تعد إتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية ("إتفاقية نيويورك") إحدى أدوات التنفيذ الدولية الأكثر نجاحاً في التاريخ. فقد ظلت عضويتها تنمو بشكل مطرد منذ نشأتها عام 1958، وحتى الوقت الراهن حيث وصلت إلى ما يزيد على 145 عضواً. ولقد إنضمت دولة الإمارات العربية المتحدة إليها عام 2006 بموجب المرسوم الاتحادي رقم 43 المؤرخ 13 يونيو 2006. ومنذ ذلك الحين، هناك تقبل غير موحد للإتفاقية من قبل محاكم دولة الإمارات العربية المتحدة،حيث كانت المحاكم تلجأ في بعض الأحيان إلى المعايير التقليدية لتنفيذ الأحكام الأجنبية، وفقاً القانون الإجراءات المدنية، وفي بعض الأحيان تطبيق نهجا أكثر حداثة للتنفيذ، وذلك بتطبيق أحكام إتفاقية نيويورك. إلا أنه من غير المؤكد في الوقت الراهن إذا كانت محاكم دولة الإمارات العربية المتحدة تولي إتفاقية نيويورك الإهتمام الذي تستحقه.
النهج القديم:
قبل أن تنضم دولة الإمارات العربية المتحدة إلى إتفاقية نيويورك، كان يتم تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية أمام محاكم دولة الإمارات، وفقاً للمادة 235 من القانون الإتحادي رقم 11 لسنة 1992 ("قانون الإجراءات المدنية") - وذلك بإستثناء الإتفاقات الثنائية والإتفاقات ذات الأطراف المتعددة، الذي يحكم تنفيذ الأحكام الأجنبية في دولة الإمارات. وإستناداً إلى المادة 235 فإن محاكم دولة الإمارات العربية المتحدة ترفض تنفيذ الأحكام الأجنبية على سبيل المثال للأسباب التالية:
- عدم توافر الإختصاص المناسب لدى هيئة التحكيم في مكان التحكيم؛
- وجود خطأ مادي في حكم المحكمين الصادر في مكان التحكيم؛
- عدم إخطار أو تمثيل الأطراف بشكل صحيح في إجراءات التحكيم الأجنبية؛
- مخالفة الحكم الأجنبي لحكم سابق في دولة الإمارات العربية المتحدة أو النظام العام أو
الآداب العامة، كما هو متعارف عليه في الدولة.
ومن الجدير بالذكر، أن أحكام المادة 235 المتعلقة بالإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها تستند الى مبدأ الإعتراف المتبادل، حيث تطبق محاكم الإمارات فقط أحكام هذه المادة على الأحكام التي تصدر في دول تقوم في المقابل بالإعتراف وتنفيذ الأحكام الصادرة في دولة الإمارات العربية المتحدة. ولكن على النقيض من ذلك، فإن دولة الإمارات لم تضمن أي تحفظ عند إنضمامها إلى إتفاقية نيويورك، ونتيجة لذلك، فإن محاكم الإمارات ملتزمة بتنفيذ أي حكم تحكيم أجنبي، وليس فقط الأحكام الصادرة من الدول المنضمة إلى إتفاقية نيويورك، وذلك بالإمتثال للشروط الصارمة الواردة في الإتفاقية.
وعلى الرغم من إنضمام دولة الإمارات العربية المتحدة إلى إتفاقية نيويورك وإلتزاماتها الواسعة، إلا أن المحاكم كانت متحفظة إبتداء في تطبيق أحكام الإتفاقية"، واستمرت في تطبيق الشروط الواردة في المادة 235 من قانون الإجراءات المدنية والتي كان يستند إليها عند عدم تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية. وقامت المحاكم في مناسبات عديدة بتطبيق الشروط الخاصة بالإجراءات الشكلية كأساس لعدم تنفيذ الأحكام الأجنبية. ومن الأمثلة الصارمة على مثل تلك الشروط الشكلية، قيام المحاكم بعدم تنفيذ حكم أجنبي لمخالفته الإجراءات الشكلية وذلك في قضية بكتل الدولية، والتي بموجبها رفضت محكمة التمييز في دبي تنفيذ حكم طرف أجنبي لعدم قيام المحكمين بإتخاذ الإجراءات الصحيحة المتعلقة بحلف اليمين، والتي تعتبر من الشروط الإلزامية السماع شهادة الشهود، وفقاً لقانون الإجراءات المدنية.
