التحكيم / الاتفاقيات الدولية والإقليمية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد19 / دراسة حول الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية
1- في ظل تشعب ونمو الاستثمارات بين الدول، وحيث إن جذب الاستثمارات الأجنبية من أهم الأهداف التي تسعى الدول إلى تحقيقها، تقوم الدول المختلفة بإبرام اتفاقيات استثمار ثنائية بهدف تشجيع وحماية وضمان الاستثمارات.
2- وتحقيقاً لذات الهدف، وإنما على نطاق إقليمي، وبغية تعزيز التنمية العربية الشاملة والتكامل الاقتصادي العربي، وتوفير مناخ ملائم للاستثمار، بالإضافة إلى تحقيق المواطنة الاقتصادية العربية، تم في 26 نوفمبر 1980 إبرام الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية بين الدول أعضاء الجامعة العربية، ودخلت هذه الاتفاقية حيز النفاذ في 9 سبتمبر 1981.
3- وفي إطار مساعي تحديث وتطوير الإتفاقية، قام مجلس الجامعة على مستوى القمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية في الدورة الثالثة المنعقدة في 21-22 يناير 2013 بالموافقة على تعديل للاتفاقية ودعا الدول العربية للتصديق عليها لوضعها موضع التنفيذ في بداية 2014، ولكن حتى تاريخ نشر تلك الدراسة لم يدخل التعديل المقترح حيز النفاذ،علماً بأن التعديل المقترح – إذا تم التصديق عليه- يستهدف إعادة إصدار الإتفاقية من جديد وإطراح النص القائم والساري حالياً بالكلية.
4- في هذا البحث سنلقي الضوء على نصوص هذه الاتفاقية وبيان أهم التعديلات التي وردت بالتعديل المقترح في صيغته التي أقرها مجلس الجامعة على مستوى القمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية في 21-22 يناير 2013، ومقارنتها بنظيراتها الواردة في اتفاقيات الاستثمار الثنائية المختلفة. وسوف نبدأ هذه الدراسة ببيان نطاق الاتفاقية الشخصي والموضوعي وبيان بعض الأحكام العامة المتعلقة بها (ثانياً)، ثم نقوم بتحليل المسائل المتشابهة مع تلك التي ترد عادة في اتفاقيات الاستثمار الثنائية (ثالثاً)، ثم نبين المسائل التي انفردت الاتفاقية بتنظيمها (رابعاً)، نتناول الحماية الإجرائية في ظل هذه الاتفاقية (خامساً)، ننهي بخاتمة لهذه الدراسة (سادساً).
ثانياً- بيان النطاق الشخصي والموضوعي وبعض الأحكام العامة المتعلقة بالاتفاقية: 5- سوف نقسم هذا الجزء إلى ثلاثة أقسام: في الجزء الأول نبين بعض الأحكام العامة المتعلقة بالاتفاقية (أ)، وفي الجزء الثاني نبين النطاق الموضوعي للاتفاقية (ب)، ثم في الجزء الثالث النطاق الشخصي (ج).
أ) بيان بعض الأحكام العامة المتعلقة بالاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية:
6- كما سبق القول، تهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز التنمية الاقتصادية وتوفير مناخ ملائم للاستثمار، ومن أجل ذلك، تسعى الاتفاقية إلى توفير حد أدنى لمعاملة كل استثمار خاضع لها، وبالتالي فإنها لا تهدف بذاتها إلى منح شروط أفضلية أو شروط تمييزية استناداً إلى طبيعة العلاقة بين الدول العربية وبعضها البعض، بل فقط توفير هذا الحد الأدنى في المعاملة. ومن أجل ذلك نصت الاتفاقية على سمو أحكامها على قوانين وأنظمة الدول المختلفة، أطراف الاتفاقية. إلا أنه في المقابل، إذا كانت القوانين الوطنية تمنح المستثمر مزايا أو ضمانات لم ينص عليها الاتفاقية، فإن المستثمر لا يحرم الاستفادة منها.
7- إلا أنه بالرغم من سمو أحكام هذه الاتفاقية على التشريعات الوطنية، إلا أن المادة (39) من الاتفاقية أجازت للدولة سلطة اتخاذ قرارات محددة وقائمة على أسباب تقتضيها المصلحة العامة أو الأمن العام، الأمر الذي يفتح من وجهة نظرنا- باباً خلفياً لمخالفة نصوص تلك الاتفاقية والإخلال بهذا السمو التنظيمي، خاصة أن الاتفاقية لم تضع شروطاً موضوعية أو معياراً محدداً أو إطاراً تتم من خلاله ممارسة تلك السلطة درءاً لما قد يكتنفها أو يستتبعها من تغول على – أو تنصل من- أحكام الاتفاقية. ومما لا شك فيه أن فكرة المصلحة العامة أو الأمن العام فكرة فضفاضة وغير محددة، وبالتالي من الممكن جداً إساءة اللجوء إليها بغية الالتفاف على نصوص الاتفاقية.
8- وحري بالذكر أن التعديل المقترح للإتفاقية قد جاء خلوا من قيدي المصلحة العامة والأمن العام، ومن ثم أغلق التعديل المقترح الباب الخلفي لمخالفة نصوص الاتفاقية، إلا أنه كما سبق القول أعلاه، لم تدخل صيغة الاتفاقية المعدلة حيز النفاذ. وفي ذلك نصت المادة (30) من تعديل الاتفاقية على أن التعديل يدخل حيز النفاذ بعد ثلاثة أشهر من إيداع وثائق التصديق عليها من قبل خمس دول.
9- أما في ما يتعلق بالإشراف على تنفيذ أحكام الاتفاقية، فإن المجلس الاقتصادي والاجتماعي المنشأ يقوم بذلك بموجب المادة (8) من معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية، وله في سبيل ذلك:
"1- تفسير نصوص الاتفاقية.
2- إصدار وتعديل وإلغاء القواعد والإجراءات اللازمة لتنفيذ أحكام الاتفاقية.
3- اقتراح تعديل القواعد والأحكام والإجراءات المتعلقة بالاستثمار في الدول الأطراف بما يساعد على تنفيذ أحكام الاتفاقية وأغراضها.
4- جمع وتنسيق التقارير والمعلومات والبيانات والتشريعات والقواعد والإحصاءات المتعلقة بالاستثمار ومجالاته والقطاعات المفتوحة للاستثمار وشروطها في الدول الأطراف بعد الحصول عليها من الجهات المختصة ووضعها تحت تصرف أصحاب رؤوس الأموال العرب بغية تشجيعهم ومساعدتهم على الاستثمار في المشاريع العربية.
5- المساعدة على إنشاء النظم والمؤسسات التي تسهل أو تشجع على تحقيق أغراض الاتفاقية أو تكملها، بما في ذلك الأجهزة الاستشارية والتنفيذية وأجهزة ونظم تجميع الموارد المالية والبشرية وتوجيهها نحو الاستثمار الإنمائي داخل الدول العربية توجيها متوازيا".
10- وقد تم تعديل ذلك الاختصاص في التعديل المقترح للإتفاقية، حيث تم تعديل اختصاصات المجلس بحذف حقه في تفسير نصوص الاتفاقية والذي ورد في النص القائم، إلا أن للمجلس تشكيل لجنة فنية تقوم بتفسير أحكام الاتفاقية وفقاً للمادة (17) من تعديل الاتفاقية. كما تم إعادة النظر في حق المجلس في اقتراح تعديل القواعد والأحكام والإجراءات المتعلقة بالاستثمار في الدول الأطراف، ليقتصر حقه – في التعديل المقترح للإتفاقية – على التعاون مع الدول الأطراف في ملائمة القواعد والأحكام والإجراءات المتعلقة بالاستثمار.
11- وبالتالي نصت المادة (15) من التعديل المقترح للإتفاقية على أن:
"يتولى المجلس الإشراف على تنفيذ أحكام هذه الاتفاقية وله في سبيل ذلك:
1- إصدار وتعديل وإلغاء القواعد والإجراءات اللازمة لمتابعة تنفيذ أحكام الاتفاقية.
2- التعاون مع الدول الأطراف في ملاءمة القواعد والأحكام والإجراءات المتعلقة بالاستثمار في الدول الأطراف بما يساعد على تنفيذ أحكام الاتفاقية وتحقيق أغراضها. 3- جمع وتنسيق التقارير والمعلومات والبيانات والتشريعات والقواعد والإحصاءات المتعلقة بالاستثمار ومجالاته والقطاعات المفتوحة للاستثمار وشروطها في الدول الأطراف بعد الحصول عليها من الجهات المختصة ووضعها تحت تصرف أصحاب رؤوس الأموال العرب بغية تشجيعهم ومساعدتهم على الاستثمار في المشاريع العربية.
4- المساعدة على إنشاء النظام والمؤسسات التي تسهل أو تشجع على تحقيق أغراض الاتفاقية أو تكملها بما في ذلك الأجهزة الاستشارية والتنفيذية وأجهزة ونظم تجميع الموارد المالية والبشرية وتوجيهها نحو الاستثمار داخل الدول العربية توجيها متوازياً."
12- ويلاحظ بمناسبة الفقرتين (3) و(4) من تلك المادة، أنه يجوز للأمانة العامة لجامعة الدول العربية أن تتفق مع المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات - فيما يقع ضمن اختصاصها- على القيام بأي من المهام المنصوص عليها في الفقرتين المشار إليهما.
13- كما أن للمجلس، فضلاً عن ذلك، سلطة وقف العمل بأي من أحكام الاتفاقية في أي دولة طرف بناء على طلبها، وذلك وفقاً للتنظيم الوارد في الاتفاقية.
14- أما في ما يتعلق بتفسير الاتفاقية واستنباط أحكامها، فتكون الأولوية لأهدافها والمبادئ التي تقوم عليها، ثم القواعد والمبادئ المشتركة في تشريعات الدول الأعضاء، ثم المبادئ المعترف بها في القانون الدولي."
ب) النطاق الموضوعي للاتفاقية (مفهوم الاستثمار):
15- تتضمن معظم اتفاقيات الاستثمار الثنائية مفهوماً واسعاً للاستثمار 11، وذلك بتعداد أمثلة، على سبيل المثال لا الحصر، للأنشطة التي من الممكن أن ترقى بمثابة استثمار، مشتملة كافة أنواع الأصول المستثمرة من قبل المستثمرين، كالأصول المنقولة وغير المنقولة، الحصص والأسهم وسندات الشركات أو أي حقوق ومصالح في الأشخاص الاعتبارية، وحقوق النشر والعلامات التجارية وحقوق الملكية الصناعية، كذلك امتيازات الأعمال التجارية الممنوحة بقانون أو عقد، والحقوق الواردة على الأموال والأصول أو أي نشاط له قيمة اقتصادية.
16- واستناداً إلى تلك الصياغة الواسعة، تبنت العديد من أحكام التحكيم مفهوماً واسعاً للاستثمار. وهو ما أكده أيضاً الفقه والسوابق التحكيمية ببيان أن مفهوم الاستثمار يتسع ليتعدى المفهوم الاقتصادي المحض للاستثمار.
17- وبمقارنة هذا المفهوم الواسع بالتعريف الوارد في الاتفاقية، نجد أن الأخيرة قد اتخذت مفهوماً ضيقاً للاستثمار، مشترطة أن يكون استخدام رأس المال في مجالات التنمية الاقتصادية بهدف تحقيق عائد في إقليم دولة طرف غير دولة جنسية المستثمر العربي أو تحويل هذا العائد إليها. ووفقاً لهذا المفهوم فإن الاتفاقية لا تشمل المشاريع الخيرية لاشتراطها تحقيق عوائد، بخلاف، على سبيل المثال، اتفاقيات الاستثمار الثنائية التي سكتت عن تنظيم فكرة تحقيق عوائد، فكان بالتالي شمول نطاق الاتفاقية للمشروعات التي لا تهدف لتحقيق الربح مسألة خلافية.
18- ومن جهة أخرى، تطلب النص الساري لهذه الاتفاقية أن يمارس هذا المشروع نشاطه في مجالات التنمية الاقتصادية، الأمر الذي قد يضيق من نطاق الأنشطة المشمولة بالحماية لتأخذ بمفهوم اقتصادي على غرار المفهوم المتبع في قضية Salini v. Morocco، والذي قام بتعريف الاستثمار من منطلق اقتصادي أي ذلك المشروع الذي يحمل في طياته مخاطر الكسب والخسارة ويؤدي إلى التنمية الاقتصادية للدولة.
19- وعلى صعيد آخر تطلبت الاتفاقية استخدام رأس المال العربي في الاستثمار، ورأس المال العربي تم تعريفه بأنه:
"هو المال الذي يملكه المواطن العربي ويشمل كل ما يمكن تقويمه بالنقد من حقوق مادية ومعنوية بما في ذلك الودائع المصرفية والاستثمارات المالية، وتعتبر العوائد الناجمة عن المال العربي مالاً عربياً، كما تعتبر مالاً عربياً الحصة الشائعة التي ينطبق عليها هذا التعريف" .
20- ويلاحظ في ظل تلك المادة أن الاتفاقية حين اشترطت في الإستثمار أن يتم في مجالات التنمية الاقتصادية بهدف تحقيق عائد، أخذت بمفهوم واسع لرأس المال واشترطت فقط أن يكون مملوكا لمواطن عربي، وهو ما يقودنا لتناول النطاق الشخصي للاتفاقية.
21- وبالتدقيق في لفظ "عوائد" المستخدم في ظل الاتفاقية يتضح أن هذه الاتفاقية لم تشترط أن يقوم المشروع التجاري بتحقيق أرباح، بل اكتفت بتحقيق عوائد. وفي ظل التعديل المقترح للاتفاقية، تم تبني مفهوم واسع للعوائد وإضافة تعريف للدولة المضيفة للاستثمار. كما قام التعديل المقترح للاتفاقية بتبني مفهوم واسع للاستثمار لا يقتصر على مجالات التنمية، بل يشمل المجالات الاقتصادية أو الاجتماعية.
ج) النطاق الشخصي للاتفاقية (مفهوم المستثمر):
22- وفقاً لاتفاقيات الاستثمار الثنائية، فإن مدلول المستثمر يشمل الأشخاص الطبيعية، وكذلك الأشخاص الاعتبارية. ففي ما يتعلق بمدلول الشخص الطبيعي أجمعت مختلف اتفاقيات الاستثمار على أنه من مواطني دولة أخرى غير المضيفة للاستثمار.
23- أما بالنسبة الى الشخص الاعتباري، فقد أجمعت اتفاقيات الاستثمار على أن الشخص الاعتباري المؤسس وفقاً لقوانين دولة أخرى غير المضيفة للاستثمار يعتبر مستثمراً. كذلك من الممكن أن تمتد الحماية التي تمنحها الاتفاقيات الثنائية لتشمل الجهات الحكومية طالما كانت تقوم بممارسة أنشطة من منطلق صفتها التجارية داخل منظومة القانون الخاص وليس بصفتها الإدارية أو السيادية.
