الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / الاتفاقيات الدولية والإقليمية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / تنفيذ حكم التحكيم في القانون المصري 27لنسة 1994 واتفاقيتي نيويورك 1958 وواشنطن 1965م / حكم التحكيم وفقاً للاتفاقيات الدولية

  • الاسم

    سهير سيف الدين محمد زغارى
  • تاريخ النشر

    2013-01-01
  • عدد الصفحات

    340
  • رقم الصفحة

    109

التفاصيل طباعة نسخ

نبذة عن تاريخ إنشاء اتفاقية نيويورك 1958

استجابة للتطور الكبير الذي شهدته التجارة الدولية في مرحلة ما بعد حرب العالمية الثانية ، ظهرت الحاجة الملحة إلى إيجاد نظام للتحكيم التجاري دولي يكون أكثر ملائمة لاستيعاب هذه التطورات ، يكون متماشيا مع متطلبات لتجارة الدوليـة وحـل بعض مشاكلها المعقدة ومنها مشكلة تنفيذ أحكام التحكيم لأجنبية . لذا كان لابد من وجود قواعد دولية جديدة تنظم مسألة تنفيذ أحكام لتحكيم الأجنبية .

لذا أعدت غرفة التجارة الدولية (ICC) مشروعا أقرته في مؤتمرها الرابع عشر الذي عقد في فينا عام 1953 وفي فترة لاحقه قام المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة بتبني هذا المشروع للمناقشة ، وفي عام 1958 قرر المجلس عقد مؤتمر دولي للنظر في إقرار اتفاقية جديدة للاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها ، وفي ٢٠ مارس ١٩٥٨ عقد مؤتمر في مدينة نيويورك الذي حملت الاتفاقية فيما بعد هذا الاسم ، وبعد مناقشة دامت عشرين يـوم تمخض هذا المؤتمر عن التوقيع على هذه الاتفاقية التي عرفت باتفاقية نيويورك وذلك في 10 يونيو ١٩٥٨ ، وأصبحت هذه الاتفاقية نافذة في 8 يونيو ١٩٥٩، وقد انضمت العديد من الدول العربية لهذه الاتفاقية مثل " مصر - الكويت - البحرين - تونس - المغرب - جيبوتي - وسوريا والجزائر " ولم تنضم ليبيا ودولة

الإمارات العربية المتحدة إلى اتفاقية نيويورك وتتكون اتفاقية نيويورك من ستة عشر مادة ومن أهم نصوص هذه المواد القارة الأولى، التي حددت سريان نطاق الاتفاقية على أحكام التحكيم الأجنبية الصادرة في إقليم دولة غير الدولة المطلوب التنفيذ فيها . أيضا على أحكام الحكيم التي لا تعتبر وطنية بالنسبة للدولة المراد التنفيذ فيها .

أما المادة الثالثة من هذه الاتفاقية فقد تعلقت بمسألة الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها من قبل الدول الأعضاء في الاتفاقية ، حيث أن هذه الدول وبموجب أحكام المادة الثالثة من هذه الاتفاقية تعترف بحجية حكم التحكيم وتأمر بتنفيذه طبقا لقانونها الوطني بالإضافة إلى التزام هذه الدول بأن لا تفرض أية رسوم قضائية على مسألة الاعتراف والتنفيذ للحكم الأجنبي وبشكل يزيد بدرجة ملحوظة عن تلك الرسوم التي تفرض عند تنفيذ أحكام التحكيم الوطنية .

ويرى الباحث أن هذا يعد مظهرا من مظاهر تميز اتفاقية نيويورك عن غيرها من الاتفاقيات الأخرى ، ذلك لأن نصوص اتفاقية نيويورك تسهل وتدعم تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية بين الدول ، بحيث لا تستطيع الدول المنضمة إلى هذه الاتفاقية أن تفرض رسوما مرتفعة على الأحكام الأجنبية المراد تنفيذها

وقد حددت المادة الرابعة من هذه الاتفاقية مجموعـة مـن المتطلبات اللازمة لتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي . أما المادة الخامسة من الاتفاقية فقـد حددت مجموعة من الحالات التي يجوز للقاضي الوطني إذا تحققت إحداها رفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي.

وتعد اتفاقية نيويورك من أهم الاتفاقيات المعمول بها في مجال تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية نظرا لنجاحها في حل الكثير من إشكاليات تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية.

ويرى الباحث أنـه بالرغم من مميزات اتفاقية نيويورك ١٩٥٨ التي أوضحت سلفا إلا أنه مازال هناك قصور يعتري نصوص هذه الاتفاقية يجب تلافيها ويتمثل هذا القصور في أن هذه الاتفاقية تجعل القضاء الوطني في دولة التنفيذ هو المختص بإعطاء الصيغة التنفيذية لأحكام التحكيم الأجنبية ،مما يجعلها عرضه لرفض التنفيذ الغير مبرر في كثير من الأحيان خاصة مع وجود هذا الكم الهائل من حالات رفض التنفيذ والتي حددتها المادة الخامسة من هذه الاتفاقية التي يمكن الاستغناء عن كثير منها عن طريق تحديد جهة أخرى غير القضاء الوطني لتختص بتنفيذ هذه الأحكام ، وهو ما سنفصله ضمن استعراض رأينا الخاص في الاتفاقية.

تنفيذ حكم التحكيم وفقا لأحكام اتفاقية نيويورك 1958

يخضع تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية للاتفاقية الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبيـة التـي أقرهـا المـؤتمر الدولي الذي دعـا بعقده المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة الذي اختتم في مدينة نيويورك بتاريخ 10 يونيه سنة ١٩٥٨ والذي سميت الاتفاقية باسمة " باتفاقية نيويورك " عام ١٩٥٨ وسبق وأن أوضحنا أن هذه الاتفاقية انضم إليها الكثير من دول العالم منها مصر في عام 1959 " وذلك بموجب القرار الجمهورى رقم ١٧١ لسنة 1959 المنشور في الجريدة الرسمية في 14 فبراير 1959 العدد ٢٧ . وقد تم نشر الاتفاقية في جريدة الوقائع المصرية الصادرة في 5 مايو 1959 بالعدد 35 وقد نص في قرارها على اعتبارها نافذة في جمهورية مصر العربية ابتداء من 8 يونيو 1959 " .

وتنص المادة الأولى من الاتفاقية على أنها تنطبق فقط على أحكام المحكمين الصادرة في إقليم دولة غير التي يطلب إليها الاعتراف وتنفيذ هذه الأحكام " وإذا كان الحكم الأجنبي هو الحكم الصادر في بلد أجنبي أي خارج جمهورية مصر العربية فان تحديد مكان صدور الحكم قد يثير مشكلة ذلك لأنه قد يحدث أن يختار الأطراف مكان التحكيم ، وتتم بعض جلسات التحكيم في دولة أخرى ، أو يوقع على الحكم في دولة ثالثة فهنا يحدث اختلاف بين المكان القانوني للتحكيم ، ومكان صدور الحكم أو مكان انعقاد جلساته ، الأمر الذي معه يكون تحديد القانون الواجب التطبيق على إتفاق التحكيم التحديد صحته من عدمه وفقاً لإتفاقية نيويورك يكون طبقاً لإتفاق الأطراف فإذا لم يوجد إتفاق يتم تطبيق قانون محل صدور حكم التحكيم ومن هنا تكون إتفاقية نيويورك قد جمعت بين إتجاهين الأتجاه الأول يكون تطبيق قانون إرادة أطراف التحكيم والأتجاه الثاني يكون قانون احتياطي حالة غياب إتفاق الأطراف على القانون الواجب التطبيق.

ولكن نصت المادة ٢/٢٥ من لائحة غرفة التجارة الدولية "ICC" على أنه " يعتبر الحكم قد صدر في مكان التحكيم " أي المكان الذي اتفق الأطراف المحتكمين عليه بصرف النظر عن مكان انعقاد بعض جلساته ، والغرض من هذا النص هو احترام إرادة أطراف التحكيم في اختيار مكان التحكيم سواء كان هذا الاختيار مباشرا أو بواسطة مركز التحكيم الذي لجئوا إليه . الأمر الذي معه لا يجوز إهدار إرادة أطراف التحكيم بواسطة هيئة التحكيم لقيام أعضائها بالتوقيع على الحكم مثلا في مكان آخر .

ويعتبر حكم التحكيم الصادر في مصر أجنبي سواء صدر في تحكيم وطني أو تحكيم تجاری مادام صدر خارج جمهورية مصر العربية.

شروط تنفيذ حكم التحكيم وفقا لاتفاقية نيويورك عام 1958

سبق أن أوضحنا أن اتفاقية نيويورك تعد من أهم المحاولات الدولية في مجال تنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية ، فهي مازالت الرائدة في مجال تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وهذا ما يدعونا إلى توضيح أهم ما ورد في نصوص هذه الاتفاقية بشأن تحديد حكم التحكيم الأجنبي الذي يدخل في نطاق سريان اتفاقية نيويورك عام 1958.

