الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / الاتفاقيات الدولية والإقليمية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / تنفيذ أحكام التحكيم التجارية الأجنبية في القانون العراقي / المعاهدات الدولية الناظمة لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية

  • الاسم

    هات محيي الدين يوسف اليوسفي
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة الدول العربية - معهد البحوث والدراسات العربية
  • عدد الصفحات

    198
  • رقم الصفحة

    111

التفاصيل طباعة نسخ

لقد تسارعت خطى المجتمع الدولي لإبرام اتفاقيات دولية عديدة تعنى بتنظيم مسائل التحكيم التجاري وعلى رأسها مسألة تنفيذ الأحكام، وتأتي في مقدمة هـذه المعاهدات برتوكول واتفاقية جنيف، واتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام التحكيم واتفاقية واشنطن.

بعد بروتوكول جنيف من أقدم المحاولات التي قام بها المجتمع الدولي مـن أجل تنظيم مسائل التحكيم التجاري الدولي، حيث أبرم بروتوكول جنيف – الخاص بشروط التحكيم - بإشراف من عصبة الأمم المتحدة في 24 أيلول – 1923، وقد صادقت عليه 53 دولة، ويتكون بروتوكول جنيف من ثمانية مواد، ما يهمنا مـن هذه المواد هو نص المادة الثالثة والتي ألزمت الدولة التي يطلب فيها تنفيذ الحكـم إذا كان هذا الحكم قد صدر في دولة طرف فيها، كما أن هذه المادة قد وضعت مجموعة من الشروط لتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي ، أما المـادة الثانيـة مـن الاتفاقية قد حددت مجموعة من الحالات التي يجوز فيها لقاضي التنفيذ رفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي.

اتفاقية جنيف لسنة 1927 م بشأن تنفيذ أحكام التحكيم

لقد لاحظت عصبة الأمم المتحدة بأن ما أعدته من قواعد فـي بروتوكول جنيف يحتاج إلى قواعد مكملة له مما دعاها إلى إبرام اتفاقية جنيف لتنفيذ أحكـم التحكيم الأجنبية وذلك في (26 – أيلول – 1927)، حيث جاءت هذه الاتفاقيـة لتلافي أوجه النقص والقصور التي اعترت برتوكول جنيف، وبالتالي فأنها تمثـل تطورا كبيرا مقارنة بهذا البروتوكول، حيث ينسب لهذه الاتفاقية فضل السبق فـي محاولة إيجاد الحلول المناسبة لمشكلة تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية. وقد انضمت إلى هذه الاتفاقية 24 دولة وهي أقل بكثير من عدد الدول التـي انـضمت إلـى بروتوكول جنيف 1923م.

وتتكون اتفاقية جنيف من إحدى عشرة مادة، وما يهمنا من نصوص هذه الاتفاقية بالمقام الأول هو نص المادة الأولى والتي ألزمت كل دولة مـن الـدول المتعاقدة بأن تعترف بحجية أحكام التحكيم الصادرة بناء على شرط أو مشارطة تحكيم وتقوم بتنفيذها طبقا للإجراءات المتبعة فيها وتجدر الإشارة إلى أن كلا من بروتوكول واتفاقية جنيف قد أوقف العمل بهما بموجب أحكام اتفاقيـة نيويورك لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية لعام 1958م بالنسبة للدول التي انضمت إلى اتفاقيـة نيويورك وكانت أطرافا في بروتوكول أو اتفاقية جنيف، حيث نصت المادة (2/7) من اتفاقية نيويورك على أنه يقف سريان أحكم برتوكول جنيف سنة 1923 بشأن شروط التحكيم واتفاقية جنيف سنة 1927 الخاصة بتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية من الدول المتعاقدة ابتداء من اليوم الذي تصبح فيه تلـك الـدول مرتبطـة يهذه الاتفاقية وبقدر ارتباطها".

اتفاقية نيويورك لسنة 1958 بشأن تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية

استجابة للتطور الكبير الذي شهدته التجارة الدولية في مرح ما بعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت الحاجة الماسة والملحة إلى إيجاد نظام التحكيم التجـاري الدولي يكون أكثر ملائمة لاستيعاب هذه التطورات، ويكون متماشيا ومتطلبـات التجارة الدولية وحل بعض مشاكلها المعقدة، ومن بينها مشكلة تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، وذلك نظرا لمحدودية وقصور أحكام بروتوكول واتفاقية جنيف، فكـان لابد من إيجاد قواعد دولية جديدة تنظم مسألة تنفيذ أحكام التحكيم الأجنية، لذا أعدت الغرفة التجارية الدولية (ICC) مشروعا اقرته في مؤتمرها الرابع عشر والذي عقد في فيينا عام 1953م وفي فترة لاحقـة قـام المجلـس الاقـصـادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة بتبني هذا المشروع للمناقشة، وفي عام 1958 قرر المجلس عقد مؤتمر دولي للنظر في إقرار اتفاقية جديدة للاعتراف بأحكـام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، حيث عقد هذا المؤتمر في 20 - مارس - 1958 في مدينة نيويورك والتي حملت الاتفاقية اسمها، وبعد مناقشة دامت عشرين يوما تمخض هذا المؤتمر عن التوقيع علي اتفاقية نيويورك في 10 – يونيو – 1958، وأصبحت نافذة في 8 – يونيو – 1959، وقد انضمت الأردن (۱۳۹) . لهذه الاتفاقيـة في 15 – تشرين الثاني - 1979، 

هذا وتنص الفقرة الأولى من المادة الأولى من اتفاقية نيويورك (١٠ يونيـو ١٩٥٨) (١٤٢)، على أن: "تطبق هذه الاتفاقية على الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكــم الصادرة في إقليم دولة غير التي يطلب الاعتراف والتنفيذ على إقليمهـا.... كمـا تطبق أيضا على أحكام التحكيم التي لا تعتبر وطنية في الدولـة المطلوب فيهـا الاعتراف وتنفيذ هذه الأحكام".

ويتبين لنا من هذا النص أن أحكام التحكيم الأجنبية التـي عنيـت الاتفاقيـة بتنظيم الاعتراف بها وتنفيذها هي تلك الأحكام الصادرة في دولة أخرى غير تلك المراد الاعتراف بالحكم أو تنفيذه على إقليمها.

إلا أنه ينبغي أن لا نفرط في التفاؤل حول التأثير الذي يمكن أن يحدثه هـذا المعيار الواسع والذي يوحي بالخروج من إطار الفكرة التقليدية الخاصة بنسبية أثر

الاتفاقية الدولية وكونها أداة لتنظيم العلاقات بين أطرافها فحسب.

ومبعث عدم التفاؤل هذا ما ذهبت إليه الفقرة الثالثة من المادة الأولـى مـن اتفاقية نيويورك من الاعتراف بحق "كل دولة عنـد التوقيـع علـى الاتفاقيـة أو 

التصديق عليها أو الانضمام إليها أو الإخطار بامتداد تطبيقها عملا بنص المـادة العاشرة أن تصرح على أساس المعاملة بالمثل أنها ستطبق الاتفاقية فقـط علـى الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الصادرة على إقليم دولة أخرى متعاقدة. وهكذا فقد أفصحت الاتفاقية المجال أمام الدول الأطراف فيها أن تقصر مجال أعمالها على الأحكام الصادرة في دولة متعاقدة، أي منحت الدول الأطراف الحـق في التحفظ، سواء عند التوقيع على الاتفاقية أو عند التصديق عليها أو الانضمام إليها أو الإخطار بامتداد تطبيقها إليها، وعلى أساس المعاملة بالمثل، بأنها لن تطبق هذه الاتفاقية إلا على الأحكام التحكيمية الصادرة في دولة من الـدول المتعاقـدة. ولعل الغرض الذي سعت إليه الاتفاقية من إتاحة الفرصة أمام الـدول الأعـضـاء لاستخدام هذا التحفظ هو إقامة نوع من التوازن بين العالمية المنشودة فـي هـذه الاتفاقية والنسبية المعترف بها في مجال الاتفاقيات الدولية بصفة عامـة، والتـي يعبر عنها بأن الحقوق التي توفرها اتفاقية لدولة متعاقدة هي مقابل الالتزامات التي تلتزم بها هذه الدولة قبل الدول المتعاقدة الأخرى، ومن ناحية أخرى فإن تضمين الاتفاقية المذكورة مثل هذا النص قد يعد حافزا أمام الدول غير المتعاقـدة علـى الدخول والانضمام إليها.

ولم تقف الاتفاقية في بيان ماهية حكم التحكيم الأجنبي، وبالتالي تحديد مجال تطبيقها، عند معيار محل صدور حكم التحكيم وإنما نصت على سريانها كذلك على أحكام التحكيم التي لا تعتبر وطنية في الدولة المطلوب فيهـا تنفيذها أو الاعتراف بها.

