الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم بين الدول المضيفة والمستثمر الأجنبي / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 29 / القواعد القانونية العصرية لسلامة التحكيم في نزاعات المستثمرين

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 29
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    33

التفاصيل طباعة نسخ

    تعرض مجلـة التحكـيم العالميـة الحكـم القـضـائـي الـصـادر عـن محكمـة اسـتئناف القاهرة والمتضمن "القواعد القانونية العصرية لسلامة التحكـيم فـي نزاعـات الاستثمار". وهي قواعد ترد، كل قاعدة منها في حكم من أحكام القضاء المصري، ولكن هذا الحكـم يجمـع كل القواعد. من هنا أهمية القضاء المصري الذي طالما رفـع رايـة التحكـيم عاليـة وحمـي الحكم التحكيمي وإرادة الاطراف في التحكيم، الأمـر الـذي عـزز حمايـة القـاهرة كمكـان أمين للتحكيم، لأن القضاء المصري، قضاء نزيه وعالم ترفرف عليـه رايـات عبـد الـرزاق السنهوري.

    ومجلة التحكيم العالمية إذ تعتز بنشر كل القواعد القانونية العصرية لسلامة التحكـيم نزاعات الاستثمار، مجموعة في هذا الحكم القضائي الرائع الشامل والمفيـد للتحكـيم العربـي والدولي، وتنوه بجهد قضاة المحكمة التي أصدرت هذا الحكم القضائي وتخص بالذكر القاضـي الكبير اسماعيل الزيادي.

    - المشرع لا يسمح لقاضي البطلان بالتعرض بشكل مباشر للموضوع الذي فصل فيه حكم التحكيم أو مناقشة مدى صواب أو خطأ ما ذهب إليه في منطوقه.

    رقابة القضاء الظاهرية -غير الموضوعية- على حكـم التحكـيم ونواحيـه الإجرائيـة ضرورة تقدر بقدرها، وذلك من أجل تقصي أسباب البطلان ومواطن الخلل التي يتمسك بها الخصم الطاعن بالبطلان، كما أنه من غير الجائز مخالفة الحكم المطلـوب إبطالـه لقواعد النظام العام الجوهرية في قانون قاضي البطلان.

- وفقاً لمبادئ التحكيم وإعمالاً لما يعرف بمبدأ "الاختصاص بالاختصاص" يملك المحكمون سلطة الفصل في مسألة اختصاصهم بالتحكيم المعروض عليهم، فعلى هيئة التحكـيم أن تستنتج من دراسة وفحص مواقف أطراف التحكيم والأدلة المطروحة، مسألة اختصاصها والتثبت من أنها تفصل في النزاع بموجب اتفاق تحكيم صحيح ونافذ بين الأطراف خاصة عند وجود دفع أو جدل حول هذا الاختصاص. مسألة الاختصاص هذه هي مسألة أوليـة وجوهرية تدخل في سلطات هيئة التحكيم، لأنها تستمد اختصاصها من اتفاق التحكيم ذاته، وولايتها تفترض بداية اتفاق الطرفين على التحكيم.

- من سلطة هيئة التحكيم ومهماتها الأولية تفسير الاتفاقات أو المحررات وإعطاء الوصـف القانوني لآثارها، وترتيب هذه الآثار على الواقع المطروح. ويمتنع على القاضي الناظر الطعن بالإبطال تصحيح ذلك التفسير أو تقييم الاستنتاجات الواقعية لهيئة التحكيم فـي شأنه طالما كان التعليل الذي أوردته لتكوين عقيدتها واضحا وغير عبثي.

- إن عدم توقيع أعضاء هيئة التحكيم التي شاركت في إصدار الحكم على كافة أوراقـه لا يؤدي إلى بطلانه طالما لم يثبت أن المداولة لم تتم بينهم أو أن الأسباب الواردة فيه ليست هي؛ أو أن المنطوق ليس هو، أو أن الحكم صدر عن هيئة تحكيم أخرى خـلاف تلـك المعهود إليها الفصل في النزاع أو أن الحكم صدر في غير تاريخ أو مكان إصداره. لذلك فإن مجرد التوقيع على ذيل الحكم أو صفحته الأخيرة –ولو كانت غير مشتملة على جزء من الأسباب أو المنطوق- يغني عن التوقيع على جميع صفحاته، إذ يتحقق به الغـرض المقصود من التوقيع الواجب على حكم التحكيم.

- غاير المشرع بين القضاة والمحكمين في ما أورده من أسباب رد أو عدم صلاحية كـل منهما، وهو مسلك يؤكد به المشرع إدراكه أن التحكـيم غيـر القـضاء، وأن المراكـز القانونية بين القاضي والمحكم غير متماثلة، وتلك ميزة تحكيمية أخرى تلائم خصوصيات التحكيم وتكفل سيره بأقل قدر ممكن من التعقيد.

- إن دعوى إبطال حكم التحكيم لا تعتبر في النظام القانوني المصري استئنافاً، بل مجـرد وسيلة طعن أو آلية غير عادية "متفردة" للحفاظ على نزاهة العملية التحكيميـة، لـذلك لا تهدف هذه الدعوى إلى تقويم المعوج من أحكام التحكيم وإبرام الصحيح منها، والخصوم فيها لا يملكون الحقوق والمزايا التي كانت مقررة لهم أمام التحكيم. ومن غير الجائز أن تصير دعوى الإبطال ستاراً أو واجهة ترمي إلى إعادة عرض موضوع النـزاع الـذي حسمه حكم التحكيم- مرة ثانية أمام القضاء.

- إن فهم الواقع وتحديده لإنزال حكم القانون عليه يعد من صميم عمل المحكم ويدخل فـي نطاق سلطته التقديرية، ولا جناح عليه إذا ما استخدم في ذلك خبرته مـن خـلال أدلـة حقيقية وعناصر قائمة ناقشها الأطراف في الدعوى التحكيمية، وبالتالي فإن كـل حـكـم يصدره المحكم هو في حقيقته وفي نهاية الأمر رأي خاص وتقدير شخصي له في مسائل النزاع بعد أن يكون قد استقصى رأيه نتيجة الموازنة بين أدلة الإثبات وأدلة النفـي فـي الدعوى وترجيح ما اطمأن إلى ترجيحه.

- لم تثر المدعية المحتكم ضدها خلال الإجراءات أي شك في حيدة هيئـة التحكـيم أصدرت الحكم المطعون فيه، ولا ترى المحكمة وجود أسباب تؤدي إلى مظلة التأثير في حيدتهم.

- حكم التحكيم يبين بوضوح أن هيئة التحكيم – رغم أن التحكيم استمر أعوامـاً سـمحت لكل طرف من طرفي دعوى التحكيم بالعلم بكل ما هو موجه ضده من ادعاءات وتمكينه من الدفاع بتقديم كل الوسائل القانونية والواقعية وأدلة الإثبـات الـضرورية وبطريقـة متساوية وفي وقت وآجال معقولة، لذلك فهيئة التحكيم لم تخل بحق الدفاع أو تخرق مبدأ المواجهة والمساواة بين الفرقاء.

محكمة استئناف القاهرة، الدائرة السابعة التجارية

جلسة 7 ديسمبر 2015

الحكم في الدعويين

رقمي 46 و47 لسنة 132 قضائية تحكيم تجاري

    شركة جولدن بيراميدز بلازا ــ ضد: 1- شركة اتحاد المقاولين العالميـة، 2- شـركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة.

    دعوى بطلان حكم تحكيم صادر بتاريخ 12/17/ 2014 في الدعوى التحكيمية رقـم 467 لسنة 2006 مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي (CRCICA).

**

   بعد سماع المرافعة والإطلاع على الأوراق والمداولة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الوقائع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) خلال عام 1996 شرعت الشركة المدعية، وهي شركة جولـدن بيراميـز بـلازا "رب العمل" في إقامة مشروع سكني فندقي إداري تجاري، وهو المعروف باسم "سيتي ستارز" بناحية مصر الجديدة بالقاهرة، وتوزعت أعمال المشروع (30 من المبـاني والبلوكـات المتصلة) على عدة مراحل وأكثر من باقة أو حزمة عمل (packages)، وأسندت الشركة "رب العمل" عدد من هذه الباقات إلى المدعى عليهما (شركة اتحـاد المقاولين العالميـة وشركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة "المقاول"). وفي 29 يوليو 2000 أبرم رب العمـل مع المقاول اتفاقاً على قيام الأخير بإتمام "تطوير" ما بدئ في تنفيذه مـن أعمـال تـشييد وخرسانة وأعمال معمارية وإلكتروميكانيكية - على مرحلتين- تتعلق بمشروع المقاولـة ذاته، وتم إدراج باقات العمل المتزامنة السابق إسنادها للمقاول ضمن هـذا العقـد (عقـد المقاولة الأصلي، أي اتفاق 2000/7/29) الذي تضمنت شروطه العامة شرطاً تحكيميـاً (البند 67 منها) بحسم منازعات أعمال المقاولة بطريق التحكـيم أمـام مـركـز القـاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي.

