التحكيم / التحكيم بين الدول المضيفة والمستثمر الأجنبي / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 33 / إتفاقية تسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات بين الدول ومواطني الدول الأخرى (الاكسيد)
• إنه موضوع الساعة بالنسبة لدولة العراق التي صدقت في ديسمبر 2015 علـى إتفاقيـة تسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات بين الدول ومواطني الدول الأخرى (CIRDI).
• إنه خبر سعيد لدولة العراق، لأن ذلك يشكل تعزيزاً وانفتاحاً على الدول الأخرى والبنـك الدولي والمؤسسات الدولية والمستثمرين والمجتمع الدولي بشكل عام.
• إنه خبر جيد بالنسبة للمستثمرين العراقيين في الخارج، لأنه سـيمكنهم الإستفادة مـن حسنات هذه الإتفاقية، التي سوف أعالجها بشكل سريع.
إن إتفاقية تسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات بين الـدول ورعايـا الـدول الأخـرى CIRDI تحكم تسوية المنازعات في مسائل الإستثمار، بين دولة متعاقدة فـي إتفاقيـة CIRDI ومستثمر أجنبي، أي مستثمر من دولة أخرى متعاقدة.
إن إختصاص المركز الدولي لتسوية منازعات الإستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى يخضع لأحكام المادة 25 من إتفاقية CIRDI.
• إذا كان هذا المستثمر شخصاً طبيعياً، فإن الإتفاقية لا تسمح للمستثمر الأجنبي باللجوء إلى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى، إذا كـان يتمتع أيضاً بجنسية الدولة المضيفة (في حالة إزدواجية الجنسية).
• إذا كان هذا المستثمر شخصاً معنوياً، يجب أن تكون الشركة أجنبية، لكن الإتفاقية تقبـل إختصاص المركز في ما يتعلق بشركة مؤسسة في الدولة المـضيفة، شـرط أن يتفـق الأطراف، لأغراض المعاهدة، على معاملة هذه الشركة، وكأنها شركة أجنبيـة لأسـباب تتعلق بالسيطرة الأجنبية.
وذلك لأن هناك بعض الدول يستحيل العمل على أراضيها دون إمتلاك شـركة مؤسسة محلياً. في مثل هذه الحالة، يكون المستثمر الحقيقي أجنبياً، إنما يستثمر بواسطة وسـيلة استثمارية تتمتع بجنسية الدولة المضيفة.
يجب التذكير بأن اللجوء إلى التحكيم بإشراف المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى CIRDI جائز حتى في غياب بند تحكيم منصوص عليـه فـي العقد، بموجب المعاهدات الثنائية أو المعاهدات المتعددة الأطراف الصادرة بشأن تشجيع وحمايـة الإستثمارات (TBI)، التي تقدم للمستثمرين إمكانية تسوية نزاعاتهم المتعلقة بالإستثمارات مـع الدول المضيفة أمام محكمة تحكيم دولية ما دامت تقع ضمن نطاق إحدى هذه المعاهدات. صدقت دولة العراق على إثنتين، إحداهما مع اليابان والأخرى مع الكويت.
من أجل الإستفادة من هذه الإمكانية، يجب أن يتمتع المستثمر، بشكل خاص، بجنسية الدولة الموقعة على معاهدة تشجيع وحماية الإستثمارات TBI المقدمة، وأن يضعه النزاع في مواجهـة الدولة المتعاقدة الأخرى في المعاهدة موضع البحث، وأن يكون النزاع متعلقاً بإستثمار محقق في أراضي الدولة الأخرى.
هذه المعاهدات، بأكثريتها، تمنح المستثمر حق الخيار، في حال نشوء نزاع، في اللجوء إلى عدة خيارات، غالباً ما يتضمن الخيار اللجوء إلى تحكيم غرفة التجارة الدولية CCI، أو التحكـيم الخاص، أو اللجوء إلى قضاء الدولة، أو إلى التحكيم بإشراف المركز الدولي لتسوية منازعـات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى CIRDI.
في الوقت الحاضر، إن معاهدة تشجيع وحماية الإستثمارات TBI الوحيـدة التـى وقعـت عليها دولة العراق، والتي تنص علـى الجـوء إلـى التحكـيم بإشـراف المركـز الـدولي لتسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى CIRDI، هي تلك الموقعة مـع اليابان.
أقترح معالجة ميزة إختيار التحكيم بإشراف CIRDI، التي هي بشكل خاص إستقلالية النظام وعدم تدخل محاكم الدولة في جميع مراحل تسوية النزاعات، مما يشكل ميزة مهمة، خاصة بقدر حتماً ما يهم هذا التحكيم دولة ما.