في الواقع أن القضاء يخلو تماما من أي سابقة تمسكت فيها محكمة دولة مـا أو قبلت تطبيق اتفاقية نيويورك على تنفيذ حكم تحكيمي صدر في إقليمها، معتبرة أن هذا الحكم، وبالرغم من ذلك، حكما غير وطني لصدوره في ظـل إجـراءات قانونية أجنبية، وهذا يبرهن بجلاء على أن الفرض الذي تتجه فيه إرادة الأطراف لإجراء التحكيم في دولة معينة طبقا للقانون الإجرائي الساري في دولة أخرى هو فرض نظري محض، ومن ثم فإن هذا المعيار الثاني الذي جاءت به اتفاقيـة نيويورك يعد في الحقيقية – وكما عبر عنه البعض أنه يؤكـد سـيادة وسيطرة المعيار الجغرافي في مجال تكييف أحكام التحكيم الأجنبية.

اتفاقية واشنطن لسنة 1965م الخاصة بتسوية منازعات الاستثمار

لقد تم إبرام اتفاقية واشنطن الخاصـة بتسوية المنازعات الناشئة عـن الاستثمارات بين الدول ورعايا الدول الأخرى تحت رعاية البنك الدولي للإنشاء والتعمير في 18 - مارس - 1965م، ودخلت حيز التنفيـذ فـي 14-10-1966 عندما صادقت عليها عشرون دولة وهو العدد المطلوب لنفاذ الاتفاقية، وقد هدفت هذه الاتفاقية إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية في الدول النامية وتطمين أصحاب رؤوس الأموال في الدول المتقدمة والذين يخشون على أموالهم من عمليات التأميم التي كانت سائدة في الدول النامية، فجاءت اتفاقية واشنطن لتبث الثقة : نفوس هؤلاء المستثمرين وذلك بإنشائها مركزا مستقلا لتسوية منازعات الاستثمار وهـو المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (I.C.S.I.D) والذي يعـد مـن أهـم مظاهر تميز هذه الاتفاقية، حيث يذهب جانب من الفقه إلى القول بأن المركـز الدولي لتسوية المنازعات قد أحدث وضعا جديدا في مجال التحكيم الدولي، إذ أنه لأول مرة يعطي أشخاص القانون الخاص طبيعية كانت أو اعتبارية الحـق فـي اللجوء مباشرة إلى جهاز دولي للتقاضي دون الحاجة إلى اللجوء إلى الحماية الدبلوماسية لدولهم، مما يمكن معه القول بأن اتفاقية واشنطن قد أعطت أشخاص  فقد استبعدت الاتفاقية المعايير المقترحة في مشروع غرفة التجارة الدوليـة لتحديد مجال تطبيقها. فذهبت الاتفاقية إلى سريان أحكامها على حكم التحكيم الذي يصدر في دولة أخرى غير دولة القاضي المطلوب تنفيذ الحكم أو الاعتراف بـه على إقليم دولته، كما تسري الاتفاقية أيضا على حكم التحكيم الذي : هذا القاضي حكما تحكيميا غير وطني. لاشك أن هذا المعيار المزدوج من الصعب قبوله إذا ما تعلق الأمر بتحديـد المقصود بحكم التحكيم الدولي، ومع ذلك فقد ذهب جانب من الفقه إلى أن موضوع هذه الاتفاقية وهدفها هو الانفصال أو الاستقلال قدر الإمكان عن النظم القانونيـة الوطنية للتحكيم، وبالتالي فإن مرام هذه الاتفاقية هو وضع نظام خاص بالتحكيمات الدولية وليست التحكيمات الأجنبية، فالاتفاقية تهتم بالسمة الدولية للحكم ولا تتشغل بجلسين .

هذا الاتجاه، على ما يبدو لنا، إنما يعبر عن أمـاني مناصريه ولا ينشغل بحقيقة ما أفصحت عنه لصوص اتفاقية نيويورك صراحة أو ما يستخلص منهـا 

ضمنا فمن ناحية تذهب المادة الخامسة من هذه الاتفاقية إلى تقريسر جسواز رفض تنفيذ الحكم إذا ما أثبت من صدر ضده (الطرف الخاسر) أن هذا الحكم يعد باطلا طبقا لقانون الدولة التي صدر فيها، وهو ما يعني أن هذه الاتفاقية قد قامت على أساس أن الحكم التحكيمي يعد خاضعا ومرتبطا بقانون تحكيمي معين .

ومن ناحية أخرى فإن المعيار الثاني الخاص بتحديد مجال تطبيق الاتفاقية، والذي يدور حول كون الحكم التحكيمي، بالرغم من صدوره في دولـة القاضـي المطلوب منه التنفيذ، يعد غير وطني طبقا لقانون هذه الدولة، إنما يؤكد ولا ينفـي غیاب فكرة أحكام التحكيم الدولية في هذه الاتفاقية.

لاشك في أن إضافة هذا المعيار كان المقصود من ورائه مواجهة حـالات تنفيذ أحكام التحكيم التي بالرغم من أنها وطنية جغرافيا أو إقليميا فهي أجنبية مـن الناحية القانونية لصدورها نتاجا لتحكيم روعيت فيه قواعد إجرائية أجنبية.

وأخيرا فإن نص المادة الخامسة 5/أ / د من الاتفاقية  وأن كانت غير حاسمة في التدليل على استبعاد احكام التحكيم المجردة من مجال تطبيقها فأنها ليست  قاطعة في أن هذه الاتفاقية لا تشملها.

هذا النص يقضي بإمكانية رفض تنفيذ حكم التحكيم إذا ما أقام الطرف الـذي التنفيذ ضده الدليل على أن تشكيل السلطة التحكيميـة (هيئـة التحكيم أو محكمة التحكيم) أو أن إجراءات التحكيم تخالف ما اتفق عليه الأطراف، أو – في حالة غياب هذا الاتفاق – تخالف قانون الدولة التي اتخذت مقرا للتحكيم.

وقد تضمنت اتفاقية واشنطن مجموعة من المواد التي تعد على درجة كبيرة من الأهمية في مجال تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، وفي مقدمة هذه المـواد نـص المادة (1/54) والتي جاء فيها تعترف كل دولة متعاقدة بالحكم الذي صدر بنـاء على أحكام هذه الاتفاقية وتضمن تنفيذ الالتزامات المالية التي يفرضها الحكم كمـا لو كان حكما نهائيا صادرا عن محكمة محلية...".

ويعتبر هذا النص من وجهة نظرنا من أهم نصوص هذه الاتفاقية، حيث أنه شمل حكم التحكيم الأجنبي بميزة النفاذ المباشر داخل دولة التنفيذ دون الحاجة إلى فرض أية رقابة قضائية عليه، وهذا يعد تطورا غير مسبوق جـاءت بـه هـذه الاتفاقية مقارنة مع غيرها من الاتفاقيات الناظمة لمسائل التحكيم. حيـث أن هـذه الاتفاقية قد تبنت أسلوب مراجعة داخلي وهو ما نصت عليـه المـادة (52) مـن الاتفاقية والتي حددت مجموعة من الحالات التي إذا توافرت إحداها فإنـه يـجـوز لأي من الطرفين أن يقدم طلبا كتابيا إلى السكرتير العام لمركز تسوية المنازعات لإلغاء هذا الحكم دون الحاجة إلى اللجوء إلى القضاء الوطني لفرض رقابته على هذه المسائل.

حالات رفض التنفيذ في اتفاقية نيويورك

تعد اتفاقية نيويورك من أهم المحاولات الدولية في مجال تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وهذا ما يدعونا من خلال هذه الدراسة إلى تناول احكامها بشكل مفصلمن خلال الخوض في حالات رفض التنفيذ التي نصت عليه هذه الاتفاقية، حيث نصت هذه الاتفاقية على حالتين رئيستين في مجال رفض التنفيذ وهما.

حالات رفض التنفيذ بناء على طلب الخصوم

تنقسم حالات رفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي بناء على طلب الخصم في اتفاقية نيويورك إلى أسباب تتعلق بعدم صحة اتفـاق التحكيم، وأخـرى تتعلـق بالإخلال بالقواعد الأساسية للإجراءات، وحالات تتعلق بتجاوز المحكمين لتطـاق سلطاتهم، وحالات تتعلق بعدم صحة تشكيل الهيئـة التحكيميـة أو الإجـراءات التحكيمية، أما الحالة الأخيرة فتتعلق بعدم صيرورة حكم التحكيم ملزما أو كونـه الفي أو أوقف تنفيذه.

