الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / الأنظمة التحكيمية الدولية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية العدد 20 / التحكيم وفقا لإتفاقية تشجيع وحماية وضمان الإستثماريين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي... تجارب وتحليل

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية العدد 20
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    159

التفاصيل طباعة نسخ

    تتميز دول العالم الإسلامي بوحدة جغرافية، واندماج تاريخي منذ ما يزيد على 1200 سنة ويزخر العالم الإسلامي بالعديد من المقومات الإقتصادية من ثروات طبيعية وموارد بشرية، وأسواق واسعة، ومواقع جغرافية مترابطة. وفي ظل التغيرات السياسية الكبيرة في العالم العربي والنمو الإقتصادي الملحوظ في دول اسلامية مثل تركيا وماليزيا، بات من الأولويات ان تتكاتف الدول الإسلامية سويا من أجل دفع عجلة الإقتصاد في دول منظمة التعاون الإسلامي. ولكي تمضي هذه الإستثمارات في البلاد الإسلامية دون عوائق تأتي اهمية وجود اتفاقيات تحمي وتشجع الإستثمارات بين هذه الدول. 

   تأتي اتفاقية تشجيع وحماية وضمان الإستثمار بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي” لترسخ قاعدة ثابتة لزيادة الإستثمار بين هذه الدول. ولكن الواقع يقول ان هذه الإتفاقية من الإتفاقيات المهجورة نسبياً رغم ان اللجوء اليها بدأ يزداد في الآونة الأخيرة. 

   وكنا قد دعينا في شهر أكتوبر 2011 الى مؤتمر الإستثمارات البينية للدول العربية والذي عقد في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، وعرضنا ورقة بحث في خصوص هذه الإتفاقية. وقبل هذا المؤتمر كنا قد مثلنا مستثمرين من دول اسلامية في ثلاث قضايا هي، في الأغلب، الأولى من نوعها التي تطرقت لهذه الإتفاقية. وقد تأكد لنا هذا عندما لاحظنا أثناء المؤتمر ان الكثير من الحضور قد أشاروا بأنها المرة الأولى التي يتعرفوا فيها إلى هذه الإتفاقية. ثم تلى هذا المؤتمر تعيننا كخبير في قضية رابعة، وكان نطاق عملنا يتعلق بإيفاد هيئة التحكيم في القضية، برأينا في اختصاصه النظر في القضية، وفقاً لهذه الإتفاقية، وأخذت الهيئة بالتقرير الذي تقدمنا به نحن وأحد أساتذة التحكيم بجامعة ايفري الفرنسية، وأقرت ولأول مرة الإختصاص وفقاً لإتفاقية تشجيع وحماية وضمان الإستثمار بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. 

ان هذه الإتفاقية، التي وقعت تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي والتي تعد ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة، وتضم في عضويتها سبعاً وخمسين دولة عضواً من أربع قارات، جاءت تنفيذا لأحكام اتفاقية التعاون الإقتصادي والفني والتجاري بين الدول الأعضاء لمنظمة التعاون الإسلامي بتاريخ مايو1977، والتي اقرت فيها الدول الأعضاء ضرورة دعم علاقات الإستثمار بين الدول الإسلامية لأنها من المجالات الرئيسية للتعاون الإقتصادي. وعلى هذا فلقد أقرت دول منظمة التعاون الإسلامي الإتفاقية الخاصة بالإستثمار بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي في يونيو1981. ودخلت الإتفاقية حيز التنفيذ في شهر فبراير 1988. 

   وتأتي أهمية هذه الإتفاقية في الوقت الذي تسعى فيه الدول الإسلامية لرفع معدل التجارة البينية بينها، والذي لا يزال دون مستوى التطلعات، فلقد بلغت حصة التجارة البينية في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي 16.65% من التجارة الإجمالية لدول المنظمة في 2009، وقد كشف المركز الدولي لتنمية التجارة أن حجم التجارة البينية بين الدول الإسلامية ارتفع إلى 17% في 2011، وذلك في أحدث إحصائية تحصلنا عليها. وكانت الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي قد وضعت هدفاً مشتركاً لزيادة التجارة البينية فيما بينها لتصل الى 20 في المائة بحلول عام 2015، وذلك في ابريل الماضي في الإجتماع الذي تم في الشارقة. 