24- ويلاحظ أن اتفاقيات الاستثمار اختلفت في تحديد الملكية أو الإدارة المباشرة أو غير المباشرة في الشخص الاعتباري باعتبارها تؤهل هذا المالك ليصدق عليه وصف المستثمر، فبعض الاتفاقيات نصت صراحة على أن المستثمر هو الشخص الاعتباري المملوك أوالمدار بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في حين سكتت بعض الاتفاقيات الأخرى، علماً بما يشمل الملكية المباشرة وغير المباشرة.
25- أما اتفاقية استثمار رؤوس الأموال العربية فقد اتبعت مفهوماً ضيقاً للمستثمر العربي، مانحة حمايتها للمستثمر العربي الذي يملك رأس مال عربي، وهو بالنسبة الى الأشخاص الاعتبارية، ذلك المال المملوك بصفة خالصة سواء مباشرة أو غير مباشرة للمواطنين العرب المنتمين بجنسيتهم إلى إحدى الدول أعضاء الجامعة العربية، وهذا المنهج أو المسلك يحقق خصوصية عربية لتلك الاتفاقية، إذ يحصر تعريف المستثمر في من يملك رأس مال خالص، وقد كان الأولى تطلب أن يكون رأس مال الشخص الاعتباري غالبيته عربي أن المبدأ في هذه الحالة هو أن عدم تناول هذه المسألة قد يؤدي إلى ترجيح التفسير الموسع لمواطنين عرب حتى تشملهم الحماية.
26- على أن التعديل المقترح للاتفاقية قد قام بتوسيع مفهوم المستثمر العربي، فلم يشترط كامل ملكية الشخص الاعتباري لمواطن عربي، بل وسع من هذا النطاق متطلبا فقط ملكية 51% من الشخص الاعتباري لمستثمر عربي بصورة مباشرة. كما قام التعديل باستبعاد تعريف المواطن العربي والنص فقط على تعريف للمستثمر العربي بإعتباره: "هو الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك رأس مال عربي ويقوم باستثماره في إقليم دولة طرف لا يتمتع بجنسيتها على ألا تقل نسبة مساهمة المستثمر العربي في رأس مال الشخص الاعتباري عن 51% بصورة مباشرة".
ثالثاُ- المسائل المشتركة بين تلك الاتفاقية وعموم اتفاقيات الإستثمار والتعاون:
أ) حماية وتشجيع الاستثمار:
27- كما سبق القول، تهدف اتفاقيات الاستثمار بصفة عامة إلى حماية وتشجيع الاستثمار، وانطلاقاً من ذلك تتضمن معظم اتفاقيات الاستثمار الثنائية إشارة إلى ذلك الهدف كالتزام عام ملقى على عاتق الدولة. وعلى غرار ذلك التنظيم، نصت المادة (2) من الاتفاقية محل الدراسة على أنه:
"تسمح الدول الأطراف في هذه الاتفاقية – وفي إطار أحكامها – بانتقال رؤوس الأموال العربية فيما بينها بحرية وتشجيع استثماراتها، وذلك وفقا لخطط وبرامج التنمية الاقتصادية في الدول الأطراف وبما يعود بالنفع على الدولة المضيفة والمستثمر وتتعهد أن تحمي المستثمر وتصون له الاستثمار وعوائده وحقوقه، وأن توفر له بقدر الإمكان استقرارالأحكام القانونية".
28- وحري بالذكر، أن هذا النص تضمن عدداً من الأحكام الحمائية والمشجعة للإستثمار، إذ تضمن إشارات صريحة إلى حقوق جوهرية وثيقة الصلة بالهدف الأسمى وهو تشجيع الاستثمار، ومن ذلك: حرية انتقال رؤوس الأموال العربية، وترسيخ مبدأ المنفعة المتبادلة، والتعهد بصون حقوق المستثمر وعوائد الاستثمار، فضلاً عن توفير الاستقرار والأمان القانوني عن طريق استقرار أحكام القضاء وتوجهاته بما يحقق الشفافية للمستثمر بتجنب المخاطر القانونية بما يدفع عجلة الاستثمار والتنمية.
29- وفي هذا الشأن، تهدف النصوص الواردة في شأن حماية وتشجيع الاستثمار في اتفاقيات الاستثمار الثنائية بصفة عامة إلى منح الاستثمار الأجنبي معاملة عادلة ومنصفة. وعادة يتم ويسمح تفسير هذا الالتزام المجرد في ظل الوقائع المتعلقة بكل حالة مثارة على حدة، إلا أنه يستند في جميع الأحوال إلى فكرة التزام الدولة بتوفير بيئة استثمارية ملائمة مستقرة تتمتع بالشفافية، فضلاً عن احترامها توقعات المستثمر المشروعة وتحقيق عنصر الأمان القانوني.
30- هذا الالتزام بتشجيع وحماية الاستثمار ينقسم بصفة أساسية إلى شقين: الشق الأول يتعلق بمعاملة محاكم الدولة للمستثمر، أما الشق الثاني فيتعلق بمعاملة الجهات الإدارية له.
31- ويبين من مطالعة أحكام التحكيم أن الأسس التي تؤخذ في الاعتبار عند تقدير مخالفة الدولة للالتزام بالمساواة والإنصاف في المعاملة (Fair and Equitable Treatment) هي: التوقعات المشروعة للمستثمر، والقانون الوطني الساري وقت الاستثمار، والآثار المترتبة على التعهدات المحددة التي قامت بها الدولة، والتمييز، والشفافية، سوء استخدام السلطة، والإكراه من قبل الدولة.
32- ويرتبط التزام المعاملة العادلة والمنصفة بالتزام الحماية الكاملة والأمن ( Full Protection and Security)، فهذا الالتزام الأخير يهدف بصفة أساسية إلى إلزام الدولة بحماية المستثمر ضد الانتهاكات المادية، فيتعين على الدولة عندئذ اتخاذ التدابير المعقولة من أجل حماية المستثمر ضد أشكال معينة من الانتهاكات، كالمخاطر والأضرار السياسية التي من الممكن أن تلحق بالاستثمارات الأجنبية.
33- وفي جميع الأحوال، فإن التزام المساواة والإنصاف الواقع على عاتق الدول وفقاً لاتفاقيات الاستثمار، يتطلب من الدولة ألا تخل بالتوقعات المشروعة للمستثمر، وأن تتصرف الدولة على أساس من الشفافية والاتساق، بعيداً عن الغموض والتناقض، وهو ما خلت نصوص الاتفاقية من النص عليه.
34- وانطلاقاً من ذلك، فإن الدولة تكون مخلة بهذا الالتزام في الأحوال التي تخفق فيها في توفير الحماية المتوقعة للمستثمر من أجل الحيلولة دون وقوع أفعال مادية تؤثر في الاستثمار من الناحيـة المادية، وبالأخص تلك الأفعال التي تقع بموجب ممارسات الدولة.
35- ويرتبط أيضاً بالتزام المعاملة العادلة والمنصفة التزام الدولة بعدم التمييز ضد المستثمر (Non-Discrimination). ويقع الإخلال بهذا الالتزام في الأحوال التي تخفق فيها الدولة في معاملة المستثمر على قدم المساواة مع مستثمرين آخرين في مراكز متماثلة وفي ظروف مشابهة.
36- وعلى غرار تنظیم اتفاقيات الاستثمار الثنائية، نصت هذه الاتفاقية على التزام الدولة المضيفة للاستثمار بتشجيع وتسهيل استثمار رؤوس الأموال، إذ تلتزم الدولة بأن تحمي المستثمر وتصون له الاستثمار وعوائده. إلا أنه بالتدقيق في صياغة هذا الالتزام نجد أنه ليس من العموم والاتساع والشمول الذي ورد به هذا الالتزام في اتفاقيات الاستثمار الثنائية. ذلك أن الالتزام المذكور ورد عليه العديد من القيود.
37- فمن جهة أولى، تم تقييد هذا الالتزام بتشجيع وتسهيل الاستثمار وفقاً لخطط وبرامج التنمية الاقتصادية في الدول الأطراف، وبما يعود بالنفع على الدولة المضيفة والمستثمر، وهو معيار فضفاض يصعب ضبطه. ومن جهة أخرى، يصعب كذلك تحديد مدى توافق المشروع الاستثماري مع برامج التنمية الاقتصادية للدولة، مما قد يفتح المجال في هذا الصدد أمام الدولة للتذرع بعدم تماشي الاستثمار مع خططها الاستثمارية الأصلية أو بعد تعديلها أو عدم تحقيقه نفعا لها. ومن ثم، لا يبقى لنا سوى القضاء ليحدد ويضبط عمومية القيد وفحواه وآثاره.
38- ومن جهة ثانية، تم النص على أن توفير استقرار الأحكام القانونية يكون "بقدر الإمكان"، وهو ما قد يفرغ الالتزام من مضمونه، ويفتح المجال أمام الدولة للتهرب من تطبيق هذا الالتزام لصعوبة ضبط تلك الإمكانية بمعيار موضوعي واضح.
39- وانطلاقاً من تلك المشكلات التي يثيرها هذا النص، جاء التعديل المقترح للاتفاقية بتعديل لهذه المادة باستبعاد تطلب انتقال رؤوس الأموال وفقاً لخطط وبرامج التنمية الاقتصادية في الدول الأطراف وبما يعود بالنفع على الدولة المضيفة والمستثمر، وذلك يتطلب فقط مراعاة التشريعات والأنظمة المتعلقة بالنشاطات المقننة وحماية البيئة. الأمر الذي يبين منه أن التعديل المقترح للاتفاقية قد اتخذ توجهاً نحو التخفيف من إمكانية انحراف الدولة في استخدام سلطاتها والذي كان ممكناً في ظل النص القائم. فضلاً عن ذلك، فإن النص المقترح تضمن تعهد الدولة بتوفير معاملة عادلة ومنصفة للاستثمار في جميع الأوقات على غرار اتفاقيات الاستثمار الثنائية، كما تضمن التعديل التزام الدولة بعدم فرض شروط قد تضر أو تؤثر سلباً على الاستثمار في إقليمها أو أدائه لنشاطه.
40- ومن جهة ثالثة، في ما يتعلق بالأنشطة التي يجوز للمستثمر القيام بها، نجد أن تلك الاتفاقية بحسب الأصل أباحت للمستثمر القيام بكافة الأنشطة الاقتصادية التي تؤدي إلى تنمية اقتصاد الدولة، شريطة عدم توافر ثلاثة قيود، أولهما ألا تكون ممارسة نشاط معين مقصورة على مواطني الدولة المضيفة للاستثمار، وثانيهما ألا يكون ممنوعاً على مواطني الدولة التي ينتمي إليها المستثمر بجنسيته ممارسة نشاط بعينه، وثالثهما أن يكون الاستثمار فى حدود نسب المشاركة في الملكية المقررة في قانون الدولة المضيفة للاستثمار، وذلك وفقاً للمادة (5).
41- وهذه القيود المشار إليها أعلاه، وإن كانت تبررها بيئة الاستثمار العربية والوضع القانوني السائد في عدد من الدول العربية، إلا أنه محل نظر من وجهين. أولاً: يفترض أن هذه الاتفاقية تهدف إلى تشجيع الاستثمارات البينية وعدم التمييز، ولاسيما في ظل اشتراط كون رأس المال عربياً خالصاً. وعليه، فإنه لا مبرر اقتصادي لهذه القيود في إطار استهداف التكامل الاقتصادي العربي وعدم التمييز بين المستثمرين العرب في ظل المادة (6) من الاتفاقية.
42- ومن الجدير بالذكر أن التعديل المقترح للإتفاقية قد قام بتعديل ذلك التنظيم، حيث استبعد توافق الاستثمار مع خطط وبرامج الدولة والذي هو منصوص عليه في المادة (14-1) من النص القائم، وجاءت المادة (18-1) من التعديل المقترح للاتفاقية لتنص على أن "يلتزم المستثمر العربي في مختلف أوجه نشاطه أقصى قدر ممكن من التنسيق : الدولة المضيفة مع ومع مؤسساتها وأجهزتها المختلفة وعليه احترام قوانينها ونظمها".
43- كما نص التعديل المقترح للاتفاقية على حق المستثمر في الاستثمار في إقليم أي دولة طرف دون اشتراط ألا يكون ممنوعا على مواطني الدولة الذين يقومون بالاستثمار في الدولة الأخرى. ولكن بالمقابل نص التعديل على أن حق المستثمر في الاستثمار مرهون بكونه في المجالات وفقاً للأنظمة والقوانين في الدولة الطرف ووفقاً لحدود نسب المشاركة في الملكية المقررة في قوانينها، الأمر الذي يجعل النتيجة النهائية أن واضعي الاتفاقية قد قاموا بـ"تزيين" شكل تدخل الدولة في الاستثمار المقبول في إقليمها، حيث إنه في ظل النص المقترح من الممكن أن تدفع الدولة، بالاستناد إلى قوانينها الداخلية، بأن ممارسة نشاط الاستثمار في مجال معين ممنوع على مواطني الدولة التي ينتمي إليها المستثمر بجنسيته.
44- ثانياً: بينما تفرض هذه الاتفاقية تلك القيود على الاستثمارات العربية البينية، لا يفرضها العديد من اتفاقيات الاستثمار الثنائية سواء بين الدول العربية أو بين الدول العربية وغيرها من الدول الأجنبية، علماً أن هذه الاتفاقية يفترض أن تستهدف منح أفضل المزايا والشروط والضمانات للاستثمارات العربية البينية.
45- وفي ظل التنظيم الحالي لمعاملة الاستثمار، نصت المادة (6) من الاتفاقية:
1- مع مراعاة حكم المادة السابقة يعامل رأس المال العربي المستثمر في الدولة الطرف التي يقع فيها الاستثمار معاملة رأس المال المملوك لمواطني تلك الدولة بلا تمييز. ويكون له تلقائياً عين المركز القانوني من حيث الحقوق والالتزامات والقواعد والإجراءات ولا ينطبق ذلك على أية امتيازات إضافية قد تمنحها الدولة الطرف إلى استثمار عربي".
46- وباستقراء حكم هذه المادة نجد أن معيار معاملة المستثمر العربي هو منحه ذات المعاملة التي يتلقاها مواطن الدولة. وبالتالي فإن هذه الاتفاقية لم تأخذ بمعيار المعاملة العادلة والمنصفة، وفقا للقانون الدولي التي قامت بتبنيها اتفاقيات الاستثمار الثنائية، التي لم تجعل تلك المعاملة رهينة كونها ذات المعاملة التي يتلقاها مواطن الدولة، بل وفقا لما ذهب البعض في التفسير، كان هذا الالتزام يفسر على أنه يمنح المستثمر الحق في معاملة تزيد على الحد الأدنى المسموح به، وهو ما نصت عليه بعض الاتفاقيات صراحة، حيث نصت المادة (2) من اتفاقية الاستثمار الثنائية المبرمة بين الأرجنتين والولايات المتحدة على سبيل المثال:
"1- يقوم كل طرف بقبول ومعاملة الاستثمار والأنشطة المتصلة به، على أساس لا يقل ملاءمة عن ذلك الممنوح في أحوال مماثلة لاستثمار أو أنشطة مرتبطة به، تابع لمواطني الدولة أو شركاتها أو مواطني أو شركات تابعة لدولة من الغير، أيهما أفضل، دون الإخلال بحق كل طرف في منح أو الحفاظ على أية استثناءات تقع في المجالات أو القطاعات المنصوص عليها في البروتوكول الخاص بهذه الاتفاقية. [...].
