نص الاعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة 20 منه على أن "لكل شخص الحـق فـي حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية، وأنه لا يجوز إرغام أحد على الانتماء الـى جمعية ما". كما نص في المادة 23 على أن "لكل شخص الحق في أن ينشىء وينضم الى نقابات حماية لمصلحته".
وجاء في الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية، في المادة الحادية والعشرين مـا يلي: "يعترف بالحق في التجمع السلمي ولا يجوز وضع القيود على ممارسة هذا الحق غير مـا يفرض منها تمشياً مع القانون، والتي تستوجبها، في مجتمع ديمقراطي مصلحة الأمن الوطني أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الأخلاق أو حمايـة حقـوق الآخـرين وحرياتهم".
وقد تناولت الاتفاقيات الاقليمية حرية تكوين الجمعيات والأحزاب والنقابات، وفي طليعة هذه الاتفاقيات الاتفاقية الأوروبية لحقوق الأنسان، فقد جاء في المادة الحادية عشرة منهـا أن "لكـل شخص الحق في حرية المشاركة في الاجتماعات السلمية، وفي حرية تكوين الجمعيات. ويشمل هذا الحق حرية إنشاء النقابات مع الآخرين والانضمام اليها والدفاع عن مصالحه. ولا يجـوز اخضاع ممارسة هذا الحق إلا للقيود التي يحددها القانون، والتي تعد في مجتمع ديمقراطي تدابير ضرورية لحفظ سلامة الوطن وأراضيه، والأمن العام وحماية النظام العام ومنع الجريمة، وحماية الصحة والأخلاق وحقوق الآخرين وحرياتهم. لا تمنع هذه المادة فرض قيود قانونية على ممارسة أفراد القوات المسلحة أو الشرطة أو إدارة الدولة لهذه الحقوق".
من الطبيعي أن تحصل بعض النزاعات التي يمكن أن تنشأ سواء عن طبيعة عمل الجمعيات أو عن كيفية تسيير شؤونها، بحيث أن السؤال يطرح حول امكانية اللجوء الى التحكيم لحل هكذا نزاعات؟
اعتبر الاجتهاد أنه يمكن للجمعية أن تلجأ الى التحكيم لحل النزاع بواسطة محكم.
أما في القوانين الوضعية، فأن امكانية لجوء الجمعية الى التحكيم لا يثير أية مشكلة في ضوء القانون اللبناني الذي أجاز التحكيم الداخلي في القضايا المدنية والتجارية، وفقاً للمادة 762 ومـا يليها من قانون أصول المحاكمات المدنية. إلا أن هذه المشكلة كان يمكن أن تطرح في ضـوء القانون الفرنسي الذي لم يكن يجيز أدراج بند تحكيمي في العقود المدنية، انما فقط يجيز إجـراء عقد تحكيم. وأن أهلية الجمعيات لاجراء التحكيم قد تكرست بموجب التعديل الذي أدخـل علـى المادة 2061 من القانون المدني الفرنسي بموجب القانون رقم 420-2001 الصادر في 15 ايار 2001 الذي أفسح مجالاً واسعاً أمام الأشخاص المعنويين من القانون الخـاص، ومـن ضـمنها الجمعيات، في اللجوء الى التحكيم عن طريق ادراج بند تحكيمي في العقود التي تجريهـا. كمـا أضحى من الممكن ادراج هذا البند في أنظمة الجمعيات، بغية تمكين أعضاء الجمعية مـن حـل النزاعات التي تحصل بينهم بصورة سريعة وسرية عن طريق محكم يختارونـه بـالنظر الـى شخصيته ومؤهلاته.
إن التحكيم بالنسبة للجمعيات يمكن من ناحية أن يكون داخلياً كأن يحـصل بغيـة تـسوية النزاعات التي تنشأ بين الأعضاء المنتسبين الى الجمعية، أو بينهم وبين الجمعية نفـسها؛ إذ أنـه نتيجة العلاقات القائمة بين هؤلاء يمكن أن تحصل نزاعات تطال المصالح الشخـصية لأعـضاء الجمعية أو مصالح هذه الأخيرة. كما أنه من ناحية أخرى يمكن أن يحصل أن التحكيم الذي يعني الجمعيات يمكن أن يكون تحكيماً خارجياً. فالتحكيم الخارجي يتعلق بالنزاعات الناشئة عن علاقات الجمعية مع الغير، وهي جائزة بشكل عام وفقاً لما هو منصوص عنـه فـي قـانون أصـول المحاكمات المدنية اللبناني (م 762 أ.م.م.)، وكذلك القوانين الأخـرى التـي تجيـز ادراج بنـد تحكيمي في العقود – ومنها عقد الجمعية- ينص على أن تحل بطريق التحكيم جميع المنازعـات القابلة للصلح.
وانه في كلتا الحالتين يطرح السؤال عن مدى امكانية اللجوء الى التحكيم في ظل وجود بند تحكيمي بعد وضع المحكمة العادية يدها على النزاع وعدم اثارة الدفع بعدم اختصاصها للنظر في النزاع في بدء المحاكمة وقبل الادلاء بدفوع عدم القبول أو الدفاع في الأساس؟
تقضي الاشارة الى أن قانون أصول المحاكمات اللبناني لم يتضمن أي نص من هذا القبيل، وقد اعتبر الفقه أن الدفع بعدم الاختصاص في هذا الاطار هو نسبي ولا يتعلق بالنظـام العـام، وبالتالي تجب اثارته في بدء المحاكمة، إلا أنه بالعودة الى أحكام اتفاقية نيويورك لعـام 1958، والتي انضم اليها لبنان بموجب القانون رقم 629 تاريخ 1997/4/23، فقد نصت فـي المـادة 2 فقرة 3 على أن تقوم محكمة الدولة المتعاقدة بإحالة طرفي النزاع العالق أمامها الى التحكيم، بناءً على طلب أحدهما، بحيث تكون بذلك قد أولت الاختصاص للقضاء التحكيم ولـيس للقـضاء العادي. وهذا ما قضى به الاجتهاد اللبناني أخيراً؟.
وقد أيد الفقه هذا التوجه لناحية وجوب اعلان عدم اختصاص المحاكم العادية في حال وجود بند تحكيمي.
إننا سنقصر دراستنا على التحكيم الداخلي بالنسبة للنزاعات العائدة لنشاط الجمعيـة. فمـن الطبيعي أن الجمعية التي تشكل عقداً، تخضع للتحكيم عن طريق ادراج بند في هذا العقد يـنـص على أن تحل بطريق التحكيم جميع المنازعات القابلة للصلح التي تنشأ عن تنفيذ هـذا العقـد أو تفسيره (المادة 762 أ.م.م.لبناني).
