الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / الأنظمة التحكيمية الدولية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 10 / النطاق القانوني والمؤسسات الرئيسية المتعلقة بالتحكيم والطرق البديلة لحل النزاعات في تركيا

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 10
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    169

التفاصيل طباعة نسخ

مقدمة:

   للتحكيم والطرق البديلة أو الودية لحل النزاعات تاريخ طويل في تركيا". فأول قانون مكتوب يتعلق بالتحكيم يعود إلى عام 1856. كما أن الوساطة بالأخص لها جذورها العميقة في تركيا وأسلافها أي في الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية السلجوقية، إلا أن تطور التحكيم والطرق البديلة أو الودية لحل النزاعات كان بطيئاً بعض الشيء، ما اثر في إيجاد ثقافة تحكيم وطرق بديلة لحل النزاعات، لطالما كانت تركيا في حاجة إليها. تنشأ هذه الحاجة من المصاعب التي تفرضها الإجراءات أمام المحاكم في تركيا. فمعدل طول أمد مثل هذه الإجراءات يتراوح بين ثلاث وأربع سنوات بما فيها إجراءات الإستئناف. وبالتالي، يجب تشجيع الطرق الودية لحل النزاعات التي هي فعالة وتحافظ على السلم الإجتماعي. لهذا السبب، تحتاج تركيا إلى إصلاح قضائي ، يتمثل جزء منه ويجب أن يتمثل، بالممارسة الفعالة للتحكيم والطرق الأخرى البديلة لحل النزاعات. لذلك، من الواضح أنه يجب إيجاد ثقافة التحكيم والطرق البديلة لحل النزاعات.

    تهدف هذه المقالة القصيرة إلى إظهار النطاق القانوني والمؤسسات الرئيسية المتعلقة بالتحكيم والطرق البديلة لحل النزاعات في تركيا بغية تحديد ما يلزم أو ما ينقص لإيجاد ثقافة التحكيم والطرق البديلة لحل النزاعات في تركيا.

 I. النطاق القانوني:

أ- القوانين المتعلقة بالتحكيم والطرق البديلة لحل النزاعات:

1- قانون أصول المرافعات المدنية وقانون أصول المرافعات المدنية الجديد:

    إن أقدم تشريع لا يزال نافذ المفعول في ما خص التحكيم هو قانون أصول المرافعات المدنية”. ويطبق هذا الأخير على التحكيم الداخلي الذي يكون فيه مقر التحكيم هو تركيا والذي لا يتضمن عنصراً أجنبياً. يعكس قانون أصول المرافعات المدنية نهج عشرينيات القرن العشرين ومن المعترف به قديم العهد. بغية توضيح ذلك، نجد أن قانون أصول المرافعات المدنية لا يقبل مثلاً مبدأ إستقلالية بند التحكيم ومبدأ الإختصاص بالإختصاص، ويمنح المحكمين سلطة اتخاذ تدابير وقتية. بالإضافة إلى ذلك، يتطرق قانون أصول المرافعات المدنية إلى نظام استئناف القرارات التحكيمية. ونتيجة لذلك، تعيد المحاكم النظر في أساس قرار تحكيمي صادر بموجب قانون أصول المرافعات المدنية. بالتالي، قانون أصول المرافعات المدنية يعوزه ما يجذب المتنازعين إلى اللجوء إلى التحكيم.

   نظرا الى وجود هذا النقص في قانون أصول المرافعات المدنية، أقر البرلمان التركي قانون أصول المرافعات المدنية الجديد الذي لم ينشر بعد في الجريدة الرسمية. إن القانون الجديد الذي يكمل النظام الذي اعتمده قانون التحكيم الدولي مبني، إلى حد كبير، على قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي. وبالتالي، إن قانون أصول المرافعات المدنية الجديد مطابق تقريباً لقانون التحكيم الدولي إلا أنه صحح بعض النواقص في هذا الأخير ليصبح متماشياً العصر، وذلك مثلا من خلال إدخال قاعدة شاملة حول التدابير الوقتية في التحكيم. كما هو مذكور أعلاه، ينظم قانون أصول المرافعات المدنية الجديد إجراءات التحكيم الداخلي بين الأطراف (أ) الذي لا يتضمن أي عنصر أجنبي و(ب) الذي يكون فيه مقر التحكيم في تركيا. خلاصة القول أن قانون أصول المرافعات المدنية الجديد يضع مبادىء وإجراءات عصرية للتحكيم الداخلي. من دون مثل هذا القانون العصري، يصبح من المستحيل جذب الأطراف إلى التحكيم.