2- (أ) تتم معاملة الاستثمار في كل الأوقات بعدل وإنصاف، ويجب أن يتمتع بكافة الحماية والأمان، ولا يجوز في أي حال من الأحوال معاملته معاملة تقل عن تلك المعاملة المتطلبة وفقاً للقانون الدولي. (ب) لا يجوز لأي طرف بأي حال من الأحوال التعرض بموجب إجراءات تحكيمية أو تمييزية: إدارة، تشغيل، القيام على، استخدام، استغلال، اكتساب، التوسع أو التصرف في الاستثمارات.[...]".
47- هذا النص واضح في ضرورة توفير حد أدنى لمعاملة المستثمرين لا يقل في أي حال من الأحوال عن تلك المعاملة المعترف بها وفقا للقانون الدولي، وهو ما خلت الاتفاقية قيد البحث من النص عليه.
48- وعلى صعيد آخر، نصت المادة (8) من الاتفاقية أن للمستثمر حرية التصرف في أمواله، إلا أنها جعلت هذا مرهوناً بكونه في إطار الحدود المقررة لمواطني الدولة، الأمر الذي قد يمثل من وجهة نظرنا تهديداً لحقوق المستثمر، لأن من الطبيعي أن يمارس المستثمر كافة التصرفات المتاحة طالما كانت داخل الإطار القانوني المرسوم لها. أما وإن اشترطت الاتفاقية أن يتم ذلك في الحدود المقررة لمواطني الدولة، فإن ذلك يفتح مجالاً لانتهاك حقوق المستثمر وتوقعاته المشروعة، خاصة إذا وجدت أو إستنت قوانين داخلية تمييزية أو جائرة على حقوق المواطنين، أو تنتقص منها، مع تمسكنا الكامل بعدم مشروعية التمييز أو الجور على حقوق كل من المواطنين أو المستثمرين.
49- وحري بالذكر أنه في ظل التعديل المقترح للاتفاقية، تم حذف اشتراط تطلب أن يتم التصرف في الاستثمار وفقاً للحدود المقررة لمواطني الدولة، وتم تطلب فقط أن يتم التصرف وفقاً لطبيعته، وبما لا يتعارض مع القوانين والأنظمة السارية في الدولة المضيفة.
ب) حرية تحويل رؤوس الأموال:
50- نصت المادة (2) من الاتفاقية على التزام آخر على الدولة بالسماح بانتقال رؤوس الأموال العربية بحرية، إلا أن هذا التعهد يخضع لذات القيد المشار إليه أعلاه والخاص بضرورة توافق ذلك "خطط مع وبرامج التنمية الاقتصادية في الدول الأطراف وبما يعود بالنفع على الدولة المضيفة والمستثمر". وهو ما سبق أن أشرنا إلى مغبة استلزامه.
51- وبمناسبة حرية انتقال رؤوس الأموال نصت المادة (7) من ذات الاتفاقية على الآتي:
"1- يتمتع المستثمر العربي بحرية تحويل رأس المال العربي بقصد الاستثمار في إقليم أية دولة طرف وبحرية تحويله دورياً، ثم إعادة تحويله إلى أية دولة طرف بعد الوفاء بالتزاماته المستحقة بدون أن يخضع في ذلك إلى أية قيود تمييزية مصرفية أو إدارية أو قانونية وبدون أن تترتب أية ضرائب ورسوم على عملية التحويل، ولا يسري ذلك على مقابل الخدمات المصرفية.
2- تكون إعادة تحويل أصول رأس المال بعد فترة تحدد بانتهاء الاستثمار وفقاً لطبيعته أو بخمس سنوات من تاريخ تحويله أيهما أقل.
3- لا تمس أحكام هذه المادة، ما قد تلجأ إليه الدولة من إجراءات لضمان عدم تسرب أموال مواطنيها إلى الخارج".
52- وباستقراء أحكام هذه المادة، يبين لأول وهلة أنها تمنح حرية انتقال رؤوس الأموال بين الدول أعضاء الاتفاقية بسهولة ويسر، إلا أننا نجد أن هذه الحرية تم تقييدها من جهة عن طريق تعليق انتقال رأس المال على قيام المستثمر بالوفاء بالتزاماته المستحقة دون تحديد ماهية تلك الالتزامات أو الدائن بالالتزام. هل هي التزامات المستثمر قبل الدولة، أم هي التزامات المستثمر في مواجهة غيره من المستثمرين أعضاء الدول أطراف الاتفاقية في إقليم الدولة المضيفة للاستثمار؟ كذلك لم يقم النص بتحديد مصدر هذا الالتزام، هل مصدره الاستثمار في الدولة أو مصدره مرتبط به، أم أنه لا يشترط ارتباط هذا الالتزام بالاستثمار، كأن يعلم، على سبيل المثال، شخص دائن للمستثمر من دولة ليست طرفاً في الاتفاقية أن لهذا المدين رؤوس أموال في الدولة المضيفة للاستثمار، فيحاول التنفيذ على هذا المال؟
53- من ناحية أخرى، اشترطت هذه المادة ألا يخضع هذا التحويل لقيود تمييزية، وهو الأمر المنطقي، إلا أنه في ذات الوقت لم يعالج هذا النص المشكلة التي قد تنشأ عن أوضاع تمييزية بالفعل لا تستهدف هذا المستثمر بصفة خاصة، بل الاستثمار بصفة عامة، كوضع حد أقصى للمبالغ المسموح بتحويلها خارج الدولة. فبالرغم من أن هذا النص ليس تمييزياً، إلا أنه قد يعرقل حرية انتقال الأموال بالفعل، أخذاً في الاعتبار أن هذه الاتفاقية لا تهدف بصفة أساسية لتحسين أوضاع المستثمرين، بل بتوفير حد أدنى للمعاملة.
54- ومن ناحية ثالثة، جعلت هذه الاتفاقية حرية تحويل أصول رؤوس الأموال رهينة بانتهاء الاستثمار، وفقاً لطبيعته أو بخمس سنوات أيهما أقرب، الأمر الذي يثير التساؤل عن مدة الحظر وجدوى تحديدها بخمس سنوات.
55- فهذا النص من وجهة نظرنا غير مألوف ولا تبرره محاولة الدولة سد ذريعة التحايل أو عدم الجدية في الاستثمار باشتراط الحظر الزمني الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، بل يهدد تشجيع الاستثمارات البينية. وعلى أي الأحوال لم يرد هذا الحظر في التعديل المقترح للاتفاقية.
56- وبقراءة هذه المادة مع نظيرتها المادة (2) نجد أن تلك الاتفاقية وضعت قيوداً على حرية انتقال رؤوس الأموال، حيث جعلتها من جهة رهينة برامج التنمية الاقتصادية بالدولة وتحقيق النفع لها، بالإضافة إلى ذلك، فإن إعادة تحويل رأس المال يخضع لقيود إضافية. الأمر الذي قد يفرغ هذا الالتزام من مضمونه، خاصة إذا ما قورنت تلك النصوص بنظيرتها التي وردت في اتفاقيات الاستثمار الأخرى، والتي تمنح المستثمر مكنة تحويل عوائد استثمـاره بحرية، بحيث يستطيع الاستفادة منها في عمليات أخرى.
57- ويلاحظ أن الاتفاقية محل الدراسة منحت المستثمر العربي حرية التحويل بعملة الاستثمار للمستثمرين.أو بأية عملة أخرى قابلة للتحويل، إلا أنها جعلت هذا التحويل مرهوناً باستكمال الإجراءات المصرفية خلال المدة اللازمة عادة لذلك، ورتب على التأخير إلزام الدولة سداد فوائد تأخير، وهو ما يضفي ضمانة هامة لحق المستثمر في التحويل.
58- وباستقراء نصوص اتفاقيات الاستثمار الثنائية، نجد أن السائد أن تقوم معظم اتفاقيات الاستثمار الثنائية بتنظيم تحويل الأموال المستثمرة وعوائد الاستثمار، ودخول ومكتسبات العاملين دون قيود أو تأخير، بما يحقق الأمان القانوني والاقتصادي .
59- وعليه، نجد أن تلك الاتفاقيات الثنائية تمنح المستثمر الأجنبي حقاً مطلقاً غير مشروط لتحويل أمواله دون تخصيص نوع معين من الأموال في عملة قابلة للتحويل سواء كانت تلك العملة التي تم مبدئياً الاستثمار بها أو عملة أخرى قابلة للتحويل دون تأخير أو قيود، الأمر الذي يحقق الغاية المبتغاة، ولا يؤدي إلى جعل حرية تحويل رؤوس الأموال حرية صورية.
ج) المعاملة التفضيلية:
60- تنص المادة (16) من الاتفاقية:
"للدولة الطرف تقرير مزايا إضافية للاستثمار العربي تجاوز الحد المنصوص عليه في هذه الاتفاقية، ويراعى في منح المزايا التفضيلية، على وجه الخصوص، الاعتبارات الآتية:
- أهمية المشروع بالنسبة لمستقبل تنمية الاقتصاد القومي.
- المشروعات العربية المشتركة.
- نسبة المساهمة العربية في إدارة المشروع.
- مدى التمكن العربي من التكنولوجيا المستخدمة.
- تحقيق سيطرة عربية أكبر على الإدارة والتكنولوجيا المستخدمة.
- توفير فرص عمالة لمواطني الدولة المضيفة والعرب والمساهمة في رأس المال في الدولة التي يتم فيها الاستثمار.
- القطاع الذي يجري فيه الاستثمار.
كما أن للدولة الطرف التي يقع فيها الاستثمار تقرير معاملة تفضيلية وفقاً للمشروعات العربية المملوكة ملكية جوهرية لمواطنين عرب".
61- وقبل أن نعمد إلى سبر أغوار النص المذكور أعلاه، نود الإشارة إلى أن الأحكام التي وردت في اتفاقيات الاستثمار الثنائية والمتعلقة بالمعاملة التفضيلية والمعاملة بالمثل، تهدف بصفة أساسية إلى ضمان أن يقوم طرف متعاقد بمعاملة مستثمري الطرف الآخر معاملة تعادل تلك الممنوحة لأحد الأغيار، وبهدف توفير تكافؤ الفرص بين شتى المستثمرين سواء كانوا مستثمرين وطنيين أو أجانب.
62- غير إنه في بعض الأحيان، تقوم بعض اتفاقيات الاستثمار بتضييق نطاق شرط المعاملة الأولى بالرعاية وإخراج بعض المجالات من نطاقها، مثل الجمارك والضرائب وغير ذلك، ومثال ذلك اتفاقية الاستثمار الثنائية المبرمة بين مصر وقبرص.
63- وبمقارنة توجه اتفاقيات الاستثمار الثنائية بنص المادة (16) من الاتفاقية قيد الدراسة، نجد أن النص الأخير يبيح للدولة المضيفة للاستثمار أن تفرق بالفعل بين الاستثمارات المختلفة، وأن تمنح معاملة تفضيلية لبعض الاستثمارات دون الأخرى.
64- ولمنح تلك المعاملة التمييزية، وضعت المادة (16) من الاتفاقية محل الدراسة الاعتبارات التي يتعين أن تؤخذ بعين الاعتبار، ومنها: أهمية المشروع بالنسبة لمستقبل تنمية الاقتصاد القومي، والتكنولوجيا المستخدمة فيها، والقطاع الذي يجري فيه الاستثمار، وتوفير فرص عمالة لمواطني الدولة المضيفة للاستثمار والغرب والمساهمة مع رأس المال في الدولة التي يتم فيها الاستثمار. ومن وجهة نظرنا، فإن هذه الاعتبارات من الاتساع بحيث تصير سلاحاً ذا حدين: إما أن تستخدمها الدولة من أجل تحقيق الصالح العام بالفعل، أو أن تسيء الدولة استخدامها فتقرر معاملة تمييزية للمشاريع دون استحقاقها لذلك.
65- وتهدف تلك الاعتبارات – التي لا تعد واردة على سبيل الحصر – بصفة أساسية إلى فتح المجال أمام الدولة لتحقيق أكبر منفعة من الاستثمار عن طريق الاستثمارات التي يرجح تحقيقها عوائد كبيرة وتهدف بصفة أساسية إلى تعظيم أرباح الدولة.
66- وعلى صعيد آخر، تضمنت المادة (16) بعض الاعتبارات الأخرى والتي قد تهدف الى تحقيق مصالح قومية عربية، كتفضيل الاستثمارات استناداً إلى نسبة المساهمة العربية في إدارة المشروع، وتحقيق سيطرة عربية أكبر على الإدارة والتكنولوجيا المستخدمة، أو المشروعات العربية المشتركة.
67- وإلى جانب منح معاملة تفضيلية استناداً إلى الاعتبارات الواردة أعلاه، أجازت المادة (16) منح معاملة تفضيلية للمشروعات الاستثمارية العربية المملوكة ملكية جوهرية لمواطنين عرب. وبالرغم من أن هذا النص أقر فكرة المعاملة التفضيلية، إلا أن هذه الحالة تؤيد بالفعل الفكرة القائمة عليها الاتفاقية وهي توفير معاملة تمييزية للاستثمارات استناداً إلى الملكية العربية، وهو ما يحقق فكرة تعزيز التنمية العربية الشاملة والتكامل الاقتصادي العربي .
68- وفي ذات الاتجاه، تنص المادة (6-2):
"على أن للمستثمر العربي حق الاختيار في أن يعامل أية معاملة أخرى تقررها أحكام عامة في الدول التي يقع فيها الاستثمار بموجب قانون أو اتفاقية دولية ويتلقاها استثمار غير في مجال مماثل، ولا يشمل ذلك ما قد تمنح الدولة من معاملة متميزة لمشروع ، نظراً لأهميته الخاصة لتلك الدولة".
69- ويلاحظ من صياغة تلك المادة أنها تقر فكرة تمييز استثمار على حساب آخر. فإلى جانب كونها لم تمنح المستثمر العربي الحق التلقائي في التمتع بالمزايا التي يتمتع بها المستثمرون غير العرب، إلا أن تلك المادة أقرت صراحة فكرة أن يتمتع استثمار آخر بمعاملة تمييزية بالنظر لأهمية المشروع للدولة، دون تحديد معيار موضوعي لتلك الأهمية أو كيفية تطبيق هذا الاستثناء دون انحراف. وبالتالي، فإن حق الخيار في المعاملة التفضيلية يخضع أيضاً لقيد قد يفرغ الحق أو الخيار من مضمونه لغياب معيار موضوعي يكفل عنصر الأمان القانوني والشفافية.