تسری اتفاقية نيويورك على الأحكام التحكيمية الصادرة في إقليم دولة ويراد تنفيذها والاعتراف بها في حدود دولة أخرى ، كما تسرى هذه الاتفاقية على أحكام التحكيم التي لا تعتبر وطنية في الدولة المراد تنفيذ حكم التحكيم على إقليمها وهذا ما نصت عليه صراحة المادة الأولى بالفقرة الأولى من الاتفاقية .. ولا تشترط - اتفاقية نيويورك لتطبيق أحكامها أن تكون جميع الأطراف المتنازعة من جنسية الدول المنضمة إليها فهي تسرى بغض النظر عن جنسية أطراف النزاع التحكيمي وعلى الرغم من عدم صراحة النص في اتفاقية نيويورك إلا أن هذا يفهم من نص المادة (3/1) (*) التي جعلت الأصل العام سريان الاتفاقية في إقليم الـدول .

والاستثناء هو التحفظ من قبل الدول الأعضاء على سريان الاتفاقية على تنفيذ أحكام التحكيم الصادرة على إقليم دولة أخرى متعاقدة وعلى أساس المعاملة بالمثل فهذا النص يعطي مجالا واسعا لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية بين مختلف الدول الأعضاء وغير الأعضاء في الاتفاقية ويعد ذلك توجيه موفق من قبل واضعى اتفاقية نيويورك ... وللباحث تعقيب – انه بالرغم من الاستثناء الوارد بالمـادة سالفة الذكر إلا أن مصر لم تبد أي تحفظ إعمالا لنص المادة (3/1) .

تنفيذ حكم التحكيم في اتفاقية واشنطن 1965

تم إبرام اتفاقية واشنطن سنة 1965 بشأن تسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمارات بين الدول ورعايا الدول الأخرى تحت رعاية البنك الدولي للإنشاء والتعمير وذلك في ١٨ مارس 1965 ، ودخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ في 14 اكتوبر 1966 وقد صادقت عليها عشرون دولة وكان هذا العدد هو المطلوب لنفاذ

الاتفاقية.

وكان الهدف من هذه الاتفاقية تشجيع الاستثمارات الأجنبيـة فـي الـدول النامية ، وطمأنـة أصحاب رؤوس الأموال فـي الـدول المتقدمـة علـى أمـوالهم واستثماراتهم من عمليات التأميم التي كانت سائدة في هذا الوقت في الدول النامية لذا جاءت اتفاقية واشنطن لتبث الثقة في نفوس هؤلاء المستثمرين وذلك بإنشاء مركزا مستقلا لتسوية منازعات الاستثمار سمى بالمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (I.C.S.I.D) الإكسيد

ويعد من أهم مظاهر هذه الاتفاقية أن المركز الدولي لتسوية المنازعات قد حدث وضعا مميزا جديدا في مجال التحكيم الدولي ، ذلك لأنه ولأول مرة أعطى الخاص القانون الخاص " طبيعي كان أو اعتباري " الحق في اللجوء المباشر إلى جهاز دولى للتقاضي إليه دون حاجة إلى حماية دبلوماسية من دولهم . بمعنى يمكن القول بأن اتفاقية واشنطن 1965 قد أعطت أشخاص القانون الخاص اعتبارية أو طبيعية " الحـق فـي اللـجـوء مباشـرة إلى مركز تسوية منازعات

الاستثمار وهذا يعد أمر مستحدث في مجال القانون الدولي وقد تضمنت اتفاقية واشنطن مجموعة من المواد تعد على درجة عالية من الأهمية في مجال تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وفي مقدمة هذه المواد المادة 1/54 والتي تنص على أنه : " تعترف كل دولة متعاقدة بالحكم الذي صدر بناء على أحكام هذه الاتفاقية وتضمن تنفيذ الالتزامات المالية التي يفرضها الحكم كما و كانت حكم نهائي صادرا عن محكمة محلية.

ويعد هذا النص من وجهة نظر الباحث من أهم نصوص اتفاقية واشنطن 1965 ذلك لأن هذا النص شمل حكم التحكيم بميزة النفاذ المباشر لحكم التحكيم الصادر عن المركز الدولي لتسوية المنازعات داخل دولة التنفيذ دون حاجة إلى فرض رقابة قضائية عليه ، الأمر الذي يرى معه الباحث أن اتفاقية واشنطن 1965 جاءت بتطوير غير مسبوق مقارنة مع غيرها من الاتفاقيات المنظمة لمسائل التحكيم ، حيث تبنـت المـادة ٥٢ من تلك الاتفاقية أسلوب المراجعة الداخلية وحددت مجموعة من الحالات التي إذا توافرت إحداها فإنه يجوز لأى من الطرفين أن يقدم طلب كتابي إلى السكرتير العام لمركز تسوية المنازعات لإلغاء هذا الحكم دون حاجة إلى اللجوء للقاضي الوطني في دولة التنفيذ لفرض رقابته على تلك المسائل . ليس هذا فحسب بل أيضا أعطى نص المادة 1/53 من الاتفاقية ذاتها خطوة هامة في مجال إلزامية حكم التحكيم ، حيث اعتبرت المادة 1/53 حكم التحكيم ملزما للطرفين وغير قابل للاستئناف باى طريق باستثناء الحالات التي نص عليها في المادة ٥٢ من اتفاقية واشنطن 1965 .

والحقيقة أنه باستقراء نصوص اتفاقية واشنطن 1965 التي انضمت إلي جمهورية مصر العربية في 11 نوفمبر ۱۹۷۱ بموجب قرار السيد رئيس جمهورية مصر العربيـة رقم 90 لسنة ١٩٧١ (۱) نجدها تشكل نوع من العدالة الخاصة بالاستثمار الأجنبي خاصة أنها تحاول التوفيق بين حق الدول التي هي في طريق التنميـة إلـى تلبية احتياجاتهـا مـن الاستثمارات الأجنبيـة ، وأيضـا حـق الـدول الصناعية في العدالة والحصول على ضمانات حقيقية لحماية استثماراتهم فضلا عن الدور الذي يلعبه البنك الدولي في تمويل المشاريع في الدول النامية ، حيث يمارس البنك ضغطا على الدول التي يمنحها قروض لكي تقبل وضع شرط التحكيم في عقودها وفقا لاتفاقيـة واشنطن 1965 ، الأمر الذي يطمئن معـه المستثمرين الأجانب من إخراج المنازعات المتعلقة بمسائل استثماراتهم من سلطان  القضاء الداخلي للدول المضيفة - لذا ألينا على أنفسنا توضيح تنفيذ حكم التحكيم في اتفاقية واشنطن 1965.

المنازعات التي يختص بها المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار( الإكسيد ) " I.C.S.ID "

سبق أن أوضحنا أن الهدف الأساسي الذي تسعى إليه اتفاقية واشنطن 1965 هو المساعدة في تحقيق التنمية والتطور الاقتصادي من أجل توفير مناخ ملائم للاستثمارات الدولية ويظهر ذلك بوضوح من ديباجة الاتفاقية التي ورد فيها صراحة " مراعاة لضرورة التعاون الدولي لأجل التنمية الاقتصادية والدور الذي تلعبه الاستثمارات الدولية الخاصة في هذا المجال " ، الأمر الذي يوضح العلاقة بين إنشاء مؤسسـة دوليـة لتسوية منازعات الاستثمار من جهة ، وبين تحفيز وتشجيع الاستثمارات الدولية الخاصة والتنمية الاقتصادية من جهة أخرى ، ويعد الهدف من إنشاء مؤسسة يناط إليها مهمة تسوية المنازعات الناشئة بين الدول والمستثمرين الأجانب خطوة هامة نحو خلق مناخ للثقة المتبادلة الذي يسهل تدفق رؤوس الأموال الأجنبية على الدول الراغبة في استقطابها .

وتجدر الإشارة إلى أن المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار لا يقتصر فقط على حماية المستثمرين الأجانب في علاقتهم مع الدول المضيفة لاستثمار ، بل يجب أن يتم ذلك من منظور المصلحة المتبادلة للطرفين وهذا ما يؤكد الطبيعة الخاصة لمنازعات الاستثمار ، ذلك لأن المشكلة الأساسية التي تطرحها هذه المنازعات تتعلق بكيفية التوفيق بين المصلحة الخاصة للمستثمر الأجلبي والمصلحة العامة للدولة في تحقيق التنمية ، الأمر الذي يجعلها لا تخلو من خلفية سياسية واقتصادية دولية ويجعل مسألة تسويتها موضوعا في غاية الأهمية ، ذلك لأن توالى صدور أحكام تحكيمية لصالح المستثمرين الأجانب ينعكس سلبا على التنمية الاقتصادية التي يسعى البنك الدولي إلى تشجيعها في الدول النامية بشكل خاص .