2- قانون التحكيم الدولي:

    يتمحور قانون التحكيم الدولي على التحكيم الدولي، ويطبق على النزاعات التي تنشأ في تركيا والتي تتضمن عنصراً أجنبياً. كما يطبق على النزاعات التي يختار فيها الأطراف أو المحكم أو الهيئة التحكيمية قانون التحكيم الدولي كالقانون الإجرائي الواجب التطبيق. مع أن قانون التحكيم الدولي لا يشير بوضوح إلى ذلك، يجب تطبيق هذا القانون فقط عندما يختاره الأطراف وعندما يكون مقر التحكيم هو تركيا، وذلك لأن البرلمان لم يشأ أن يجعل تطبيق قانون التحكيم الدولي خارجاً عن نطاق الأراضي التركية. فما هو تأثير اختيار الأطراف قانون التحكيم الدولي عندما يكون مقر التحكيم خارج تركيا؟ في مثل هذه الظروف، يجب على الهيئات التحكيمية أن تتقيد بالأحكام الإلزامية لقانون مقر التحكيم ولقانون التحكيم الدولي معا.

    إن تعريف العنصر الأجنبي مبين في المادة 2 من قانون التحكيم الدولي. بموجب هذه المادة، يعتبر التحكيم دولياً، وبالتالي يكون قانون التحكيم الدولي مطبقاً عندما:

أ) يكون موطن الأطراف في اتفاق التحكيم أو محل إقامتهم الإعتيادي أو مكان عملهم في دول مختلفة؛

ب) يكون مقر التحكيم أو مكان تنفيذ القسم الأساسي من الإلتزامات الناشئة عن العقد الأساسي أو المكان الذي تربطه أكثر بموضوع النزاع صلة وثيقة مختلفاً عن موطن الأطراف أو محل إقامتهم الإعتيادي أو مكان عملهم؛

ج) يكون احد المساهمين في شركة تكون طرفاً في اتفاق التحكيم قد أدخل رأسمالاً أجنبياً إلى تركيا؛ أو

د) تكون الصفقة متعلقة بحركة رؤوس الأموال أو بحركة البضائع.

   إن قانون التحكيم الدولي مبني على قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي ويتضمن بالإضافة إلى ذلك أحكاماً مأخوذة من قانون التحكيم الدولي السويسري ومن قواعد الاونسيترال للتحكيم لعام 1976.

منذ دخوله حيز التنفيذ عام 2001، هناك عدد من القضايا التي نشرت عن قانون التحكيم الدولي. عموما، "يعتبر" قانون التحكيم الدولي "خطوة إلى الأمام نحو إيجاد ثقافة تحكيم في تركيا"8. لكن يذكر أن النهج الذي اعتمدته محكمة الاستئناف في بعض القضايا المتعلقة بالتطبيق المؤقت لقانون التحكيم الدولي ليس واعداً إذ أن هذا قانون لا يتضمن أي نص حول تطبيقه المؤقت. إلا أن القوانين الإجرائية تصبح بموجب القانون التركي واجبة التطبيق ما إن تصبح نافذة المفعول. بما أن معظم أحكام قانون التحكيم الدولي، بالأخص تلك المتعلقة بالإبطال، ذات طبيعة إجرائية، كان من الواجب تطبيق قانون التحكيم الدولي على القضايا التحكيمية الدولية ما إن أصبح نافذ المفعول بصرف النظر عن الوقت الذي أبرم فيه الأطراف اتفاق التحكيم. غير أن محكمة الإستئناف، على الرغم من العديد من الانتقادات التي وجهت إليها، طبقت، في العديد من المناسبات ، أحكــــام قانــون أصول المرافعات المدنية وليس أحكـام قـانون التحكيم الدولي.