انطلاقاً مما تقدم، لا شيء يحول دون ادراج بند تحكيمي في نظام الجمعية، تحال بموجبه الى التحكيم النزاعات التي يمكن أن تنشأ بين أعضاء الجمعية أو بين هـؤلاء والجمعيـة نفـسها. وأن اللجوء الى اعتماد التحكيم في أنظمة الجمعيات يكون بهدف التسريع في حل النزاعـات المـذكورة والاقتصاد في الوقت والنفقات، وكذلك الرغبة في ابقاء النزاعات المتعلقة بالجمعيـة بعيـدة عـن الأضواء لما لذلك من تأثير على وضع الجمعية وسمعتها. إن كل هذه الأمور تفرض اللجوء الـى التحكيم منعاً لعرض الخلافات الناشئة بين أعضاء الجمعية بشكل ظاهر وعلني يؤثر في مسيرتها. إلا أنه بالرغم من ذلك تبقى الاشارة الى أن طرق الطعن في القرار التحكيمي سوف تخرج النـزاع الى العلن، ومن شأن ذلك إطاحة السرية المطلوبة. وقد يحرص القضاء على المحافظة على احترام سرية التحكيم من خلال الحكم بالعطل والضرر على الطرف الذي يتقدم عن سوء نية بمراجعة عن طريق الطعن في القرار التحكيمي، وذلك على غرار ما اعتمده القضاء في قضايا الشركات عنـدما قام أحد الفرقاء بتقديم طعن أمام محكمة غير مختصة بشكل واضح، مخالفاً بذلك التزاماته الخطيـة بعدم التقدم بأي طعن في القرار التحكيمي"، مما أدى الى كشف وقائع النزاع أمام الكافة، فيما كـان من المفترض أن تبقى سرية بالنظر لطبيعتها". وقد أيد الفقه هذه الوجهة لتأمين أفضل قدر ممكـن من السرية في معرض تسوية النزاعات بين الأفراد، وفقاً لما اتفق عليه الفرقاء.
في الفقه الفرنسي ليس هناك دراسات تتعلق بشكل خاص بعلاقة التحكيم بالجمعيات. ويمكن أن يعود السبب في ذلك إلى أن قانون أصول المحاكمات المدنية الفرنسي لم يلحظ التحكيم فـي القضايا المدنية قبل تعديل المادة 2061 عام 2001، وفقا لما سبقت الاشارة، فيما أعتبر التعـديل الحاصل البند التحكيمي صحيحاً وجائزاً في العقود الجارية بمعرض نشاط مهني. وفي ضـوء ذلك جرى التمييز بين الممتهن وغير الممتهن (professionnel et profane) للقول بصحة البند التحكيمي تجاه الأول وعدم سريانه بحق الثاني الذي يبقى في حاجة الى الحماية كونـه الطـرف الأضعف في حال ابرامه اتفاقا ينزع بموجبه اختصاص المحاكم العادية لإيلائه الى محكـم يـتم اختياره من قبلهما. وهذا الأمر ينسحب على الأشخاص المعنويين الذين ليسوا من التجار، وذلـك بصرف النظر عن الشكل الذي يتخذه هذا التجمع: شركة مدنية، تجمـع المـصالح الاقتـصادية GIE، جمعيات مهنية...، لأن نوع النشاط وموضوعه هو وحده الذي يؤخذ بعين الاعتبـار بصرف النظر عن الشخص الذي يمارسه .
لذلك سوف نستعين في دراستنا الحاضرة بالآراء الفقهية حول شرح المـادة 2061 مــدني فرنسي وكيفية تطبيقها في الاجتهاد، مع محاولة اجراء قياس بما يتعلق بالـشركات مـن أمـور مشابهة، ولا تتعارض بطبيعتها وواقع الجمعيات .
يجب مقاربة الموضوع من ناحية التفاعل بين التحكيم والجمعيات. يتحـصل هـذا الأمـر نتيجة تداخلات بين نظامين قانونيين: أحدهما عائد للجمعيات والآخر للتحكيم. فالفكرة مستنتجة هنا من مفهوم مجموعة متناسقة من القواعد المطبقة اجتهاداً انطلاقـاً مـن نـصوص قانونيـة. ومن خلال وجهة النظر هذه، فإنه يوجد نظام قانوني للجمعيـات، كمـا يوجـد نـظـام قـانوني للتحكيم.
إن القول بصحة البند التحكيمي في موضوع الجمعيات، انطلاقاً من مبدأ الحرية التعاقديـة، يكون صحيحاً في اطار الحدود المرسومة في المادة 166 من قانون الموجبات والعقود والمادة 6 من القانون المدني الفرنسي، أي بقدر عدم تعارض البند التحكيمي مع القواعد المتعلقة بالنظـام العام.
الموضوع الأساسي لهذه الدراسة هو تحديد العلاقات بين الجمعية والتحكيم من خلال القواعد التي تحكم كل مؤسسة منهما وتتداخل في عمل الأخرى.
النبذة الأولى: التحكيم والنظام القانوني للجمعيات:
ليست العبرة لحجم الجمعية في إخضاع النزاعات الحاصلة بينهـا وبـين الأعـضاء المنتسبين اليها أو بين هؤلاء أنفسهم للتحكيم، طالما أنه من الممكن ادراج بند تحكيمي نظامها سواء اكانت هذه الجمعية كبيرة أم صغيرة. كما أنه لا شيء يحول دون ادراج بند تحكيمي في اتفاقات أخرى، لاحقة لتوقيع النظام، تجري بـين الجمعيـة وبـين الأعـضاء المنتسبين اليها أو بين هؤلاء أنفسهم، وذلك استناداً الى المادة 763 أ.م.م؛ مثلاً اجراء اتفاق حول كيفية ادارة الجمعية واتخاذ القرارات فيها والتصويت بشأنها...، مع الالتزام بـاللجوء الى التحكيم في حال نشوء نزاعات بشأن هذا الاتفاق الذي يبقى منفصلاً عن النظام الأساسي للجمعية.
ان الكلام على الاتفاقات اللاحقة ينبع من التجارب العملية التي يمكن منها استخلاص ارتباط واضح بين اللجوء مسبقا الى التحكيم عن طريق بند مدرج في نظام الجمعيـة وبـين الاعتبـار الشخصي الذي تقوم عليه العلاقة بين أعضاء الجمعية. وهذا ما يظهر أن التحكيم يتطلب في ذهن أعضاء الجمعية الذين يعتمدونه وسيلة لحل نزاعاتهم قدراً ما من المعرفة الشخصية بين بعـضهم البعض وتعاوناً متبادلاً واشتراكاً في المصالح ذاتها.
ويبقى التحكيم جائزاً كونه صادراً عن إرادة أعضاء الجمعية الذين ارتضوه سبيلاً لحـل النزاعات التي يمكن ان تنشأ بينهم عن عمل الجمعية ونشاطها، وذلك سواء تم إدراجه في نظامها الأساسي أو في اتفاقيات لاحقة.
ويمكن القول بأن لا شيء يحول دون قيام أعضاء الجمعية أو مؤسسيها بإدراج بند تحكيمي في أنظمتها، يخضع النزاعات التي يمكن أن تنشأ بينهم عن عمل هذه الجمعية للتحكيم.
تبقى الاشارة الى أن الجمعيات تحتل اليوم مكانة هامة في المجتمع، واعدادها لا تتوقف عن الازدياد، بحيث لا يعقل أبعادها عن إجراءات التحكيم لحل النزاعات التي يمكن أن تطرأ بمعرض ممارستها نشاطها. فلا يمكن منع التحكيم بشكل مطلق بالنسبة للجمعيات بالنظر الى الأعداد الهائلة التي تمثلها وما يرافقها من مشاكل ونزاعات تستوجب حلاً سريعاً، ولمـا تمثلـه فـي الحقـل الاجتماعي والوطني، وبالتالي لما يتطلبه نشاطها من حاجة الى التحكيم لحل النزاعات التي يمكن أن تعترض سير عملها أو علاقتها مع الأعضاء المنتسبين اليها.