    وفي ظل هذه الرغبة في دفع عجلة الإستثمار البيني للدول الإسلامية، بل والعربية، يصطدم بعض الإستثمارات بمشاكل قانونية خاصة، مع التغييرات السياسية والإقتصادية الجذرية التي تحدث في عالمنا العربي والإسلامي. فهناك الكثير من الإستثمارات التي اجهضت وتوقفت نتيجة إجراءات يرى المستثمر انها مجحفة أو مخالفة للقانون الوطني والدولي. وتزيد المشكلة عندما لا يجد المستثمر طريقاً لرفع دعوى تحكيمية يطالب فيها بحقوقه، وذلك في ظل غياب الإتفاقيات الثنائية بين كثير من الدول العربية والإسلامية وكذلك عدم فاعلية الإتفاقيات متعددة الاطراف، والتي وقع بعضها بين الدول العربية. 

   لهذا فهذه الإتفاقية تضع حلاً ميسراً وعملياً للعجز في وجود آلية لفض المنازعات الإستثمارية العربية- العربية والإسلامية – الإسلامية، وخاصة بعد صدور هذا الحكم الإيجابي في خصوص اختصاص هيئات التحكيم في نظر النزاعات الإستثمارية، وفقاً لهذه الإتفاقية. لكن وجب علينا هنا ان نتوجه الى منظمة التعاون الإسلامي بضرورة الإهتمام بهذه الإتفاقية والحرص على تفعيل بنودها وتبني مقاصدها حتى تأتي بثمارها على الدول الأعضاء ومستثمريها، بل وتشجيع البحث والدراسة والتحليل لهذه الإتفاقية المهمة، فلم نجد اثناء نظر القضايا سوى دراسة قام بها الدكتور ابراهيم شحاتة وبعض الدراسات في جامعة باكستان واخرى في جامعة داندي. ولم نجد بطبيعة الحال اي احكام في خصوص الإتفاقية، وكان اول نزاع تعرضنا لها فيه يتعلق بنزع ملكية مجموعة من الإستثمارات العقارية لمستثمر من دول الخليج في دولة أفريقية، ولم تكن دولة المستثمر قد وقعت على أي اتفاقيات مع حكومة الدولة الأفريقية تضمن لهذا المستثمر حماية استثماراته، علاوة على أن تقرير منظمات الشفافية الدولية أكد أن الدولة المستضيفة للإستثمار تعاني نسبة عالية من الفساد في سلطتها القضائية.

    أما النزاع الثاني فكان موضوعه أيضاً يتعلق بنزع الملكية وإزالة استثمارات أحد المستثمرين العرب في دولة آسيوية، وأيضاً هذه المرة لم نجد أي اتفاقية موقعة بين دولة المستثمر والدولة الآسيوية، وحالت الظروف السياسية لهذه الدولة دون أن يلجأ المستثمر الى قضائها الوطني. لكن في النزاعين أقدمت حكومات الدولة الافريقية والدولة الآسيوية على تسوية النزاع بطريق الصلح، وذلك فور وصول اخطارات التحكيم، لكن هذا الصلح تم دون التقيد بأحكام الصلح في الإتفاقية. اما النزاع الثالث فكان يتعلق بإنهاء ترخيص شركة آسيوية في احدى الدول الشرق اوسطية. فلقد تلقت حكومة الدولة اخطار التحكيم واسم المحكم الذي عيّنه المستثمر، فكان رد الحكومة هو عدم تعيين محكمها، مدعية ان هذه الإتفاقية لا تعطي الحق للمستثمرين الافراد في الحماية ورفع الدعاوى التحكيمية، وان هذا الحق مقتصر على الإستثمارات الحكومية. لكن في النهاية تمت تسوية النزاع عن طريق التوفيق، ووقع الطرفان اتفاق تسوية في ديسمبر الماضي. 