3- القانون الدولي الإجرائي الخاص:

   يطبق القانون الدولي الإجرائي الخاص، بموجب المادة 1(1) منه، على صفقات وعلاقات القانون الخاص التي تتضمن عنصراً أجنبياً. كما يحدد هذا القانون نطاق اختصاص المحاكم التركية ويتطرق إلى مسألة الإعتراف بالأحكام الأجنبية والقرارات التحكيمية وتنفيذها. غير أنه يجب الأخذ في الإعتبار أن أحكام القانون الدولي الإجرائي الخاص، في ما خص الإعتراف بالقرارات التحكيمية وتنفيذها، تطبق فقط في حال عدم إمكانية تطبيق "إتفاقية الإعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وإنفاذها (نيويورك) " ("اتفاقية نيويورك") أو أي إتفاقية أخرى. بمعنى آخر، يجب أن يعتبر القانون الدولي الإجرائي الخاص الملجأ الأخير للاعتراف بقرارات التحكيم وتنفيذها، ذلك أن المادة 1(2) من هذا القانون تنص على تطبيق الإتفاقات الدولية التي أبرمتها تركيا.

4- القانون حول المبادىء الواجب إتباعها للنزاعات الناشئة عن عقود الامتياز المتعلقة بالخدمات العامة التي تحال على التحكيم ("القانون رقم 4501"):

   إن القانون رقم 4501 تاريخ 21 يناير 2000 هو نتيجة التعديلات التي أجريت على الدستور التركي عام 1999 التي سمحت بحل النزاعات الناشئة عن عقود الإمتياز من خلال التحكيم الداخلي أو الدولي. يجب أن يعتبر هذا القانون نقطة التحول في ممارسة التحكيم الدولي في تركيا، إذ أنه من خلاله سمحت تركيا صراحة14 خلاله سمحت تركيا صراحة14 للمستثمرين الأجانب أن يحيلوا النزاعات الناشئة عن عقود الإمتياز على التحكيم، وبالتالي قامت بخطوة إيجابية مهمة نحو بيئة قانونية صديقة للمستثمرين15. يجب التذكير أنه قبل سن هذا القانون، كانت النزاعات، سواء كانت دولية أو داخلية، الناشئة عن عقود الإمتياز المتعلقة بالخدمات العامة تخضع عموماً للاختصاص الحصري للمحاكم التركية16.

   يطبق القانون رقم 4501 على النزاعات التي تتضمن عنصراً أجنبياً17. ينص هذا القانون على وجود عنصر أجنبي عندما تكون إحدى الجهات الأطراف في عقد الإمتياز أو أحد المساهمين في إحدى هذه الجهات أجبنياً، أو عندما تكون هناك حاجة الى رأسمال أجنبي أو دين أجنبي أو ضمانة أجنبية بغية تنفيذ الإمتياز18. كما يتطرق هذا القانون إلى الإجراءات التحكيمية، إلا أنه بموجب المادة 1(5) من قانون التحكيم الدولي، يطبق هذا القانون على الإجراءات التحكيمية المتعلقة بعقود الإمتياز. تبقي المادة 2(2) من قانون التحكيم الدولي تطبيق النص المتعلق بالعنصر الأجنبي الوارد في القانون رقم 4501 محصوراً بعقود الإمتياز. وبالتالي، يطبق القانون رقم 4501 فقط لتحديد العنصر الأجنبي، وذلك بعد دخول قانون التحكيم الدولي حيّز التنفيذ.