ويدل هذا النهج على عدم الثقة التي توليها محاكم دولة الإمارات العربية المتحدة للتحكيم كوسيلة لفض المنازعات، وبصفة خاصة عدم إرتياح المحاكم في التنازل عن إختصاصها لصالح محكمين أجانب. ومما عزز هذا النهج عدم وجود إجراء خاص متعلق بتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية في قانون الإجراءات المدنية، مما أدى إلى إعتماد محاكم الإمارات على إجراءات التصديق المتعلقة بتنفيذ الأحكام المحلية.
ومن المتوقع التخلص من هذا الفراغ القانوني عند إصدار قانون التحكيم الإتحادي الجديد الذي يناقشه حالياً المشرع في دولة الإمارات العربية المتحدة.
النهج الجديد :
من المثير للدهشة قيام المحاكم في دولة الإمارات العربية المتحدة بتغيير موقفها تجاه تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية وإتخاذها نهجاً حديثاً للتحكيم، وذلك بقيام المحاكم استناداً إلى الأحكام الصريحة الواردة في إتفاقية نيويورك بالإستغناء عن الأسس التقليدية الواردة في المادة 235 من قانون الإجراءات المدنية لعدم تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية.
اتفاقية نيويورك:
من الجدير بالإشارة أن إتفاقية نيويورك تطبق على كافة أحكام المحكمين "الأجنبية" أي جميع الأحكام الصادرة من دول غير تلك التي يراد التنفيذ فيها. وتنص المادة الثالثة من إتفاقية نيويورك على ما يلي: "على كل دولة متعاقدة أن تعترف بقرارات التحكيم وقرارات ملزمة وأن تقوم بتنفيذها وفقاً للقواعد الإجرائية المتبعة في الإقليم الذي يحتج فيه القرار" شريطة إستيفاء هذه الأحكام للشروط الواردة في الإتفاقية. وتمنع الإتفاقية الدول من فرض شروط أكثر تشدداً أو رسوم أو أعباء أعلى بكثير مما يفرض على الإعتراف بقرارات التحكيم المحلية أو على تنفيذها ". ووفقاً للإتفاقية فإنه يستلزم للحصول على إعتراف وتنفيذ حكم تحكيم أجنبي في دولة متعاقدة أخرى، وجوب تقديم الطرف الذي يطلب التنفيذ على حكم التحكيم الأصلي مصدقاً عليه حسب الأصول المتبعة أو نسخة معتمدة منه مع اتفاق التحكيم الأصلي أو صورة معتمدة منه. وفي حالة استيفاء هذه الشروط، تلتزم محاكم أية دولة متعاقدة بتنفيذ الحكم دون مراجعة أو تعديل، كما لو كان الحكم صادرة من الدولة ذاتها.
ترد الأسس المتعلقة بعدم الإعتراف أو التنفيذ في المادة 5 (1) من إتفاقية نيويورك وهذه الأسس هي الآتي:
أ- "أن طرفي الإتفاق المشار اليه في المادة الثانية كان بمقتضى القانون المنطبق عليهما،
في حالة من حالات انعدام الأهلية، أو كان الاتفاق المذكور غير صحيح بمقتضی القانون المنطق الذي أخضع له الطرفان الإتفاق أو اذا لم يكن هناك ما يشير إلى ذلك، بمقتضى قانون البلد الذي صدر فيه القرار، أو
ب- أن الطرف الذي يحتج ضده بالقرار لم يخطر على الوجه الصحيح بتعيين المحكم أو
بإجراءات التحكيم أو كان لأي سبب آخر غير قادر على عرض قضيته، أو
ج- أن القرار يتناول خلافاً لم تتوقعه أو تتضمنه شروط الإحالة إلى التحكيم، ويتضمن
قرارات بشأن مسائل تتجاوز نطاق الإحالة الى التحكيم، أو
د- أن تشكيل هيئة التحكيم أو ان اجراءات التحكيم لم تكن وفقاً لاتفاق الطرفين أو لم تكن، في حالة عدم وجود مثل هذا الاتفاق ، وفقا لقانون البلد الذي جرى فيه التحكيم."