ثم جاءت القضية الاخيرة والتي كان طرفاها الحكومة الاندونيسية ومستثمر سعودي، وأقرت فيها هيئة التحكيم برئاسة برناردو كريمادس من اسبانيا وعضوية مايكل هوانج من سنغافورا وفالي ناريمات من الهند، اختصاص الهيئة بنظر القضية وفقا للاتفاقية. وأتى هذا الحكم بعد نقاش مستفيض بين الهيئة واربعة من خبراء التحكيم الدولي في مجال الإستثمار، وبعد أن ناقشتهم الهيئة في عدة جلسات تعرضت فيها الهيئة لكثير من المسائل والتحليلات الخاصة بتطبيق الإتفاقية أقرت في النهاية بفاعليتها. 

   صدق على هذه الإتفاقية دول: بوركينافاسو- الكاميرون – الامارات العربيـة المتحـدة – مصر – غينيا – إندونيسيا – ايران – الاردن – الكويت – لبنان – ليبيا – المغـرب – سـلطنة عمان – أوغندا – باكستان - فلسطين – قطر – السعودية – السنغال – الصومال – الـسودان - تونس – تركيا ومالي. 

   وبتعرضنـا بـالـدرس والتحليـل لأهـم بنودهـا نجد ان الإتفاقية قد عرفت رأس المال - - بأنه: 

   "كافة الأموال (ويشمل ذلك كل ما يمكن تقويمه بالنقد) المملوكة لطرف متعاقد بالإتفاقية أو رعاياه من أو الأشخاص "الطبيعية أو المعنوية" والكائنة في أقاليم طرف متعاقد آخر سواء حولت إليه أو اكتسبت فيه وسواء كانت ثابتة أو منقولة أو كانت نقدية أو عينية أو كانت ماديةً أو معنوية وكافة ما يتعلق بهذه الأموال من حقوق ومطالبات، ويشمل ذلك الأرباح الصافية الناجمة عن الأموال والحصص الشائعة والحقوق المعنوية" 

   كذلك عرفت الإتفاقية الإستثمار بأنه: 

    "هو استخدام رأس المال في إحد المجالات المسموح بها في إقليم متعاقد بقصد تحقيق عائد مجز أو تحويله إليه لذلك الغرض وفقا لأحكام هذه الإتفاقية". والمستثمر بأنه" هو حكومة أي طرف متعاقد أو الشخص "الطبيعي أو المعنوي" التابع لأي طرف متعاقد. 

    والذي يمتلك رأس المال ويقوم بإستثماره في إقليم طرف متعاقد آخر وتحدد التبعية على النحو التالي:

   أ- الشخص الطبيعي: كل فرد يتمتع بجنسية دولة طرف حسب أحكام قانون الجنسية السائد فيها. 

  ب- الشخص المعنوي: كل كيان نشأ وفقا للقوانين المرعية في أي طرف متعاقد ويعترف له القانون الذي ينشأ في ظله بالشخصية القانونية.

    يتبين لنا من هذا التعريف ان الإتفاقية تضمن للمستثمرين غير الحكوميين التمتـع بكافـة الضمانات وحق اللجـوء الى التحكيـــم المدرج في هذه الإتفاقية. وكانت حكومـات بعـض الدول قد عارضت في دفاعها هذا التفسير معللة ذلك بأن الإتفاقيـة تعطـي هـذا الحـق فقـط للاستثمارات الحكومية للدول الموقعة للاتفاقية، وهو ما سنفنده لاحقا في شرح بند حقاً في شرح بند التحكـم فـي الإتفاقية.

    ثم أقرت الإتفاقية في مادتها الثانية بأن: 

    "تسمح الأطراف المتعاقدة بإنتقال رؤوس الأموال فيما بينها وبإستخدامها فيها في المجالات المسموح بالإستثمار فيها وفقا لأنظمتها. وتتمتع رؤوس الأموال المستثمرة بالحماية والضمان الكافيين وتقدم الدول المضيفة التسهيلات والحوافز اللازمة للمستثمرين الذي يمارسون نشاطهم فيها". 