 

5- المادة  35 أ (A35) من قانون المحاماة التركي:

   تجيز المادة 35 أ من قانون المحاماة التركي للمحامين القيام بمهمة مفاوضين. ويمكن للمحامين ممارسة هذه السلطة قبل أي دعوى أو خلالها، ولكن قبل انعقاد أي جلسة. في حال توصل الأطراف إلى تسوية حبية للخلاف بعد التفاوض، يمكنهم أن يكتبوا محضر تسوية. يجب أن يكون هذا الأخير صادراً عن الأطراف ومحاميهم ويصبح بعد ذلك قابلاً للتنفيذ، كما لو كان حكما قضائيا.

   إن المادة 16 من القواعد المتعلقة بقانون المحاماة التركي تكمل المادة 35 أ. فبموجب هذه المادة، ومن بين أمور أخرى، يجب أن تبقى عملية التفاوض سرية. اذا فشلت المفاوضات، تعتبر كل الوثائق والمستندات التي أبرزت لاغية وباطلة ويحظر استخدامها كإثبات في مرحلة لاحقة لحل النزاع.

6- مشروع قانون حول الوساطة في النزاعات المتعلقة بالقانون المدني:

   لقد اعد مشروع قانون حول الوساطة في النزاعات المتعلقة بالقانون المدني وسيدرج قريباً في جدول أعمال البرلمان التركي. يتطرق مشروع القانون إلى مبادىء الوساطة كمهنة ويحدد الجهات المخولة بالوساطة والأنظمة الإشرافية لهذه المهنة. إن النزاعات الناشئة بين الأطراف تقع ضمن نطاق مشروع القانون. كما أن النزاعات المتعلقة بالقانون الخاص تحل أيضاً من خلال الوساطة. يمكن لأي شخص يحمل شهادة بكالوريوس (BA) أن يصبح وسيطاً، إلا أنه عليه أن يحصل على شهادة وسيط ليصبح وسيطاً. إن واقع اعتبار الوساطة على أنها مهنة غير حصرية لمهنة المحاماة في مشروع القانون، أدى إلى سيل من الانتقادات العميقة والمهمة من قبل نقابة المحامين الأتراك وغيرها من نقابات المحامين المحلية. من الواضح أنه لا ينبغي اختيار الوسطاء من المحامين فقط. فهناك مهن أخرى مثل علماء الإجتماع وعلماء النفس الذين يمكنهم أن يكونوا وسطاء جيدين أكثر من المحامين. غير أنه رداً على الانتقادات، يمكن للوسطاء أن يكونوا من المحامين حصراً عندما يزاولون مهنتهم كوسيط منفرد. وفي حال وجود أكثر من وسيط واحد، يمكن للوسطاء الآخرين أن يكونوا من مهن غير مهنة المحاماة.

ب- اتفاقيات التحكيم:

1- إتفاقية نيويورك:

   تطبق اتفاقية نيويورك لتنفيذ اتفاقيات التحكيم وأيضاً للاعتراف بقرارات التحكيم وتنفيذها. بغية تطبيقها للاعتراف بقرارات التحكيم ولتنفيذها، تقر الاتفاقية مبدأ الإقليمية. بمعنى آخر، إن القرارات التحكيمية الصادرة في دولة غير الدولة التي يراد التنفيذ فيها تقع ضمن نطاق الإتفاقية. بالإضافة إلى ذلك، إن القرارات التحكيمية التي لا تعتبر داخلية في الدولة التي صدرت فيها يمكن تنفيذها بموجب هذه الإتفاقية.

   هناك 145 دولة وقعت اتفاقية نيويورك التي لا شك في أنها تعتبر أكثر اتفاقية تجارية ناجحة في التاريخ. وقعت تركيا هذه الاتفاقية عام 1991. بموجب المادة 90 من الدستور التركي، تعتبر الاتفاقيات المبرمة حسب الأصول أسمى من القانون أو أقله بقوة القانون نفسه. وبالتالي، يكون للاتفاقية التي هي قانون خاص يطبق على تنفيذ القرارات التحكيمية الأسبقية على القانون الدولي الإجرائي الخاص عند تطبيقها على الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها. حال وجود اتفاقية خاصة ثنائية أو متعددة الطرف، عندها يكون لمثل هذه الاتفاقية الأسبقية على اتفاقية نيويورك.