أولا: عدم صحة اتفق التحكيم

لقد نصت على هذه الحالة من حالات رفض التنفيذ المادة (5 / 1 / ) والتي جاء فيها 

1- لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم بناء على طلب الخصم الذي يحتج عليه بالحكم إلا إذا قدم هذا الخصم للسلطة المختصة في البلـد المطلوب طبقا لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم...". يفهم من نص هذه المادة أنه في حالة بطلان اتفاق التحكيم وفقا للمسائل التي حددتها هذه المادة فإنه يجوز للخصم صاحب المصلحة أن يتقدم إلـى المحكمـة

إليها الاعتراف والتنفيذ والدليل على:

 أ- أن أطراف الاتفاق المنصوص عليه في المادة الثانية كانوا طبقا للقانون الذي ينطبق عليهم عديمي الأهلية، أو أن الاتفاق المذكور غير صحيح وفقا للقانون الذي أخضعه له الأطراف، أو عند عدم النص على ذلك طبقاً لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم .

يفهم من نص هذه المادة أنه في حالة بطلان اتفاق التحكيم وفقا للمسائل التي حددتها هذه المادة فإنه يجوز للخصم صاحب المصلحة أن يتقـدم إلـى المحكمـة المختصة في بلد التنفيذ بالأدلة الكافية التي تثبت عدم صحة هذا الاتفاق، سواء كان ذلك بسبب انعدام أهلية أطراف الخصومة، أو بسبب أن اتفـاق التحكــم غـيـر مكتوب، أو كون محل النزاع غير جائز حله بطريق التحكيم، وفي هذه الحالة إذا ما ثبت للمحكمة صحة ذلك فلها أن ترفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي.

أ- أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا:

تشترط اتفاقية نيويورك لصحة اتفاق التحكيم أن يكون في شكل مكتوب، وهذا ما نصت عليه المادة (1/2-2) من هذه الاتفاقية يقولها تعترف كل دولة بالاتفاق المكتوب الذي يلتزم بمقتضاه الأطراف بأن يخضعوا للتحكيم كل أو بعض المنازعات الناشئة أو التي قد تنشأ : بينهم.

2- يقصد ب" اتفاق مكتوب" شرط التحكيم في عقد أو اتفاق التحكيم الموقـع عليه من الأطراف أو الاتفاق الذي تضمنته الخطابات المتبادلـة أو البرقيات...".

وبتحليلنا لنص هذه المادة يتضح لنا أن اتفاقية نيويورك قد جعلت من كتابـة اتفاق التحكيم شرطا لصحة هذا الاتفاق وليس دليلا لإثباته، الأمر الذي نستنتج منه أن اتفاق التحكيم الشفوي – والذي نعتقد بندرة حدوثه – لا يكون معترفا بـه مـن قبل هذه الاتفاقية، وحكم التحكيم الصادر بناء على هذا الاتفاق الشفوي سيكون عرضة لعدم تنفيذه من قبل دولة التنفيذ في إطار أحكام اتفاقية نيويورك، وإن كان من الممكن تصور الاعتراف بهذا الاتفاق الشفوي بموجب اتفاقية أخـرى تجيـزه غير اتفاقية نيويورك أو بموجب قانون وطني يجيز الاعتراف بصحة مثـل هـذا الاتفاق الشفوي، وهو ما يفهم من. نص المادة (1/7) من اتفاقية نيويورك، والتـي نصت على أنه "لا تخل أحكام هذه الاتفاقية بصحة الاتفاقيات الجماعية أو الثنائيـة التي أبرمتها الدول المتعاقدة بشأن الاعتراف بأحكام المحكمين وتنفيذها، ولا تحرم أي طرف من حقه في الاستفادة بحكم من أحكام المحكمـين بالكيفيـة أو بالقـدر المقرر في تشريع أو معاهدات البلد المطلوب إليها الاعتراف والتنفيـذ... الأمـر الذي يفهم منه جواز الاعتراف بصحة الاتفاق الشفوي إذا وجدت أيـة اتفاقيـة أو قانون وطني يعترف بذلك، فهنا لا تطبق أحكام اتفاقية نيويورك وإنما تطبق أحكام ذلك القانون أو تلك الاتفاقية على الرغم من انضمام الدولة المنفذة للحكم التحكيمي - في مثل هذه الحالات – إلى اتفاقية نيويورك. ومما نلاحظه أيـضـا مـن نـص المادة (2/2) من اتفاقية نيويورك، أنها أوردت شكلين لكتابة حكم التحكيم، أولهمـا شرط التحكيم أو مشارطته الموقع عليها من الأطراف، أما الشكل الثاني فهو اتفاق التحكيم الذي تضمنته الخطابات والبرقيات المتبادلة بين الأطراف، وفي هذه الحالة الأخيرة يفترض أن تكون هذه البرقيات والمراسلات تدل فعلا على نية الأطـراف اللجوء إلى نظام التحكيم، أما في حالة غموض هـذا القـصـد فـلا يـتـصـور لي الاعتراف بمثل هذه المراسلات.

كما يفهم من عمومية نص المادة (1/5/أ)، أن أحكامها تسري أيـضـا علـى أهلية الأشخاص الحكمية كالشركات، إلا أن القانون الشخصي لهذه الأشخاص عادة ما يكون قانون مركز الإدارة الرئيسي أو قانون بلد التأسيس، ومن المسائل التـي تثار في هذا المجال أهلية الأشخاص العامة مثل الدولة والمشروعات العامة، حيث  لم تنص اتفاقية نيويورك بشكل صريح على أهلية هذه الأشخاص العامة، ذلك ومع : فإنه يمكن تفسير نص المادة (1/1) من الاتفاقية بأنها تشمل المنازعات التي يكون أحد أطرافها الدولة أو أحد أشخاصها العامة.

ثانياً - الإخلال بالقواعد الأساسية للإجراءات

نصت على هذه الحالة من حالات رفض التنفيذ المادة (1/5/ب) من اتفاقية ليويورك حيث جاء فيها "لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم (ب) الخصم المطلوب تنفيذ الحكم عليه لم يعلن إعلانا صحيحا بتعيين المحكم أو بإجراءات التحكيم أو كان من المستحيل عليه لسبب آخر أن يقدم دفاعه .....".

يفهم من نص هذه المادة أن الإخلال بالقواعد الأساسية للإجراءات من شانه أن يؤدي إلى رفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي، حيـث إن مبـدأ المساواة بين أطراف الخصومة ومعاملتهم معاملة عادلة دون أي تمييز تعتبـر مـن القواعـد الأساسية التي لا يجوز الإخلال بها من قبل هيئة التحكيم وخاصة حقـوق الـدفاع التي يجب أن يتمتع بها الخصوم على قدم المساواة، وإلا كان جزاء ذلـك رفـض تنفيذ حكم التحكيم، بالإضافة إلى كون هذه الحالة تؤدي كذلك إلى بطـلان حكـم التحكيم وهو ما نصت عليه العديد من القوانين والاتفاقيات الناظمة لشؤون التحكيم.

ثالثا: تجاوز المحكمين لنطاق سلطاتهم:

لقد نصت على هذه الحالة من حالات رفض تنفيذ الحكـم الأجنبـي اتفاقيـة نيويورك في المادة (1/5/ج) والتي جاء فيها "(ج) أن الحكم فصل في نزاع غيـر وارد في مشارطة التحكيم أو في عقد التحكيم أو تجاوز حدودهما فيما قضي به ومع ذلك يجوز الاعتراف وتنفيذ جزء من الحكم الخاضع أصلا للتسوية بطريـق التحكيم إذا أمكن فصله عن باقي أجزاء الحكم الغير متفـق علـى حلها بهذه الطريقة.....

يفهم من نص هذه الفقرة من المادة (1/5) من هذه الاتفاقية، أن قيام هيئـة التحكيم بالفصل في مسائل لم تشتمل عليها وثيقة التحكيم أو تجـاوز سلطانها المحددة فيها يعد من ضمن الحالات التي تجيز اتفاقية نيويورك للمحكمة المختصة في بلد التنفيذ رفض تنفيذ الحكم التحكيمي الأجنبي المقدم لديها، حيث إن هيئة التحكيم تستمد كامل سلطاتها من وثيقة التحكيم التي اتفق عليها الأطراف عند إحالة النزاع إلى التحكيم، لذا يجب على هيئة التحكيم عند فصلها للنزاع عدم الخروج أو تجاوز السلطة المقررة لها بموجب اتفاق التحكيم وجزاء عدم الالتزام بهذه الحدود والسلطات يؤدي بدوره إلى رفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي.