ويجوز كذلك رفض الإعتراف بقرار التحكيم ورفض تنفيذه أذا تبين للسلطة المختصة في البلد الذي يطلب فيه الإعتراف بالقرار وتنفيذها:
أ- "انه لا يمكن تسوية موضوع النزاع بالتحكيم طبقا لقانون ذلك البلد، أو
ب- أن الاعتراف بالقرار أو تنفيذه يتعارض مع السياسة العامة لذلك البلد."
وتنص الإتفاقية على أنه يجوز أيضا رفض الإعتراف أو تنفيذ حكم التحكيم، إذا أثبت الطرف المعارض للتنفيذ أن الحكم لم يصبح ملزماً بعد للطرفين أو أنه نقض أو أوقف تنفيذه من قبل سلطة مختصة في الدولة الذي براد فيها الإعتراف بالحكم وتنفيذه". ويجوز للسلطة المختصة من تلقاء نفسها رفض الإعتراف وتنفيذ حكم التحكيم في الدولة التي يراد فيها الإعتراف بالحكم إذا رأت ما يلي:
أ- أن موضوع النزاع لا يمكن تسويته عن طريق التحكيم وفقاً لقانون هذه الدولة؛ أو
ب- أن من شأن الإعتراف وتنفيذ حكم التحكيم مخالفة للنظام العام.
وفي الأحكام الصادرة اخيراً قامت محاكم الإمارات الإبتدائية ومحكمة الإستئناف في دبي بالإستناد إلى أحكام إتفاقية نيويورك الواردة أعلاه لتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية.
حكم محكمة الفجيرة الإتحادية الإبتدائية:
وبشكل أكثر تحديداً قامت محكمة الفجيرة الإتحادية في القضية رقم 2010/35 المؤرخة في 2010/4/27 بتنفيذ حكمين أجنبيين أحدهما على أساس الوقائع الموضوعية والآخر بشأن التكاليف، والصادرين عن محكم فرد في لندن، وفقاً لقواعد جمعية لندن للتحكيم البحري (LLMA) وذلك بعد قيام الطرف الحاصل على حكم التحكيم بتقديم طلب لتنفيذ الحكم، وفقاً لأحكام إتفاقية نيويورك. فقضت محكمة الفجيرة بتنفيذ الحكمين بعد أن تأكدت مما يلي:
أ- إصدار الحكمين في المملكة المتحدة والتصديق عليهما؛
ب- قيام دولة الإمارات العربية بالتصديق على إتفاقية نيويورك، وذلك إعتباراً من 19 نوفمبر 2006؛ و
ج- إصدار الحكمين من المملكة المتحدة وهي من الدول الموقعة على الإتفاقية.
فنصت محكمة الفجيرة في حكمها على ما يلي:
بعد الإطلاع على شرط التحكيم الذي يشير إلى إحالة النزاع إلى التحكيم، كما هو متفق عليه بين الطرفين، والحكمين المتعلقين بدعوى التصديق، وجدنا أنه لا يوجد أي عائق لتنفيذ الحكم .
ومن الجدير بالذكر أن حكم محكمة الفجيرة استند الى حكم سابق لمحكمة النقض، والذي نص صراحة على حظر إعادة النظر في الأسس الموضوعية الأحكام المحكمين والالتزام بتطبيق المعاهدات والاتفاقات الدولية كجزء من القانون المحلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك عند تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية.
وختاماً لم تستند محكمة الفجيرة الى أية اجراءات شكلية كان من شأنها أن تعرقل تنفيذ أحكام المحكمين في الماضي، خاصة أن حكم التحكيم قد صدر غيابياً، وقامت بالتركيز فقط على معايير التنفيذ الواردة في اتفاقية نيويورك. ومن الجدير بالإشارة أيضاً أنه، حتى تاريخه، لم يتم الطعن على هذا الحكم.
