الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم بين الدول المضيفة والمستثمر الأجنبي / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 26 / تسوية وتحكيم المنازعات التجارية الدولية وفقا لنظام منظمة التجارة العالمية WTO

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 26
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    201

التفاصيل طباعة نسخ

تمهيد :

    لم يقتصر اهتمام منظمة التجارة العالمية على وضع القواعد والمبادئ التي تهدف إلى تنظيم وحماية التجارة العالمية، وإنما وضعت إلى جانب ذلك نظاماً متطوراً لفض وتسوية المنازعـات المتعلقة بها، ولا سيما وأن النظام الذي وضعته جات GATT 21947، لتسوية المنازعـات لـم يكن فاعلاً، وشابه الكثير من العيوب، وبصفة خاصة أنه كان أقرب إلى نظام التسوية الرضـائية الدبلوماسية منه إلى التسوية القضائية.

   فوفقاً للمادة (22) من هذا النظام يحق لأحد أطراف "الجات" أن يطلب مـن طـرف آخر الدخول في مشاورات تتعلق بتنفيذ الاتفاقية.

   وأجازت المادة (23) لأحد أطراف الاتفاقية أن يقدم أعتراضاً مكتوباً إلى طرف آخـر فيها بهدف الوصول إلى تسوية مقبولة من الطرفين، فإذا لم يتمكن الطرفان مـن الوصـول خلال مدة معقولة إلى تسوية مقبولة منهما كان للشاكي أن يحيـل شـكواه إلـى الأطـراف المتعاقدة التي تقوم بتشكيل فريق خاص للتحقيق في الشكوى، وتقديم توصـيات شـان النزاع، فإذا لم يقم العضو المشكو في حقه بتنفيذ هذه التوصيات، جاز للأطـراف المتعاقـدة في حالة المخالفات الجسيمة السماح للعضو الشاكي بوقف بعض التنازلات التي كان قد سبق أن قدمها للطرف المشكو في حقه، الذي يكون له أن لم يقبل هذا الوقـف الانسحاب مـن الجات.

   وكما يبدو فإن المادتين (22) و(23) تقيمان تسوية منازعـات "الجـات" علـى مبـدأي الاختيارية، وليس الإلزامية، والودية أو الدبلوماسية وليس القضائية.

    لذلك كان نظام فض المنازعات في إطار جات 1974 معيباً وعاجزاً عن تحقيق الهدف منه، ويظهر ذلك بصفة خاصة في الآتي:

    - إمكان أي طرف متعاقد – ولو كان المشكو في حقه – أن يشل هذا النظام عـن طـريـق عرقلة تبني مجلس الجات تشكيل فريق لنظر النزاع أو اعتماد قراراته، إذا لم تكـن فـى صالحه، وذلك عن طريق اعتراضه على أي منهما.

   - عدم تضمن النظام حدوداً زمنية تتقيد بها فرق نظر النزاع في أداء مهماتها، وبصفة عامة عدم وضع نظام متكامل لنظر النزاع وتسويقه.

   - تعدد أنظمة فض المنازعات، إذ وجد إلى جانب نظام مذكرة التفاهم المشار إليـه خمـسة أنظمة أخرى تضمنتها الاتفاقات الخمسة التي أنتهت إليها جولة طوكيو، وجميعها كانـت أنظمة اختيارية غير ملزمة للأعضاء.

   - طول المدد التي كان يستغرقها إصدار قرار من مجلس الجات بتشكيل الفـرق الخاصـة بنظر النزاع، ثم تعيين أعضائها، والموافقة على تقاريرها.

   - عدم وجود نظام قضائي لمراقبة تنفيذ تقارير الفرق الخاصة بنظر النزاع، ممـا أفقـدها جدواها.

   - عدم وجود درجة أعلى تنظر الطعون في قرارات فرق نظر النزاعات (الخاصة).

     وعلى الرغم من تطور نظام جات 1947 في جولـة طوكيـو 1979، فـإن الـصفة الاختيارية الودية لتسوية المنازعات ظلت هي السائدة أيـضاً فـي هـذا النظـام الأخيـر، التي ظهرت جلية في حق الاعتراض "vito" الـذي منحـه النظـام للمـشكـو فـي حقـه وبمقتضاه كان يستطيع الاعتراض على تشكيل فريق نظر النزاع، والامتناع عن السير فـي إجراءات التسوية، ورفض تقرير فريق التسوية عن النزاع المطروح رغم موافقته على نظره للنزاع.

نظام منظمة التجارة العالمية لتسوية المنازعات:

    للعيوب السابق الإشارة إليها التي شابت نظام تسوية "جات" 1947، والتي أدت إلـى كثـرة العقوبات والتدابير الانتقامية الانفرادية التي أتخذها بعض دول الاتفاقية تجـاه بعـضها الآخـر، أهتمت مفاوضات جولة أوروغواي بوضع نظام متطور لفض المنازعات يقوم على توافق الآراء في نظر المنازعات واتخاذ القرارات بشأنها، ووضع حدود زمنية لإجراءات ومراحل النظر فـي النزاع، واستخدام الوسائل الودية والبديلة لفض المنازعات، منها التشاور، والمـساعي الحميـدة، والوساطة، والتوفيق، ونظر النزاع بواسطة فرق متخصصة، والتحكيم الاتفاقي، كما منـع هـذا النظام اتخاذ تدابير انتقامية أحادية الجانب، وأوجد آلية مناسبة لضمان تنفيـذ قـرارات تـسـوية المنازعات.

    وقد توصلت المفاوضات التجارية المتعددة الاطراف لجولة أورغواي إلى تبني مذكرة تفاهم بشأن " قواعد وإجراءات تسوية المنازعـات" understanding of rules and procedures governing the settlement of disputes. DSU، وقد تجنب النظام الذي تبنته هذه المذكرة الكثير من العيوب التي شابت نظام 1947، فجاء النظام الجديد أكثر فعالية من سـابقه لاعتمـاده على نظام واحد للتسوية يتميز بطابعه القضائي وتعدد مراحله.

    وبدأ العمل بهذا النظام الذي يشتمل على (27) مادة، اعتباراً من أول يناير 1995.

    ويعتمد النظام الجديد في تسوية المنازعات على "جهاز تسوية المنازعات" "DSU"، الـذي يضم ممثلين عن كل الدول الأعضاء بمنظمة التجارة العالمية.

   ونظام تسوية المنازعات الجديد الذي أقرته منظمة التجارة العالمية ملـزم لجميـع الـدول الأعضاء في المنظمة، وعليها التقيد بقواعده وإجراءاته، وعدم اتخاذ إجراءات انفرادية للرد على أية انتهاكات أو اعتداءات تصدر من أحد أعضاء المنظمة ضد عضو آخر.

    غير أن إلزامية نظام التسوية "DSU" تقتصر فقط على وجوب اللجوء إليه إذا مـا رغـب الأعضاء اء في تسوية نزاع نشأ بينهم، ولكن لا يعني ذلك أن نشوء نزاع ما يوجب اللجوء إليه، بل هو اختياري للدول الأعضاء فلا يجبروا على اللجوء إليه إلا إذا قرروا تسوية النزاع الذي نشب بينهم، فالنظام إذن لا يطبق على أي نزاع إلا برضى وموافقة أطرافه.

    ويتميز نظام التسوية بأن دوره لا يقتصر على فض وتسوية المنازعات، وإنما له دور وقائي أيضاً يتمثل في حماية التراث التجاري الدولي لصالح تقدم وتطور التجارة الدولية في نطاق عمل منظمة التجارة العالمية.

   كما يتميز نظام التسوية "DSU" بإنه يمنح قدراً كبيراً من الصلاحيات لجهاز التسوية، فهـو الذي يتولى تشكيل فرق نظر النزاع، وهيئة الاستئناف الدائمة، وسلطة اتخاذ القرارات اللازمـة لحل المنازعات، من اعتماد تقارير فرق نظر النزاع وتقارير هيئة الاستئناف، والتراخيص بتعليق التنازلات وغيرها من الالتزامات التي تتقرر بموجب الاتفاقيات المشمولة (اتفاقات منظمة التجارة العالمية البالغ عددها ثماني وعشرون اتفاقية، كما يقوم بمراقبة تنفيذ التوصيات والقرارات التـي يتخذها الجهاز.

   يتميز النظام أيضاً بالشفافية، بما تؤدي إليه من عدالة ووضوح الإجراءات للأطراف المتنازعة .

   وتجدر الإشارة إلى أن منظمة التجارة العالمية لم تقتصر على وضع نظام لتسوية المنازعات المتعلقة بالتجارة الدولية، وإنما قامت أيضاً بفرض بعض القواعد والأحكام بهدف إنفاذها ومنـع التعدي عليها ، وتوقى نشوء نزاعات حولها.

    بعد هذه النظرة العامة لنظام تسوية المنازعات في إطار منظمة التجارة العالمية نقوم فيمـا يأتي بدراسة قواعد وإجراءات هذا النظام من خلال التعرض للموضوعين الآتيين:

     المبحث الأول: آلية تسوية المنازعات.

     المبحث الثاني: مراحل وإجراءات تسوية المنازعات.

المبحث الأول

آلية تسوية المنازعات

الأجهزة القائمة على تسوية المنازعات:

    تتم تسوية المنازعات في إطار منظمة التجارة العالمية من خلال جهاز تسوية المنازعـات "DSB" الذي يسيطر على إجراءاتها، ويملك الكثير من الصلاحيات حيالها، ويتم ذلك عن طريق فرق خاصة يقوم الجهاز بإنشائها لهذا الغرض بناء على طلب الأطراف المتنازعة، كمـا يمكـن الطعن في قرارات وأحكام التسوية التي تصدرها هذه الفرق أمام هيئة الاستئناف الدائمة، والآتى كلمة وجيزة عن كل من هذه الأجهزة.

أولاً- جهاز التسوية "DSB":

وفقاً للمادة الرابعة من اتفاقية مراكش لعام 1994 التي أنشأت منظمة التجارة العالمية، فـإن المجلس العام للمنظمة هو الذي يضطلع بمسؤوليات جهاز تسوية المنازعـات، وهـو جـهـاز مركزي له اختصاص قضائي عام يشمل جميع منازعات التجارة الدولية، بمـا فيهـا منازعـات الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة الدولية.

    وجهاز تسوية المنازعات ليس له وجود ذاتي مستقل، وإنما هو ذاته المجلس العام للمنظمـة بذات تشكيله، فقط تتغير صفته عندما ينظر المنازعات المتعلقة باتفاقيات المنظمة، لذلك فهو جهاز دائم، يعمل بصفة مستمرة، ويمكنه الاجتماع في أي وقت مع تغيير صفته عند نظر المنازعـات ليصبح جهاز التسوية.