تتبين هذه الاستقلالية في جميع مراحل الدعوى:
• في مرحلة تشكيل الهيئة التحكيمية:
خلافا للتحكيم الخاص، الذي يستطيع فيه الطرف التماس المساعدة من قاضي المساندة فـي الدولة من أجل تسمية المحكمين نيابة عن الطرف المعارض أو في حال عدم إتفـاق المحكمـين الذين إختارهم الأطراف على تسمية رئيس الهيئة التحكيمية، إن إتفاقية CIRDI تنص على آليـة لتسمية المحكمين من قبل رئيس مجلس إدارة البنك الدولي (لكن عملياً يقوم بذلك الأمــن العـام للمركز الدولي لتسوية منازعات الإستثمار CIRDI)، في حال تخلف أحد الأطراف أو في حـال عدم الإتفاق على شخص رئيس الهيئة التحكيمية.
لا يمكن أن يتدخل قضاة الدولة، إن كان ذلك التدخل بهدف تسمية المحكمين أو الإعتـراض على اختيار محكم معين. بالطريقة نفسها، كل طعن مقدم ضد محكم بسبب عدم إستقلاليته أو عدم حياده لا يقدم إلا أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بين الـدول ومـواطني الـدول الأخرى CIRDI، أي إما أمام الأعضاء الآخرين في الهيئة التحكيمية، أو، في حـال إخـتلاف عضوين أو في حال تقديم طعن ضد عضوين في الهيئة التحكيمية، يقدم الطعن أمام رئيس مجلس إدارة البنك الدولي، وعملياً أمام الأمين العام للمركز الدولي لتسوية منازعات الإستثمار CIRDI.
•في مرحلة طلب إتخاذ تدابير موقتة وإحترازية:
في حالة المركز الدولي لتسوية منازعات الإستثمار بين الدول ومواطني الـدول الأخـرى CIRDI، وخلافاً للإجراءات التحكيمية الأخرى، بما فيها تحكيم غرفـة التجـارة الدوليـة CCI والتحكيم الخاص، تكون وحدها الهيئة التحكيمية المشكلة بإشراف CIRDI لها السلطة أن تتخـذ تدابير موقتة.
المادة 26 من إتفاقية CIRDI تنص في الواقع على أن رضى الأطـراف بـاللجوء إلـ التحكيم في إطار الإتفاقية، ما لم ينص على خلاف ذلك، يعتبر وكأنه يستتبع تنازلا عـن تقـديم أي طعن آخر. بإعتباره شرطاً من أجل رضاها باللجوء إلـى التحكـيم فـي إطـار الإتفاقيـة المذكورة، يجوز للدولة المتعاقدة أن تطلب وجوب أن تكون الطعون الإدارية والقضائية الداخليـة قد استنفذت.
يجوز للهيئة التحكيمية المشكلة بإشراف المركز الدولي لتسوية منازعـات الإستثمار بـين الدول ومواطني الدول الأخرى CIRDI أن تتخذ التدابير الموقتة أو الإحترازيـة بطلـب مـن طرف، أو من تلقاء نفسها، من أجل الحفاظ على حقوق الطرف ومصالحه. بإعتبار أنه بموجـب إتفاقية CIRDI، لا تصدر الهيئة التحكيمية إلا حكماً تحكيمياً واحداً أثناء الدعوى. تكون قرارات الهيئة التحكيمية أثناء الدعوى على شكل توصيات، ولا تكون على شكل حكـم تحكيمـي قـابـل للتنفيذ. لكن، الأطراف يتبعون عادة التوصيات، لأنهم إن لم يتبعوها، فقد يتحول الوضع ضـدهم في الحكم التحكيمي النهائي.
بإعتبار أنه يصدر حكماً تحكيمياً واحداً أثناء الطعن، تكون كل القرارات الأخـرى صـادرة عن الهيئة التحكيمية عن طريق الأوامر أو التوصيات أو القرارات. إذا قررت الهيئة التحكيميـة، على سبيل المثال، تجنيب النزاع والنظر في إختصاصها أولاً، قبل بت الأسـاس، وفـي حـال اعتبرت نفسها مختصة، وأنه أصبح جائزاً النظر في النزاع في الأساس، سوف تـصدر "قـراراً بشأن الإختصاص". في الحالة التي تعتبر فيها نفسها غير مختصة، وأنه بذلك تكون نهاية النزاع، تصدر "حكماً تحكيمياً بشأن الإختصاص".
