الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم بين التجار الذي ليس فيه دول / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 31-32 / التحكيم التجاري الدولي كآلية لحل منازعات التجارة الدولية وفقا لأحكام قانون 09/08

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 31-32
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    147

التفاصيل طباعة نسخ

الملخص:

   يوماً بعد يوم تزداد أهمية التحكيم التجاري الدولي في عصرنا الحالي باعتباره وسيلة بديلـة لحل منازعات عقود التجارة الدولية. ويظهر ذلك بجلاء في كونه يحقـق سـرعة الفـصـل فـي المنازعات بعيداً عن مختلف أشكال الهدر الإجرائي. وانطلاقاً من هذا، ارتأينا أن نسلط الضوء على أهم الأحكام القانونية التي تخص موضوع التحكيم التجاري الدولي وفقاً للأحكام الجديدة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

الكلمات المفتاحية:

التحكيم التجاري الدولي، اتفاق التحكيم، القانون الواجب التطبيق.

 Abstract:

    The International Commercial Arbitration reference has become more and more important nowadays; as it is the alternative mean to find solutions to the international trade contracts conflicts.

 This appears clearly as it finds quick solutions for the conflict away from different forms of procedure which are non than waste of time; there fore, we thought to focus on the most important law reference that deals   with the reference subject, depending on the new reference in the civil and administrative procedure.

 Keywords:

    The International Commercial Arbitration, Arbitration agreement, applicable law.

مقدمة

   ظهر نظام التحكيم التجاري الدولي كنظام بديل للقيود التي فرضها القضاء العـادي علـى منازعات التجارة الدولية، نظرا لما يتميز به من خصائص تستجيب لمقتضيات التجارة الدوليـة وتراعي خصوصياتها، مثل السرعة والمرونة والاقتصاد في النفقات. كما أنـه يـشكل ضـمانة إجرائية لتشجيع الاستثمار.

   وكان لتعاظم دور التحكيم باعتباره آلية بديلة لحل منازعات التجارة الدولية أثر هـام فـي تعديل التشريعات الوطنية لكثير من الدول؛ كما هو الشأن بالنسبة لقـانون الإجـراءات المدنيـة والإدارية الجزائري". فرغم أن القضاء العادي يتمتع بضمانات النزاهة والاستقلالية التي تكفـل سلامة الأحكام القضائية الصادرة، إلا أنه يتصف في الوقت نفسه بـالبطء والتعقيـد، وارتفـاع مصاريف التقاضي، كما تواجه القاضي العادي أيضاً صعوبات في تحديد القانون الواجب التطبيق وتنفيذ الحكم القضائي الأجنبي.

   أمام هذه العوائق أصبحت الأطراف المتنازعة في مجال التجارة الدولية تفضل اللجوء إلـى التحكيم الدولي الذي يمنح الأفراد سلطة اختيار هيئة التحكيم واختيار أيـضاً القانون الواجـب التطبيق على موضوع النزاع تكريساً لمبدأ سلطان الإرادة.

   لقد نظم المشرع الجزائري القواعد الخاصة بالتحكيم التجاري الدولي التي يتبعهـا أطـراف النزاع التجاري الدولي سواء تعلق الأمر بتنفيذ العقد أم تفسيره. ويتم ذلك عبر مراحـل مختلفـة بدءاً بإبرام اتفاقية التحكيم التجاري الدولي، ثم اللجوء إلى محكمة التحكيم، وأخيراً صدور حكـم التحكيم.

   وانطلاقاً مما سبق، ما مدى استجابة الأحكام الجديدة الخاصة بتنظيم التحكيم التجاري الدولي لطبيعة التعاملات الاقتصادية الدولية؟ وما مدى مواكبتها التغيرات الجديدة والمتسارعة في عـالم التجارة الدولية؟

   وللإجابة عن هذه الإشكالية سنتناول بالدراسة والتحليل الأحكام الخاصـة بتنظ التحك يم التجاري الدولي، وذلك على النحو الآتي:

    المطلب الأول: إبرام اتفاق التحكيم التجاري الدولي.

    المطلب الثاني: تشكيل هيئة التحكيم وتحديد صلاحياتها.

    المطلب الثالث: القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع.

    المطلب الرابع: شروط إصدار قرار التحكيم وكيفية تنفيذه.