(2) وبسبب اختلاف الطرفين حول عدد من التزامات المقاولة وآجال تنفيـذ أعمالهـا، فقـد عادا وحررا في 2002/10/24 ما أطلق عليه "مـذكرة تفـاهم" التـي احـتـوت علـى تعديلات في عدد من التزامات المقاولة، وعلى خـلاف شـرط التحكـيم الـوارد فـي العقد الأصـلي (عقـد 2000/7/29) ولثقـة الطـرفين (رب العمـل والمقـاول) فـي شخص السيد/فهد الشبكشي، فقد اتفقا في هذه المذكرة علـى تسوية المنازعـات التـ تثور فيما بينهما عن طريق التحكيم الحر مع تسمية السيد/فهد الشبكشي محكماً وحيداً على أن يكون ذلك مرهونا باستمرار السيد/ الشبكشي في مهمته (البندان 6 و7 مـن مـذكرة التفاهم).

(3) وبموجب عقد آخر مؤرخ في 2004/6/23 تم الاتفاق على تعديل مذكرة التفاهم الـسابق ذكرها، بجعل التحكيم "الخاص" يحصل بواسطة هيئة تحكيم ثلاثية يرأسها السيد/الشبكشي كمحكم مرجح مع إضافة محكمين آخرين، بحيث يتولى كل طرف من طرفـي المقاولـة تسمية محكم عنه، على أن يكون التحكيم حراً "تحكيم حـالات خاصـة ad-hoc" وغيـر خاضع لقواعد مركز القاهرة التحكيمي، وإنفاذاً لهـذا التعـديل الأخيـر عـين المقـاول السيد محمد سعودي محكما عنه، وبعد ذلك، وفي أغسطس 2004، عـين رب العمـل السيد/ جواد القصاب محكماً عنه. وبدأت هيئة التحكيم برئاسة الشبكشي مباشـرة مهمتهـا التحكيمية التي بدأها المقاول (الشركتان المدعى عليهمـا ضـد رب العمـل (الـشركة المدعية)، وبتاريخ 2006/1/18 تنحى المحكم/ محمد سعودي المسمى من قبل المقـاول عن مهمته التحكيمية.

(4) في أعقاب ذلك، وبتاريخ 2006/1/26، وبموجب إخطار تحكيم، لجأ المقاول إلى التحكيم ضد رب العمل أمام مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي (الــــ   CRCICA مستندا في ذلك إلى نص المادة 67 من شروط عقد المقاولة الأصلي، وتم قيد هذا التحكيم النظامي تحت رقم 467 لسنة 2006، وفي إطار الــــ (CRCICA) أيـضاً وبتـاريخ 2006/4/27 أخطر المقاول رب العمل بما سماه "تحكيم إضافي"، وتم تسجيله بـالمركز التحكيمي ذاته كدعوى تحكيمية قيدت تحت رقم 489 لسنة 2006، وضـمـت لـدعوى التحكيم السابقة (رقم 467)، وتشكلت هيئة تحكيم ثلاثية رأسـتها السويسرية/ جبيـرال كوهلر وعضوية الأمريكي د. وليم كريج كمحكم عن المقاول، وعينت الـشركة المحـتكم ضدها الأستاذ/ياسر منصور محكماً عنها، ودفعت بأن هيئة التحكيم شكلت علـى وجـه مخالف لاتفاق الطرفين. وفي هذه الأثناء، وبتاريخ 2007/7/26، استقال السيد الشبكشي من مهمته التحكيمية في التحكيم الحر، الذي لم يستمر.

(5) بتاريخ 2010/7/28 حكمت هيئة التحكيم بتشكيلها السالف الذكر (التي ترأستها جبيـرال كوهلر) بصحة إجراءات دعوى التحكيم الأول رقم 467، وبعـدم اختصاصها بـدعوى التحكيم اللاحقة رقم 489 لتعييب تشكيل هيئة التحكيم في خصوص هذا التحكيم الإضافي، لأن دعواه أقيمت بالإبتناء على بند التحكيم الحر الذي احتوته مذكرة التفاهم الذي صـار غير نافذ، وقررت هيئة التحكيم أنها تثبتت من أن الطرفين اتفقا خلال المناقشات التـى دارت بالجلسات الافتتاحية للتحكيم الحر برئاسة الشبكشي -جلسة 2005/6/22 بالـذات - على إخضاع التحكيم لقواعد الـ (CRCICA) وقيده به. فضلاً عن أن استقالة الشبكشي من هيئة التحكيم الحر من شأنه – على نحو ما رأت هيئة التحكيم- أن يصير ما ورد في مذكرة التفاهم بشأن التحكيم الحر لاغيا، ومن ثم فإن الطرفين يتقيدا فقط بشرط التحكـيم الوارد في البند رقم 67 من شروط عقد المقاولة الذي يتبنـى التحكـيم النظـامي أمــام الـ (CRCICA)، هذا الشرط التحكيمي تم تفعيله في التحكيم رقم 467 لسنة 2006.

(6) بعد ذلك الحكم (حكم 2010/7/28) تم السير في إجراءات الدعوى التحكيمية رقـم 467 لسنة 2006 وقام المقاول بتعيين السيد يأن بولسون محكماً، ومع تحفظه عن الإجـراءات التحكيمية اختار رب العمل الأستاذ/ياسر منصور محكماً عنه، فرده المقاول لأنـه كـان محكما في الدعوى التحكيمية المحكوم بعدم اختصاص هيئة التحكـيم النظـامي بنظرهـا (دعوى التحكيم رقم 489)، وأصدر مركز تحكيم القاهرة (CRCICA) قراره بقبول طلب الرد لهذا السبب، وأخيراً، وفي نوفمبر 2011 اختار رب العمل الأستاذ حـازم رزقانـة محكماً عنه، ثم اختار المحكمان المعينان من قبل الطرفين (بولسون ورزقانة) السيد فـان دان برج رئيساً لهيئة التحكيم الثلاثية.

(7) وواصلت هيئة التحكيم بتشكيلها الأخير - السير في الإجراءات التحكيمية في التحكيم رقم 467، حتى أصدرت حكمها فيه باللغة الانجليزية بتاريخ 2014/12/17 وتضمن الحكـم إلزام رب العمل (الشركة المحتكم ضدها) بالعديد من الإلتزامات المالية، وأورد الحكم في أسبابه أن البنود المتعلقة بمشارطة التحكيم في مذكرة التفاهم (وتعديلها) صارت لاغيـة، وعليه تتعين العودة إلى شرط التحكيم الأصلي الذي تضمنه البند 67 من الشروط العامـة لعقد المقاولة، هذا الشرط يجعل التحكيم يجري أمام مركـز القاهرة الإقليم التجاري الدولي واستنادا إلى لوائحه.

(8) لم يصادف ذلك الحكم قبولاً لدى الشركة المحتكم ضدها (جولدن بيراميــز بـلازا "رب العمل") فطعنت فيه أمام هذه المحكمة (الدائرة السابعة) بالدعويين رقمي 46 و47 لـسنة 132 قضائية تحكيم تجاري، وقيـدا بتـاريخ 2015/5/30، وأقامتهمـا ضـد المقـاول (الشركتان المحتكمتان، كمدعى عليهما) بطلب القضاء في الـدعويين - ببطلان حكـم التحكيم وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذه. ولارتباطهما قررت المحكمة ضمهما ليصدر الحكم فيهما معا، وإذ نظرتهما المحكمة على نحـو مـا هـو ثابـت بمحـضر جلـستي 7/7 و2015/10/7 حيث صمم الدفاع الحاضر عن الشركة المدعية (جولدن بيراميدز) علـى دفاعه وطلباته، وحضر محام عن المدعى عليها الثانية (أوراسكوم للإنـشاء والـصناعة) وطلب رفض طلبات المدعية، وقررت المحكمة النطق بحكمها في جلسة اليوم، وصرحت بمذكرات للخصوم في أجل حددته، وخلاله قدمت المدعية مذكرتين بدفاعها، وقدم محامي المدعى عليهما مذكرة صمم فيها على القضاء برفض الدعويين.