أنه خارج اطار بعض القواعد كتعيين مدير واحد أو عدة مدراء مثلا، حيث يلزم هؤلاء في علاقاتهم مع الغير الجمعية المذكورة بكل تصرف يدخل ضـمن موضـوعها، فيمـا أن تحديـد صلاحياتهم يبقى غير سار بوجه هذا الغير طالما لم يتم النشر عنـه أصـولاً، فـإن أعـضـاء الجمعية (المؤسسين والمنتسبين) يتمتعون بحرية واسعة في تنظيم ادارتها: تسمية المدراء وكيفيـة اختيارهم مع تحديد الشروط المطلوب توافرها فيهم، مدة ولايتهم، أمكانية الجمع بين وظيفـتهم وارتباطهم بعقد عمل الجمعية، صلاحياتهم، شروط عزلهم... وبالتالي يغدو من غير المنطقي أن يكون أعضاء الجمعية الذين يتمتعون بهذا القدر الواسع من الحرية، غير قادرين بالمقابل على اختيار الطريقة التي تبدو أكثر ملاءمة لهم في تسوية النزاعات التي يمكن أن تنشب بيـنهم، ولا سيما اللجوء الى التحكيم كوسيلة لحل هذه النزاعات عن طريق ادراج بند تحكيم فـي نظـــام مع جمعيتهم.
انطلاقاً مما تقدم، وفي ضوء القانون اللبناني، فلا شيء يحول دون ادراج بند تحكيمي فـي نظام الجمعية ليصار بموجبه الى حل الخلافات التي تنشأ بين الأعضاء أو بينهم وبين الجمعيـة عن طريق التحكيم .
وبصورة عامة، إن النزاعات التي تنشأ بين هؤلاء تكون، بشكل أساسي، ذات طبيعة نظامية أو مسلكية ناشئة عن نظام الجمعية، مما يطرح التساؤل: هل أن هذا الأمر يحول دون التحكيم؟
للجواب عن هذا التساؤل يجب تحديد العضو في الجمعية، ومن ثم تحديد النزاعات الناشـئة بين الجمعية والأعضاء المنتسبين إليها.
أ- المرجع المختص في الجمعية لاعتماد التحكيم:
إن معيار العضو في الجمعية يستند الى عنصرين معا: تقديم المعلومات والنشاط، وذلك من قبل كافة الأعضاء دون استثناء، وحق هؤلاء بالتالي في التدخل بإدارة الجمعية على قدم المساواة. إن هذا الحق الأخير لا يعني قيام كل عضو بادارة الجمعية مباشرة، إذ أن هذا الأمر يبقـى مـن اختصاص مكتب مجلسها ورئيسها، إلا أن حق التدخل في الادارة معناه الحق في المراقبة والحق في الحصول على المعلومات.
إن المقصود من خلال تحديد العضو في الجمعية هو معرفة من هم الأشخاص الذين يحـق لهم إبرام عقد تحكيم أو بند تحكيمي في موضوع الجمعيات، وبالمقابل من هو الشخص الذي يلزم بهذا التحكيم.
ان مسألة السلطة العائدة لممثلي الجمعيات في اجراء التحكيم لا يبدو أنها قـد أثيـرت فـي المجال العملي. ويحدد نظام الجمعية عادة السلطات العائدة لرئيس الجمعية أو لمجلس ادارتها من جهة، وللجمعية العمومية من جهة ثانية، وذلك بالنسبة إلى الأعمال والتصرفات التي يجوز لكـل منهما اجراؤها بإسم الجمعية والزامها بها. وفي غياب النص على ذلك يعتبر القضاء بوجه عـام أن سلطة القيام بأعمال الادارة العادية تعود إلى الهيئات الادارية المحددة في النظام (مجلس ادارة الجمعية أو رئيس الجمعية مثلاً)، أما الأعمال التي تتجاوز الادارة العادية فتعود سلطة القيام بهـا الى الجمعية العمومية.
وعليه يمكن القول بأن توقيع عقد التحكيم أو البند التحكيمي يجوز أن يصدر عـن هيئـات الادارة في الجمعية (كالرئيس مثلا) ويكون ملزما للجمعية ولكافة أعضائها اذا تعلق بأعمال داخلة في اختصاص هذه الهيئات، وإلا وجب أن يخضع لترخيص من الجمعية العمومية.
يمكن أن يلحظ البند التحكيمي بشكل واضح وصحيح النزاعات بين أعضاء الجمعيـة التـي تجد أساساً لها في العلاقات الناشئة عن انضمام هؤلاء إلى الجمعية ومشاركتهم في نشاطها.
فالقاعدة توجب أن تكون هناك علاقة قائمة مع الجمعية، وقد تنتج من هذه العلاقة نزاعـات يمكن أن تحصل، إما عن عمل الجمعية وطريقة تسيير أمورها، أو عن علاقة الأعضاء في مـا بينهم، أو أن تكون ناشئة عن طريق حصول الانتخابات، وبالتالي عما يتعلق بإدارة الجمعية مـن قبل رئيس المجلس وأعضائه، وهذا ما يترك مجالاً واسعاً لإعمال البند التحكيمي وتطبيقه.
ب- النزاعات الناشئة بين الجمعية والأعضاء المنتسبين اليها:
إن امتداد سريان البند التحكيمي الى النزاعات الحاصلة بين الجمعية والأعضاء المنتسبين اليها يبدو كأنه حل ضروري إذا ما رجعنا إلى فكرة الجمعية وتطورها.
من الوجهة العقدية الصرفة، طالما أن الجمعية لا يكون لها وجود حقيقي وفعلي خاص بها، إلا من خلال الأشخاص الذين تتألف منهم، فإنه في حال نشوء نزاع يتعلق بكيفية تطبيـق نظـام الجمعية في ما بين أعضائها، يمكن القول أن هذا النوع من النزاع يجوز أن يكون موضوع بنـد تحكيمي.
إلا أن الجمعية ليست عقداً فحسب، فهي شخص معنوي ينشأ من خلال عدة إجراءات قانونية وادارية ابتداء من التأسيس لغاية التصريح والنشر عنها أصولاً. فقد تكون لها مصالح خاصة بها مستقلة عن مصلحة الأعضاء المنتسبين اليها، بحيث لا يمكن تبعا لذلك استبعاد الطابع النظـامي والمؤسساتي للجمعية.
اذاً لناحية النزاعات، في حال نشوء خلافات ناتجة من كيفية تطبيق نظام الجمعية، فإنهـا لا تعتبر بالضرورة حاصلة بين أعضاء الجمعية، اذ من الممكن أن تكون بين الجمعية وأعـضائها. فالبند التحكيمي لا يمكن أن يقتصر فقط على النزاعات الحاصـلة بـين الأعـضاء المؤسـسين للجمعية، انما يجب الأخذ بعين الاعتبار في هذا المجال الوجهين العقدي والنظامي للجمعية.
أضرب مثالاً عن النزاعات التي يمكن أن تحصل: قيام أحد اعضاء الجمعيـة أو بعـضهم طلـب بمداعاتها بشأن نتائج الانتخابات الحاصلة وكيفية إجراء التصويت وانعقاد الجلسات، مـع ابطال نتائج الانتخابات... فمن خلال واقعة واحدة يمكن أن ينشأ نزاع بين أعـضاء الجمعيـة أو بينهم وبين الجمعية.
وفي اطار ما سبقت الاشارة اليه لناحية أن عقد الجمعية الذي يشكل نظامها، يكون موقعاً من قبل مؤسسيها، فيما أن باقي الأعضاء يوقعون وثيقة الانضمام الى الجمعية، وأنه بنتيجـة توقيـع عقد الجمعية أو توقيع بطاقة الانتساب بتاريخ لاحق، تنشأ علاقة تعاقدية تلزم الشخص المعنـوي وكافة أعضاء الجمعية باحترام الموجبات الناشئة عن هذه العلاقة لتحقيق هدف مشترك بينهم.
