الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / الأنظمة التحكيمية الدولية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 7 / مشروع تعديل نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 7
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    21

التفاصيل طباعة نسخ

 

  لا مجال للمناقشة في أن غرفة التجارة الدولية هي المؤسسة التحكيمية التي تعتبر بمثابـة المرجعية في مجال التحكيم، ولا أحد يناقش في ذلك. ففي العام 2009 عرضت علـى الهيئـة العليا للتحكيم العائدة لغرفة التجارة الدولية 817 قضية، الأمر الذي يشكل 1500 ملـف قيـد النظر. إن نظام غرفة التجارة الدولية التحكيمي الساري المفعول حالياً يعود إلى العـام 1998، علماً أن النظام الذي سبقه يعود اعتماده إلى العام 1988. وعليه فقد آن الأوان لتحديثه. ومـن هذا المنطلق اجتمعت لجنة التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية في الرابع والخامس من شهر أيار 2010 واعتمدت عدداً من النصوص، ونأمل أن تعمد اثناء الدورة التي سوف تعقـدها خـلال شهر تشرين الأول 2010 المقبل إلى استكمال النظر في النظام الجديد الذي يمكن بالتالي أن يصبح ساري المفعول اعتباراً من أول كانون الثاني 2011، إلا إذا أعاق ذلك ما لم يكن في الحسبان. 

   إعادة النظر هذه، نشأت من التبصر في اعتبارين: الأول سياسي والثاني تقني، ويبدو لـى أن الاعتبار السياسي هو اعتبار أساسي. 

   في نظام غرفة التجارة الدولية الحالي، يعالج البند التاسع موضـوع تعييــن المحكمين وتثبيتهم، وتنص الفقرة الثالثة من هذا البند على أنه عندما يعود إلى الهيئة العليا للتحكيم لدى غرفة التجارة الدولية أن تعين محكماً منفرداً أو رئيساً لمحكمة تحكيمية، تباشر التعيين بنـاء على اقتراح إحدى اللجان الوطنية لغرفة التجارة الدولية. وإذا لم تقبل الهيئة هذا الاقتراح، أو إذا لم تقدم اللجنة الوطنية الاقتراح المطلوب خلال المهلة التي تمنحها إياها الهيئـة، فيجـوز لهذه الأخيرة، إما أن تكرر طلبها، وإما أن تتوجه بطلبها إلى لجنة وطنيـة أخـرى تراهـا مناسبة. 

   هذا النص يؤكد بوضوح مبدأ اللجوء إلى لجنة وطنية ملائمة يعود إليها اقتراح اسم المحكم. غير أن الفقرة 4 تسمح في حالات استثنائية بأن تعمد الهيئة العليا للتحكيم إلى اختيـار المحكـم المنفرد أو رئيس المحكمة التحكيمية من بلد لا توجد فيه لجنة وطنية، إلا إذا عمد طـرف مـن الأطراف في القضية التحكيمية إلى الاعتراض على ذلك. 

   وهكذا يتضح بصورة جلية اعتماد مبدأ اللجوء إلى لجنة وطنية عندما يتعلق الأمر بتـسمية رئيس لمحكمة تحكيمية أو تعيين محكم منفرد. 

   وعلى غرار ذلك، إذا لم يعمد أحد الأطراف إلى تسمية محكمه، يجب على الهيئة العليـا أن تتوجه إلى لجنة وطنية لتعيين ذلك المحكم. 

   وقد لوحظ، من الناحية العملية، أنه إذا كانت بعض اللجان الوطنية تسمي محكمـين أكفاء ومؤهلين، فإن هناك ويا للأسف لجان وطنية أخرى تنحو إلى أخذ العلاقات الشخصية فى الاعتبار في اقتراح أسماء المحكمين أو، ما هو أسوأ من ذلك، إلى أخـذ مـصالح خفيـة فـي الاعتبار. وبعبارة أخرى، لوحظ أن بعض اللجان الوطنية لا تأخذ بالمعايير والأعـراف الأدبيـة التي يجب علينا جميعاً احترامها، ذلك أن المحكم عليه أن لا يحيد إطلاقاً عن مبادئ الاستقلالية والحياد. فإذا كانت ظروف تعيينه تدعو إلى الشبهة، فإن مجمل عمله يمكن أن يصبـح مشبوهاً أيضاً، ما يؤدي إلى المساس ليس بسمعة بعض اللجان الوطنية فحسب، بل، وبشكل أولي، بالثقـة التي يتحلى بها التحكيم. 