    تأتي هنا كلمة "كافيين" لتفتح المجال أمام تفسيرات عدة فالكفاية تخضع لتقديرات كافة ولا تعطي تقديرا" دقيقا" لمستوى الحماية، وكان أحد الاطراف في اثناء المفاوضات على تسوية النزاع قد تمسك بأن الحماية الكافية أقل من الحماية الكاملة، فالكافية تخضع لتفسيرات ورؤية حكومات الدول التي يقع فيها الإستثمار حول كفاية الحماية. لكن هذه الإتفاقية ورغم عدم وضوح المصطلح تضمن حماية للمستثمر بدرجة أو بأخرى في وقت غابت فيه الاشارة لهذه الحماية في اتفاقيات عدة.

هذا تنص المادة الثامنة من الإتفاقية على أن:

    1- يتمتع المستثمرون التابعون لأي طرف متعاقد – في نطاق النشاط الإقتصادي الذي وظفوا فيه استثمارهم في إقليم طرف متعاقد آخر – بمعاملة لا تقل أفضلية عن المعاملة الممنوحة للمستثمرين التابعين لدولة أخرى غير طرف في الإتفاقية في نطاق النشاط، وذلك فيما يتعلق بجميع الحقوق والامتيازات المعترف بها لهؤلاء المستثمرين.

2- لا يسري حكم الفقرة الأولى على أية معاملة أفضل يمنحها طرف متعاقد في المجالات التالية:

   أ- الحقوق والامتيازات الممنوحة للمستثمرين التابعين لطرف متعاقد من طرف متعاقد آخر، استنادا إلى اتفاقية دولية أو قانون أو تدابير تفضيلية خاصة. 

   ب- الحقوق والامتيازات الناشئة عن اتفاقية دولية نافذة حاليا أو ستبرم في المستقبل يرتبط بها أي طرف متعاقد، وتترتب عليها إقامة وحدة اقتصادية أو اتحاد جمركي أو تبادل للإعفاء الضريبي. 

  ج- الحقوق والإمتيازات التي يمنحها طرف متعاقد لمشروع محدد نظرا لأهميته الخاصة لتلك الدولة.

     لهذه المادة شقان: الاول وهو تقرير الأفضلية للمستثمرين من دول منظمة التعاون الإسلامي، اما الشق الثاني وهو الاهم فهو قصر هذا التفضيل على معاملة لا تقل عن معاملة الدول غير الموقعة على الإتفاقية، اما الامتيازات الخاصة بين الدول الموقعة على الإتفاقية فلا تشملها هذه المعاملة التفضيلية. ويلاحظ في هذا النص ان هذه الإتفاقية وبخلاف كثير من الإتفاقيات الدولية تعطي المعاملة التفضيلية للمستثمر وليس للاستثمار". وتطرح هذه المادة تساؤلا آخراً مهماً للغاية يتعلق بإمتداد هذه المعاملة التفضيلية لتشمل اتفاقيات التحكيم الموقعة بين دولة موقعة على الإتفاقية ودول أخرى. وهذا الموضوع دار حوله جدل قانوني منذ فترة، واختلفت فيه الآراء بين مرجح لإمتداد أثر المعاملة التفضيلية وبين رافض لهذا التفسير. وقد يثار في خصوص هذه الإتفاقية هذا الجدل القانوني، خاصة أن شرط التحكيم المنصوص عليه في المادة 17 من الإتفاقية يواجه في تنفيذه بعض العقبات التي تجعل اللجوء اليه من الناحية العملية أكثر كلفة من اللجوء الى التحكيم امام غرفة التجارة الدولية او مركز التحكيم التابع للبنك الدولي الإكسيد.

    المادة التاسعة: يلتزم المستثمر بالقوانين واللوائح القائمة والسارية في الدولة المضيفة ويمتنع عن القيام بأي أعمال من شأنها الإخلال بالنظام العام والآداب العامة والأضرار بالصالح العام، ويمتنع كذلك عن ممارسة أعمال مقيدة، وعن محاولة الكسب غير المشروع. 