(9) وحيث أسست المدعية طعنها في الدعويين، على عدة أسباب أساسية، هـي وبالإجمـال: صدور الحكم من هيئة تحكيم غير تلك المتفق عليها، هيئة تحكيم لا ولاية لها فـي نظـر النزاع التحكيمي، استبعاد مركز القاهرة للتحكيم محكمها الذي اختارتـه (الأسـتاذ ياسـر منصور) دون سند ودون أن يكون للمركز سلطة تتيح له التصدي لطلب رد المحكمـين، خلو الحكم من توقيع أعضاء هيئة التحكيم على كل ورقاته، فقط طـال التوقيـع ورقتـه الأخيرة، صدور الحكم في غير مكان المقر الاتفاقي للتحكيم وبناء على إجراءات باطلـة أثرت فيه، وبعد إنتهاء مدة التحكيم، فضلاً عن عدم حيدة هيئة التحكيم وإخلالها بحقـوق الدفاع، كما أن الحكم بني على أسباب وهمية متناقضة تجعله كأنه لم يسبب أصلاً، وذلـك كله بالمخالفة لقواعد آمرة تتعلق بالنظام العام في قانون التحكيم المصري رقم 27 لـسنة .1994

(10) في بيان شرح طعنها بالبطلان تقول المدعية إن ولاية هيئة التحكيم إنما تستمد من اتفـاق الخصوم على اختيارها، وهيئة التحكيم التي أصدرت الحكم المطعون فيه إنما تشكلت على وجه مخالف لاتفاق الأطراف في مذكرة التفاهم (المعدلة) الذي أنصب على التحكيم الحر، وقد انتهى الحكم في مخالفة قانونية واضحة -حسب المدعية- إلى سقوط مشارطة التحكيم الواردة في تلك المذكرة والعودة إلى شرط تحكيم العقد الأصلي للمقاولة. فاستقالة أو تنحي السيد الشبكشي من رئاسة هيئة التحكيم لا يترتب عليها سوى أن يحل غيره محلـه فـي التحكيم الحر الذي يبقى قائماً وخاضعاً فقط لأحكام قانون التحكيم، واستطردت المدعية أنه ليس من شأن المناقشات الحاصلة بجلسة التحكيم الحر في 2005/6/22 -الموقعـة مـن المحكم الشبكشي- تعديل أو إلغاء شرط أو مشارطة تحكيم مذكرة التفاهم، فهذه المناقشات لا يمكن أن تشكل اتفاقاً تحكيمياً كتابياً ملزماً للأطراف. في موضع آخر تقول المدعية أنه على فرض سقوط شرط تحكيم مذكرة التفاهم بسبب تنحي السيد/الشبكشي، يصبح القضاء هو المختص وحده بنظر موضوع النزاع.

(11) وتضيف المدعية أنها سبق أن تمسكت في التحكيم ببطلان إجراءاته بسبب تصدي مركـز التحكيم للفصل في طلب رد محكمها السيد ياسر منصور، فالمركز قرر برده واستبعاده بتاريخ 2011/5/24، رغم أن القضاء وحده هو المختص بطلبات رد المحكمين بحـسب نص المادة 19 من قانون التحكيم، باعتبار أن هذه المادة تتعلق بالنظام العـام لا يجـوز الاتفاق على ما يخالفها، تصدي مركز التحكيم لمسألة الرد هذه تشكل عيباً إجرائياً يمتـد أثره بالضرورة إلى حكم التحكيم ويؤدي إلى بطلانه، ومن ناحية ثانية، فإن هيئة التحكـيم تكون بذلك قد شكلت على نحو مخالف للقانون وفحوى مذكرة التفاهم، وهو ما يترتب عليه كذلك بطلان الحكم.

(12) وتحتج المدعية بأنه على فرض خضوع التحكيم للشرط التحكيمي الوارد في البند 67 من الملحق المرفق بعقد المقاولة ودون التسليم بذلك- فإن موضوع النزاع التحكيم لم يعرض على مدير مشروع المقاولة أولا، وقبل اللجوء إلى التحكيم، كمـا يقـضـي بـذلك الشرط المذكور. الالتجاء إلى مدير مشروع يعد شرطاً لازماً لولوج طريق التحكيم، عدم استيفاء هذا الشرط من شأنه أن تصير الدعوى التحكيمية غير مقبولة، وعلى ذلك تكـون هيئة التحكيم قد تجاوزت حدود اتفاق التحكيم وفصلت في مسائل غير مختصة بها.

(13) وتنعي المدعية ببطلان حكم التحكيم بسبب خلو أوراقه (المحررة باللغة الإنجليزية) مـن توقيعات أعضاء هيئة التحكيم، سواء على الصفحات التي تحمل أسبابه أو تلك المـشتملة على منطوقه، فلم تثبت توقيعات المحكمين سوى على ورقـة الحكـم الأخيـرة وحـدها (الصفحة رقم 401)، وهي ورقة منفصلة عن باقي الأوراق التي تحتوي علـى أســباب الحكم ومنطوقه، وهو ما يمثل –برأي المدعية- عيبا إجرائيا يؤدي إلى بطـلان الحكـم استنادا إلى نص المادة 1/43 من قانون التحكيم.

(14) واعتبرت المدعية أن هيئة التحكيم استبعدت ما جاء في اتفاق الأطراف من اعتبار مدينـة القاهرة هي المكان المحدد لإجراء التحكيم، ذلك أنها عقدت جلسات المرافعـة التحكيميـة وسماع الشهود خارج مصر، في مدينة دبي بدولة الإمارات العربية، وذيلت حكمها بمـا يفيد (أو أبرم) في مصر بوصفها مقر التحكيم. من هذه الزاوية يكون الحكـ صنع مجهول الجنسية – قد احتوى على واقعة مزورة، خاصة أن السيدين فان دان برج وجان بولسون – العضوان في هيئة التحكيم - لم يتواجدا بالقاهرة في تاريخ صدور الحكـم أو قبله، وهو ما يوصمه بالبطلان.

(15) وتنعي المدعية على الحكم المطعون فيه بالبطلان بسبب عدم حيدة المحكمين، بالقول بأن الحكم ألزمها بـ 65% من تكاليف التحكيم دون مبرر فعلي، بل أن هيئة التحكيم أشارت في حكمها إلى أنها (المدعية) لم تتعاون بشكل كاف للسير بالإجراءات التحكيمية بطريـق سلس، وبذلك تكون الهيئة قد أفصحت عن انحيازهـا لصالح المحتكمتـين (المقـاول). وأضافت المدعية أن الحكم لم يأخذ باعتراضاتها على التقارير الفنية المقدمة وأغفـل مـا أبدته دفاع وأدلة إثبات. علاوة على ذلك فهيئة التحكيم لم تقبل عدداً مـن المـستندات الإضافية بدون مبرر جدي، ولم يمنحها المحكمون أجالا مناسبة للتعقيب وإبداء دفاعهـا، بالجملة لم تعاملها هيئة التحكيم معاملة متكافئة مع خصميها وهو ما يمثل مخالفة لحقـوق الدفاع ومبدأ المواجهة، ويدل كذلك على عدم حيدة أعضاء هيئة التحكيم، الإخلال بمبـدأ الحيدة يشكل في ذاته إخلالا بحق الدفاع.

(16) وتابعت المدعية قائلة إن الحكم شابه عيب القصور والغموض في التسبيب والفساد ف الاستدلال لدرجة تصل إلى حد انعدام التسبيب، فالحكم اعتمد فيما انتهى إليه في منطوقه، ووفقاً لما ورد في أسبابه، على أدلة ظنية افتراضية احتمالية لا مصدر لها فـي الواقـع ومن إفادات وشهادات شهود والاعتداد بتقارير خبرة فنية قائمـة فقـط علـى المحاكـاة (سيناريو ماذا لو؟). في بعض أجزائه تأسس الحكم على العلم الشخصي لأعـضاء هيئـة التحكيم، وفي بعض آخر على تحليلات وأسانيد متناقضة لا تكفي لحمله، وهو ما يبطـل الحكم باعتباره غير مسبب.

(17) وتضيف المدعية –كسبب من أسباب البطلان- أن الحكم استبعد القانون الواجب التطبيـق على موضوع النزاع، فالهيئة التحكيمية أغفلت تطبيق القواعد القانونية العامة في القانون المدني المصري وحكمت بالمخالفة لها بفائدة عن عدم سداد تكاليف ومـصاريف دعـوى التحكيم، كما ألزمها الحكم بتعويض عن تكلفة زائدة لمشروع المقاولة – تكلفة مزعومة لا يعرفها القانون المصري - تم حسابها على وجه نظري بواسطة خبير حسابي ودون بيـان عناصر الضرر الفعلي، مما يعد عند المدعية- مسخا للقانون، هذا المسخ يـدخل ف مفهوم استبعاد القانون واجب التطبيق، ويترتب عليه بطلان الحكم.