المطلب الأول

إبرام اتفاق التحكيم التجاري الدولي

   أمام اتساع النظام الرأسمالي وتطور حركة المعاملات التجارية الدولية، وتراجع تدخل الدولة في تسيير اقتصادها الوطني، كانت الحاجة الى ظهور تقنيات حديثة لحل منازعات التجارة الدولية تراعي خصائص التجارة الدولية من سرعة ومرونة وائتمان. واستلزم هذا التخلي عن تطبيـق منهج قواعد الإسناد وقواعد الاختصاص القضائي التي تتميز بالبطء وتعقيد الإجـراءات وهـدر الوقت والرفع من النفقات. والاستعاضة عنه بنظام التحكيم التجاري الدولي الذي يمـنـح للأفـراد الحرية في اختيار هيئة التحكيم واختيار الإجراءات المطبقة لفض النزاع، وكذا اختيـار القـانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع.

   وتتعدد أنواع التحكيم بين تحكيم إجباري وتحكيم اختياري، وتحكيم دولي وتحكيم وطني. وإذا كانت المعاهدات الدولية قد عنيت بتنظيم وتوحيد أحكام التحكيم التجاري الـدولي، فقـد عمـدت التشريعات الوطنية إلى تكريس هذه الأحكام في الداخل، فنجد من الدول من نظمـت موضـوع التحكيم التجاري الدولي بتـشـريـع خـاص، كمـا هـو الـشأن بالنسبة لكـل مـن المـشرع التونسي والمصري والأردنية. بينما عالج المشرع الجزائري أحكام هذا الموضـوع ضـمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية.  

    ويعرف التحكيم"، بأنه: "اتفاق بين طرفين أو أكثر على إخراج نزاع أو عدد من النزاعـات من اختصاص القضاء العادي، وأن يعهد به إلى هيئة تتكون من محكم أو أكثر للفصل فيه بقضاء ملزم. وهذا يعني أن الخصوم يختارون محكم للفصل في النزاع بدل اللجوء إلى القضاء.

   وعرفه جانب آخر من الفقهاء على أنه: "الاتفاق على طرح النزاع على أشخاص معينــين يسمون محكمين "Arbitres" ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة أصلاً بتحقيقه والفـصـل فـي موضوعه، وقد يكون الاتفاق على التحكيم في نزاع معيّن بعد نشأته؛ ويسمى عندئـذ مـشارطة التحكيم "Compromis"، وقد يتفق ذوو الشأن مقدماً وقبل قيام النزاع على عرض المنازعـات التي قد تنشأ بينهم في المستقبل، خاصة بتنفيذ عقد معين على المحكمين، ويسمى الاتفاق عندئـذ شرط التحكيم "Clause Compromissoire". إذن، يتضح من التعاريف السابقة أن التحكيم هو اتفاق على تسوية المنازعات يتوج بقرار تحكيمي يعترف له بالحجية والقوة التنفيذية .

   وعرف المشرع الجزائري في المادة 1011 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية اتفـاق التحكيم بأنه: "اتفاق يقبل الأطراف بموجبه عرض نزاع سبق نشوؤه علـى التحكـيم". ويكـون التحكيم دوليا إذا كان موضوع نزاعه يتعلق بالتجارة الدولية؛ أي أن التحكيم التجاري الدولي هـو ذلك التحكيم الذي يخص النزاعات المتعلقة بالمصالح الاقتصادية لدولتين علـى الأقـل (المـادة 1039)؛ ويشمل ذلك، على سبيل المثال، النزاعات المتعلقة بتوريد السلع والخدمات والوكـالات التجارية وعقود التشييد والخبرة الهندسية أو الفنية ومنح التراخيص الصناعية والسياحية. ومـن أهم مراكز التحكيم التجاري الدولي في العالم:

   1- هيئة تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس.

   2- محكمة لندن للتحكيم والتوفيق.

   3- محكمة التحكيم الدائمة في هولندا.

   ويخضع اتفاق التحكيم في نشأته وتكوينه للشروط العامة التي تحكم نظرية العقد، فلا بد من توافر الرضا والمحل والأهلية، وإلى جانب هذه الشروط الموضوعية تطلب المشرع شرطاً شكلياً وهو الكتابة. وسنعرض هذه الشروط تباعاً كما يأتي:

   1) الرضا: يستلزم اتفاق التحكيم توافق إرادتي الطرفين على اختيـار التحك یم أداة لفـض النزاع التجاري الدولي القائم بينهما، ويستوي ذلك أن يكون التعبير عن الإرادة صريحاً أو ضمنياً.