أما من الناحية العملية كان اللجوء إلى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار محدود في بدايته إلا أن الأمور تغيرت سريعا منذ تسعينيات القرن الماضي ، حيث لوحظ تزايد كبير في عدد القضايا المعروضة على المركز - خاصة وأن المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار أصبح من أكثر مراكز التحكيم تأثيرا على التوجهات الكبرى للقانون الدولي الاقتصادي ، والقانون الدولي للاستثمارات على وجه الخصوص خاصة منذ العقد الأخير من القرن العشرين خاصة عندما تنامت الاتفاقيات الثنائية لحماية وتشجيع الاستثمار تلك الاتفاقيات التي أصبحت تحيل مباشرة على تحكيم المركز لفض منازعات الاستثمار . ومن أهم وأبرز ما تضمنته معاهدة واشنطن 1965 المادة ٢٥ من الاتفاقية تلك التي تحدد مجال تطبيق هذه المعاهدة وفي نفس الوقت توضـح حـدود اختصاص المركز، حيث تنص الفقرة الأولى منها على أنه : " اختصاص المركز يشمل المنازعات ذات الطبيعة القانونيـة التـي تتشا بين دولـة طـرف في المعاهدة ، ومستثمر أجنبي تابع لدولة أخرى متعاقدة ، شرط ارتباط النزاع مباشرة بالاستثمار، واتفـاق الأطراف كتابـة علـى تحكيم المركز . الأمـر الـذي أدى إلى تهافت المستثمرين على رفع دعاوى تحكيمية أمام المركز اعتمادا على مقتضيات المادة ٢٥ من اتفاقية واشنطن 1965 – التي تثير دفوعا تتمحور حول الطبيعة الغير قانونية للنزاع وعدم ارتباط النزاع بالاستثمار والطعن في صفة المستثمر الأجنبي على سبيل المثال - نزاع وجيه سياج – الذي سيشار إليه تفصيلا فيما بعد عند طرح التطبيقات العملية.

الاختصاص الشخصي للمركز

يقوم الاختصاص الشخصي للمركز على اكتساب الأطراف للصفة المؤهلة لطلب التحكيم من ناحية ، ثم قبولهم الرضائي للجوء إلى التحكيم وفقا لقواعد-

1- أطراف التحكيم أمام المركز :

 

تثور عدة تساؤلات حول أطراف التحكيم أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار فبالنسبة للدول : هل يشترط أن تقوم الدولة بإبرام اتفاق التحكيم بشكل مباشر عن طريق الحكومة ؟ أم يمكنها القيام بذلك بشكل غير مباشر عن طريق المؤسسات والهيئات التابعة لها ؟ ثم ما هو المعيار الذي يتعين الأخذ به لسريان الاتفاق المبرم من طرف هذه المؤسسات في مواجهة الدولة ؟ هذا من ناحية ، ومن ناحيـة أخـرى بالنسبة للمستثمر الأجنبي : هل يشترط أن يكـون شخصا اعتباريا أم يكون شخصا طبيعيا ؟ وما هو المعيار الذي يحدد صفة أجنبية المستثمر ؟ . للإجابة على هذه الأسئلة يمكن الرجوع لنص المادة ٢٥ من اتفاقية البنك الدولي لتسوية المنازعات حيث البين من استقراء النص أنه : لا يمكن أن ترفع إلى المركز إلا دعاوى التحكيم المختلطة فقط ، أي الدعاوى التي تنشأ بين شخص من أشخاص القانون العام وشخص خاص أجنبي ، فالتحكيم الذي يتم في ظل المركز ليس تحكيما للقانون الدولي العام ، بل هو نوع من أنواع (۱) تحكيم القانون الدولي الخاص الذي تحميه معاهدة دولية بالرغم من وجود الدولة طرف فيه .

وبناء على ذلك سنوضح وضعية الدولة كطرف في التحكيم لدى اتفاقية منازعات الاستثمار وأيضا وضعية المستثمر الخاص الأجنبي .

ب - وضعية الهيئات العمومية التابعة للدولة : لم تكن اتفاقية واشنطن 1965 تجيز اللجوء إلى مركز تسوية المنازعات إلا للدول المتعاقدة فقط ولكن أثناء المناقشات التحضيرية للاتفاقية تلاحظ خروج بعض منازعات الاستثمار من نطاق تطبيق الاتفاقية خاصة وان بعض الأنظمة الدستورية القانونية للعديد من الدول تسمح للمنظمات العمومية التابعة لها ممارسة سلطات معينة بالنسبة للاستثمارات الأجنبية ، الأمر الذي لا يكون هناك مبررا الحرمان تلك المنظمات من المشاركة في دعاوى التحكيم المرفوعة أمام المركز . الأمر الذي توسع معه المركز في الاختصاص بنظر الدعاوى التحكيمية التي تكون الدول المتعاقدة طرفا فيها أو إحدى هيئاتها ومؤسساتها العمومية . والملاحظ انه بالرغم من السماح للهيئات والمؤسسات العامة التابعة للدول المتعاقدة بالدخول في المنازعات التحكيمية المعروضة على المركز إلا أن النص الحالي في الاتفاقية لم يتضمن أي تعريف محدد لهذه الهيئات ، ويرى الباحث أن المقصود بهذه الهيئات والمؤسسات التابعة للدولة هي تلك المؤسسات العمومية ذات الصبغة الاقتصادية أو الشركات الخاضعة لمراقبة الدولة ، ويرجع سبب رؤية الباحث لهذا المقصود أن كثيرا من الدول لا تعتبر المواضيع التي تمس الاستثمارات الأجنبية من اختصاص الدولة أو الإدارة المركزيـة وحـدها بل هي أيضا من اختصاص الأقسام الدستورية والتي أنشأت هذه الهيئات فيها لهذا الغرض لذا فتلك الهيئات تتمتع باستقلال قانوني ومالي لذا حتى يسمح لهذه الهيئات والمؤسسات مـن المشاركة في دعاوى التحكيم المرفوعة أمام المركز.

وبالرغم من التشدد الذي اقره مجلس الدولة الفرنسي والذي يعد محل اعتبار على مستوى التحكيم التجاري الدولي وهو أن من شأن المعاهدات الدولية إدخال استثناءات على مبدأ منع التحكيم في عقود الدولة وهذا هو شأن اتفاقية واشنطن ١٩٦٥ لتسوية منازعات الاستثمار التي نصت على أن الدول المنضمة إليها لا يمكنها التذرع بانعدام أهليتها بقصد الإفلات من الخضوع للتحكيم جميع وفقا لقواعد المركز.

وبالرغم من وضوح نصوص اتفاقية واشنطن 1965 من الناحية النظرية مجال تطبيقها إلا أنه على المستوى العملي يكتنفها الغموض الأمر الذي أدى معه التوسع في مفهوم الدولة المتعاقدة وبالتالي التوسيع في مجال اختصاص المحاكم المشكلة في ظل مركز تسوية منازعات الاستثمار . لذا فوفقا لنصوص الاتفاقية فإنه حتى تتمكن الدولة من اللجوء إلى التحكيم أمام المركز الدولي التسوية منازعات الاستثمار لابد أن يكون لها كيان يتوافر له سيادة تخوله حق إبرام المعاهدات الدولية .

وبالرجوع إلى نص المادة 1/68 من الاتفاقية نجدها تنص على ان الاتفاقية تصبح نافذة في حق إى دولة بعد مرور ثلاثين يوما من تاريخ إيداع وثائق التصديق أو القبول أو الموافقة بمقر البنك الدولي للإنشاء والتعمير ... فهذا النص لم يدع مجالا للشك في أن صفة الدولة المتعاقدة لا تكتسب إلا بعد انقضاء الثلاثين يوما التالية للقيام بالإيداع.

ويرى الباحث أن تعبير " جنسية دولة متعاقدة " الوارد في نص المادة ١/٢٥ يجب أن يفهم بالمعنى الواسع بحيث لا ينصرف إلى إلزامية الاستمرار في التمتع بنفس الجنسية ما بين تاريخ الاتفاق على اللجوء إلى تحكيم المركز وتاريخ تقديم طلب التسجيل ، فالمركز يكون مختص بنظر المنازعة طالما أن الشخص يحمل جنسية دولة متعاقدةعلى الهيئة التحكيمية أيضا هو مراقبة درجة الرابطة الفعلية الموجودة بين الشركة والدولة ، وبالتالي استبعاد كل جنسية لا تتطابق مع الواقع خاصة إذا كان اكتساب الشركة لجنسية الدولة كان راجعا للاستفادة من بعض الحقوق والامتيازات التي لا تستطيع الشركة الاستفادة منها أصلا ويرجع السند في ذلك إلى أن هذا يعد من قبيل الغش وإعمالا لقاعدة ". الغش يفسد كل شئ " فهنا يجب على المركز السماح للمحكمين برفض ادعاء

شركة ما تكون قد أنشأت بقصد الاستفادة من بعض الامتيازات الضريبية في هذا البلد ، أو أن هذه الشركة قد اكتسبت جنسية الدولة المتعاقدة في الاتفاقية بقصد اللجوء إلى المركز والاستفادة من الخدمات التي يقدمها