   ويتولى جهاز تسوية المنازعات إدارة القواعد والإجراءات التي تنظم هذه المنازعات، اضافة إلى توليه الإشراف على المشاورات وغيرها من أحكام وقواعد تسوية المنازعات التـي تـديرها منظمة التجارة العالمية.

    ولا يقتصر الجهاز على تسوية المنازعات التي تنشأ بين الدول أعضاء المنظمة، بما يعيد التوازن بينها عن طريق جبر الضرر الذي يلحق أي منها، وإنما يتسع دور الجهاز ليعمل علـى تحقیق استقرار العلاقات الدولية التجارية بصفة عامة.

    ولجهاز تسوية المنازعات ولاية متسعة في حدود تسوية المنازعات تشمل: سـلطة إنـشاء الفرق الخاصة التي تختص بالنظر في المنازعات التي تنشأ بـيـن أعـضاء المنظمـة واعتمـاد قراراتها، واعتماد تقارير هيئة المراجعة وإعادة نظر النزاع، ومراقبة تنفيذ القرارات والتوصيات المتعلقة بفض المنازعات، والترخيص بتعليق التنازلات والالتزامات التي تتقرر بموجب اتفاقيات منظمة التجارة العالمية.

    وكما ذكرنا يقوم بمهمات جهاز تسوية المنازعات المجلس العام للمنظمة، الذي يعـين لـه رئيساً من بين أعضائه، ويضع قواعد وإجراءات تعرضه لهذه المهمة14، التي تتمثل في إشـرافه على المشاورات والمساعي الحميدة والتوفيق والوساطة، والتحكيم، وإنشاء الفرق الخاصة بنظـر المنازعات (التحكيم)، واعتماد تقاريرها، وتعيين أعضاء هيئة المراجعة (الاستئناف) الدائمـة واعتماد تقاريرها.

    على الرغم من الدور شبه القضائي الواضح الذي يضطلع به جهـاز تـسوية المنازعـات "DSB" في إطار منظمة التجارة العالمية، فهو لا يخلو من بعـض لمـسات الوسـائل الوديـة والدبلوماسية، ويظهر ذلك بصفة خاصة في وسائل المساعي الحميـدة والتوفيـق والوسـاطة والتفاوض أو التشاور التي اعتمدها هذا النظام.

    والحكم الذي يصدره الجهاز يكون بحسب الأصل نافذاً ملزماً، ما لم ترفضه أغلبية أعـضاء المنظمة، أو تطلب الدولة المعنية إعادة النظر فيه.

ثانياً- فرق نظر النزاع "PANELS":

    لايوجد في جهاز تسوية المنازعات التابع لمنظمة التجارة العالمية فريق أو هيئة دائمة لنظر النزاعات التي تعرض عليه، وإنما يقوم الجهاز "DSB" بإنشائه في كل حالة على حدة للنظر في نزاع معين بناء على طلب مكتوب من الدولة الشاكية .

   وينبغي أن يبين الطلب ما إذا كانت قد عقدت مشاورات بين طرفي النزاع أم لم تعقد.

    ويعد جهاز تسوية المنازعات قوائم إرشادية تضم أشخاصـاً مـؤهلين، حكـوميين وغيـر حكوميين، تشكل من بينهم فرق نظر النزاع.

     ويتم اختيار أعضاء الفريق بناء على ترشيح من أمانة جهاز التسوية، ثـم يعـرض علـى طرفي النزاع للموافقة عليه، فإذا لم يتم الاتفاق خلال 20 يوماً يقوم مدير عـام المنظمـة، بنـاء على طلب أي من الطرفين، بتشكيل الفريق وفق القواعد والإجـراءات الخاصـة أو الاضـافية ذات الصلة، وذلك بالتشاور مع رئيس الجهاز ورئيس المجلس أو اللجنة المعنيـة وطرفـي النزاع.

   وعلى رئيس الجهاز إعلام الأعضاء بتشكيل الفريق الذي ينتهي إليه في موعد لا يتجاوز 10 أيام بعد تسلمه طلب تشكيل الفريق من أي من طرفي النزاع.

    ويتم اختيار أعضاء الفريق بطريقة تضمن استقلالهم، والاختلاف فـي جنــسياتهم، وعلـى أعضاء الفريق أن يمارسوا مهامهم، وفقاً للمادة (9/8)، بصفتهم الشخصية، وليس كممثلـين لحكوماتهم أو ممثلين لأية منظمة من المنظمات، ويحظر على الأعضاء إصدار التعليمات إلـيهم أو محاولـة التأثير عليهم كأفراد فيما يتصل بالأمور المطروحة علـى أي فريـق مـن فـرق التحكيم .

   ومراعاة لمصالح الدول النامية، نصت المادة (10/8) من التفاهم، على أنه إذا كـان أحـد أطراف النزاع دولة من الدول النامية، فيجب أن يتضمن الفريق عضواً على الأقل مـن الـدول النامية الأخرى الأعضاء في المنظمة إذا طلب العضو من البلدان النامية ذلك.

   وتحقيقاً للمزيد من الحياد والموضوعية لا يجوز أن يعين عضواً في الفريق من تكون دولهم أطرافاً في النزاع، أو ممن ينضمون إليه، ما لم يتفق طرفا النزاع على غير ذلك.

   ويتكون فريق نظر النزاع من ثلاثة أشخاص، ويجوز أن يتفق طرفا النزاع على تكوينه من خمسة أشخاص، على أن يتم هذا الاتفاق خلال عشرة أيام من إنشاء الفريق الذي يجب إعلامـه للأطراف المتنازعة دون إبطاء.

    ولا يحق للأطراف المتنازعة الاعتراض علـى ترشيح أعـضاء الفريـق، إلا لأسـباب ملحة.

هيئة المراجعة الاستئناف - الدائمة "Standing Appellate Body":

   وفقاً للمادة (1/17) من مذكرة التفاهم تنشأ داخل جهاز تسوية المنازعات هيئة دائمة تختص بنظر طلبات مراجعة واستئناف القرارات الصادرة من الفرق الخاصة التي تنظر في المنازعـات المرفوعة إليها.

   ويقوم جهاز تسوية المنازعات بتعيين أعضاء هيئة المراجعة الدائمة، بناء على اقتراح مـن مدير عام منظمة التجارة العالمية.

   وتتكون هيئة المراجعة من سبعة أعضاء، أربعة منهم معينـون بـصفة دائمـة، والثلاثـة الآخرون يتم اختيارهم تبعاً لكل طعن على حدة.

   وترفع هيئة المراجعة تقريرها، سواء بتأييد ما يعرض عليها مـن تقـارير أو بتعـديلها أو بإلغائها، إلى جهاز تسوية المنازعات لإقرارها.

   وهذه الهيئة لا تمثل درجة ثانية في نظر النزاع بالمعنى الدقيق، كمـا أنـهـا ليـست نوعـاً من التحكيم، لذلك فإن قراراتها لا تكون ملزمة لأطراف النزاع، ولا يكـون لـهـا قـوة الأمـر المقضـي فيه، فكما أوضحنا تعرض قراراتها على جهـاز تـسوية المنازعـات لإقرارهـا رفضها.

   وتنظر هيئة المراجعة، "جهاز الاستئناف"، كما يسميها البعض، في الطعون التي تقدم ضـد تقرير الفريق الخاص من قبل الأطراف المعنية، ومن هذه الوجهة يراها البعض بمثابة درجة ثانية في التقاضي، خاصة وأنها تملك نقض قرار الفريق الخاص الذي نظر النزاع مباشرة. غير أن قرارات هذه الهيئة لا تكون ملزمة لأطراف النزاع.

الأمانة العامة لجهاز تسوية المنازعات:

    إلى جانب الأجهزة السابق عرضها التي تقوم بعمل شبه قضائي لتسوية المنازعـات وفقـاً لنظام منظمة التجارة العالمية، فإن للأمانة العامة لجهاز تسوية المنازعات، التـي تتكـون مـن موظفين إداريين وفنيين، دوراً إدارياً بحتاً يتمثل في الآتي:

   1- مساعدة فرق نظر النزاع في أداء مهامها، وبصفة خاصـة فـي الجوانب القانونيـة والتاريخية والإجرائية، وتقديم الدعم الكتابي والفني لهذه الفرق، دون أن يكون لهـا أي دخل في الجانب القضائي ذاته.

   2- تقديم المساعدة والمعرفة للدول الأعضاء في مجال تسوية المنازعات بناء على طلـب هذه الدول، وتظهر هذه المساعدة بوجه خاص بالنسبة للدول النامية، حيث تتيح الأمانة، لمن يطلب من هذه الدول، خبيراً قانونياً مؤهلاً ليساعدها بطريقة تضمن استمرار حياد الأمانة.

   3- عقد دورات تدربية خاصة للمهتمين من أعضاء المنظمة في مـا يتعلـق بـإجراءات وممارسات تسوية المنازعات، وذلك لنقل وإكسابهم معارف خبرائهم في هذا المجال .

المبحث الثاني

مراحل وإجراءات تسوية النزاع

   تفترض إثارة النزاع أمام منظمة التجارة العالمية قيام إحـدى الـدول الأعـضاء بمخالفـة الالتزامات التي تفرضها اتفاقية من اتفاقيات هذه المنظمة بما يـشكل حالـة إلغـاء أو تعطيـل "Nullification - Impairment" لمزايا تتمتع بها دولة أو دول أخرى، تترتـب عليهـا أثـار ضارة أو سلبية لهذه الدولة أو الدول.

    عندئذ يحق لأية دولة تتضرر من هذا الاجراء أن تقدم إلى جهاز تسوية المنازعات طلبا لإجراء مشاورات أو مفاوضات "Consultation" مـع الدولـة المخالفـة، فـإن نجحـت هذه المشاورات، أو غيرها من وسائل ودية أخرى لتسوية النزاع متمثلة في المساعي الحميدة "Good Offices" والتوفيـق "Conciliation" والوساطة "Mediation" التـى تـتم بين الطرفين أو الأطراف المتنازعة بعيداً عن جهاز التسوية، فإن النـزاع يحـل و ينتهـي الأمـر بذلك، أما إذا فشلت هذه الوسائل فيجوز عندئذ للطرف الشاكي الانتقال إلى مرحلـة نظر النزاع بمعرفة فريق خاص، وهذه المرحلة يتدخل فيها المجلس العام لمنظمة التجـارة العالمية، بعكس الإجراءات السابقة عليها التي تتم بدون تدخل من هذا المجلس، وإن تـدخل فيكون تدخله طوعاً ودياً ليس له صفة الالزام أو الرسمية، وإنما فقـط مـن قبيـل إسـداء النصح.