   2) الأهلية: تتوافر أهلية الاتفاق على التحكيم للشخص الطبيعي أو الاعتباري الـذي يملـك التصرف في حقوقه، ولما كان مناط التصرفات القانونية هو الإرادة فلا بد من أن تكون هذه الإرادة مدركة ومميزة12. إن الأهلية المتطلبة لإبرام اتفاق التحكيم، هي أهلية الأداء المنصوص عليها بموجب المادة 40 من القانون المـدني الجزائـري، وتطبيقـا لـذلك فإن القاصر أو المحجور عليه لا يمكنه إبرام اتفاق التحكيم، بـل ينـوب عـنـه ممثلـه القانوني.

وإذا تعلق الأمر بشخص معنوي عام فينوب عنه ممثله، والجـدير بالذكر أن قـانون الإجراءات المدنية السابق لم يكن يعترف للأشخاص المعنوية العامة بالحق في اللجـوء إلى التحكيم التجاري الدولي، كما كانت تنص على ذلك المادة 344، ثم تدارك المـشرع الوضع بموجب المرسوم التشريعي رقم 09/93 المؤرخ فـي 1993/04/25. وأخيـراً جاءت المادة 1006 من قانون 09/08 وأجازت للمؤسسات العامة اللجوء إلى التحكـيم التجاري الدولي، بحيث يجوز لكل شخص سواء طبيعي أو معنوي اللجوء إلـى تقنيـة التحكيم التجاري الدولي، إلا أن المشرع الجزائري استثنى من ذلك الأشخاص المعنويـة العامة كالولاية والبلدية، وذلك بالنسبة للمنازعات المتعلقة بأنشطتها السيادية، وما عـدا ذلك، فيجوز لهذه الهيئات اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي، خاصة إذا تعلـق الأمـر بعلاقاتها الاقتصادية الدولية أو في إطار الصفقات العمومية.

3) المحل: يشترط أن يكون موضوع التحكيم مما لا يخالف النظام العام والآداب العامـة أو حالة الأشخاص وأهليتهم، مثلما نصت على ذلك المادة 2/1006 من قانون الإجـراءات المدنية والإدارية. ويقتضى شرط المحل أيضاً تعيين المحكمين أو تحديد طريقة تعيينهم، فضلاً عن تحديد موضوع التحكيم، كما دلت على ذلك أحكام المادة 1012 مـن قـانون .09/08

ويقتضي المحل أيضاً بيان موضوع النزاع المحدد والقائم بالفعل بين أطراف الاتفاق مشاركة التحكيم، أو على الأقل أثناء المرافعة أمام هيئة التحكيم المكلفة بالفـصـل فيـه وذلك لأن ولاية هيئة التحكيم المكلفة بالفصل في النزاع موضوع الاتفاق على التحكـيم تكون قاصرة على النزاع المحدد في الاتفاق على التحكيم دون غيره. فإذا خرجت عنها كان حكم التحكيم الصادر عنها عندئذ باطلاً.

4) شرط الكتابة: لقد جعل المشرع الجزائري من الكتابة شرطاً شكلياً في اتفاق التحكـيم، فأوجب إبرامه بموجب عقد مكتوب حسب نص المادة 1012، وعليه لا يجوز إثباته بغير الكتابة.

المطلب الثاني

تشكيل هيئة التحكيم وتحديد صلاحياتها

   لقد نص قانون الإجراءات المدنية والإدارية على ثلاث طرق لتعيين أو تشكيل هيئة التحكيم التجاري الدولي:

1) التعيين المباشر للمحكمين من قبل أطراف النزاع: ويكون ذلك باتفاق الأطراف المتعاقدة على تعيين محكم أو عدة أشخاص محكمين، وذلك حسب ما تقضي بـه أحكـام المـادة 1041 من قانون09/08، والملاحظ أن أغلب المحكمين المعينين بهـذه الطريقـة هـم أشخاص ينتمون إلى الدول الصناعية الكبرى، وهذا ما جعل البعض يشكك في مسألة حياد هؤلاء المحكمين. وقد اشترطت غالبية التشريعات العربية المنظمة للتحكيم أن يكون عدد المحكمين المعينين وتراً كيفما كانت طريقة التعيين، كمـا هـو الـشأن بالنـسبة للمشرع الجزائري، والذي نص في المادة 1017 على أنه: "تتشكل محكمة التحكيم مـن محكم أو عدة محكمين بعدد فردي".