وفي ضوء وجوب أن يكون البند التحكيمي موقعاً من فرقائه، ففي حال ورود بند تحكيم في عقد الجمعية الموقع فقط من قبل مؤسسيها، قد يطرح السؤال التالي: هل أن هذا البند يعتبـر سارياً بوجه الأعضاء المنتسبين بتاريخ لاحق لتأسيس الجمعية ودون أن يوقعوا النظام الأساس المتضمن البند المذكور؟
إن هذا الأمر يطرح مسألة امتداد البند التحكيمي الوارد في نظام الجمعية الى غير موقعيـه من الأعضاء المنتسبين اليها.
من الملاحظ بالنسبة الى اثبات الاتفاق التحكيمي في نطاق تطبيقه على الخصوم، أن القاعدة هي أن هذا الاتفاق لا يحتج به مباشرة إلا على الطرفين في العقد الأساسي. ومع ذلك فان القضاء التحكيمي قد اتجه، في النطاق الدولي، الى إبداء حرية كبيرة بالنسبة الى توسيع مدى تطبيق البند التحكيمي إما على مجموعات من الشركات، وإما على مجموعة من العقـود المتعلقة بعمليـة واحدة، وهذا الأمر يصح في التحكيم الداخلي، وفي العقود المدنية أيضاً.
بمقتضى المبادىء القانونية العامة للموجبات والعقود، من المقرر قانوناً أن العقود المنـشأة على الوجه القانوني تلزم المتعاقدين (المادة 221 موجبات وعقود). كما أن العقـد لا ينـتـج فـي الأساس مفاعيله في حق شخص ثالث بمعنى أنه لا يمكن ان يكسب هذا الشخص حقوقاً أو يجعله مديوناً، إذ أن للعقد مفعولاً نسبياً ينحصر في ما بين المتعاقدين أو الذين نالوا حقوق هؤلاء بوجه عام (المادة 225 موجبات وعقود).
ونظراً لكون اتفاق التحكيم هو عقد رضائي كسائر العقود، وهو بالتالي يخضع للأحكام المبينة أعلاه، ويتمتع بالتالي بمفعول نسبي يجعل مفاعيله منحصرة في ما بين أطرافه المتعاقدين دون أن تمتد تلك المفاعيل الى اشخاص ثالثين ليسوا بأطراف فيه. فاتفاق التحكيم هو ملزم فقط لأطرافه فلا يمكن اعتبار شخص ثالث غير طرف في اتفاق التحكيم ملزماً بهذا الاتفاق، وبالتالي من أثـر هـذا الاتفاق اليه وادخاله فريقاً في التحكيم دون موافقته ودون موافقة اطراف عقد التحكيم .
إلا أن صعوبات قد تنشأ في تحديد أطراف اتفاق التحكيم متى كانت قد تمت المفاوضة بشأن هذا الاتفاق من قبل مؤسسي الجمعية، وذلك للقول ما اذا كان هذا البند يلزم العـضو المنتـسب بتاريخ لاحق دون أن يقوم فعلياً بتوقيع هذا الاتفاق.
من هنا بدأ النقاش حول موضوع أثر امتداد اتفاق التحكيم الى غير أطرافه، وبتعبير أوضح فإن المسألة تطرح حول من يعتبر حقيقة وواقعاً طرفاً في الاتفاق، وبالتالي من يمكن له التـذرع بالاتفاق أو من يمكن التذرع بالاتفاق بوجهه، وذلك للقول ضمن أي مدى يمكن الزام أعضاء لـم يوقعوا شخصياً العقد المتضمن البند التحكيمي بأن يكونوا معنيين مباشرة بـإجراءات التحكیم بأن يخضعوا لتلك الاجراءات.
ضمن هذا الاطار، قام الاجتهاد التحكيمي ومن بعده القضائي، بتطوير مقاربة قانونية اعتبر بموجبها أن تدخل جهة غير موقعة على الاتفاق التحكيمي في المفاوضة بشأنه أو في تنفيذه مـن شأنه أن يشكل قرينة على انصراف نية المتعاقدين الحقيقية الى اعتبار الجهة غير الموقعة للاتفاق طرفاً حقيقياً فيه، وبالتالي ملزمة بهذا الاتفاق. بحيث أنه بحكم العلاقة التي تكون قائمـة بـين أعضاء الجمعية يمكن القول بأنه ليس كل من لم يوقع الاتفاق التحكيمي هو ليس طرفاً فيه، إذ أنه بالرغم من عدم توقيع الأعضاء المنتسبين الى الجمعية اتفاق التحكيم، فإن انضمامهم إليها يكسبهم صفة الطرف في التحكيم بحكم طبيعة العلاقة التي تربطهم والهدف الواحد الذي يسعى أولئك الى تحقيقه. وبالنتيجة يمكن القول أن مجرد انضمام شخص الى جمعية معينة من خلال توقيعـه وثيقـة الانضمام اليها، وإن لم يكن قد وقع عقدها الأساسي المتضمن بندأ تحكيمياً، ينشئ قرينة على علم هذا الشخص بوجود اتفاق التحكيم ونطاقه، وأن هذه القرينة تكفي لافتـراض موافقـة الـشخص المذكور على اتفاق التحكيم، مما يبرر بالتالي استخلاص النية المشتركة لـدى كافـة الأعـضاء المنتسبين الى الجمعية بالموافقة على هذا البند التحكيمي.
النبذة الثانية: استبعاد التحكيم بسبب النظام العام في الجمعيات:
مهما تكن الطريقة التي يصار فيها إلى اعتماد التحكيم كوسيلة لحل النزاعات التي تطرأ معرض عمل الجمعية، سواء أكانت عن طريق عقد أم بند تحكيمي، فإن التحكيم يبقـى خاضـعاً لشروط اضافية كي لا يتم استبعاده من النظام القانوني للجمعيات في بعـض الحـالات، وذلـك بالاستناد الى النظام العام. إذ أن ثمة تعارضاً بين العدالة الخاصة (التحكيم) والنظام العام.
نصت المادة 762 أ.م.م على أن التحكيم يكون جائزاً في المواد المدنية والتجاريـة، إلا أن هذا الأصل ترد عليه قيود واستثناءات في القانون، اذ أضافت المادة 762 أ.م.م أن البند التحكيمي لا يص إلا بشأن منازعات قابلة للصلح، فيما تؤكد المادة 765 ذات القاعدة أيضاً بالنـسبة الـى يصح عقد التحكيم .
يتبين مما تقدم أن التحكيم الجائز في القضايا المدنية والتجارية، لا يبقى مـستطاعاً عنـدما تتعلق هذه المنازعات بالنظام العام.
إن مفهوم النظام العام متحرك وليس جامداً، فهو متطور بحسب الظروف التي تحكم فتـرة تطبيقه ويخضع لعدة عوامل تؤثر فيه، إذ أنه يتغير مع تطور المفاهيم الـسياسية والاجتماعيـة والاقتصادية27. وإن القوانين التي تختص به قد تزايدت في شتى الميادين وتنوعت أهدافها، بحيث لا يمكن أدراجه ضمن تعريف او تعداد محدد28. وقد جعل هذا الأمر تطبيق مفهوم النظام العـام صعباً في مجال التحكيم. وهذه الصعوبة ناجمة عن طبيعة التحكيم حيث يتداخل فيـه العنـصـر الاتفاقي مع العنصر القضائي. وكما هو معلوم، فاتفاق التحكيم هو عقد اجرائي يهدف الـى حـل النزاع بين فرقائه حلاً قضائياً، وأن هذه الطبيعة المختلطة يكون لها تأثير في صدد تطبيق مبادىء النظام العام.