(18) وذكرت المدعية الطاعنة أنها سبق أن دفعت خلال العملية التحكيميـة بـبطلان إخطـار التحكيم -الذي أقيمت عليه دعوى التحكيم- لغياب الصفة الإجرائية للمحامي الـذي قـدم الإخطار لمركز التحكيم، لأن التوكيل الذي يحمله لا يخول له المثول في التحكيم، وقـد رفض الحكم هذا الدفع بغير سند قانوني صحيح. وأضافت المدعية أن الحكم إنما صـدر بعد المدة الموضحة بالمادة 45 من قانون التحكيم رغم تمسكها أمام هيئة التحكيم بـسقوط التحكيم لانتهاء مدته. مخالفة الحكم لهذه الأمور الإجرائية توصمه بالبطلان، هكذا خلصت المدعية.

المحكمة

وحيث أنه ولئن كان قاضي بطلان حكم التحكيم لا يملك في النظام القانوني المصري - الولوج بتعمق إلى عناصر موضوع النزاع التحكيمي أو مراجعة هيئة التحكيم في سـلامة تطبيقها لقواعد القانون أو مناقشة ما ذهب إليه حكمها في تصديه لفهم الواقع أو تكييفـه فالمشرع لا يسمح لقاضي البطلان التعرض بشكل مباشر للموضوع الذي فصل فيه حكـم التحكيم أو مناقشة مدى صواب أو خطأ ما ذهب إليه في منطوقه. بيد أن هـذا الأمـر لا يعني حرمان قاضي البطلان من أن يتعرض لحكم التحكيم "بدقة" توصلاً إلـى اسـتظهار أسباب الطعن المثارة في دعوى الإبطال ليقول كلمته ببطلان الحكم أو بـرفض الإدعـاء بالبطلان.

(19) هذه السلطة المخولة لقاضي الإبطال أو محكمة دعوى بطلان حكم التحكيم، تختلف بطبيعة الحال عن المراجعة الموضوعية لحكم التحكيم، ذلك أن بحث محكمة البطلان في صـحة الأعمال الإجرائية السابقة على حكم التحكيم أو في توافر البيانات أو العناصر الواجب أن يتضمنها الحكم أو التثبت من احترام المبادئ الأساسية الحاكمة للدعوى التحكيميـة التـي تقتضيها إدارة العدالة، هذه كلها مسائل لا شأن لها بالنظر في موضوع النـزاع. رقابـة القضاء الظاهرية غير الموضوعية على حكم التحكيم ونواحيه الإجرائية ضرورة تقدر بقدرها، وذلك من أجل تقصي أسباب البطلان ومواطن الخلل التي يتمسك بهـا الخـصم الطاعن بالبطلان، كما أنه من غير الجائز مخالفة الحكم المطلوب إبطاله لقواعد النظـام العام الجوهرية في قانون قاضي البطلان.

(20) ووفقاً لمبادئ التحكيم وإعمالاً لما يعـرف بمبـدأ "الاختـصـاص بالاختـصاص"، يملـك المحكمون سلطة الفصل في مسألة اختصاصهم بالتحكيم المعروض عليهم، فعلـى هيئـة التحكيم أن تستنتج من دراسة وفحص مواقف أطراف التحكيم والأدلة المطروحة، مـسألة اختصاصها والتثبت من أنها تفصل في النزاع بموجب اتفاق تحكيم صحيح ونافـذ بـين الأطراف خاصة عند وجود دفع أو جدل حول هذا الاختصاص، مسألة الاختصاص هـذه -أياً كان مبناها أو ضابطها- هي مسألة أولية وجوهرية تدخل في سلطات هيئة التحكيم، لأنها تستمد اختصاصها من اتفاق التحكيم ذاته، وولايتها تفترض بداية اتفاق الطرفين على التحكيم.

(21) بيد أن فصل هيئة التحكيم في اختصاصها لا يعني أن نتيجة رأيها في هذه المسألة تفرض حتما على محكمة البطلان. في قانون التحكيم المصري تقبل دعوى الإبطال إذا لم يوجـد اتفاق صحيح على التحكيم بين الطرفين أو إذا فصل الحكم في منازعة لا يـشملها هـذا الاتفاق. لذلك يحق لمحكمة الإبطال عند الطعن في حكـم التحكـيم - المنهـي للـدعوى التحكيمية- مراقبة تقدير هيئة التحكيم بشأن اختصاصها، سواء أعلنت نفسها مختـصة أو غير مختصة. ويملك قاضي البطلان البحث -دون تعمق- في العناصر القانونية والواقعية المعروضة في دعوى التحكيم وقوفاً على صحة أو عدم صحة وجه النعي المنصب على اختصاص هيئة التحكيم.

(22) بقراءة الأسباب الواردة في الحكم المطعون ضده (حسب ترجمته) يبـين أنهـا تكـشف بوضوح عن الطريق الذي اتبعته هيئة التحكيم لتكوين رأيها في ما انتهت إليه فـي شـأن اختصاصها، بعد درس العناصر المكونة له، فقد ذكـرت - اتساقاً مـع حـكـم تحك 2010/7/28 - أنه قد ثبت لديها أن طرفي التحكيم اتفقا خلال المناقشات التي دارت أمام هيئة التحكيم الخاصة برئاسة الشبكشي على أن يحصل التحكيم في نطاق مركز القاهرة للتحكيم، وعزز الحكم هذا الرأي، موضحاً أن استقالة الشبكشي من التحكيم الحر، تعنـي اعتبار شرط التحكيم الذي تضمنته مذكرة التفاهم وتعديلها لاغياً لا أثر له، ومن ثم يعـود الطرفان إلى الالتزام بشرط التحكيم الأصلي الملحق بعقد المقاولة الأصلي، وتكون (هيئة التحكيم) لذلك مختصة بالدعوى التحكيمية في إطار مركز القاهرة التحكيمـي لوائحه.

(23) الفهم الذي استخلصته هيئة التحكيم – على نحو ما تقدم- له وجـوده الظـاهري الـواقعي عقلاً ويؤدي إلى ما اقتنعت به للقول باختصاصها. فالتحكيم الحر طبقا لمـذكرة التفـاهم وتعديلها كان مرهونا برئاسة السيد الشبكشي لهيئة التحكيم، وذلك بسبب ثقة الطرفين فـ شخصه، فشخصه كان داخلاً في اعتبارهما عند الاتفاق على التحكيم الحر، لـذلك فـإن تنحية الشبكشي أو استقالته أو عزله أياً كان، يؤثر بالضرورة في فعالية بند التحكيم الحر بحيث يزول كل أثر له، وبالتالي يعود الطرفان إلى التحكيم المؤسسي في إطـار مـركـز القاهرة التحكيمي (CRCICA) وفقاً لشرط التحكيم الوارد في البنـد 67 مـن الـشروط العامة للمقاولة، عبارات مذكرة التفاهم واضحة وتـؤدي حـسب نيـة وإرادة الأطـراف المشتركة إلى هذا الفهم.

(24) وهناك مسألة أخرى تتعلق في الأساس بفهم الواقع وتكييفه، ومن ثم إيقاع حكـم القـانون عليه. ففي رد هيئة التحكيم على دفع المدعية المحتكم ضدها ببطلان إخطار التحكيم وقيده بمركز القاهرة للتحكيم بسبب غياب الصفة الإجرائية للمحامي الذي قدم هذا الإخطار إلى مركز التحكيم، أورد الحكم أن الواقع المطروح يفيد أنه تم تصحيح هذه الصفة أو التمثيل القانوني في وقت لاحق بما يصحح الإجراءات من بدايتها. هذا الشأن موكول الى هيئـة التحكيم ويدخل في نطاق سلطتها التقديرية. في القانون المصري تقضي القاعدة الإجرائية العامة أن تحقق الغاية يصحح البطلان الإجرائي، وطالما أن الوكيل قـد باشـر العمـل الإجرائي (إخطار التحكيم) لحساب الأصيل (المقاول المحتكم) وبغرض تأمين مـصالحه على نحو لا يحتمل لبساً، فينصرف الإجراء إلى الأصيل الذي أقـر بسلامة الإخطـار بالتحكيم، الأصيل لم ينكر صلته بالمحامي الوكيل عنه أو يناقش صحة تمثيله له في القيام  بالإجراء، ومن ثم تصح إجراءات طلب وتسجيل قيد التحكيم المطعون في حكمه.