هذا يساهم في فعالية النظام، لأن طرق الطعن ليست متاحة إلا إذا كانت ضد حكم تحكيمي. في دعاوى تحكيمية أخرى، يكون للمحكمين حق إصدار حكم تحكيمي جزئي بشأن الإختصاص، الذي يمكن بالتالي أن يكون موضوع طعن أمام محاكم الدولة في أثناء نظر أساس الدعوى، ممـا يؤدي أحيانا إلى تعليق الدعوى وإلى تأخير لا نجده في إطار CIRDI.
هذا يقودني إلى الميزة الأخرى لنظام CIRDI، على صعيد طرق الطعن المقدمة ضد الحكم التحكيمي.
• على صعيد الحكم التحكيمي:
كما تعلمون، يجوز أن تكون الأحكام التحكيمية موضوع مراجعة إبطال أمام محاكم الدولـة حيث مقر التحكيم، رغم كل اتفاق مخالف لذلك بين الأطراف. في الدعاوى التحكيمية أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الإستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى CIRDI، ليس هناك مقر للتحكيم بالمعنى الدقيق للكلمة.
إن الآلية الوحيدة لتقديم طعن ضد حكم تحكيمي صادر عن المركز الدولي لتسوية منازعات الإستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى CIRDI هي بتقديم مراجعة إبطـال أمـام لجنـة خاصة في CIRDI، وفقاً للآلية المنصوص عليها في الفصل 7 من تنظيم التحكيم في CIRDI، إستناداً إلى 5 أسباب إبطال منصوص عليها في الفقرة 52 مـن إتفاقيـة CIRDI، أي أســباب إجرائية وتقييدية:
• عيب في تشكيل الهيئة التحكيمية؛
• تجاوز ظاهر لحدود سلطة الهيئة التحكيمية؛
• فساد عضو من الهيئة التحكيمية؛
• عدم المراعاة الخطيرة لقاعدة إجرائية أساسية؛
• إنتفاء التسبيب.
هذا مهم جدا: (i) التدخل بموجب "السيادة" المحافظ عليها؛ و (ii) لا تعتمـد علـى قواعـد الإبطال الخاصة بدولة معينة.
أخيراً، وفي رأيي الأهم هو أنه لا يمكن للطرف أن يقاوم تنفيذ الحكم التحكيمي أمام محـاكم 151 دولة موقعة على إتفاقية واشنطن التي يمكن البحث في التنفيذ أمامها.
المادة 54 من الإتفاقية: يتعين على كل دولة متعاقدة الإعتراف بالزامية الحكم الصادر فـي إطار هذه الاتفاقية، وأن تفرض داخل أراضيها التزامات مالية فرضها ذلك الحكم التحكيمي، كما لو كان حكماً نهائياً صادرا عن محكمة في تلك الدولة.
بمعزل عن هذا الإجراء، تعهدت كل دولة متعاقدة، بموجب المادة 54 من إتفاقية CIRDI أن تعترف وتنفذ الحكم التحكيمي كما لو كان حكماً صادراً بالدرجة الأخيرة عن محاكمها.
بإستثناء حالات نادرة، إن محاكم الدول التي صدقت على الإتفاقية تطبق قواعدها الأساسية.2 وهذا هو أيضاً السبب، إنما أيضاً بإستثناء حالات نادرة، أن معظم الأحكام التحكيمية الصادرة عن CIRDI تنفذها الأطراف الخاسرة دون أو بأقل جهد، بما فيهـا بلـدان كـاليمن وكازاخـــستان ومولدافيا، إلخ جمهورية الكونغو الديموقراطية وجمهورية زيمبابوي وفـي مرحلـة مـا جمهورية الأرجنتين (التي حكم عليها عدة مرات منذ الأزمة المالية في العام 2002). هذه البلاد هي أمثلة لبلدان نادرة لا تنفذ الأحكام التحكيمية الصادرة عن CIRDI..
إن الأمين العام للمركز الدولي لتسوية منازعات الإستثمار بين الـدول ومـواطني الـدول الأخرى CIRDI لا يتردد، عندما يطلب منه طرف الضغط على الدول من أجل أن تنفذ الأحكام التحكيمية الصادرة ضدها، بأن يكتب لها رسالة لكي يذكرها بواجباتها، ويشمل فـي الرسـالة الهيئات التابعة للبنك الدولي التي تعمل مع الدولة المعنية. حقيقة أن المركـز الـدولي لتـسـوية منازعات الإستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى CIRDI هو مؤسسة تعمل تحت إشراف البنك الدولي، تسهل تنفيذ الأحكام التحكيمية.