    فإذا تعذر حل النزاع عن طريق الفريق الخاص، ومن بعده هيئة المراجعة التي يكون لهـا دور مراجعة شبه إستئنافي، فيمكن عندئذ اللجوء إلى التحكيم.

    نتعرض إذن لتسوية النزاع وديا دون تدخل رسمي ملزم من جانب جهاز تسوية المنازعات، ثم لتدخله الرسمي إعمالاً لمهامه واختصاصاته وفقاً لنظام منظمة التجارة العالمية الـذي يحـده اتفاق التفاهم المتمثل في نظر النزاع بواسطة فريق خاص، ثم، إعادة النظر في النزاع ومراجعته عن طريق هيئة المراجعة الدائمة أو هيئة الاستئناف كما يسميها البعض، ثم نتعرض أخيراً لنظام التحكيم، وذلك على الوجه الآتي:

    المطلب الأول: مرحلة التسوية الودية.

    المطلب الثاني: مرحلة نظر النزاع بمعرفة جهاز التسوية.

    المطلب الثالث: مرحلة التحكيم.

المطلب الأول

مرحلة التسوية الودية

المشاورات والمفاوضات:

    يفترض اللجوء إلى جهاز تسوية المنازعات بمنظمة التجارة العالمية صدور إجراء أو تدبير من إحدى الدول أعضاء المنظمة يتضمن مخالفة للالتزامات التي تتضمنها اتفاقيـات المنظمـة "الاتفاقيات المشمولة" التي يطبق عليها اتفاق التفاهم، وتؤدي إلى الاضرار بدولة أو دول أخـرى أعضاء المنظمة، هذه المخالفة تمثل عندئذ ما يسمى حالة إلغاء "Nulification" أو تعطيـل من  "Impairment" .

    هذا الإلغاء أو التعطيل يجيز للمتضرر أن يتقدم الى الجهاز بطلب إجراء مشاورات مـع العضو الذي صدر منه الإلغاء أو التعطيل لسحبه والعدول عنه.

    ويتعين أن يكون طلب المشاورات مكتوباً، متضمناً الأمور الآتية:

      - الأسباب الداعية لطلب المشاورات.

      - الأسباب المعترض عليها.

      - الأساس القانوني الذي يقوم عليه الطلب. -

     وقد أوجبت المادة (4/4) على طالب المشاورات أن يخطـر جهـاز تـسوية المنازعـات والمجلس واللجان ذات الصلة بطلبه المشاورات.

    فإذا قدم هذا الطلب وجب على المشكو ضده أن يجيب عليه بالقبول أو الرفض خلال عشرة أيام من تاريخ تسلمه.

     فإذا قبل المشكو ضده إجراء المشاورات تعيّن عليه الدخول فيها خلال فترة لا تتجـاوز 30 يوماً بعد تسلم الطلب، ويجب أن تجرى هذه المشاورات بحسن نية بهدف الوصـول إلـى حـل مرض للطرفين يتوافق واتفاقيات المنظمة.

    وإذا لم يرد العضو على طلب المشاورات خلال المدة المذكورة، أو لم يدخل في مـشاورات في الفترة المحددة، كان للعضو طالب الدخول في المشاورات أن يبدأ في اتخاذ إجـراءات نظـر النزاع بمعرفة الجهاز بتقديم طلب له لإنشاء فريق خاص لهذا الغرض .

    وأوجبت الفقرة السادسة من المادة الرابعة أن تكون المفاوضات سرية، وأن لا تخل بحقـوق أي عضو في أية إجراءات لاحقة.

    كما أوجبت الفقرة الخامسة على الأعضاء السعي إلى تسوية مرضية في أثناء المشاورات والمفاوضات قبل اللجوء إلى إجراء آخر ينص عليه اتفاق تسوية المنازعـات، فـإذا أخفقـت المشاورات في تسوية النزاع المثار خلال 60 يوماً بعد تاريخ تسليم طلب إجـراء المـشاورات، جاز للشاكي أن يطلب إنشاء فريق لنظر النزاع، وذلك على الوجه الذي سنوضحه لاحقاً.

   وتجرى المشاورات بصفة سرية، في المكان والزمان اللذين يتفق عليهما الطرفان، فلا إلزام عليهما بمكان معين و لا زمان محدد، ولكن يجب أجراؤها قبل اللجوء إلى إجراءات التحكـي وقبل طلب تشكيل فريق لتسوية النزاع.

    وتهدف المشاورات إلى التفاوض والتحاور والتناقش بين طرفيها لتضييق هـوة الاخـتلاف بينهما، وتوسيع نقاط الاتفاق تمهيداً للوصول إلى نتائج مرضية بصورة متبادلة.

الانضمام إلى المشاورات:

    وفقاً للفقرة (11) من المادة الرابعة من تفاهم تسوية المنازعات يجوز لأي عضو من غي الأعضاء المتشاورين الانضمام إلى هذه المشاورات إذا رأى أن له مصلحة تجارية جوهرية فـي مشاورات معقودة بشأن أحد الموضوعات التي تدخل في نطاق نظام تـسوية المنازعـات الـذي تنظمه منظمة التجارة العالمية – الناشئة عن خرق الاتفاقيات التي أعدتها هذه المنظمة – ومـن ضمنها الموضوعات المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية، ويتم ذلك بأن يخطر الأعضاء المتشاورون، وكذلك جهاز تسوية المنازعات، برغبته في الانضمام إلى هذه المشاورات خـلال عشرة أيام من تاريخ تعميم طلب عقد المشاورات.

غير أن انضمام هذا العضو لا يتم تلقائياً بمجرد إخطار الأعضاء المتشاورة، وإنما يتوقـف ذلك على إقرار العضو الذي وجه إليه طلب إجراء المشاورات بأن ادعاء المصلحة الجوهريـة يقوم على أساس سليم، فإن تم هذا الإقرار تعين على الطرفين إعلام الجهاز بذلك.

     فإذا رفض طلب الانضمام إلى المشاورات يكون لطالب الانضمام المرفوض أن يتقدم بطلب عقد مشاورات مستقلاً.

المشاورات المستعجلة:

   أجازت المادة (8/4) من التفاهم الخاص بتسوية المنازعات للأعضاء في الحالات المستعجلة أن تختصر مدة التفاوض، بحيث تدخل في المشاورات خلال مدة لا تزيد عن عشرة أيام تبدأ من تاريخ تسليم الطلب.

    فإذا أخفقت المشاورات في حل النزاع خلال 20 يوماً بعد تسلم الطلب، وليس 60 يومـاً في حالة المشاورات غير المستعجلة، جاز للطرف الشاكي أن يطلب إنشاء فريق تحكـيم لنظـر النزاع.

    وقد مثلت الفقرة المذكورة لحالة الاستعجال النزاعات المتعلقة بالسلع سريعة التلف، ولكـن النص ينطبق في غيرها من الحالات طالما توافرت صفة الاستعجال.

    وفي هذه الحالة، أي: حالة الاستعجال، يتعين على طرفي النـزاع وفـرق التحكـيم وهيئـة الاستئناف والمراجعة أن تبذل كل جهد ممكن من أجل التعجيل بالإجراءات إلى أقصى ممكن.

    تطبيقات للمشاورات:

     أجرت بعض الدول عدة مشاورات فيما بينها بهدف حل ما قام بينها من منازعـات، نـذكر منها:

- المشاورات بين الهند والولايات المتحدة:

    قامت هذه المشاورات بشأن نظم حماية براءات الأدوية والمنتجات الكيميائية الزارعية الهند، حيث أسندت الولايات المتحدة إلى الهند مخالفتها المادة (8/70/أ) من اتفاقية التربس التـي تلزمها – باعتبارها دولة نامية لا توفر حماية قانونية لبراءات الاختـراع فـي مجـال الأدويـة والمنتجات الكيميائية الزراعية – بأن توفر نظاماً قانونياً ملائماً يطلق عليـه تـسـميـة الحمايـة الأنبوبية "Pipeline Protction" يمكن بموجبه إيداع طلبات البراءة وحفظها للاستفادة من حـق الأولوية الذي يتحدد بتاريخ تقديم طلب البراءة، وذلك إلى حين البدء في فحص هذه الطلبات بعد انتهاء فترة السماح الممنوحة للدول النامية، وهو النظام المعروف بصندوق البريد Mail-box أو الصندوق الأسود.

    وقد ألزمت المادة (9/70) من "تربس" الدول النامية حماية طلبات براءات الاختراع المودعة في صندوق البريد حماية خاصة، تتمثل في منح أصحابها حقوق تسويقية مطلقـة لمـدة خمـس سنوات بعد الحصول على الترخيص بتسويق المنتجات موضوع الطلب، وذلك ما لم يبت طلـب البراءة، أي المدتين أقصر.

    وفي هذا النزاع قدمت الولايات المتحدة إلى الهند أسئلة مكتوبة طلبت فيها الإفادة عمـا إذا كانت قد أنشأت نظاماً خاصاً لتلقي طلبات الحصول على براءات الاختراع المتعلقة بالأدوية وفقاً لما قررته اتفاقية "تربس"، غير أن الهند رفضت الإجابة عن هذا السؤال، ممـا أدى إلـى فـشل المشاورات، فطلبت الولايات المتحدة إثر ذلك تشكيل فريق خاص لتسوية النزاع.

 المشاورات بين الإتحاد الأوروبي وكندا:

   قامت هذه المشاورات بناء على طلب كندا في 2 ديسمبر 1998، بـشأن حمايـة بـراءات الاختراع المتعلقة بالمستحضرات الصيدلانية والطبية والمنتجات الكيماويـة والزراعيـة، حيـث تحدد تشريعات الاتحاد الأوروبي مدة حمايتها، بالمخالفة لما تقرره المـادة (27) مـن اتفاقيـة "التربس".

    وقد أنضمت الولايات المتحدة الأمريكية في 17 ديسمبر 1998 إلى جانب كندا فـي هـذه المشاورات استناداً إلى المادة (11/4) من تفأهم تسوية المنازعات التي تجيـز الانضمام إلـى المشاورات من الدول الأعضاء التي ترى أن لها مصلحة تجارية جوهرية ترغب في حمايتها.

    كما انضمت إلى المشاورات في التاريخ ذاته كل من أوستراليا وسويسرا.

المشاورات بين البرازيل والولايات المتحدة:

    قامت هذه المشاورات بناء على طلب تقدمت به البرازيل في 31 يناير 2001 بـشأن مـا تضمنه القانون الأمريكي للبراءات من مخالفة لاتفاقية التربس في موضوع التنازل عن البـراءة، مطالبة بتوافق القانون الأمريكي مع نصوص الاتفاقية.