رابعا: عدم صحة تشكيل الهيئة التحكيمية أو الإجراءات التحكيمية

نصت المادة (1/5/د) من اتفاقية نيويورك على هذه الحالة من حالات رفض التنفيذ، حيث جاء فيها "(د) ان تشكيل هيئة التحكيم أو إجراءات التحكيم مخالفا لما اتفق عليه الأطراف أو لقانون البلد الذي تم فيه التحكيم في حالة عدم الاتفـاق... ووفقا لهذه الحالة فإن محكمة التنفيذ يحق لها أن ترفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي متى كان هذا الأخير مخالفا لإرادة أطراف الخصومة التحكيمية في . مسألة تشكيل هيئة التحكيم، كأن ينفرد أحد الأطراف بتعيين هيئة التحكيم دون أن يكون للطرف الآخر أي دور في ذلك، الأمر الذي يستوجب رفض تنفيذ الحكم التحكيمي الصادر في هذا النزاع، كما أنه يرفض التنفيذ في حالة كون الحكـم التحكيمـي مخالفـا لإجراءات التحكيم التي اتفق عليها الخصوم، كأن يكون اتفاق التحكيم لا يضمن لأحد أطراف النزاع تقديم أوجه دفاعه مثلا، أما في حالـة عـدم وجـود اتفـاق لأطراف الخصومة على كيفية تشكيل هيئة التحكيم لو إجراءاتـه فـإن اتفاقيـة  نيويورك قد وضعت قاعدة إسناد احتياطية تخضع بموجبها هذه المسائل إلى قانون البلد الذي جرت فيه العملية التحكيمية، وهو ما يفهم صراحة من نص الفقـرة (د) من المادة الخامسة، بحيث يكون هذا القانون واجب التطبيق لتحديـد مـدى المخالفة التي لحقت بمسألة تشكيل هيئة التحكيم أو الإجراءات التحكيمية التي تـم العمل بمقتضاها.

والذي نفهمه من خلال هذه المادة، أنه في جميع الأحوال لا يجـوز مخالفـة القواعد الأساسية للإجراءات التي تمت الإشارة إلى أحكامها في الفرع الثالث الأنف الذكر، كما أن هذه المادة وأقصد هنا (1/5/د) قد تتداخل مع أحكام المـادة (2/5/ب) والمتعلقة بالنظام العام، فإذا ما اعتبرنا أن القواعد التي تحكـم تـشكيل هيئة التحكيم وإجراءات التحكيم من ضمن مسائل النظام العام، فإن ذلك يعنـي أن لمحكمة التنفيذ ومن تلقاء نفسها أن تحكم برفض تنفيـذ الحكـم التحكيمـي ودون الحاجة إلى إثارة مثل هذا الدفع من قبل الخصوم، إلا أنه من المهم الإشارة في هذا المقام إلى أن قانون الإرادة وفقا لاتفاقية نيويورك يلعب دورا أساسيا وحاسما عند تناولنا لهذه الحالة من حالات رفض التنفيذ، لأن أطراف الخصومة التحكيمية هـم اعلم من غيرهم بوضع القواعد التي تحقق مصالحهم، الأمر الذي يدلل علـى أن

إرادة الأطراف وفقا للاتفاقية تسمو على أي قانون، فلا يلجا لهذا الأخير إلا فـي

حالة عدم الاتفاق.

خامسا: عدم صيرورة حكم التحكيم ملزما أو كونه ملغي أو أوقف تنفيذه

نصت على هذه الحالة من حالات رفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي المـادة (1/5هـ) من اتفاقية نيويورك والتي جاء فيها "لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم بناء على طلب الخصم الذي يحتج عليه بالحكم إلا إذا قـم هـذا الخ للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليها الاعتراف والتنفيذ الدليل على الحكم لـم يتضح لنا من خلال نص هذه المادة أن اتفاقية نيويورك قد أجـازت لدولـة التنفيذ أن ترفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي في حالة قيام السلطة المختصة فـي الدولة التي ينتمي إليها هذا الحكم بإبطاله أو إيقافه أو لكون حكم التحكيم لم يصبح يصبح ملزما للخصوم أو ألغته أو أوقفته السلطة المختصة في البلد التي فيهـا أو بموجب قانونها صدر الحكم...".

ملزما وفقا لقانون هذه الدولة. ولإيضاح هذه الحالة من حالات رفض التنفيذ فإننـا سنقسم هذه الحالة إلى جزئيتين، تتمثل الأولى في كون حكم التحكيم الأجنبي غيـر ملزم، والثانية حالة إبطال حكم التحكيم أو وقف تنفيذه وفقا لقانون الدولـة التـي ينتمي إليها هذا الحكم.

ب - إيطال الحكم التحكيمي أو وقف تنفيذه

إن قيام السلطة المختصة في الدولة التي ينتمي إليها حكم التحكيم بوقف تنفيذه أو إبطاله يؤدي وفقا لاتفاقية نيويورك إلى رفض تنفيذ هذا الحكم من قبل قاضـي التنفيذ في الدولة المراد تنفيذ الحكم على أراضيها، وترجع أسباب بطلان حكـم التحكيم في أغلب الأحيان أما بسبب مخالفة الحكم للنظام العـام أو بسبب عـلم مراعاة حقوق الدفاع أو لعدم اختصاص هيئة التحكيم وغيرها من الأسباب.

أما بالنسبة لموقف اتفاقية نيويورك حيال مسألة وقف تنفيذ الحكم التحكيم الأجنبي في حالة رفع دعوى بإبطاله. فهو موقف صريح وواضح أكدت فيه اتفاقية نيويورك عدم تأثر تنفيذ حكم التحكيم كأصل عام برفع دعوى لإبطاله، وهـو مـا يفهم من جوازية نص المادة السادسة من هذه الاتفاقية والتي نصت علـى أنـه للسلطة المختصة المطروح أمامها الحكم إذا رأت مبررا أن توقف الفصل في هذا الحكم إذا كان قد طلب إلغاء الحكم أو وقفه أمام السلطة المختصة المشار إليها في الفقرة (هـ) من المادة السابقة، ولهذه السلطة أيضا بناء على التماس طلب التنفيـذ أن تأمر الخصم الآخر بتقديم تأمينات كافية".

وبالتالي يتضح لنا أن الاتفاقية أعطت لمحكمة التنفيذ سلطة تقديرية في هذا الخصوص وبحسب ما تراه، بحيث أن هذه المحكمة قد ترى تنفيذ الحكم بدلا مـن إيقافه الأمر الذي يؤكده أيضا نص المادة (1/5هـ) من الاتفاقية نفسها، والتـي جاءت بصياغة جوازية في هذا الخصوص، ويبدو أن اتفاقية نيويورك قد حاولت من خلال هذه الصياغات الجوازية أن تدعم تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبيـة بقـدر الإمكان، فأعطت محكمة التنفيذ هذه السلطة التقديرية لربما تـأمر بتنفيذ حكـم التحكيم على الرغم من قيام حالة من حالات رفض التنفيذ.

حالات رفض التنفيذ التي تقضي بها المحكمة من تلقاء نفسها

أوردت اتفاقية نيويورك في ذيل المادة الخامسة حالتين لرفض تنفيذ حكـم التحكيم الأجنبي تتمثل الحالة الأولي في كون موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز تسويتها بطريق التحكيم، والحالة الثانية مخالفة حكم التحكيم للنظام العام في دولة التنفيذ، وجعلت من حق محكمة التنفيذ أن تقضي برفض حكم التحكيم الأجنبي متى توافرت أي من هاتين الحالتين من تلقاء نفسها ودون الحاجة إلى إثارة ذلـك من قبل الخصوم كما هو في الحالات سابقة البيان، وإن كان الأصل العـام أن لا تقضي المحكمة إلا بما يطلبه طرفا الخصومة، ومن المبادئ المستقرة في مجـال القانون الخاص أن المحكمة لا تتدخل من تلقاء نفسها إلا في حالة مخالفة النظـام العام وإن كان ذلك لا يمنع الأطراف من لفت انتباه المحكمة إلى وجود هذه الحالة التي تمثل مخالفة للنظام العام في هذه الدولة.