    تناقش هذه المادة مبدأ مستقراً عليه في أحكام التحكيم الدولية في مجال الإستثمار في انه لا حماية ولا ضمان لإستثمارات نشأت بالمخالفة للنظام القانوني في الدولة المستضيفة للإستثمار. وكانت هيئة التحكيم في قضية انسيزا ضد دولة السلفادور"، قد استندت الى أربعة قواعد قانونية لتحدد مدى التزام الإستثمار بالقانون الدولي هي nemo auditor propriam turpitudine mallegans والذي يعني انه ليس لأحد انين الحق ام نفعل باطلاً، والثانية هي قاعدة حسن النية good faith ، اما الثالثة فتتعلق بالنظام العام، والأخيرة هي قاعدة الاثراء غير المشروع unlawful enrichment. ثم طرحت قضية فرابور ضد الفليبين تفسيراً لمبدأ حسن النية بأن أقرت، بأنه فقط الآتيان عن قصد بفعل يدل على سوء النية يفقد المستثمر الحماية التي تكفلها الإتفاقيات الدولية، وبناء عليه تفقد الهيئة اختصاصها بنظر النزاع. 

   اما المواد من العاشرة وحتى السادسة عشرة فقد تضمنت بنوداً اساسية في أغلب الإتفاقيات الدولية مثل عدم المساس بالملكية وعدم نزعها، الا من أجل الصالح العام ومقابل تعويض علاوة على ضمان حرية تحويل رؤوس الأموال وحرية التصرف في ملكية رأس المال والتعويض عن الأضرار، بالإضافة الى معاملة المستثمر من الدول الموقعة بمعاملة لا تقل عن المستثمر الوطني، وأخيراً عن دور البنك الإسلامي للتنمية، ثم تأتي المادة السادسة عشرة لتضمن للمستثمر الحق في الإختيار بين سلك طريق التحكيم أو اللجوء الى المحاكم الوطنية للدولة المستضيفة للإستثمار. 

    أما المادة السابعة عشرة فنصت على ان: 

   "وإلى أن يتم إنشاء جهاز لتسوية المنازعات الناشئة عن هذه الإتفاقية يحل ما يكون من المنازعات عن طريق التوفيق أو التحكيم وفقا للقواعد والإجراءات الآتية:

1- التوفيق: 

أ- في حالة اتفاق المتنازعين على التوفيق يجب أن يتضمن الإنفاق: وصفا للنزاع، ولمطالبات الطرفين فيه، واسم الموفق الذي اختاراه، ويجوز للمتنازعين أن يطلبا من الأمين العام اختيار من يتولى التوفيق وتقوم الأمانة العامة بتبليغ الموفق نسخة من اتفاق التوفيق لمباشرة مهامه. 

ب- تقتصر مهمة الموفق على التقريب بين وجهات النظر المختلفة وإبداء المقترحات الكفيلة بوضع حل ترتضيه الأطراف المعنية، وعلى الموفق أن يقدم خلال المدة المحددة لمهمته تقريراً عنها يبلغ للأطراف المعنية ولا يكون لهذا التقرير أية حجية أمام القضاء فيما لو عرض عليه النزاع. 

2- التحكيم: 

أ- إذا لم يتفق الطرفان المتنازعان كنتيجة للجوئهم إلى التوفيق... أو لم يتمكن الموفق من إصدار تقريره في المدة المحددة، أو لم يتفق الطرفان على قبول الحلول المقترحة فيه، فلكل طرف اللجوء إلى هيئة التحكيم لإصدار الحكم النهائي في النزاع. 