    وقد انضمت الهند إلى هذه المشاورات بناء على طلبها في 16 فبراير 2001.

المشاورات بين الولايات المتحدة والبرتغال:

   قامت هذه المشاورات بناء على طلب الولايات المتحدة الأمريكية فـي 30 إبريـل 1996، لتعارض نصوص قانون البرتغال المنظم لبراءات الاختراع مع بعض أحكام اتفاقيـة "التـربس" بشأن مدة حماية البراءة وبعض الأحكام الأخرى.

    وقد أسفرت المشاورات عن تسوية المنازعة ودياً بين الطرفين.

تشجيع الاطراف على اللجوء إلى الوسائل الودية:

    يحض نظام تسوية المنازعات DSU الأطراف على اللجوء إلـى الوسـائل الوديـة لـحـل المنازعات التي تنشأ بينهم مثل المساعي الحميدة، والتوفيق، والوساطة، وذلك لما لهذه الوسـائل من دور مهم في الوصول إلى حلول وسطى تقبلها الأطراف المتنازعة، بالاضافة إلـى أن هـذه الحلول تأتي من رضاء الأطراف وتقبلهم أياها، مما يكون له أثر واضح في تنفيذها منهم تلقائيـاً، على الرغم من انعدام الصفة الالزامية لهذه الوسائل، سواء في اللجوء إليها أم في الالتزام بقبولها دون رضاهم، فهذه الوسائل تتخذ طوعا مع نظام التسوية الذي قررته منظمة التجـارة العالميـة وتتوقف على اتفاق الأعضاء عليها.

تقييم الوسائل الودية لتسوية المنازعات:

     للوسائل الودية لتسوية المنازعات ميزة اللجوء إليها في أي وقت وفي أية مرحلة من مراحل النزاع، فيمكن اللجوء إليها قبل تقديم طلب المشاورات، وقبل رفع الشكوى إلـى جهـاز تـسوية لمنازعات، وفي أثناء مباشرة أثناء مباشرة المشاورات، وأيضاً بعد طلب إنشاء فريق نظر النزاع.

     كما يجوز لمدير منظمة التجارة العالمية أن يعرض على الأطراف المتنازعة هذه الوسـائل الودية من مساع حميدة وتوفيق ووساطة، ولكن دوره يقتصر على مجرد عرضها دون أن يملـك إلزامها.

    ويمكن أن تأتي مبادرة الوسائل الودية من أطراف خارج النزاع، كأصـدقائهم، والأعـضاء الآخرين بالمنظمة.

    وتتسم إجراءات الوسائل الودية بالبساطة، فهي لا تخضع لنظام محدد ولا إجراءات معينـة، كما لا يلتزم الأطراف ولا من يتوسط بينهم بتطبيق قواعد قانونية بعينها.

   وتهـدف الوسـائل الوديـة جميعهـا مـن مـساع حميـدة Good Offices وتوفيـق Conciliation ووساطة Mediation إلى مساعدة أطراف النزاع في الوصول إلى حل وسـط مقبول منهم، ولذلك فهي لا تختلف كثيرا في مضمونها وإجراءاتها.

   فكل من التوفيق والوساطة يندرج تحت مدلول المساعي الحميدة، وجميعها ينـدرج تحـت الطرق والوسائل الودية لحل المنازعات.

   ومع ذلك يرى البعض أن المقصود بالتوفيق هو المساعي الحميـدة التـي تبـذلها الهيئـة المختصة بنظر النزاع، أما الوساطة فهي المساعي الحميدة التي تصدر من غير الهيئة المختصة بنظر النزاع.

    بينما ميز بعض آخر بين المساعي الحميدة، من ناحية، والتوفيق والوسـاطة، مـن ناحيـة أخرى، فالأولى – المساعي الحميدة – تقتصر على تذليل العقبات دون مشاركة ممن يقوم بها، أما مع التوفيق والوساطة فإن الوسيط يشارك في تسوية النزاع، فيدلي برأيه ويقترح الحلول، لفض المنازعات، بحيث يكون المقصود التفاوض، والحوار، والتناقش بين طرفي النزاع بهدف التوصل إلى تسوية يرضاها الطرفان.

    وتتميز المفاوضات هنا بكونها غير ملزمة، ويجوز الانسحاب منها في أي وقت، ولا تخضع لقواعد أو إجراءات محددة، وإذا نجحت المفاوضات في الوصول إلى حل ارتـضاه الطرفـان يصاغ ذلك في اتفاق يوقعانه منهما.

    وفقاً لهذا الرأي فإن التوفيق والوساطة هي مساع حميدة، يقوم بها شـخص محايـد بـين طرفي النزاع بهدف الوصول بهما إلى حل ودي للنزاع مقبول منهما، ويتحدد الـدور الأساسـي للوسيط في دفع الطرفين المتنازعين إلى الوصول إلى حل للنزاع يرتضيانه باقتناع منهمـا دون فرض أو إلزام من الوسيط أو الموفق الذي يقتصر دوره على التوفيق بين المواقف المتعارضـة وتقريب وجهات النظر، بحيث يكون الحل الذي تنتهي إليه الوساطة مقرراً منهما.

    وتتميز الوساطة، وكذلك التوفيق، بعدم خضوعهما لقواعد أو إجراءات معينة.

   وإذا انتهت الوساطة أو التوفيق إلى حل للنزاع، يحرر عنه اتفاق يوقعه طرفا النزاع، ويكون توقيع الوسيط باعتباره مجرد شاهد على الحل الذي ارتضياه.

   وأياً كانت وسيلة الطرق الودية والمساعي الحميدة، توفيق أو وساطة، فليس لها قوة ملزمـة في ذاتها، لذلك لا يكون تنفيذها إلا اختياراً، وذلك على خلاف التحكيم الذي تكون أحكامه ملزمة.

   وللمساعي الحميدة في إطار منظمة التجارة العالمية طابع السرية، ويجب ألا تتضمن مساساً بحقوق الأطراف المتنازعة. وتجرى المساعي الحميدة من توفيق ووساطة في غضون 60 يوماً بعد تاريخ تسليم طلب عقد المشاورات، فإذا أنتهت هذه المدة دون التوصل إلى حل للنزاع جـاز للطرف الشاكي أن يلجأ إلى نظر النزاع عن طريق فريق خاص يطلب من الجهاز تشكيله، وذلك على الوجه الذي سنعرض له.

    غير أنه يتعين على الشاكي أن يتيح فترة 60 يوماً بعد تاريخ تسليم طلب عقد المـشاورات، قبل أن يطلب إنشاء فريق خاص لنظر النزاع، ويجوز له وفقاً للمـادة (4/4) أن يطلـب إنـشاء الفريق خلال فترة الستين يوماً إذا اعتبر طرفا النزاع معاً أن المساعي الحميـدة أو التوفيـق أو الوساطة قد أخفقت في تسوية النزاع.

المطلب الثاني

مرحلة نظر النزاع بمعرفة جهاز التسوية

   إذا نجحت التسوية الودية في الوصول إلى حل مناسب ترتضيه الأطراف المتنازعة، فـإن النزاع ينتهي بهذه التسوية، وتبدأ مرحلة تنفيذه.

   أما إذا فشلت التسوية الودية، فقد أجازت المادة السادسة من اتفاق التفـاهم DSU للطـرف الشاكي أن يطلب من جهاز التسوية "DSB" تشكيل فريق خاص لنظر النزاع.

   ولم يجعل نظام تسوية المنازعات قرارات هذا الفريق نهائية، وإنما أجاز مراجعتها أمام هيئة المراجعة الدائمة.

   ونوضح فيما يأتي هذه المرحلة من مراحل تسوية المنازعات وفقاً لنظام منظمـة التجـارة العالمية، التي تتميز، على خلاف الطرق الودية السابق التعرض لها، بتدخل جهاز المنازعات في هذه المنظمة.

    ونخصص البند الأول لنظر النزاع بمعرفة فريق خاص ينشأ لهذا الغرض، أما البند الثـاني فنخصصه لإمكان مراجعة ما يصدره الفريق من قرارات أمام هيئة المراجعة التي تقوم بدور شبه استئنافي بالنسبة لهذه القرارات.

    وأما البند الثالث فنعرض فيه القواعد التي تضمنها تفاهم التسوية "DSU" والتـي يجـب مراعاتها عند النظر في المنازعات. وأخيراً نتعرض في البند الرابع لتنفيذ قرارات التسوية.

البند الأول

نظر النزاع بمعرفة فريق خاص

    تضمن اتفاق التفاهم "DSU" قواعد وإجراءات معينة تنظم عمل الفرق الخاصة بنظر النزاع واختصاصها والطعن في قراراتها، نبينها على الوجه الآتي:

أولاً- حالات اللجوء إلى الفرق الخاصة:

    يمكن للأطراف المتنازعة اللجوء إلى الفرق الخاصة التي يشكلها جهاز تسوية المنازعـات بمنظمة التجارة العالمية في الحالات الآتية:

    1- إذا لم يقم الطرف الذي اتخذ التدابير التي تضرر منها طرف آخر بالإجابة خلال عشرة أيام على الطلب الموجه إليه بعقد مشاورات ثنائية، وذلك على الوجه الذي تقدم ذكره.

    2- إذا رأى جهاز تسوية المنازعات أن المشاورات الثنائية لم تؤد إلى تسوية مقبولة للنزاع. ويمكن أن يتم ذلك قبل انتهاء المدة المحددة لإجراء المشاورات، وهي 60 يوماً، إذا تبين أن الاستمرار فيها غير مجد.

    3- إذا فشلت المشاورات في التوصل إلى حل للنزاع مقبول من طرفيه.

ثانياً- دور الفريق:

   إذا فشلت المشاورات وغيرها من الوسائل الودية لتسوية نزاع بشأن إجراء مخالف لاتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وبصفة عامة إذا تحققت أي من الحالات الثلاث السابق ذكرها، أجـازت المادة (1/6) للطرف الشاكي أن يطلب من جهاز تسوية المنازعات تشكيل فريق خاص ينظر هذا النزاع بهدف التوصل إلى نتائج من شأنها مساعدته على تقديم التوصيات أو اقتراح الإجـراءات المنصـوص عليهـا في اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، ويكون تشكيل هذا الفريق على الوجه الذي سبق أن وضحناه.

   ووفقاً للمادة (2/6) يتعين أن يكون طلب تشكيل الفريق مكتوباً، ومتضمناً ما إذا كـان قـد سبق عقد مشاورات بين المتنازعين أم لا، ومبيناً الإجراءات والتدابير المحددة لموضوع النـزاع المثار، وأن يقدم ملخصاً مختصراً للأساس القانوني للشكوى بحيث يكون كافياً لعرض المـشكلة بوضوح.