70- ويلاحظ أن التعديلات التي وردت في التعديل المقترح للاتفاقية على نصوص المعاملة التفضيلية، قد قامت بتبني ذات التوجه المتبع في معظم اتفاقيات الاستثمار. فقد أضاف التعديل المقترح للاتفاقية أن معاملة المستثمر لا يجوز أن تقل عن تلك الممنوحة لمواطني الدولة المضيفة للاستثمار أو دولة ثالثة أيهما أفضل. وانطلاقاً من ذلك، كان هذا التعديل متبنياً مفهوم المعاملة مع المعاملة التفضيلية الوارد في معظم اتفاقيات الاستثمار الثنائية، والذي يهدف بالفعل إلى منح أفضل معاملة للمستثمر واستقدام المستثمرين، وليس وضع التزام صوري على الدولة يفتح المجال في ألا يتم منح المستثمر معاملة تليق به استناداً إلى تماثل تلك تلك الممنوحة لمواطني الدولة.
71- ويلاحظ أن النص الجديد في التعديل المقترح للاتفاقية لا يشمل فقط تلك المعاملة التمييزية الممنوحة لدولة طرف في الاتفاقية، بل ورد مطلقاً بما يؤدى إلى إمكانية استفادة المستثمر من المعاملة التفضيلية الممنوحة لدولة أجنبية غير طرف في الاتفاقية. وهو ما يؤكده نص المادة (5-3) والذي منح المستثمر حق التمتع بمعاملة أخرى منصوص عليها في اتفاقيات استثمارية أخرى ومع ذلك فإن معاملة المستثمر وفقاً لذلك التنظيم لا تشمل المزايا الممنوحة استناداً إلى العضوية في منطقة تجارة حرة أو إتحاد جمركي أو سوق مشتركة، أو المعاملة الضريبية أو الزكوية أو تملك الأراضي والعقارات، وهي استثناءات ليست غير مألوفة في بعض اتفاقيات الاستثمار الثنائية وذلك كما سبق القول.
72- كما تناول التعديل المقترح للاتفاقية نصاً جديداً آخر، يبين أن الدولة المضيفة للاستثمار يتعين عليها أن تمنح المستثمر معاملة لا تقل عن تلك الممنوحة لمستثمريها أو طرف ثالث أيهما أفضل وذلك في حالة تعرض استثمارات المستثمر لضرر ناتج عن حرب أو حالة طوارئ وطنية.
73- وتأكيداً على أن تلك النصوص الواردة بالتعديل المقترح للاتفاقية تهدف إلى منح المستثمرين أفضل معاملة ممكنة فقد جاءت المادة (14) من التعديل المقترح للاتفاقية لتنص على أنه: "للدولة المضيفة تقرير أي مزايا إضافية للاستثمار العربي تجاوز الحد الأدنى المنصوص عليه في هذه الاتفاقية". وبالتالي، يمكن للدولة منح مزايا إضافية للإستثمار العربي، مع تخويلها حق تمييز إستثمار محدد نظراً لأهميته الخاصة لتلك الدولة، وفقا للمادة (3-5) من التعديل المقترح للإتفاقية، وهو حق يفتقر الى ضابط أو معيار موضوعي وقد يعصف بمبدأ عدم التمييز ويفتح الباب للتعسف بشأن المعاملة التفضيلية.
د) نزع الملكية:
74- تنص الفقرة الأولى من المادة (9) من الاتفاقية:
"لا يخضع رأس المال العربي المستثمر بموجب أحكام هذه الاتفاقية لأية تدابير خاصة أو عامة، دائمة أو مؤقتة مهما كانت صياغتها القانونية تلحق أياً من أصوله أو احتياطاته أو عوائده، كلياً أو جزئياً وتؤدي إلى المصادرة أو الاستيلاء الجبري أو نزع الملكية أو التأميم أو التصفية أو الحل أو انتزاع أو تبديد أسرار الملكية الفنية أو الحقوق العينية الأخرى أو منع سداد الديون أو تأجيلها جبراً أو أية تدابير أخرى تؤدي إلى الحجز أو التجميد أو الحراسة أو غير ذاته أو إلى الإخلال بما يترتب عليه للمالك من سلطات جوهرية تتمثل في سيطرته على الاستثمار وحيازته وحقوق إدارته وحصوله على عوائده أو استيفاء حقوقه والوفاء بالتزاماته".
75- بتحليل نص هذه المادة، نجد أنها اجتمعت مع اتفاقيات الاستثمار الثنائية حول مدلول ومفهوم نزع الملكية به، وفقاً لأغلب اتفاقيات الاستثمار، والذي يعتبر نزع الملكية "أية إجراءات من شأنها أن تزيل كل قيمة أو معظم قيمة الاستثمار المملوك للمستثمر" وانطلاقاً من ذلك، فإن مفهوم نزع الملكية لا يشمل فقط الفعل المباشر والمتعمد والذي يتم بموجبه نزع الملكية كالتأميم، بل يشمل، فضلاً عن ذلك، الأفعال غير المباشرة كالتدابير الضريبية وسحب التراخيص والتي تؤثر جوهرياً في استخدام الاستثمار وقيمته.
76- وبمقارنة نص المادة (9) من الاتفاقية بمثيلاتها من اتفاقيات الاستثمار، يتبين اتساقها مع الأخيرة، حيث استخدمت تعبير "أية تدابير [...] مهما كانت صياغتها القانونية [...] من صور المساس بحق الملكية في ذاته أو إلى الإخلال بما يترتب عليه للمالك من سلطات جوهرية تتمثل في سيطرته على الاستثمار وحيازته وحقوق إدارته وحصوله على عوائده أو استيفاء حقوقه والوفاء بالتزاماته". وبالتالي، تحمي هذه الاتفاقية الاستثمار والحقوق الواردة عليه والمنصوص عليها على سبيل المثال لا الحصر، من كافة أنواع الانتهاكات التي من الممكن أن تمارس من قبل الدولة، وتؤدي إلى الانتقاص من قيمته.
77- غير أنه، على غرار اتفاقيات الاستثمار الأخرى لا يعتبر هذا الحق مطلقاً من كل قيد، حيث إن الدولة تتمتع بمكنة نزع الملكية طالما كان ذلك للمصلحة العامة في إطار ممارسة الدولة لسلطاتها على نحو مشروع، وعلى أساس غير تمييزي وفي مقابل تعويض عادل مع كفالة حق الطعن للمستثمر.
78- وفي هذا الشأن اتفق القيد الأول مع ما يرد في اتفاقيات الاستثمار الثنائية من حيث الشروط المتطلبة حتى يباح نزع الملكية، فيتعين نزع الملكية من أجل تحقيق مصلحة عامة، وعلى أساس غير تمييزي، بالإضافة إلى ذلك تطلبت بعض الاتفاقيات نزع الملكية وفقاً لصحيح تطبيق القانون، وأن يصاحب نزع الملكية سداد تعويض سريع، وكاف، وفعال. وبمناسبة كفاية التعويض قام بعض الفقه بتفسير هذا الشرط على أنه يقتضي أن يكون مساوياً للقيمة السوقية للاستثمار محل نزع الملكية. وقد نص التعديل المقترح للاتفاقية على أن التعويض عن نزع الملكية للمصلحة العامة يتعين أن يكون مساوياً للقيمة السوقية للاستثمار قبل اتخاذ قرار نزع الملكية أو يكون معروفاً للجمهور أيهما أسبق.
79- إلى جانب هذا القيد تتمتع الدولة أيضاً – وفقاً للاتفاقية قيد الدراسة بمكنة التعرض للاستثمار بموجب "اتخاذ الإجراءات التحفظية الصادرة بموجب أمر من جهة قضائية مختصة وإجراءات تنفيذ الأحكام الصادرة من جهة قضائية مختصة". ويبدو هذا النص طبيعياً ومنطقياً، ذلك أنه يخول الدولة مكنة تنفيذ الأحكام القضائية أو تنفيذ الإجراءات التحفظية الصادرة من الجهات القضائية. ولعله من المحمود تقييد اتخاذ تلك الإجراءات بالحصول على أمر أو قرار قضائي، وليس محض عمل إداري يفتقر إلى الموضوعية والاستقلال.
هـ) التعويض المقرر وفقاً لهذه الاتفاقية:
80- نصت المادة (10) من هذه الاتفاقية بمناسبة التعويضات على أنه:
"1- يستحق المستثمر العربي تعويضاً عما يصيبه من ضرر نتيجة قيام دولـة طـرف أو إحدى سلطاتها العامة أو المحلية ومؤسساتها بما يلي:
أ- المساس بأي من الحقوق والضمانات المقررة للمستثمر العربي في هذه الاتفاقيـة أو في أي قرار صادر بموجبها من جهة مختصة.
ب-الإخلال بأي من الالتزامات والتعهدات الدولية المفروضة علـى عـاتق الدولـة الطرف والناشئة عن هذه الاتفاقية لمصلحة المستثمر العربي أو عدم القيام بمـا يلزم لتنفيذها سواء كان ذلك ناشئاً عن عمد أو إهمال.
ج الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي واجب النفاذ ذي صلة مباشرة بالاستثمار.
د- التسبب بأي وجه آخر بالفعل أو الامتناع عن إحداث ضرر للمستثمر العربـي بمخالفة الأحكام القانونية النافذة في الدولة التي يقع فيها الاستثمار.
2- تكون قيمة التعويض مساوية لما لحق المستثمر العربي من ضرر تبعاً لنـوع الـضـرر ومقداره".
81- وقد راعي هذا النص قواعد المسؤولية من خطأ وضرر وعلاقة سببية، بل حدد على سبيل الحصر- الحالات التي يستحق بناء عليها المستثمر تعويضاً. منها حالة الإخلال بأحكام الاتفاقية، أو مخالفة الأحكام القانونية النافذة في البلد المضيفة للاستثمار.
82- وبالرغم من أن هذا النص ظاهرياً يعدد حالات معينة يستحق فيها التعويض على سبيل الحصر، إلا أن صياغته جاءت من الاتساع لتشمل إخلالات الدولة بالتزاماتها، سواء كان عن طريق ارتكاب فعل خاطئ يستوجب ضرراً أو الامتناع عن عمل يسبب ضرراً. وعليه، فإن هذه الصياغة محمودة، إذ وضعت معايير وليست محض حالات محصورة سلفاً.
83- على أن التعديل المقترح للاتفاقية قام بتعديل حالات التعويض باستبعاد الحالة التي تجيز التعويض في حالة المساس بأي من الحقوق والضمانات المنصوص عليها في الاتفاقية أو أي قرار صادر بموجبها من جهة مختصة. الأمر الذي قد يجد تبريره - من وجهة نظرنا – في أن السبب الثاني وهو الإخلال بنصوص الاتفاقية والذي استبقاه التعديل المقترح للاتفاقية، يتسع ليشمل حالة المساس بأي من الحقوق والضمانات المنصوص عليها في الاتفاقية.
84- وعلى صعيد آخر، وضعت هذه الاتفاقية أساسين للضرر، الأساس الأول هو المعيار التقليدي هو قيمة الضرر، أما الأساس الثاني هو نوع الضرر والذي يمكن أن يشمل الضرر مادياً أم أدبياً، جسيماً أم بسيطاً.
85- وبحسب الأصل، فإن هذه الاتفاقية بخلاف ما هو سائد في اتفاقيات الاستثمار الدولية تعتبر أن وسيلة جبر الضرر هي إعادة الحال إلى ما قبل وقوع الضرر، أي التنفيذ العيني، فإذا تعذر القيام به تم التنفيذ عن طريق التعويض النقدي.
86- وبالأخذ في الاعتبار أن هذا النص هو النص العام، والذي يقبل التقييد بموجب نص خاص، نجد أن النص المتعلق بنزع ملكية الاستثمار قد نص على أن الجزاء المترتب على نزع الملكية هو التعويض العادل، ومن ثم، يستحيل التنفيذ العيني في حالة نزع الملكية المشروع للمصلحة العامة، إذ يتعارض ذلك مع مقتضى نزع الملكية.
87- أما في ما يتعلق بالمدة التي يستحق عنها التعويض فنصت الاتفاقية على أنه يتم تحديد التعويض خلال ستة أشهر، ويتعين سداده خلال سنة من تاريخ تحديده، وإلا استحقت فوائد تأخيرية تحدد وفقاً لأسعار الفائدة المصرفية السائدة في الدولة التي يقع فيها الاستثمار.
88- وبمقارنة هذا النص بما هو سائد في اتفاقيات الاستثمار الثنائية نجد أن الأخيرة أوجبت سداد التعويض في أسرع وقت ممكن، كما أن سعر الفائدة التي تستحق، إن تم النص على فائدة، تكون وفقاً للسعر المعلن عنه من قبل البنك المركزي.
89- ويلاحظ أنه فيما يتعلق بالمدة التي يتعين سداد التعويض عن نزع الملكية للمصلحة العامة خلالها، نجد أن نزع الملكية يستوجب التعويض خلال سنة من تاريخ اكتساب قرار نزع الملكية صفته القطعية، على عكس التعويض المستحق عن الانتهاكات الأخرى، الذي قد يتم الحصول عليه بعد سنة ونصف من تاريخ وقوع الضرر بحد أقصى، وإلا تم احتساب فوائد تأخير.
رابعاً- المسائل الإضافية التي انفردت الاتفاقية بتنظيمها:
أ) حرية انتقال مواطني الدول:
90- تنص المادة (12) من هذه الاتفاقية على أن:
"يتمتع المستثمر العربي مع أفراد أسرته بحق الدخول والإقامة والانتقال والمغادرة والحرية وبلا عائق في إقليم الدولة التي يقع فيها الاستثمار ولا تفرض قيود على هذا الحق إلا بأمر قضائي، وذلك مع مراعاة أحكام المادة (39). ويتمتع العاملون في الإستثمار وأسرهم بتسهيلات الدخول والإقامة والمغادرة".
91- هذا النص بديهي ومنطقي في إطار منظومة تشجيع الاستثمار العربي البيني، إذ منح مستويين من الحقوق. المستوى الأول يتمثل في حق المستثمر وأفراد أسرته في الدخول والإقامة والانتقال والمغادرة دون عوائق- من وإلى إقليم الدولة المضيفة للاستثمار. وقد حظر النص فرض ثمة قيود أو عوائق باستثناء ما يتم فرضه بأمر قضائي، علماً أن المادة (39) من الاتفاقية وضعت قيدا عاما يتيح للدولة اتخاذ تدابير أمن لتحقيق المصلحة العامة وهو ما يمكن أن يشكل قيداً إضافيا عاماً على حق الانتقال.
92- ويظـل التسـاؤل مطروحاً عن نطاق تعبير "أفراد أسرته"، حيث جاء النص خلواً من تحديد درجة قرابـة وتوضيح مفهوم الأسرة وما إذا كانت الأسرة الصغيرة أم كامل
العائلة.
93- أما عن المستوى الثاني فيتمثل في العاملين في الاستثمار وأسرهم، إذ يتمتع هؤلاء بتسهيلات في الإقامة والدخول والانتقال والمغادرة، وهو ما يعني أنه يمكن فرض قيود، ولكن بسيطة، بحيث تظل هنالك تسهيلات مقارنة بما يخضع له الأغيار - غير المرتبطين بالاستثمار من قيود. على أنه في جميع الأحوال يظل قيد المصلحة العامة الوارد في المادة (39) قيداً عاماً، التأكيد على أن مصطلح "المصلحة العامة"، وإذ يستعصي على التحديد الدقيق، فإنه يصلح ذريعة للانحراف بالسلطة. لذا فإن رقابة المشروعية والملاءمة للقضاء الوطني واجبة حتى لا يتخذ قيد المصلحة العامة ذريعة لإفراغ حقوق المستثمرين مع من مضمونها.