إلا أن ما يلاحظ على صياغة المادة (1/2/5)، أنها قد جاءت جوازية، حيـث نصت على أنه "يجوز للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليه الاعتراف وتنفيـذ حكم المحكمين أن ترفض الاعتراف والتنفيذ إذا تبين لها (ا) أن قانون ذلك البلد لا يجيز تسوية النزاع عن طريق التحكيم أو (ب) أن في الاعتراف بحكم المحكمـين أو تنفيذه ما يخالف النظام العام في هذا البلد". ومن خلال الصياغة الظاهرية لهذه للمادة، يتضح لنا مدى السلطة التقديرية التي تتمتع بها المحكمة في رفض التنفيـذ حالة توافر أي من هاتين الحالتين، وهو ما يؤكده التفسير الحرفي لنص هـذه في المادة، إلا أننا لا نعتقد بأن اتفاقية نيويورك قد قصدت بذلك إعطاء سلطة جوازية أو تقديرية للمحكمة بالنسبة لهاتين الحالتين بالذات، لأن ذلـك لا يستقيم واقعـا ومنطقا، حيث إنه لا يتصور في اعتقادنا أن يقوم القاضي الوطني بإعطـاء أمـر تنفيذ للحكم التحكيمي الأجنبي الذي يخالف نظامه العام الذي يجب عليـه حمايتـه والدفاع عنه، وهو ما لا تصدق عليه تلك للسلطة التقديرية الممنوحة له بموجـب اتفاقية نيويورك إلا في حالة ما إذا كانت اتفاقية نيويورك قد قصدت بمسألة النظام العام الوارد في صلب نص هذه المادة – النظام العام الدولي وليس الداخلي، ممـا يعطي مبررا لهذه الصياغة الجوازية، إلا أن واقع الحال لا يتفق مع هذا التفسير لأن نص المادة (1/2/5) قد جاء صريحا بأنها قصدت للنظام العام الداخلي، ولا اجتهاد مع صراحة النص الأمر الذي تستطيع أن نؤكد من خلالـه بـان اتفاقيـة نيويورك لم تقصد إعطاء هذه السلطة التقديرية لقاضـ التنفيـذ وإنمـا أسـاءت الصياعة لا أكثر، وأي كانت التفسيرات الفقهية التي قيلت في تحليل نص هذه السادة من اتفاقية نيويورك، إلا أننا لا نود الإطالة في شرح هذه الخلافات، ولكننـا سنتناول هاتين الحالتين من حالات رفض التنفيذ بكثير من التفصيل وكمايلي.

أولا: عدم قابلية موضوع النزاع للتسوية عن طريق التحكيم

لقد تناولت اتفاقية نيويورك كما سبق وأسلفنا هذه الحالة من حالات رفـض تنفيذ الحكم الأجنبي وذلك في المادة (1/2/5)، كما أن المادة (1/2) والتي اعتبرناها إشارة إلى شروط صحة اتفاق التحكيم قد أشارت إلى هذه الحالة، وتعد هذه الحالة من الحالات التي أثير حولها نقاش مستفيض في مؤتمر نيويورك الذي أقرت مـن حلاله اتفاقية نيويورك، ويرجع السبب في ذلك إلى اختلاف وجهات النظر الوطنية حول هذا الموضوع .

والذي يمكننا أن نستخلصه من الآراء الفقهية المختلفة، أن اتفاقية نيويورك لم تستطع أن تحدد العلاقة بين هذه الحالة من حالات الرفض وبين حالـة مخالفـة النظام العام وذلك نتيجة لهذه الخلافات السابقة، مما حـدي باتفاقيـة نيويورك - وقطعا لدابر الخلاف إلى وضع نص عام بهذا الخصوص محيلة بموجبه تقدير هذه المسائل إلى الأنظمة الداخلية للدول والتي تستطيع أن تحدد مـدى ارتبـاط هـذه المسألة بالنظام العام من عدمه بموجب قوانينها الداخلية وإن كانت الاتفاقية هذه لم تشر إلى ذلك صراحة، وإنما اكتفت بوضع هذا النص في المادة (1/2/5) كحالـة لرفض التنفيذ تحدد وفقا للقوانين الداخلية لمختلف الـدول الأعـضـاء فـي هـذه الاتفاقية، فسواء اعتبرت هذه الدول أن هذه الحالة من ضمن النظام العام أم لا، إلا أنها بالنتيجة تستطيع دولة التنفيذ أن ترفض التنفيذ بموجبها، مما يزيد من تعقيدات حالات رفض التنفيذ وسطوتها، حيث أن الاتفاقية قد زادت مـن حـالات رفـض التنفيذ بدلا من تضييقها كما هو هدفها الأساسي فقامت بطريقة غير مقصودة بإضافة هذه الحالة.

أما بالنسبة للقانون الواجب التطبيق على هذه الحالة من حالات رفض التنفيذ فنجد من خلال نص المادة (1/2/5) بأن اتفاقية نيويورك قد حددت قاعـدة إسناد واضحة بهذا الخصوص لتقدير مدى توافر هذه الحالة، ذلك بموجب قانون دولـة تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي.

- مخالفة النظام العام في دولة التنفيذ

إن فكرة النظام العام كانت ومازالت تثير العديـد مـن الإشكاليات نظـرا لصعوبة الوصول إلى تعريف موحد لجوهر هذه الفكرة، كما أن مبدأ النظام العـام يمثل حالة مرنة وفضفاضة من الصعوبة بمكان ضبها أو تحديد نطاقها سواء فـي نطاق المعاملات الداخلية أو المعاملات الدولية على حد سواء، حيث أن هذه الفكرة النظام العام في دولة ما قد لا يعتبر كذلك في دولة أخرى، بل إن ما يعتبـر مـن النظام العام في الدولة نفسها في وقت معين قد يصبح ليس كذلك في وقت لاحـق مما يؤدي إلى صعوبة كبيرة في تحديد نطاق هذا المبدأ وتفسيره.

لقد نصت اتفاقية نيويورك في المادة (2/5/ب) على حالة النظام العام كحالة من حالات رفض التنفيذ، ومن واقع تحليلنا لنص هذه المادة يمكننـا القـول بـان مفهوم النظام العام الذي قصدته اتفاقية نيويورك هو النظام العام الـداخلي ولـيـس الدولي، وهو ما يفهم من نص المادة (2/5) والتي جـاء فيهـا "يجـوز للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليه الاعتراف وتنفيذ حكـم المحكمـين أن ترفض الاعتراف والتنفيذ إذا تبين لها (ب) أن في الاعتراف بحكم المحكمين أو تنفيذه ما يخالف النظام العام في هذا البلد" أي أن قاعدة الإسناد التي تبنتها اتفاقية نيويورك لدى مخالفة الحكم التحكيمي الأجنبي للنظام العام هي قانون دولة تنفيذ الحكم ممـا لا يمكن الاجتهاد مع صراحته.

وبالتالي نجد أن اتفاقية نيويورك قد وسعت وعن غير قصد مـن حـالات رفض التنفيذ بدلا من تضيق سطوتها، حيث إنه ومع وجـود مـثـل هـذا الـنـص الصريح سيكون المجال مفتوحا أمام القاضي الوطني – والذي قد لا يقدر متطلبات التجارة الدولية – للتوسع في رفض تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية بدواعي مخالفتها لنظامه العام الداخلي متشجعا في ذلك بنص اتفاقية نيويورك التي أعطته شـرعية الرفض في مثل هذه الحالة والتي قد تخضع لمزاجية القضاء الوطني في دولـة التنفيذ وتحكمه في هذه المسألة بشكل مطلق.

إن النظام العام الدولي الذي ننشده قد أصبح يتبلور بشكل واضح في ملامحه العامة وذلك بفضل العديد من السوابق القضائية الدولية التي قام القضاء الدولي من خلالها بتغليب فكرة النظام العام الدولي على فكرة النظام العام الـداخلي بمعنـاه التقليدي في القوانين الداخلية، ومن هذه الأحكام القضائية ما قضت به محكمـة الاستئناف التونسية (۱۸۲) في أحد أحكامها بشأن حكم تحكيم صدر فـي إنجلتـرا - والتي لا تتطلب تسبيب حكم التحكيم – ويراد تنفيذه في تونس، حيث أكدت الدائرة الرابعة في هذه المحكمة بأنه "أن عدم سلوك القرارات التحكيمية الأجنبية لطريقتنا تعليل الأحكام لا يعتبر مخالفا للنظام العام الدولي التونسي...".

وفي الولايات المتحدة الأمريكية قضت المحكمة العليا الأمريكيـة فـي قضية (Alberto Culver) بأنه "لا يمكن أن تكون لنا تجارة أو معاملات دوليـة في الأسواق العالمية إذا بقيت تلك الأمور محكومة بقوانيننـا بواسـطة المحـاكم الأمريكية فقط وأن النظام العام الداخلي لا يمكن تطبيقه في المعاملات الدولية".

وفي سويسرا قررت المحكمة الفدرالية العليا بأن مخالفة النظام العام في سويسرا لا تتحقق بمجرد مخالفة قاعدة قانونية تحكيميـة، بل تتحقـق بمخالفـة  واضحة للمبادئ الأساسية للقانون، وقد عددت هذه المحكمة بعض هذه المبـادئ مثل العقد شريعة المتعاقدين ومبدأ حسن النية وتحريم التمييز العنصري وإسـاءة استعمال القانون.

يمكننا القول بأن هذا النظام العام هو الذي ينبغي أن يكون مجالا للتطبيق على أحكام التحكيم الأجنبية بعيدا عن تعقيدات النظام العـام الداخلي نو النظرة الضيقة لمسائل التجارة العالمية.