    ويقع على الفريق أن يقدم تقريراً للجهاز عن النزاع المطروح أمامه متضمناً تقييمه للوقـائع محل النزاع، ومدى انطباق اتفاقيات منظمة التجارة العالمية ذات الصلة عليه، ومدى تعارضها أو توافقها مع موضوع النزاع.

    وعلى الفريق المشكل التشاور مع أطراف النزاع، وأن يتيح لهم فرصة التوصل إلـى حـل مرض منهم.

    ووفقاً للمادة (2/6) من التفاهم يجوز لأطراف النزاع الاتفاق على اختصاصات تختلف عن الاختصاصات الواردة في طلب إنشاء الفريق.

ثالثاً- إجراءات عمل الفريق:

    أحالت المادة (12) من اتفاق التفاهم في ما يتعلق بإجراءات عمل الفريق إلـى الإجـراءات نظمها الملحق رقم (3)، كما وضعت بعض القواعد والإجراءات الأخرى، وذلك على الوجه التي الآتي:

(1)- الإجراءات التي نظمها الملحق رقم (3):

   حدد الملحق رقم (3) الإجراءات التي يتعين على فريق نظر النزاع اتباعها علـى الوجـه الآتي:

    - تكون اجتماعات الفريق في جلسات مغلقة يقتصر حـضورها علـى أطـراف النـزاع، والأطراف الأخرى المعنية به، أما غيرهم فلا يكون حضورهم إلا بناء على دعـوة مـن فريق نظر النزاع.

    - تحاط مداولات فريق العمل، وكذلك الوثائق المقدمة له، بالسرية التامة، ولكن هذا لا يحول دون نشر أي طرف من أطراف النزاع بيانات عن مواقفه الخاصة شريطة الحفاظ علـى سرية المعلومات الخاصة بالأطراف الأخرى في النزاع. ويجوز للفريق أن يطلـب مـن الأطراف ملخصاً غير سري قابل للنشر عن المذكرات السـرية التي يتقدمون بها.

    - يتعين على كل طرف من أطراف النزاع أن يرسل إلى الفريق قبل أول اجتماع رسمي يعقده مذكرات مكتوبة عن النزاع توضح موضوعه ووقائعه.

   - يطلب الفريق في أول اجتماع رسمي له من الطرف الشاكي عرض نزاعه، ثم يطلب في الاجتماع ذاته من الطرف المشكو عرض وجهة نظر .

    - إذا انضم إلى النزاع طرف ثالث فعلى الفريق أن يطلب منه أن يقدم وجهة نظره، خـلال إحدى جلسات أول اجتماع رسمي لهذا الغرض.

   - تقدم الردود الرسمية لأطراف النزاع خلال الاجتماع الرسمي الثاني للفريق، وتكون الكلمة أولا للمشكو، ثم الشاكي، وعلى كل منهما تقديم رده بعد ذلك.

   - للفريق في أي وقت يشاء أن يطرح الأسئلة اللازمة على طرفي النزاع ومن ينضم إليـه، وله أن يطلب منهما تقديم شروح كتابية أو شفهية خلال الاجتماع بهم.

   - يقدم طرفا النزاع، وأي طرف ثالث يدعى لتقديم وجهة نظره، وفقاً للمـادة (10) مـن التفاهم، نسخة مكتوبة من بياناته الشفوية إلى الفريق.

   - يكون تقديم جميع البيانات والمذكرات والدفاعات بحضور طرفي النزاع، ويـتم تبادلهـا وإتاحتها لجميع الأطراف.

   - للفريق أن يتخذ أية إجراءات إضافية يراها لازمة لعمله، كما يجوز للفريق، بالتشاور مع طرفي النزاع، اتباع قواعد أخرى غير تلك التي نص عليها الملحق رقم (3).

(2)- الإجراءات التي نصت عليها المادة (12) من اتفاق التفاهم:

    نصت المادة (12) من اتفاق التفاهم على الإجراءات التي يجب على فريـق نظـر النـزاع إتباعها، نوجزها في الآتي:

    - يضع فريق نظر النزاع "فريق التحكيم كما يسميه البعض"، بعـد التـشاور مـع طرفي النزاع، في أسرع وقـت ممكـن ، جـدولاً زمنيـاً Time Table لسير النزاع المعروض عليه، وذلـك وفقـاً للجـدول الزمنـي المقتـرح فـي الملحـق رقم (3).

   ويراعى في هذا الجدول الزمني أن يتيح للطرفين وقتاً كافياً يمكنهما من تقـديـم مــذكراتهما كتابة.

     كما يراعى، كقاعدة عامة، ألا تتجاوز المدة، التي يجري فيها فريق نظر النزاع دراسته في تسوية النزاع، ستة أشهر منذ تاريخ الاتفاق على تشكيله وتحديد اختصاصاته إلى تاريخ إصـدار تقريره النهائي لطرفي النزاع، وذلك باستثناء الحالات المستعجلة، حيث يسعى الفريق إلى إصدار تقريره إلى طرفي النزاع في غضون ثلاثة أشهر.

     فإذا وجد الفريق أنه لا يستطيع إنجاز مهمته خلال ستة أشهر، أو ثلاثة أشهر في الحـالات المستعجلة، وجب عليه إعلام جهاز تسوية المنازعات كتابة بأسباب التأخير، مقدراً المـدة التـى يراها لإصدار التقرير، مراعياً ألا تتجاوز المدة الممتدة بين إنشاء الفريق وتعميم التقريـر علـى الأعضاء تسعة أشهر.

   - وأجازت الفقرة (12) من المادة (12) لفريق نظر النزاع (التحكيم) أن يعلق عمله في أي وقت، بناء على طلب من الطرف الشاكي، لمدة لا تزيد عن 12 شهراً، وعندئـذ تمدد الفترات المحددة في الفقرتين 8 و9 من المادة المذكورة، والموضـحة بعاليـه وكذلك الفقرة (2) من ذات المادة، والفقرة (4) من المادة (21)، بما يعـادل فـتـرات التعليق. فإذا تجاوزت مدة تعليق العمل فترة 12 شهراً، فإن سلطة تشكيل الفريـق تسقط.

رابعاً- مداولات الفريق وتقاريره:

    أوجبت المادة (14) من تفاهم تسوية المنازعات أن تكون مداولات فريق التحكـيم سـرية، وألزمت كل طرف من أطراف النزاع أن يودع مذكراته المكتوبة لـدى أمانـة جـهـاز تـسوية المنازعات التي يتعين عليها أن تحيلها على الفور إلى الفريق، وإلى الأطراف الأخـرى فـي النزاع.

    وللفريق بصدد دراسة النزاع وإعداد تقاريره ألا يقتصر على آراء الأطـراف المتنازعـة ويطلب الرأي والمشورة الفنية من أي شخص أو هيئة يرى أن معلوماتها تكون ضـرورية فـي إنجاز مهمته .

    ويعد فريق نظر النزاع تقريره في ضوء المعلومات التي يتوصل إليها، دون حضور أطراف النزاع.

    ويتعين على الفريق، عندما يكون أحد أطراف النزاع أو أكثر عضواً من البلدان النامية، ان يشير في تقريره صراحة إلى الشكل الذي جرت فيه مراعـاة الأحكـام ذات الصلة بالمعاملـة التفضيلية، والمعاملة الأكثر رعاية للبلدان النامية خلال إجراءات تسوية النزاع.

    ووفقاً للمادة (3/14) تدرج الآراء التي يعبر عنها بشأن النزاع المثار في تقرير الفريق دون ذكر أسماء مبديها، بما يعني أن التقرير ينسب إلى الفريق ككل.

التقرير الأولي ومراجعته من المتنازعين:

    أتاح اتفاق التفاهم لطرفي النزاع إجراء مراجعة مؤقتة (Interim Review) لمسودة تقرير الفريق، إذ أوجبت المادة (15) على الفريق – بعد نظر الحجج والدفاعات المقدمة من الطـرفين شفوياً وإعداد تقريره الأولي – أن يرسل إليهما وصفاً للنزاع متضمناً ما توصل إليه الفريق مـن حجج ووقائع ونتائج، بحيث يكون لطرفي النزاع التعليق كتابة على هذا الوصف الأولي وطلـب مراجعة بعض جوانبه، وذلك في غضون أجل يحدده الفريق.

    وفي ضوء ما يقدم الى الفريق من طلبات مراجعة وإعادة النظـر فـي التقريـر الأولـي (المؤقت) يعقد الفريق اجتماعاً إضافياً مع الأطراف المتنازعة في شأن القـضايا المحـددة فـي التعليقات الكتابية المقدمة إليه.

التقرير النهائي:

    وفقاً لما ينتهي إليه الاجتماع الاضافي ومناقشة الفريق للحجج المقدمة، وكذلك في حالة عدم ورود أية تعليقات كتابية للفريق، يصبح التقرير الأولي – المؤقت – تقريراً نهائياً، ويعمم بـدون إبطاء على الأعضاء.

   ويجب أن يتضمن التقرير النهائي للفريق مناقشة الحجج التي تقدم بها طرفا النزاع في حالة المراجعة المؤقتة.

    يجب على الفريق أن يوجه تقريره النهائي بشأن تسوية النزاع إلى جهاز تسوية المنازعـات DSB متضمنا: وقائع النزاع، والاتفاقيات ذات الصلة التي تمت مخالفتهـا، ومناقشة الحجـج المقدمة في مرحلة المراجعة المؤقتة، وتوصيات الفريق.

    وعلى الجهاز تعميم التقرير على أعضاء المنظمة، ولتوفير الوقت الكـافـي لـهـم لدراسـة هذا التقرير، لاينظر الجهاز في اعتماد تقرير الفريق قبل مرور 20 يوما علـى تعميمـه علـى الأعضاء.

   وإذا كان لأحد أعضاء المنظمة اعتراضات على التقرير النهائي للفريـق، عليـه أن يتقـدم به مكتوبـاً قبل عشرة أيام على الأقل من اجتماع الجهاز الذي سـوف ينظـر تقريـر الفريـق خلاله.

 اعتماد التقرير من الجهاز:

    وفقاً للمادة (4/16) من التفاهم يعتمد جهاز تسوية المنازعات تقرير الفريق خلال 60 يومـاً بعد تاريخ تعميم التقرير على الأعضاء، ولأطراف النزاع الحق في المشاركة في دراسة تقريـر الفريق وتسجيل وجهات نظرها .