2) اللجوء إلى نظام تحكيمي لتعيــن المحكمـين: يـتم تعيين المحكمـين وفقـاً لهـذه الطريقة باللجوء إلى نظام تحكيمي موضوع مـن قبـل مؤسسات التحكـيم الدائمـة الدولية، كما أشـارت إلـى ذلـك المـادة 1041 مـن قـانون الإجـراءات المدنيـة والإدارية.

3) تعيين المحكمين عن طريق القضاء: يتم تعيين المحكمين في هذه الحالة بناء على طلـب يقدم إلى رئيس المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها التحكيم في حالة إجراء التحكـيم في الجزائر. وفي حالة إجراء التحكيم في الخارج يقدم الطلـب إلـى رئيس محكمـة الجزائر، وذلك في حالة ما إذا اختار الأطراف تطبيق قواعد الإجراءات المعمول بها في الجزائر. (انظر المادة 1041 من قانون 09/08).

   وفي حالة عدم تحديد الجهة القضائية المختصة بالفصل في النزاع في اتفاق التحكيم فيرجع الاختصاص إلى المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان إبرام العقد أو مكان تنفيذه (انظـر المادة 1042). كما تجدر الإشارة إلى أنه، يجوز رد أعضاء هيئة التحكيم المعينـيـن مـن قبـل المحكمة المختصة، وذلك في الحالات التي نصت عليها المادة 1016، وهي كما يأتي:

    1) عندما لا تتوافر في المحكم المؤهلات المتفق عليها بين الأطراف.

    2) وجود سبب منصوص عليه في نظام التحكيم الموافق عليه من قبل الأطراف.

    3) عدم حياد المحكم بسبب وجود علاقات اقتصادية أو علاقات مصالح مباشرة أو بواسطة شخص آخر مع طرف من الأطراف.

    غير أن حق الأطراف المتعاقدة في اختيار المحكمين مقيـد بتـوفير ضـمانات شخـصية وموضوعية وإجرائية تضمن أداء عدالة حقيقية وحماية فعالة لحقوق الأطراف. كمـا يجـب أن تتوافر في المحكم بعض الصفات: مثل الكفاءة وقبول المحكم مهمتـه والالتزام بالموضـوعية والحياد والاستقلالية .

   أما عن صلاحيات هيئة التحكيم فتتمثل في ما يأتي:

  - الحكم باختصاصها في موضوع النزاع بحكم أولي (انظر المادة 1044).

  - تسيير دعوى التحكيم وفق أحكام اتفاقية التحكيم.

  - اتخاذ بعض الإجراءات التحفظية بناء على طلب من أحد الأطراف في دعوى (انظر المادة 1046).

   - إصدار قرار التحكيم يفصل في موضوع النزاع المطروح.

المطلب الثالث

القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع

   إن سبب اختيار أطراف النزاع التحكيم وسيلة لحل منازعاتهم هـو تـأمين السرعة فـي الإجراءات، فضلاً عن أن الأطراف يختارون محكمون يثقون بهم، كمـا أن موضـوع النـزاع الناشب سيخضع لأحكام القانون المختار". وعلى هذا الأساس، فإن المحكم يستمد سلطته فـي تحديد القانون الذي يحكم موضوع النزاع من اتفاق التحكيم، وفقا لما يتفق عليه الأطراف؛ وهـذا بخلاف القاضي الوطني الذي يحدد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع بالاستناد إلـى قاعدة الإسناد الوطنية .

   وطبقاً لنص المادة 1050 من قانون 09/08، فإن هيئة التحكيم تفصل في النزاع المعروض أمامها بواسطة إما:

1) القانون الذي اختاره المتعاقدان تطبيقاً لمبدأ قانون الإرادة في العقود الدولية؛ أي القانون الذي يختاره الأفراد بإرادتهم الصريحة أو الضمنية. والقانون المختار بتلك الصفة هـو قانون وطني لدولة معينة كالقانون الجزائري أو المغربي والمقصود به النظام القـانوني ككل في تلك الدولة. إذن يحق للأطراف اختيار القانون الذي يحكم اتفاق التحكيم، فاتفاق التحكيم يعتبر عقداً، وبالتالي يخضع كغيره من العقود لقانون الإرادة مع مراعاة شـرط النظام العام الدولي .