ب) مساعدة الدول أعضاء الاتفاقية المستثمر في إيجاد أيد عاملة:
94- وضعت هذه الاتفاقية التزاماً على الدولة بمساعدة المستثمر الأجنبي على إيجاد أيد عاملة، إلا أنها في ذات الوقت أعطت الأولوية في التشغيل لمواطني الدولة نفسها، ثم غيرهم من العرب، ثم الأجانب.
95- ويلاحظ في هذا الشأن أن هذا النص يمنح أولوية للمواطنين - بغية مكافحة البطالة وتنمية قدرات المواطنين- ثم العرب ثم سائر الأجانب. غير أنه يفترض بطبيعة الحال - توافر أيد وطنية أو عربية عاملة تتمتع بذات الكفاءة والخبرة والتخصص، حتى يكون ذلك حائلا دون استقدام أجانب، وهو ما قام التعديل المقترح للاتفاقية بالنص عليه صراحة.
ج) ضمان الاستثمار:
96- سعياً لتحقيق أهدافها في توفير مناخ ملائم للاستثمار لتحريك الموارد الاقتصادية العربية، وتشجيعاً للاستثمار، تقوم المؤسسة العربية لضمان الاستثمار بالتأمين على الأموال المستثمرة، وذلك وفقا لاتفاقية إنشاء المؤسسة العربية لضمان الاستثمار. وبالرجوع إلى تلك الاتفاقية المشار إليها، تكون الاستثمارات المشمولة بالحماية هي:
"كافة الاستثمارات ما بين الأقطار المتعاقدة سواء كانت من الاستثمارات المباشرة بما في ذلك المشروعات وفروعها ووكلائها وملكية الحصص والعقارات أو من استثمارات الحافظة بما في ذلك ملكية الأسهم والسندات، وكذلك القروض التي يجاوز أجلها ثلاث سنوات أو القروض ذات الأجل الأقصر التي يقرر مجلس الإدارة على سبيل الاستثناء صلاحيتها للتأمين".
97- كما تشمل الحماية التسهيلات الائتمانية أياً كانت مدتها المرتبطة بعمليات التصدير والاستيراد فيما بين الأقطار المتعاقدة أو تلك المرتبطة بعمليات تصدير لخارج الأقطار المتعاقدة، شريطة أن تتعلق بتصدير خدمات أو مواد أولية من منتجات احدى الدول أطراف الاتفاقية أو سلع تم تصنيعها كليا أو جزئياً في تلك الدولة أو تم تجميعها أو تشكيلها فيه، ما دام أنه ترتب على تلك العملية قيمة اقتصادية للدولة الطرف.
98- أما بالنسبة للمخاطر المشمولة بالحماية من قبل تلك الاتفاقية، فهي المخاطر غير التجارية التي يصعب على المستثمر توقيها بوسيلة أخرى. وتشمل هذه المخاطر التأميم والمصادرة ونزع الملكية والحروب وأعمال الشغب ذات الطابع العام وعدم القدرة على تحويل حقوق المستثمر والإخلالات العقدية."
99- وبالتدقيق في نص المادتين (32) و(18) المبينتين للمخاطر المشمولة بالحماية، وفقاً لاتفاقية إنشاء المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، نجد أن هاتين المادتين أشارتا إلى ضرورة انطباق شروط وأحكام اتفاقية المؤسسة والتي بدورها أشارت إلى "عقد التأمين" الأمر الذي يؤدي من وجهة نظرنا إلى القول بأن النص الوارد في الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية، لا يكفي بذاته للقول بوجود تأمين تلقائي، بل يشترط فضلاً عن ذلك إبرام عقد تأمين، وفقاً للشروط والأحكام والقواعد الخاصة بالمؤسسة.
100- فضلاً عن ذلك، فإن المادة (22) من اتفاقية إنشاء المؤسسة العربية لضمان الاستثمار لا ترتب تلقائياً ضماناً للاستثمار، بل يتعين الحصول على إذن من السلطة الرسمية المختصة بالدولة المضيفة، وبالتالي كانت الاتفاقية محل الدراسة، أي الاتفاقية الموحدة لاستثمار المضيفة، رؤوس الأموال العربية في الدول العربية، لا ترتب تأميناً تلقائياً، بل مجرد سبيلاً للحصول على تأمين، إلا أن اتفاقية المؤسسة العربية للضمان العربي قد أحسنت بتضمين نص باعتبار السكوت بمثابة قبول لطلب الإذن بالتأمين.
101- وهذا الشأن تم تأكيده في ظل المادة (18) من التعديل المقترح للاتفاقية التي تنص على أن للمستثمر العربي أن يؤمن على استثماره لدى المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات أو أي جهة تأمين يراها مناسبة". وهو ما يؤكد النتيجة التي توصلنا إليها من عدم ترتيب تأمين تلقائي، بل تعين إبرام عقد تأمين، وهو ما أكده تعديل النص والذي أعطى للمستثمر خيار التأمين لدى المؤسسة.
102- وأخيراً، إذا قامت المؤسسة بسداد تعويض للمستثمر في الأحوال التي تمنح فيها المؤسسة ضماناً مع الدولة، أو قامت الدولة منفردة أو مع جهة أخرى، بسداد أي تعويض للمستثمر بموجب هذا الضمان، يحق للدافع الحلول محل المستثمر في حدود ما سدده على ألا يتعدى بطبيعة الحال الحقوق المقررة قانوناً للمستثمر.
103- إن مبدأ الحلول وما تضمنته المادة (24) من الاتفاقية قيد الدراسة يعد في غاية الأهمية، إذ يرسخ مبدأ عدم أحقية المستثمر في اقتضاء أكثر من تعويض اقتضاء أكثر من تعويض أو الجمع بين عدة تعويضات عن ذلك الإخلال، وهو ما يستوجب نوعاً من المقاصة والحلول القانونية لقصر اقتضاء المستثمر لحقه دون زيادة أو نقصان.
خامساً- الحماية الإجرائية في ظل هذه الاتفاقية:
104- تتم تسوية المنازعات التي تنشأ عن تطبيق هذه الاتفاقية عن طريق التحكيم أو التوفيق أو محكمة الاستثمار العربي، والتي تحل محلها محكمة العدل العربية، كذلك يجوز تسوية المنازعات التي تنشأ عن طريق تطبيق الاتفاقية عن طريق القضاء الوطني. وفي ظل تناولنا التنظيم الإجرائي لهذه الاتفاقية لسبل فض النزاع، سوف نقوم أولاً بإبداء بعض الملاحظـات الأوليـة المتعلقة بتسوية النزاع، ثم نتناول كل وسيلة على حدة، وفقاً لما يلي.
أ) ملاحظات أولية:
105- يلاحظ من جهة أولى أن نص المادة (25) المتعلق بفض النزاعات قد قصر نطاقه على المنازعات "الناشئة عن تطبيق هذه الاتفاقية"، دون أن يبين النطاق الشخصي للمنازعات، وهي صياغة يجب أن تفسر في ضوء المادة (29) والمتعلقة باختصاص محكمة الاستثمار العربية، والتي حددت النطاق الشخصي لأطراف النزاع الذين يجوز لهم إحالته إليها، إذ نصت على أنه:
"2- يشترط في النزاع أن يكون قائماً:
أ- بين أية دولة طرف ودولة طرف أخرى أو بين دولة طرف وبين المؤسسات والهيئات العامة التابعة للأطراف الأخرى أو بين المؤسسات والهيئات العامة التابعة
لأكثر من دولة طرف.
ب- بين الأشخاص المذكورين في الفقرة (1) وبين المستثمرين العرب.
ج- بين الأشخاص المذكورين في الفقرتين (1) و(2) وبين الجهات التي توفر ضمانات للاستثمار طبقاً لهذه الاتفاقية ".
106- أما فيما يتعلق بالنطاق الموضوعي، فالعبارة العامة الواردة أعلاه بالمادة (25) توحي بأن هذا النطاق يشمل إخلالات الأطراف بالتزاماتهم بموجب هذه الاتفاقية، ويشمل أية منازعات متعلقة بها أو تنشأ في ظلها، ويشمل مخالفة قوانين الدولة أو الالتزامات الواردة في الاتفاقيات الأخرى، والتي اشير إليها في المادة (10)، وغير ذلك ما يصدق عليه وصف النشوء عن تطبيق الاتفاقية.
107- أما في ظل التعديل المقترح للإتفاقية، فقد تم حذف نص المادة (29) واستبقاء النص الذي يبين أن نطاق فض المنازعات يشمل تلك "الناشئة عن تطبيق هذه الاتفاقية" فقط. وفي جميع الأحوال، فإنه في ظل النص الجديد يتم الفصل في المنازعات الناشئة عن تطبيق الاتفاقية بصفة أصلية عن طريق محكمة الاستثمار العربية ووفقاً لنظامها الأساسي. بالإضافة إلى ذلك، في الأحوال التي يتعذر فيها الفصل في النزاع وفقاً لاتفاق الأطراف، يتم اللجوء إلى محكمة الاستثمار العربية. 108- وعلى صعيد آخر، يلاحظ أن اختصاص المحكمة ليس اختصاصاً حصرياً، بل يجوز للأطراف الاتفاق على مخالفته، كما يجوز للأطراف إحالة النزاع إلى القضاء الوطني.
على أنه يراعي أن إحالة النزاع إلى القضاء الوطني، على غرار التنظيم الساري يحول دون رفع الدعوى أمام جهة أخرى. غير أن التعديل المقترح للاتفاقية لم يبين كيفية الفصل في تنازع الاختصاص بين الجهتين على غرار نص المادة (32) من الاتفاقية المبرمة في 1980.
109- وبمقارنة نصوص فض المنازعات بنظيرتها الواردة في اتفاقيات الاستثمار يتبين أن الأخيرة قد جاءت محتوية على نصوص تنظم تسوية المنازعات التي تنشأ بين الدول، والمنازعات التي تنشأ بين الدول والمستثمرين.
110- ومن جهة ثانية، يلاحظ أن هذه الاتفاقية بخلاف بعض اتفاقيات الاستثمار، تضمنت نصوصاً تفضيلية بشأن تسوية المنازعات التي تنشأ بين المستثمرين والدولة المضيفة للاستثمار بالطرق الودية عن طريق التوفيق Conciliation.
111- توجب بعض اتفاقيات الاستثمار الثنائية على أطراف النزاع اللجوء أولاً إلى سبل تسوية النزاع بالطرق الودية وانقضاء فترة زمنية معينة قبل لجوء الأطراف إلى جهات التقاضي.
112- وبالرغم من تضمن العديد من اتفاقيات الاستثمار الثنائية هذا البند، إلا أنه لم يحل دون إنعقاد اختصاص هيئة التحكيم. فعلى سبيل المثال، في LG&E v. Argentina قضت هيئة التحكيم أنه بالرغم من عدم القيام بالتشاور المتطلب، إلا أن انقضاء مدة الستة الأشهر المستغرقة لفض النزاع بالطريق الودي تكفي بحد ذاتها، لقبول الدعوى. الأمر الذي يستشف منه أنه لا يشترط القيام بالتشاور بحد ذاته، بل فقط انقضاء المدة المتطلبة. فطالما قام المستثمر بتقديم الإخطار بوجود نزاع، سقط حق الدولة المضيفة للاستثمار في التمسك بالدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم.
113- ومن وجهة نظرنا، إن اشتراط القيام بمحاولة تسوية النزاع ودياً يهدف في الدرجة الأولى إلى تفادي مغبة اللجوء الى التحكيم وتكاليفه، وحرصاً على إستمرار العلاقة الطيبة بين المتنازعين، إلا أنه في ذات الوقت، قد يكون واجب الانتظار فترة معينة حتى تكتمل عناصر الحق الإجرائي في اللجوء الى التحكيم غير مجد، بالنظر إلى أن الدولة قد لا تكون متعاونة، وقد لا يؤدي هذا الطريق الودي لحل النزاع، خاصة أن هذه السبل، كالتوفيق ما زالت تفتقر إلى الثقافة المساندة في الدول العربية وهو ما قد يؤثر سلباً على حل للنزاع. الأمر الذي من الممكن أن يؤدي إلى إهدار الجهد والوقت هباء. وبالتالي، كان مسلك هذه الاتفاقية صائبا في عدم اشتراط مدة زمنية، وإن كان ذلك يقلل من فرص نجاح تلك السبل الودية.
114- ومن جهة ثالثة، قد تنص اتفاقيات الاستثمار الثنائية على أن اللجوء إلى أحد سبل فض المنازعات يغلق على المستثمر اللجوء إلى طريق آخر وهو ما إصطلح على تسميته بشوكة على الطريق أو "fork-in-the-road“،81 وقد تضمنت الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال حكماً مماثلاً، إذ نصت على أن اللجوء الى قضاء الدولة يمنع المستثمر من اللجوء الى محكمة الاستثمار العربية. ولكنها لم تبين الأثر المترتب على اللجوء إلى التحكيم. وفي ظل غياب النص الصريح، لا يحول اللجوء الى القضاء الوطني دون إمكانية اللجوء الى التوفيق والتحكيم. كذلك لا يحول اللجوء الى التحكيم دون اللجوء الى محكمة الاستثمار العربية والعكس صحيح. وكل ذلك مع مراعاة "قوة الأمر المقضي" Res Judicata الحائل دون إعادة النظر في نزاع سبق الفصل فيه، وبين ذات الخصوم ولذات الأسباب.
115- وعليه، فإنه بالرغم من غياب النص، ووفقاً لنص الاتفاقية يكون حكم التحكيم نهائياً وملزماً،83 الأمر الذي يفيد تمتع حكم التحكيم بحجية تحول دون إعادة إثارة موضوعه، أمام جهة تقاض أخرى، بل إن ملحق التوفيق والتحكيم قد نص على أن عدم تنفيذ حكم التحكيم خلال ثلاثة أشهر منذ صدوره يؤدي إلى نشأة الحق في إمكانية إحالة المسألة إلى محكمة الاستثمار العربي لتنفيذه، الأمر الذي يؤكد تمتع الحكم التحكيمي بحجية أمامها، وهو ما يحول دون التطرق الى موضوع النزاع مرة أخرى.
ب) سبل فض النزاع وفقاً لهذه الاتفاقية:
116- يبين من الاتفاقية أنه يجوز اللجوء إلى أربعة سبل لفض المنازعات التي تنشأ بين أطراف الاتفاقية. وبالإضافة إلى تلك السبل، قام ملحق الوساطة والتوفيق والتحكيم المرفق بالتعديل المقترح للاتفاقية، بإضافة الوساطة كسبيل لفض المنازعات. وفي جميع الأحوال وفقاً فقا للنص المعدل، فإن تلك السبل لفض المنازعات لا يتم اللجوء إليها إلا بموجب اتفاق الأطراف، سواء كان هذا الاتفاق سابق أم لاحق على نشأة النزاع.