   وهنا نود الملاحظتين الآتيتين:

الملاحظة الأولى:

    إذا أخطر أحد الأطراف المتنازعة الجهاز بقراره بشأن مراجعته لقرار الفريق وطلب مـن الفريق إعادة النظر فيه، فلا يمكن لجهاز التسوية النظر في اعتمـاد القـرار إلا بعـد اسـتكمال إجراءات المراجعة وإعادة النظر.

الملاحظة الثانية:

    لجهاز تسوية المنازعات أن يقرر بتوافق الآراء (Consensus)، أي الإجماع السلبي، عدم اعتماد التقرير.

    ووفقاً لهذا النظام يكفي اعتراض أحد طرفي النزاع لرفض تقرير الفريق. فإن تعذر توافق الآراء، تعين اللجوء إلى التصويت الذي يقوم على المساواة بين الدول الأعضاء في المنظمة.

البند الثاني

المراجعة وإعادة النظر

"الاستئناف"

مراجعة القرار النهائي للفريق من خلال هيئات المراجعة:

    أجاز تفاهم تسوية المنازعات الذي وضعته منظمة التجارة العالمية لكل من طرفي النزاع، إن لم يرق له القرار النهائي لفريق نظر النزاع، أن يستأنف نظر هذا القرار أمام هيئة المراجعة أو هيئة الاستئناف، كما يسميها البعض.

    وحق المراجعة أو الاستئناف مقصور على طرفي النزاع، ولكن للطرف الثالث، الذي أخطر جهاز تسوية المنازعات بما له من مصلحة جوهرية في موضوع النزاع، وفقاً للمادة (2/10) من التفاهم، أن يقدم مذكرات كتابية إلى جهاز الاستئناف، أو يمنح فرصة التحدث أمامه.

   ووفقاً للفقرة السادسة من المادة (16) من التفاهم فإن المراجعة تقتصر على المسائل القانونية الواردة في تقرير فريق نظر النزاع، وأيضاً على التفسيرات القانونية التي توصل إليها.

إجراءات إعادة النظر:

   لم يضع نظام منظمة التجارة العالمية "DSB" إجراءات معينـة يجـب اتباعهـا لمراجعـة قرارات فرق نظر النزاع، وإعادة النظر فيها، واقتصر على تقرير القواعد والإجراءات الآتية:

    (أ)- تضع هيئة المراجعة إجراءات عملها بالتشاور مع رئيس جهاز تـسوية المنازعـات والمدير العام، وترسل الإجراءات إلى الأعضاء للعلم بها.

    (ب) – تكون إجراءات هيئة المراجعة سرية، ولكن على الهيئة أن تتيح لاطراف النـزاع المذكرات المكتوبة المقدمة إليها.

     (ج) تعد تقارير هيئة المراجعة دون حضور أطراف النزاع، وفـي ضـوء المعلومـات والبيانات المقدمة.

     (د) تدرج آراء أعضاء هيئة المراجعة في تقريرها دون ذكر أسماء مبديها.

     (هـ) لهيئة المراجعة أن تقر، أو تعدل، أو تنقص نتائج واستنتاجات ما توصل إليه فريـق نظر النزاع .

     (و) لا يجوز إجراء أية اتصالات من طرف واحد مع هيئة المراجعة بشأن الامور التـى تنظر فيها

مدة المراجعة:

   وفقاً للمادة (5/17) من التفاهم، الحد الأقصى الذي تستغرقه إجراءات المراجعة هو سـتون يوماً، تبدأ من تاريخ تقديم أحد أطراف النزاع إخطاراً بقراره وطلـب الاستئناف أو المراجعـة وحتى التاريخ الذي تعمم فيه هيئة المراجعة تقريرها.

    ومع ذلك إذا رأت هيئة المراجعة (جهاز الاستئناف) أنها لن تتمكن من تقديم تقريرها خلال مدة الستين يوماً المذكورة، فعليها إعلام جهاز تسوية المنازعات كتابة بأسباب التأخير مع تقـدير الفترة الاضافية التي تحتاج إليها لتقديم التقرير على ألا تزيد عن ثلاثين يوماً.

توصية هيئة المراجعة:

    إذا ثبت لهيئة المراجعة أن تدبيراً أو إجراء من الإجراءات التي تقررها اتفاقيـات منظمـة التجارة العالمية تمت مخالفتها، فإنها توصي بأن يعدل العضو المشكو موقفه بما يتوافق مع هـذه الاتفاقيات.

كما يجوز للهيئة أن تقترح سبلاً ووسائل للتوصل إلى تسوية مرضية للطرفين المتنازعين وكذلك السبل التي يستطيع العضو المعني بموجبها تنفيذ التوصيات، غير أن هذه الاقتراحات لا تكون ملزمة لطرفي النزاع.

اعتماد تقرير هيئة المراجعة:

   تقرير هيئة المراجعة (الاستئناف كما يسميها البعض) يعتمده جهاز تسوية المنازعات، وذلك ما لم يقرر بتوافق الآراء عدم اعتماده في غضون 30 يوماً بعد تعميمه على أعضاء المنظمة، ملاحظة ألا يكون من شأن إجراءات الاعتماد الإجحاف بحق الأعضاء في التعببير عن وجهـات مع نظرهم في تقرير هيئة المراجعة.

   ويكون قبول الأطراف توصية هيئة المراجعة دون شروط أو قيود.

البند الثالث

قواعد تسوية المنازعات

   تضمن نظام تسوية المنازعات الذي وضعته منظمة التجارة العالمية عدداً من القواعد واجبة المراعاة عند اللجوء إليه، ونشير فيما يأتي إلى أهم هذه القواعد:

 

    أولاً- وفقاً للمادة (1/23) من التفاهم، فإن قواعده وإجراءاته هي التي تطبق عندما يسعى الأعضاء إلى تصحيح انتهاك الالتزامات وغيرها من إلغاء أو تعطيل المصالح التـي تقررهـ اتفاقات منظمة التجارة العالمية التي يشملها تفاهم تسوية المنازعات.

    وإلى جانب القواعد التي نظمها التفاهم، فإن القواعد الأخرى التـي تـضمنتها الاتفاقيـات المشمولة تكون واجبة التطبيق أيضاً.

   ثانياً- يجب عند بت الانتهاكات موضوع النزاع، أن يكون هذا البت متسقاً مع النتائج التـي تتوصل إليها فرق نظر النزاع أو هيئات المراجعة "الاستئناف" المعتمـدة مـن جهـاز تـسـوية المنازعات .

   ثالثاً- يجب عند تحديد قدر أو مستوى تعليق التنازلات وغيرهـا مـن الالتزامـات اتبـاع الإجراءات التي حددتها المادة (22) من التفاهم، وهي التي سوف نعرضها لاحقا بصدد دراسـة التدابير الوقائية من تعويض وتعليق للالتزامات. كما يتعين الحصول علـى تـرخيص جهـاز تسوية المنازعات قبل اتخاذ قرار تعليق التنازلات وغيرها من الالتزامات.

   كما يتعين – في هذا الصدد - مراعاة ما نصت عليه المادة (2/19) من التفاهم التي تقرر أن فرق نظر النزاع وهيئات المراجعة لا يمكنها زيادة أو نقص الالتزامات والحقوق المقـررة فـي الاتفاقات التي يشملها اتفاق التسوية.

   رابعاً- تضمن نظام تسوية المنازعات الذي وضعته منظمة التجارة العالمية معاملة خاصـة بالأعضاء النامية والأقل نمواً، وتتمثل هذه المعاملة الخاصة في الكثير من الأوجه نذكر أهمها في الآتي:

1- معاونة البلاد النامية والأقل نمواً:

    - أجازت المادة (2/24) من التفاهم ،في حالات تسوية المنازعات التي تشمل عضواً مـن البلدان الأقل نمواً، للمدير العام أو رئيس جهاز تسوية المنازعات، بناء على طلـب مـن عضو من هذه البلدان، أن يعرض مساعيه الحميدة، أو نظر النزاع بواسطة فريق خاص، أو الوساطة لمساعدة الأطراف على تسوية النزاع .

2- رعاية البلاد النامية والأقل نمواً:

    تتمثل هذه الرعاية في ما أوصت به المادة (1/24) من ممارسة الأعضاء ما يجب من ضبط النفس عند إثارة أمور بموجب الإجراءات التي يفرضها جهاز تسوية المنازعات تجاه الأعـضاء الأقل نمواً.

    كما يتوجب على الشاكي ضبط النفس عند طلب التعويض أو التمـاس التـرخيص بتعليـق تطبيق التنازلات أو غيرها من الالتزامات، في حالة حدوث إلغاء أو تعطيل نتيجة لتدبير اتخـذه عضو من البلدان النامية.

3- إذا كان من آثار موضوع النزاع – الشاكي – عضواً من البلدان النامية، أوجبت المادة (7/21) على جهاز تسوية المنازعات النظر فيما يمكن اتخاذه من إجراءات اضافية تتناسب والظروف.

4- إذا كان رافع القضية عضو من البلدان النامية، يجب على جهـاز تـسوية المنازعـات أن يراعي، إلى جانب الشمول التجاري للإجراءات موضوع الشكوى، آثارها علـى اقتـصـاد الأعضاء من البلدان النامية المعنية.

5- وفقاً للبند (12) من المادة (3) من مذكرة التفاهم إذا قدم عضو من بلد نام شكوى ضـد عضو من بلد متقدم، جاز للأول – الشاكي – إن يستند إلى الأحكام الواردة فـي قـرار 5 أبريل 1966 (145/18 BISD) بدلاً من الأحكام المقابلة لها فـي التفـاهم التـي قررتها المواد (4 و5 و6 و12) وفي حالة الاختلاف بين القواعد التي تقررها المواد (4 و5 و6 و12) من التفاهم والقواعد التي يقررها القرار المشار إليه، فـالعبرة بهـذه الأخيرة.

البند الرابع

تنفيذ قرارات التسوية

التنفيذ الطوعي والتعويض والتدابير المضادة:

    نقصد بقرارات التسوية هنا معناها العام، أي: القرارات والتوصيات التـي تتوصـل إليهـا أجهزة تسوية المنازعات في إطار منظمة التجارة العالمية، سواء صدرت من الفرق الخاصة، أو من هيئات المراجعة وإعادة النظر في النزاع، أو من جهاز التسوية ذاته.

   هذه القرارات تكون واجبة التنفيذ بمجرد صدورها دون إبطاء، طالما توافرت فيها شـروط وإجراءات إصدارها وصحتها ونفاذها.

    فاذا لم يقم من صدرت في حقه هذه القرارات بتنفيذها طوعاً واختياراً، فإنـه يتعـرض لأن تتخذ ضده بعض التدابير المضادة المؤقتة، كالتعويض المقبول من طرفي النزاع، ووقف بعـض التنازلات أو الالتزامات الأخرى التي كان يلتزم بها الطرف الشاكي، والهدف من هذه التدابير هو دفع المشكو إلى تنفيذ ما صدر ضده من قرارات أو توصيات .