(25) وحيث أنه وعما تتذرع به المدعية من أن شرط التحكيم الوارد في البند 67 مـن ملـحـق المقاولة (بفرض خضوع التحكيم له) يتطلب استنفاد طريق أو سبيل آخـر سـابق علـى التحكيم، وهو ضرورة عرض منازعات المقاولة على مهندس المشروع أولاً، كمرحلـة سابقة على التحكيم، وأن الشركتين المحتكمتين لم تسلكا هذا السبيل قبل إقامـة الـدعوى التحكيمية. ترى المحكمة أن بحث هذا الأمر وبته يعود بداية إلى هيئة التحكيم ويندرج في اختصاصها ويدخل ضمن تقديراتها. فهيئة التحكـيم تملـك تفـسير أو إعمـال الـشرط التحكيمي، وفقاً لإرادة طرفيه المشتركة، فالولاية التحكيمية تكون محصورة في حدود هذا الشرط، ومن سلطة هيئة التحكيم ومهماتها الأولية تفسير الاتفاقات أو المحررات وإعطاء الوصف القانوني لآثارها وترتيب هذه الآثار على الواقع المطروح. ويمتنع على القاضـ الناظر في الطعن بالإبطال تـصحيح ذلـك التفـسير أو تقييم الاستنتاجات الواقعيـة لهيئة التحكيم في شأنه طالما كان التعليل الذي أوردته لتكوين عقيدتها واضـحاً وغيـر عبثي.

(26) في أسباب الحكم وتعقيبا على الحجة التي ساقتها المحتكم ضدها بعدم استيفاء المقـاول المحتكم شرط اللجوء المسبق إلى مهندس المشروع قبل التحكيم، ذكر الحكم ما مؤداه أنه بحسب تفسير صياغة البند التحكيمي (رقم 67) على ضـوء نمـاذج العقـود الإنشائية "الفيديك" والمستندات المقدمة والخلفية الواقعية، فإن المقاول أوفى من جانبه بمتطلبات ذلك البند بمبادرته بتوجيهه إخطارات "كتابية" لمدير المشروع في حينه وقبل التحكيم- مـن أجل بحث وتسوية مطالبات "منازعات" تتعلق بالتأخير وإعاقة العمل، وكذلك المطالبـات الخاصة بالحساب الختامي، وأن مدير المشروع (مهندس المقاولة) لم يتجاوب مـع هـذه المطالبات والتي تمثل في مجموعها جوهر موضوع الدعوى التحكيمية.

(27) خلصت هيئة التحكيم من ذلك إلى عدم وجود حائل يمكن أن يقيد اختصاصها بالـدعوى التحكيمية في نطاقها المعروض، فالمقاول لم يهدر الإجراءات واجبة الإتباع قبل الالتجاء إلى التحكيم، بل أنه أحترم التزامه في هذا الشأن (الفقرات من 400 إلى 410 من الترجمة المقدمة الى حكم التحكيم). ترى المحكمة أن الدلائل المطروحة في دعوى التحكيم تكفـي في ظاهرها للاقتناع بفعالية اتفاق التحكيم، بعد استيفاء الواقعة المشروطة لنفاذه، وتكـون هيئة التحكيم بذلك قد عالجت هذه النقطة بنظرة كافية ومعقولة دون أن تتجـاوز حـدود سلطتها أو صلاحياتها التحكيمية.

(28) وحيث أنه، ووفقا لنص المادة 28 من قانون التحكيم المصري، فإن اختيار مقر قـانوني للتحكيم لا يعني بالضرورة اتخاذ جميع الإجراءات التحكيمية في النطاق الجغرافي لهـذا المقر. فتعبير أو مدلول مكان التحكيم، كما قد يطلق على المكان الفعلي أو المادي الـذي تنعقد فيه جلسات أو اجتماعات التحكيم، فإنه قد يكون المقصود به هو المكـان أو المقـر القانوني للتحكيم، وأحياناً لا يجتمع المكانان، والعبرة دائماً بمقر التحكيم "القانوني".

(29) ويعتبر حكم التحكيم صادرا في بلد هذا المقر القانوني وليس في المكان الجغرافي الـذي حصلت فيه جلسات التحكيم أو الذي تمت فيه المداولة واقعا أو المكان المادي الذي جرى فيه التوقيع على الحكم بالفعل، لأن المعتبر والمعول عليه هو فقط المكان أو المقر القانوني للتحكيم. مكان التحكيم -كمفهوم قانوني- هو مسألة إجرائية في الأساس، لأنـه يؤسـس علاقات قانونية عديدة بين التحكيم من ناحية، وبين النظام القانوني الإجرائي الذي يخضع له هذا المكان، من ناحية أخرى.

(30) وإذا رأت هيئة التحكيم أن تصدر حكمها في مكان ما خلاف بلد المقر القانوني للتحكـيم، فإن هذا يعد تغييرا في المكان الجغرافي فحسب، ويظل التحكيم خاضعا لقـانون المكـان القانوني الذي اتفق عليه الأطراف، وتصبح محاكم دولة هذا المقر هي وحدها المختـصة بمسألة رقابة البطلان على حكم التحكيم. فمقر التحكيم القانوني "المختار مـن الأطـراف" هو الذي يتأثر التحكيم بأوضاعه القانونية وبصفة خاصة اختصاص قـضاء دولـة هـذا المقر بنظر الطعن ببطلان حكمه، أياً كان نـوع أو وسيلة هـذا الطعـن أو ضـوابطه وقيوده.

(31) وحيث أنه وطالما أن اتفاق التحكيم المعول عليه في الدعوى الحاضرة يحدد مقر التحكيم في مدينة "القاهرة" كمكان للتحكيم مكان المركز الرئيسي للمنظمة التحكيمية التي تولـت التحكيم- فإن هذا المكان هو المقر القانوني الذي يصدر فيه حكم التحكيم ويتحدد وفقا لـه اختصاص القضاء المصري بمسائله وشؤونه وبدعوى إبطاله، وبحيث لا يجـوز الطعـن على الحكم بالبطلان، إلا في نطاق الأسباب والحدود التشريعية الواردة في قانون التحكيم المصري.

(32) وبما أن التحكيم المطروح على هذه المحكمة جرى في النطاق المؤسسي لمركز القاهرة التحكيمي (CRCICA)، وليس تحكيماً خاصاً (ad hoc). لذلك تصير القواعد اللائحيـة لذلك المركز -كآلية لتنظيم التحكيم وإدارته متممة لاتفاق التحكيم ذاته وجزء منه (مفهوم المادة الخامسة من قانون التحكيم). ويتعين على محكمة البطلان لذلك مراقبة صحة إعمال هيئة التحكيم الضوابط الإجرائية الاتفاقية في حدود أسباب البطلان المثـارة فـي نطـاق دعوى الإبطال، والتأكد كذلك من أن حكم التحكيم لم يتضمن ما يخالف النظام العام فـي القانون المصري (المادة 53 تحكيم).

(33) في إطار تحكيم النزاع، اختارت هيئة التحكيم مدينة دبي بدولة الإمارات لعقـد جـلـسـات المرافعة، هذا الاختيار تملكه هيئة التحكيم، فالفقرة الثانية من المادة 18 من قواعد مركـز القاهرة لسنة 2011 -النافذة في هذا الخصوص- تمنح هيئة التحكيم "أن تجتمع للمداولـة في أي مكان تراه مناسباً، ولها أن تجتمع أيضاً في أي مكان تراه مناسباً لأي غرض آخر، بما في ذلك جلسات المرافعة ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك"، والواضح أن طرفي تحكيم النزاع لم يتفقا خلال سير الإجراءات على مكان آخر خلاف مدينة دبي، ولا عبرة هنا باعتراض أحد الطرفين على ذلك المكان المادي، فالمناط هو الاتفاق ولـيس مـجـرد الاعتراض، فلا بد من اتفاق الطرفين معا على مكان مادي غير ذلك الذي رأتـه هيئـة التحكيم أكثر ملاءمة.

(34) وحيث أنه، ولئن كان الحكم المطعون فيه قد ذيل -حسب ترجمته- بأنه صنع أو عمل في القاهرة باعتبارها مقر التحكيم فـي 2014/4/17 - Made (2014 place and seat of the arbitration, this 17 day of December - فـإن هذا الأمر لا يعد بحال تغييراً للحقيقة، فهيئة التحكيم لم تفعل سوى تقريـر واقـع الحـال in Cairo, being in the) بحسبان أن مصر هي المقر القانوني للتحكيم -حتى ولو لم يتواجد أعضاء هيئة التحك بها وقت إصدار الحكم- ويصبح من غير المقبول والحال هذه وصف الحكم بأنه تـضمن تزويراً أو غشاً في ما يتصل بمكان إصداره.