2) وفقاً لقواعد القانون والأعراف المناسبة لموضوع النزاع في حالة عدم اتفاق الأطـراف على تحديد القانون الواجب التطبيق (انظر المادة 1050). فعند انعدام اختيار الأطـراف فإن الفقه والقضاء يروجان لمنهج القواعد المادية وتحرير نظام التحكيم مـن الخـضوع لأحكام أي قانون وطني معين. وهذه القواعد أرستها الأعراف والعادات والحلول التـ أرساها قضاء تحكيم التجارة الدولية. وتبعاً لذلك، فإن تطبيـق قـانون الإرادة يكـون بصفة أصلية، أما تطبيق عادات التجارة الدولية فيكون بصورة تبعية أو تكميلية.

   والجدير بالذكر، أنه في حالة وجود اتفاق تحكيم بشأن نزاع معين، فإنه يتعين على المحكمة رة الدعوى لعدم الاختصاص. ويقوم القاضي بذلك احتراماً لقاعدة عـدم اختصاص المحـاكم القضائية بنظر النزاع المشمول باتفاقية التحكيم، وقد نص المشرع الجزائري على هذا المبـدأ بموجب نص المادة 1045 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، حيث جاء فيها ما يأتي: "يكون القاضي غير مختص بالفصل في موضوع النزاع، إذا كانت الخصومة التحكيمية قائمـة، أو إذا تبين له وجود اتفاقية تحكيم على أن تثار من أحد الأطراف".

   وقد أكدت الاتفاقيات الدولية هذا المبدأ، ومن ذلك ما ورد في المـادة 3/02 مـن اتفاقيـة نيويورك لسنة 1958 بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية، حيث جاء فيها ما يـأتي: "تقوم أية دولة متعاقدة يرفع إليها نزاع بشأن قضية أبرم الأطراف بخـصوصها اتفاقيـة حـسب مفهوم المادة بإحالة الأطراف على التحكيم بناء على طلب أحـد الأطـراف، إلا إذا لاحـظ أن الاتفاقية المذكورة باطلة، أو عديمة التأثير أو لا يمكن تطبيقها".

المطلب الرابع

شروط إصدار قرار التحكيم وكيفية تنفيذه

    يعتبر قرار التحكيم المرحلة النهائية لدعوى التحكيم، ويصدر هذا القرار بأغلبية الأصـوات في حالة تعدد المحكمين المشكلين لمحكمة التحكيم، أما إذا كان المحكم وحيـداً فيكفـي صـوته التحكيمي في هذه الحالة.

   ويجب أن تتضمن أحكام التحكيم عرضاً موجزاً لادعاءات الأطراف وأوجه دفـاعهم، وأن تكون مستبة، وموقعة من قبل جميع المحكمين. كما يجب أن يشتمل قرار التحكيم على البيانـات الآتية:

    1- اسم ولقب المحكم أو المحكمين.

    2- تاريخ صدور الحكم.

    3- مكان إصداره.

    4- أسماء وألقاب الأطراف وموطن كل مـنهم وتسمية الأشخاص المعنويـة ومقرهـا الاجتماعي.

    5- أسماء وألقاب المحامين أو من مثل أو ساعد الأطراف عند الاقتضاء. (المادة 1028 من قانون 09/08).

     وتنتهي مهمة المحكم بمجرد فصله في النزاع، وتحوز أحكام التحكيم حجية الشيء المقضي فيه بمجرد صدورها في ما يخص موضوع النزاع المفصول فيه. (المادتان 1030 و 1031 مـن قانون 09/08).