    والآتي لمحة موجزة عن التنفيذ الطوعي، ثم التدابير المضادة التي نص عليها التفاهم:

 أولاً- التنفيذ الطوعي:

   يسعى نظام تسوية منازعات منظمة التجارة العالمية إلى أن يكون تنفيذ قراراتـه طـوعـاً مـن الطرف المعني الذي صدرت ضده، لذلك تبدأ إجراءات هذا التنفيذ بأن يوصي جهاز التسوية بتعـديل الإجراء المخالف محل الشكوى بما يتلاءم مع الحكم الذي تمت مخالفته، أو سحب هذا الإجراء كلية.

    كما قد تقترح فرق نظر النزاع أو هيئات المراجعة طرقاً ووسائل تمكن العضو المخالف من التنفيذ الطوعي لتوصياتها وقراراتها.

   والتنفيذ الطوعي يجب أن يكون فورياً، لذلك أوجبت المادة (3/21) على العضو المعن أن يعلم جهاز تسوية المنازعات بنواياه فيما يتعلق بهذا التنفيذ الطوعي .

    وبهدف تسهيل التنفيذ وتذليل ما قد يعترضه من عقبات، أتاح الجهاز للعضو المعنى مهلـ لهذا التنفيذ، يتم تحديدها من الطرف نفسه، أو باتفاق الطرفين، أو بحكم تحكيمي، وذلـك علـى الوجه الآتي:

- للعضو المعني أن يقترح منحه فترة معقولة لإجراء التنفيذ خلالها، وهنا يتعـين موافقـة جهاز التسوية على هذه الفترة وإقراره لها.

- فاذا لم يقر الجهاز الفترة التي يقترحها الطرف المعني، فإن هـذه المـدة يـتم تحديـدها باتفاق أطراف النزاع خلال 45 يوماً بعـد تـاريخ اعتمـاد التوصـية أو القـرار مـن الجهاز.

- إذا لم تتفق أطراف النزاع، يتم تحديد الفترة بواسطة التحكيم الملزم خلال 90 يوماً مـن تاريخ اعتماد التوصيات والقرارات. وفي هذه الحالة يجب ألا تتجاوز الفترة المعقولة التي تمنح للتنفيذ 15 شهراً من تاريخ اعتماد تقرير فريق نظر النزاع أو هيئـة المراجعـة و إعادة النظر (الاستئناف)، ومع ذلك يمكن إطالة هذه المدة أو تقصيرها حـسب ظـروف الحال .

   وفي جميع الأحوال، وإعمالاً للفقرة (4) من المادة (21) من التفاهم، لا يجوز أن تزيد المدة من تاريخ إنشاء فريق نظر النزاع بواسطة جهاز تسوية المنازعات، وحتى تاريخ تحديد الفتـرة الزمنية المعقولة التي تمنح للطرف المعني على 15 شهراً، وذلك ما لم تتفق أطراف النزاع على غير ذلك.

    ويلاحظ في هذا الصدد أنه إذا تم تمديد فترة تقديم تقرير فريـق نظـر النـزاع أو هيئـة المراجعة (الاستئناف)- بالتطبيق للفقرة (9) من المادة (12) أو الفقرة (5) مـن المـادة (17) - تعين اضافة فترة التمديد إلى فترة ال 15 شهرا المشار إليها، وبشرط إلا يتجاوز مجموع 18 شهراً. وهنا أيضاً يمكن أن تمتد هذه المدة الأخيرة في حالة وجود ظروف استثنائية يتفـق المـدة عليها أطراف النزاع.

   وإذا لم يتم التنفيذ خلال المواعيد السابقة، يعرض الأمر على الجهاز لمتابعـة التنفيـذ مـع الطرف المعني من خلال التقارير التي توضح ما تم تنفيذه، وما سيتم تنفيذه مستقبلاً.

    أما إذا ثار خلاف بين الطرفين الـشاكي والمـشكو منـه فيمـا يتعلـق بتنفيـذ قـرارات التسوية فيجوز عرض هذا الخلاف على الفريق الذي نظر النزاع أو هيئـة المراجعـة بحـسب الأحوال.

مراقبة الجهاز لتنفيذ القرارات:

    إمعاناً في فاعلية نظام تسوية المنازعات، خول هذا النظام لجهاز التسوية سلطة مراقبة تنفيذ القرارات والتوصيات التي تصدر في هذا الشأن، وتظهر هذه الرقابة من خلال ما أجازته المـادة (6/21) لأي عضو من أعضاء المنظمة أن يثير لدى جهاز تـسوية المنازعـات مـسألة تنفيـذ توصيات وقرارات التسوية بعد اعتمادها وصيروتها قابلة للتنفيذ.

    وفي هذه الحالة تدرج مسألة تنفيذ التوصيات والقرارات على جدول أعمال اجتماع الجهـاز بعد ستة أشهر من تاريخ تحديد الفترة الزمنية المعقولة اللازمة لتنفيذها، وذلك على الوجه السابق تحديده، وتبقى مسألة التنفيذ على جدول أعمال الجهاز إلى أن تحل ويتم التنفيذ، مـا لـم يقـرر الجهاز خلاف ذلك.

   وإعمالاً لرقابة جهاز تسوية المنازعات على تنفيذ قرارات التسوية، أوجبت المادة (21) من التفاهم على العضو المعني أن يزود الجهاز تقريراً مكتوباً عن الوضع الراهن للتنفيذ والتقدم الذي حققه قبل عشرة أيام على الأقل من اجتماع الجهاز.

ثانيا- التعويض:

   إذا لم يتم تنفيذ التوصيات والقرارات المعتمدة من المجلس طواعية خلال الفتـرة المعقولـة على الوجه المتقدم بيانه، فإن التنفيذ يمكن أن يتم عن طريق التعـويض COMPENSATION الذي يتفق عليه طرفا النزاع.

    ويتحدد التعويض وطبيعته عن طريق المفاوضات التي يدعو إليها الطرف الـذي صـدرت لصالحه القرارات التي لم يتم تنفيذها، والتي يجب على الطرف المخالف أن يقبلها.

   ويجب على طالب التعويض أن يتقدم بطلب المفاوضات في موعد لا يتجاوز الفترة الزمنية المعقولة السابق تحديدها.

   ويحدد التعويض في هذه الحالة بإتفاق الطرفين وتراضيهما، ولا يمكن أن يفرضه المتضرر على الطرف الآخر المخالف لأحكام اتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي يشملها نظام التسوية، ومن ضمنها اتفاقية "تربس".

    ولا يتمثل التعويض في دفع مبالغ مالية للطرف المتضرر، كما هو في معنـاه الـعـام وف لقواعد المسؤولية المدنية، وإنما هو تعويض عيني يتمثل عادة في مزايا مالية وغير مالية، مثـل رفع الرسوم الجمركية التي يلتزمها العضو المخالف، أو تخفيض هـذه الرسـوم علـى واردات الطرف الذي صدر لصالحه القرار محل التنفيذ.

   ويتسم التعويض بكونه إجراء مؤقتاً، لأن الأصل هو الامتثال لقرارات وتوصيات التسوية، وتنفيذها تنفيذاً كاملاً بتعديل الإجراء المخالف أو سحبه بما يتوافق مع اتفاقيات منظمـة التجـارة العالمية المشمولة، أو إلى أن يتم التوصل إلى حل مرض للطرفين.

   لذلك فالتعويض هنا يقوم بدور قريب من دور الغرامة التهديدية.

ثالثاً- التدابير المضادة:

    إذا لم تنفذ قرارات التسوية طواعية، ولم يتم الاتفاق على تعويض معـين، فيمكن عندئـذ اللجوء إلى جزاء التدابير المـضادة ويقصد بالتـدابير المـضادة "Conter. Measures" تلـك الإجراءات والتدابير التي يمكن أن يتخذها الطرف الذي صدر لصالحه قرار من جهـاز تـسـوية المنازعات ولم يتم تنفيذه، ولا الاتفاق مع الطرف الآخر على تعويض مرض. وتتمثل هذه التدابير في تعليق التنازلات وغيرها من الالتزامات التي يتحملها أصلاً الطرف الـذي صـدر لـصالحه القرار. ويتعين على العضو الذي يرغب في تعليق تنازلاته أو التزاماته أن يبين في طلبه الأسباب الداعية لذلك، وأن يرسل الطلب في الوقت ذاته إلى جهاز تـسوية المنازعـات والمجـالس ذات الصلة، وإلى الأجهزة القطاعية المعنية.

قواعد إتخاذ التدابير المضادة:

   حددت المادة (22) من التفاهم بعض القواعد والإجراءات التي يتعين على العضو مراعاتها عند اتخاذه التدابير المضادة نوجزها في الآتي:

    أولاً- يكون تعليق التنازلات وغيرها من التدابير المضادة من بين الالتزامات المتعلقة بذات القطاع أو القطاعات التي حدثت بشأنها المخالفة من انتهاك أو إلغاء أو تعطيل. فإن كان ذلـك غير كاف أو غير عملي أو غير فعال، جاز أن يكون التعليق في القطاعات الأخرى بموجب ذات الاتفاق، وإلا جاز تعليق التنازلات المتعلقة باتفاق آخر من اتفاقيات منظمـة التجـارة العالميـة المشمولة بنظام تسوية المنازعات.

    ثانيـاً- يكون مستوى تعليق التنازلات وغيرها من الالتزامات التي يرخص بها جهاز تسوية المنازعات معادلاً لمستوى الإلغاء أو التعطيل، مع ملاحظـة أن جهـاز تـسوية المنازعـات لا يرخص بتعليق التنازلات أو غيرها من الالتزامات إذا كان الاتفاق المعني يحظر هذا التعليق.

    ثالثاً – في حالة تعليق التنازلات أو غيرها من الالتزامات في القطاعات الأخرى غير القطاع الذي وقع فيه الانتهاك أو الإلغاء أو التعطيل، فإن جهاز تسوية المنازعات يمنح ترخيصاً بذلك إذا طلب منه- خلال 30 يوماً من انقضاء الفترة الزمنية المعقولة، وذلك مألم يقرر الجهاز بتوافق الآراء رفض الطلب.

   رابعاً- إذا أعترض العضو المعني على مستوى التعليـق المقتـرح، أحيـل الأمـر إلـى التحكيم، ويتولى التحكيم الفريق الأصلي الذي نظر النزاع، فإذا لم يوجد هـذا الفريـق، عـين المدير العام محكماً فرداً أو مجموعة.