الحكم في القضية بين شركة ماكستل الدولية ضد شركة إيرمك دبي:
قامت محكمة أول درجة في دبي في الحكم المؤرخ 2011/1/12 بتنفيذ حكمين أحدهما في الموضوع والآخر في التكاليف و الصادرين عن محكم فرد في لندن وفقاً لقواعد DIFC-LCIA والمتعلقة بشركتين يقع مقرهما في دبي، وذلك بعد أن تقدم الطرف الحاصل على الحكمين بطلب تنفيذهما، وفقاً لإتفاقية نيويورك. إعترض الطرف الآخر على تنفيذهما وطالب ببطلانهما بناء على عدد من الأسباب الإجرائية، بما فيها الآتي:
- عدم أهلية الموقع على شرط التحكيم في التوقيع نيابة عن المدعى عليه؛
- بطلان تشكيل هيئة التحكيم؛
- عدم وجود وثيقة للتحكيم/ بما في الإحالة إلى التحكيم مخالفة لأحكام المادة 216(أ) من
قانون الإجراءات المدنية والمادة 5(ج) من إتفاقية نيويورك؛
- اخفاق هيئة التحكيم في تطبيق أحكام القانون الإلزامية المتعلقة بحلف اليمين وسماع شهادة الشهود؛
- عدم إصدار حكم المحكمين خلال مدة الستة أشهر، وذلك مخالفة لأحكام قانون الإجراءات المدنية.
بعد أن تأكدت محكمة أول درجة أن (أ) الحكمين صدرا خارج دولة الإمارات العربية المتحدة وفقاً لأحكام إتفاقية نيويورك و (ب) أن دولة الإمارات صادقت على إتفاقية نيويورك بموجب المرسوم الإتحادي رقم 2006/43 ، وبالإشارة إلى المواد 1، 2، 3، 4 و5 من هذا المرسوم"، حكمت محكمة أول درجة بما يلي:
"حيث أن الرقابة القضائية على حكم المحكم الأجنبي عند النظر في طلب الإعتراف بالحكم الأجنبي وتنفيذه، انما يقتصر على التثبت من عدم مخالفته لما ورد في المرسوم الاتحادي الذي قضى بانضمام الدولة لاتفاقية نيويورك للاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها، وذلك باستيفائه المقومات الحكم الشكلية والموضوعية والمتطلبة في المرسوم المذكور الواردة في المواد 4 و 5 منه .
وأهمية هذا الحكم أن حكم محكمة أول درجة في دبي تجاهلت بصراحة تطبيق المادتين 235 و236 من قانون الإجراءات المدنية بشأن تنفيذ الأحكام الأجنبية في دولة الإمارات.
قام الطرف الصادر ضده حكم التحكيم الأجنبي بالطعن على حكم المحكمة أمام محكمة الإستئناف مطالباً ببطلان الحكم لوجود خطأ في تطبيق القانون وعدم قيامه على أسباب مسوغة، ولكن قامت محكمة الإستئناف في دبي بالتأكيد على ذلك الحكم للأسباب المبينة أدناه.
حكم محكمة الإستئناف في دبي في القضية بين شركة أيرمك دبي وشركة ماكستل الدولية:
زعم الطرف الصادر ضده حكم التحكيم أمام محكمة الإستئناف بعدم أهلية الموقع على شرط التحكيم، وعلى هذا الأساس طلب من محكمة الإستئناف إصدار قرار بإلزام الطرف الحاصل على حكم التحكيم بتقديم النسخة الأصلية من الإتفاق الأساسي.