(35) وكالحال في المادة 43 من قانون التحكيم، تشترط المادة 34 من لائحة الـ "CRCICA" أن يصدر حكم التحكيم كتابة، وأن يوقعه المحكمون (أو أغلبيتهم حسب الأحوال)، على أن يشتمل على تاريخ صدوره والمكان الذي صدر فيه. إذن لم تستوجب اللائحة (أو القانون) ضرورة توقيع المحكمين أعضاء هيئة التحكيم على كل أوراق الحكم. وبحـسب القواعـد الإجرائية العامة، فإن معيار الحكم بالبطلان الإجرائي أو عدم الحكم به هو معيار الغاية. فالشكل الإجرائي ليس سوى وسيلة لتحقيق غاية معينة في كل خصومة أو دعوى ينظمها القانون، فإذا ثبت تحقق الغاية التي يرمي القانون إلى تحقيقها من توافر الشكل أو البيـان الناقص أو المعيب، فلا يحكم بالبطلان.

(36) لذلك فإن عدم توقيع أعضاء هيئة التحكيم على كافـة أوراق حكـم التحكـيم لا يـؤدي بالضرورة إلى إبطاله، وإنما يكفي مجرد توقيعهم على ذيل الحكم طالما تحققت الغاية من هذا التوقيع (كبيان إجرائي) والهدف منه على الوجه الذي يصون مصالح الأطراف التحكيم ويحمي حقوقهم الإجرائية، أما إذا لم تتحقق هذه الغاية فقد يبطل الحكم بسبب ذلك. التوقيع على حكم التحكيم الذي يؤدي مجرد تخلفه إلى البطلان هو ذلك الذي لا يمكـن أن تتحقق الغاية منه إذا ما تخلّف.

(37) الإستيثاق من سلامة وصحة الإجراءات التي بوشرت في الدعوى التحكيمية هو الهـدف المقصود من بيان توقيع المحكمين على حكم التحكيم، لأنه ينبئ عن أنهم تداولوا جميعاً في أسبابه واتفقوا –أو اتفق أغلبيتهم على هذه الأسباب وعلى منطوقه. كما أن مجرد توقيع المحكمين على الحكم يتحقق به أنه صدر عن الهيئة التحكيمية صاحبة الولاية التحكيميـة أي أنه منسوب لها، وليس لغيرها، وفي التاريخ والمكان المدونيين فيـه، والأصـل فـي الإجراءات أنها روعيت طالما لم يثبت عكس ذلك.

(38) في الدعوى الحاضرة، نسخة الحكم الأصلية المحررة باللغة الإنجليزية تشتمل على 401 ورقة مختومة جميعها بختم مركز التحكيم الذي تولى العملية التحكيمية، وأن صـفحته أو ورقته الأخيرة مذيلة بتوقيع كامل أعضاء هيئة التحكيم. لذلك يكون الحكم وبحسب الأصل قد استوفى مقتضيات صحته التي يستلزمها المشرع التحكيمي في شأن التوقيع على أحكام التحكيم. والمدعية بالبطلان لم تكشف عن أن عيب عدم توقيع كل أوراق الحكـم - فـي ظروف الواقعة المطروحة بالذات- قد فوت عليها أي مصلحة قانونية، فهي لم تبين ماهية المصلحة المهدورة التي يبغي القانون حمايتها والضرر الذي أصابها من ذلـك، فيكـون نعيها الذي تعزوه إلى الحكم في هذا الخصوص غير منتج لأنه قائم على مصلحة نظريـة بحتة لا يعتد بها، ويضحي التمسك بالبطلان هنا بلا معنى.

(39) بعبارة أخرى، فإن عدم توقيع أعضاء هيئة التحكيم التي شاركت في إصدار الحكم علـى كافة أوراقه لا يؤدي إلى بطلانه طالما لم يثبت أن المداولة لم تتم بيـنهم أو أن الأسـباب الواردة فيه ليست هي أو أن المنطوق ليس هو، أو أن الحكم صدر عن هيئة تحكيم أخرى خلاف تلك المعهود إليها الفصل في النزاع أو أن الحكم صدر في غير تـاريخ أو مكـان إصداره. لذلك، فإن مجرد التوقيع على ذيل الحكم أو صفحته الأخيرة – ولو كانت غيـر مشتملة على جزء من الأسباب أو المنطوق- يغني عن التوقيع على جميع صـفحاته، إذ يتحقق به الغرض المقصود من التوقيع الواجب على حكم التحكيم.

(40) وحيث أنه، ولئن كانت لائحة الـ "CRCICA" تتضمن قواعد إجرائيـة مـفـصلة تحـدد وتضبط بدء الخصومة التحكيمية التي تجري فـي نطاقهـا وكيفيـة إنهـاء الإجـراءات التحكيمية، فإن القواعد المخصصة لهذه الأمور ليست آمرة في قانون التحكيم المـصري، بل هي قواعد تكميلية اختيارية يجوز الاتفاق على خلافها. لم تقرر هذه اللائحة المختـارة (القانون الإجرائي المختار) ميعادا لإصدار حكم التحكيم، مما يعني قبول الطـرفين بـأن تصدر هيئة التحكيم حكمها في الميعاد الذي تراه مناسباً، ومن ثم فإنه لا يجـوز التمـسك ببطلان حكم التحكيم "التنظيمي" لعدم مراعاة هيئة التحكيم المدة المحددة لإصـداره فـي قانون التحكيم.

(41) وحيث إن اتفاق الأطراف على إخضاع تحكيمهم لقواعد مركز نظامي للتحكيم، سواء في مصر أو الخارج، مرده أن هذه القواعد الإجرائية إنما تـوفر لهـم سـياجاً مـن الثقـة والاطمئنان وتمنحهم الحماية الإجرائية الملائمة لحقوقهم وتراعـي حريـأتهم التعاقديـة وتؤمنها. والتحكيم إنما يرتد في الأساس إلى إرادة أطرافه، فهم مـن يختـارون طريـق التحكيم ونوعه ونطاقه ومكانه، وأيضاً اختيار المحكم الذي يتولى الفـصـل فـي النـزاع، والقوانين الإجرائية والموضوعية التي تحكم الإجراءات وموضوع النزاع، هذه الحريـات الممنوحة للأطراف هي الغرض من التحكيم وسبب وجوده أصلاً. لـذلك فـإن اختيـار الأطراف قواعد إجرائية لائحية مسألة واجبة الاحترام، لأنهـا تتأسـس علـى مـصلحة مشروعة مبررة ترتبط بالخواص الجوهرية المستمدة من معطيات وركائز فكرة التحكـيم ذاتها.

(42) هذا الاختيار الإجرائي يعني أن يتولى المركز التحكيمي المختار تنظيم كـل مـا يتعلـق بتسيير العملية التحكيمية والفصل في المسائل أو العقبات التي قد تثور فيها بما في ذلـك مسألة تعيين ورد واستبدال أحد المحكمين أو هيئة التحكيم بأكملها، ويتم كل ذلـك وفقـاً للوائحه الإدارية الداخلية طالما سكت الأطراف ولم يتفقوا على إجراءات مخالفة. هنـا لا يجوز لأي من أطراف التحكيم أن يخالف منفرداً ما تم الاتفاق عليه ويتمسك بإعمال قواعد إجرائية أخرى، ذلك أن إتباع الإجراءات المتفق عليها نتيجة مباشرة للطبيعـة الاتفاقيـة للتحكيم. وبحسب نص المادة 25 من قانون التحكيم، فإن القواعد اللائحية الخاصة المتفق عليها تعتبر بمثابة القانون الإجرائي الاتفاقي واجب التطبيق على التحكيم مـا لـم يتفـق طرفاه على غير ذلك.

 (43) اتفاق الأطراف هو القانون الأساس الذي يقوم عليه التحكيم وهو الـذي يرس المتعين احترامهـا، وكـان النظـام الإجرائـي لمركـز القاهرة النظـامي (الـ CRCICA) يستبعد أي دور للقضاء في شأن تعيين ورد واستبدال المحكمين، بـل يخضع كل ذلك لإجراءات خاصة به وردت في لوائحه (القانون الإجرائي المختار) فـلا مجال هنا لتطبيق نصوص قانون التحكيم المتعلقة بالـشأن ذاتـه، لأن هـذه النصوص التشريعية استبعدها الطرفان مقدماً. اختصاص مركز التحكيم الـ (CRCICA) بالمسائل التي تخص تشكيل هيئة التحكيم ورد واستبدال المحكمين، هو اختصاص نـوعي مبـدئي بالنسبة لإجراءات سير دعاوى التحكيم التي تجري في إطاره. اختصاص أولي وتقديري، قواعـده يخضع للرقابة الظاهرية للقضاء عند الطعن في حكم التحكيم النهائي بالبطلان.