من الصعب الاحاطة بتطور النظام العام الذي يبدو كنموذج ذي فكرة مضمونها متغير. فهـو موجود في كافة المواضيع، وعلى الأخص في الحقلين الاقتصادي والاجتماعي، وان هذه النسبية في النظام العام ترتدي طابعاً خاصاً في موضوع الجمعيات. فالنظام العام يظهر في هذا الاطار بتنـوع مصادره التي يعود اليها تطور مضمونه، لذلك هناك مصادر تقليدية ومصادر حديثة للنظام العام.
أ- المصادر التقليدية: يرتدي المفهوم النسبي للنظام العام طابعاً خاصاً في قانون الجمعيات.
من مراجعة نص قانون الجمعيات في لبنان، وفي بعض قوانين الدول الأخرى، يظهر الطابع الأمر والملزم لبعض أحكامه من خلال الصيغ التي وردت فيها، حيث يستدل من بعض العبارات انه لا يمكن القيام بأي اجراء يخالف مضمونها تحت طائلة اعتباره باطلاً وكأنه لم يكن، مع مـا يمكن أن يرتب ذلك من جزاء على من أقدم عليه. مثلاً :"إن تأليف الجمعية...يلزم إعلام الحكومة بعد تأسيسها"- "لا يجوز تأليف جمعيات مستندة الى أساس غير مشروع..."- " يمنع منعاً قطعيـاً تأليف الجمعيات السرية فبناء عليه يجب حالاً عند تأليف الجمعية أن يعطـي مؤسسوها وزارة الداخلية بياناً..." - " أن الجمعيات التي لا تعلن أمرها وتنبيء الحكومة بإعطائها البيان... يصار الى منعها من قبل الحكومة ويجازى مؤسسوها...". اذا يشكل النظام العام إطاراً يضعه المشترع، في ما يبقى للقضاء تحديد مضمونه، مما يفسر الطابع النسبي للنظام العام. فالنظـام العـام لا يحتاج دائماً الى نص وضعي كي يكون موجوداً. . من هنا أهمية دور القضاء في تحديد وتطبيق النظام العام في نطاق الجمعيات. اذ يكتفي القضاء أحياناً بتطبيق النصوص القانونيـة المتعلقـة بالنظام العام مبطلاً الاتفاقات المخالفة، وأحياناً أخرى يكون دوره خلاقاً أكثـر، إذ ينطلـق مـن المبادىء التي نص عليها القانون ليستخلص منها النتائج، ويعلن ان بعض الأحكام هي من النظام العام دون ورود أي اشارة في النص الى ذلك.
هكذا يمكن أن يتدخل القضاء لإبطال الاتفاقيات والنصوص الواردة في نظام الجمعية التـ تحد من حرية عزل المدراء، أو تلك التي تعطل مفاعيل البنود الواردة في النظام التي تفـرض أغلبية معينة لتعديل أنظمة الجمعية.
من خلال توزيع الصلاحيات بين مختلف أجهزة الجمعية، تستخلص المحاكم، فـى بعـض الأحيان، نتيجة توصلها إلى تحديد النظام العام. إذ تقوم المحاكم بدور خلاق انطلاقاً مـن مبـدأ حرية ممارسة حق التصويت، فتبطل الاتفاقات المتعلقة بها والتي تمنع بشكل تام أعضاء الجمعية من التصويت بحرية...
ب- المصادر الحديثة: السلطة التنظيمية هي معنية أيضاً بشكل مباشر بتكوين النظام العـام في الجمعيات. فقد أجاز الدستور حرية الاجتماع، فيما أن المشترع لم يتدخل لتعديل أحكام قانون الجمعيات، تاركاً الأمر الى السلطة التنظيمية التي أصبحت صلاحيتها هي الأسـاس فـي هـذا المجال.
وقد فرضت المادة 13 من الدستور العودة الى القانون في كل مرة يجري فيها التعدي على "المبادئ الأساسية" للحريات. بمعنى أنه في ما يتعلق بالجمعيات فكل ما يخرج عما هـو محـدد حصراً في نص قانون الجمعيات لعام 1909، فإن تطبيق قانون الجمعيات يكون خاضعاً في جزء منه للسلطة التنظيمية. وبصورة طبيعية، فإن هذا المصدر يشكل مصدراً للنظام العام في موضوع الجمعيات. اذ يظهر كأنه مصدر ملحق بالنسبة للمصدر الأساسي النابع من نص قانون الجمعيات.
وكذلك بالنسبة للنصوص التنظيمية، فقد عمدت وزارة الداخلية الى وضـع بعـض القيـود التنظيمية التي ترمي الى الرعاية الفعلية لعمل الجمعيات وممارسة الرقابـة عليهـا، بحيـث أن تأثيرها يعتبر أساسياً على تحديد النظام العام في الوضع المذكور .
تتنازع موضوع الجمعيات فكرتان مختلفتان: الأولى لها اتجاه نحو التنظيم القانوني. فيما أن الثانية تعتمد التنظيم عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية نابعة من داخل الجمعية، فبدل أن تكـون هذه القرارات صادرة عن الادارة الحكومية لناحية انشاء الجمعية وتنظيم هيكليتها، فهي تـصدر عن ارادة مؤسسي الجمعية. ففي الاتجاه الأول هناك حضور كبير للنظام العام، فيما الاتجاه الآخر يميل نحو استبعاد النظام العام بشكل كامل.
I- الاتجاه نحو تفعيل النظام العام: كما هو الحال بالنسبة لأي فرع من فروع القانون، فـإن اعتماد التنظيم القانوني الذي يكون محدداً في القوانين الوضعية من شأنه أن يؤدي الى الحد مـن الحرية العقدية لمصلحة توسيع نطاق النظام العام.
بالنسبة للجمعيات، إن المقاربة العقدية الكلاسيكية اقتربت من المفهوم النظامي المؤسساتي وهذا ما يستدل عليه من نص المادة الأولى "الجمعية هي مجموع مؤلف من عدة أشخاص..."، وكذلك من خلال بعض النصوص اللاحقة. فالقانون هو الذي يحدد تنظيم وعمل الجمعية ،والنظام المتعلق بأعضائها ووضعيتهم، والعلاقات مع الغير، بحيث يظهر النظام العام بوضوح، فيمـا أن حرية الفرقاء تضمحل من خلال انضمامهم إلى نظام قانونی آمر دون أن يكون بإمكانهم المناقشة فيه أو ادخال أي تعديل عليه، بحيث أنه لا تكون هناك امكانية في مخالفته.
وكما هو الحال بالنسبة للنظام العام بشكل عام، فإن النظام العام في الجمعيات يبتغي أهـدافاً متعددة: فهو يرمي تارة الى حماية المصلحة العامة، وطوراً يرمي الى حماية مصالح بعض فئات من أعضاء الجمعية. فنكون اذا أمام نظام عام توجيهي ونظام عام حمائي.