ثالثا: إعمال مبدأ المعاملة بالمثل:

إن التساؤل الذي نود إثارته هو، هل توجد حالات أخرى لرفض التنفيذ فـي اتفاقية نيويورك غير تلك التي حددتها المادة الخامسة؟

وللإجابة عن هذا التساؤل نقول بأن هناك حالة أخرى نعتبرها مـن وجهـة نظرنا من حالات رفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي ألا وهي مبدأ المعاملة بالمثـل الذي أكدته اتفاقية نيويورك في صلب المادة (3/1) بنصها على أنه لكل دولة عند التوقيع على الاتفاقية أو التصديق عليها أو الانضمام إليها أو الإخطـار بامتـداد تطبيقها عملا بنص المادة العاشرة أن تصرح على أساس المعاملة بالمثـل أنـهـا ستقصر تطبيق الاتفاقية على الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الصادرة على إقليم دولة أخرى متعاقدة...".

والذي افهمه من خلال نص هذه المادة أنها أجازت لدولة التنفيد أن ترقص تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي على أساس مبدأ المعاملة بالمثل بشرط أن تبـدي تلـك الدولة تحفظها هذا عند توقيعها على اتفاقية نيويورك، بحيث أن هذه الدولة تمتـع عن تنفيذ أي حكم تحكيم أجنبي ينتمي إلى دولة لا تعترف أو لا تنفذ أحكام التحكيم الصادرة منها، فمثلا تستطيع دولة العراق أن تمتنع عن تنفيذ حكم تحكيم مـصري إذا كانت مصر لا تعترف بأحكام التحكيم العراقية والعكس صحيح وفقـا لهـذه الاتفاقية.

وبالتالي نجد أن اتفاقية نيويورك قد وسعت من حالات رفض التنفيذ أكثر مما هي عليه في المادة الخامسة، حيث أنه ومن وجهة نظرنا يعد هذا المبدأ حالة مـن حالات رفض التنفيذ يمكن إضافتها إلى أحكام المادة الخامسة من اتفاقية نيويورك، ولا ندري صراحة ما الحكمة من إيراد هذه الحالة في نص المادة (3/1) بشكل مستقل بدلا من نص المادة الخامسة، لأن هذه الحالة تؤدي إلى رفض تنفيذ الحكم التحكيمي الأجنبي حالها في ذلك حال الأسباب الأخرى لرفض التنفيذ، ولا نـرى بأن اتفاقية نيويورك قد كانت موفقة في إيراد مثل هذا المبدأ الذي مـن شـأنه أن يعرقل تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي لأسباب ليست قانونية حقيقية وإنما لأسباب قد تكون سياسية أو حتى مزاجية أحيانا، حيث إن هذا المبدأ وإن كان يجـد أساسـه وفعاليته في مجال القانون الدولي العام، إلا أنه يكون غير مبرر إطلاقا إعماله في مجال التحكيم التجاري الدولي، لأن من شأنه إعاقة نمو الحركة التجارية الدوليـة والتي يفترض عدم ارتباطها بالمسائل السياسية العابرة والتي قد تتغير بين فترة وأخرى حسب ميزان المصالح السياسية المتبادلة بين الدول.

وبناء على ما تقدم فإننا نتمنى على اتفاقية نيويورك - لأنها تمثـل الاتفاقيـة العالمية الوحيدة المتخصصة في هذا المجال – أن تعدل حكم المادة (3/1) منهـا  بحيث يلغي هذا النص كما أننا نتمنى على الدول التي تعتمد على أعمال هذا المبدأ في مجال التجارة الدولية أن تغير من مواقعها وأن تتجاوز عن تصرفات بعـض الدول التي قد ترفض الاعتراف بالأحكام الصادرة عنها، لأن في هـذا المنهـاج تشجيع لتجارة الدولة التي باتت تمثل عصب الاقتصاد، والازدهار لمختلـف دول العالم.

اتفاقية الرياض للتعاون القضائي لسنة ١٩٨٣م

تتطلب مصلحة الوطن العربي ضرورة مواكبة التطورات الدولية في مجـال التحكيم التجاري الدولي في كافة مسائله، حيث أصبح نظام التحكيم وكمـا نـعلـم قضاء خاصاً للتجارة الدولية ينبغي خوض غماره والارتضاء بـه لـحـل جميـع الخلافات ذات الطابع التجاري الدولي. وأمام هذا الوضع كان لزامـا علـى دول المنطقة العربية أن تتضافر فيما بينها لإيجاد القواعد القانونية ذات الطابع الـدولي لتنظيم كافة مسائل التحكيم التجاري الدولي وقد بدأت أولى هذه المحاولات بإبرام اتفاقية تنفيذ الأحكام لسنة ١٩٥٢م ، ثم تتالت الاتفاقيات العربية الأخـرى والتـي نظمت جوانب مختلفة من نظام التحكيم. ومن أبرز هذه الاتفاقيات الرياض للتعاون القضائي، حيث أبرمت هذه الاتفاقية في 6- نيسان – ۱۹۸۳، وأصبحت نافـذة المفعول في 30 تشرين الأول – 1985. حيث صادقت عليها ٢١ دولـة عربيـة من بينها العراق و الجماهيرية الليبية. ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكـة الأردنية الهاشمية، وتعتبر هذه الاتفاقية من أحدث المعاهدات المبرمة فـي نـطـاق الجامعة العربية، وقد اشتملت هذه الاتفاقية على ٧٢ مادة نظمت فيها مسائل تنفيـذ الأحكام القضائية والتحكيمية فقط دون بقية مسائل التحكيم الأخرى، حيث تعتبـر هذه الاتفاقية من الاتفاقيات المتخصصة في تنفيذ الأحكام."

وقد أفردت هذه الاتفاقية لأحكام التحكيم الأجنبية المادة (37) والتي نصت على أنه " مع عدم الإخلال بنص المادتين (۲۸ و ۳۰) من هذه الاتفاقية يعتـرف بأحكام المحكمين وتنفيذه لدى أي من الأطراف المتعاقدة بنفس الكيفية المنصوص عليها في هذا الباب مع مراعاة القواعد القانونية لدى الطرف المتعاقد بنفس الكيفية المنصوص عليها في هذا الباب ، ولا يجوز للهيئة القضائية المختصة لدى الطرف المتعاقد المطلوب إليه التنفيذ أن تبحث في موضوع التحكيم ولا ترفض تنفيـذ الحكم... " . كما أن هذه المادة قد اشترطت لتنفيذ حكم التحكيم أن يقـوم طـالـب التنفيذ بتقديم صورة معتمدة من الحكم مصحوبة بشهادة صادرة من الجهة القضائية تقيد حيازة الحكم للقوة التنفيذية في الدولة التي صدر فيها الحكم.

ويتضح من نصوص هذه الاتفاقية أنها تهدف إلى تعزيز التعاون القضائي بين الدول العربية، وإلى تبسيط وتسهيل إجـراءات تنفيذ الأحكام القضائية والتحكيمية، كما أن الاتفاقية تتصف بطابع إقليمي، فهي تطبق على مواطني الدول العربية المنظمة للاتفاقية، وكذلك على الأشخاص المعنوية الخاصة والعامـة فـي هذه الدول وبالتالي فهي تسري على تنفيذ الأحكام القضائية والتحكيمية الـصـادرة في حدود الدول الأطراف فيها ولا تنصرف إلى غيرهم، كما أن اتفاقية الرياض قد ألغت بأحكامها الاتفاقيات الثلاث المعقودة عام ١٩٥٢م في نطاق الجامعة العربيـة - والتي تتعلق أحداها بتنفيذ الأحكام – وذلك بموجب المادة  من هذه الاتفاقية .

اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري لسنة ١٩٨٧م

تعد اتفاقية عمان من أهم الاتفاقيات العربية في مجال التحكيم التجاري لأنها الاتفاقية العربية الوحيدة التي نظمت التحكيم في إطار مؤسسي متكامـل، حيـث أنشأت بموجب نصوصها مركز التحكيم العربي ولأول مرة مقره الرباط، وقد تـم إبرام اتفاقية عمان برعاية مجلس وزراء العدل العرب حيث تم عرض مشروع هذه الاتفاقية على المجلس في دورته الخامسة المنعقدة في عمان في الفتـرة مـن 4/11 نیسان – ١٩٨٧م، وقد تم إقرار هذه الاتفاقية والتوقيع عليهـا فـي هـذه الدورة، ويعد هذا المركز مؤسسة تحكيمية دائمة تتمتع بالشخصية الاعتباريـة المستقلة ويلحق إدارياً ومالياً بالأمانة العامة لمجلس وزراء العدل العرب، ويمثـل هذا المركز من وجهة نظرنا تقدما كبيرا في مجال المؤسسات التحكيمية المستقلة في الوطن العربي، حيث أن وجود مؤسسة تحكيمية عربية هو هدف تسعى إليهـا معظم الدول العربية لما فيه من فائدة كبيرة للمنطقة العربية، وقد نظم هذا المركز كافة جوانب نظام التحكيم ابتداء من اتفاقية التحكيم وانتهاء بإصدار حكم التحكيم. وعلى الرغم من أهمية اتفاقية عمان، إلا أنه لم توقع عليها إلا أربع عشرة دولة عربية ، ولم تصادق عليها إلا ثمانية دول ، بين هـذه الـدول  المصادقة العراق و الجماهيرية الليبية والأردن . وقد دخلت حيز التنفيذ فـي ٢٧-٦-١٩٩٢، حيث نصت المادة (39) من الاتفاقية على أنه " تسري هذه الاتفاقية بعد مضي ثلاثين يوماً من تاريخ الإيداع السابع لوثائق التصديق عليها أو قبولها أو إقراراها".