(44) بالعودة إلى تحكيم التداعي يتضح للمحكمة أن تشكيل هيئة التحكيم التي أصدرت الحكـم المطعون فيه، وكذلك إجراءات الرد التي اتخذت في الدعوى التحكيمية تمـت صـحيحة حسب القواعد السارية في المركز التحكيمي، وحسب المؤشرات الواقعية فـإن اسـتجابة لجنته الاستشارية لرد محكم المدعية -الأستاذ ياسر منصور - كانت مبررة. وحيث أنه إذا كان ذلك، فإن نعي الشركة الطاعنة ببطلان حكم التحكيم المؤسس على بطلان تشكيل هيئة التحكيم لبطلان إجراءات رد محكمها –بكل أوجهه- لا يكون قائماً على أساس.

(45) الإختصاص الموكول من الأطراف لمركز التحكيم المؤسسي في هذا الشأن، لا يجـوز إسقاطه أو تجنبه أو تهميشه، كما أنه من غير المقبول تجريد قرارات المركز التحكيم المتعلقة بسير الخصومة التحكيمية من آثارها طالما كانـت صـادرة بمراعـاة قواعـده الداخلية. فعندما يملك مركز التحكيم نظاماً إجرائياً محدداً، فيجري التحكـيـم فيـه بإتبـاع الضوابط والآليات المبينة فيه، بحسبان أن هذا النظام هو قانون المحاكمة التحكيمية، وذلك كله بشرط أن لا تتصادم القاعدة الاتفاقية المتبعة بقواعد النظام العام في بلد مكان التحكيم.

(46) والقواعد الإجرائية الخاصة المتصلة بمسألة تعيين أو استبدال أو رد المحكم، غير صادمة - بحسب طبيعتها الاتفاقية- لقواعد النظام العام المصري، ذلك أنه ولـئـن كـان قـانـون المرافعات يتولى (والقوانين الملحقة به) تنظيم قضاء الدولة الرسمي عـضوياً وإجرائيـاً بحيث يتولى الفصل في النزاع قاض مؤهل تابع -بشكل ما- لسلطة الدولة ويملك ولايـة قضائية عامة. والحال ليس كذلك في مجال الدعوى التحكيمية، فالمحكم لا يخضع للقواعد النمطية الجامدة المتعلقة بقضاء الدولة، لأنه مجـرد فـرد عـادي (ولـو كـان قاضـياً بالفعل) أنيط به نظر نزاع محدد نشب بين المحتكمين، وهو غير ملـزم بنظـر دعـوى التحكيم أي القيام بمهمته التحكيمية، ذلك أن قبوله هذه المهمة يعد أمراً لازمـاً فـي كـل الأحوال.

(47) عندما يلتزم المحكم الفصل في دعوى التحكيم، فإن هذا الالتزام يستمد أساساً من مـشيئة واتفاق أطراف التحكيم وتحملهم أتعابه. أما القاضي في الخصومة القضائية فإنـه مـلـزم - وفقاً لمقتضيات الصالح العام- بالسير والحكم في الدعوى القضائية بأمر وحدود القانون القضائي، وليس للخصوم شأن في ذلك. فمتى أقام الخصوم دعواهم أمام القضاء، صـار من واجب القاضي تسيير الدعوى القضائية وأداء واجبه فيها، لأن القضاء بوصفه الأمين على الصالح العام للجماعة، إنما يقوم بأداء وظيفة حيوية وثيقة الصلة بمصلحة أساسـية للمجتمع، ويتحمل القاضي لزوماً القيود التي تقتضيها هذه الوظيفة.

(48) والقاضي إنما يأخذ على عاتقه دور الحارس للنظام القانوني الوطني الذي يمثله، بخـلاف المحكم الذي لا يلعب مثل هذا الدور، فمناط المساواة بين القاضي والمحكم منتف في هذا الخصوص، لذلك غاير المشرع بين القضاة والمحكمين في ما أورده مـن أسـباب رد أو عدم صلاحية كل منهما، وهو مسلك يؤكد به المشرع إدراكه أن التحكيم غيـر القـضاء، وأن المراكز القانونية بين القاضي والمحكم غير متماثلة، وتلك ميزة تحكيمية أخرى تلائم خصوصيات التحكيم وتكفل سيره بأقل قدر ممكن من التعقيد.

(49) نتيجة لما تقدم وبالإبتناء عليه، فإن إجراءات تعيين أو رد المحكم في جوانبها المختلفة لا يمكن أن تتصل بالنظام العام الإجرائي بمعناه الدقيق، لأنها لا تمس القواعد الجوهرية التي تتصل بكيان المجتمع ومجموعة قيمه ومصالحه الحيوية. قواعد رد المحكم فـي قـانون التحكيم ليست فرضاً واجباً والاتفاق على ما يخالفها بتنظيم خاص لا ينطـوي علـى أي مساس بحق التقاضي وليس فيه إخلال بفعالية ضمانة الدفاع. القواعد التشريعية المتعلقـة بالرد في قانون التحكيم لا تصير آمرة ناهية إلا عندما يتفق أطراف التحكيم على إعمـال النظام الإجرائي الوارد في القانون المذكور على تحكيمهم. بوجه عام لا يـصـح إرهـاق التحكيم بقيود قانونية أو قضائية تعزله عن بيئته بحيث يفقد خصائصه ولوازمه الاتفاقيـة وأصوله الكلية الثابتة.

(50) وحيث أن دعوى إبطال حكم التحكيم لا تعتبر في النظام القانوني المصري استئنافاً، بـل مجرد وسيلة طعن أو آلية غير عادية "متفردة" للحفاظ على نزاهة العملية التحكيمية، لذلك لا تهدف هذه الدعوى إلى تقويم المعوج من أحكـام التحكـيم وإبـرام الـصحيح منهـا، والخصوم فيها لا يملكون الحقوق والمزايا التي كانت مقررة لهم أمام التحكيم. ومن غيـر الجائز أن تصير دعوى الإبطال ستاراً أو واجهة ترمي إلى إعادة عرض موضوع النزاع الذي حسمه حكم التحكيم - مرة ثانية أمام القضاء، كما أنها ليست فرصة لإعـادة تقيـيم القيمة الثبوتية للأدلة التي كانت مطروحة في التحكيم، وحكم التحكيم لا يؤاخذ في نطـاق التسبيب كما تؤاخذ أحكام القضاء في الشأن نفسه.

(51) البين من الحكم المطعون فيه (ترجمته إلى العربية) أن هيئة التحكيم أحاطت بواقع النـزاع وبحثته وتحصلت منه حسب آراء خبرة فنية على النتائج التي بني عليها الحكـم. فـالحكم اشتمل بذاته على ما يتيح للمحكمة التحقق من إلمام هيئة التحكيم بطلبات الأطراف وإطلاعها على المستندات والأدلة المقدمة، وتكشف مدونات الحكم عن الأسس التي استندت إليها هيئة التحكيم لتكوين رأيها في كافة أوجه النزاع المعروض عليهـا، إذ استعرضـت باستفاضـة مسؤوليات الطرفين التعاقدية ودرجة تقصير كل منهما وأسباب تأخير أعمال المقاولة ومـا صادفها من إعاقات، ومدى مطابقة تلك الأعمال للمواصفات والرسـوم والأصـول الفنيـة والأسعار السائدة. وتعرضت كذلك لموضوع الحساب الختامي ولكافة المطالبات التي تمثــل في مجموعها حزمة المناقصات الموكولة للمقاول، وبحث الحكم أيضاً في مواقـف مـدير المشروع ومدى نجاحه أو إخفاقه في إدارة مراحل المقاولة على اختلافها.

(52) تطرق الحكم الى مسألة توافر أركان مسؤولية الشركة المحتكم ضـدها ومـسألة مــدى استحقاق المحتكم للتعويض، وأظهر الأسس والمعايير التي أقام عليها ما انتهى إليه في ما يتصل بمقدار التعويض المحكوم به وعناصره، وأوضح سنده في الإلزام بالفوائد المستحقة وبدء سريانها، سواء الفائدة التعاقدية (الليبور+2 سنوياً) أو الفائدة القانونية عـن التـأخير وإعاقة العمل والحساب الختامي (5% حسب المادة 226 من القانون المدني)، وتكلمـت هيئة التحكيم أيضاً عن مصاريف التحكيم وتوزيع التكاليف الأخرى المرتبطة به.