1- النظام العام التوجيهي: تساهم الجمعيات، ولا سيما السياسية منها (الأحزاب)، الى حـد كبير في التأثير في الرأي العام وتوجيهه من خلال الأفكار التـي تعمـل علـى ترويجهـا، وإن الترجمة العملية لمفهوم هذا النظام العام تتم من خلال عاملين مكملين: هناك حذر تقليدي من قبل الدولة تجاه الجمعيات، ولا سيما البعض منها، وهي تلك التي ترتدي طابعاً خاصاً سياسياً أو دينياً، وكذلك هناك الفكرة السائدة على مستوى السلطات الرسمية لناحية الحذر من تنظيم بعـض هـذه الجمعيات والنشاط الذي تمارسه، وبالتالي الاهتمام بمراقبة نشاطها.
إن بعض الجمعيات، ولا سيما التي هي من النوعين المذكورين أعلاه، ومن خلال نشاطها في الحياة العامة وبرامجها والأفكار التي تعمل على تحقيقها والأهداف التي تعمل مـن أجلهـا، تساهم في تكوين رأي عام وتوجيهه في اتجاه معين، بحيث يعود للدولة أن تعمل على التوفيق بين المصالح التي تبتغيها هذه الجمعيات والمصلحة العامة، وذلك من خلال تدابير مقيدة تحد من حرية تحرك هذه الجمعيات وتجعلها خاضعة في بعض نشاطاتها لمراقبة السلطات العامـة وتوجيههـا، مثلاً ما ورد في بعض النصوص القانونية التي تنظم إنشاء وعمـل الجمعيـات. تـضـاف الـى النصوص المذكورة القرارات الصادرة عن السلطة التنظيمية المنوطة بالوزير والمحافظ والقائمقام كل ضمن نطاق اختصاصه.
2
-النظام العام الحمائي: بالرغم من كون قانون الجمعيات لم يلحظ أحكاماً خاصة تتعلـق بحماية أعضاء الجمعية ومصالحهم، سوى ما ورد في المادة 10 منه لناحية حق عضو الجمعيـة الانفصال في أي وقت يريد ولو اشترط في نظامها الأساسي عكس ذلك، إلا أن القضاء اعتمد في معالجته القضايا التي عرضت عليه عدة وسائل حماية تضمن مصالح أعضاء الجمعية؛ مـثلاً بالنسبة للتصويت وكيفية حصوله، والدعوة الى الجمعيات العمومية وحصول المناقشات فيهـا، وذلك حماية لمصالح الأقلية بوجه الأكثرية، كما حماية الاعضاء من سوء استعمال السلطة مـن قبل مدير الجمعية ومكتب مجلسها، وتعيين مدير مؤقت...، كذلك تمكين أعضاء الجمعيـة مـن الاطلاع على أكبر قدر ممكن من المعلومات المتعلقة بسير عمل الجمعية وكيفية ادارتها، والتشدد في إعمال موجب الاعلام المفروض على من يتولى إدارة الجمعية عن طريق إعلامـه أعـضاء الجمعية بصورة دائمة بكيفية ادارتها وتسيير أمورها.
يمكن الملاحظة أن المشترع من خلال عدم ادراجه نصوصاً قانونية صريحة تنظم هـذه الحالات، ومن خلال تركه حرية واسعة للأفراد في تأليف الجمعية والانضمام اليها والانسحاب منها يكون قد اتخذ اتجاهاً يفضي الى عدم اعتبار أن هذه الأمور هي من النظام العـام بالنـسبة للجمعيات، إلا أن الاجتهاد لم يتردد في اعتبار أن استقرار العلاقات الاجتماعية التي تتجسد عـن طريق الجمعيات والأحزاب تفرض الاعتراف بوجود نظام عام يحمي مصالح الأعضاء المنتسبين الى تلك الجمعيات والأحزاب، والتي تعتبر من أهم المؤسسات القانونية التي ينتظم مـن خلالهـا عمل جماعة من الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين.
وفي قضية عرضت على القضاء طعناً في قرار صادر عن هيئة تأديبية في جمعيـة، وقـد رى تقديم الطعن أمام محكمة الإستئناف من قبل عضوين في الجمعية، معتبرين أن قرار الهيئة التأديبية هو قرار تحكيمي، وقد قضى القرار المذكور بفصلهما وانهـاء عـضويتهما فـي هـذه الجمعية، فقضت محكمة استئناف باريس باستبعاد مفهوم التحكيم عن الاجراءات التي أدت الـى صدور القرار المطعون فيه، معتبرة35: "أن النزاع الذي نشب بين الجمعية واثنين من أعـضائها، هو ذو طبيعة تأديبية نظامية وليست عقدية؛ وأن المحكمين المعينين من بين أعـضاء الجمعيـة، بالنظر للطابع التأديبي للإجراءات، انما تجتمع فيهم صفة الخصم والحكم، لذلك لا يمكن اعتبارهم بمثابة هيئة تحكيمية.
إن الاجراءات المنصوص عنها في نظام الجمعية في موضوع تأديبي لا تشكل اذا تحكيمـاً وكذلك بالنسبة لقرار الهيئة التأديبية فهو لا يشكل قراراً تحكيمياً ليكون بطبيعته موضـوع طعـن أمام محكمة الاستئناف. إن القرار المطعون فيه ليس له طابع قرار صادر في الدرجـة الأولـى وإن الطعن الموجه ضده مباشرة أمام محكمة الاستئناف يصطدم بمبدأ يرتبط بالنظام العام، الـذي يحول دون امكانية تنازل الفرقاء عن التقاضي أمام الدرجة الأولى لدى المحاكم، مما يقضي برد الطعن".
فيما اعتبر البروفسور شارل جاروسون في تعليقه على قرار محكمـة اسـتئناف بـاريس، المشار اليه، أن التحكيم ليس مستبعداً بالمطلق في حالة كهذه. منتقداً التفريق الذي أجرتـه هـذه المحكمة بين جواز التحكيم بالاستناد الى بند تحكيمي وارد في عقد، وعدم جوازه فـي القـضايا التأديبية، كما اعتبر أنه إذا كان غير جائز اجراء التحكيم بالاستناد الى بند تحكيمي وارد في نظام الجمعية فهو يبقى ممكناً في حال اجراء عقد تحكيم للفصل في هذه المسألة. وخلص البروفسور جاروسون في تعليقه الى القول أن السبب الثاني الذي اعتمدته محكمة استئناف باريس في قرارها كان كافياً بحد ذاته لاستبعاد التحكيم، كونه لا يصح أن يجمع المحكم بشخـصـه صـفة الخـصم والحكم في الوقت عينه، لأن المحكمين هم أعضاء في الجمعية نفسها التي هي أحد طرفي النزاع الحاصل بينها وبين عضوين من الأعضاء المنتسبين اليها، فيما يجب أن يكون المحكـم شـخـصاً ثالثاً حيادياً متميزاً عن الفريقين، الأمر غير المتوافر في المحكمين الذين نظروا في النزاع المشار اليه، مما يفقد هؤلاء صفة الحيادية التي تعتبر صفة جوهرية يجب أن يتمتع بها المحكـم كـكـل قاض يفترض فيه أن يكون على مسافة واحدة من الطرفين.
مبدئياً من الصعب التسليم بقبول التحكيم في مجالس التأديب في الجمعيات. لكـن اذا قبـل الطرفان بالتحكيم، أي الجمعية والعضو المنتسب اليها، فكلاهما يكون قد تنازل عن حقوقه في المجال، وهو أمر جائز ولا يتعارض والنظام العام.