   لهذا السبب سيتضمن النظام الجديد على الأرجح بنداً يسمح للهيئة العليا لدى غرفة التجـارة الدولية بأن تقرر بصورة استنسابية، عند الاقتضاء، عدم اللجوء إلى لجنة وطنية، على أن يستمر العمل بمبدأ اللجوء إلى لجنة كهذه. 

   وهكذا، وفي انتظار نتائج الأعمال المستقبلية للجنة التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية، فـإن الآلية التي سوف تعتمد يمكن أن تكون كالتالي: عندما تكون الهيئة العليا لـدى غرفـة التجـارة الدولية بصدد تعيين محكم عليها أن تطلب من اللجنة الوطنية التي تعتبرها مناسبة أن تتقدم منهـا باقتراح في هذا الخصوص. فإذا لم تقبـل الهيئة العليا هذا الاقتراح أو إذا لـم تتقـدم اللجنـة الوطنية بالاقتراح خلال المهلة التي حددتها الهيئة العليا يمكن لهذه الأخيرة أن تجدد طلبهـا أو أن تتوجه إلى لجنة وطنية أخرى تعتبرها مناسبة أو أن تعمد مباشرة إلى تسمية الشخصية التـ تعتبرها ملائمة للمهمة. وبصورة عامة، إذا ما عمد رئيس الهيئة العليا إلى ابلاغ أعـضاء هـذه الأخيرة، أنه يرى من الضروري نظراً إلى الظروف أن تعمد الهيئة العليا لدى غرفة التجارة إلى تسمية المحكم بذاتها، فإنه سوف يتم العمل بذلك. 

   إن تطوير النظام على هذا الشكل يبدو لي أمراً مشروعاً. 

   فاللجان الوطنية التي تتبع النهج القويم (وهو حال الأغلبية الساحقة من اللجان الوطنيـة)، لا يمكنها إلا أن تبتهج بهذه الخطوة، لأنه ليس هناك من مبرر كي لا تستمر الهيئة العليا في اللجوء إليها. فمن المؤكد أن رئيس الهيئة العليا لا يمكنه أن يخاطر بأن يطلـب من هذه الأخيرة التدخل المباشر، إذا كانت الظروف الخاصة لا تبرر له ذلك. إن سمعة الرئيس الحالي من شأنها استبعاد حصول أي انحراف في هذا الخصوص ولا يمكن في المستقبل للمراجع العليا في غرفة التجـارة الدولية إلا أن تستخلص النتائج التي قد تترتب إذا لم يطبق النظام وفقا لروحيته. 

   إن تحكيم غرفة التجارة الدولية معروف بنوعيته التي لا يمكن أن تستمر بفرض نفسها، إلا إذا كان المحكمون من ذوي الاستقلالية والحيدة الكاملتين. فمن المتعارف عليه أن قيمة التحكيم هي بقيمة المحكم. 

  إن اللجان الوطنية التي تتبع النهج القويم لا يمكنها إلا أن تشجع بقوة المبادرة التي طرحهـا رئيس الهيئة العليا لدى غرفة التجارة الدولية. وهذا كان الموقف الذي اعتمدته اللجنـة الوطنيـة الفرنسية، علما إن اقتراحات المحكمين التي سبق لهذه اللجنة أن تقدمت بها في السابق لم تلق أي انتقادات. 

   منذ الأول من كانون الثاني 2010، وضعت اللجنة الوطنية الفرنسية آلية جديـدة لاختيـار ولاقتراح المحكمين يتم إتباعها عندما تلجأ الهيئة العليا الى هذه اللجنة. وبهذا الخصوص تـنـص مذكرة داخلية لهذه اللجنة على أن الغاية هي التوصل إلى آلية شفافة ومنفتحة تعتمد على العمـل الجماعي في عملية اختيار واقتراح المحكمين. يتوجب أن يكون اقتراح المحكمين (رئيس المحكمة التحكيمية أو المحكم المنفرد) لدى الهيئة العليا في غرفة التجارة الدولية مناسبة لتوسـيع حقـل الاستقصاءات بإتاحة الفرصة لتعيين محكمين من الشباب أو لتعيين محكمين منتمين إلـى آفـاق مختلفة (إعطاء الفرصة لحقوقيين عاملين في المؤسسات أو لأساتذة الجامعـات، علـى سـبيل المثال)". 