وإذا كانت القاعدة العامة في اتفاقية واشنطن أن أي شخص طبيعي أو معنوى يحمل جنسية الدولـة الطـرف فـي النـزاع لا يمكنه أن يكـون طـرف فـي إجراءات التحكيم أمـام المركز إلا أن هذه القاعـدة يـرد عليهـا استثناء لصالح الشخص الاعتباري وهو ما ورد صراحة في نص المادة ٢/٢٥/ب من الاتفاقية حيث أدخلت هذه المادة في طائفة الأشخاص التابعين لدولة أخرى كل شخص اعتباري يتمتع بجنسية الدولة الطرف في المنازعة اتفق الطرفان من أجل إعمال أحكام الاتفاقية على اعتباره شخص تابع لدولة أخرى متعاقدة بسبب المراقبة التي تمارسها عليه المصالح الأجنبية . وبالرغم من هذا النص فإن الاتفاقية لم تحدد ماهية مفهوم الرقابة الأجنبية والسبب في ذلك كما سبق إيضاحه سابقا اختلاف الأنظمة القانونية في الدول المشاركة في الاتفاقية التي تحدد جنسية الشخص الاعتباري . وبالرغم من ذلك فإنه لا يكفي لاختصاص المركز بنظر المنازعات التي تعرض عليه توافر الشروط التي تتطلبها الاتفاقية في صفة وجنسية أطراف النزاع بل تطلبت أيضا ضرورة أن يكون هناك اتفاق صريح بين الأطراف يعبرون فيه عن إرادتهم ورغبتهم الكاملة في اللجوء إلى التحكيم وفقا لقواعد المركز والسؤال هل يجب أن يكون هناك اتفاق صريح بين الأطراف في اللجوء إلى التحكيم وفقا لقواعد المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار ؟؟ الحقيقة أن موافقة الأطراف على اختصاص المركز بنظر النزاع امر مهم جدا وأساسي وهذا ما يفسر أن اللجوء إلى التحكيم الذي يجري في ظل المركز هو تحكيم رضائی اختیاری شانه شأن التحكيم الحر Ad Hoc أو التحكيم المؤسس ، وقد تظهر هذه السمة الاختيارية إما في شكل شرط او بند من بنود عقد الاستثمار أو في صورة مشارطة مستقلة بإحالة نزاء نشأ فعلا إلى مركز تسوية الاستثمار وبناء على ذلك فإنه لا يكفى تصديق الدولة على الاتفاقية الخاصة بتسوية منازعات الاستثمار " واشنطن 1965" حتى يكون لهيئة التحكيم التابعة للمركز الصلاحية الكاملة للبت في النزاع ، بل يجب أن تكون هناك موافقة كتابية قبل عرض النزاع على المركز بين كلا من الدولة والمستثمر الأجنبي ( سواء كان شخص طبيعي أو اعتباري ) على اللجوء إلى تحكيم المركز.

إلا أنه لوحظ في السنوات الأخيرة اتجاه المركز نحو التوسع في تفسير السمة الاختيارية التي نص عليها صراحة في المادة ٢٥ من الاتفاقية ، حيث يكفي لتقرير اختصاص المركز بنظر النزاع وجـود نـص يشير إلى التحكيم في التشريعات الوطنية للاستثمار في الدولة المضيفة ، أو في اتفاقية للاستثمار سواء كانت هذه الاتفاقية ثنائية الأطراف أو متعددة الأطراف ، خاصة إذا ما لجأ المستثمر إلى طلب التحكيم أمام المركز ، فإن هذا يعبر عن تراضى ضمنى موجود في هذه الحالة ، ذلك لأن الدولة المضيفة إذا نصت في تشريعها الوطني في اتفاقية الاستثمار على إحالة نزاعاتها مع المستثمرين الأجانب إلى التحكيم أمام المركز ، تكون بذلك أعطت موافقتها المسبقة ورضائها في قبول التحكيم خاصة أن المستثمر يعبر عن قبوله بتقديم طلب التحكيم استنادا إلى أن تقرير المديرين التنفيذيين يذهب إلى أن الاتفاقية لا تفرض أن يتم التراضي في عمل قانوني واحد لكي ينعقد الاختصاص.

والسؤال في هذه الحالة هل يكون هذا التحكيم تحكيما اختياريا أم تحكيما إلزاميا ؟ وإجابة هذا السؤال ستكون من خلال عرض القضية الخاصة بهضبة الأهرام والتي عرضت على المركز لمعرفة ما إذا كان التحكيم أمام المركز اختياري أم إلزامي .

- التحكيم بناء على تشريعات الاستثمار الوطني :

بناء على التقرير المقدم من المديرين التنفيذيين في البنك الدولي بشأن ضرورة الحصول على موافقة مسبقة من أطراف النزاع تفيد عرض موضوع النزاع على المركز الأمر الذي انتهى التقرير إلى أنه ليس من الضروري أن تكون هناك موافقة صريحة من الأطراف على اللجوء لهيئات تحكيم المركز واقترحوا بديلا عن تلك الموافقة إمكانية تعبير الدولة عن موافقتها مسبقا وذلك من خلال النص على هذا القبول في تشريعاتها الداخلية ، ويمكن للمستثمر أن يوافق على ذلك كتابة بمجرد تقديمه طلب التحكيم أمام المركز . ومنذ أن أبرمت اتفاقية واشنطن 1965 قامت العديد من الدول المشاركة في الاتفاقية بإدراج شرط التحكيم – القبـول السبق - في تشريعاتها الداخلية وسميت هذه التشريعات بقوانين الاستثمار تلك القوانين التي تسمح للمستثمر باللجوء إلى التحكيم أمام المركز ، وهذا ما استندت إليه الهيئات التحكيمية التابعة للمركز في التقرير باختصاصها بنظر النزاع.

من هذا الحكم يتبين أن هيئة التحكيم أعلنت اختصاصها بالفصل في هذه الدعوى على أساس تشريع الاستثمار المصرى ، ومن هذا المنطلق فقد فتح الباب على مصراعيه أمام المركز للتوسع في تغطية الحالات والقضايا التي جاءت خالية من اتفاق التحكيم بالمعنى التقليدي ، حيث أصبح المستثمر الأجنبي يتعامل مع النص التشريعي على أنه إيجاب صريح يقبله بمجرد التقدم بطلب أمام مركز تسوية منازعات الاستثمار.

- التحكيم بناء على اتفاقية الاستثمار :

تزايدت في الآونة الأخيرة إبرام اتفاقيات ثنائية للاستثمار ، فمعظم البلدان المضيفة تلجأ لهذه الاتفاقيات لاجتذاب الاستثمار الأجنبي ، في حين تقوم هذه البلدان الأخيرة بإبرام هذه الاتفاقيات بهدف توفير الحماية لاستثمارات مواطنيها في الخارج ، وجعل الإطار التنظيمي للاستثمار الأجنبي في الدولة المضيفة أكثر استقرارا ، فقد كانت هذه الاتفاقيات تنص في بدايتها على التحكيم كآلية لتسوية منازعات بين الدول الأطراف في الاتفاقية ، ولم تكن تشتمل نصوصها على تسوية النزاعات التي قد تنشأ بين إحدى الدولتين ومواطني الدولة الأخرى إلا أنه بعد توقيع اتفاقية واشنطن 1965 بدأت تكثر الإشارة في هذه الاتفاقيات إلى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار كجهة مختصة بالفصل في منازعات الاستثمار التي تنشأ بين الدول والمستثمر الأجنبي . ومما لا شك فيه أن هذا العدد المتزايد من اتفاقيات الاستثمار الثنائية وما ورد فيها من إمكانية التحكيم بموجب اتفاقية واشنطن 1965 أدى إلى توسع جزري في اختصاص المركز وذلك عن طريق السماح للمستثمرين باللجوء إلى تحكيم المركز الدولي لتسوية المنازعات دون حاجـة لوجـود أية علاقة تعاقدية ، وقد أظهرت زيادة الاتفاقيات الثانية والدوليه هذا العدد المتذايد حيث بلغ عدد تلك الاتفاقيات الى 3164 اتفاقية اعتبارا من عام ١٩٨٠ وحتى عام ٢٠١١ والرسم البياني يوضح هذا التطور المتزايد.

صفوة القول : أن جميع الدعاوى التي تم نظرها أمام مركز تسوية منازعات الاستثمار وطبقا لاتفاقية واشنطن 1965 استمدت اختصاصها من خلال ثلاث

مصادر هي :

(1)عقد الاستثمار المبرم بين الطرفين إذا ما تضمن شرط التحكيم.