II-الاتجاه إلى الحد من تطبيق النظام العام وتوسيع مفهوم التحكيم في قضايا الجمعيات:
من خلال ما تقدم، إن النظام العام في الجمعيات يجب ان لا يشكل من حيث المبدأ عائقاً أمام التحكيم. فالنظام العام التوجيهي هو وحده الذي يحول دون إجراء التحكيم. فيما أنه يظل محصوراً في حدوده المذكورة والتي عددتها النصوص القانونية الواردة في قانون الجمعيات، وفي بعـض القرارات الصادرة عن السلطة التنظيمية. يستخلص من ذلك أن التحكيم بين الجمعية والدولة يبقى غير جائز لتعارضه والنظام العام التوجيهي من خلال النصوص الواردة بشأن ذلك في قـانون الجمعيات، وتلك المتعلقة بقرارات السلطة التنظيمية. بمعنى أن التحكيم في قضايا الجمعيـات لا يستبعد حتماً لمجرد أن النزاع يتصل بالنظام العام؛ فهو يكون محظراً فقط في حـدود نزاعـات معينة تكون مستبعدة بطبيعتها عن نطاق القضاء الخاص، وليس في جميع النزاعات، ولا سيما منها تلك التي تتعلق بالنظام العام الحمائي.
فالنظام العام التوجيهي محصور في المواد الواردة في قانون الجمعيات، وفـي القـرارات الصادرة عن السلطة التنظيمية، وفقا لما سبقت الاشارة الى ذلك. وأنه خارج هذا النطاق المحفوظ لمحاكم الدولة، فإنه لا يكفي وجود صلة للنزاع بالنظام العام الحمائي لاستبعاد التحكيم.
وإن التمييز بين طريقتي تدخل النظام العام تكون له أهميته أيضاً من الناحية الاجرائية. ففي الحالة الأولى التي يكون فيها النزاع بطبيعته مستبعداً من نطاق التحكيم، يتعين على المحكـم أن يرفع يده عن القضية تلقائيا وفي الحال بدون أن يتعرض للبحث في موضوع النزاع، وذلك منـذ أن يتحقق من تعلق النزاع بالنظام العام في نطاقه المحصور والذي يحفظ القانون حق النظر فيـه لمحاكم الدولة.
وفي الحالة الثانية، فان الاتجاه الحديث الرامي الى توسيع مجال التحكيم ليشمل أكثر عـدد ممكن من النزاعات، يفضي الى ملاحظتين: الأولى منهما ترتكز على مراقبة لاحقـة للقـرارات التحكيمية بدلا من اتفاقية التحكيم، وذلك عن طريق الصيغة التنفيذية وقضاء الـبطلان، والثانيـة ترمي الى توسيع اتفاق التحكيم في حال إثارة مسألة مخالفة النظام العام أمام المحكم، الذي تعـود له سلطة التحقق من هذه المخالفة وترتيب الجزاء عليها المتمثل بإبطال العقد لمخالفتـه النظـام العام.
وانه انسجاماً مع التوجه الحديث الذي يرى توسيع صلاحيات المحكم، يمكن الاستنتاج أنـه في موضوع الجمعيات يجوز لهذا الأخير النظر في النزاعات المتعلقة بالنظـام العـام، توصـلاً لاستخلاص عدم مشروعية الاتفاقات المخالفة، اذ يمكنه أن يقضي عندها بـالبطلان او بترتيـب النتائج المناسبة، كأن يعلن عدم اختصاصه لأن موضوع اتفاقية التحكيم هو باطل كونه يرمي الى تنفيذ عقد غير مشروع مثلاً. وعلى أن يمارس المحكم سلطته هذه تحت رقابة قضاء الدولـة، وفقا لما سبق توضيحه بهذا الخصوص.
النبذة الثالثة: اخضاع النزاعات الناشئة عن عمل الجمعية للتحكيم:
يلاحظ أن الاجتهاد في مسائل التحكيم في قضايا الجمعيات ليس وفيرا، فبعض الاجتهـاد اعتبر أن التحكيم غير جائز في القضايا المسلكية والتأديبية كون القرار الـصـادر عـن الهيئـة التأديبية لا يشكل قراراً تحكيمياً صادراً عن هيئة تحكيمية ليكون بطبيعته موضوع طعـن أمـام محكمة الاستئناف، مما اقتضى رد الطعن (قرار محكمة استئناف باريس المشار اليه آنفاً).
إن التحكيم الذي يعني الجمعيات يمكن أن يكون خارجياً أو داخلياً بالنسبة اليهـا فـالتحكيم الخارجي يتعلق بالنزاعات الناشئة عن علاقات الجمعية مع الغير، وهي جائزة بشكل عام، وفقـاً لما هو منصوص عنه في قانون أصول المحاكمات المدنيـة (م 762 أ.م.م. جميـع المنازعـات القابلة للصلح)، وبالتالي فهي لا تستوجب دراسة خاصة كونها تأتى تطبيقاً للقواعد العامة.
بالمقابل، إن التحكيم بشأن النزاعات داخل الجمعية الذي يجد مصدره في عمل الجمعية هو الذي يسترعي الانتباه بشكل خاص، وهو الذي سيكون موضوع دراستنا.
أ- النزاعات الناشئة عن عمل الجمعيات العمومية:
يجب أن نستعرض النزاعات بشأن إبطال قرارات الجمعيات العمومية. لـم يتطـرق نـص قانون الجمعيات الى هذه الأمور، لكن الاجتهاد وضع بعض القواعد التي تـؤدي الـى إبط القرارات الصادرة عن الجمعية العمومية، ومن ضمن هذه الحالات: صدور قرار مشوب بعي شكلي يتعلق بتوجيه الدعوات لحضور الجمعية، وذلك في حال ثبوت حـصول ضـرر لاحـق بأعضاء الجمعية يكون ناتجاً من طريقة توجيه هذه الدعوات من شأنه أن يؤدي الى التأثير فـ إصدار القرار؛ في حال مخالفة القواعد التي تنظم عمل الجمعيات العمومية لناحية كيفية حـصول التداول والمناقشات، ومن ثم التصويت على مسألة معينة، وعدم ادراج بعض القضايا في جـدول الأعمال وطرحها على التصويت خلال الجلسة عن سوء نية بغية تمريرها دون تمكين الأعضاء من دراستها مسبقاً؛ عندما يكون القرار المتخذ مشوباً بعيب تجاوز حد السلطة أو إساءة استعمالها؛ أو في حال التصويت بشكل مخالف للأصول أو عدم تأمين الغالبية المطلوبـة لاتخـاذ قـرارات الجمعية العمومية المطعون في صحتها...
إن طلب إبطال قرارات الجمعية العمومية يمكن التقدم به من قبل كل صاحب مصلحة تتوافر فيه صفة العضو في الجمعية، ويكون لقرار الابطال مفعول تجاه الكافة erga ommes.
يمكن أن تستند أسباب الابطال الى اعتبارات شكلية، كما يمكن اسنادها الى اعتبارات مادية. وهذه الاعتبارات الأخيرة يمكن أن تكون مرتبطة بالنظام العام الحمائي؛ مثلا إمكان طلب الابطال في حال طرح مسألة خارجة عن جدول الأعمال للنقاش والتصويت في حال ثبوت سوء النية في طريقة طرحها، أو في حال تجاوز حد السلطة أو إساءة استعمالها... إن كافة هذه الأمور يمكـن اخضاعها للتحكيم، وإن تكن تتعلق بالنظام الحمائي، كون التحكيم في موضوع الجمعيـات يبقـى جائزا في ظل هذا النوع من النظام العام، وفقاً لما جرى بيانه آنفاً.