ويتجستد تنفيذ قرار التحكيم بالطريقتين الآتيتين:

1- التنفيذ الطوعي: وهو الطريقة العادية لتنفيذ قرارات التحكيم، ويلجأ إليه الأطراف حفاظاً على استقرار علاقاتهم التجارية. ويكون حكم التحكيم قابلا للتنفيذ بموجب أمر من قبـل رئيس المحكمة التي صدر في دائرة اختصاصها ويودع أصل الحكم في أمانـة ضـبط المحكمة من الطرف الذي يهمه التعجيل. (المادة 1/1035 من قانون 09/08). وتعـد مسألة تنفيذ قرار التحكيم من أكثر العقبات التي تواجه التحكيم مـن الناحيـة العمليـة، خاصة في حالة تعذر التنفيذ الاختياري للحكم التحكيمي الدولي. ويتعين عندئذ إصـدار أمر تنفيذ هذا الحكم، وهذا بعد التحقق من أن الحكم قد استوفي الشروط التي يتطلبهـا القانون.

2- التنفيذ الجبري: ونميز في هذه الحالة بين أمرين:

   أ) إذا كان قرار التحكيم صادراً عن هيئة مقرها في الجزائر، فإن طلب التنفيذ الجبري لقرار التحكيم يكون من اختصاص رئيس المحكمة التي صدر هذا القرار في دائرة اختصاصها.

   ب) أما إذا كان قرار التحكيم صادرا عن هيئة مقرها خارج الإقليم الـوطني، فيرجـع الاختصاص في هذه الحالة إلى رئيس محكمة محل التنفيـذ. (المـادة 1051 مـن قانون 09/08).

   ولإعطاء الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي؛ لا بد من توافر شروط شكلية أو مادية وشروط قانونية أو موضوعية، كما يأتي:

 1- ضرورة وجود قرار تحكيمي يقدم ممن يطلب إعطاء هذا القرار الـصيغة التنفيذيـة، فيقدم أصل هذا القرار مرفقاً باتفاقية التحكيم، أو بإبراز صور طبق الأصل عن هـذين المستندين .

2- عدم مخالفة قرار التحكيم للنظام العام الدولي (المادة 2/1006 مـن قـانون 09/08)، ويكون موضوع التحكيم مخالفا للنظام العام، كما لو كان متعلقـا بتجـارة الممنوعـات كالمخدرات مثلاً .

   وقد فرض المشرع الجزائري رقابة قضائية على تنفيذ أحكام التحكيم الدولي عن طريـق الطعـن في قرار رئيس المحكمة المختصة بالتنفيذ الجبري، وتتحقق هذه الرقابة من خلال إحدى الصور الآتية:

1- الطعن بالاستئناف: (المادة 1055 من قانون 09/08)، وقـد حـصرت المـادة 1056 حالات قابلية الطعن بالاستئناف في:

    أ- إذا فصلت محكمة التحكيم بدون اتفاق التحكيم.

    ب- إذا كان شكل محكمة التحكيم مخالفا للقانون.

    ج- إذا فصلت محكمة التحكيم دون الامتثال للمهمة المسندة إليها.

    د- إذا فصلت زيادة على المطلوب منها أو لم تفصل في وجه من أوجه الطلب (عدم مراعاة مبدأ الوجاهية).

    هـ- إذا لم تسبب محكمة التحكيم حكمها.

     و- إذا كان حكم التحكيم مخالفا للنظام العام الدولي.

2- الطعن بالبطلان: حسب المادة 1058 بالنسبة للأحكام الصادرة في الجزائر، وسببه نفس الحالات المنصوص عليها في المادة 1056 أعلاه.

3- الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا: طبقاً لنص المادة 1061 يمكن الطعن بالنقض فـي قرارات الطعن بالاستئناف والطعن بالبطلان.

خاتمة

    وأخيراً، فإن التحكيم التجاري الدولي هو الأداة الرئيسية والغالبة لفض منازعـات التجـارة الدولية في عصرنا الحالي، وقد عملت الدول على تكريسه بوضع التشريعات المنظمة لـه بمـا يتوافق مع مقتضيات التجارة الدولية ويستجيب لخصوصياتها. وإزاء هذا الأمر حرص المـشرع الجزائري على تنظيم الأحكام الخاصة بالتحكيم التجاري الدولي ضمن قانون الإجراءات المدنيـة والإدارية الجديد بما يضمن تفعيل هذه الوسيلة البديلة لحل منازعات عقود التجارة الدولية، وبمـا يواكب التطورات الجديدة في ظل عولمة التجارة ويدفع بحركة التنمية وعجلة الاستثمار نحـو الأمام.