   عند توقيع تركيا اتفاقية نيويورك، سجلت تحفظين بموجب المادة (3)I. التحفظ الأول هو أن الإتفاقية تصبح قابلة التطبيق في تركيا فقط من أجل الاعتراف بالقرارات التحكيمية الصادرة في دولة أخرى موقعة ولتنفيذها. لذلك، لا تطبق في تركيا أحكام إتفاقية نيويورك على القرارات التحكيمية الأجنبية الصادرة في بلد لم يوقع هذه الإتفاقية. فإذا كان القرار التحكيمي صادراً في بلد لم يوقع الاتفاقية المذكورة أعلاه، تطبق من حيث المبدأ أحكام القانون الدولي الإجرائي الخاص للاعتراف بمثل هذا القرار التحكيمي ولتنفيذه.

   أما التحفظ الثاني فهو أن أحكام إتفاقية نيويورك تصبح قابلة التطبيق في تركيا في ما خص النزاعات الناشئة عن العلاقات القانونية فقط، أكانت تعاقدية أو لا، التي تعتبر تجارية بطبيعتها

   بموجب القانون الوطني. بمعنى آخر، لا تطبق إتفاقية نيويورك على القرارات التحكيمية الصادرة في مسائل غير تجارية تتعلق بالقانون الخاص.

2- الإتفاقية الأوروبية في شأن التحكيم التجاري الدولي ("الإتفاقية الأوروبية"):

    تطبق الإتفاقية الأوروبية لتنظيم التحكيم الناشيء عن نزاعات تتعلق بالتجارة بين الشركات الموجودة في الكتلتين الشرقية والغربية قبل عام 1990، وهي مكملة لاتفاقية نيويورك. وبالتالي، وبخلاف إتفاقية نيويورك، فإنها تتطرق إلى الاختصاص التحكيمي والإجراءات التحكيمية.

   28 بلداً أبرم الإتفاقية الأوروبية التي وقعتها تركيا عام 1991. إلا أنه من الإنصاف الاستنتاج أن العدد القليل من الدول التي وقعت على الإتفاقية الأوروبية يحد من تطبيقها، وذلك على الرغم من أن نطاقها شامل أكثر من نطاق إتفاقية نيويورك. وبالتالي، إن تطبيق المحاكم التركية للإتفاقية الأوروبية هو بالفعل نادر جداً.

3- إتفاقية تسوية منازعات الإستثمار بين الدول والمواطنين من الدول الأخرى ( إتفاقية الإكسيد"):

   تطبق إتفاقية الإكسيد لترويج الاستثمار وذلك من خلال إيجاد نظام خاص لحل النزاعات يعتبر دولياً بحق. تُطبق الإتفاقية على النزاعات القانونية الناشئة عن استثمارات بين دولة موقعة ومواطن من دولة أخرى موقعة. وبغية تطبيقها، يجب التقيد بقاعدة القبول المزدوج. بمعنى آخر، يجب أن تكون الدولة طرفاً في الإتفاقية ويجب أن تكون هذه الدولة قد قبلت بالتحكيم الذي سيجري بينها وبين الطرف التابع للقطاع الخاص بموجب إتفاقية الإكسيد. يستفاد قبول الدولة من خلال اتفاق خاص أو من خلال قانون داخلي أو من خلال معاهدة استثمار ثنائية. هذا النوع من القبول يعتبر عرضاً يبقى قائماً. ما إن يقبل الطرف التابع للقطاع الخاص بهذا العرض حتى يعتبر معه أن شرط القبول الأساسي قد تحقق. وقعت تركيا العديد من معاهدات الإستثمار الثنائية التي تتضمن عرضاً للمستثمرين يبقى قائماً.