117- أما فيما يتعلق بالتوفيق، فقد بين ملحق الوساطة والتوفيق والتحكيم من التعديل المقترح للاتفاقية، أن مهمة الوسيط تقتصر على تقريب وجهات النظر، وذلك بخلاف الموفق الذي يكون له دور إيجابي حيث يكون له حق إبداء المقترحات.
118- وفيما يلي سوف نتناول السبل الأربع المنصوص عليها في نص الاتفاقية الحالي، وفقاً للتفصيل التالي:
1-اللجوء الى التوفيق Conciliation:
119- يقوم ملحق التوفيق والتحكيم بتنظيم التوفيق باعتباره احد سبل فض المنازعات الناشئة عن تطبيق الاتفاقية، وذلك كما تمت الإحالة إليه من قبل المادة (26) من الاتفاقية.
120- والتوفيق هو أحد سبل فض المنازعات بالطرق الودية، وهو - بطبيعة الحال بطبيعة الحال – لا ينتهي بحكم ملزم لأطراف النزاع، وهو ما تم تأكيده من قبل ملحق التوفيق والتحكيم، وفقاً للمادة (1-3) منه." ومع التدقيق في صياغة نص هذه المادة نجد أن صياغتها قد جاءت صريحة في أن تقرير الموفق لا يتمتع بالحجية أمام القضاء.
121- وبالرجوع الى سائر نصوص الاتفاقية، يستشف منها أن هذا التقرير لا يتمتع بالفعل بأية قوة ملزمة، حيث يبين من المادة (1) لملحق التوفيق والتحكيم، والمتعلقة بالتوفيق أن مهمة الموفق تقتصر "على التقريب بين وجهات النظر المختلفة ويكون له حق إبداء المقترحات الكفيلة بحل يرتضيه الأطراف".وهو ما تم تأكيده ضمنياً بموجب المادة (2-1) من ملحق التوفيق والتحكيم، والتي نصت على أن اللجوء الى التحكيم يكون في حالة عدم اتفاق الأطراف على قبول الحلول المقترحة في تقرير الموفق.
122- وكما سبق القول، فإن لجوء أطراف النزاع إلى التوفيق يعتبر مكنة جوازية وخياراً لهم. ويلاحظ كذلك أن صياغة هذا النص تدل على أن جواز اللجوء الى التوفيق لا يعتبر إيجابا من قبل الدولة المضيفة للاستثمار، بل فقط دعوة للتفاوض على اللجوء الى التوفيق، وهو ما يستشف من إشارة المادة (1) من ملحق التوفيق والتحكيم إلى "اتفاق التوفيق"، كذلك أشـارت المادة (2-1) من ذات الملحق لعدم اتفاق الطرفين على اللجوء الى التوفيق.
123- أما فيما يتعلق بالاتفاقية محل الدراسة، فيلاحظ أنها قد أفردت تنظيماً لإجراءات التوفيق في الفقرات (1) و(2) من ملحق التوفيق والتحكيم، وهو ما لا نجده في العديد من اتفاقيات الاستثمار الثنائية والتي -كما سبق القول أعلاه- قد إقتصرت على الإشارة إلى إمكانية اللجوء إلى سبل فض المنازعات الودية كشرط أولي للجوء الى التقاضي، دون تحديد شكل هذا الأسلوب الودي أو إجراءاته. وهو ما يعتبر مسلكاً محموداً من وجهة نظرنا يؤكد جدية التوفيق وأهميته.
124- وبالمقابل، فإن الاتفاقية محل الدراسة بالرغم من أنها حددت سبيل التوفيق لفض النزاع، إلا أن هذا الطريق لا يعتبر اجبارياً، بل إنه لا يعتبر شرطاً أولياً لفض المنازعات، كما سبق القول أعلاه. وبالتالي تجنبت هذه الاتفاقية العراقيل الإجرائية التي يمكن أن تثور في ظل بعض اتفاقيات الاستثمار الثنائية.
125- ووفقا لما يبين من النص يجوز للأطراف اختيار الموفق، كما "[...] يجوز للمتنازعين أن يطلبا من الأمين العام لجامعة الدول العربية اختيار من يتولى التوفيق بينهما [...]".
وكما يبين من النص فإن اتفاق اللجوء الى التوفيق يكون مكتوباً لاشتراط الملحق "أن يتضمن الاتفاق وصفاً للنزاع ولمطالبات الأطراف فيه، واسم الموفق الذي اختاراه والأتعاب التي قرراها له". وفي الأحوال التي يتم فيها تعيين الموفق من قبل الأمين العام لجامعة الدول العربية، فإن الأمانة العامة للجامعة تبلغ الموفق نسخة من اتفاق التوفيق وتطلب إليه مباشرة مهمته.
126- وسواء تم تعيين الموفق من قبل الأطراف أو من قبل الأمين العام للجامعة، فإن الموفق يقوم خلال ثلاثة أشهر من تبليغه بمهمة التوفيق بتقديم تقريره إلى المجلس الاقتصادي للجامعة، ويقوم المجلس بإبلاغ التقرير إلى الأطراف ليكون لكل منهم إبداء الرأي فيه من تاريخ التبليغ. ويلاحظ أنه دعماً للدور الإيجابي للأطراف في فض النزاع ومن أجل الوصول الى حل حقيقي للنزاع، أوجب الملحق على الأطراف تزويد الموفق البيانات والوثائق التي تساعده على الاضطلاع بمهمته.
2 -اللجوء الى التحكيم Arbitration:
127- اللجوء الى التحكيم هو السبيل الثاني أمام أطراف النزاع وفقا لهذه الاتفاقية. وعلى غرار التوفيق تم تنظيمه في ملحق التوفيق والتحكيم.
128- والتحكيم المنصوص عليه في هذا الملحق هو تحكيم غير مؤسسي. وقد قامت بعض اتفاقيات الاستثمار الثنائية بالنص على هذا النوع من التحكيم، بالإضافة إلى إمكانية اللجوء إلى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، أو غرفة التجارة الدولية أو غرفة التجارة بستوكهولم، وما إلى ذلك من مراكز التحكيم.
129- ويلاحظ أنه بالنسبة للتحكيم على غرار التوفيق، لم ترد فيه عبارات قطعية تعكس إيجاباً حقيقياً من قبل الدول المتعاقدة على اللجوء الى التحكيم، فقد نصت المادة (2-1) من ملحق التوفيق والتحكيم على أنه:
"إذا لم يتفق الطرفان على اللجوء إلى التوفيق، أو لم يتمكن الموفق من إصدار تقريره في المدة المحددة، أو لم يتفق الأطراف على قبول الحلول المقترحة فيه، جاز للطرفين، الاتفاق على اللجوء الى التحكيم".
130- وبالتدقيق في عبارة هذا النص، نجد أنها "أجازت" اللجوء الى التحكيم دون إلزامية اللجوء إليه. وبالمقارنة باتفاقيات الاستثمار الثنائية، نجد أن الصياغة التي وردت في العديد من اتفاقيات الاستثمار عادة ما ترد بطريقة أكثر وضوحاً، مما جعل الفقه يذهب إلى أن تلك الصياغة الواضحة قد تعبر عن إيجاب من قبل الدولة.
131- وهذا التوجه يجد تبريره في صياغة النصوص ذاتها، فعلى سبيل المثال بالنظر الى النص الوارد في اتفاقية الاستثمار الثنائية المبرمة بين مصر والإمارات نجد أن النص قد استعمل تعبير "[...] توافق كل دولة متعاقدة على عرض النزاع [...] إلى المركز الدولي لتسوية المنازعات[...]"، وأيضاً المادة (9-2) من اتفاقية الاستثمار الثنائية المبرمة بين مصر وقبرص "[...] يتم إحالته وفقا لطلب المستثمر لأي من الآتي [...]". أما في الأحوال التي لا يكون فيها تعبير الدولة قطعياً، يذهب بعض الفقه إلى القول أن استخدام عبارات مثل "سوف توافق الدولة"، لا يعتبر بذاته تعبيراً قطعياً على موافقة الدولة على اللجوء الى التحكيم.
132- وفي ظل مقارنة هذه النصوص القطعية، بالنص الوارد في الاتفاقية محل الدراسة، نرى أن النص الأخير لا يحمل على القول بقيام إيجاب صريح من قبل الدولة. خاصة بالأخذ في الاعتبار أن المادة (27) قد أشارت إلى إمكانية عدم الاتفاق على التحكيم.
133- وقد أفرد ملحق التوفيق والتحكيم التنظيم الإجرائي للتحكيم، حيث بين الطريقة التي يتم بها تعيين المحكمين، وهي الطريقة التقليدية بأن يقوم كل طرف بتعيين محكمه، ويقوم المحكمان المعينان عن الأطراف بتعيين رئيس الهيئة، وفي حالة عدم اتفاق المحكمين المعينين عن الأطراف، إما يقوم محكم واحد فرد بالفصل في النزاع، أو يتم تشكيل هيئة التحكيم من عدد فردي للمحكمين، يكون لكل طرف أن يطلب من الأمين العام لجامعة الدول العربية تعيينه، ، الأمر الذي يفهم منه في الحالة الأخيرة أنه لا يشترط أن تتكون هيئة التحكيم من ثلاثة محكمين، إلا أنه في ذات الوقت، إطلاق القول من تطلب "عدد فردي من المحكمين" من الممكن أن يثير خلافات حول ما هو العدد المقبول والجهة التي تقوم بالفصل في الخلافات التي من الممكن أن تنشأ بين الأطراف في هذا الشأن.
134- بالإضافة إلى تلك النصوص عالجت الاتفاقية فرضية تغيير المحكم، ومكان وزمان الجلسة الأولى للتحكيم، ، ومبدأ الاختصاص بالاختصاص،وحق الدفاع، وكذلك أتعاب المحكمين.
135- وكما هو الشأن بالنسبة لملحق التوفيق والتحكيم الساري، تناول ملحق الوساطة والتوفيق والتحكيم بالتعديل المقترح للاتفاقية تنظيم إجراءات التحكيم. وبالإضافة إلى ذلك، فقد بين في المادة (4-2) منه أن "ما لم يرد بشأنه نص في هذا الملحق تطبق بشأنه قواعد التوفيق والتحكيم للجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي (اليونسترال)". وتعتبر جامعة الدول العربية سلطة التعيين المشار إليها في قواعد (اليونسترال). وفي جميع الأحوال، فإن النصوص الواردة في ملحق الوساطة والتوفيق والتحكيم غير ملزمة، وذلك كما يبين من نص المادة (24) من التعديل المقترح للاتفاقية.
136- ويلاحظ أن هذه الاتفاقية قد وضعت فترة زمنية يتعين إصدار حكم التحكيم خلالها، وهي ستة أشهر من تاريخ أول انعقاد للهيئة. وقد يبدو لأول وهلة هذا الميعاد ميعاداً تنظيمياً، إلا أننا نجد أن الاتفاقية قد نصت أن مد تلك المدة يكون بموجب قرار يصدر من الأمين العام للجامعة بناء على طلب الهيئة بموجب طلب مسبب، وذلك إذا رأى الأول ضرورة لذلك وبما لا يتجاوز ستة أشهر.
137- وبالرغم من أن هذا النص يهدف إلى سرعة الفصل في النزاع، إلا أنه – من وجهة نظرنا - من الناحية العملية يصعب أن يحقق مقصوده. فمن جهة أولى ولتشعب وتعقد معظم منازعات التحكيم المتعلقة بالاستثمار، يصعب تخيل أنه من الممكن أن يصدر حكم في إحدى تلك المنازعات الدولية للاستثمار خلال ستة أشهر. ومن جهة ثانية، لم يحدد النص ما يعتبر ماهية الضرورة التي تبيح مد المدة، الأمر الذي يخضع بالتبعية لتقدير الأمين العام وسلطته التقديرية، ووارد جداً بالتبعية في هذا الشأن أن يرد تعسفه. ومن جهة ثالثة، فإن المدة التي يستغرقها تقديم الطلب وبته، لن تكون بالمدة اليسيرة من وجهة نظرنا، وبالتالي سوف تعرقل إجراءات التحكيم دون مسوغ. وأخيراً، فإن المادة (27-5) من الاتفاقية قد تناولت عدم صدور حكم التحكيم في المدة المقررة وأوكلت الفصل في النزاع الى القضاء.
138- ولعله من الجدير بالتعليق أنه بالرغم من أن التحكيم المذكور غير مؤسسي، فإن الاتفاقية أوكلت إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية سلطات عادة ما تتقرر للمؤسسات والمراكز التحكيمية مثل مد مدة التحكيم لأكثر من الأجل الذي تنص عليه القواعد أو النصوص.
139– ويكون حكم التحكيم الصادر نهائياً وغير قابل للطعن عليه، وقد أفردت الاتفاقية نصاً يفيد أنه "إذا مضت مدة ثلاثة أشهر من صدور حكم هيئة التحكيم دون تنفيذه يرفع الأمر إلى محكمة الاستثمار العربي للحكم بما تراه مناسبا لتنفيذه". وهذا النص جيد، إذ يحدد الإجراء واجب الاتباع عند النكول عن التنفيذ الاختياري، كما أنه أوضح بجلاء عدم قابلية الحكم للطعن عليه. ومن ثم، لا سبيل لطلب الإبطال أو الإستئناف، وهو توجه – بمقاييس الداعمين للتحكيم الدولي - محمود، فيمتنع الطعن ولو لسبب تعلق بالنظام العام، وذلك لورود النص قاطعاً في إستبعاد مكنة الطعن. 140- وبالرغم مما سبق، فقد جاء نص التعديل المقترح للاتفاقية – بالإضافة إلى تلك النصوص السابقة - للتأكيد على أن تنفيذ حكم التحكيم يكون وفقاً للمادة (37) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي بالنسبة للدول الأطراف فيها.
3- اللجوء الى محكمة الاستثمار العربية (Arab Investment Court) ومحكمة العدل العربية (Arab Court of Justice):
141- سوف نقوم بتقسيم دراستنا للنصوص المتعلقة بمحكمة الاستثمار العربية إلى قسمين: نتناول في القسم الأول تلك النصوص التي وردت في الاتفاقية محل الدراسة (أ)، ثم نقوم في القسم الثاني بتناول أهم النصوص التي وردت في النظام الأساسي لمحكمة الاستثمار العربية واللائحة التنفيذية لهذه المحكمة (ب).
(أ) تنظيم الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية:
142- تنص المادة (28) من الاتفاقية: " 1- لحين إنشاء محكمة العدل العربية وتحديد اختصاصاتها تنشأ محكمة للاستثمار العربي". وحتى كتابة هذه السطور لم نجد ما يفيد إنشاء محكمة العدل العربية بالفعل. وبالتالي، فإن المحكمة التي يتم اللجوء إليها تظل محكمة الاستثمار العربية المنشأة وفقا لهذه الاتفاقية.