   إن أهم ما يميز تنظيم إجراءات التحكيم أنها تقوم على احترام إرادة الأطراف، فهؤلاء هـم من يقومون باختيار المحكم والقانون الواجب التطبيق. أما المحكم فله دور احتياطي فـي تحديـد القانون الواجب التطبيق، وذلك في حالة غياب إرادة الأطراف المتنازعة؛ فيلجأ المحكم عندئذ إما إلى تطبيق قواعد القانون، أو تطبيق الأعراف الملائمة.

   وغالباً ما يتم تنفيذ أحكام التحكيم بإرادة الأطراف دون حاجة إلى اللجوء للتنفيـذ الجبـري ويبقى تدخل القاضي محدوداً واستثنائياً في حالات خاصة تتعلق إما بتعيين المحكمـين، واتخـاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية، وكذا رد المحكمين واستبدالهم.

    ولا تقف الرقابة القضائية على حكم التحكيم التجاري الدولي عند هذا الحد، بل تتوسع لتشمل أيضاً الطعن في قرار رئيس المحكمة المختصة بالتنفيذ الجبري عن طريق الطعن بالاستئناف في حالة ما إذا فصلت محكمة التحكيم بدون اتفاق التحكيم، أو إذا كان حكم التحكيم مخالفا للنظام العام الدولي. وعن طريق الطعن بالبطلان بالنسبة لأحكام التحكيم الصادرة في الجزائر.

   فرغم الدور الهام لإرادة الأطراف في تنظيم التحكيم التجاري الدولي، وخاصة أثر ذلك على سهولة الإجراءات ومرونة القواعد التحكيمية، فإن المشرع يتدخل لتنظيم هـذه الإرادة ويفـرض صوراً للرقابة عليها منعاً لتعسف أي طرف. ولا شك في أن ذلك يؤثر على تطـور وازدهـار التعاملات الاقتصادية والتجارية الدولية، فكلما تم التركيز على الطابع الرضائي التعاقدي للتحكيم التجاري الدولي، كلما ساهم ذلك في تسريع وتيرة تعاملات التجارة الدولية بسبب سهولة ومرونة إجراءات فض منازعاتها.

المراجع:

- قانون رقم 09/08 مؤرخ في 25 فبراير 2008 يتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

- يوسف سعيد البستاني، القانون الدولي الخاص، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2004.

- خالد محمد القاضي، موسوعة التحكيم التجاري الدولي، دار الشروق، القاهرة، 2002.

- محمد شهاب، أساسيات التحكيم التجاري الدولي، مكتبة الوفاء القانونية، مصر، 2009.

- ممدوح طنطاوي، التوفيق والتحكيم ولجان فض المنازعات، منشأة المعارف، الإسكندرية،  .2003

- محمود السيد التحيوي، طبيعة شرط التحكيم وجزاء الإخلال به، دار الفكـر الجـامعي، الإسكندرية، 2003.

- مهند أحمد الصانوري، دور المحكم في خصومة التحكيم الدولي الخـاص، دار الثقافـة للنشر والتوزيع، 2005.

- أحمد عبد الكريم سلامة، التحكيم في المعاملات المالية الداخلية والدوليـة، دار النهـضة العربية، القاهرة، 2006.

- غالب علي الداوودي، القانون الدولي الخاص، دار وائل للنشر، الطبعة الخامسة، الأردن، .2010

- إلهام عزام وحيد الخراز، التحكيم التجاري الدولي في إطـار مـنهج التنـازع، رسـالة ماجستير، كلية الدراسات العليا، جامعة النجاح الوطنية، فلسطين، 2009.

- فتحي والي، قانون التحكيم في النظرية والتطبيق، منشأة المعارف، الإسكندرية، الطبعـة الأولى، 2007.

- حدادن طاهر، دور القاضي الوطني في مجال التحكيم التجاري الدولي، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة تيزي وزو، 2012.

- محمد سعادي، القانون الدولي الخاص، دار الخلدونية، الجزائر، 2009.

- عامر فتحي البطاينة، دور القاضي في التحكيم التجـاري الـدولي، دار الثقافـة للنـشر والتوزيع، الأردن، 2009.

- عبده جميل غصوب، دروس في القانون الدولي الخاص، المؤسسة الجامعية للدراسـات والنشر والتوزيع، لبنان، 2008.