    وعندئذ ينبغي مراعاة الآتي:

    1. أن يستكمل التحكيم خلال 60 يوماً بعد موعد انقضاء الفترة الزمنية المعقولة.

    2. ألا تعلق التنازلات أو الالتزامات الأخرى خلال فترة التحكيم. –

    3. لا ينظر المحكم في طبيعة التنازلات وغيرها من الالتزامات التي يطلب تعليقها، وإنمـا يقتصر دوره على تحديد ما إذا كان مستوى التعليق معادلا لمستوى الإلغاء أو التعطيل، وما إذا كان التعليق المقترح مسموحاً به بموجب الاتفاق المعني، أم غير مسموح به .

    4. على الأطراف أن تقبل قرار المحكم باعتباره قراراً نهائياً، وليس لها أن تلتمس تحكيماً ثانياً.

    5. يصدر جهاز تسوية المنازعات، إذا طلب منه ذلـك، التـرخيص بتعليـق التنـازلات والالتزامات، إذا كان الطلب متفقا مع قرار المحكم، وذلك مالم يقرر الجهـاز بتوافـق الآراء رفض الطلب.

    خامساً - تعليق التنازلات وغيرها من الالتزامات يكون مؤقتاً، ولا يطبق إلا إلى حين إزالـة التدبير الذي يتعارض واتفاقيات منظمة التجارة العالمية، أو إلى أن يوفر العضو المخـالف حـلاً لإلغاء أو تعطيل المصالح، أو التوصل إلى حل مرض للطرفين  

    سادساً- يمكن اتخاذ التدابير والإجراءات المـضادة بالنسبة للإجـراءات التـي تتخـذها الحكومات وسلطاتها الإقليمية والمحلية ضمن أراضي عضو ما، والتي تؤثر على تقيدها بأحكـام اتفاقيات المنظمة العالمية، وعندئذ يجب على العضو المسؤول أن يتخذ أيـة إجـراءات معقولـة متاحة له ليضمن احترام الالتزامات في الاتفاق المعني وأحكام تسوية المنازعات، وتكون الأولوية لأحكام الاتفاقية التي لم تراع أحكامها.

   سابعاً- لا يتضمن نظام تسوية المنازعات جزاءات أو وسائل جماعية تتخذها المنظمة قبـل المخالف، وإنما يترك ذلك للعلاقة بين طرفي النزاع، على الرغم مما قد يكون بينهما مـن عـدم تماثل في القوة يجعل للأقوى أن يفرض رأيه على الأقل قوة منه، وهذا يدفعنا إلى القـول بـأن قرارات تسوية النزاعات لا يمكن تنفيذها تنفيذاً جبرياً بالمعنى الدقيق، أي: تنفيذاً عينيـاً بـالقوة الجبرية، إذا اقتضى الأمر ذلك.

المطلب الثالث

مرحلة التحكيـــــــــــــم

Arbitrage

    نظام تسوية المنازعات الذي نظمه اتفاق التفاهم على الوجه السابق عرضه ليس نظامـ إلزامياً على أطراف النزاع، وإنما هو يمثل فقط طريقاً يمكن للأطـراف المتنازعـة ولوجـه بالاتفاق فيما بينها، لذلك نص الاتفاق على نظام آخر بجوار الطريق الاختيـاري الأول، هـو نظام التحكيم الذي نظمته المادة (25) من التفاهم، وسمته التحكيم الـسريع بنـصها علـى أن التحكيم السريع في إطار منظمة التجارة العالمية يمكن أن ييسر، باعتباره وسيلة بديلـة مـن وسائل تسوية المنازعات، التوصل إلى حل لبعض النزاعات على المسائل التي يحددها طرفا النزاع بوضوح.

    وفي ضوء الأحكام التي نصت عليها المادة (25) من التفاهم، التي نظمت التحكيم الـسريع، والقواعد والأحكام المنظمة للتحكيم بصفة عامة باعتباره من الوسائل البديلة لتسوية المنازعـات، يمكن رسم الإطار العام لهذا التحكيم في الآتي:

أولا- هو تحكيم اختياري:

    المقصود بذلك أن اللجوء إليه يترك لاتفاق طرفي النزاع وتراضيهما، ولا يفرض عليهمـا، وفي هذا المعنى تقرر الفقرة (2) من المادة (25) أنه: باستثناء أي نص آخر في هـذا التفـاهم، يكون اللجوء إلى التحكيم رهنا بموافقة طرفي النزاع .

     ويمكن اللجوء إلى هذا التحكيم في أية مرحلة مـن مراحـل النـزاع: مرحلـة التـشاور والمفاوضات، أو مرحلة نظر النزاع بواسطة الفرق الخاصة، أو بواسـطة هيئات المراجعـة وإعادة النظر.

    ولا تقتصر الصفة الأختيارية لهذا التحكم على حرية اللجوء أو عدم اللجـوء إليـه، وإنمـا للطرفين أيضاً حرية الاتفاق على تشكيل هيئة التحكيم التي يعرض عليها النزاع، فلهما الاتفـاق على إحدى هيئات التحكيم المؤسسي، كهيئة تحكيم غرفة التجارة الدولية في باريس (221) ، ولهما أن يتفقا على تكوين هيئة تحكيم خاصة يعينان أشخاص المحكمين فيها.

    وفي هذه الحالة يمتد اتفاقهما ليشمل مكان التحكيم، وموضوع النزاع محل التحكـيم، كمـا يملكان تحديد القواعد الإجرائية التي يلتزمها المحكمون .

    ويرى بعض الفقه أن اتفاق الطرفين يمتد ليشمل القانون الموضـوعي الواجـب التطبيـق على النزاع، ولكننا نرى خلاف ذلك، ونعتقد أن القانون الواجب التطبيق مـع هـذا التحكـيم هو قانون منظمة التجارة العالمية ممثلاً في القواعد التي تضمنها الاتفاق الـذي تمـت مخالفـة أحكامه، وإلا أدى القول بغير ذلك إلى إمكان عدم تطبيق هذه الاتفاقيات، وهو ما يناقض الهـدف الذي من أجله أبرمت الاتفاقيات ووجدت المنظمة، أما في حالة عدم وجود قواعد موضوعية لحل النزاع في اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، فيمكن عندئذ الاتفاق بين طرفي النزاع على هـذه القواعد.

    أما إذا رغب الطرفان المتنازعان في حل نزاعهما خارج إطار منظمة التجـارة العالميـة، فيمكن عندئذ الاتفاق على القواعد الموضوعية التي يطبقها المحكم.

    ثانياً مع هذا التحكيم، وكما قررت الفقرة (3) من المادة (25)، لا يجوز للأعضاء الأخرى أن تصبح طرفاً فيه إلا بموافقة الطرفين اللذين وافقا على اللجوء إليه.

    ثالثاً- لتمكين الأطراف المعنية بموضوع النزاع من طلب الانضمام الى هذا التحكيم أوجب التفاهم على طرفي النزاع إخطار جميع أعضاء منظمة التجارة الدولية بالاتفاق على اللجوء إلـى التحكيم قبل فترة كافية من البدء الفعلي في إجراءاته.

رابعاً- إلزامية حكم التحكيم:

    لإضفاء الصفة الملزمة على حكم التحكيم، ومن ثم جدية اللجوء إليه، نصت الفقرة (3) مـن المادة (25) على أن يتفق طرفا التحكيم على الالتزام بقرار التحكيم، وهذا الاتفاق هو الذي يضفي على قرار التحكيم قوته الملزمة.

    خامساً- يجب أخطار جهاز تسوية المنازعات بصورة من الحكم الصادر من هيئة التحكيم، وكذلك إلى مجلس أو لجنة أي اتفاق معني، وذلك لفتح المجال لأي عضو لإثارة أي موضـوع له صلة بموضوع التحكيم، كما لو كان حكم التحكيم يؤثر في مصالح إحدى الدول الأعضاء في المنظمة، عندئذ يمكن إثارة ذلك أمام جهاز تسوية المنازعات .

     سادساً- لا تتقيد هيئة التحكيم بالجزاءات التي تقررها منظمة التجـارة العالميـة، كإزالـة الإجراء المخالف، وتعليق التنازلات، والتعويض، فلها أن تلجأ إلى هذه الجزاءات وغيرهـا مـن التدابير، ولها أن تلجأ إلى غيرها، وفقاً لما تراه مناسباً، كما لها أن تقضي بوسائل تنفيذ الجزاءات التي تفرضها، كذلك تملك هيئة التحكيم الأمر باتخاذ ما تراه من إجـراءات وقنيـة، وإجـراءات تحفظية.

   سابعاً- لجهاز تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية دور مباشر في تنفيذ قرارات هذا التحكيم، ويظهر ذلك في ما قررته المادة (4/25) من التفاهم مـن تطبيـق المـادتين (21) (22) من هذا التفاهم على قرارات التحكيم، مع ما قد يقتضيه الحال من تعديلات، وتتعلق هاتان المادتان بمراقبة تنفيذ التوصيات والقرارات (المادة 21)، والتعويض وتعليق التنـازلات (المـادة 22)، وذلك على الوجه الذي سبق لنا التعرض له.

   ثامناً- تطبق على هذا التحكيم القواعد العامة في التحكـيم، مـا لـم تتعـارض وطبيعتـه الخاصة، أو ينص على خلافها، لذلك فإن حجية أحكامه تقتصر على أطرافـه، وتنفـذ أحكامـه طبقاً لقواعد وإجراءات تنفيذ الأحكام الأجنبية، وتنفيذ أحكام التحكيم بصفة عامـة، لـذلك يجـب ألا تخالف هذه الأحكام النظام العام، ولا تتعارض وأحكام قضائية أو أحكـام تحكـيم وطنيـة أو أجنبية.

   تاسعاً- يتميز هذا التحكيم بأن أحكامه تكون نهائية حائزة حجية الأمر المقضي به، غير قابلة للطعن فيها، لذلك فهي تكون واجبة التنفيذ بمجرد صدورها دون حاجة إلى تبني أو موافقة جهاز تسوية المنازعات.

   ومن تطبيقات هذا التحكيم في المنازعات المتعلقة ببراءات الاختراع، نذكر النـزاع الـذي نشب بين كندا والإتحاد الأوروبي في القضية رقم (114) من تحكيم منظمة التجارة العالمية الذي ادعى فيه الاتحاد الأوروبي عدم التزام كندا أحكام المادة (28) من اتفاقية "التربس" التـي تحــد الحقوق التي تمنح أصحاب براءات الاختراع، وتحدد الفترة الزمنية المعقولة التي يجب أن تنفـذ خلالها القرارات الصادرة من فرق نظر النزاع.