(۲) التشريع الداخلي في الدولة المضيفة للاستثمار

(۳) اتفاقيات حماية الاستثمار التي تحيل المنازعات بين أطراف الاتفاقيـة إلى مركز تسوية المنازعات الدولية إعمالا لأحكام اتفاقية واشنطن 1965 . وهنا يطرح السؤال ثانيا : هل يعد التحكيم في ظل اتفاقيـة

واشنطن 1965 بمثابة تحكيم إلزامي ؟

وبناء عليه فإن التحكيم الإلزامي الذي أخذ المستثمرون يفرضونه ومعهم مراكز التحكيم الدولية هو التحكيم بين المستثمر والدولة المضيفة بناء على اتفاقيات حماية الاستثمار التي تتضمن نصوص تحيل الخلافات التي يمكن أن تنشأ بينهم إلى التحكيم حيث تنزع الاختصاص تلقائيا من المحاكم الوطنية للدول المضيفة في لو تعلق النزاع بالتأميم ، لذا فقد انقسم الفقه إلى اتجاهين

الاتجاه الثاني : هو الاتجاه المعارض لإلزامية التحكيم :

يرى أنصار هذا الاتجاه أن اعتماد هيئات تحكيم مركز تسوية المنازعات على الالتزام الصادر بالإرادة المنفردة للدولة والمدرج في التشريع الوطني أو اتفاقية ثانية في حالة لجوء المستثمر الأجنبي إليه اتجاه غير مقبول ، واستند أنصار هذا الرأى إلى أن هذا الاتجاه يتناقض صراحة مع نصوص الاتفاقية ذاتها ومع النظام الإجرائي للتحكيم أمام المركز ذلك لأن ديباجة الاتفاقية تتضمن قواعد تؤكد الحاجة إلى عقد تحكيمي وتبعد أي شبهة عن تفسيرها بأنها تحكيم إلزامي . خاصة وأن نص المادة ٢٥ من الاتفاقية نص صراحة على ضرورة اتفاق الأطراف في ونينة واحدة لعقد الاختصاص للمركز ، وبناء عليه لا يجب الخلط بين اتفاق التحكيم كتعبير عن إرادة الأطراف في اللجوء إلى المركز وبين تقديم طلب التحكيم كإجراء لازم تفـتـح بـه الدعوى التحكيمية والوثيقة التي تجسد هذا الرضـا . وبالتالي فإنه يجب على الكاتب العام للمركز أو محكمة التحكيم أن ترفض تسجيل الطلب أو التصريح بعدم الاختصاص في حالة عدم وجـود سـند يتضمن رضا صريح بين الطرفين باللجوء للمركز ، وإدعاء المركز بأن الدولة عبرت عن رضاها سفا في تشريعها الوطني أو بدخولها اتفاقية ثنائية مع دولة المستثمر ، وان مجرد تقديم المستثمر طلب للتحكيم أمام المركز هو إدعاء منتقد ذلك لأن هذا الرضا يجب أن يكون في تاريخ سابق لتاريخ رفع دعوى التحكيم هذا من ناحية.

ويتفق الباحث مع الاتجاه المعارض لإلزامية التحكيم ذلك لأن اتفاقيات حماية وتشجيع الاستثمار سواء كانت اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف وإن كانت تسمو في شكلها القانوني عن القانون الداخلي الذي قد يتضمن أحكاما تمنع الأشخاص العامة من اللجوء للتحكيم ويعطي الحق للأطراف فقط حق تسوية منازعاتهم عن طريق التحكيم بشرط وجود اتفاق صريح بين طرفي النزاع في اللجوء للتحكيم . الأمر الذي معه يرى الباحث ضـرورة الحفاظ على الطابع التعاقدي والرضائي للتحكيم على اعتبار أنه الأصل ، وأن أي إلزام لفرض التحكيم في مجال منازعات الاستثمار سيشكل خطرا حقيقي على مستقبل التحكيم كآلية لتسوية هذه المنازعات . ذلك لأن الظاهر من طريقة اختصاص المركز الدولي لنسوية منازعات الاستثمار في جلب لإختصاص بالمنازعات للمركز وضع تفرقة في وضع المتخاصمين ، حيث جعل التحيكم أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار الزامي للدول النامية اختياري للمستثمر.

الاختصاص الموضوعى للمركز

طبقا لنص المادة ١/٢٥ من اتفاقيـة واشنطن والتي تتطلـب شـرطين اساسيين لاختصاص المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار موضوعيا هما :

1 – أن يكون النزاع ذات طبيعة قانونية .

۲ – أن يكون النزاع مرتبط ارتباط مباشر ووثيق بالاستثمار.

فالالتزامات التي تقع على عاتق المستثمر من جهة والدولة من جهة أخرى يمكن أن تشكل موضوعا لنزاعات متعلقة بتفسير مضمون أو تنفيذ الالتزام ، أو إعادة النظر في هذه الالتزامات بسبب تغير الظروف ، أيضا يمكن أن ينشأ النزاع إذا ما لجأت الدولة المضيفة للاستثمار إلى عمليات التأميم أو نزع الملكية . ذلك لأن عقود الاستثمار عادة تكون عقود ذات آجال طويلة وترتبط بشكل وثيق بكيان الدولة المضيفة للاستثمار ومثال ذلك عقود استغلال الثروات الطبيعية . لهذا فإن المنازعات التي تنشأ عن عقود الاستثمار ترتبط عادة بتغير الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تصاحب نشأة العقد الأمر الذي يدعو إلى إعادة النظر فيها إذ قد تؤدى هذه الظروف إلى قيام الدولة المضيفة باتخاذ بعض الإجراءات أو اللجوء إلى أعمال نابعة من سلطة السيادة الأمر الذي تبنته اتفاقية واشنطن 1965 لمعرفة ما إذا كان خرق هذا الالتزام التعاقدي يرقى إلى درجة خرق الالتزامات الواردة في اتفاقية الاستثمار الثنائية . لذا سنتناول تحديد خرق الالتزام العقدي الناتج عن التغير في شروط العقد ثم المنازعات الناتجة عن التدابير الانفرادية للدولة.

أولا : قابلية النزاع للتحكيم الناتج عن التغير في شروط التعاقد :

عن العلاقة بين المستثمرين الأجانب إن غالبية المنازعات التي تنشأ والدولة المضيفة للاستثمار تكون إما بسبب وقوع أحـداث من شأنها المساس بالتوازن الاقتصادي للعقد كحالة القوة القاهرة ، أو بمناسبة المفاوضات التي تجرى بين الأطراف بسبب تغير ظروف التعاقد كالتأميم أو نزع الملكية المتخذة في حق المستثمر من هنا سنتناول حالات القوة القاهرة والظروف الطارئة ثم حالات التأميم ونزع الملكية من جانب الدولة المضيفة في حق المستثمر الأجنبي.

ثانيا : التحكيم والمنازعات الناتجة عن التدابير الانفرادية للدولة المضيفة:

قد تقدم الدولـة الطـرف في عقد الاستثمار على تأميم أو نزع ملكيـة المشروع محل عقد الاستثمار فهل تحول اعتبارات السيادة التي دفعت الدولة لاتخاذ هذا التدبير دون عقد الاختصاص لمحكمة التحكيم بالنظر في المنازعات الناشئة عنها؟ وهل يجوز لمحكمة التحكيم أن تبحث في البواعث التي دفعت الدولة الحصيفة لاتخاذ هذا الإجراء والحكم عند الاقتضاء بإلغائه.

 

ويلاحظ أن نص المادة ٢٥ من اتفاقية واشنطن يحدد اختصاص المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بالمنازعات ذات الطابع القانوني وقد خلت جميع نصوص الاتفاقية من تحديد ما هو المقصود بهذا النوع من المنازعات الأمر الذي فتح باب الاجتهاد لتفسير نوعية وماهية هذه المنازعات.

ومن الاجتهادات التي فسرت المنازعات ذات الطابع القانوني ، على أنه يتم استبعاد المنازعات المتصلة بالتأميم أو نزع الملكية التي تنصب حول مسألة غير التعويض ذلك لأن إجراء التأميم أو نزع الملكية يتمحور حول شقين هي شرعية الإجراء ، والتعويض المناسب ، فاختصاص المركز يتحـدد بالنظر إلى الجانب المتعمق بالتعويض فقط ذلك لأن المنازعة في التعويض هي منازعة قانونية تتصل باختصاص المركز طبقا لنص المادة ٢٥ من الاتفاقية.

ويختلف مفهوم نزع الملكية في مجال منازعات الاستثمار عن مفهومه في القوانين الداخلية ، فمعظم الاتفاقيات الثنائية للاستثمار تتوسع في تحديد مفهوم نزع الملكية حيث يشمل كل إجراء أو مجموعة إجراءات يكون لها تأثير يعادل نزع الملكية المباشر دون مصادرة فعليـة ومـن أبرز هذه القضايا التي أكدت فيها المحاكم التحكيمية هذا المفهوم الواسع لنزع الملكية قضية Egoth الحكومة المصرية ضد Wena Hotels Limited (۱)

يتلخص موضوع هذه الدعوى أن هناك عدة اتفاقيات استثمارية تم إبرامها بين شركة Wena Hotels Limited وشركة الفنادق المصرية حيث كان أحد هذه الاتفاقيات بتاريخ 8 أغسطس ١٩٨٩ وكان هذا الاتفاق يسمى (اتفاق التأجير والتنمية ) مدته (٢١ سنة ) تعهدت فيه شركة Wena بأن تدير فندق الأقصر للحسابها بالكامل خلال فترة التأجير ، لكي تنمى وترفع الطاقة الإدارية ومستوى الفندق إلى درجة الخمس نجوم وقد نص في الاتفاق على أن شركة Egoth · مؤسسة تابعة للدولة " لا تتدخل في إدارة الفندق أو تتدخل في تمتع الشركة البريطانية Wena بهذا التأجير ، وأن المنازعات بين الطرفين تسوى عن طريق التحكيم . ثم جاء الاتفاق الثاني لشركة Wena في أكتوبر ١٩٨٩ والذي باقتضاه تم التوقيع بينها وبين الشركة المصرية ووزارة السياحة المصرية على التفاق بشأن قيام الشركة البريطانية Wena بتدريب المصريين في المملكة المتحدة في المهارات الخاصة بإدارة الفنادق ، وأيضا قامت الشركة البريطانية في ٢٨ بنابر ۱۹۹۰ بتوقيع اتفاق ثالث مماثل للاتفاق الأول مع شركة ايجوث Egoth المدة ٢٥ عام يتعلق بفندق النيل هيلتون بالقاهرة .