لم نعثر في ضوء القانون اللبناني على اجتهادات كثيرة منشورة عن التحكيم في مثل هكـذا أنواع من النزاعات، إلا أن هناك حكماً صادراً عن محكمة الدرجة الأولى قضى بقبـول الـدفع ببطلان البند التحكيمي نظراً لأن عضوين في الهيئة التحكيمية هما عضوان في الجمعية ذاتهـا، فيجمعان بذلك في شخصهما صفة الخصم والحكم، مما ينفي عن الهيئة المذكورة امكانية اعتبارها محكمة تحكيمية بالنظر لما يجب أن يتمتع به أعضاؤها من تجرد وحياد واستقلال يبعدهما عـن الانتماء الى أي من الطرفين المحتكمين .
نشير في هذا السياق الى أن التمسك ببطلان البند التحكيمي يمكن أن يتم بطـرق مختلفـة وأمــام مراجع متعددة. فيجوز التمسك ببطلان البند أولاً أمام رئيس المحكمة الذي ينظر في تعيين المحكـم أو المحكمين (المادة 764 أ.م.م). ثم يجوز التمسك ببطلان البند التحكيمي في وقت لاحـق أمـام المحكـم المرفوع اليه النزاع ولأجل الاعتراض على اختصاصه بالفصل فيه، حتى اذا وجد أن البند باطل يقـرر عدم اختصاصه (م 784 أ.م.م). كذلك يجري التمسك ببطلان البند لدى الطعن فـي القـرار التحكيمـ بطريق الابطال واسناد هذا الطعن الى كون البند التحكيمي هو باطل (المادة 1/800 أ.م.م). ومن جهـة أخرى، يمكن التمسك ببطلان البند التحكيمي عن طريق الدفع في الدعوى المرفوعـة أمـام المحكمـة العادية بتنفيذ العقد الأساسي المتعلق به هذا البند، وحيث يكون المدعى عليـه قـد أدلـى بـدفـع عـدم اختصاص هذه المحكمة بحجة أن الاختصاص يعود الى المرجع التحكيمي، وفقا لبند التحكيم، فيتمـسك المدعي عندئذ ببطلان هذا البند لحفظ الاختصاص للمحكمة العادية. وأخيراً يمكن التمسك ببطلان البنـد التحكيمي في دعوى أصلية ترفع أمام المحاكم العادية ويطلب فيها الحكم بابطال هذا البند بحـد ذاتـه أو تبعاً لإبطال العقد الأساسي؛ وتكون الدعوى الأصلية بابطال البنـد التحكيمـي مقبولـة طـالمـا تتـوافر مصلحة قانونية للمدعي فيها، وهي تتمثل بالحق الذي يعود له حتى قبل نشوء النزاع بأن يضمن تـوافر الشروط اللازمة لسلوك الطريق العادي للفصل في هذا النزاع عند نشوئه أمام محاكم الدولة.
ب- النزاعات المتعلقة بأعضاء الجمعية:
إن السؤال قلما يطرح حول إمكانية اللجوء الى التحكيم في نزاعات عائدة الى تدابير يمكـن أن تطال الموجبات أو الحقوق الأساسية لأعضاء الجمعية بالنظر لتعلق هذه الامور بالنظام العام: حق البقاء في الجمعية أو الانفصال أو الفصل عنها، حق التصويت...
يؤثر الفصل عن الجمعية في الحقوق الأساسية العائدة لكل عضو منتسب اليها حول بقائـه فيها. وقد طرح هذا الأمر بالنسبة لما يسمى "تجمع المصالح الاقتصادية GIE"، حيث لم يتـردد الاجتهاد في اقرار امكانية اللجوء الى التحكيم في هذا الوضع. ففي قضية عرضت على القضاء، اعتبر أحد الأعضاء المنتسبين الى هذا التجمع انه جرى فصله بقرار صادر عن الجمعية العمومية بصورة مخالفة للقانون، وقد تقدم بادعاء أمام المحكمة التحكيمية استنادا الـى البنـد التحكيمـي المدرج في عقد هذا التجمع، فأصدرت الهيئة التحكيمية قرارها التحكيمي، ثم طعن به عن طريق الابطال أمام محكمة استئناف باريس التي قضت برد الطعن.
فالاجتهاد لم يحظر على المحكم النظر في فصل عضو عن الجمعية أو عن تجمع المصالح الاقتصادية، وان تكن هذه المسألة تتعلق بالنظام العام. إذ أنه يمكن للمحكم أن ينظر فـي هكـذا قضية، وإن تكن تتعلق بالنظام العام، على أن يبقى القرار الذي سيصدره خاضعاً لرقابة قـضاء الدولة. وقد اعتبر بذلك أن النظام العام انتقل من اتفاقية التحكيم الى القرار التحكيمي.
إن امكانية فصل عضو عن الجمعية يمكن أن يكون موضوع نزاع تحكيمي، حيـث يتعـين على المحكم القيام بدور مماثل للدور الذي يقوم به القاضي في هذا المجال.
من الطبيعي أن يتعرض العضو المنتسب الى جمعية لفرض عقوبات بحقه في حال مخالفته أنظمتها، ومن بين هذه العقوبات فصله عن الجمعية. إن قرار الفصل يتخذ مـن قبـل الجهـاز المختص في الجمعية، وفقاً لما هو محدد في أنظمتها: مكتب مجلسها، الجمعية العمومية، المجلس التأديبي... على أن تراعي الشروط المحددة في أنظمة الجمعية للفصل من العضوية.
ويجب أن يدعى العضو المطلوب فصله لتقديم ملاحظاتـه ودفاعـه... إن هـذا الاجـراء ضروري وهو يتعلق بالنظام العام الحمائي حفاظاً على مصالح وحقوق العضو المطلوب فـصله، ولا يمكن بالتالي مخالفته من قبل أنظمة الجمعية عن طريق أدراج نصوص فيها تجيـز الفـصل دون تمكين من يتعرض لهذه العقوبة من أبداء دفاعه.
وأنه بالرغم من طبيعة النزاع الناشئ عن الاجراء المتمثل بالفصل من عـضوية الجمعيـة لناحية كونه يتعلق بالنظام العام، فإن لا شيء يحول دون اخضاع هذا الاجراء للتحكيم عن طريق ادراج بند تحكيمي في نظام الجمعية يكلف بموجبه المحكم النظر في صحة تطبيق هذا الاجـراء بالاستناد إلى أنظمة الجمعية. وفي حال عرض هذا النزاع على القضاء وجرى التمسك بالبنـد التحكيمي، فإنه يتعين على المحكمة إعلان عدم اختصاصها للنظر في القضية.
خلاصـة: مما تقدم يتبين أن التحكيم والجمعيات يمكن أن يلتقيا في مواضع عـدة، اذ لـيس غريباً على الجمعية أن تلجأ الى التحكيم، وذلك سواء في نزاعاتها الداخلية، أي تلك الحاصلة بينها وبين الأعضاء المنتسبين اليها أو الناشئة عن عمل أجهزتها، أم في النزاعات الخارجية التي تكون حاصلة بين الجمعية والغير.
فإلى جانب قضاء الدولة، يبقى التحكيم طريقاً قضائياً خاصاً لحل النزاعات المتعلقة بالجمعية وفقا لما جرى استعراضه في متن هذه الدراسة. وقد أشرنا فيها إلى ماهية النزاعات الناشئة عـن عمل الجمعية والتي يمكن أن تكون محلاً للتحكيم.