(53) وسواء أكانت هيئة التحكيم مصيبة أم مخطئة في ما أوردته في أسباب حكمها، فالواضـح أنها وفرت أسباباً قانونية وأسانيد واقعية مناسبة ومنطقية وكافية للنقاط الضرورية المثارة في الدعوى التحكيمية بعد أن اطلعت بعناية على الحجج الجوهرية، ثم عولت علـى آراء فنية واستنتاجات معقولة تؤدي ولو ظاهرياً- إلى خاتمة الحكم وما خلـصت إليـه فـي منطوقه. إجمالاً لا تجد المحكمة تشويهاً أو غموضاً أو مسخاً في أسباب الحكم، كمـا أن النتيجة التي انتهى إليها لا تعاكس أو تناقض ما ساقه في أسبابه من مقـدمات وتحليلات واقعية وقانونية.

(54) ولأن فهم الواقع وتحديده لإنزال حكم القانون عليه يعد من صميم عمل المحكم ويدخل في نطاق سلطته التقديرية، ولا جناح عليه إذا ما استخدم في ذلك خبرته من خلال أدلة حقيقية وعناصر قائمة ناقشها الأطراف في الدعوى التحكيمية، وبالتالي فإن كل حكـم يـصدره المحكم هو في حقيقته وفي نهاية الأمر رأياً خاصاً وتقديراً شخصياً له في مسائل النـزاع بعد أن يكون قد استقصى رأيه نتيجة الموازنة بين أدلة الإثبات وأدلة النفي في الـدعوى وترجيح ما اطمأن إلى ترجيحه، بالقطع لا يمكن أن يعد مثل هذا الرأي من قبيل الحكـ بالعلم الشخصي المحظور قانوناً على المحكم.

(55) والذي يجب أخذه في الاعتبار أن كثيراً ما يراعى عند اختيار المحكم ما يملكه من خبـرة في المسائل التي يدور حولها النزاع، وقد تعد مهنة أو علم المحكم وخبراته التراكمية التي اكتسبها في تخصصه المهني أو العلمي من الأمور الحاسمة لاختياره محكماً فـي تحكـيم بعينه. التحكيم كنظام قانوني اتفاقي يملك من الخواص والمعاني ما يميـزه عـن النظـام القضائي، في القضاء، بالمطلق، لا يستطيع الخصوم في محاكم الدولة اختيار قاضيهم.

(56) هذا ولئن كان مبدأ حياد المحكم يتأسس على قاعدة حضارية أصولية قوامهـا اطمئنـان الأطراف إلى أن المحكم سوف يفصل في النزاع المعروض عليه دون تحيـز أو هـوى، فإنه لا يمكن نعت المحكم بعدم الحيدة بزعم أن هناك قصوراً شاب حكمـه فـي إيـراد العناصر الواقعية اللازمة لتبرير ما أتجه إليه أو أن تحليله غير سليم أو أن استنتاجاته مغلوطة أو كونه أخطأ في تفسير وتطبيق القانون أو أن هيئة التحكيم لم تتجاوب مع بعض الطلبات المطروحة من الأطراف. هذه الأحوال لا شأن لها بالحيدة المطلوبة في المحكـم بالمعنى المفهوم والمتعارف عليه في كل قانون.

(57) لم تثر المدعية المحتكم ضدها خلال الإجراءات أي شك في حيدة هيئـة التحكـيم أصدرت الحكم المطعون فيه، ولا ترى المحكمة وجود أسباب تؤدي إلى مظنة التأثير في حيدتهم، فالتحكيم جرى تحت مظلة مركز تحكيم دولي ووفق لوائح دقيقة تضمن بوضوح إعمال حقوق الدفاع كاملة وتسمح بتسمية محكمين مشهود لهم بالعلم والحيدة. بـالعموم لا يجوز استعمال حجة عدم النزاهة هذه سبيلا للدد في الخصومة، أو لمجرد كون المحكم قد حكم بما لا يشتهي الخصم، دون التحسب لما يؤدي إليه مثل هذا الاتهام في إيذاء المحكـم في اعتباره ومشاعره ومكانته بين أترابه، وفي أوساطه ومحيطه.

(58) وحيث أن صيانة حقوق الدفاع للأطراف في التحكيم لا يحول دون تنظيم هيئـة التحك إستعماله لعدم إضاعة الوقت أو الجهد عبثا أو تعطيل الإجراءات أو إفسادها آخـذة فـي الاعتبار عامل الوقت الذي له أهمية خاصة في كل تحكيم. وكالحال في الدعوى القضائية، فليس ضرورياً أن تناقش هيئة التحكيم كل تفاصيل الحجج التي قدمها الأطراف أو إفـراد تعليل خاص لكل حجة، بل يكفيها مناقشة الحجج الأساسية (المنتجة) والتصدي لها، ولـو شاب تسبيب حكمها شيء من النقص أو عدم التنظيم، وكذلك فإن هيئة التحكيم غير ملزمة بعرض استخلاصها الواقعي أو القانوني على الأطراف قبل إصدارها حكمها، ومن ثـم لا وجه لما تثيره المدعية في هذا الشأن.

(59) بالرجوع إلى حكم التحكيم يبين بوضوح أن هيئة التحكـيم -رغـم أن التحكـيم أسـتمر أعواماً - سمحت لكل طرف من طرفي دعوى التحكيم بالعلم بكل ما هو موجه ضده مـن ادعاءات وتمكينه من الدفاع بتقديم كل الوسائل القانونية والواقعية وأدلة الإثبات الضرورية وبطريقة متساوية وفي وقت وآجال معقولة، لذلك فهيئة التحكيم لم تخل بحـق الـدفاع أو تخرق مبدأ المواجهة والمساواة بين الفرقاء، والحجج التي أوردتهـا المدعيـة بـصورة متكررة في هذا الشأن إنما تتعلق بموضوع أو أساس النزاع أو بتفنيد الأدلة، كما لو كانت محكمة استئناف لحكم التحكيم أو كأن دعوى البطلان ليست سوى امتداد هذه المحكمة هي للخصومة التي كانت مطروحة أمام التحكيم.

(60) وحيث أن مما تنعاه المدعية على الحكم المطعون فيه أنه حكم بفوائد (تأخيرية وتعويضية) مخالفة لنصوص قانونية تعد من قواعد النظام العام، فإن هذا النعي مردود، لأن النصوص التشريعية المنظمة لتلك الفوائد، لا تندرج بحسب غاياتها ضمن قواعد النظام العـام تلـك لتي لا يجوز اقتحام حدودها، فما انتهى إليه الحكم في الشق المتصل بالفوائـد ومعـدلها الأقصى – وأياً كان وجه الرأي فيه- لا ينطوي على أي انتهاك ملموس للنظام العام فـي القانون المصري. خطأ الحكم في ما تعلق بالفوائد لا يعدو أن يكون في كل الأحوال خطأ في تفسير القانون أو تأويله أو تطبيقه لا يصلح سبباً لبطلانه. فالحكم المطعون فيه لم يمس أو يهدر بشكل ظاهر أي قاعدة جوهرية تتـصل بمـصلحة عامـة وأساسية للمجتمـع المصري، وكذلك الآثار التي ولدها.

(61) وحيث أن أمر تحديد مصاريف التحكيم وأتعاب المحكمين في التحكيم المؤسسي متـروك للوائح المركز التحكيمي، وتعيين من يتحمل نفقات التحكيم وتكاليف الدعوى التحكيمية هو من سلطة هيئة التحكيم، وليس لمحكمة الطعن بالإبطال مراجعة الحكم في ما يتعلق بالخطأ في مسألة الإلزام بالمصاريف أو تقدير الأتعـاب التحكيميـة، كمـا لا يتوقـف الحك بالمصاريف على طلب ولا يلزم تسبيبه. هذه المسائل لا تقبل بشأنها دعـوى الـبطلان، وعلى ذلك لا يشكل الخطأ فيها ثغرة في حكم التحكيم تسوغ القضاء بطلانه.

(62) بالإطلاع بعناية على حكم التحكيم المطعون فيه يبين للمحكمة- لكل ما تقدم ذكره- خلوه من مخالفة ظاهرة وخطيرة تفسده وتؤدي إلى إبطاله، ويتعـين لـذلك القـضاء بـرفض الدعويين رقمي 46 و47 لسنة 132 قضائية تحكيم تجاري، وإلزام المدعية فيهما (شركة جولدن بیرامیدز بلازا) المصروفات القضائية بما في ذلك مقابل أتعاب المحاماة.

فلهذه الأسباب

   حكمت المحكمة: برفض الدعويين وألزمت الشركة المدعية فيهما المصروفات ومائة جنيـه مقابل أتعاب المحاماة عن كل دعوى.

                                                     القاضي إسماعيل إبراهيم الزيادي