وبعد توقيع هذه الاتفاقات نشأت المنازعات بين الطرفين حول التزامات كلا منهما ، فادعت شركة Wena أنها وجدت حالة الفنادق أدنى بكثير مما نص عليه عقد الإيجار ، وبعد مفاوضات فاشلة لتسوية النزاع لـجـات مصـر إلـى الاستيلاء على الفندقين بالقوة " الأقصر والنيل هيلتون " . وفي ۱۹۹۸/۷/۱۰ طلبت شركة Wena من المركز الدولي لتسوية المنازعات التحكيم في النزاع ضد  حول ما أسمته الشركة البريطانية قيام الشركة المصرية بنزع ملكية أموالها ، وعجزت الحكومة المصرية عن توفير الحماية الكاملة لاستثمارات الشركة مما أدى إلى خسائر فادحة لحقت بالشركة البريطانية Wena وطالبت بوضع حد نهائي لهذا الاستثمار ، وطلبت Wena أن تعلن مصر بأنها انتهكت الاتفاقية المصرية البريطانيـة للاستثمار وكذلك القانون الدولي عـن طـريـق نـزع ملكيـة الاستثمار دون أن تقدم تعويض فوري وعادل وفعال لجبر هذه الأضرار . وكانت الحكومة المصرية قد تقدمت بخمس اعتراضات الأول : عدم وجود

موافقة مسبقة على تسوية النزاع بطريق التحكيم أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار . ثانيا : عدم اختصاص محكمة التحكيم بالمركز بنظر النزاع ذلك لأنه يجب معاملة الشركة المدعية Wena باعتبارها شركة مصرية لأن أغلب المساهمين فيها يحملون الجنسية المصرية وذلك وفقا لنص المادة 8 من القانون 43 لسنة ١٩٧٤ بشـأن تشجيع وحمايـة الاستثمار . ثالثا : دفعت الحكومة المصرية بعدم تعلـق النزاع بالاستثمار ، ذلك لأن شركة Wena لـم تـقـم بـای استثمار في مصر، والاعتراض الرابع : يتعلق بعدم امتثال الشركة المدعية لنص المادة 1/8 من القانون 43 لسنة ١٩٧٤ بضرورة مرور ثلاث أشهر عقب محاولة التسوية وفقا للوسائل المتاحة في الدولة المضيفة للاستثمار قبـل تقـديم طلب التحكيم أمام المركز ، والاعتراض الأخير : يتعلق بعدم قانونية النزاع ذلك لأن الحكومة المصرية لم تكن طـرف في النزاع وأن الأطراف الحقيقيين للنزاع هما شركة الفنادق المصرية Egoth وشركة Wena Hotels Limited

إلا أنه يبحث المركز اعتراضات الحكومة المصرية تبين أنه ردا على الاعتراض الأول : فقد قررت محكمة تحكيم المركز موافقة الحكومة المصرية لتسوية المنازعة بطريق التحكيم في إطار المركـز الـدولي لتسوية منازعات

الاستثمار متوفرة . وذلك من خلال ورود هذه الوسيلة للتسوية في اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار المبرمة بين جمهورية مصر العربيـة وبين المملكة المتحدة وأيرلندا الشمالية عام 1975 ، حيث تضمنت الاتفاقية موافقة عامة على تسوية منازعات الاستثمار التي تثور بين هذه الدولة ومواطني الدول الأخرى المنضمة للاتفاقية بطريق التحكيم أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار . وردت على الاعتراض الثاني : أن نص المادة 1/8 من اتفاقية تشجيع وحمايـة الاستثمار تطبق فقط على الشركة التي تحمل جنسية الدولة الطرف الثاني في النزاع والطرف الثاني في الاتفاقية وأن أغلبية المساهمين فيها يتمتعون بجنسية دولة أخرى طرف في هذه الاتفاقية على أساس أنه نزاع بين دولة طرف في هذه الاتفاقية ومواطن تابع لدولة أخرى طرف في هذه الاتفاقية كذلك . أما الاعتراض الثالث : فقد ردت عليه بأن الشركة البريطانية Wena قد تكبدت نفقات كبيرة التطوير وتحديث الفنادق وهذا يعد استثمار وفقا لنصوص اتفاقية واشنطن لتسوية المنازعات .. وبالنسبة للاعتـراض الرابع : قامت الحكومـة المصرية بسحبه لاختصار الوقت .. وردا على الاعتراض الخامس : فقد قررت الشركة المدعية Wena أنها أمام نزاعين الأول مع شركة الفنادق المصرية Egoth لمخالفتها الاتفاق المبرم معها ، والثاني مع الحكومة المصرية لقيامها بمصادرة استثماراتها لى مصر دون تعويض فضلا عن عدم توفير الحماية اللازمة لهذه الاستثمارات لذا قررت محكمة التحكيم بالمركز اختصاصها بنظر النزاع لأن هناك نزاع قانوني بين الحكومة المصرية والشركة المدعية Wena على اعتبار أن الأولى ساعدت على مصادرة ممتلكات الثانية أو على الأقل لم تمنع ذلك وهو ما يترتب طيه وجود نزاع قانوني بين الطرفين .

وبناء على ذلك صدر حكم التحكيم في هذا النزاع بتاريخ ۲۰۰۰/۱۲/۸ بإلزام الحكومة المصرية بتعويض الشركة المدعية Wena بمبلغ ۲۱,۰۰۰,۰۰۰ دولار أمريكي ( فقط واحد وعشرون مليون دولار أمريكي ) واجب الدفع خلال 30 يوم من تاريخ صدور الحكم.

والحقيقة أن تكييـف الهيئـة التحكيميـة للانتهاكات المنسوبة للحكومـة المصرية على أنها نزع ملكية ، تكييف غير صحيح وفي غير محله . إذ لا يمكن القول بأن عدم تنفيذ العقد المتعلق بتأجير الفندقين يعد نزع للملكية ، ذلك لأن التكييف القانوني في إعاقة المؤجر للمستأجر في التمتع بمزايا التأجير يعد انتهاك لعقد الإيجار وليس نزع لملكية الاستثمار .

أولا : العلاقة المباشرة بين النزاع والاستثمار:

الأصل أن النزاع الذي يعرض على المركز هو النزاع الذي يرتبط بعلاقة مباشرة بالاستثمارات وبناء عليه فإنه يستبعد باقي النزاعات الأخرى التي تقوم بين الأفراد والـدول من دائرة اختصاص المركز لأن اتفاقيـة واشنطن ١٩٦٥ تهدف أساسا إلى تشجيع وضمان الاستثمارات الأجنبيـة الخاصـة فـي الـدول النامية . ويلاحظ أن عدم وضوح المقصود " بالعلاقة المباشرة بين النزاع والاستثمار " قد يدفع المستثمرين الأجانب إلى رفع دعاوى تحكيم ضد الدولة المضيفة بسبب ممارسة هذه الأخيرة لسلطاتها التشريعية في إطار سيادتها ، فمثلا التشريعات الضريبية أو القيود التي تفرضها الدول على تحويل الأموال أو القوانين الاجتماعية الصادرة لصالح العمال قد تؤثر بشكل مباشر على وضعية الاستثمارات الأجنبية الموجودة فوق أقليم الدولة ، والسؤال الذي يطرح على بساط هذا البحث هو : هل النزاعات التي نتشا الأخرى يختص بها المركز أم لا ؟؟

فتقدير هذه المسألة يجد صداه في نص المادة (41) من الاتفاقية وهي التي تعطى للمحكمة سلطة البت في حدود اختصاصها.

جاءت اتفاقية واشنطن 1965 خالية من تحديد المقصود من مصطلح " استثمار " ويرجع السبب إلى ذلك أن عمليات وعقود الاستثمار في تطور مستمر ، الأمر الذي دفع واضعي الاتفاقية من الامتناع عن وضع تعريف محدد لهذا خاصة وأن المادة ٤/٢٥ تنص على أنه : " يجوز لأى دولة متعاقدة أثنـاء التصديق على هذه الاتفاقية أو قبولها أو إقرارها ، أو في أي وقت لاحق أن تخطر المركز بأنواع المنازعات التي ترغب في إخضاعها أو عدم إخضاعها للمركز ويقوم الكاتب العام بإبلاغ هذا الإخطار في الحين لجميع الدول المتعاقدة .

وعلى مستوى القانون الدولي الاتفاقي فإن اتفاقيات حماية وتشجيع الاستثمار لم تعطى تعريفا دقيقا وشاملا لمفهوم الاستثمار ولكنها تكتفى بتعداد ما يندرج ضمن الاستثمار من عمليات يتم سردها على سبيل المثال فقط . ويرجع عدم تحديد مصطلح الاستثمار في اتفاقيـة واشنطن 1965 لتفادي تضييق نطـاق تطبيقها وتلاقيا لنزاعات لا طائل منها حول اختصاص المركز خاصة أن هيئات التحكيم في المركز هي التي تحدد ما إذا كان النزاع المعروض متعلقا باستثمار من عدمه ، وتعد قضية Fedax  ضد فنزويلا أول قضية يثور بشأنها نزاع جدى حول تحديد مفهوم الاستثمار طبقا لنص المادة ٢٥ من اتفاقية واشنطن حيث كان موضوع النزاع هو متعلق بإذن الخزينة Credit note الصادر من دولة فنزويلا لصالح شركة محلية بعد استثمارا إذا كان قد تم تظهيره إلى طرف أجنبي في معاملة جرت خارج فنزويلا ، ولم تسدد قيمة هذا الأذن داخلها .