ومن أهم مواد هذه الاتفاقية نص المادة (34) والتي تبنت آلية مراجعة لحكم التحكيم دون الحاجة إلى اللجوء إلى القضاء الوطني في دولة التنفيذ في حالة طلب ابطال الحكم التحكيمي وذلك بناء على طلب كتابي يقدم إلى رئيس مركز التحكيم العربي إذا ما توافرت مجموعة من الحالات التي تؤدي إلى إبطال الحكم، واتفاقية عمان بهذا النص تسير على هدى اتفاقية واشنطن التي جاءت بنص ممـائـل فـي المادة (٥٢) والذي سبق الإشارة إليه، ومن المواد ذات الأهمية أيضاً في اتفاقيـة عمان العربية نص المادة (35) والذي أعطى المحكمة العليا لدي كل دولة طـرف في الاتفاقية – حق تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية وهو حكم فريد لم تأت به أي من الاتفاقيات الدولية محل الدراسة، حيث حرص واضعوا نصوص هذه الاتفاقية على أن يكون الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم غير قابل للطعـن فيـه وبالتالي يعد هذا من الأحكام المهمة التي جاءت بها اتفاقية عمان لتسهيل وتدعيم تنفيذ أحكام التحكيم بعيدا عن سطوة القضاء الوطني لدولة التنفيذ.

حالات رفض التنفيذ في اتفاقية الرياض وعمان

لقد تضمنت كل من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي لسنة ١٩٨٣م واتفاقيـة عمان العربية للتحكيم التجاري الدولي حالات لرفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبـي وأن كان الكثير من هذه الحالات تتطابق مع حالات رفض التنفيـذ فـي اتفاقيـة نيويورك باستثناء بعض الخلافات البسيطة والتي لا تكاد تذكر في هذا الصدد، ولإبراز ملامح الاتفاق والاختلاف بين كل من اتفاقية الرياض وعمان مع اتفاقيـة نيويورك باعتبارها الاتفاقية الأم في هذا المجال، فإننا سنقوم بتقسيم هذا المطلـب فرعين، نتناول في الأول حالات رفض التنفيذ التي أوردتهـا اتفاقيـة الريـاض للتعاون القضائي، وأما الفرع الثاني فسنتناول من خلاله حالات رفض التنفيذ التي أوردتها اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري، مع محاولة المقارنة مـن خـلال هذين الفرعين مع اتفاقية نيويورك كلما كان لذلك مقام متحاشين التكرار قـدر الإمكان.

حالات رفض التنفيذ في اتفاقية الرياض

لقد تضمنت اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي لسنة ١٩٨٣م أحكامـاً مختلفة في مجال تنفيذ الأحكام القضائية والأحكام التحكيمية، ونصت هذه الاتفاقية على تنفيذ أحكام التحكيم بالمادة (37) والتي تضمنت مجموعة من الحالات أجازت 

بموجبها اتفاقية الرياض للهيئة القضائية لدى الطرف المتعاقد المطلوب إليه التنفيذ أن ترفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي، حيث نصت على أنه " مع عدم الإخـلال بنص المادتين (۲۸-۳۰) من هذه الاتفاقية يعترف بأحكام المحكمين وتنفذ لدى أي من الأطراف المتعاقدة بنفس الكيفية المنصوص عليها في هذا الباب مع مراعـاة القواعد القانونية لدى الطرف المتعاقد المطلوب التنفيذ لديـه ولا يجـوز للهيئـة القضائية المختصة لدى الطرف المتعاقد المطلوب إليـه التنفيـذ أن تبحـث فـي موضوع التحكيم ولا أن ترفض تنفيذ الحكم إلا في الحالات الآتية:

أ- إذا كان قانون الطرف المتعاقد المطلوب إليه الاعتراف أو تنفيذ الحكـم لا يجيز حل موضوع النزاع عن طريق التحكيم.

ب- إذا كان حكم المحكمين صادراً تنفيذاً لشرط أو لعقد تحكيم باطـل أو لـم يصبح نهائيا.

ج- أن المحكمين غير مختصين طبقاً لعقد أو شرط التحكيم أو طبقاً للقـانون الذي صدر حكم المحكمين على مقتضاه.

د- إذا كان الخصوم لم يعلموا بالحضور على الوجه الصحيح.

هــ - إذا كان في حكم المحكمين ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو النظـام العام أو الاداب لدى الطرف المتعاقد المطلوب إليه التنفيذ .

ويتضح لنا من خلال هذه المادة أن حالات رفض التنفيذ التي أوردتها تتفق إلى حد كبير مع حالات رفض التنفيذ في اتفاقية نيويورك باستثناء بعض الأحكـام واختلاف الصياغة القانونية بين الاتفاقيتين، ولذا سنتناول بيان هذه الحـالات مـن خلال البنود التالية، وبشكل موجز منعاً للتكرار.

أولا: كون النزاع من المسائل التي لا يجوز حلها عن طريق التحكيم:

نصت على هذه الحالة من حالات الرفض الفقرة (أ) من المـادة 37 مـن الاتفاقية، حيث أعطت اتفاقية الرياض لدولة التنفيذ أن ترفض الحكـم التحكيمـي الأجنبي متى كان النزاع موضوع اتفاق التحكيم لا يجوز حله بطريق التحكيم، وقد وضعت الاتفاقية قاعدة إسناد أساسية لتقدير مدة مخالفة هذه الحالة وهـو قـانون الدولة المراد تنفيذ حكم التحكيم لديها دون تعويل على قانون الإرادة فـي هـذا الصدد، وبالتالي فإن حكم هذه المادة جاء متوافقاً تماماً مع حكم المادة (١/٢/٥) مع اتفاقية نيويورك باستثناء كون اتفاقية نيويورك قد كانت أكثر وضوحاً في تحديـد من له الحق في إثارة هذا الدفع بأن أجازت للمحكمة إثارته من تلقاء نفسها، وذلك بعكس اتفاقية الرياض التي جاءت بنص عام في هذا الخصوص دون أي تفصيل بخصوص جواز أن تقوم المحكمة المختصة في بلد التنفيذ ومن تلقاء نفسها برفض التنفيذ أو يشترط لذلك قيام أحد الأطراف صاحب المصلحة بإثارة مثل هذا الدفع. ومن وجهة نظرنا فإن عموم المادة (37) يفهم منه إعطاء المحكمة ومـن تلقـاء نفسها مثل هذه المكنة.

ثانياً: عدم صحة اتفاق التحكيم أو عدم نهائية حكم التحكيم:

لقد تناولت هذه الحالة من حالات رفض التنفيذ الفقرة (ب) من المادة 37، بحيث يحق للسلطة القضائية في بلد التنفيذ رفض تنفيذ الحكم التحكيم إذا كان اتفاق 

في اعتقادنا أن قاعدة الإسناد التـي قـصـدتها اتفاقيـة الريـاض صار نهائياً. بخصوص مسألة صحة اتفاق التحكيم هي القانون الشخصي للأطـراف بالنسبة الموضوع أهليتهم، أما باقي شروط صحة اتفاق التحكيم فإن المرجـع فـي ذلـك القانون الذي اتفق على إخضاع الخصومة التحيكيمة إليه في حالة عدم وجود اتفاق يرجع في ذلك قانون البلد محل التحكيم وذلك اهتداء بنصوص اتفاقية نيويورك في هذا الصدد.