ب- تبدأ إجراءات التحكيم بإخطار يتقدم به الطرف الراغب في التحكيم إلى الطرف الآخر في المنازعة يوضح فيه طبيعة المنازعة واسم المحكم المعين من قبله. ويجب على الطرف الآخر خلال ستين يوماً من تاريخ تقديم ذلك الإخطار أن يبلغ طالب التحكيم باسم المحكم الذي عينه. ويختار المحكمان خلال ستين يوماً من تاريخ تعيين آخرهما حكما مرجحا يكون رئيساً لهيئة التحكيم ويكون له صوت مرجح عند تساوي الآراء. فإذا لم يعين الطرف الآخر محكماً أو لم يتفق المحكمان على تعيين المحكم المرجح خلال المواعيد المقررة لذلك كان لكل طرف أن يطلب استكمال تشكيل هيئة التحكيم أو تشكيلها من الأمين العام. 

ج- تنعقد هيئة التحكيم لأول مرة في الزمان والمكان اللذين يحددهما الحكم المرجح ثم تقرر الهيئة بعد ذلك مكان انعقادها ومواعيده، كما تفصل في كل المسائل المتعلقة بإختصاصها.

د- أحكام هيئة التحكيم نهائية ولا يجوز الطعن فيها وهي ملزمة للطرفين اللذين عليهما احترام الحكم وتنفيذه. ولها قوة الأحكام القضائية وتلتزم الأطراف المتعاقدة بتنفيذها في أراضيها سواء كانت طرفا في المنازعة أم لا وسواء كان المستثمر الصادر في حقه الحكم من مواطنيها أو مقيما فيها أم لا، كما لو كان حكما" نهائياً واجب النفاذ صادراً من إحدى محاكمها الوطنية". 

    اما الفقرة الأولى، والتي تتعلق بأن تسري أحكام هذه الإتفاقية إلى أن يتم إنشاء جهاز لتسوية المنازعات الناشئة عن هذه الإتفاقية، فلقد ثار تساؤل من بعض الخبراء عما اذا كانت محكمة العدل الإسلامية هي هذا الجهاز المعني بتسوية المنازعات الناشئة عن الإتفاقية. ولكن هذا الرأي ليس بسديد لعدة أسباب وقبل ان نتعرض لها وجب التعريف بمحكمة العدل الإسلامية. طرحت فكرة انشاء محكمة العدل الإسلامية الدولية في القمة الإسلامية الثالثة عام 1980، وشكلت لجنة من الخبراء لإعداد مشروع النظام الأساسي للمحكمة المقترحة، وأصدر مؤتمر القمة الإسلامية الثالثة قراراً بالموافقة على انشاء المحكمة. وعرض المشروع على مؤتمر القمة الإسلامية الخامس المنعقد بالكويت في الفترة من 26–29 يناير 1987 الذي اصدر قراره بالموافقة على النظام الأساسي لمحكمة العدل الإسلامية الدولية على ان تكون ولاياتها اختيارية في نظر المنازعات التي تثور بين الدول. نصت المادة 49 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الإسلامية الدولية على أن "يبدأ سريان هذا النظام بمجرد ايداع ثلثي تصديقات الدول الأعضاء وفق أحكام المادة 11 من ميثاق منظمة التعاون الإسلامي، والتي تنص على تعديل الميثاق بناء على موافقة وتصديق ثلثي عدد الدول الأعضاء. حتى الآن لم يدخل هذا النظام حيز التنفيذ، حيث ان الدول التي صدقت عليه لم تصل الى العدد المطلوب. 

    علاوة على ذلك، فإن التفسير المناسب للفقرة الأولى من المادة السابعة عشرة يشير الى ان الجهاز المنتظر انشاؤه يجب ان يفصل في نزاعات الإستثمار وليس النزاعات العامة بين الدول الأعضاء، وقد تأكد هذا التفسير بالإطلاع على محضر الإجتماع الخامس والعشرين للجنة متابعة الإتفاقية والتي تتبع الكومسيك، وأقيم هذا الاجتماع في أزمير في الفترة من 12 الى 14 مايو2009. وقد اقرت اللجنة في هذا الإجتماع ضرورة انشاء جهاز لفض منازعات الإستثمار، مما يعكس عدم توافر هذه الصفة في محكمة العدل الإسلامية.