وقد ذهبت محكمة التحكيم في هذه الدعوى إلى أنه أخذا في الاعتبار أن الهدف الأساسي والأولى الذي تسعى إليه اتفاقية واشنطن 1965 هو تشجيع التقدم الاقتصادي ، وما دام الغرض من إصدار أذونات الخزانة هو تمويل خزينة الدولة ، فإن المعاملة محل النزاع تعد استثمارا ، بالرغم أن الحكومة الفنزويلية - المدعى عليها - دفعت أمام محكمة التحكيم بعدم اختصاص المركز الدولي النشوية منازعات الاستثمار بنظر النزاع ذلك لأن نزاعها مع شركة .Fedax .N.V لم يكن ناشنا مباشرة عن استثمار ولا يمكن اعتبار الشركة المدعية قامت باستثمار لمجرد امتلاكها سندات مالية تمثل ديون صادرة عن حكومة فنزويلا بمناسبة عقد أبرم مع Venezuelan Corporation Industries Metalutgicas van Dan C، وعليه فإن مجرد حصول شركة .Fedax. N. V على هذه السندات المالية لا يمكن اعتباره استثمارا ، كما استندت حكومة فنزويلا إلى نص المادة ١/٢٥ من اتفاقية واشنطن لتسوية منازعات الاستثمار التي اشترطت صراحة أن يكون النزاع ناشنا مباشرة عن استثمار.

فضلا عن أن الهيئة العامة للمشروعات الصناعية والمناجم لم تقم بصرف أي ضمانات وبالتالي فالحكومة المصرية لم تستفيد منها ، وأضافت مصر أن الهيئة تدير المشروع منذ أربع عقود وأن دور الشركة البريطانية ينحصر في توريد المعدات شأنها في ذلك شأن أي بائع وقد قبلت هيئة التحكيم الدفع المبدى من الحكومة المصرية بعدم الاختصاص استنادا إلى :

(1) أن الضمانات المصرفية لا يمكن اعتبارها استثمار سواء بموجب اتفاقيـة واشنطن 1965 أو اتفاقية الاستثمار الثنائية ، ورفضت هيئة التحكيم إدعاء شركة Joy بأن الضمانات المصرفية تشكل أصلا وتعتبر بالتالي استثمار وفقا للمادة الأولى من اتفاقية الاستثمار الثنائية . وقد أوضحت هيئة التحكيم ردا على الدفع المبدى من Joy أن الضمانات المصرفية هي مجرد دين احتمالی استحقاقه معلق على شرط غير محقق الوقوع والدين الاحتمالي لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتباره من الأصول الاستثمارية مهما توسعت المعاهدات في تعريف الاستثمار

 (2) ان عدم تضمين اتفاقية واشنطن تعريفا لمفهوم الاستثمار لا يعني أن أي شئ يتفق عليه الأطراف يمكن اعتباره استثمار وفقا للاتفاقية الأمر الذي معه توجد حدود لحرية الأطراف في تعريف الاستثمار حال رغبتهم في اللجوء للمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار وبالتالي لاعتبار النشاط بمثابة استثمار طبقا لنص المادة ٢٥ من معاهدة واشنطن واتفاقية الاستثمار الثنائية لابد أن يمتد المشروع عبر فترة زمنية معينة وأن يحقق ربحا وعائدا دوريا مع توافر عنصر المخاطرة وأخيرا يساهم المشروع أو النشاط مساهمة ذات أهمية في تقدم الدول المضيفة للاستثمار .

ويتطبيق هذه المعاير على موضوع النزاع يتبين أنه عقد توريد معدات ومن المستحيل أن يتحول معه هذا العقد إلى عقد من عقود الاستثمار - هذا من ناحية - ومن ناحية أخرى فإن جميع بنود العقد بنود تجارية بما في ذلك الضمانات البنكية ، وأخيرا أن مدة العقد ليست طويلة بالقدر الكافي لاعتباره استثمار وین کد لك سداد كامل النمس في مرحلة مبكرة.

خصوصية أحكام تنفيذ حكم التحكيم الصادر من الإكسيد ICSID

تضمنت اتفاقية واشنطن 1965 مجموعة من المواد التي تعد على درجة كبيرة من الأهمية في مجال تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وفي مقدمة هذه المواد المادة (1/54) (1) التي تنص على أنه : " تعترف كل دولة متعاقدة بالحكم الذي صدر بناء على هذه الاتفاقية وتضمن تنفيذ الالتزامات المالية التي يفرضها الحكم كما لو كان حكما نهائيا صادرا عن محكمة محلية ... " ويعد هذا النص - من وجهة نظر الباحث – من أهم نصوص هذه الاتفاقية ، حيث أنه شمل حكم التحكيم الأجنبي بميزة النفاذ المباشر داخل دولة التنفيذ دون حاجة إلى فرض رقابة قضائية عليه ، ويعد هذا تطورا غير مسبوق أنت به هذه الاتفاقية مقارنة بغيرها

من الاتفاقيات المنظمة لمسائل التحكيم . ويرجع السبب في ذلك إلى أن هذه الاتفاقية تضمنت نظام المراجعة الداخلية وفقا لنص المادة (٥٢) من الاتفاقية  . إذا توافرت إحدى الحالات التي حددتها هذه المادة فيجوز لأي من الطرفين أن يتقدم بطلب كتابي إلى السكرتير.

العام لمركز تسوية المنازعات لإلغاء هذا الحكم دون حاجة إلى اللجوء إلى القضاء الوطني لفرض رقابته على هذه المسائل .

كما خطت اتفاقية واشنطن خطوات هامة في مجال إلزامية حكم التحكيم وهو ما نص عليه صراحة في المادة (1/53) من الاتفاقية  والتي اعتبرت أن حكم التحكيم ملزما للطرفين وغير قابل للاستئناف باي طريقة باستثناء ما نص عليه في المادة (٥٢) من الاتفاقية ، وبناء على ذلك على الأطراف تنفيذ الحكم طبقا لشروطه إلا في حالة وقف تنفيذ الحكم طبقا لأحكام الاتفاقية ، ومن خلال هذه الضمانة المقدمة في اتفاقية واشنطن.

عدم الحاجة إلى وضع صيغة تنفيذية على الحكم الصادر من المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار".I.C.S.I.D"

إذا كان الهدف من إجراءات التحكيم أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار وفقا لاتفاقية واشنطن 1965 هو الوصول إلى حكم تحكيمي دولي له الصيغة النهائية الملزمة التي تميزه عن غيره من الأحكام التحكيمية التي تصدر في منازعات التجارة الدولية الصادرة عن مراكز التحكيم الأخرى سواء من حيث الطعون التي يمكن ممارستها ضد الحكم أو الجهة المختصة بالبت في ذلك أو من حيث الآثار التي يرتبها على مستوى التنفيذ .. لذا فإعمالا لأحكام اتفاقية واشنطن إذا صدر الحكم التحكيمي فإنه يصبح واجب التنفيذ ، وللوصول لهذه النتيجة لابد من إقرار جميع الوسائل الكفيلة بضمان احترام الحكـم مـن جانب الطرفين المتنازعين لذا تضمنت الاتفاقية مجموعة من القواعد الملزمة لكل دولة متعاقدة سواء كانت طرف في التحكيم أم لا ، مما يعطى للحكم التحكيمي الصادر في نزاع الاستثمار وضعية امتيازيه خاصة بالمقارنة مع أحكام التحكيم التي تصدر في منازعات ذات طبيعة أخرى .

وقد فرقت محكمة استئناف باريس بين الاعتراف بالحكم وبين إجراءات التنفيذ قرأت المحكمة أن المادة 54 من اتفاقية واشنطن 1965 في فقرتها الثانية تهدف إلى تسهيل الاعتراف بحكم التحكيم الصادر عن المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار وأن الدول المتعاقدة في الاتفاقية التي تتولى الاعتراف بهذا الحكم يجب ألا تتعدى فحص الحكم والتأكد فقط من كونه مصدقا عليه من الكاتب العام بالمركز . وبناء عليه فإن مناقشة مسألة التنفيذ على أموال الدولة الطرف في المنازعة تخرج عن مرحلة الاعتراف بالحكم ، لتدخل ضمن مسألة إجراءات التنفيذ التي تخضع للقوانين الداخلية للدولة التي ينفذ فيها الحكم ، وإعمالا لنصوص اتقافية واشنطن فإن المقتضيات الخاصة بتنفيذ الحكم التحكيمي يقتصر فقط على الدول المتعاقدة المنضمة إلى هذه المعاهدة ، ومن ثم إذا كان التنفيذ سيتم على إقليم دولة أخرى غير عضو في الاتفاقية فإنه لا مناص من اللجوء لاتفاقية نيويورك ١٩٥٨ إذا كانت هذه الدول قد صادقت عليها ، وبناء على ذلك فإن حكم التحكيم الصادر عن المركز ويتم تنفيذه في إقليم دولة غير عضو في الاتفاقية يجوز رفض الاعتراف به استنادا إلى أحد الأسباب المنصوص عليها في المادة الخامسة من اتفاقية نيويورك وعلى رأسها مخالفة الحكم للنظام العام في بلد التقيد.