ثالثاً. عدم اختصاص هيئة التحكيم:

أجازت اتفاقية الرياض رقض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي في حالة صدوره من هيئة تحكيم غير مختصة وفقاً لاتفاقية التحكيم المعقودة بين أطراف الخصومة، وهو ما نصت عليه الفقرة (ج) من المادة (37)، ولقد حددت هذه الفقـرة قاعـدة الإسناد لتقدير مدى اختصاص هيئة التحكيم من عدمه وذلك بموجب قانون الارادة أو بموجب القانون الذي صدر حكم التحكيم بمقتضاه في حالة عدم وجود اتفاقيـة على ذلك من قبل الخصوم، وقد جاء نص هذه الفقرة مطابقاً لنص المادة (1/5/ج) من اتفاقية نيويورك، باستثناء أن اتفاقية نيويورك قد كانت أكثر تفصيلاً بـان حددت حالة كون المحكمين غير مختصين، بالإضافة إلى معالجة حالـة تجـاوز المحكمين لاختصاصهم، وتحدث هذه الحالة الأخيرة عندما تكون هيئـة التحكيم مختصة، إلا أنها تجاوزت ذلك الاختصاص المحدد لها في وثيقة التحكيم 

كما أن اتفاقية نيويورك قد عالجت وبشكل صريح مسألة التنفيـذ الجزئي لحكم التحكيم في حالة إمكانية فصلة عن الجزء الخارج عـن اختصاص هيئـة التحكيم أو التي تجاوزت فيه هذه الهيئة اختصاصها، وذلك بعكس اتفاقية الرياض التي لم تعالج هذه المسألة البالغة الأهمية بنص واضح وصريح مما يعد قـصـوراً يجب تلافيه وأن كان يستدل على جواز التنفيذ الجزئي بموجب اتفاقية الرياض منطوق الحكم كله أو بعضه أن كان قابلاً للتجزئة"، وعلى الرغم من أن نص هذه المادة ينطبق على الأحكام القضائية، ، إلا أنه يمكن أن يسري علـى الأحكـام التحكيمية أيضاً وذلك بموجب نص المادة (37) من الاتفاقية والتي نصت .... يعترف بأحكام المحكمين وتنقذ بنفس الكيفية المنصوص عليهـا فـي هـذا الباب..." ويقصد بتعبير ( في هذا الباب) الباب الخامس الذي يضم كلاً من المواد (٣٢)و (37) المشار إليها

رابعاً: عدم إعلان الخصم بالحضور على الوجه الصحيح:

نصت على هذه الحالة من حالات رفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الفقرة (د) من المادة (37) من الاتفاقية، حيث يجوز للهيئة القضائية في بلد التنفيـذ أن ترفض تنفيذ الحكم التحكيمي نظراً للإخلال بحقوق الدفاع أمام هيئة التحكيم التي يقع عليها التزام قانوني بالغ الأهمية، حيث يجب عليها أن تعامل كلاً من طرفي الخصومة التحكيمية على قدم المساواة بحيث يسمح لكل منهما تقديم دفاعـه أسـوة بنظيـره.

وقد جاءت هذه الحالة من حالات الرفض مواقـة النص فة النص المساحة (1/5/ب) اتفاقية نيويورك، بل أن هذه الأخيرة كانت أكثر تفصيلاً من اتفاقيـة الرياض حيث عددت حالات عدم إعلان الخصم بتعيين المحكـم أو بـإجراءات التحكيم، ويعلق الدكتور حمزة حداد على الفقرة (د) من المـادة 37 مـن اتفاقيـة الرياض بالقول( إن المهم هو مجرد إعلان الخصوم بطريقة قانونية صحيحة حتى ولو لم يحضروا أو لم يحضر بعضهم أمام هيئة التحكــم ويستوي فـي ذلك حضورهم ، ومن وجهة نظرنا أن الفقرة (د) تشمل جميع المخالفـات التـ تتعلق بانتهاك حقوق الدفاع وعدم الاقتصار على مسألة الحضور فقط.

خامساً: مخالفة الحكم للشريعة الإسلامية والنظام العام:

لقد انفردت اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي بـايراد هـذا الـص الفريد مقارنة بمختلف الاتفاقيات العربية الأخرى في مجـال التحكيم التجـاري

الدولي، حيث نصت المادة (37/هـ) على أنه "إذا كان في حكم المحكمـين مـا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو النظام العام أو الآداب لدى الطرف المتعاقـد المطلوب إليه التنفيذ...

ومن خلال نص هذه الفقرة نلاحظ أن اتفاقية الرياض أعطت الحق لدولـة التنفيذ برفض الحكم التحكيمي المخالف لتعاليم الشريعة الإسلامية التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ومن جانبنا تعتبر أن هذا الحكم الفريد ومع رصانته وسلامة طرحه إلا أنه يعتبر من باب التزيد في الصياغة القانونية، حيث  أن اصطلاح النظام العام الذي أشارت إليه هذه الفقرة (١٩٧) يشمل أحكام الشريعة الإسلامية وخاصة بين دول العالم الإسلامي التي تجعل من الإسلام ديناً للدولة مع بعض الاختلافات بين هذه الدول في مدى إدماج أحكام الشريعة الإسلامية فـي معاملاتها القانونية.

حالات رفض التنفيذ في اتفاقية عمان العربية

تعد اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجـاري لعـام ١٩٨٧م مـن أحـدث الاتفاقيات العربية في مجال التحكيم التجاري الدولي، ومن مظاهر تمييـز هـذه الاتفاقية أيضاً أنها أنشئت ولأول مرة في تاريخ الاتفاقيـات العربيـة مركزاً متخصصاً للتحكيم التجاري، الأمر الذي جعلها أكثر تمييزاً مـن غيرهـا مـن الاتفاقيات العربية في هذا المجال. وقد نظمت اتفاقية عمان مسألة تنفيذ أحكـام التحكيم في الفصل الخامس منها وذلك في المادة (35)، والتي أوردت حالة واحدة لرفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي وحددتها في مخالفة النظام العام حيـث نـصت على أنه تختص المحكمة العليا لدى كل دولة متعاقدة بإضفاء الصيغة التنفيذيـة على قرارات هيئة التحكيم ولا يجوز رفض الأمر بالتنفيذ إلا إذا كان القرار مخالفاً

للنظام العام".

يتضح لنا من خلال نص هذه المادة أن اتفاقية عمان العربية لم تنتهج نهـج الاتفاقيات الدولية الناظمة لتنفيذ أحكام التحكيم والتي أوردت حالات متعددة لرفض تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، وإنما جاءت اتفاقية عمان بحالة واحدة مـن حـالات رفض التنفيذ تتمثل في مخالفة الحكم التحكيمي للنظام العام مما نرى فيه تطـوراً حسناً جاءت به هذه الاتفاقية، وخيراً ما فعلت لأنه يسهل بشكل كبير تنفيذ أحكـام التحكيم عبر الدول العربية بشكل سهل وميسر وبعيداً عن تعقيدات وسطوة حالات رفض التنفيذ التي درجت غالبية القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية فـي مجـال التحكيم التجاري على إيرادها محاكاة لاتفاقية نيويورك وبشكل غيـر مــدروس لا يؤسس لنظام تحكيمي تنفذ أحكام بشكل ميسر وسريع، ويكون قضاء خاصاً للتجارة الدولية.

وخيراً ما فعلت اتفاقية عمان العربية بهذا النص المتميز والذي تميزت بـه حتى على اتفاقية نيويورك الأم والتي لم تحاكيها هذه الاتفاقية في مسألة حـالات رفض التنفيذ باستثناء حالة النظام التي أوردتها كل من اتفاقية نيويورك في المادة (٢/٥/ب)، واتفاقية الرياض في المادة (37/هـ) سالفة الذكر، وعلى الرغم مـن تأييدنا الكبير لحسن صباغة نص المادة (35) من اتفاقية عمان، إلا أن ما يؤخـذ عليه من وجهة نظرنا أنها لم تقين فكرة النظام العام الدولي التي تنشدها، حيث أنه وعلى الرغم من عمومية نص هذه المادة وعدم تحديدها لأية قاعدة إسناد، إلا أن ما يفهم من صياغتها أنها حددت المرجع في ذلك إلى قانون دولة التنفيذ وهو مـا نتلمسه في قولها "تختص المحكمة العليا لدى كل دولة متعاقدة . إلا إذا كان القرار مخالفاً للنظام العام حيث توحي صياعة هذه المادة إلى أن المقصود بها هو النظام العام في دولة التنفيذ، وإن كان هذا النص وفي الوقت نفسه يحتمل تفسيره إلى أن المقصود هو النظام العام الداخلي نظراً لغياب قاعدة إسناد صريحة في هذه المادة، ولحن من جانبنا نؤيد أن المقصود هو النظام العام الدولي وليس الداخلي.

وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن نص المادة (35) من اتفاقية عمان قد جاء موافقاً تماماً لنص المادة (37/هــ ) من اتفاقية الرياض باستثناء خلاف بسيط حيث أن هذه الأخيرة قد أوردت حكماً يتعلق بمخالفة الشريعة الاسلامية .