143- وتتكون المحكمة من 12 قاضياً أصلياً، و11 قاضياً احتياطياً، وتبلغ مدة هذا التشكيل ثلاث سنوات من تاريخ أداء اليمين، والذي قد حدد بأن يكون في 17 فبراير 1202013. وفي ذلك نصت المادة (28) من الاتفاقية:
"2- تتكون المحكمة من خمسة قضاة على الأقل وعدد من الأعضاء الاحتياطيين ينتمي كل منهم إلى جنسية عربية مختلفة، يختارهم المجلس من بين قائمة من القانونيين العرب تعد خصيصاً لهذا الغرض ترشح كل دولة اثنين منهم ممن تؤهلهم صفاتهم الخلقية والعلمية لتولي المناصب القضائية الرفيعة ويسمي المجلس من بين أعضاء المحكمة رئيساً لها ".
144- كما تضمنت الاتفاقية نصوصاً في شأن تفرغ هؤلاء القضاة إذا استدعت حاجة العمل ذلك. ويبين من تنظيم الاتفاقية أنه لا يشترط بحسب الأصل تفرغ القضاة للعمل بالمحكمة، إلا أنه إذا تطلبت حاجة العمل ذلك، تعين عليهم التفرغ. ولم تقم الاتفاقية ببيان ما هي حاجة العمل تلك، كما أنها لم تضع معياراً موضوعياً له، الأمر الذي يجعل المرجعية في تطبيق هذا النص إلى السلطة التقديرية للجهة القائمة على تحديد هذه المسألة وهي المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
145- كذلك تناولت الاتفاقية أسلوب تحديد مكافآتهم، وما إلى ذلك من المسائل الإجرائية المتعلقة بالمحكمة وفقا للمادة (28) من الإتفاقية.
146- أما فيما يتعلق بسلطات وصلاحيات المحكمة، فكما سبق لنا بيانه أعلاه، فإن للمحكمة سلطة اتخاذ ما تراه مناسبا في حالة عدم تنفيذ حكم التحكيم. كما تتمتع المحكمة بسلطة الفصل في المنازعات (1) وتفسير نصوص الاتفاقية (2)، وهو ما سوف نتناوله تباعاً.
(1) سلطة الفصل في المنازعات وأثر الأحكام:
147- تنص المادة (29) من الاتفاقية:
"1- تختص المحكمة بالفصل فيما يعرضه عليها أحد طرفي الاستثمار من المنازعات المتعلقة بتطبيق أحكام هذه الاتفاقية أو الناتجة منها.
2- يشترط في النزاع أن يكون قائماً:
أ) بين أية دولة طرف ودولة طرف أخرى أو بين دولة طرف وبين المؤسسات والهيئات العامة التابعة للأطراف الأخرى أو بين المؤسسات والهيئات العامة التابعة لأكثر من دولة طرف.
ب) بين الأشخاص المذكورين في الفقرة (1) وبين المستثمرين العرب.
ت) بين الأشخاص المذكورين في الفقرتين (1) و(2) وبين الجهات التي توفر ضمانات للاستثمار طبقاً لهذه الاتفاقية".
148- بخلاف التوفيق والتحكيم، لا يشترط بالنسبة للجوء الى محكمة الاستثمار العربي، الاتفاق على إحالة النزاع إليها، بل يكفي أن يقوم أحد أطراف الاستثمار بإحالة النزاع إليها. وتختص المحكمة بالفصل في المنازعات التي تقوم بين الدول أطراف الاتفاقية وبعضهم البعض أو بين الدولة وأحد الجهات التابعة لها، أو بين الآخرين وبعضهم البعض، أو مع المستثمرين أو مع الجهات التي تقوم بتوفير ضمانات في ظل الاتفاقية.
149- وكما سبق القول فإن النطاق الموضوعي للمنازعات المشمولة بالحماية أوسع نطاقا تلك في ظل التحكيم والتوفيق، ذلك لأنها تشمل ليس فقط المنازعات المتعلقة بتطبيق أحكام الاتفاقية، بل أيضاً الناتجة منها، والتي من الممكن أن تؤدي إلى أن تقوم الهيئة بالفصل في منازعات ناشئة عن اتفاقيات مرتبطة بالاتفاقية، وإن كانت مستقلة عنها.
150- بالإضافة إلى هذا المسلك الموسع نصت المادة (30) بالإضافة إلى ذلك على أنه:
"إذا نصت اتفاقية عربية تنشئ استثماراً عربياً أو أي اتفاق يتعلق بالاستثمار ضمن نطاق جامعة الدول العربية أو فيما بين أعضائها على إحالة مسألة أو نزاع ما إلى تحكيم دولي أو قضاء دولي جاز باتفاق أطرافه اعتباره داخلا ضمن ولاية المحكمة" .
151- يمتد اختصاص المحكمة – باتفاق الأطراف – إلى المنازعات أو المسائل التي يختص بها تحكيم دولي أو قضاء دولي، وفقا لاتفاقية عربية دولية. ونلاحظ هنا أن لفظ اتفاقية عربية قد جاء مطلقا، دون اشتراط أن تكون هذه الاتفاقية بين الدول أعضاء الاتفاقية محل الدراسة .
152- ويلاحظ بالنسبة الى هذا النص المتعلق بامتداد نطاق الاتفاقية، أن اختصاص المحكمة لا يمتد تلقائيا الى هذه المسائل المتعلقة باتفاقية استثمار أخرى داخل نطاق أعضاء الجامعة العربية، بل يتعين على أطراف النزاع الاتفاق صراحة على اعتباره داخلاً ضمن ولاية المحكمة. الأمر الذي يفيد أن هناك اختصاصاً أصلياً للمحكمة يشمل تلك المنازعات المنصوص عليها في المادة (29) منها، واختصاصاً إحتياطياً يتقرر بموجب اتفاق الأطراف على جلب لاختصاص المحكمة منازعات لا تدخل في نطاقها بحسب الأصل، ولكن تدخل في نطاق اتفاقيات عربية تنشئ استثماراً عربياً، أي أنه يشترط أن تتعلق بدول عربية واستثمار عربي. وبالرغم من أن الاستثمار العربي غير معرف في ظل الاتفاقية قيد البحث، إلا أننا نرجح أن المقصود به الاستثمار بمفهومه الوارد في الاتفاقية.
153- كذلك من الممكن أن يمتد نطاق النزاع إلى الاتفاقيات المتعلقة بالاستثمار في نطاق الجامعة العربية، الأمر الذي يفهم منه أنه من الممكن أن تكون هذه الاتفاقية اتفاقية دولية أو ثنائية تنظم استخدام رأس مال عربي في مشاريع تنموية. فإذا نظمت تلك الاتفاقيات مسائل أو منازعات وأحالتها إلى تحكيم أو قضاء دولي، جاز باتفاق أطراف النزاع تضمينه في نطاق اختصاص المحكمة.
154- وفيما يتعلق بتدخل الأغيار في النزاع، تضمنت الاتفاقية نصاً هاماً يتفق مع المبادئ السائدة أمام القضاء الوطني. فبموجب المادة (33-2) من الاتفاقية، يتمتع كل شخص - تثبت له مصلحة يؤثر عليها الحكم في الدعوى – بالحق في طلب التدخل في الدعوى، وتلك الرخصة جوازية.
155- وإذ تطلبت الاتفاقية أن يكون لهذا الغير مصلحة، أي فائدة تعود عليه من تقديم طلب التدخل، إلا أن الاتفاقية لم تبين ماهية التأثير على تلك المصلحة أو مداه. لذا فإن أي تأثير للحكم على مصلحة الغير - ولو لم تكن جوهرية – قد تجيز التدخل وفقاً لتقدير المحكمة.
156- ويلاحظ أن الاتفاقية قد نصت على أن الحكم الصادر منها لا يلزم سوى أطرافه، وفي خصوص ما فصل فيه من نزاع، الأمر الذي يجعله يتماشى مع المبادئ العامة في حجية ونسبية أثر الأحكام.
157- وفيما يتعلق بنفاذ الأحكام، نصت في المادة (34-3) من الاتفاقية على أنه:
يكون للحكم الذي تصدره المحكمة قوة النفاذ في الدول الأطراف ويجري تنفيذه فيها مباشرة، كما لو كان حكماً نهائياً قابلاً للنفاذ صادراً من قضائها المختص".
158- وهذه المادة هامة للغاية، إذ منحت المحكمة قوة تنفيذية حيث نصت صراحة على أنها تنفذ مباشرة في الدول الأطراف، كما لو كان حكماً قابلاً للنفاذ صادراً من قضائها المختص. وعليه فإن هذا النص يمنح صراحة أحكام المحكمة قوة تنفيذية مباشرة دون وضع قيود أو شروط للتنفيذ. إلا أن هذا القول قد يكون محل جدل، حيث إنه لم يعالج صراحة فرضية اشتراط الحصول على صيغة تنفيذية، علماً أن النص قد تطلب تنفيذ حكم المحكمة، كما لو كان صادراً من قضاء الدولة المختص. وإن كنا نرى أن النص بوضعه الحالي كاف بذاته لتنفيذ الأحكام في الدول الأعضاء دون حاجة إلى ثمة إجراء. ولكن تجدر الإشارة إلى أنه حينما يراد تنفيذ الحكم في دولة أجنبية ليست عضواً في الاتفاقية، فإن تنفيذ الحكم في هذه الدولة لا يتم بصورة مباشرة، بل يتعين تطبيق قواعد وشروط وأحكام التنفيذ السارية في الدولة المذكورة، مع مراعاة أية اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف تكون تلك الدولة والدولة العربية الصادر فيها الحكم أطرافا فيها.
159- وعلى صعيد آخر، فإن الحكم غير قابل للطعن عليه، أي أن التقاضي في ظل هذه الاتفاقية يكون على مرحلة واحدة رغبة في الاقتصاد في الإجراءات وأي غموض قد يكتنف الحكم تفسره المحكمة بناء على طلب الأطراف.
160- وبالمقابل ولتجنب حدوث إخلالات خطيرة بالعدالة وللموازنة مع اعتبارات الاقتصاد في الإجراءات، أجازت الاتفاقية تقديم التماس إعادة النظر في حالات محددة على سبيل الحصر وردت في المادة (35) من الاتفاقية. أولها: تضمن الحكم الصادر من المحكمة تجاوزاً خطيراً لقاعدة أساسية في الاتفاقية. وبالرغم من أن هذا النص يهدف إلى إعلاء احترام نصوص الاتفاقية، إلا أنه إشترط "تجاوزاً خطيراً لقاعدة أساسية". أما السبب الثاني فهو: تضمن الحكم تجاوزاً خطيراً لقاعدة أساسية في إجراءات التقاضي، كالحق في الدفاع أو المساواة الإجرائية وما الى ذلك.
161- أما ثالث الأسباب فهو: تكشف واقعة حاسمة في الدعوى، كان كل من المحكمة والطرف الذي يلتمس إعادة النظر يجهلها، شريطة ألا يكون جهل الأخير قد نشأ عن طريق إهمال منه، وذلك – بطبيعة الحال - تطبيقاً لمبدأ عدم جواز إستفادة الشخص بخطئه.
162- ويلاحظ أنه بالنسبة للسبب الثالث نصت الاتفاقية على أن طلب التماس إعادة النظر يقدم خلال ستة أشهر من تاريخ تكشف الواقعة الجديدة، وقبل انقضاء خمس سنوات على صدور الحكم، المسألة التي تجد تبريرها من وجهة نظرنا في الأخذ في الاعتبار عامل الوقت وضرورة إستقرار الأوضاع والمراكز القانونية. وتفتح إجراءات إعادة النظر بقرار من المحكمة تثبت فيه المحكمة الواقعة الجديدة وصفاتها، ويعلن بهذا القرار أن التماس إعادة النظر قد حاز القبول.
163- وعلى صعيد آخر، لم تبين المادة (35) صراحة المدة اللازمة للتمسك بالتماس إعادة النظر عند توافر السببين الأول والثاني. إلا أن النظام الأساسي للمحكمة قد تدارك هذه المشكلة بالنص في المادة (49) منه على مواعيد تقديم التماس إعادة النظر والتي سوف نقوم بتناولها أدناه. وعلى أي حال، يتم فتح إجراءات إعادة النظر بموجب قرار من المحكمة، وتتمتع المحكمة برخصة وقف تنفيذ الحكم قبل أن تقرر فتح إجراءات إعادة النظر. وفي جميع الأحوال، فإن الحكم بجواز الالتماس يرتب تلقائيا وقف التنفيذ بقوة القانون وفقا للمادة (52) من النظام الأساسي للمحكمة. كما يلاحظ أن هذا الوقف يشمل ما تم من إجراءات تنفيذ من تاريخ رفع الالتماس، وذلك لتجنب أحوال غياب مثل ذلك النص التي من الممكن أن يسارع الطرف سيئ النية إلى تعجيل إجراءات التنفيذ عند تقديم التماس إعادة النظر وقبل البت فيه.
164- إلى جانب، اختصاص المحكمة بالفصل في المنازعات، فإن للمحكمة سلطة تحديد اختصاصها، وذلك وفقا للمادة (32) منها والتي تنص: "في حالة تنازع الاختصاص بين المحكمة ومحاكم دولة طرف يكون قرار المحكمة بشأن ذلك حاسماً". الأمر الذي يفيد عدم إمكانية التظلم من هذا القرار. فضلاً عن ذلك، فقد استخدمت الاتفاقية تعبير "قرار" دون "حكم"، وبالتالي من الممكن أن يذهب البعض إلى القول بأن ما يصدر عن المحكمة هو قرار إداري أو أمر ولائي، وليس حكماً بالمعنى الصحيح بالمقارنة "بالحكم" الصادر منها في النزاع وفقاً للمادة (34) والتي سوف نتناولها أدناه.
165- وللمحكمة سلطة اتخاذ التدابير المؤقتة لحفظ حقوق أحد الأطراف إذا رأت ذلك ضرورياً. وبالتالي، فإن المحكمة تتمتع بسلطة قاضي الأمور الوقتية الذي يجوز له اتخاذ التدابير الاحترازية التي لا تمس بأصل الحق، وذلك في حالة وجود خطر حال وشيك ينذر بأضرار يتعذر تداركها، كما هو الحال بالنسبة للاستيثاق لحق یخشی زوال دليله.
166- وعليه، فإن شرط الضرورة الذي قننت وصرحت به الاتفاقية لهو شرط جوهري لا يقبل الانفصام عن سلطة اتخاذ التدبير أو الأمر به، فهو بمثابة العلة منه.
(2) سلطة الاستشارة (Advisory Opinion):
167- بالإضافة إلى سلطة المحكمة في فض المنازعات، تتمتع المحكمة بمكنة تقديم استشارات في المسائل التي تدخل في اختصاصها. ففي ذلك نصت المادة (36): "للمحكمة أن تفتي برأي استشاري غير ملزم في أية مسألة قانونية تدخل ضمن اختصاصها وبناء على طلب دولة طرف أو الأمين العام لجامعة الدول العربية".