والغرض من عدم فرض اتفاقية واشنطن 1965 صيغة خاصة لتنفيذ الحكم التحكيمي الصادر عن المركز أنه نظرا لاختلاف الأنظمة القانونية الداخلية في الدول المشاركة في الاتفاقية ، فقد أحالت الاتفاقية إلى نص المادة 3/54 منها على أنه تكتفي بالإحالة إلى القواعد القانونية التي تحكم تنفيذ الأحكـام القضائية في الدولة المطلوب التنفيذ على إقليمها . وهنا يثور التساؤل حول مدى إمكانية مراجعة حكم التحكيم الصادر تحت إشراف المركز من طرف المحاكم الداخلية لإحدى الدول المتعاقدة ؟

الحقيقة أن هذا السؤال لا يستقيم مع صراحة نص المادة 54 من الاتفاقية التي تلزم الدول المتعاقدة بمعاملة الحكم التحكيمي معاملة الحكم النهائي الصادر عن محاكمها ، ثم أن الدولة التي تستفيد من هذه الوضعية معفاة من أي مسئولية على الصعيد الدولي ، فقد أجازت الاتفاقية للدول التي يتبعها المستثمر إضفاء حمايتها الدبلوماسية عليه أو تقديم مطالبه دولية بشأنه في حالة عدم احترام إحدى الدول المتعاقدة لحكم التحكيم الصادر بينها وبين المستثمر ، كما يمكن لدولة المستثمر رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية التي تتمتع بسلطة الفصل في النزاعات التي تنشأ بين الدول المتعاقدة حول تفسير أو تطبيق الاتفاقيـة

. بالإضافة إلى التسهيلات القانونية الأخرى الواردة في الاتفاقية ، فإن البنك الدولي يتمتع بسلطة مادية ومعنوية واسعة لإجبار الطرف المحكوم عليه على تنفيذ الالتزامات التي يفرضها الحكم ، فهو من جهة يستطيع تقديم خدمات مالية للدولة المحكوم عليها من خلال عقد قرض لمساعدتها على تنفيذ الحكم ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن الدولة التي تمتنع عن تنفيذ الحكم قد تتعرض لعقوبات ذات طابع إقتصادي من جانب البنك الدولي.

أحكام إيداع حكم التحكيم الصادر من المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار( الإكسيد ) في الدولة المراد التنفيذ بها

تعتبر مسألة تنظيم إجراءات التحكيم من أهم المشاكل التي تواجه قضاء الحكيم بصورة عامة ، ذلك لأن أتفاق أطراف التحكيم على العملية التحكيمية لا يتضمن بصورة تفصيلية جميع الجوانب المتعلقة بسير التحكيم وكيفية تنفيذ الحكم التحكيمي ، ويرجع السبب في ذلك إلى أن طرفي التحكيم لا يولون اهتماما كبيرا شرط التحكيم المدرج في العقد " التصرف القانوني " لأن كل ما يهم الطرفين قال المفاوضات السابقة على التعاقد هو حصول كلا منهما على ثقة الجانب الآخر فضلا عن عدم المناقشة في أمور قد تثير الحساسية الأمر الذي يكتفي معه طرفي الاتفاق على تضمين العقـد " التصرف القانوني " قواعد مختصرة خاصـة بـالإجراءات ، ولكن بمجرد أن ينشب نزاع بين الجانبين تظهر أهمية المسائل المتعلقة بالتنظيم الإجرائي للتحكيم.

والحقيقة أن اتفاقية واشنطن 1965 قد عالجت هذه المسألة وبصرامة ، شارغم أن التحكيم يقوم أساسا على مبدأ الرضائية الذي يحول أطراف العملية التحكيمية قدرا كبيرا من الحرية فيما يتعلق بتشكيل محكمة التحكيم والإجراءات في تطبق أمامها . فإن عدم أتفاق الأطراف على هذه المسائل أو عدم رغبة حدهما في التعاون في إجراءات العملية التحكيمية لا يؤدى إلى عرقلتها ، ومن ثم صبح أنظمة المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار هي الواجبة التطبيق على النزاع  ، فضلا على تضمين اتفاقية واشنطن نصوص أمرة واجبة التطبيق ذلك هما الوسيلة الغنية الأساسية لتسوية النزاع عن طريق حكم تحكيمي يصدر بناء على  هذه الإجراءات بعيدا عن تدخل أي قانون وطني . ويرجع السبب في ذلك أن الاتفاقية تسعى أساسا إلى إنشاء نوع من الأحكام التحكيمية التي تتمتع باستقلال كامل يحول دون مراقبتها من طرف المحاكم الداخلية . فالحكم التحكيمي الصادر المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار له نظامه الخاص الذي يختلف عن التحكيمية التي تصدر في منازعات التجارة الدولية خارج نطاق هذا المركز.

ذلك لأن حكم التحكيم الصادر عن المركز يجرده من أي رقابة قضائية داخلية في دولة التنفيذ سواء كانت هذه الرقابة عن طريق الطعن في الحكم أو أثناء طلب التنفيذ

ويصدر الحكم التحكيمي الصادر عن المركز بمجرد توقيع الحكم من آخر محكم ثم يقوم الكاتب العام للمركز بإثبات صحة النص الأصلي للحكم وإبداعه ضمن محفوظات المركز ، كما يرسل نسخه مطابقة للأصل لكل طرف من أطراف التحكيم ويعتبر تاريخ إرسال هذه النسخة بمثابة صدور الحكم . والواقع أن الكاتب العام للمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار لا يمارس أيـة رقابة شكلية أو موضوعية على الحكم التحكيمي وهذا عكس ما يقضى به نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس ، الذي يوجب على هيئة التحكيم قبل توقيع أي حكـم جزئي أو نهائي " أن يعرض مشروع هذا الحكم على المحكمة الدولية بالغرفة . ولهذه الأخيرة الحق في أن تقضى بإدخال تعديلات سواء من حيث الشكل أو الموضوع ، ولا يجوز إصدار أي حكم دون أن تقره المحكمة الدوليـة مـن حيـث الشكل.

وبإنزال ما سبق على أحكام التحكيم الصادرة من المركز الدولي النسوية منازعات الاستثمار يتبين أنه يتم تنفيذ الحكم الصادر عن المركز في مواجهة الدولة أو الشخص العام التابع لها ، كما يمكن تنفيذه ضد المستثمر الخاص الأجنبي ، ولكن قد يعترض التنفيذ بعض الصعوبات بسبب الحصانة ضد التنفيذ التي تتمتع بها الدولة خاصة إذا كانت غير مشاركة في اتفاقية واشنطن فهنا يتم التنفيذ وفقا لاتفاقية نيويورك ١٩٥٨ ... لذا فقد تضمنت اتفاقية واشنطن 1965 عدة أحكام لتسهيل تنفيذ حكم التحكيم الصادر عن المركز ، دون النص على إبداع أحكامها لدى جهة معينة للحصول على استصدار الأمر بالتنفيذ - فطبقا لنص المادة 53 من اتفاقية واشنطن " يعتبر الحكم ملزما للطرفين ولا يكون قابلا للاستئناف أو أي طريق من طرق الطعن باستثناء ما هو منصوص عليه في الاتفاقية . حيث نصت المادة (51) من الاتفاقية على أنه : " لأى من الطرفين تقديم طلب لإعادة النظر في الحكم التحكيمي بسبب اكتشاف واقعة من شأنها التأثير على الحكم تأثيرا حاسما إلا أنه يشترط في هذه الواقعة أن تكون سببا صحيحا لطلب إعادة النظر وأن تكون مجهولة من طرف المحكمة ، وطالب إعادة النظر قبل صدور الحكم ، وألا يكون جهل طالب إعادة النظر راجعا إلى خطأ أو إهمال منه "

ومن هنا يتضح أن فكرة تحرر حكم التحكيم الصادر عن المركز من رقابة القوانين والمحاكم الوطنية هو الذي دفع واضعى اتفاقية واشنطن إلى تنظيم طرق الطعن في الحكم التحكيمي تحت إشراف المركز الدولي لتسوية المنازعات ، وهذا من شأنه أن يعزز سلطة الحكم التحكيمي فيما بعد فرق إقليم الدول المتعاقدة والحيلولة دون الوقوف في وجه تنفيذه عن طريق إجراءات تشريعية أو قضائية . ويترتب على ذلك أن محاكم الدولة ملزمة بمعاملة الحكم التحكيمي عن المركز كحكم نهائي صادر عن قضائها الوطني ويتم تنفيذه بنفس الطريقة التي تنفذ بها الأحكام القضائية الوطنية.