   أما الفقرة الثانية من المادة والتي تتعلق بالتوفيق فهي تنص تحديداً على أن التوفيق ممكن إذا اتفق الطرفان على عرض نزاعهما على لجنة التوفيق. وهذا يعني ان مثل هذا التوفيق لا يصير الزامياً الا في حالة اتفاق الاطراف، والا فيصبح شرط قيام اللجنة بدورها في التوفيق غير متوافر. 

   ثم تأتي المادة السابعة عشرة بنظام تحكيمي حر يطرح عدة تساؤلات أولها بخصوص الإتفاق على التحكيم. قد يثار تساؤل حول وجود اتفاق على التحكيم بمجرد التصديق على هذه الإتفاقية. فإذا كان قبول الإتفاق على التحكيم شرط أساسي ليصبح هذا الإتفاق سارياً، فالدول تعبر عن قبول شرط التحكيم بطرق عدة، وصارت حالياً الإتفاقيات الثنائية والإتفاقيات المتعددة الأطراف تحوي إيجاب هذه الدول على شرط التحكيم انتظار قبول المستثمر هذا الشرط بإرساله اخطار التحكيم لهذه الدولة. لكن في بعض الأحيان، مثلاً حالة اتفاقية الاكسيد، تضع الإتفاقية شرطاً ما يطلق عليه الايجاب الثنائي، والتي فرضتها الإتفاقية في مقدمتها، في أن تصديق الدولة أو قبولها لهذه الإتفاقية لا يعني في حد ذاته أن هذه الدولة تحت التزام باللجوء الى التحكيم وفقاً لهذه الإتفاقية. 

    وتحتاج الاطراف التي وقعت اتفاقية الاكسيد، لأن توافق لاحقاً في اتفاقية ثنائية أو متعددة الأطراف أو في قانون تصدره أو في شكل تعاقد مع المستثمر يعكس القبول الثاني على شرط التحكيم. أما هذه الإتفاقية فلا تشترط هذه الموافقة الثنائية، بل تعطي الحق في اللجوء المباشر إلى التحكيم دون أي خطوات إضافية باستثناء ما نص عليه في مسألة التوفيق. 

    علاوة على مسألة الموافقة على التحكيم تأتي الفقرة "ب" بدور للأمين العام للمنظمة في تعيين المحكمين في حال عدم تعيين طرف محكماً، او اذا لم يتفق المحكمون على تعيين المحكم المرجح خلال المواعيد المقررة. 

   وتطرح هذه الفقرة سؤالين: اولهما هو ما اذا كانت المنظمة تقوم بهذا الدور فعلياً، والثاني هو ما اذا كانت هناك قائمة محددة من المحكمين يختار من ضمنهم الأمين العام المحكمين. التجارب السابقة لم تعطي إجابة واضحة عن هذه الأسئلة، وان كنا نتمنى أن تلعب المنظمة دوراً افعل في هذا النطاق لما تحويه هذه الإتفاقية من فرصة لإقامة العدل وتسوية منازعات لا تجد لحلها سبيلاً آخر.

   وجب الإشارة أيضاً ان هذه الإتفاقية لا تعطي أي دور للأمانة العامة في فحص طلبات التحكيم لتحديد مدى وجود اختصاص من عدمه. فدور المنظمة يقتصر على تعيين المحكمين دون أي دور، ولو قليلاً، للتدخل في محور القضية ويترك هذا بالكامل لهيئة التحكيم. 

    ولا يعد من وجهة نظرنا رفض الأمانة العامة تعيين المحكمين، اقتداء بالمادة 17، مدعية عدم اختصاص هيئة التحكيم بنظر النزاع، الا تقصيراً واضحاً من المنظمة في القيام بدورها وفق الاتفاقية التي صدرت تحت مظلتها، وتعديا على سلطة المحكمين في تحديد اختصاصهم. 

   في النهاية وجب الإشارة ان رعاية هذه الإتفاقية صارت أمراً حتمياً في ظل تصاعد النزاعات الإستثمارية وسط عدم استقرار سياسي واقتصادي في الشرق الاوسط.