وبعد أن عددت محكمة الإستئناف المبادئ الراسخة لمحكمة النقض في دبي الخاصة بالمادة 216 من قانون الإجراءات المدنية والتي تفيد أن الرقابة القضائية على حكم التحكيم خلال عملية التصديق تشمل إعادة النظر في شروط حكم التحكيم الشكلية وأهلية الموقع على إتفاق التحكيم، استندت محكمة الإستئناف صراحة إلى المادة الخامسة من أحكام إتفاقية نيويورك على النحو التالي:
"لا يجوز رفض طلب الإعتراف بالقرار وتنفيذه بناء على طلب الطرف المحتج ضده بهذا القرار، الا اذا قدم ذلك الطرف الى السلطة المختصة التي يطلب فيها الإعتراف والتنفيذ ما يثبت أ- أن طرفي الاتفاق المشار اليه في المادة الثانية كان بمقتضى القانون المنطبق عليهما في حالة من حالات انعدام الأهلية أو كان الاتفاق غير صحيح بمقتضى القانون الذي اخضع له الطرفان الاتفاق أو اذا لم يكن هناك ما يشير الى ذلك بمقتضى قانون البلد الذي صدر فيه القرار ".
فحكمت محكمة الإستئناف أن "الحكم المطعون ضده يتفق مع القانون نظراً لصحة أسبابه والأسس الذي استند اليها". وقامت بتأكيد الحكم الذي وصلت إليه محكمة أول درجة.
تأكيد حكم محكمة التمييز في دبي على تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وفقا لأحكام اتفاقية نيويورك:
من الجدير بالذكر أن محكمة التمييز أصدرت أخيراً حكماً بتاريخ 18 سبتمبر 2012 تؤكد فيه على تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وفقاً لإتفاقية نيويورك استنادا الى ما يلي:
أنه من المقرر وفق ما تقضي به المادة 238 من قانون الإجراءات المدنية أن الاتفاقيات الدولية التي أصبحت تشريعاً نافذ المفعول في دولة الإمارات بالتصديق عليها تعد قانوناً داخلياً واجب التطبيق في الدولة ويلتزم القاضي بإعمال أحكامها على ما يعرض عليه من منازعات في شأن تنفيذ أحكام المحاكم الأجنبية وأحكام المحكمين، وكان الثابت بالمرسوم الاتحادي رقم 43 لسنة 2006 [...] على موافقة دولة الإمارات العربية المتحدة على الإنضمام إلى اتفاقية نيويورك... وبالتالي فإن أحكامها تكون هي واجبة التطبيق على واقعة النزاع.
عدم اليقين اللازم لتوجه المحاكم:
في ضوء ما سبق يجدر التساؤل عما اذا كانت محاكم دولة الامارات العربية المتحدة قد بدأت عهداً جديداً من الالتزام بشروط اتفاقية نيويورك، تسعى من خلالها الى ايجاد مناخ صديق لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية أو أن هذه الأحكام مجرد استثناء من القاعدة. وما يبرر التشكيك في هذا النهج (أ) أن النظام القانوني لدولة الإمارات لا يعرف مبدأ السوابق القضائية الملزمة و (ب) وجود عدة إمارات مختلفة داخل دولة الإمارات لكل منها إختصاصاتها المختلفة ولا يكون لأي حكم صادر من إمارة معينة أية قوة إلزامية في الإمارات الأخرى. فضلاً عن ذلك، قامت محكمة أول درجة في دبي برفض الإعتراف وتنفيذ حكم تحكيم صادر عن مركز سنغافورة للتحكيم الدولي على أساس أنه لم يتم التصديق على الحكم في الدولة التي أصدرت الحكم، وبالتالي لا يمكن تنفيذه، وفقاً للمادة 235 و 236 من قانون الإجراءات المدنية، وذلك على الرغم من أن الحكم نص على أن عملية التصديق المنصوص عليها في المادتين المشار اليهما لا تنطبق إلا على الأحكام المحلية في دولة الإمارات، الا أن المحكمة أشارت فقط بطريقة عابرة إلى إنضمام دولة الإمارات العربية المتحدة إلى إتفاقية نيويورك.