168- وكما يبين من النص، فإنه قد استعمل لفظ مسألة قانونية وليس نزاعاً، وبالتالي فإنه من الممكن اللجوء الى المحكمة لطلب رأي استشاري لا يتعلق بنزاع، بل بمسألة قانونية فقط. وحيث إن هذا الرأي لا يقوم الفصل في نزاع، كما لا تتحقق فيه مجابهة الخصوم، بل هو رأي إنفرادي غير ملزم. وهو يماثل في ذلك الوظيفة الإفتائية لمحكمة العدل الدولية أو الأوروبية.
169- وتمنح الاتفاقية حق طلب هذا الرأي لأي دولة طرف أو الأمين العام للجامعة أو المجلس الاقتصادي، دون المستثمرين. وهذا المسلك محل نظر من وجهة نظرنا، حيث إن غرض الاتفاقية، كما يبين منها هو استثمار رؤوس الأموال وتعزيز التنمية العربية، الأمر الذي كان يستوجب منح المستثمرين حق طلب الفتوى، ولاسيما أن ذلك قد يكون له أثره لقطع دابر النزاع أو منع نشوئه، إذا أوضحت الفتوى أو الاستشارة المسألة القانونية التي قد يترتب عليها حدوث نزاع. كما أن منح المستثمر هذا الحق يتفق وكونه أحد الأطراف الذين يحق لهم التداعي أمام المحكمة التي لا تقتصر سلطاتها القضائية على الدولة أو الكيانات العامة.
(ب) تنظيم النظام الأساسي لمحكمة الاستثمار العربية واللائحة الداخلية للمحكمة:
170- على غرار الاتفاقية محل الدراسة نص النظام الأساسي للمحكمة على أنها تتكون من عدد قضاة لا يقل عن خمسة. وقد بين النظام الأساسي، أنه لا يجوز للقاضي الذي ينظر الدعوى أن يتمتع بجنسية أحد الخصوم. إلا أن هذا النص غير ملزم، حيث لا يحول تمتع القاضي بجنسية أحد الأطراف تعذر انعقاد المحكمة لنظر الدعوى، ولكن في تلك الحالة يتم نظر الدعوى أمام هيئة المحكمة مجتمعة.
171- وقد تناول النظام الأساسي للمحكمة تنظيمها وواجبات القضاة وحصاناتهم والأعمال المحظورة عليهم وانتهاء خدماتهم.
172- أما فيما يتعلق باختصاص المحكمة فقد نص النظام الأساسي في هذا الشأن في المادة (23) منه:
"تختص المحكمة بالفصل فيما يرد إليها من منازعات وفق أحكام الفصلين الخامس والسادس من الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية. كما تختص بنظر المنازعات التي يحيلها إليها المجلس الاقتصادي والاجتماعي طبقاً لحكم المادة الثالثة عشرة من اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية". 173- وكما هو يبين من ذلك النص، فإن اختصاص المحكمة يشمل تلك المنازعات المنصوص عليها في في الباب الخامس من الاتفاقية محل الدراسة، أي تلك المنازعات المتعلقة بضمان الاستثمار، بالإضافة إلى التنظيم الوارد في الباب السادس من الاتفاقية والمتعلق بتسوية المنازعات والذي قمنا بتحليله أعلاه. بالإضافة إلى تلك المنازعات، تختص المحكمة أيضاً بنظر المنازعات التي يحليها إليها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والمتعلقة باتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية.
174- كما تناول النظام الأساسي للمحكمة إجراءات التقاضي أمامها وذلك في المواد من (24) وحتى (42)، بدءاً من رفع الدعوى وإجراءاتها وصلاحيات المحكمة من تقدير الأدلة وإجراء تحقيق، وندب خبرة، كما أن المحكمة تفصل في الدفوع المتعلقة بولايتها، كما أن لها من تلقاء نفسها أن تفصل في الدفوع المتعلقة بالنظام العام.
175- وقد نصت المادة (46) من النظام العام بخصوص تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة: "تعتبر أحكام المحكمة نهائية وملزمة بالنسبة لأطراف الدعوى، ولمن صدر الحكم لصالحه أن يتقدم بصورته القابلة للتنفيذ إلى الجهة المحكوم عليها لتنفيذه بالطريقة التي يتم بها تنفيذ الأحكام الصادرة من محاكمها الوطنية".
176- وهذا النص يزيل من وجهة نظرنا الغموض الذي يشوب المادة (34-3) من الاتفاقية محل الدراسة، حيث إنه يشير إلى تقدم الطرف الذي صدر الحكم لصالحه "بصورته القابلة للتنفيذ"، مما يفيد أن الحكم بذاته يكفي للتنفيذ في الدول أعضاء الاتفاقية دون حاجة للحصول على الصيغة التنفيذية، لتقوم الدولة التي يتم فيها التنفيذ بتنفيذه وفقاً لقواعد تنفيذ الأحكام الصادرة من المحاكم الوطنية. إلا أن هذه النتيجة تخضع لذات التحفظ الذي قمنا بالإشارة إليه أعلاه فيما يتعلق بتنفيذ الحكم في دولة أجنبية غير طرف في الاتفاقية، حيث يكون هذا النص غير ملزم بالنسبة لها، فيتم التنفيذ فيها وفقا لقواعد وشروط تنفيذ الأحكام المنصوص عليها في قضائها الوطني.
177- أما فيما يتعلق بتقديم التماس إعادة النظر، فقد أضاف النظام الأساسي للمحكمة سبباً آخراً للتمسك بالتماس إعادة النظر وهو وقوع غش أو تدليس أو تزوير من الخصم كان من شأنه التأثير على الحكم. ونعتقد أن هذا النص يهدف إلى حث الأطراف على الالتزام بحسن النية، وإن كان لنا بعض الملاحظات نوردها فيما يلي: 178- فمن ناحية أولى، كان الأحرى تطلب أن يكون وجه التأثير في الحكم جسيماً أو خطيراً أو كان من شأنه أن يغير وجه الفصل في الدعوى، ذلك أن عدم وضع هذا القيد يفتح المجال للتعسف. وهو ما ينطبق أيضاً بالنسبة لعدم تحديد تعبيرات الغش والتدليس والتزوير. فمن الممكن أن يتم الاستناد إلى إطلاق تلك النصوص، للزعم على سبيل المثال أن إخفاء واقعة معينة من قبل أحد الأطراف بهدف عدم الإضرار بموقفه في الدعوى يعتبر غشاً من شأنه أن يؤثر في الحكم.
179- كما قام النظام الأساسي بتعديل السبب الأول لتقديم طلب التماس إعادة النظر، حيث أجاز تقديمه في أحوال المخالفات الجسيمة للنظام الأساسي للمحكمة، إلى جانب تجاوز قاعدة خطيرة في الاتفاقية محل الدراسة أو في إجراءات التقاضي واللذان وردا في الاتفاقية كما سبق القول أعلاه.
180- ولإزالة الغموض الذي ورد في الاتفاقية محل الدراسة بشأن ميعاد تقديم التماس إعادة النظر، تم النص في المادة (50) من النظام الأساسي أن ميعاد الالتماس في حالة تضمن الحكم تجاوزاً خطيراً لقاعدة أساسية في الاتفاقية أو في النظام الأساسي للمحكمة أو في إجراءات التقاضي يكون ستة أشهر من تاريخ صدور الحكم، أما في الأحوال الأخرى فيكون الميعاد ستة أشهر من تاريخ تكشف السبب وقبل انقضاء خمس سنوات على صدور الحكم.
181- وعلى صعيد آخر، بين النظام الأساسي أن التماس إعادة النظر يقدم وفقاً للإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، كما يجب أن تشتمل العريضة على بيان الحكم الملتمس فيه وأسباب الالتماس وإلا كان باطلاً، الأمر الذي يجد تبريره في ابتغاء تبين جدية الطرف مقدم الالتماس.
182- كما أكد النظام الأساسي سلطة المحكمة في إصدار آراء استشارية غير ملزمة وفقا للمادة (36) من الاتفاقية محل الدراسة.
4- اللجوء الى القضاء الوطني National Courts:
183- أجازت هذه الاتفاقية اللجوء الى القضاء الوطني للفصل في النزاع. ويلاحظ أن العديد من اتفاقيات الاستثمار الثنائية قد تضمنت مثل هذا النص، إما بالتخيير بين السبل المتاحة في ظل الاتفاقية ومنها القضاء الوطني، أو اشتراط استنفاد سبل فض النزاع عن طريق الإجراءات الوطنية.
184- وفي ظل الاتفاقية محل الدراسة، منح أطراف النزاع خيار اللجوء الى القضاء الوطني. ويبين من الاتفاقية أنها حددت الحالات التي يجوز بموجبها اللجوء الى القضاء، وفقاً للمادة (27) منها، والتي تنص على الآتي:
"يكون لكل طرف اللجوء الى القضاء للفصل في النزاع في الحالات الآتية:
1- عدم اتفاق الطرفين على اللجوء الى التوفيق.
2- عدم تمكن الموفق من إصدار تقريره في المدة المحددة.
3- عدم اتفاق الطرفين على قبول الحلول المقترحة في تقرير الموفق.
4- عدم اتفاق الطرفين على اللجوء الى التحكيم.
5- عــم صـــــدور قـــــرار هيئة التحكيم فـي المـدة المقـررة لأي سـبـب مـن الأسباب".
185- وبالرغم من أن القضاء غير معرف في الاتفاقية، فضلاً عن أن المادة (25) من الاتفاقية لم تشمل القضاء الوطني كسبيل لفض النزاع، ، إلا إننا نرى أن المقصود في المادة (27) هو القضاء الوطني، وذلك لأن المادة (31) من الاتفاقية قد أشارت إلى كل من القضاء الوطني ومحكمة الاستثمار العربية.
186- وقد بينت الاتفاقية كذلك أنه يجوز اللجوء الى قضاء الدولة بالنسبة الى المنازعات التي تدخل في نطاق محكمة الاستثمار العربي شريطة توافر شروط قيام اختصاص الأولى، أي أنه يجب أن تكون المحكمة الوطنية مختصة وفقا لقواعد اختصاصها بنظر النزاع، علاوة على ذلك يجب أن يدخل النزاع في اختصاص محكمة الاستثمار العربي، مع مراعاة أن إحالة النزاع إلى أي منهما كما سبق القول، يمنع إحالة النزاع إلى الآخر. "وفي حالة تنازع الاختصاص بين المحكمة ومحاكم دولة طرف يكون قرار المحكمة بشأن ذلك حاسما ".
187- أما في ظل التعديل المقترح للإتفاقية، لم يتم بيان الأحوال التي يجوز فيها اللجوء للقضاء الوطني على غرار الإتفاقية السارية، بل تم النص على أنه يجوز اللجوء للقضاء الوطني طبقا لقواعد الاختصاص فيه وفي الأمور التي تدخل في اختصاص المحكمة.
سادسا- الخاتمة:
188- وضعت الاتفاقية محل الدراسة منظومة متكاملة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية بغية تشجيع الاستثمار وتعزيز التعاون والتنمية الاقتصادية والتكامل الاستثماري عن طريق زيادة الاستثمارات البينية.
189- وفي إطار هذه المنظومة أوردت الاتفاقية عدداً من الأحكام والمبادئ، تتفق بعضها ومثيلاتها من اتفاقيات الاستثمار الثنائية أو متعددة الأطراف كأخذها بمفهوم اقتصادي للاستثمار واتفاقها على مدلول نزع الملكية والنص على التزام الدولة بتشجيع وتسهيل رؤوس الأموال، وتباينت بعضها مع تلك الاتفاقيات مثل ربط مفهوم الإستثمار بالتنمية الإقتصادية والعائد الإستثماري، وإشتراط أن يكون رأس المال عربياً خالصاً سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وأيضاً عدم الأخذ بمعيار المعاملة العادلة والمنصفة وفقاً للقانون الدولي على نحو كامل، بل منح المستثمر العربي ذات المعاملة التي يتلقاها مواطن الدولة. كما أوردت الاتفاقية أحكاماً إضافية خاصة بها، منها إنشاء محكمة استثمار عربية تمهيداً لإنشاء وتنظيم محكمة عدل عربية، ومساعدة الدول أعضاء الاتفاقية في إيجاد أيد عاملة وتوفير ضمانات من قبل المؤسسة العربية لضمان الاستثمار.
190- وفي معرض أحكامها الداعمة للاستثمار والمقننة لحقوق المستثمر تضمنت بعض القيود القانونية والاقتصادية التي فرضها الواقع الثقافي العربي الذي تظلله سيادة الدولة وخيارها في التنصل من بعض التزاماتها تجاه المستثمرين استنادا إلى اعتبارات المصلحة العامة والتوجهات الاقتصادية الوطنية والتي في مجملها تعد سلاحاً ذا حدين يمكن أن يكون برراً للاستخدام أو ذريعة للتعسف والاستغلال.
191- وهنا تكمن أهمية الوظيفتين القضائية والإفتائية للمحكمة العربية التي تضطلع بتفسير أحكام الاتفاقية وبيان نطاقها وآثارها في ظل الهدف العام لها وهو تشجيع الاستثمارات البينية العربية.
192- وإذ حددت الاتفاقية نطاقيها الشخصي والموضوعي، وأفسحت المجال لاتفاق المتنازعين على استجلاب الاختصاص لمحكمة الاستثمار العربية حتى خارج الحدود التي تقررها الاتفاقية، ومنحت الأخيرة سمواً على المحاكم الوطنية بتغليب أحكامها على القضاء الوطني حال التنازع الإيجابي للاختصاص، فإن الاتفاقية التي أبرمت منذ ما يقرب من ثلاثة وثلاثين عاماً مازالت أمامها تحديات كبيرة لترسيخ الثقة في أحكامها وجدواها ومزية اللجوء إليها مقارنة بمثيلاتها من اتفاقيات الاستثمار الثنائية أو المتعددة، والتي أضحى اللجوء إليها أمراً واقعاً ملموساً بشأن شتى منازعات الاستثمار، حتى تلك التي تتعلق برؤوس أموال عربية خالصة بين دول الجامعة العربية.
193- وانطلاقاً من تلك الحاجة ومن أجل تسهيل الإجراءات المتعلقة بالاستثمار في الدول العربية، تم صياغة بعض التعديلات المقترحة للاتفاقية بما يعكس تلك الحاجة، وبما يصحح بعض الأخطاء والعوار في النص القائم بما يحقق تحديثاً وتطويراً لازماً يرفع الإتفاقية الى مصاف إتفاقيات الإستثمار الدولية، وهو ما قد يكفل لها سعة في التطبيق والإنتشار. غير أنه يلزم أن تقوم الدول العربية بالتصديق على التعديل المقترح للاتفاقية حتى تدخل الاتفاقية الجديدة حيز النفاذ. ولكن حتى هذا التاريخ تظل الإتفاقية الأصلية سارية ونافذة، علما بأنه ما زال أمام الاتفاقية قيد الدراسة الكثير لتحقيق زيادة مطردة في تطبيقها واللجوء إليها في ظل نظام عربي وإقليمي ودولي تعددت فيه الأنظمة الداعمة للاستثمار وتنافست فيه الدول على منح مزايا وضمانات واستثمارات دون قيود غير مبررة ودون استثناءات مبهمة وغامضة تفتح المال أمام التعسف والتحايل.