   أبرمت تركيا إتفاقية الإكسيد عام 1988. هناك 12 قضية مكتملة أو قيد النظر أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار تتعلق بتركيا أو بمواطنين أتراك. في الحالات التي خسرت فيها تركيا قضايا التحكيم التي رفعها ضدها مستثمرون أجانب، تقيدت تركيا طوعاً بشروط قرارات التحكيم الصادرة عن المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار ونفذتها حسب الأصول.

4- معاهدات الاستثمار الثنائية ومعاهدة ميثاق الطاقة:

   أبرمت تركيا أيضاً معاهدة ميثاق الطاقة عام 2000، وبالتالي وافقت على إحالة النزاعات المتعلقة بالإستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة على تحكيم المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار. تتمحور معاهدة ميثاق الطاقة على توليد الطاقة وتوزيعها وحماية البيئة أيضاً. وتنص هذه المعاهدة على جواز إحالة النزاعات الناشئة بين المستثمرين والدولة الموقعة حيث توجد الإستثمارات على المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار. هناك حالياً 50 دولة وجماعة أوروبية وقعت معاهدة ميثاق الطاقة التي تسمح لمواطني هذه الدول بأن يلجأوا لتحكيم المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بصرف النظر عن واقع أن الدولة الموجود فيها الإستثمار موقعة اتفاقية الإكسيد .

    لقد تم تفعيل نظام حل النزاعات الذي يحيل على المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بموجب معاهدة ميثاق الطاقة عام 1998، إلا أنه منذ ذلك الحين، تم عرض عشرين نزاعاً على المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، وهذه النزاعات تحيل على معاهدة ميثاق الطاقة. عام 2010، صدرت أربعة قرارات تحكيمية فقط في موضوع النزاعات مما يجعل تحليل تحكيم المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار من خلال معاهدة ميثاق الطاقة صعب فعلاً في ما يتعلق باجتهاد مكرس. ومن جهة أخرى، لوحظ أنه تم الدفع بعدم اختصاص المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار في ثلاثة قرارات تحكيمية اصدرت.

    بغية ترويج الاستثمارات الأجنبية، استخدمت أداة أخرى، ألا وهي معاهدات الاستثمار الثنائية أو المعاهدات الثنائية لترويج الاستثمارات وحمايتها. لقد أبرمت تركيا أكثر من 75 معاهدة إستثمار ثنائية مع دول أخرى موقعة، 60 معاهدة منها على الأقل دخلت حيز التنفيذ. وأشارت وكالة وزارة المالية إلى أن أكثر من 80% من الاستثمارات المباشرة الأجنبية في تركيا يحميها حاليا نظام التحكيم الخاص بالاستثمارات الذي سبق لتركيا أن قبلت به.

5- معاهدات التعاون القضائي:

   وقعت تركيا العديد من معاهدات التعاون القضائي الثنائية التي تتضمن أحكاماً تتطرق بشكل خاص إلى إجراءات التبليغ والمساواة في معاملة الأجانب في ما خص المسائل الإجرائية والكفالة المالية لضمان التكاليف القانونية. مثلاً، يجوز لأجنبي، بموجب معاهدة تعاون قضائي، أن يتخطى القيود القضائية الموضوعة على الأجانب الذين يطلب منهم إيداع كفالة مالية لضمان التكاليف القانونية بغية مباشرة دعوى أمام المحاكم التركية.

II. المؤسسات:

أ- مؤسسات التحكيم:

في تركيا أكثر من مئة مؤسسة تحكيمية أهمها "محكمة التحكيم" التي أنشأها الاتحاد التركي للغرف وتبادل السلع (TUCEC). مقر هذه المحكمة هو أنقرة وتختص بتسوية النزاعات التجارية الناشئة بين الأطراف.

