطبق عليها مبادئ القانون الإداري، أي مبادئ تواصل المرفق العام (الإستمرارية continuité) والمساواة والتأقلم إلى جانب مبدأ المجانية الذي أصبح نسبياً جداً في العصر الحديث .

22. كما نلاحظ أن اللاعب والجمعية وغيرهما من المتدخلين يخضعون جميعاً لأحكام القانون الجبائي. فاللاعب لا يتمتع بأي حصانة جبائية، وعليه التصريح بكافة مداخيله السنوية دون استثناء بما في ذلك الأجور والمنح والإمتيازات النقدية والعينية التي يتحصل عليها من الجمعية أو من غيرها كالجوائز أو المكافآت التي تصدر عن الأحباء أو غيرهم وهو يخضع لنظام الأجور والمرتبات بالنسبة الى المداخيل المتأتية من الجمعية، وإلى نظام المداخيل غير التجارية BNC بالنسبة الى غيرها من المداخيل. وإن كانت له مداخيل غير متصلة بالرياضة كمداخيل فلاحية أو عقارية أو تجارية –كما إذا كان له مقهى أو ملهى أو نحوه- فهي تخضع للأنظمة الجبائية الخاصة بتلك الأصناف من الدخل.

23. وعلى الجمعيات أن تجري الخصم (الحسم) من المورد retenue à la source على ما تدفعه للاعبيها من أجور ومنح وفق جدول الخصم (الحسم) من المورد على الأجور الملحق بمجلة الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين والضريبة على الشركات أو وفق جدول الضريبة المنصوص عليه في الفصل 44 من المجلة نفسها.

24. وتخضع الجمعية على وجه الخصوص لمبادئ القانون المحاسبي droit comptable وبشكل أخص للمعيار المحاسبي الخاص بالتسجيل المحاسبي للعمليات المتعلقة بالنوادي الرياضية، ولا سيما ما يتعلق بكيفية التقييد المحاسبي للعمليات المتعلقة بانتقال اللاعبين وبنقص القيمة أو الأرباح المحققة... ويلاحظ أن هذا المعيار نص في فقرته عدد 02 المتعلقة بالأهداف على أن "تطبق أغلب قواعد نظام المحاسبة للمؤسسات على الهياكل الرياضية. غير أنه وباعتبار أن نشاط الهياكل الرياضية يختلف بصفة واضحة عن نشاط المؤسسات التجارية والصناعية، فإنه يجب أن يتم تحديد قواعد خاصة للهياكل الرياضية من شأنها أن توفر قوائم مالية تمكن مختلف المستعملين وخاصة منهم الممولين والمانحين والمنخرطين من تقييم الوضعية المالية للهياكل الرياضية والطريقة التي تم بها استعمال مختلف الأموال".

خاتمة

25. لقد تدرج النشاط الرياضي نحو عالم القانون، حتى أصبح اليوم رافداً من روافد الفكر القانوني، وأصبح "يصدر" حلوله ومبادئه إلى مجالات القانون التقليدي، وكان رهان المعركة الأكبر هو تكريس مبادئ حقوق الإنسان والكرامة عبر تحرير اللاعبين من مظاهر العبودية التي كانت تكرسها القوانين العتيقة، مما سمح في ما بعد بنفاذ باقي القواعد القانونية بكل يسر إلى عالم الرياضة. وساهم تدويل منظومة فض النزاعات -عبر المكانة الخاصة التي تحتلها محكمة التحكيم الرياضي بلوزان بدعم، ورقابة صارمة أيضاً، من المحكمة الفيدرالية السويسرية، المعروفة بمساندتها الكبرى للتحكيم واعتمادها توجه الـ favor arbitrandum-، في توحيد القانون الرياضي حول مجموعة من المبادئ ذات المصدر الدولي بالأساس، والتي شكلت قواعد مادية عبر دولية règles matérielles transnationales  أطلق عليها الفقه تسمية lex sportiva فصارت رافداً من روافد الـlex mercatoria أي القانون التجاري الدولي. وهذا التدويل هو الذي مكن من تقريب التشريعات الرياضية في مختلف أرجاء الكون من بعضها وضمان قابلية توقع prévisibilité حلول المسائل التي ما انفكت تطرح في مختلف الأنشطة الرياضية وفي كل القارات.

26. ويقوم هذا الحراك بكامله على مرجعية التصدي لمقولة "استقلالية القانون الرياضي" (l'autonomie du droit du sport) التي كانت تستعمل بصفة عشوائية لتبرير كل التجاوزات والخروقات للحقوق الأساسية للرياضي كإنسان، وردت هذه "الاستقلالية" المزعومة إلى حدها الطبيعي، فأصبح الحديث عن "خصوصية القانون الرياضي" (spécificité du droit du sport) أقرب إلى المنطق والاعتدال، بحيث لا ينكر أحد أن المجال الرياضي يحتاج إلى قواعد خاصة في ما يهم بعض الجوانب، لكنه لا يمكن أن يتمرد على المبادئ الأساسية التي تقوم عليها المنظومة القانونية العامة ولا أن يحدث فيها شرخاً كلياً يفتح الباب أمام الاعتباطية والحيف.

27. وعلى الرغم من التخوف الكبير من نتائج هذا المد، خاصة بعد صدور قرار "بوسمان" سنة 1995 ثم قرار "ويبستر" سنة 2008، حيث تعالت أصوات تحذر من احتمال إفلاس كرة القدم العالمية، فإن النوادي الرياضية ما زالت تحقق مداخيل مالية هامة على الرغم من أن القوانين الحديثة شجعت المضاربات على اللاعبين وتنقلاتهم، ولو أن هشاشة التوازنات المالية للنوادي الرياضية – وخاصة النوادي المختصة في التكوين clubs formateurs- ما زالت مثيرة للحيرة ومستوجبة لمزيد من التفكير... لكن تلك مسألة أخرى.