مركز دبي المالي العالمي DIFC كحاضن لتنفيذ أحكام إتفاقية نيويورك في دولة الإمارات:
بالنظر إلى الشكوك المثارة أعلاه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو إذا كان من الممكن إعتماد مركز دبي المالي العالمي في الإختصاص بتنفيذ أحكام إتفاقية نيويورك في دولة الإمارات؟
وللتذكير، فإن مركز دبي المالي العالمي الذي تأسس في ديسمبر 2004، من قبل حكومة دبي، يعد منطقة جغرافية في قلب مدينة دبي، ويشكل إختصاصاً فريداً ومستقلاً داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، ولديه نظام قضائي مستقل قائم على نظام القانون العام الإنجليزي، ويخضع مركز دبي المالي العالمي للقوانين الخاصة به بما في ذلك قانون التحكيم الخاص بمركز دبي المالي العالمي لعام 2008، والذي يستند بشكل كبير إلى قانون اليونسيترال النموذجي .UNCITRAL
تنص المادة 42 (1) من قانون التحكيم الخاص بمركز دبي المالي العالمي على ما يلي: "يتم الاعتراف بحكم التحكيم داخل المركز المالي العالمي بغض النظر عن الدولة التي صدر فيها [...] ولتجنب الشك، تلتزم محكمة مركز دبي المالي العالمي بأحكام أية إتفاقية إنضمت إليها دولة الإمارات العربية المتحدة لتنفيذ الأحكام والأوامر وأحكام التحكيم الأجنبية.
ويؤيد هذا التوجه المادة 24 (2) من قانون مركز دبي المالي العالمي رقم 10 لسنة 2004 وقانون محكمة دبي المالي العالمي المتضمنين أحكاما مشابهة للمادة 42(1)، وبعبارة أخرى فإن محاكم مركز دبي المالي العالمي تختص بنظر الدعاوى الخاصة بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، وفقاً لإتفاقية نيويورك في مركز دبي المالي العالمي.
في ضوء تقاليد القانون الإنجليزي المتاح، الصديق للتحكيم في قضاء مركز دبي المالي العالمي، فإن تنفيذ أحكام إتفاقية نيويورك أمام محاكم مركز دبي المالي العالمي يعد مجرد إجراء شكلي. وعادة ما يكون حكم التنفيذ الصادر من مركز دبي المالي العالمي واجب النفاذ على نطاق واسع في دبي، وذلك استناداً إلى مذكرة التفاهم لعام 2009 بين محاكم دبي ومحاكم مركز دبي المالي العالمي، التي دخلت حيز التنفيذ في 16 يونيو 2009، والبروتوكول الملحق بها الخاص بالتنفيذ بين محاكم دبي ومحاكم مركز دبي المالي العالمي، والتي تنص على الإعتراف المتبادل للأحكام، والأوامر وأحكام التحكيم بين محاكم دبي ومحاكم مركز دبي المالي العالمي. ويدخل حكم التنفيذ الصادر من محاكم دبي حيز النفاذ في الإمارات الأخرى في دولة الإمارات العربية المتحدة بموجب المادة 11 من القانون الإتحادي رقم 11 لسنة 1973 بشأن العلاقات القضائية بين الإمارات والتي تنص على الاعتراف المتبادل للأحكام والأوامر بين الإمارات المختلفة. وبالتالي يمكن القول بإمكان الإعتماد على محاكم مركز دبي المالي العالمي كوسيط لتنفيذ أحكام التحكيم، وذلك كوسيلة لتجنب المخاطر المتبقية من إعتماد القضاء في دولة الإمارات العربية المتحدة على النهج القديم لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية.
خلاصة:
بالنظر إلى الوضع الخاص بتنفيذ أحكام المحكمين في القضاء، ونظراً إلى الأحكام المختلفة الصادرة من محاكم دولة الإمارات، فإنه لا يمكن التأكد تماماً مما اذا كانت المحاكم تقوم بتنفيذ جميع أحكام التحكيم الأجنبية، وفقاً لإتفاقية نيويورك. صحيح أن التطورات الأخيرة التي حدثت في الأحكام تشجع قيام المحاكم في دولة الإمارات بتطبيق نهج جديد لتنفيذ الأحكام الأجنبية وبشكل دائم، إلا أنه يمكن في المرحلة الحالية اللجوء إلى مركز دبي المالي العالمي لتنفيذ أحكام التحكيم الصادرة، وفقاً لإتفاقية نيويورك في دولة الإمارات العربية المتحدة.