   "محكمة تحكيم غرفة تجارة اسطنبول" (ACICC) هي مؤسسة تحكيمية أخرى مهمة توفر خدمات التحكيم والوساطة والخبرة، وفقاً لنظام التحكيم والوساطة والخبرة التحكيمية الخاص بها. بغية الإستفادة من هذه الخدمات، يجب على طرف واحد على الأقل أن يكون عضواً في غرفة تجارة اسطنبول أو في غرفة صناعة اسطنبول أو في غرفة منطقة اسطنبول ومرمرة للتجارة البحرية، وإلا وجب الحصول على إذن من مجلس إدارة غرفة تجارة اسطنبول. تجدر الإشارة إلى أن عدد القضايا المرفوعة أمام "محكمة تحكيم غرفة تجارة أسطنبول" أقل مما كان يتوقع أن يكون بكثير. يمكن تفسير هذا العدد القليل من القضايا بواقع أن قواعد "محكمة تحكيم غرفة تجارة اسطنبول" صارمة جدا وغير مبنية على سلطان إرادة الأطراف.

    أخيراً، غرفة التجارة الدولية، فرع تركيا، هي مؤسسة تحكيمية أخرى تعمل في ظل الاتحاد التركي للغرف وتبادل السلع وتوفر برنامجاً متميزاً لأعضائها يقدم النصح في ما خص المحكمين وينظم منتديات ومؤتمرات في كل أرجاء تركيا حول التحكيم الدولي واللجان الوطنية لمناقشة ووضع قواعد سهلة وتقارير حول مواضيع متنوعة تتعلق بالتحكيم الدولي.

   كما تجدر الإشارة إلى أن العدد الإجمالي لقضايا التحكيم الداخلي والدولي التي تجري في تركيا يقدر بحوالي 200 قضية كل سنة. يبدو جلياً أن عدد قضايا التحكيم في بلد تعرض فيه أكثر من مليون قضية سنوياً هو عدد قليل جداً.

ب - مركز اسطنبول للتحكيم:

    على الرغم من وجود العديد من مؤسسات التحكيم الناشطة تقريباً والعاملة في تركيا، إلا أن هناك حاجة ماسة إلى مركز تحكيم مركزي فعال، إذ أن مركزاً مماثلاً قادر وحده على جذب قضايا تحكيمية داخلية ودولية. أخذت الحكومة ذلك في الاعتبار وقررت إنشاء مركز للتحكيم وللطرق البديلة لحل النزاعات في اسطنبول، يكون مستقلاً بذاته وخاضعاً للقانون الخاص ويعتبر مروجـاً ومسانداً لمركـز اسطنبـول المالي الذي سيتم إنشاؤه قريباً. لهذه الغاية، وضع مشروع قانون حول مركز اسطنبول للتحكيم لا يعطي للحكومة دوراً رقابياً ويفوض المكلّفين الذين يكونون في معظم الأحيان من رجال الأعمال والمحامين بتسوية النزاعات في إدارة المركز. ينص مشروع القانون على إنشاء محاكم تحكيم للتحكيم الداخلي والدولي ضمن المركز الذي سيضع القواعد الخاصة به المرتبطة بالتحكيم والطرق البديلة لحل النزاعات وينشرها.

الخاتمة:

    بإصدار مشروع القانون حول مركز اسطنبول للتحكيم ومشروع القانون حول الوساطة في النزاعات المتعلقة بالقانون المدني، يجب عموماً أن يعتبر النطاق القانوني لإيجاد ثقافة التحكيم والطرق البديلة لحل النزاعات على أنه مكتمل. ولعل ما هو مهم وبأهمية هذه القوانين نفسها، هو خطة استراتيجية لإيجاد مثل هذه الثقافة وتطبيقها. يجب تدريس التحكيم والطرق البديلة لحلّ النزاعات في الجامعات ويجب أن يتلقى القضاة والمحامون على السواء هذه المعلومات. كما على المركز أن ينشئ مكتبة خاصة بالتحكيم، وأن يركز على التعاون مع مختلف المؤسسات لتعليم المختزلين والمترجمين الشفويين على حد سواء الذين سيسدون العون في الإجراءات التحكيمية. لقد قطعنا شوطاً كبيراً في إيجاد ثقافة التحكيم والطرق البديلة لحل النزاعات، ولكن مستقبلاً باهراً لا يزال ينتظرنا في الأفق.