   وهكـذا، انشئت لجنة استشارية لاختيار اللجنة الوطنية الفرنسية المحكمين وتعيينهم، تـضم رئيس لجنة التحكيم التابعة لها (علماً أن رئيس هذه اللجنة ورئيس اللجنة الوطنية لا ينضمان إلى اللجنة الاستشارية إلا حين تجتمع هذه الأخيرة لاختيار المحكمين بمعنى قيدهم على قائمة محكمي اللجنة الوطنية الفرنسية، وبالتالي فهما لا يشاركان في المداولات المتعلقة بتقديم الاقتراحات إلـى الهيئة العليا لدى غرفة التجارة الدولية، وذلك من أجل تأمين الاستقلالية التامة لهذه اللجنة). أمـا لجنة اقتراح المحكمين فتتألف من عضوين يعملان مستشارين قانونيين للمؤسسات، أحدهما عضو الهيئة العليا لدى غرفة التجارة الدولية والثاني عضو رديف فيها، ومن قاض رئيس لإحـدى محاكم الاستئناف ومن مديري دائرتين قانونيتين تابعتين لمؤسستين كبيرتين، ومن ثلاثة أعـضاء عاملين في حقل التحكيم بينهم محاميان وأحد المستشارين السابقين لدى محكمة النقض. ويعـين أعضاء هذه اللجنة الاستشارية لمدة سنة قابلة للتجديد. ومن البديهي أنه لا يمكن للجنـة الوطنيـة في الفرنسية طرح أسماء الأعضاء كمحكمين خلال مدة ولايتهم في اللجنة الاستشارية المذكورة. 

   عندما تلجأ الأمانة العامة للهيئة العليا لدى غرفة التجارة الدولية إلى اللجنة الوطنية الفرنسية، يعمد المفوض العام لدى هذه اللجنة خلال مدة 24 ساعة إلى تشكيل قائمة من المحكمين المحتمل تعيينهم تضم حوالي عشرة أسماء تقريباً، وفور ذلك، وبعد أن يكون قـد تـحـادث تلفونيـاً مـع مستشار الهيئة العليا الذي عهد إليه بالملف بهدف تحديد مقاييس الاختيار، يعمد هذا الأخير إلـى استشارة أعضاء اللجنة تلفونياً، ومن ثم يبلغهم كتابياً قائمة المحكمين المقترحين، إضافة إلى سرد مختصر للنزاع المطلوب النظر فيه. 

   ويلي ذلك تداول عبر الهاتف أو أية وسيلة أخرى مناسبة للاتصال، ويليه تداول مرة أخرى مع مستشار الهيئة العليا. 

   إثر كل هذه المداولات، يتشاور المفوض العام للجنة الوطنية الفرنسية مع كل من المحكمين المقترحين لأخذ موافقته على النظر في النزاع وهل يتوافر لديه الوقت اللازم لذلك، وما إذا كان قادراً على التزام الاستقلالية التامة، ويشير الى كل محكم من المحكمين المحتمل تعيينهم أنه ليس وحده الذي يستشار في هذا الخصوص. 

   وعلى المحكمين المقترحين تأكيد التزامهم خطياً للجنة الوطنية الفرنسية التي تقوم خلال المهلة المحددة من قبل الهيئة العليا (عشرة أيام من حيث المبدأ) بتقديم اقتراحها. 

   هكذا، وبإتباع آلية غاية في الشفافية، وبعد استشارة شخصيات تمثل واقعاً عالمي الأعمـال والتحكيم، تتمكن اللجنة الوطنية الفرنسية من أن تقـدم إلى الهيئة العليا اقتراحات تتسم بالـشفافية التامة. 

   ولا يمكننا، إلا أن نأمل في أن تعمد لجان وطنية أخرى، إلى اعتماد منهجيات مماثلة. 

   وبمعزل عن هذا الاعتبار السياسي، هناك أهداف تقنية تقف وراء إعادة النظر الحالية فـي نظام التحكيم، ولاسيما وجوب تسهيل عملية دمج الإجراءات المتعلقة بأكثر مـن تحك تخفيض التكلفة وتقصير المهل، الأمر يبقى الشغل الشاغل لغرفة التجارة الدولية. 

   انطلاقاً من هذه الغايات الكبرى، تمت الاستفادة من الفرصة المتاحة، من أجل تحديث النظام التحكيمي بمجمله بهدف التوصل إلى قدر أكبر من الوضوح والفاعلية.  

   وهكذا، فمن المؤكد إن تحكيم غرفة التجارة الدولية سوف يخرج معززاً من عملية التحديث هذه.